دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الزكاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 02:44 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مسائل في إخراج الزكاة

ولا يَجوزُ إخراجُها إلا بِنِيَّةٍ، والأفضَلُ أن يُفَرِّقَها بنفسِه ويَقولُ عندَ دَفْعِها هو وآخِذُها ما وَرَدَ، والأفضَلُ إخراجُ زكاةِ كلِّ مالٍ في فُقراءِ بلَدِه، ولا يَجوزُ نقْلُها إلى ما تُقْصَرُ فيه الصلاةُ، فإن فَعَلَ أَجزأَتْ، إلا أن يكونَ في بَلَدٍ لا فُقراءَ فيه فيُفَرِّقُها في أَقْرَبِ البلادِ إليه، فإن كان في بَلَدٍ ومالُه في آخَرَ أَخْرَجَ زكاةَ المالِ في بَلَدِه، وفِطرتَه في بَلَدٍ هو فيه، ويَجوزُ تَعجيلُ الزكاةِ لِحَوْلَيْنِ فأَقَلَّ ولا يُستَحَبُّ.


  #2  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 02:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 02:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ولا يجُوزُ إِخْرَاجُهَا)؛ أي: الزَّكَاةِ (إلا بنِيَّةٍ) مِن مُكَلَّفٍ لحديثِ (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) والأَوْلَى قَرْنُ النِّيَّةِ بدَفْعٍ، وله تَقْدِيمُها بزَمَنٍ يَسِيرٍ كصَلاةٍ فيَنْوِي الزَّكَاةَ أو الصَّدقَةَ الوَاجِبَةَ ونَحْوَ ذلك. وإذا أُخِذَت مِنْهُ قَهْراً أَجْزَأَت ظَاهِراً، وإن تَعَذَّرَ وُصُولٌ إلى المَالِكِ لحَبْسٍ أو نَحْوِه فأَخَذَهَا الإمَامُ أو نَائِبُه أَجْزَأَت ظَاهِراً وبَاطِناً. (والأَفْضَلُ أن يُفَرِّقَهَا بنَفْسِه) ليَكُونَ على يَقِينٍ مِن وُصُولِهَا إلى مُسْتَحِقِّهَا، وله دَفْعُهَا إلى السَّاعِي. ويُسَنُّ إِظْهَارُهَا، (و) أن (يَقُولَ) عندَ دَفْعِهَا (هو)؛ أي: مُؤَدِّيها (وآخِذُها ما وَرَدَ) فيَقُولُ دَافِعُها: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَماً ولا تَجْعَلْهَا مَغْرَماً، ويقولُ آخِذُها: آجَرَكَ اللَّهُ فيمَا أَعْطَيْتَ وبَارَكَ لكَ فيمَا أَبْقَيْتَ وجَعَلَهُ لكَ طَهُوراً، وإن وَكَّلَ مُسْلِماً ثِقَةً جَازَ وأَجْزَأَتْ نِيَّةُ مُوَكِّلٍ معَ قُرْبٍ، وإلا نوَى مُوَكِّلٌ عندَ دَفْعٍ لوَكِيلٍ ووَكِيلٌ عندَ دَفْعٍ لفَقِيرٍ، ومَن عَلِم أَهْلِيَّةَ آخِذٍ كُرِهَ إِعْلامُه بها، ومعَ عدَمِ عَادَتِه لا يَجْزِيه الدَّفْعُ له إلا إن أَعْلَمَهُ. (والأفضَلُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ في فُقَرَاءِ بَلَدِه) ويجُوزُ نَقْلُها إلى دُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِن بَلَدِ المَالِ؛ لأنَّه في حُكْمِ بَلَدٍ وَاحِدٍ، (ولا يجُوزُ نَقْلُهَا) مُطْلَقاً (إلى ما تُقْصَرُ فيه الصَّلاةُ) لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لمُعَاذٍ لمَّا بَعَثَهُ لليَمَنِ: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ). بخلافِ نَذْرٍ وكَفَّارَةٍ ووَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ (فإن فَعَلَ)؛ أي: نقَلَهَا إلى مَسَافَةِ قَصْرٍ (أَجْزَأَتْ)؛ لأنَّه دَفَعَ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه فبَرِئَ مِن عُهْدَتِه ويَأْثَمُ (إلا أن يَكُونَ) المالُ (في بلدٍ) أو مكانٍ (لا فُقَرَاءَ فيه فيُفَرِّقُهَا في أَقْرَبِ البِلادِ إليه)؛ لأنَّهم أَوْلَى، وعليه مَؤُونَةُ نَقْلٍ ودَفْعِ وَكِيلٍ ووَزْنٍ. (فإن كانَ) المَالِكُ (في بلدٍ ومالُه في) بلدٍ (آخَرَ أَخْرَجَ زَكَاةَ المَالِ في بَلَدِه)؛ أي: بَلَدٍ به المَالُ كُلَّ الحَوْلِ أو أَكْثَرَه دُونَ ما نَقَصَ عَن ذلك؛ لأنَّ الأَطْمَاعَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ به غَالِباً بمُضِيِّ زَمَنِ الوُجُوبِ أو ما قَارَبَهُ. (و) أَخْرَجَ (فِطْرَتَه في بَلَدٍ هو فيه) وإن لم يَكُنْ له به مَالٌ؛ لأنَّ الفِطْرَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بالبَدَنِ كما تَقَدَّمَ. ويَجِبُ على الإمامِ بَعْثُ السُّعَاةِ قُرْبَ زَمَنِ الوُجُوبِ لقَبْضِ زَكَاةِ المَالِ الظَّاهِرِ كالسَّائِمَةِ والزَّرْعِ والثِّمَارِ لفِعْلِه عليه السَّلامُ وفِعْلِ الخُلَفَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم بعدَهُ. (ويَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لحَوْلَيْنِ فأَقَلَّ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيَدَةَ في (الأَمْوَالِ) بإسنَادِه عَن عَلِيٍّ (أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ العَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ) ويُعَضِّدُه رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: (فهِيَ عَلَيَّ ومِثْلُهَا). وإنَّمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُها إذا كَمُلَ النِّصَابُ لا عَمَّا يَسْتَفِيدُه، وإذا تمَّ الحَوْلُ والنِّصَابُ نَاقِصٌ قَدْرَ ما عَجَّلَهُ صَحَّ وأَجْزَأَه؛ لأنَّ المُعَجَّلَ كالمَوْجُودِ في مِلْكِه، فلو عَجَّلَ عَن مِائَتَيْ شَاةٍ شَاتَيْنِ فَنَتَجَت عندَ الحَوْلِ سَخْلَةً لَزِمَتْهُ ثَالِثَةٌ، وإن ماتَ قَابِضُ مُعَجَّلَةٍ أو استَغْنَى قَبْلَ الحَوْلِ أَجْزَأت، لا إن دَفَعَها إلى مَن يَعْلَمُ غِنَاهُ فافتَقَرَ اعتِبَاراً بحالِ الدَّفْعِ. (ولا يُسْتَحَبُّ) تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ، ولِمَن أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً أَنْ يَعْتَدَّ بها مِن قَابِلِه. قالَ المُوَفَّقُ: إِنْ نَوَى التَّعْجِيلَ.


([1]) السِّيُوحُ: جَمْعُ سَيْحٍ وهو المَاءُ الظَّاهِرُ الجَارِي على وَجْهِ الأرضِ.
([2]) البَعْلِيُّ هو المَسْقِيُّ بماءِ المَطَرِ فَقَطْ.
([3]) الصَّوَابُ عَرْفَجَةُ بنُ أَسْعَدَ . انظُرْ تَقْرِيبَ التَّهْذِيبِ والإصابَةَ.


  #4  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ولا يجوز إخراجها) أي الزكاة (إلا بنية) من مكلف([1]) لحديث «إنما الأعمال بالنيات» ([2]) والأولى قرن النية بدفع([3]). وله تقديمها بزمن يسير كصلاة([4]) فينوي الزكاة، أَو الصدقة الواجبة، ونحو ذلك ([5]) وإذا أُخذت منه قهرًا أَجزأَت ظاهرًا ([6]) وإن تعذر وصول إلى المالك، لحبسأو نحوه، فأَخذها الإمام أو نائبه، أَجزأَت ظاهرًا وباطنًا([7]) (والأَفضل أن يفرقها بنفسه) ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها([8]).وله دفعها إلى الساعي([9]) ويسن إظهارها([10]) (و) أن (يقول عند دفعها هو) أي مؤديها (وآخذها ما ورد) ([11]). فيقول دافعها «اللهم اجعلها مغنمًا، ولا تجعلها مغرمًا» ([12]) ويقول آخذها: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورًا([13]). وإن وكل مسلمًا ثقة جاز([14]) وأَجزأَت نية موكل مع قرب ([15]) وإلا نوى موكل، عند دفع لوكيل([16]) ووكيل عند دفع لفقير([17]). ومن علم أَهلية آخذ، كره إعلامه بها([18]) ومع عدم عادته، لا يجزئه الدفع له إلا إن أَعلمه([19]) (والأَفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده)([20]) ويجوز نقلها إلى دون مسافة قصر، من بلد المال، لأَنه في حكم بلد واحد([21]) (ولا يجوز نقلها) مطلقًا (إلى ما تقتصر فيه الصلاة)([22]). لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «أَعلمهم أَن الله قد افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أَغنيائهم، فترد على فقرائهم»([23]). بخلاف نذر، وكفارة، ووصية مطلقة([24]) (فإن فعل) أي نقلها إلى مسافة قصر (أَجزأَت)([25]) لأنه دفع الحق إلى مستحقه، فبرئَ من عهدته، ويأْثم([26]) (إلا أَن يكون) المال (في بلد) أو مكان (لا فقراءَ فيه، فيفرقها في أقرب البلاد إليه) لأَنهم أولى([27]). وعليه مؤنة نقل، ودفع، وكيل، ووزن([28]) (فإن كان) المالك (في بلد وماله في) بلد (آخر أخرج زكاة المال في بلده) أي بلد به المال، كل الحول أو أكثره، دون ما نقص عن ذلك ([29]) لأن الأطماع إنما تتعلق به غالبًا بمضي زمن الوجوب، أو ما قاربه([30]) (و) أخرج (فطرته في بلد هو فيه) وإن لم يكن له به مال، لأن الفطرة إنما تتعلق بالبدن كما تقدم([31]). ويجب على الإمام بعث السعاة قرب زمن الوجوب، لقبض زكاة المال الظاهر، كالسائمة، والزرع، والثمار، لفعله عليه الصلاة والسلام، وفعل خلفائه رضي الله عنهم بعده([32]) (ويجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل)([33]) لما روى أبو عبيد في الأموال، بإسناده عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين([34]). ويعضده رواية مسلم «فهي علي ومثلها» ([35]) وإنما يجوز تعجيلها إذا كمل النصاب([36]) لاعمَّا يستفيده([37]).وإذا تم الحول، والنصاب ناقص قدر ما عجله، صح وأَجزأَه([38]) لأن المعجل كالموجود في ملكه([39]) فلو عجل عن مائتي شاة شاتين، فنتجت عند الحول سخلة، لزمته ثالثة([40]) وإن مات قابض معجلة، أَو استغنى قبل الحول، أَجزأَت([41]) لا إن دفعها إلى من يعلم غناه فافتقر، اعتبارًا بحال الدفع([42]). (ولا يتسحب) تعجيل الزكاة([43]) ولمن أَخذ الساعي منه زيادة أَن يعتد بها من قابلة([44]) قال الموفق: إن نوى التعجيل([45]).


([1]) لعدم أهلية غير المكلف لأداء الواجب، ولأن أداء الزكاة تصرف مالي، أشبه سائر التصرفات.
([2]) وأداؤها عمل، وقال صلى الله عليه وسلم «لا عمل إلا بنية» وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}ولا نزاع عند الأصحاب في ذلك، إذا كان المخرج هو المالك، أو النائب عنه، كولي صبي ومجنون. وقال الشارح: مذهب عامة أهل العلم أن النية شرط في إخراج الزكاة. قال الوزير: أجمعوا على أن إخراج الزكاة لا يصح إلا بالنية.
([3]) فاعتبر بعضهم النية عند الدفع، وفاقًا لمالك والشافعي، فلو عزلها لم تكف النية، وقال أبو حنيفة: لا يصح أداؤها إلا بالنية مقارنة الأداء. وجوز بعضهم النية عند عزل مقدار الواجب منها، فاكتفي بوجود النية حالة العزل تيسيرًا.
([4]) أي يجوز له تقديم النية قبل الإخراج بزمن يسير، كما يجوز تقديم النية على الصلاة بزمن يسير، وتقدم، وكالطهارة والحج.
([5]) كصدقة المال أو الفطرة، لا صدقة مطلقة، فلو نوى صدقة مطلقة لم تجز، ولو تصدق بجميع ماله، كصدقة نصاب من غير جنسه وفاقًا، ولأنها عبادة يتكرر وجوبها، فافتقرت إلى تعيين النية، وفاقًا كالصلاة، ولأن مصرف المال إلى الفقراء له جهات، فاعتبرت نية التمييز.
([6]) يعني من غير نية رب المال، فلا يطالب بها ثنانيًا، بلا نزاع، وأما باطنًا فلا تجزئ، لعدم النية، اختاره أبو الخطاب وابن عقيل، والشيخ وغيرهم، إذ الزكاة عبادة، فلا تجزئ بغير نية من وجبت عليه كالصلاة، وقال: ما يأخذه ولاة الأمور، بغير اسم الزكاة، لا يعتد بها.
([7]) لأن له إذاً ولاية على الممتنع، فقامت نيته مقام نيته، كولي صبي، وكالدين، ولأن له أخذها من الممتنع بالاتفاق، ولو لم تجزئه لما أخذها، وسواء المال الظاهر والباطن، وقيل: يجب دفع زكاة المال الظاهر إلى الإمام، ولا تجزئ بدونه، وهو قول الحنفية والمالكية، والقول القديم للشافعي.
([8]) وصيانة لحقهم عن الجنابة عليه، وتفريج كربة مستحقها، مع إعطائها للأولى بها، وفي المنتهى وغيره: ويفرقها بنفسه، بشرط أمانته، فإن لم يثق بنفسه، فالأفضل له دفعها إلى الساعي، لأنه ربما منعه الشح من إخراجها أو بعضها، وعند أبي الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل، واختاره ابن أبي موسى وغيره، للخروج من الخلاف، وزوال التهمة.
([9]) قال الشارح: لا يختلف المذهب أن دفعها للإمام جائز، سواء كان عدلاً أو غير عدل، وسواء الأموال الظاهرة والباطنة، ويبرأ بدفعها، تلفت في يد الإمام أو لا، صرفها من مصارفها أو لا، وقيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمر. فقال: ادفعها إليهم، وللإمام طلبها من الأموال الظاهرة والباطنة إن وضعها في أهلها وفاقًأ وإن علم أنه لا يزكي، فعليه أن يقول: أدها، وإلا ادفعها إلي. وما يأخذه الولاة من العشر، وزكاة الماشية، وغير ذلك، فقال الشيخ وغيره: يسقط عن صاحبه، إذا كان الإمام عادلاً، يصرفه في مصارفه، باتفاق العلماء، فإن كان ظالمًا، لا يصرفه في مصارفه الشرعية، فينبغي لصاحبه أن لا يدفع الزكاة إليه، بل يصرفها هو إلى مستحقها، فإن أكره على دفعها إلى الظالم، بحيث لو لم يدفعها إليه يحصل له ضرر، فإنه يجزئه في هذه الصورة. اهـ. وللمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه، قال النووي: وهذا لا خلاف فيه، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين.
([10]) سواء كان بموضع يخرجها أهله، أم لا، وسواء نفى عنه ظن السوء أم لا، لتنتفي عنه التهمة، ويقتدي به، وقوله { وَإِنْ تُخْفُوهَا} محمولة على صدقة التطوع.
([11]) ندبًا، للآية والأخبار، والصلاة هنا الدعاء والتبريك، وليس بواجب، لأنه لم يأمر معاذًا به، ولا يجب على الفقير.
([12]) رواه ابن ماجه، ويحمد الله على توفيقه لأدائها «ومغنمًا» أي مثمرة، لأن التثمير كالغنيمة «ومغرمًا» أي منقصة، لأن النقص كالغرامة.
([13]) لأنه مأمور به في قوله {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}أي ادع لهم، قال عبد الله بن أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال «اللهم صل عليهم» متفق عليه، وهذا إذا كان الدافع ربها، وإلا دعا له بالغيبة، وللرسول الحاضر، كرد السلام.
([14]) لأنها عبادة، والكافر ليس من أهلها، وغير الثقة لا يؤمن عليها، وظاهره ولو مميزًا، واشترط بعضهم التكليف، لأن المميز ليس أهلاً للعبادة، وصوبه في تصحيح الفروع، وتوسط عثمان وغيره، فاستحسن القول بجوازه مع القرب، دون البعد، ويجوز التوكيل في إخراج الزكاة وفاقًا.
([15]) أي قرب زمن الإخراج، من زمن التوكيل، لأن الفرض متعلق بالموكل، ولا يضر تأخير الأداء بزمن يسير.
([16]) لتعلق الفرض بالموكل، ووقوع الإجزاء عنه.
([17]) أي وينوي وكيل عند الدفع أيضًا، كما ينوي الموكل، صححه الشارح وغيره، لئلا يخلو الدافع إلى المستحق من نية مقارنة أو مقاربة، ولا تجزئ نية وكيل وحده إجماعًا، ويشترط لإجزائها، وملك فقير لها قبضها، ولا يصح تصرفه قبله، ولو وكل الفقير رب المال في القبض من نفسه، وأن يشتري بها بعد ذلك ثوبًا أو نحوه صح.
([18]) قال أحمد: لِمَ يُبكِّته؟ يعطيه ويسكت، ما حاجته إلى أن يقرعه؟، والمراد بالعلم هنا الظن.
([19]) أي ومن علم أهليته، مع علمه بعدم عادته للأخذ، لم يجزئه دفعها له، لأنه لا يقبل زكاة ظاهرًا.
([20]) أي المال ولو تفرق، أو كن المالك بغيره، بدليل الأحكام، ورخص السفر، ما لم تتشقص زكاة سائمة، ففي بلد واحد، وعلل المجد عدم النقل في الجملة، بأن فقراء كل مكان، لا يعلم بهم غالبًا إلا أهله، وكذلك تجب نفقة الفقير، على من علم بحاله، ويبذل الزكاة للمضطر، ويحرم نقلها إلى مضطر، أو محتاج، في مكان آخر، ويؤيده «أيما أهل عرصة، أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمة الله» رواه أحمد.
([21]) ويبدأ بالأقرب فالأقرب، فإن نقلها إلى البعيد، لتحري قرابة، أو من كان أشد حاجة، لا بأس به. قال أحمد: لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله.
([22]) وفاقًا للشافعي، سواء نقلها لقريب، أو أشد حاجة، أو لثغر أو غيره، أو لاستيعاب الأصناف، وسواء كان الناقل لها ربها أو غيره.
([23]) متفق عليه، وعن طاووس قال: في كتاب معاذ «خرج من مخلاف إلى مخلاف، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته» رواه الأثرم، فيفرقها الساعي، في مكان رب المال وما قاربه، ويبدأ بأقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم، وعنه: يجوز النقل، ويجزئ، قال الشارح: وهو قول أكثر أهل العلم، لأنه دفع الحق إلى مستحقه، فبرئ كالدين، ولعموم قوله «فترد على فقرائهم» والضمير للمسلمين، ولقوله { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} إلى آخر الآية، ولم يفرق بين فقراء وفقراء، وقوله لقبيصة «أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها» فدل على أنها كانت تنقل إليه، فيفرقها في فقراء المهاجرين والأنصار، واختار أبو الخطاب وغيره الجواز، لأن الأدلة في المسألة متقاربة، وقد وصلت إلى الفقراء، فدخلت في عموم الآية.وقال الشيخ: يجوز نقل الزكاة وما في حكمها، لمصلحة شرعية، وإذا نقل الزكاة إلى المستحقين بالمصر الجامع، مثل أن يعطي من بالقاهرة، من العشور التي بأرض مصر، فالصحيح جواز ذلك، فإن سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم، بخلاف النقل من إقليم إلى إقليم، مع حاجة أهل المنقول عنها، وإنما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته، وكرهوا نقل الزكاة، إلى بلد السلطان وغيره، ليكتفي أهل كل ناحية بما عندهم من الزكاة، ولهذا في كتاب معاذ «من انتقل من مخلاف إلى مخلاف، فإن صدقته وعشره في مخلاف جيرانه» «والمخلاف» عندهم كما يقال «المعاملة» وهو ما يكون فيه الوالي والقاضي، وهو الذي يستخلف فيه ولي الأمر جابيًا، يأخذ الزكاة من أغنيائهم، فيردها إلى فقرائهم، ولم يقيد ذلك بمسيرة يومين، وتحديد المنع من نقل الزكاة، ليس عليه دليل شرعي.
([24]) أي لم تقيد تلك بمكان معين، فله نقلها، ولو إلى مسافة قصر، والفرق كون الزكاة مواساة راتبة، فكانت لجيران المال، بخلاف هذه الأشياء، فإن كان النذر معينًا، بأن عينه الناذر لفقراء بلده، أو مكان معين، وجب صرفه لهم، لتعينهم، وكذا كفارة معينة، بأن قيدها الحالف بمكان معين، أو وصية، لم يجز إلا لما قيده به، من بلد معين، أو مكان معين.
([25]) للعمومات، وفاقًا لمالك، واختاره أبو الخطاب، والموفق، وغيرهما، وظاهر كلامهم يعني مع الحرمة.
([26]) يعني على القول بتحريم النقل، ولو لأجل رحم، أو شدة حاجة، والساعي وغيره في ذلك سواء، وله جعل الصرف إلى رب المال.
([27]) أو ما بقي منها بعد مستحقي مكانه، وبعث معاذ إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابيًا، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فتردها في فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد من يأخذه مني. رواه أبو عبيد، قال الوزير: وأجمعوا على أنه إذا استغنى أهل بلد عنها، جاز نقلها إلى من هم أهلها. والمسافر يفرقها في موضع أكثر الإقامة فيه، ما لم يفض إلى تأخيرها.
([28]) أي وعلى من وجبت عليه مؤنة نقل زكاة، مع حله أو حرمته، وعليه مؤنة تسليمها إلى مستحقها كاملة، وذلك من تمام التوفية، وكتسليم المبيع، وهل يجوز أن يوكل الفقير من يقبضها من بلد المالك لأن وكيله كهو، وهي بعد قبض الوكيل في ملك الموكل أم لا؟ استحسن بعضهم الأول.
([29]) نص عليه وفاقًا، وكذا إذا كان أكثر إقامته به فيه، وقال في الغاية: ومع تساوٍ يخير.
([30]) ولئلا تنقل الصدقة عن بلد المال، ولأن المال سبب الزكاة، فوجب إخراجها حيث وجد السبب، متفرقًا كان البلد أو مجتمعًا، إلا في نصاب سائمة في بلدين، فيجوز في أحدهما، لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان، والمراد بالأطماع أطماع الفقراء، «وطمع في الشيء وبه» حرص عليه.
([31]) أي من قوله: ومن وجبت عليه فطرة غيره، أخرجها مع فطرته، مكان نفسه.
([32]) يعني لقبض الزكاة كل عام، كما هو مستفيض، وجرى عليه عمل المسلمين، وقال تعالى{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}ومن الناس من لا يزكي، ولا يعلم ما عليه، فإهمال ذلك، إضاعة للزكاة، وعن عبد الله بن عمرو مرفوعًا «تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم» رواه أحمد وأبو داود، وفي رواية «لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا على مياههم» قال مالك: سنة السعاة أن يخرجوا أول الصيف، عند اجتماع أرباب المواشي بمواشيهم على المياه، للتخفيف عليهم، وعلى السعاة، واستظهر في الفروع عدم الوجوب، وأنه لم يذكر جماعة هذه المسألة بالكلية.
([33]) اقتصارًا على ما ورد، وتركه أفضل، خروجًا من الخلاف، وقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز تقديمها حولاً واحدًا. وفي الرواية الأخرى: أكثر من حول. وما زاد عن الحولين فلا يجوز عندنا، رواية واحدة.
([34]) ولفظ أحمد وأبي داود: أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك. «وأبو عبيد» هو الحافظ الفقيه، القاسم بن سلام، الأزدي، البغدادي، يقال: كان أبوه روميًا. ولد سنة مائة وأربع وخمسين، وله مصنفات كثيرة، منها «غريب الحديث» و«كتاب الأموال» وغيرهما، قال الحافظ: أحسن من صنف في الفقه وأجوده، توفي سنة مائتين وأربع وعشرين.
([35]) أي تعجلتها منه، وفي لفظ غير مسلم «إنا تعجلنا منه صدقة عامين» ولفظ البخاري والنسائي «هي على صدقة، ومثلها معها»، «وعضده» نصره وأعانه، أي يتقوى ما رواه أبو عبيد برواية مسلم، لأنه يحتمل أن معناه: تعجلت منه صدقة سنتين، فصارت دينًا علي، وقيل: قبض منه صدقة عامين، العام الذي شكا فيه العامل، وتعجل صدقة عام ثان، وكما لو تعجل لعام واحد، ولأنه حق مال، أجل للرفق، فجاز تعجيله قبل أجله كالدين، وقطع في الشرح والمنتهى بصحة التعجيل قبل الشروع فيه، وقدمه في الفروع، ونصره ابن نصر الله وغيره، فهو كتعجيله عن الحول الثاني قبل دخوله.
([36]) وفاقًا، لأنها سببها، فلم يجز تقديمها عليه، قال الموفق: بغير خلاف نعلمه «وكمل» بتثليث الميم، والضم أفصح، ويستعمل في الذوات والصفات، يقال: كمل. إذا تمت أجزاؤه، وكملت محاسنه، بمعنى التمام.
([37]) أي لا يجوز تعجيل الزكاة عما يستفيده من النصاب، لأنه تعجيل عما ليس في ملكه، لعدم وجوده، فلو ملك بعض نصاب، فعجل زكاته، أو زكاة نصاب، لم يجزئه، وفي الإقناع: ولا قبل السوم. واستظهر في المبدع الإجزاء بعد طلوع الطلع والحصرم، واختاره أبو الخطاب، وقدمه في الفروع، لأن وجود ذلك كالنصاب، والإدراك كالحول، وحكم الزرع كذلك، وقال الشيخ وغيره: يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها، بعد سبب الوجوب، عند جمهور العلماء، أبي حنيفة والشافعي وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة،
إذا ملك النصاب، ويجوز تعجيل العشريات قبل وجوبها، إذا كان قد طالع الثمر، قبل بدو صلاحه، ونبت الزرع، قبل اشتداد حبه، فإذا اشتد حبه، وبدا صلاح الثمر، وجبت الزكاة، وصرح ابن نصر الله وغيره بجواز تعجيلها من ولي كمالك.
([38]) ولو ظن ماله ألفًا، فعجل زكاته، فبان خمسمائة، أجزأه المعجل عن عامين.
([39]) حقيقة أو تقديرًا، ولهذا يتم به النصاب، ويجزئه من ماله، وإن عجل عن أربعين شاتين منها، لحولين، لا يجزئه عنهما، وينقطع الحول لنقص النصاب.
([40]) فكأن الحول حال على مائتين وواحدة، تفريع على قوله: لأن المعجل كالموجود في ملكه. ولو عجل من أربعين شاة شاة، فتم الحول عليها كذلك أجزأت، فلو نقصت شاة أخرى، وتم عليها الحول كذلك، استأنف حولاً إذا تمت، ولو تجزئه المعجلة، ولو عجل عن أحد نصابيه وتلف، لم يصرفه إلى الآخر، كما لو عجل شاة عن خمس من الإبل فتلفت، وله أربعون شاة، لم تجزئه عنها وفاقًا.
([41]) لأنه أداها لمستحقها، كالدين إذا عجله المدين، وكما لو عدمت عند الحول، لأنه يعتبر وقت القبض، لئلا يمتنع التعجيل.
([42]) وهو فيها غير مستحق لها لغناه، وكذا لكافر فأسلم، لأنه لم يدفعها إلى مستحقها، أشبه ما لو لم يفتقر، أو يسلم.
([43]) في ظاهر كلام الأصحاب، وتقدم أن تركه أفضل، خروجًا من الخلاف، قال في الفروع: ويتوجه احتمال بأن تعتبر المصلحة.
([44]) ذكره الشيخ وغيره، ولفظه: ما أخذه باسم الزكاة، ولو فوق النصاب بلا تأويل، اعتد به، وإلا فلا، وظاهره أن ما أهداه لعامل، أو أخذه العامل لا باسم الزكاة، بل غصبًا، لا يحتسب به من الزكاة.
([45]) جمعًا بين رواية عدم الاحتساب بالزيادة، وبين الاحتساب، وكذا حمل المجد رواية الجواز، على أن الساعي أخذ الزيادة بنية الزكاة، إذا نوى التعجيل، فإن علم أنها ليست عليه، وأخذها، لم يعتد بها على الأصح، لأنه أخذها غصبًا.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 08:43 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

قوله: «ولا يجوز إخراجها إلا بنية» أي: ولا يجزئ إخراج الزكاة إلا بنية ممن تجب عليه.والدليل على ذلك أثري ونظري.
أما الأثر فقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39] ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
وأما النظر؛ فلأن إخراج المال يكون للزكاة الواجبة، والصدقة المستحبة، ويكون هدية، ويكون ضماناً لمتلف، ولا يحدد نوع الإخراج إلا النية؛ فلا بد من النية عند إخراج الزكاة، فينوي إخراجها من ماله المعين، فإذا كانت عروض تجارة نواها عروض تجارة، وإن كانت نقدية نواها نقدية، وهكذا.وبناء على هذا لو أخرج رجل الزكاة عن آخر بدون توكيل فإنها لا تجزئ؛ لعدم وجود النية ممن تجب عليه.وظاهر كلام المؤلف أنها لا تجزئ، وإن أجاز ذلك من تجب عليه الزكاة وهذا هو القول الأول.ودليله أن النية إنما تكون ممن خوطب بها، والدافع قبل أن يُوَكَّلَ ليس أصلاً ولا فرعاً، ولذلك فإنها لا تجزئ؛ لأن النية لا بد أن تقارن الفعل.
والقول الثاني: أنه إذا أجاز ذلك من تجب عليه الزكاة، فإنها تجزئ.ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أجاز لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ الدفع لمن جاء إليه، وقال: إنه فقير، مع أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ كان وكيلاً في الحفظ فقط، وليس في الإعطاء، فأجازه النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ ولأن منع التصرف لحق الغير، فإذا أجازه ورضي فما المانع من قبوله لكن تبقى مشكلة النية، فيقال: بأن النائب قد نوى، وهذا النائب لو أذن له المالك قبل التصرف صح، فكذا إذا أذن له بعد التصرف كان صحيحاً، وهذا هو الأقرب، ولكن القول الأول هو الأحوط.وإنما نص المصنف على النية لئلا يقول قائل: إنها كالدين لا تجب النية فيه، فلو كان عليك دين لإنسان عشرة دراهم، ثم أعطيته الدراهم، ولم تنو شيئاً كان وفاء.
مسألة: هل يشترط التعيين، أي: عن المال الفلاني؟ مثال ذلك عندي ألف درهم، ومائة دينار، وعروض تجارة فأخرجت عشرة دراهم بنية الزكاة، ولم أعين، ومثال آخر عندي خمس من الإبل، وأربعون شاةً فأخرجت شاة بنية الزكاة، ولم أنوها للإبل أو الغنم، فالفقهاء قالوا بالإجزاء، مع أنهم يقولون: تجب في عين المال، لكن لها تعلق بالذمة.
مسألة: لو قال قائل: إن الله تعالى يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وإذا دفعها شخص عن آخر ليرجع بها لم تؤخذ الزكاة من مال صاحبها؟
فالجواب: أن يقال: إن المقصودَ إخراجُ ما يجب، وأما قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} فهو لبيان أن الزكاة فيما يملكه الإنسان.

وَالأْفْضَلُ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ .........
قوله: «والأفضل أن يفرقها بنفسه» أي: الأفضل أن يفرق من تجب الزكاة عليه زكاة ماله بنفسه أي: يباشر ذلك، وذلك لثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن ينال أجر التعب؛ لأن تفريقها عبادة.
الوجه الثاني: أن يبرئ ذمته بيقين، فإن الوكيل قد يتهاون بعض الشيء في إعطائها من لا يستحق أو في المبادرة بصرفها، أو يتهاون فتتلف عنده، أو غير ذلك.
الوجه الثالث: أن يدفع عنه المذمة، لا سيما إذا كان غنياً مشهوراً، ولا يعرف الناس له وكيلاً فيذمونه، ويقولون: إن فلاناً لا يزكي.
وقوله: «الأفضل» يُعلم منه أنه يجوز أن يوكل من يخرجها عنه سواء دفعها الوكيل من ماله، أو أعطاها من تجب عليه الزكاة ليخرجها.
فمثال الصورة الأولى: أن يقول من تجب عليه الزكاة لوكيله: عليّ مائة ريال مقدار زكاتي فأخرجها.
ومثال الصورة الثانية: أن يقول من تجب عليه الزكاة لوكيله: خذ هذه المائة مقدار زكاتي فأخرجها عني.
مسألة: ويجوز دفعها للساعي الذي يأتي من قبل الحكومة بشرط أن نثق أنها تصرف في مصارفها، فإن لم نثق فلا ندفعها، إلا أن نخاف رجوعهم علينا وطلبها إذا لم ندفعها لهم، فندفعها وإن غلب على ظننا أنها لا تصرف في مصارفها.ويكون الإثم في هذه الحالة على الساعي؛ لأنه لم يصرفها في مصرفها.
وقوله: «يفرقها بنفسه» يتفرع عليه مسألتان هما:
المسألة الأولى: هل الأفضل أن يفرقها سراً أو علانية؟الصحيح أن ينظر للمصلحة، فإذا كانت المصلحة في الإعلان أعلن، وإذا كانت في الأسرار أسر.
وإن كانت المصلحة في أن يعلن عن زكاة بعض ماله حتى يقتدي الناس به، ثم يسر في زكاة باقي ماله فليفعل؛ لأن الأصل في إخراج المال سواء كانت زكاة أو صدقة الإسرار، حتى لا يقع الإنسان في الرياء، وأنه بذلها ليقال: فلان كريم، وعليه فالمراتب ثلاث:
الأولى: أن يترجح الإظهار كما إذا كان المقام عاماً كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جاءه جماعة من مضر، فجعل الناس يتصدقون علناً وأثنى النبي صلّى الله عليه وسلّم على من ابتدأ بالصدقة، بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» ولما فيه من تشجيع الأمة على فعل الخير.
الثانية: أن يترجح الأسرار.
الثالثة: ألا يترجح هذا ولا هذا، فالإسرار أفضل لأمرين:
1 ـ أنه أبعد عن الرياء.
2 ـ أنه أستر لحال المعطى والدليل على هذا أن الله أثنى على المتصدقين الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية.
المسألة الثانية: هل يُعلم المزكي الآخذَ أن هذه زكاة أم لا يعلمه؟
الجواب: فيه تفصيل إذا كان الآخذ معروفاً أنه من أهل الزكاة فلا يخبره؛ لأن في ذلك نوعاً من الإذلال، والتخجيل له.
وإن كان الآخذ لا يُعلَمُ أنه من أهل الزكاة فليخبره المزكي بأن هذا المال زكاة، فإذا كان ذلك الفقير لا يقبل الزكاة لأن بعض الناس عنده عفة لا يقبل الزكاة، فهنا نقول له: هذه زكاة لأنه إذا كان لا يقبلها فإنها لا تدخل ملكه؛ لأنه من شرط التملك القبول وهذا لا يقبل، ونقول لمن يريد نفع هذا الفقير العفيف: أعطه صدقة تطوع وأنت مأجور، أما أَنْ تدخل ملكه ما لا يريده فهذا لا يجوز.

وَيَقُولُ عِنْدَ دَفْعِهَا هُوَ وآخِذُهَا مَا وَرَدَ.........
قوله: «ويقول عند دفعها هو وآخذها ما ورد» يحتمل أن تكون «ويقول» منصوبة بالفتحة عطفاً على «يفرق»، ويحتمل الرفع على الاستئناف، أي: يقول المزكي عند دفع زكاته، ومستحق الزكاة عند أخذ الزكاة ـ هو وآخذها ـ فيقول المزكي ما ورد من الآثار والأدعية؛ ومن ذلك:«اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم» . وقيل: يقول: «اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً» وهذا الحديث ضعيف.أما الآخذ فيقول: «اللهم صل عليك» أو يدعو بما يراه مناسباً؛ وذلك لأن الله تعالى قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [براءة: 103] أي: ادع لهم، ثم علل الله سبحانه وتعالى الصلاة بقوله: {إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي تسكن قلوبهم ويطمئنون ويرضون.

وَالأْفْضَلُ إخْرَاجُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ فِي فُقَرَاءِ بَلَدِهِ وَلاَ يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ ..........
قوله: «والأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده» وذلك لوجوه:
أولاً: أنه أيسر للمكلف؛ لأن في نقلها من بلد إلى آخر مشقة وكلفة.
ثانياً: أنه أكثر أماناً؛ لأن في السفر عرضة لتلفها.
ثالثاً: أن أهل البلد أقرب الناس إليك، والقريب له حق، الأقربون أولى بالمعروف.
رابعاً: أن فقراء بلدك تتعلق أطماعهم بما عندك من المال، بخلاف الأبعدين، فربما لا يعرفون عنك شيئاً.
خامساً: أنك إذا أعطيت أهل بلدك، يغرس بينك وبينهم بذرة المودة والمحبة، وهذا له أثر كبير للتعاون فيما بين أهل البلد.
وقوله: «في فقراء بلده» ليس على سبيل التعيين بل وغيرهم من المستحقين للزكاة.
وقوله: «الأفضل» يدل على أنَّ إخراجها في غير فقراء بلده جائز، ولكنه مفضول.
وهنا يجب أن تعلم أنه إذا كان الفقراء خارج بلدك أحوج، أو كانوا أقارب فهم أولى، لكن يجب أن تعلم أيضاً أن هذا إذا كان البلد قريباً لا يسمى السَّيْرُ إليه سفراً، أما إذا كان بعيداً فقد قال فيه المؤلف:
«ولا يجوز نقلها إلى ما تقصر فيه الصلاة» أي: لا يجوز أن تنقلها إلى بلد بينه وبينك مسافة قصر، وهي على المذهب ثلاثة وثمانون كيلو متراً تقريباً، فالبلد الذي بينك وبينه هذه المسافة لا يجوز أن تنقل زكاة مالك إليه، ولو كان الفقراء فيه أشد حاجة ما دام في بلدك من يستحق الزكاة.وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز ولو لمصلحة، أو شدة ضرورة، أو ما أشبه ذلك.فتبين بذلك أن هناك ثلاثة مواضع:
أولاً: بلدك، وهذا هو الأصل، وهو الأفضل بالنسبة لإخراج الزكاة.
ثانياً: البلد القريب من بلدك، وهذا جائز، لكنه مفضول ما لم يترجح لمصلحة أخرى.
ثالثاً: البلد البعيد الذي فوق مسافة القصر، فهذا لا يجوز.
وهذا الأخير ليس فيه دليل واضح فإنهم استدلوا بحديث معاذ ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن وقال له: «أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» والإضافة تقتضي التخصيص؛ أي: فقراء أهل اليمن؛ ولأن الأطماع تتعلق بهذا المال.
وقال بعض العلماء: يجوز نقلها إلى البلد البعيد والقريب للحاجة أو للمصلحة.
فالحاجة مثل ما لو كان البلد البعيد أهله أشدُّ فقراً.
والمصلحة مثل أن يكون لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد يساوون فقراء بلده في الحاجة، فإن دفعها إلى أقاربه حصلت المصلحة وهي صدقة وصلة رحم.
أو يكون ـ مثلاً ـ في بلد بعيد طلاب علم حاجتهم مساوية لحاجة فقراء بلده.
وهذا القول هو الصحيح وهو الذي عليه العمل؛ لعموم الدليل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] أي: للفقراء والمساكين في كل مكان.
أما إضافة الضمير «هم» في حديث معاذ فيحتمل أن تكون للجنس؛ أي: فقراء المسلمين، كما هي في قوله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ...} إلى أن قال: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] ، ويحتمل أن تكون للتعيين والتخصيص، لكن نظراً لأن نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة ـ مثلاً ـ فيه شيء من الصعوبة والمشقة فصار توزيعها في اليمن أرفق وأنفع، وأيضاً ما الدليل على التفريق بين مسافة القصر وغيرها، ما دمت نقلتها عن بلد تتعلق فيها الأطماع؟فإن قالوا: إن ما دون مسافة القصر في حكم الحاضر، فيقال: هذا في حكم الصلاة.
مسألة: حكم زكاة الفطر حكم زكاة المال بالنسبة للنقل إذا كان هناك حاجة أو مصلحة.
مسألة: قبض عمال الإمام للزكاة من أهلها ونقلهم لها إلى بلد آخر، لا بأس به؛ لأنها قبضت في بلد المزكي، والإمام نائب عن الفقراء.

فَإِنْ فَعَلَ أجزَأت، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لاَ فُقَرَاءَ فِيهِ فَيُفَرِّقُهَا فِي أقْرَبِ البِلاد إِليهِ........
قوله: «فإن فعل أجزأت» أي: إن نقلها إلى مسافة القصر فأكثر أجزأت، ولكنه يأثم.
فإذا قال قائل: القاعدة عندنا أن المحرم لا يجزئ.فنقول: التحريم هنا ليس عائداً على الدفع، بل عائد على النقل وإلا فقد دفعت إلى أهلها فتجزئ، ويكون آثماً للنقل.
والتحريم الذي يقتضي الفساد هو ما عاد على عين الشيء مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بعد العصر» فإن صلى فلا تصح صلاته إلا ما استثني، فهناك فرق بين أن يتعلق التحريم بنفس العبادة، وأن يتعلق بأمر خارج عنها.
قوله: «إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه فيفرقها في أقرب البلاد إليه» هذا مستثنى من قوله: «ولا يجوز نقلها إلى ما تقصر فيه الصلاة» .
والضمير في قوله: «إلا أن يكون» يعود إلى «المال» بدليل قوله: «والأفضل إخراج زكاة كل مال» ، يعني إلا أن يكون المال في بلد لا فقراء فيه.
وقوله: «لا فقراء» هذا مبني على الأغلب، والعبارة العامة أن يقول: إلا أن يكون في بلد لا مستحق للزكاة فيه، من أجل أن يشمل جميع الأصناف؛ لأنه قد لا يكون فيه فقراء، ويكون فيه مستحق بغير الفقر.
وقوله: «فيفرقها» : بالرفع؛ لأن الفاء هنا استئنافية، وليست عاطفة، والمراد به من عليه الزكاة.
وقوله: «في أقرب البلاد إليه» : وجه ذلك أنه عدم المستحق في الموضع الذي يجب فيه دفع الزكاة فسقط الوجوب فيه، فيفرقها في أقرب البلاد إليه؛ لأن الأقربين أحق من الأباعد، وكما لو قطعت الكف فإنه يسقط السجود عليه في حال الصلاة؛ لأن المحل الذي يجب السجود عليه قد زال، ويحتمل أن نقول: يجب عليه أن يضع طرف الذراع على الأرض؛ لأن المقصود هو الخضوع لله عزّ وجل.وظاهر قول المؤلف: «يفرقها في أقرب البلاد إليه» وجوب ذلك، وهذا الذي مشى عليه الأصحاب.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تعذر في بلده فإنه يفرقها حيث شاء؛ لأنه سقط الأصل، وإذا سقط الأصل لم يتعين شيء، ولأن أهل البلد أغنياء لا تتعلق أطماعهم بالمال، وغير أهل البلد لا يعلمون عنه شيئاً، ونظير ذلك أن المرأة المحد يلزمها البقاء في بيتها، فإذا جاز لها الانتقال عن البيت لضرورة فإنها تعتد حيث شاءت، ولا يلزمها أن تعتد في أقرب بيت إلى بيتها الأول.وقال بعضهم: تكون في أقرب بيت إلى بيتها الأول، كالزكاة إذا تعذر المكان الأصلي صرفت في أقرب بلد.
والمذهب يفرقون بين المسألتين فالحاد تعتد حيث شاءت، وفي مسألة الزكاة إذا لم يكن في البلد فقراء تفرق في أقرب البلاد، وسبق أن قلنا: إن الراجح في هذه المسألة أنه يجوز نقلها للحاجة أو للمصلحة.وعلم من قوله: «فيفرقها» أن مؤونة النقل على صاحب المال، لا من الزكاة، فإذا قدر أن الزكاة لا تحمل إلى هذا البلد الذي فيه الفقراء إلا بمؤونة، فلا تخصم المؤونة من الزكاة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد وجب عليه إخراج الزكاة فيجب أن يوصلها إلى مستحقيها.

فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ، وَمَالُهُ فِي آخَرَ أخْرَجَ زَكَاةَ المال فِي بَلَدِهِ، وَفِطْرَتَهَ فِي بَلَدٍ هُوَ فِيهِ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِحَوْلَيْنِ فَأَقَلَّ،.........
قوله: «فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده، وفطرته في بلد هو فيه» أي: إذا كان صاحب المال في بلد، وماله في بلد آخر، ولا سيما إذا كان المال ظاهراً كالمواشي والثمار، فإنه يخرج زكاة المال في بلد المال، ويخرج فطرة نفسه في البلد الذي هو فيه؛ لأن زكاة الفطر تتعلق بالبدن، والمال زكاته تتعلق به، فالذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ويبقون إلى العيد الأفضل أن يؤدوا الزكاة في مكة، وكما أنه الأفضل من حيث الإخراج فهو الأفضل من حيث المكان؛ لأن مكة أفضل من كل بلد وأيضاً من حيث الأهل؛ لأن الغالب أن الفقراء في مكة أكثر وأحوج.
مثال ذلك: رجل ساكن في مكة، وأمواله التي يتجر بها في المدينة، فنقول له: أخرج زكاة المال في المدينة، وفطرتك في مكة؛ لأن زكاة المال تبع للمال، والفطرة تابعة للبدن.
قوله: «ويجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل» الأقل من الحولين هو حول واحد، أي: يجوز للإنسان أن يعجل الزكاة قبل وجوبها، لكن بشرط أن يكون عنده نصاب، فإن لم يكن عنده نصاب، وقال: سأعجل زكاة مالي؛ لأنه سيأتيني مال في المستقبل، فإنه لا يجزئ إخراجه؛ لأنه قدمها على سبب الوجوب، وهو ملك النصاب.
وهذا مبني على قاعدة ذكرها ابن رجب ـ رحمه الله ـ في القواعد الفقهية، وهي (أن تقديم الشيء على سببه ملغى، وعلى شرطه جائز).
مثال ذلك: رجل عنده (190) درهماً فقال: أريد أن أزكي عن (200) فلا يصح؛ لأنه لم يكمل النصاب فلم يوجد السبب، وتقديم الشيء على سببه لا يصح.
فإن ملك نصاباً، وقدمها قبل تمام الحول جاز؛ لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط؛ لأن شرط الوجوب تمام الحول.
ونظير ذلك لو أن شخصاً كفر عن يمين يريد أن يحلفها قبل اليمين ثم حلف وحنث، فالكفارة لا تجزئ؛ لأنها قبل السبب، ولو حلف وكفر قبل أن يحنث أجزأت الكفارة؛ لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط.والدليل على جواز تعجيل الزكاة أثري، ونظري.
أما الأثري: فما رواه أبو عبيد في الأموال بإسناده عن علي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تعجل من العباس صدقة سنتين.
أي: قدم زكاة سنتين، ويعضده ما ثبت في الصحيحين «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث عمر على الصدقة فرجع ومن معه فقالوا: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب، أي: أبوا أن يعطوا السعاة الزكاة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما خالد فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله» وهذا من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح وهو أسلوب معروف ومنه قول الشاعر:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
=
بهن فلول من قراع الكتائب
«وأما العباس فهي علي ومثلها» .
لكن هذا الحديث هل المعنى فيه أن العباس قد عجل الصدقة سنتين، أو أن المعنى أن العباس ـ رضي الله عنه ـ لما كان ظاهرُ منْعِهِ احتماءَهُ بقرابته من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأراد أن يضاعف الغرم عليه، ويكون هذا مثلَ قولِهِ فيمن منع الزكاة: «إنا آخذوها وشطر ماله» ؟
الجواب: الذي يظهر لي هو الثاني؛ لأن العباس ـ رضي الله عنه ـ لو كان قد عجل الصدقة لقال للسعاة: إنني قد أخرجتها أو قدمتها، ولا يقولون: منع العباس، وكانت هذه السياسةُ سياسةَ عدلٍ، وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان من سياسته إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله، وقال لهم: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ـ أي: إن الطير إذا رأى اللحم انقض عليه ـ وإني لا أعلم أن أحداً منكم عمل هذا إلا أضعفت له العقوبة، فيعاقب الناس مرة وقرابته مرتين؛ لأن هؤلاء سوف يحتمون بقرابتهم منه، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى هذا قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} .
فالحاصل أن الذي يظهر لي: أن قوله في العباس رضي الله عنه: «هي علي ومثلها» من باب التضعيف عليه لكونه احتمى بقرابته من النبي صلّى الله عليه وسلّم، أما حديث أبي عبيد فإن صح فهو دليل مستقل لا علاقة له بهذه القصة.
وأما الدليل النظري؛ فلأن تعجيل الزكاة من مصلحة أهل الزكاة، وتأخيرها إلى أن يتم الوجوب من باب الرفق بالمالك، وإلا وجب عليه أن يخرج زكاته من حين ملك النصاب، كما وجب عليه إخراج زكاة الزرع من حين حصاده، فإذا كان هذا من باب الرفق بالمالك، ورضي لنفسه بالأشد، فلا مانع.
وقوله: «لحولين فأقل» يفهم منه أنه لا يجوز تعجيل الزكاة لأكثر من حولين.

وَلاَ يُسْتَحَبُّ........
قوله: «ولا يستحب» أي: لا يستحب تعجيل الزكاة؛ لأن الزكاة إنما تجب عند تمام الحول فإخراجها عند تمام الحول أرفق بالمالك؛ ولأنه ربما ينقص النصاب، أو يتلف ماله كله قبل تمام الحول، فلا تجب عليه الزكاة، فكان الأفضل ألا يعجلها.ولكن نفي الاستحباب لا يقتضي عدم ثبوته لسبب شرعي، مثل أن تدعو الحاجة للتعجيل كمعونة مجاهدين، أو لحاجة قريب، أو ما أشبه ذلك، فهنا استحباب تعجيلها ليس لذاته، وإنما لغيره، وهو السبب الطارئ الذي صارت المصلحة في تقديم الزكاة من أجله.
مسألة: لو عجل الزكاة لعام معين ثم نقص النصاب بعد التعجيل وقبل تمام الحول، فإن ذلك يكون تطوعاً ولا يجزئه عن غيره من الأعوام؛ لأنه نواه لذلك العام.
ولو عجل الزكاة ثم زاد النصاب فإنه تجب الزكاة في الزيادة أيضاً.
مسألة: لو أجبر على دفع المكوس والضرائب فهل يدفعها بنية الزكاة؟فيه خلاف بين العلماء:
ـ منهم من قال: يجوز أن يدفعها بنية الزكاة.
ـ وقال آخرون: لا يجوز؛ لأن هذا مما أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالصبر عليه، وإذا نوى الزكاة فإنه يدفع بذلك عن ماله فلا يتحقق له الصبر، وهذا هو الأقرب.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir