دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 11:05 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مسائل في الجمع بين الصلاتين

( فصلٌ ) يَجوزُ الْجَمْعُ بينَ الظُّهرينِ وبينَ العِشائينِ في وَقْتِ إحداهما في سَفَرِ قَصْرٍ، ولِمَرِيضٍ يَلْحَقُه بتركِه مَشَقَّةٌ، وبينَ العِشاءَيْنِ لِمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيابَ ووَحْلٍ ورِيحٍ شَديدةٍ باردةٍ ولو صَلَّى في بيتِه أو في مَسجدِ طريقِهِ تحتَ ساباطٍ، والأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ به من تَأخيرٍ وتقديمٍ، فإن جَمَعَ في وقتِ الأُولَى اشْتَرَطَ نِيَّةَ الْجَمْعِ عندَ إحرامِها ولا يُفَرَّقُ بينَهما إلا بِمِقدارِ إقامةٍ ووُضوءٍ خَفيفٍ، ويَبْطُلُ برَاتِبَةٍ بينَهما، وأن يكونَ العُذْرُ مَوجودًا عندَ افتتاحِهما وسَلامِ الأُولَى ، وإن جَمَعَ في وقتِ الثانيةِ اشْتَرَطَ نِيَّةَ الْجَمْعِ في وقتِ الأُولَى إن لم يَضِقْ عن فِعْلِها واستمرارِ العُذْرِ إلى دُخولِ وَقْتِ الثانيةِ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 08:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 08:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فَصْلٌ في الجَمْعِ

(يجُوزُ الجَمْعُ بينَ الظُّهْرَيْنِ)؛ أي: الظُّهْرِ والعَصْرِ في وَقْتِ إِحْدَاهُمَا. (و) يَجُوزُ الجَمْعُ (بينَ العِشَاءَيْنِ)؛ أي: المَغْرِبِ والعِشَاءِ (في وَقْتِ إِحْدَاهُمَا في سَفَرِ قَصْرٍ)؛ لمَا رَوَى مُعَاذٌ, (أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ كانَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ, إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى العَصْرِ, يُصَلِّيهُمَا جَمِيعاً، وإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمِيعاً, ثُمَّ سَارَ، وكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذلكَ في المَغْرِبِ والعِشَاءِ). رواهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ, وقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وعَن أَنَسٍ بمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ علَيْهِ.
(و) يُبَاحُ الجَمْعُ بينَ ما ذُكِرَ (لمَرِيضٍ يَلْحَقُه بتَرْكِه)؛ أي: تَرْكِ الجَمْعِ (مَشَقَّةٌ)؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ جَمَعَ مِن غَيرِ خَوْفٍ ولا مَطَرٍ. وفي رِوَايَةٍ: (مِن غَيْرِ خَوْفٍ ولا سَفَرٍ) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ. ولا عُذْرَ بعد ذلك إلاَّ المَرَضَ.
وقد ثبتَ جوازُ الجَمْعِ للمُسْتَحَاضَةِ, وهي نَوْعُ مَرَضٍ، ويجوزُ أَيْضاً لمُرْضِعٍ؛ لمَشَقَّةِ كَثْرَةِ نَجَاسَةٍ، ونَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ وعَاجِزٍ عَن طَهَارَةٍ أو تَيَمُّمٍ لكُلِّ صَلاةٍ, أو عن مَعْرِفَةِ وَقْتٍ؛ كأَعْمَى ونَحْوِه، ولعُذْرٍ أو شُغْلٍ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وجَمَاعَةٍ.
(و) يُبَاحُ الجَمْعُ (بينَ العِشَاءَيْنِ) خَاصَّةً (لمَطَرٍ,يَبُلُّ الثِّيَابَ), وتُوجَدُ معَهُ مَشَقَّةٌ، والثَّلْجُ والبَرَدُ والجَلِيدُ مِثْلُه، (ولوَحَلٍ ورِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ)؛ لأنَّه عليه السَّلامُ (جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ). رواهُ البُخَارِيُّ بإسنادِه. وفعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ، وله الجَمْعُ لذلكَ.
(ولو صَلَّى في بَيْتِه أو في مَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ) ونَحْوِه؛ لأنَّ الرُّخْصَةَ العَامَّةَ يَسْتَوِي فيها حَالُ وُجُودِ المَشَقَّةِ وعَدَمِهَا؛ كالسَّفَرِ. (والأَفْضَلُ) لمَن له الجَمْعُ (فِعْلُ الأَرْفَقِ بهِ مِن) جَمْعِ (تَأْخِيرٍ)؛ بأَنْ يُؤَخِّرَ الأُولَى إلى الثَّانِيَةِ, (و) جَمْعِ (تَقْدِيمٍ؛ بأَنْ) يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ, فيُصَلِّيهَا معَ الأُولَى؛ لحديثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ. فإذا استوَيَا فالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ, والأَفْضَلُ بعَرَفَةَ التَّقْدِيمُ, وبمُزْدَلِفَةَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقاً، وتَرْكُ الجَمْعِ في سِوَاهُمَا أَفْضَلُ.
ويُشْتَرَطُ للجَمْعِ تَرْتِيبٌ مُطْلَقاً، (فإن جمَعَ في وقتِ الأُولَى اشتُرِطَ) له ثَلاثَةُ شُرُوطٍ: (نِيَّةُ الجَمْعِ عندَ إِحْرَامِهَا)؛ أي: إحرامِ الأُولَى دونَ الثَّانِيَةِ.
(و) الشَّرْطُ الثَّانِي: المُوَالاةُ بَيْنَهُمَا, (لا يَفْرُقُ بَيْنَهُمَا إلاَّ بمِقْدَارِ إِقَامَةِ) صَلاةٍ ووُضُوءٍ خَفِيفٍ)؛ لأنَّ مَعْنَى الجَمْعِ: المُتَابَعَةُ والمُقَارَنَةُ، ولا يَحْصُلُ ذلكَ معَ التَّفْرِيقِ الطَّوِيلِ, بخلافِ اليَسِيرِ؛ فإنُّه مَعْفُوٌّ عنه.
(ويَبْطُلُ) الجَمْعُ (برَاتِبَةٍ) يُصَلِّيهَا (بَيْنَهُمَا)؛ أي: بينَ المَجْمُوعَتَيَنْ؛ِ لأنَّه فَرَقَ بَيْنَهَما بصَلاةٍ, فتَبْطُلُ, كما لو قضَى فَائِتَةً, وإن تَكَلَّمَ بكَلِمَةٍ أو كَلِمَتَيْنِ, جَازَ.
(و) الثَّالِثُ: (أن يَكُونَ العُذْرُ) المُبِيحُ (مَوْجُوداً عندَ افتِتَاحِهِمَا وسلامِ الأُولَى)؛ لأنَّ افتِتَاحَ الأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وفَرَاغِهَا، وافتِتَاحَ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الجَمْعِ، ولا يُشْتَرَطُ دَوَامُ العُذْرِ إلى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ في جَمِيعِ المَطَرِ ونَحْوِه بخِلافِ غَيْرِه.
وإنِ انقَطَعَ السَّفَرُ في الأُولَى, بَطَلَ الجَمْعُ والقَصْرُ مُطْلَقاً, فيُتِمُّهَا, وتَصِحُّ فَرْضاً، وفي الثَّانِيَةِ يُتِمُّهَا نَفْلاً, وتَصِحُّ الأُولَى فَرْضاً.
(وإن جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ اشتُرِطَ) له شَرْطَانِ:
(نِيَّةُ الجَمْعِ في وَقْتِ الأُولَى)؛ لأنَّه متَى أَخَّرَها عَن ذلكَ بغَيْرِ نِيَّةٍ صَارَتْ قَضَاءً, لا جَمْعاً, (إن لم يَضِقْ) وَقْتُهَا (عَن فِعْلِهَا)؛ لأنَّ تَأْخِيرَهَا إلى ما يَضِيقُ عَن فِعْلِهَا, حَرَامٌ، وهو يُنَافِي الرُّخْصَةَ.
(و) الثَّانِي: (استِمْرَارُ العُذْرِ) المُبِيحِ (إلى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ), فإنْ زالَ العُذْرُ قَبْلَهُ لم يَجُزِ الجَمْعُ؛ لزَوَالِ مُقْتَضِيهِ، كالمَرِيضِ يَبْرَأُ, والمُسَافِرُ يَقْدَمُ, والمَطَرُ يَنْقَطِعُ، ولا بَأْسَ بالتَّطَوُّعِ بَيْنَهُمَا، ولو صَلَّى الأُولَى وَحْدَهُ ثُمَّ الثَّانِيَةَ إِمَاماً أو مَأْمُوماً أو صَلاَّهُمَا خَلْفَ إِمَامَيْنِ أو مَن لم يَجْمَعْ صح.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 07:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل في الجمع([1])

(يجوز الجمع بين الظهرين) أي الظهر والعصر، في وقت أحدهما([2]). (و) يجوز الجمع (بين العشائين) أي المغرب والعشاء (في وقت أحدهما في سفر قصر)([3]) لما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، يصليها جميعا([4]) وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء، رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب([5]).وعن أنس معناه: متفق عليه ([6]) و (و) يباح الجمع بين ما ذكر (لمريض يلحقه بتركه) أي ترك الجمع (مشقة)([7]). لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر، وفي رواية: من غير خوف ولا سفر، رواهما مسلم من حديث ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض([8]).وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض([9]) ويجوز أيضا لمرضع لمشقة كثرة نجاسة([10]) ونحو مستحاضة([11]) وعاجز عن طهارة أو تيمم لكل صلاة([12]). وعن معرفة وقت كأعمى ونحوه([13]) ولعذر أو شغل يبيح ترك جمعة وجماعة([14]). (و) يباح الجمع (بين العشائين) خاصة (لمطر يبل الثياب) وتوجد معه مشقة([15]) والثلج والبرد والجليد مثله([16]) ولوحل وريح شديدة باردة([17]). لأنه عليه السلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، رواه النجاد بإسناده([18]) وفعله أبو بكر وعمر وعثمان([19]). وله الجمع لذلك (ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط) ونحوه([20]) لأن الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة وعدمها كالسفر([21]) (والأفضل) لمن له الجمع (فعل الأرفق به من) جمع (تأخير) بأن يؤخر الأولى إلى الثانية (و) جمع (تقديم) بأن يقدم الثانية فيصليها مع الأولى لحديث معاذ السابق([22]). فإن استويا فالتأخير أفضل([23]) والأفضل بعرفة التقديم، وبمزدلفة التأخير مطلقا([24]) وترك الجمع في سواهما أفضل([25]).ويشترط للجمع ترتيب مطلقا([26]) (فإن جمع في وقت الأولى اشترط) له ثلاثة شروط (نية الجمع عند إحرامها) أي إحرام الأولى دون الثانية([27]). (و) الشرط الثاني الموالاة بينهما فـ (لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة) صلاة (ووضوء خفيف)([28]) لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة([29]). ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل، بخلاف اليسير، فإنه معفو عنه([30]) (ويبطل) الجمع (براتبة) يصليها (بينهما) أي بين المجموعتين، لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل، كما لو قضى فائتة([31]) وإن تكلم بكلمة أو كلمتين جاز([32]) (و) الثالث (أن يكون العذر) المبيح (موجودا عند افتتاحهما وسلام الأولى) لأن افتتاح الأولى، موضع النية وفراغها، وافتتاح.الثانية موضع الجمع([33]) ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع المطر ونحوه([34]) بخلاف غيره([35]) وإن انقطع السفر في الأولى بطل الجمع والقصر مطلقا([36]) فيتمها وتصح([37]) وفي الثانية يتمها نفلا([38]). (وإن جمع في وقت الثانية اشترط) له شرطان (نية الجمع في وقت الأولى([39]) لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعا([40]) (إن لم يضق) وقتها (عن فعلها) لأن تأخيرها إلى ما يضيق عن فعلها حرام، وهو ينافي الرخصة([41]) (و) الثاني (استمرار العذر) المبيح (إلى دخول وقت الثانية)([42]) فإن زال العذر قبله لم يجز الجمع، لزوال مقتضيه([43]) كالمريض يبرأ والمسافر يقدم، والمطر ينقطع([44]). ولا بأس بالتطوع بينهما([45]) ولو صلى الأولى وحده ثم الثانية إماما أو مأموما، أو صلاهما خلف إمامين، أو من لم يجمع صح([46]).



([1]) يعني بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لثلاثة أمور: السفر والمرض والمطر ونحوه، وقدم الجمع للسفر لأنه الأكثر، وكل من جاز له القصر جاز له الجمع والفطر، ولا عكس، قال الشيخ: والجمع رخصة عارضة للحاجة إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا مرات قليلة، فلذلك فقهاء الحديث كأحمد وغيره يستحبون تركه إلا عند الحاجة إليه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير، وفي الصحيح وغيره عن ابن مسعود، ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين، الحديث، وأوسع المذاهب مذهب أحمد، فإنه نص على أنه يجوز للحرج والشغل، وقال الشيخ: الجمع بين الصلاتين في السفر يختص بمحل الحاجة، لا أنه من رخص السفر المطلقة كالقصر، وهو مذهب مالك، وذكر ابن القيم أحاديث الجمع، وقال: كل هذه سنن في غاية الصحة والصراحه، ولا معارض لها، وأوقات المعذورين ثلاثة: وقتان مشتركان ووقت مختص، والوقتان المشتركان لأرباب الأعذار أربعة لأرباب الرفاهية ولهذا جاءت الأوقات في كتاب الله نوعين: خمسة وثلاثة، في نحو عشر آيات وجاءت السنة بتفصيل ذلك وبيانه وبيان أسبابه، فتوافقت دلالة القرآن والسنة، والاعتبار الصحيح، الذي هو مقتضى حكمة الشريعة، وما اشتملت عليه من المصالح.

([2]) وإنما سميا بالظهرين تغليبا كالقمرين والعمرين: وعبر بيجوز أي فلا يكره ولا يستحب، غير جمعي عرفة ومزدلفة فسنة، وقيل: يجب، وإذا ارتحل قبل زيغ الشمس ونحوه فيسن، وغير ذلك تركه أفضل من فعله.

([3]) أي غير مكروه ولا حرام، وأن يكون مسيرة يومين وتقدم، وفي الإقناع وغيره: فلا يجمع من لا يباح له أن يقصر، كمكي ونحوه بعرفة ومزدلفة، لأنه عندهم ليس بمسافر سفر قصر، وقد ثبت جمعهم خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخليفتيه رضي الله عنهما وصوب الشيخ أنه يجوز في السفر القصير، وأن علته الحاجة لا السفر، فليس معلقا، به وإنما يجوز للحاجة بخلاف القصر.

([4]) قال شيخ الإسلام وغيره: هذا إذا كان لا ينزل إلا وقت الغروب، كما كان بعرفة لا يفيض حتى تغرب الشمس، أما إذا كان ينزل وقت العصر فإنه يصليها في وقتها، وقال الحافظ: قال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وفيه حديث أنس في الصحيح وغيره.

([5]) وحسنه البيهقي وقال: محفوظ صحيح، ورواه مالك في الموطأ وفيه: ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا، وصححه ابن عبد البر وابن القيم، وكذا رواه مسلم وغيره، والغريب هو ما تفرد به أحد الرواة.

([6]) ولفظه: كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ولمسلم: إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، حين يغيب الشفق، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر: كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء، ولمسلم: كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر، حتى يدخل وقت العصر، ثم يجمع بينهما، وجاء التأخير عنه من طرق، ولمسلم عن معاذ أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء، انفرد به، وعن ابن عباس: كان يجمع إذا كان على ظهر سيره.
قال البيهقي والنووي وغيرهما: والجمع بين الصلاتين في وقت الأولى أو الثانية بعذر السفر، هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين، مع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عن أصحابه، ثم ما أجمع عليه المسلمون من جمع الناس بعرفة ثم بمزدلفة هو موجود في كل الأسفار، وقال شيخ الإسلام: وأما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا، نزولا مستمرا فما علمت روي ما يستدل به عليه إلا حديث معاذ، وغزوة تبوك وحجه صلى الله عليه وسلم لم ينقل أنه جمع فيهما إلا بعرفة ومزدلفة وحديث معاذ ليس في المشهور من حديث أنس، لأن المسافر إذا ارتحل بعد زيغ الشمس، ولم ينزل وقت العصر فهذا مما لا يحتاج إلى الجمع، بل يصلي العصر في وقتها، وقد يتصل سيره إلى الغروب فهذا يحتاج إلى الجمع، بمنزلة جمع عرفة، وبه تتفق الأحاديث.

([7]) وهذا مذهب مالك، وطائفة من أصحاب الشافعي وغيرهم.

([8]) علله ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يحرج أمته، وفي الطبراني وغيره: «لئلا تحرج أمتي»، ودل الحديث بفحواه على الجمع للمرض والمطر والخوف، وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع، وأخبار المواقيت، فتبقى فحواه على مقتضاه، قال شيخ الإسلام، في الجمع لمطر أو غيره: وبهذا الحديث استدل أحمد على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى، فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى، وهذا من باب التنبيه بالفعل، فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها، ومما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر، وإن كان أولى بالجواز، ما رواه مسلم عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال ابن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، ولمسلم عنه: لما قال له رجل: الصلاة قال: أتعلمنا بالصلاة، وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد استدل على فعله وهو يخطب بالبصرة بما رواه لما رأى أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته، وكان عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، وكان رأى أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره، وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة
قال شيخ الإسلام: وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا، والأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد، لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج، قد رفعه الله عن الأمة، وذلك
يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتــفريق الصلاة بطريق الأولى
والأحرى وقال النووي وغيره: يجوز الجمع من أجل المرض، وفاقا لمالك وقواه، وقال: يستدل له بحديث ابن عباس: من غير خوف ولا مطر، لأنه إما أن يكون بالمرض، وإما بغيره مما في معناه أو دونه، ولأن حاجة المريض آكد من الممطور، وقال ابن المنذر: يجوز من غير خوف ولا مطر ولا مرض، قال الخطابي: وهو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر حديث ابن عباس.

([9]) قال الشيخ يجمع للمرض، كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين.

([10]) أي مشقة تطهيرها لكل صلاة، وهذه الحالة الثالثة، فإن لم تكن لكثرة نجاسة تشق فلا، قال في الاختيارات يجوز للمرضع الجمع، إذا كان يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة، نص عليه، وعنه لا يجوز وفاقا.

([11]) كذي سلس، أو جرح لا يرقأ دمه، أو مذي، أو رعاف دائم ونحوه، لقوله عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة: «وإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا، ثم تؤخري المغرب، وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين فافعلي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ويقاس عليها صاحب السلس ونحوه وهذه الحالة الرابعة.

([12]) لأنه في معنى المريض والمسافر، وهي الحالة الخامسة، قال الشيخ: ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقت إلا بحرج كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور.

([13]) كمطمور، أومأ إليه أحمد، لما تقدم، واقتصر عليه في الإنصاف، وهي الحالة السادسة، ومحل ذلك إذا تمكن من معرفة الوقت في أحد الوقتين، وأما إذا استمر معه الجهل فلا فائدة في الجمع.

([14]) أي ويجوز الجمع لعذر كخوفه على نفسه أو ماله أو أهله، ويجوز الجمع لشغل يذهل الإنسان، يبيح ترك جمعة وجماعة، كمن يخاف بتركه ضررا في معيشة يحتاجها فيباح له الجمع كما تقدم، وهذه السابعة، قال الشيخ: ويجوز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما، ممن يخشى فساد ماله ومال غيره بترك الجمع، كما روى النسائي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجوز أحمد الجمع إذا كان له شغل واختار جمع جواز الجمع مطلقا للحاجة في الحضر، من غير اتخاذه عادة،وهو مذهب جماعة من الأئمة منهم ابن سيرين، واختاره ابن المنذر، وحكاه عن جماعة من أصحاب الحديث، والنووي عن جماعة من الأئمة، والثامنة، قال: أحمد الجمع في الحضر إذا كان لضرورة من مرض أو شغل، واستثنى جمع النعاس، منهم صاحب الوجيز، وكذا الحاقن والحاقب ونحوهما، ومن يخاف نقض وضوئه، ومن يشتهي الطعام ونحو ذلك، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته.
قال الشيخ: ويجمع لتحصيل الجماعة: وللصلاة في الحمام مع جوازها فيه خوف فوات الوقت، ولخوف تحرج في تركه، وذكر حديث ابن عباس: أنه سئل لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحد من أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره اهـ، وجاء عن عمر: أن من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا من عذر، وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز، وحكي أنه إجماع، وخولف في ذلك قال الشيخ: فدل على جواز إباحة الجمع للعذر، ولم يخص عمر عذرا دون عذر اهـ.
فيباح لمن تقدم في ثمان الحالات، بين الظهرين والعشائين، ويأتي ما يختص بالعشائين وهي ست حالات.

([15]) وفاقا في الجملة، وهذا قيد لما في المتن، يفهم منه أنه إذا لم توجد معه مشقة لم يجز الجمع، ومفهوم كلام الماتن أنه إن لم يبل الثياب لم يجز الجمع، وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب، وقال جمع: أو يبل النعل، أو البدن، لا الطل ولا المطر الخفيف الذي لا يبل الثياب، لعدم المشقة، قال شيخ الإسلام وذكر آثارا عن الصحابة في الجمع ليلة المطر فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم، المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدا منهم أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك، وقول ابن عباس: من غير خوف ولا مطر ولا سفر، ليس نفيا منه للجمع لتلك الأسباب بل إثبات منه، لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضا، ولو لم ينقل أنه جمع بها، فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى، وقال: جواز الجمع للمطر في وقت الثانية فيه وجهان: لأنا لا نثق بدوام المطر إلى وقتها، وقوله: خاصة أخرج الظهرين، والوجه الآخر يجوز بين الظهرين كالعشائين، اختاره القاضي وأبو الخطاب والشيخ وغيرهم، ولم يذكر الوزير عن أحمد غيره، وقدمه وجزم به وصححه غير واحد وهو مذهب الشافعي.

([16]) أي مثل المطر في إباحة الجمع بين العشائين، لأن الثلج والبرد بالفتح في حكم المطر، والجليد وهو من شدة البرد، قال أحمد، وكان ابن عمر يجمع في الليلة الباردة اهـ، وأمر ابن عمر مناديه في ليلة باردة فنادى: الصلاة في الرحال.

([17]) ونحـو ذلك وفـاقا لمالك وظاهره: وإن لم تـكن مـظلمة ويعـلم مما تقدم كذلك لو كانت شديدة بليلة مظلمة، وإن لم تكن باردة، والوحل الطين الرقيق فإذا لوث الرجلين بالرطوبة والطين جاز.

([18]) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذا ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة ثمانيا جميعا، وسبعا جميعا ولأنه صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر، فمع أحد هذه الأعذار أولى، والنجاد هو أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس، أبو بكر البغدادي، الفقيه الحافظ شيخ الحنابلة بالعراق، صاحب التصانيف مشهور، بالنون والدال، وكثيرا ما يصحف في بعض كتب الأصحاب فيبدل بالبخاري صاحب الصحيح، توفي النجاد سنة ثلاثمائة وثمان وأربعين، قال العليمي: وكان يملي الحديث بجامع المنصور، ويكثر الناس في حلقته، وصنف كتابا في الفقه والاختلاف، وهو ممن اتسعت رواياته واشتهرت مصنفاته.

([19]) ففي المدونة: عن ابن قسيط أنه سنة، وأنه قد صلاها أبو بكر وعمر وعثمان على ذلك، وللأثرم في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء فعله أبان ابن عثمان في أهل المدينة، وفيهم عروة وأبو بكر بن عبد الرحمن، ولا يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا وهو قول الفقهاء السبعة، ومالك والشافعي وغيرهم: قال شيخ الإسلام: يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء، ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت، باتفاق المسلمين، والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة، باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد.

([20]) كمجاور بالمسجد، ومن بينه وبين المسجد خطوات يسيرة، وقوله: وله الجمع لذلك، متعلق بما بعده، وهو قوله: ولو صلى في بيته، والساباط سقيفة بين دارين، تحتهما طريق، جمعه سوابيط وساباطات.

([21]) أي فله الجمع، لم تقدم من الأعذار المبيحة للجمع، ولو صلى في بيته وفي مسجد لا يشق عليه الوصول إليه، مع وجود العذر كعدم الصيام في السفر، ولو لم يكن مشقة، ولأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم جمع في مطر وليس بين حجرته والمسجد شيء فالمعتبر وجود المشقة في الجملة، لا لكل فرد من المصلين.

([22]) وعن ابن عباس نحوه رواه الشافعي وأحمد وغيرهما، وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوما بغزوة تبوك، ثم خرج فصلى، الحديث رواه مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ، وقال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الإسناد، قال شيخ الإسلام: والجمع جائز في الوقت المشترك، فتارة يجمع في أول الوقت، كما جمع بعرفة، وتارة يجمع في وقت الثانية، كما جمع بمزدلفة، وفي بعض أسفاره، وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين، وقد يقعان معا في آخر وقت الأولى، وقد يقعان معًا في أول وقت الثانية وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا، وكل هذا جائز، لأن أصل هذه المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك، والتقديم والتوسط بحسب الحاجة والمصلحة.

([23]) لأنه أحوط، وعمل بالأحاديث وليس على إطلاقه، بل في الجملة قال شيخ الإسلام في جمع المطر، السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب، حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية؟ وقيل: إن ظاهر كلامه أنه لا يجمع، وفيه وجه ثالث أن الأفضل التأخير وهو غلط، مخالف للسنة وللإجماع القديم، وصاحب هذا القول ظن أن التأخير أفضل مطلقا، وهذا غلط فليس جمع التأخير بأولى من جمع التقديم، بل ذلك بحسب الحاجة والمصلحة فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا أفضل، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه وغيره، وقال أيضا: كان الجمع المشروع مع المطر هو جمع التقديم في وقت المغرب، ولا يستحب أن يؤخر بالناس المغرب إلى مغيب الشفق، بل هذا حرج عظيم على الناس، وإنما شرع الجمع لئلا يحرج المسلمون.

([24]) أي سواء كان هو الأرفق أو لا، فالتقديم بعرفة أفضل، ولو كان التأخير أرفق، لأنه لأجل العبادة، والتأخير بمزدلفة أفضل، ولو كان التقديم أرفق، لأجل السير، وصرح في المنتهى وغيره أنه إن عدم الأرفق فإذا وصل إليها أول الوقت لم يؤخره، ما لم يكن أرفق، والأولى إذا وصل في وقت الاختيار صلى المغرب وحدها، لزوال العلة، كما أن الأولى للنازل صلاة كل فرض في وقته.

([25]) فلا يستحب إلا عند الحاجة إليه للاختلاف فيه، غير جمعي عرفة ومزدلفة فيسن بشرطه إجماعا، وهو التقديم بعرفة، والتأخير بمزدلفة، لفعله عليه الصلاة والسلام، قال شيخ الإسلام: الجمع بعرفة ومزدلفة متفق عليه، وهو منقول بالتواتر، فلم يتنازعوا فيه، والصواب أنه لم يجمع بعرفة ومزدلفة لمجرد السفر، بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة اهـ .
وكذا يستحب عند الحاجة، كما كان يصنع صلى الله عليه وسلم في سفره إذا جد به السير، كما فعل بمزدلفة، وفي غزوة تبوك قال شيخ الإسلام: وفعل كل صلاة في وقتها أفضل إذا لم يكن حاجة، عند الأئمة كلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى، ولا في ذهابه وإياه، ولكن جمع في غزوة تبوك، إذا جد به السير، والذي جمع هناك يشرع أن يفعل نظيره.

([26]) أي سواء ذكره أو نسيه، قال في الإنصاف، وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب اهـ، يعني بخلاف سقوطه بالنسيان في قضاء الفوائت والترتيب أن يبدأ بالأولى، لأن الوقت لها والثانية تبع، فلو صلاها قبل الأولى لم تصح.

([27]) لأنه عمل فيدخل في عموم: «إنما الأعمال بالنيات»، وكل عبادة اشترطت فيها النية اعتبرت في أولها، وقال شيخ الإسلام: لا يفتقر الجمع إلى نية عند جمهور أهل العلم، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد القولين في مذهب أحمد، وعليه تدل نصوصه وأصوله، قال: وقول الجمهور وهو الذي تدل عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

([28]) لأنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بينهما والى بينهما وترك الراتبة وفرقت بين الشيئين فصلت أحدهما من الآخر.

([29]) وفي الأصل تأليف المفترق، وفي المفردات، ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعته فاجتمع.

([30]) وصحح في المغني والشرح أنه راجع إلى العرف، وذكر الشيخ أن كلام أحمد يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت، وإن لم يصل إحداهما بالأخرى، كالجمع في وقت الثانية، على المشهور في مذهبه ومذهب غيره، وأنه إذا صلى المغرب في أول وقتها، والعشاء في آخر وقت المغرب حيث يجوز له الجمع جاز ذلك، وأنه نص على نظير هذا فقال: إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس، وهذا نص منه على أن الجمع هو المغرب في الوقت، لا تشترط فيه المواصلة، وقال: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في وقت الأولى، ولا في وقت الثانية، فإنه ليس في ذلك حد في الشرع اهـ، وفي الصحيحين في قصة جمع النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة بعد أن صلى الصبح، أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة.

([31]) أي يبطل الجمع إذا فرق بينهما، كما أن الجمع يبطل لو قضى بينهما فائتة، لطول الفصل، وعنه: لا يبطل براتبة بينهما، قال الطوفي: أظهر القولين دليلا عدم البطلان، إلحاقا، للسنة الراتبة بجزء من الصلاة لتأكدها.

([32]) فيه تسامح، يفيد أنه مقيد بما ذكر، وليس كذلك فلو قال: ولا يضر كلام يسير لا يزيد على قدر الإقامة والوضوء الخفيف، لكان أولى، يعني على المذهب.

([33]) ولو أحرم بالأولى مع وجود مطر، ثم انقطع ولم يعد، فإن حصل وحل لم يبطل الجمع، لأن الوحل من الأعذار المبيحة، أشبه ما لو لم ينقطع المطر، وإلا بطل الجمع،ولو خلفه مرض ونحوه، وإن شرع في الجمع مسافر لأجل السفر، فزال سفره ووجد مطر ونحوه، بطل الجمع، لزوال مبيحه، والعذر المتجدد غير حاصل عن الأول، بخلاف الوحل بعد المطر.

([34]) كبرد وثلج إن خلفه، وحل.

([35]) أي غير جمع المطر ونحوه، فيشترط له ذلك.

([36]) أي وإن انقطع السفر في الأولى من المجموعتين، بأن نوى الإقامة، أو وصلت السفينة به إلى وطنه وهو في وقت الأولى، ولم يقيده الشارح، بطل الجمع والقصر مطلقا، سواء وجد عذر يبيح الجمع كمطر ووحل، أو لم يوجد، لزوال العذر المبيح المشروط استمراره إلى فراغ الثانية.

([37]) فرضا، لكونها صادفت وقتها.

([38]) أي وإن انقطع وهو في الثانية من المجموعتين، والوقت وقت الأولى، ولم يقيده أيضا، بطل الجمع والقصر، لزوال مبيحهما، ويتمها يعني الثانية نفلا، لأنها لم تصل في وقتها، وتصح الأولى فرضا، ومريض كمسافر فيما إذا برأ في الأولى أو الثانية.

([39]) مع وجود مبيحه، فإن لم ينو الجمع حتى ضاق وقت الأولى عنها لم تصح النية حينئذ.

([40]) وعنه لا تشترط النية لجمع التقديم، اختاره أبو بكر والشيخ وغيرهما.

([41]) يعني الجمع، وأثم بالتأخير، ولفوات فائدة الجمع، وهي التخفيف بالمقارنة بين الصلاتين.

([42]) من سير ومرض ومطر ونحوها، قال في الإنصاف: لا أعلم فيه خلافا.

([43]) المجوز له، وهو العذر قبل دخول وقت الثانية، فإذا لم يستمر إليه لم يجز الجمع، وأثم بالتأخير، لأن تأخيرها إلى ضيق الوقت حرام، فينافي رخصة الجمع.

([44]) تمثيل لزوال العذر قبل دخول وقت الثانية، ولا أثر لزواله بعد دخول وقت الثانية إجماعا، وقال في الإنصاف: لو قصر الصلاتين في السفر، في وقت أولاهما، ثم قدم قبل دخول وقت الثانية أجزأ، على الصحيح من المذهب.

([45]) أي فلا تشترط الموالاة، لأن الثانية مفعولة في وقتها، فهي أداء بكل حال، والأولى معها كصلاة فائتة، قال في المبدع: وهذا هو الأصح.

([46]) يعني الجمع في هذه الصور كلها، لأن لكل صلاة حكم نفسها، وهي منفردة، فلم يشترط في الجمع اتحاد إمام ولا مأموم ولا جامع.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 04:41 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ، وَبَيْنَ العِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ إِحدَاهُمَا فِي سَفَرِ قَصْر ......
قوله: «فصل» يعني: في الجمع بين الصلاتين.
والجمع هو: ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، وهذا التعريف يشمل جمع التقديم وجمع التأخير وقولنا: ضم إحدى الصلاتين للأخرى، يراد به ما يصح الجمع بينهما، فلا يدخل في ذلك ضم صلاة العصر إلى صلاة المغرب مثلاً؛ لأن صلاة المغرب نوع يخالف نوع صلاة العصر، فإن صلاة العصر نهارية، وصلاة المغرب ليلية، ولا يدخل فيه أيضاً ضم صلاة العشاء إلى الفجر، لأن وقتيهما منفصل بعضه عن بعض.
قوله: «يجُوزُ الجمع» التعبير بكلمة «يجوز» يحتمل أن يريد المؤلف رحمه الله: أنه لا يمنع، فيكون المراد بذكر الجواز دفع قول من يقول إنه لا يجوز، فلا ينافي أن يكون مستحباً.
ويحتمل أنه يريد بقوله: «يجوز» الإِباحة أي: أن الجمع مباح وليس بممنوع، ثم هل يستحب أو لا يستحب فيه كلام آخر. وعلى كل فالمعروف من المذهب أن الجمع جائز، وليس بمستحب، بل إن تركه أفضل، فهو رخصة، وتركه أفضل للخلاف في جوازه، فإن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجوز الجمع إلا بين الظهر والعصر في عرفة، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة، والعلة في ذلك عنده: أن هذا من باب النسك، وليس من باب العذر أي: السفر ولكن قوله ضعيف.
والصحيح أن الجمع سنّة إذا وجد سببه لوجهين:
الوجه الأول: أنه من رخص الله عزّ وجل والله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه.
الوجه الثاني: أن فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع.
فيدخل هذا في عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
قوله: «بين الظهرين» هما الظهر والعصر، لكنه أطلق عليهما لفظ الظهرين من باب التغليب، كما يقال القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر.
قوله: «بين العشاءين» هما المغرب والعشاء، وهو من باب التغليب كالظهرين.
قوله: «في وقت إحداهما» أي الأولى أو الثانية.
واعلم أنه إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً، فإن شئت فاجمع في وقت الأولى أو في الثانية أو في الوقت الذي بينهما، وأما ظن بعض العامة أنه لا يجمع إلا في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، أو آخر وقت المغرب وأول وقت العشاء فلا أصل له.
قوله: «في سفر قصر» هذا أحد الأسباب المبيحة للجمع، وهو سفر القصر، وإذا قال العلماء: في سفر قصر، فمرادهم به السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فيخرج به السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة، وسفر القصر سبق الكلام عليه، هل هو مقيد بمسافة معينة أو بالعرف.
وقوله: «في سفر قصر» ظاهر كلامه أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلاً أم سائراً، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء.
فمنهم من يقول: إنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً لا إذا كان نازلاً.
واستدل بحديث ابن عمر: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السير»يعني إذا كان سائراً.
وبأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجمع بين الصلاتين في منى في حجة الوداع؛ لأنه كان نازلاً، وإلا فلا شك أنه في سفر؛ لأنه يقصر الصلاة.
وأورد عليهم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل.
وأجابوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل ليدرك الناس صلاة الجماعة على إمام واحد؛ لأن الناس بعد الصلاة سوف يتفرقون في مواقفهم في عرفة، ويكون جمعهم بعد ذلك صعباً وشاقاً، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجمع بين الظهر والعصر مع أنه نازل من أجل حصول الجماعة على إمام واحد.
ونظير ذلك أن الناس يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر من أجل تحصيل الجماعة، وإلا فبإمكانهم أن يصلّوا الصلاة في وقتها في بيوتهم؛ لأنهم معذورون بالوحل.
والقول الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر، سواء كان نازلاً أم سائراً.
واستدلوا لذلك بما يلي:
1 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع في غزوة تبوك وهو نازل.
2 ـ ظاهر حديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان نازلاً في الأبطح في حجة الوداع، وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين»قالوا: فظاهر هذا أنهما كانتا مجموعتين.
3 ـ عموم حديث ابن عباس أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر»
4 ـ أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه، فجوازه للسفر من باب أولى.
5 ـ أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للعناء، أو قلة الماء، أو غير ذلك.
والصحيح أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.

وَلِمَرِيْضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ وَبَيْنَ العِشَاءَيْنِ لِمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابِ، وَوَحَلٍ، وَرِيْحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَة،.............
قوله: «ولمريض يلحقه بتركه مشقة» أي: يجوز الجمع لمريض يلحقه بترك الجمع مشقة أي تعب وإعياء، أيَّ مرض كان، سواء كان صداعاً في الرأس، أو وجعاً في الظهر، أو في البطن، أو في الجلد، أو في غير ذلك، ودليل ذلك ما يلي:
1 ـ عموم قول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
2 ـ حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر» قالوا: فإذا انتفى الخوف والمطر، وهو في المدينة انتفى السفر أيضاً، ولم يبق إلا المرض، وقد يكون هناك عذر غير المرض، ولكن ابن عباس: «سئل لماذا صنع ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته» أي: أن لا يلحقها حرج في عدم الجمع، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع، ولهذا قال المؤلف: «ولمريض يلحقه بتركه مشقة».
وفهم من قول المؤلف: أنه لو لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع وهو كذلك.
فإذا قال قائل: ما مثال المشقة؟ قلنا: المشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو كان يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة.. والمشقات متعددة.
فحاصل القاعدة فيه: أنه كلما لحق الإِنسان مشقة بترك الجمع جاز له الجمع حضراً وسفراً.
قوله: «وبين العشائين» أي: بين المغرب والعشاء، للأعذار التالية:
الأول:
قوله: «لمطر يبل الثياب» يعني: إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع بين العشائين، فإن كان مطراً قليلاً لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز، لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة.
فإن قيل: ما ضابط البلل؟
فالجواب: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطر منه الماء.
الثاني:
قوله: «ووحل» الوحل: الزلق والطين؛ فإذا كانت الأسواق قد ربصت من المطر فإنه يجوز الجمع، وإن لم يكن المطر ينزل، وذلك لأن الوحل والطين، يشق على الناس أن يمشوا عليه.
وعلم من قوله: بين العشائين أنه لا يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأسباب وهو المذهب. والراجح أنه جائز لهذه الأسباب وغيرها بين الظهرين والعشائين عند وجود المشقة بترك الجمع، كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنه.
الثالث:
قوله: «وريح شديدة باردة» اشترط المؤلف شرطين للريح:
1 ـ أن تكون شديدة.
2 ـ وأن تكون باردة.
وظاهر كلامه: أنه لا يشترط أن تكون في ليلة مظلمة، بل يجوز الجمع للريح الشديدة الباردة في الليلة المقمرة أيضاً.
فإذا قال قائل: ما هو حد الشدة والبرودة؟
فالجواب على ذلك: أن يقال: المراد بالريح الشديدة ما خرج عن العادة، وأما الريح المعتادة فإنها لا تبيح الجمع، ولو كانت باردة، والمراد بالبرودة ما تشق على الناس.
فإن قال قائل: إذا اشتد البرد دون الريح هل يباح الجمع؟ قلنا: لا لأن شدة البرد بدون الريح يمكن أن يتوقاه الإِنسان بكثرة الثياب، لكن إذا كان هناك ريح مع شدة البرد فإنها تدخل في الثياب، ولو كان هناك ريح شديدة بدون برد فلا جمع؛ لأن الرياح الشديدة بدون برد ليس فيها مشقة، لكن لو فرض أن هذه الرياح الشديدة تحمل تراباً يتأثر به الإِنسان ويشق عليه، فإنها تدخل في القاعدة العامة، وهي المشقة، وحينئذٍ يجوز الجمع.
فإذا قال قائل: ما الدليل على اختصاص الجمع للريح الشديدة والمطر والوحل بالعشائين.
قلنا: الدليل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «جمع بين العشائين في ليلة مطيرة» ولكن هذا الحديث فيه نظر، والذي رواه النجاد، وليس البخاري كما في بعض نسخ الروض.
وأيضاً كونه جمع في ليلة مطيرة لا يمنع أن يجمع في يوم مطير، لأن العلة هي المشقة، ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة: أنه يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشائين، والعلة هي المشقة، فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز الجمع.
فأسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ولكن لا تنحصر في هذه الأسباب الخمسة، بل هذه الخمسة التي ذكرها المؤلف كالتمثيل لقاعدة عامة وهي: المشقة، ولهذا يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين، وبين العشائين لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة، ويجوز الجمع أيضاً للإِنسان إذا كان في سفر وكان الماء بعيداً عنه، ويشق عليه أن يذهب إلى الماء ليتوضأ لكل صلاة، حتى وإن قلنا بعدم جواز الجمع في السفر للنازل، وذلك لمشقة الوضوء عليه لكل صلاة.
مسألة: هل من لازم جواز الجمع جواز القصر؟
الجواب: لا، فقد يجوز الجمع ولا يجوز القصر، وقد يجوز القصر ولا يجوز الجمع على رأي من يرى أن الجمع لا يجوز للمسافر النازل فلا تلازم بينهما.

وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ.
قوله: «ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط» يعني: يجوز الجمع بين العشائين للمطر، ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت سقف.
و«لو» هذه إشارة خلاف تشير إلى أن بعض العلماء قال: إذا كان يصلّي في بيته فإنه لا يجوز أن يجمع لأجل المطر، وكذا إذا كان المسجد طريقه تحت ساباط.
والساباط: السقف أي: لو أن الشارع أو السوق الذي يؤدي إلى المسجد طريقه مسقوف بساباط، فإنه لا يجوز له أن يجمع لأنه لا مشقة عليه في الذهاب إلى المسجد.
والراجح أنه يجوز أن يجمع ولو كان طريقه إلى المسجد تحت ساباط لأنه يستفيد الصلاة مع الجماعة. وأما الصلاة في البيت فلها صور:
الأولى: أن يكون معذوراً بترك الجماعة لمرض أو مطر ونحوهما. فظاهر كلام المؤلف: أنه يجوز له الجمع.
الثانية: أن يصلي في بيته بلا عذر وظاهر كلام المؤلف أنها كالأولى.
الثالثة: أن لا يكون يدعو مدعواً لحضور الجماعة كالأنثى فيحتمل أن يكون كلام المؤلف شاملاً لها ويحتمل أن لا يكون شاملاً لها فلا تجمع لأنها ليست من أهل الجماعة.
والراجح أنه لا يجوز الجمع في هذه الصور الثلاث، أما في الصورة الثانية فإنه لا يستفيد بهذا الجمع شيئاً، وأما في الصورة الثالثة فلأن المرأة ليست من أهل الجماعة.
فمراد المؤلف في قوله: «ولو صلّى في بيته، أو في مسجد طريقه تحت ساباط»، إذا كان من أهل الجماعة ويصلّي معهم فلا حرج أن يجمع مع الناس؛ لئلا تفوته صلاة الجماعة.

وَالأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَق بِهِ مِنْ تَأْخِيرٍ وَتَقْدِيمٍ......................
قوله: «والأفضل فعل الأرفق به من تأخير وتقديم» أي: الأفضل لمن يباح له الجمع فعل الأرفق به من تأخير وتقديم، فإن كان التأخير أرفق فليؤخر، وإن كان التقديم أرفق فليقدم.
ودليل هذا ما يلي:
1 ـ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .
2 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ الدِّينَ يُسرٌ».
3 ـ حديث معاذ: «أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في غزوة تبوك إذا ارتحلَ قبل أن تزيغَ الشَّمسُ أخَّرَ الظُّهرَ إلى أنْ يجمَعها إلى العصرِ، فيصلِّيهما جميعاً، وإذا ارتحلَ بعد أن تزيغَ الشَّمسُ؛ عَجَّلَ العصرَ إلى الظُّهرِ، وصَلَّى الظُّهرَ والعصرَ جميعاً، ثم سار...».
4 ـ أن الجمع إنما شرع رفقاً بالمكلف، فما كان أرفق فهو أفضل.
وكذلك المريض، لو كان الأرفق به أن يقدم صلاة العشاء مع المغرب فإن هذا أفضل، ولو كان بالعكس أن يؤخر المغرب إلى العشاء كان هذا أفضل.
مسألة: الجمع في المطر هل الأفضل التقديم أو التأخير؟
الأفضل التقديم؛ لأنه أرفق بالناس، ولهذا تجد الناس كلهم في المطر لا يجمعون إلا جمع تقديم.
هذا إذا قلنا: إن الجمع للمطر خاص في العشائين. أما إذا قلنا بأنه عام في العشائين والظهرين، فإن الأرفق قد يكون بالتأخير.
واعلم أن كلام المؤلف: لا يعني أنه إذا جاز الجمع فلا بد أن يكون تقديماً أو تأخيراً، بل إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً، فيجوز أن تصلّي المجموعتين في وقت الأولى، أو في وقت الثانية، أو فيما بين ذلك، وأما ظن العامة أن الجمع لا يجوز إلا في وقت الأولى، أو وقت الثانية، فهذا لا أصل له كما سبق، لأنه متى أبيح الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً.
وقد استثنى بعض العلماء جمع عرفة؛ فقال: الأفضل فيه التقديم، ومزدلفة فالأفضل فيه التأخير، ولكن هذا لا وجه له؛ لأن جمع عرفة تقديماً أرفق بالناس من الجمع تأخيراً، لأن الناس لا يمكن أن يحبسوا إلى وقت العصر مجتمعين، وهم يريدون أن يتفرقوا في مواقفهم، ويدعوا الله؛ فالأرفق بهم بلا شك التقديم، وأما في مزدلفة فالأفضل التأخير؛ لأنه أرفق فإن إيقاف الناس في أثناء الطريق وهم في سيرهم إلى مزدلفة فيه مشقة.
فإن قال قائل: إذا تساوى الأمران عند الإِنسان التقديم أو التأخير فأيهما أفضل؟
فالجواب: قالوا: الأفضل التأخير، لأن التأخير غاية ما فيه تأخير الأولى عن وقتها، والصلاة بعد وقتها تعذر جائزة مجزئة، وأما التقديم ففيه صلاة الثانية قبل دخول وقتها، والصلاة قبل دخول الوقت لا تصح ولو لعذر، ولأنه أحوط حيث منع بعض المجوزين للجمع من جمع التقديم إلا في عرفة.

. فَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الأُولَى اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا،........
قوله: «فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامها» إذا جمع في وقت الأولى اشترط ثلاثة شروط:
الشرط الأول: نية الجمع عند إحرامها وهذا مبني على اشتراط نية القصر للمسافر؛ لأن الجمع ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، ولذلك فلا بد أن تكون نية الضم مشتملة على جميع أجزاء الصلاة، فلا بد أن ينوي عند إحرام الأولى، فلو فرض أنه دخل في الأولى وهو لا ينوي الجمع، ثم في أثناء الصلاة بدا له أن يجمع، فإن الجمع لا يصح؛ لأنه لم ينوه عند إحرام الأولى، فخلا جزء منها عن نية الجمع والجمع هو الضم، ولا بد أن يكون الضم مشتملاً لجميع الصلاة، ولو نوى الجمع بعد السلام من الأولى لم يصح من باب أولى.
والصحيح: أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرام الأولى، وأن له أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السبب موجوداً.
مثال ذلك: لو أن الإِنسان كان مسافراً وغابت الشمس، ثم شرع في صلاة المغرب بدون نية الجمع، لكن في أثناء الصلاة طرأ عليه أن يجمع فعلى المذهب لا يجوز، وعلى القول الصحيح يجوز، وهو اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله.
ومثال آخر: لو سلم من صلاة المغرب ثم نزل مطر، يبيح الجمع جاز له الجمع.

وَلاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِقَدْرِ إِقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ، وَيَبْطُلُ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا،.........
قوله: «ولا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف» هذا هو الشرط الثاني: وهو الموالاة بين الصلاتين.
«ويفرق» بالنصب؛ لأنها على تقدير أن، أي: وأن لا يفرق معطوفاً على مصدر صريح وهو قوله: «نية الجمع» والفعل المضارع إذا عطف على مصدر صريح فإنه ينصب بأن مضمرة ومنه قوله:


ولُبْسُ عَباءةٍ وتَقَرَّ عيني
=
أحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفوفِ
فقوله: «ولبس عباءة وتقر»، أي: وأن تقر عيني، وتقول: زيارتي زيداً ويكرمني أحبّ إلي من التأخر عنه، زيارتي زيداً ويكرمني أي وأن يكرمني.
إذاً فقوله: «ولا يفرق» أي: يشترط أن لا يفرق بينهما، أي: بين المجموعتين في جمع التقديم إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف.
وخلاصة هذا الشرط الموالاة بين الصلاتين، أي: أن تكون الصلاتان متواليتين لا يفصل بينهما إلا بشيء يسير بمقدار إقامة؛ لأن الإِقامة الثانية لا بد منها، ووضوء خفيف؛ لأن الإِنسان ربما يحتاج إلى الوضوء بين الصلاتين فسومح في ذلك.
قوله: «يبطل» أي: الجمع.
قوله: «براتبة» أي: بصلاة راتبة.
قوله: «بينهما» أي: بين الصلاة الأولى والثانية، أي: لو جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فلما صلّى المغرب صلّى راتبة المغرب، فإنه لا جمع حينئذٍ لوجود الفصل بينهما بصلاة.
مسألة: لو فصل بينهما بفريضة، فبعد أن صلّى المغرب ذكر أنه صلّى العصر بلا وضوء فصلّى العصر، فلا جمع؛ لأنه إذا بطل الجمع بالراتبة التابعة للصلاة المجموعة فبطلانه بصلاة أجنبية من باب أولى.
ولو صلى تطوعاً غير الراتبة فمن باب أولى؛ لأنه إذا بطل بالراتبة التابعة للمجموعة فما كان أجنبياً عنها، وليس لها فهو من باب أولى.
واختار شيخ الإِسلام ابن تيمية: أنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين وقال: إن معنى الجمع هو الضم بالوقت أي: ضم وقت الثانية للأولى بحيث يكون الوقتان وقتاً واحداً عند العذر، وليس ضم الفعل، وعلى رأي شيخ الإِسلام: لو أن الرجل صلّى الظهر وهو مسافر بدون أن ينوي الجمع، ولو كان مقيماً ثم بدا له أن يسافر قبل العصر فإنه يجمع إذا سافر ولو طال الفصل، وعلى ما ذكره المؤلف لا يجمع لسببين:
أولاً: أنه لم ينوِ الجمع عند إحرام الأولى.
الثاني: أنه فصل بينهما.
وقد ذكر شيخ الإِسلام رحمه الله نصوصاً عن الإِمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه لا تشترط الموالاة في الجمع بين الصلاتين تقديماً كما أن الموالاة لا تشترط بالجمع بينهما تأخيراً كما سيأتي، والأحوط أن لا يجمع إذا لم يوالِ بينهما، ولكن رأي شيخ الإِسلام له قوة.
مسألة: رجل سافر بالطائرة، والمطار خارج البلد، وركب الطائرة، فأخذت دورة فمرت من فوق وهو يصلّي فهل يلزمه الإِتمام؛ لأن الهواء تابع للقرار؟
الجواب: الظاهر لي: أنه لا يلزمه الإِتمام؛ لأن هذا المرور مرور سفر عابر، وليس مرور استقرار وانتهاء سفر، ثم إن المدة في الغالب تكون وجيزة.

وَأَنْ يَكُونَ العُذْرُ مَوْجُوداً عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا وَسَلاَمِ الأَوْلَى..........
قوله: «وأن يكون العذر...» إلى آخره أي: العذر المبيح للجمع. وهذا هو الشرط الثالث.
قوله: «موجوداً عند افتتاحهما وسلام الأولى» أي: افتتاح الصلاتين الأولى والثانية، وعند سلام الأولى، وذلك لأن افتتاح الأولى محل النية وقد سبق أنه يشترط في الجمع نيته عند تكبيرة الإِحرام، فإذا كان يشترط نية الجمع عند تكبيرة الإِحرام لزم من هذا الشرط أن يشترط وجود العذر عند تكبيرة الإِحرام؛ لأن نية الجمع بلا عذر غير صحيحة، فإذا قلنا: لا بد من نية الجمع عند تكبيرة الإِحرام صار لا بد أيضاً من وجود العذر عند تكبيرة الإِحرام، إذاً هذا الشرط مبني على الشرط الأول الذي هو نية الجمع عند افتتاح الصلاة الأولى، وقد سبق أن القول الصحيح: عدم اشتراطه، وعلى ذلك لا يشترط وجود العذر عند افتتاح الأولى، فلو لم ينزل المطر مثلاً إلا في أثناء الصلاة فإنه يصح الجمع على الصحيح، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى أي: كانت السماء مغيمة ولم ينزل المطر، وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر، فالصحيح أن الجمع جائز بناء على هذا القول.
وعند شيخ الإِسلام: لا تشترط الموالاة أيضاً كما سبق؛ وذلك لأن العذر المبيح للجمع إذا وجد جعل الوقتين وقتاً واحداً، فاندمج وقت الثانية في وقت الأولى وصار الإِنسان إذا فعل الأولى في أول الوقت، والثانية في آخر الوقت فلا بأس، وبناء على هذا القول يكون الشرط وجود العذر فقط، فإذا وجد العذر جاز الجمع سواء كان العذر مرضاً أو سفراً أو مطراً أو ريحاً شديدة باردة أو غير ذلك مما يكون في ترك الجمع معه مشقة.
بقي الشرط الرابع وهو الترتيب، فيشترط الترتيب بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولأن الشرع جاء بترتيب الأوقات في الصلوات فوجب أن تكون كل صلاة في المحل الذي رتبها الشارع فيه، ولكن لو نسي الإِنسان أو جهل أو حضر قوماً يصلّون العشاء وهو قد نوى جمع التأخير، ثم صلّى معهم العشاء ثم المغرب، فهل يسقط الترتيب في هذه الأحوال أو لا يسقط؟
المشهور عند فقهائنا رحمهم الله: أنه لا يسقط، وإن كانوا يسقطونه بالنسيان في قضاء الفوائت، لكنهم هنا لا يسقطونه، ويجعلون الفرق أن الجمع أداء، والقضاء قضاء، فالأول في وقته والثاني خارج وقته، وبناء على هذا لو أن الإِنسان قدم الثانية على الأولى سهواً أو جهلاً أو لإِدراك الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب، فإن الجمع لا يصح فماذا يصنع في هذه الحال؟
الجواب: الصلاة التي صلاها أولاً، لم تصح فرضاً، ويلزمه إعادتها.
مثال ذلك: رجل كان ناوياً جمع تأخير، ثم دخل المسجد ووجد ناساً يصلّون العشاء فدخل معهم بنية العشاء، ولما انتهى من العشاء صلّى المغرب، نقول: صلاة العشاء لا تصح؛ لأنه قدمها على المغرب، والترتيب شرط فيصلّي العشاء مرة ثانية والمغرب صحيحة، ومعنى قولنا: لا تصح، أي: لا تصح فرضاً تبرأ به الذمة، ولكنها تكون نفلاً يثاب عليه.
وفيه شرط خامس: أن لا تكون صلاة الجمعة، فإنّه لا يصح أن يجمع إليها العصر، وذلك لأن الجمعة صلاة منفردة مستقلة في شروطها وهيئتها وأركانها وثوابها أيضاً، ولأن السنّة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً، فلا يصح أن تقاس الجمعة على الظهر لما سبق من المخالفة بين الصلاتين، بل حتى في الوقت على المشهور من مذهب الحنابلة فوقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى العصر، والظهر من الزوال إلى العصر وأيضاً الجمعة لا تصح إلا في وقتها، فلو خرج الوقت تصلّى ظهراً، والظهر تصح في الوقت وتصح بعده للعذر.
وهذا الشرط يؤخذ من قول المؤلف رحمه الله: يجوز الجمع بين الظهرين، فإن المراد بهما الظهر والعصر فلا يدخل في ذلك الجمعة والعصر.
ولكن لو قال قائل: أنا أريد أن أنوي الجمعة ظهراً؛ لأني مسافر وصلاة الظهر في حقي ركعتان يعني على قدر الجمعة؟
فنقول: هذه النية لا تصح على قول من يقول: إنه يشترط اتفاق نية الإِمام والمأموم، لأنهم لم يستثنوا من هذه المسألة إلا من أدرك من الجمعة أقل من ركعة فإنه يدخل مع الإِمام بنية الظهر لتعذر الجمعة في حقه، أما هذه فهي ممكنة فلا يصح أن ينوي الظهر خلف من يصلّي الجمعة، وهذا القول واضح أنه لا يصح أن ينويها ظهراً.
أما على القول الراجح: أن نية الإِمام والمأموم لا يضر الاختلاف بينهما فإنه يصح، ولكننا نقول: لا تنوها ظهراً؛ لأنك إذا نويتها ظهراً حرمت نفسك أجر الجمعة وأجر الجمعة أكبر بكثير من أجر الظهر، فكيف تحرم نفسك أجر الجمعة، من أجل الجمع؟ والأمر يسير: اُتْرُك العصر حتى يدخل وقتها ثم صلّها.
ولأن في نية صلاة الظهر قبل فوات الجمعة ممن تلزمه الجمعة إذا حضرها نظراً، لأن صلاة الظهر قبل فوات الجمعة ممن تلزمه غير صحيحة.
ووجه اشتراط كون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية: أن افتتاح الثانية هو محل الجمع، أي: الذي حصل به الجمع.
وهذا صحيح، أي: يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية. وهل يشترط أن يكون موجوداً إلى انتهاء الثانية؟ الجواب: لا.
فلو فرض أن الجمع كان لمطر، وأن المطر استمر إلى أن صلّوا ركعتين من العشاء ثم توقف، ولم يكن هناك وحل؛ لأن الأسواق مفروشة بالزفت، فلا يبطل الجمع؛ لأنه لا يشترط استمرار العذر إلى الفراغ من الثانية، ومثل ذلك: لو أن الإِنسان جمع لمرض وفي أثناء الصلاة الثانية ارتفع عنه المرض، فإن الجمع لا يبطل؛ لأنه لا يشترط استمرار العذر إلى الفراغ من الثانية.

وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ: اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ فِي وَقْتِ الأُوْلَى إِنْ لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا، وَاسْتِمْرَارُ العُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ.
قوله: «وإن جمع في وقت الثانية اشترط نية الجمع في وقت الأولى» أي: إذا نوى الجمع في وقت الثانية، فيشترط أن ينوي الجمع في وقت الأولى، لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيث جاز.
ودليل عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حدد الصلوات في أوقات معينة، فلا يجوز أن تؤخر الصلاة الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع حيث وجد سببه، فلا بد من نية الجمع قبل خروج وقت الأولى.
قوله: «إن لم يضق عن فعلها» أي: إن لم يضق وقت الأولى عن فعلها، فإن ضاق عن فعلها لم يصح الجمع؛ لأن تأخير الصلاة حتى يضيق وقتها عن الفعل محرم والجمع رخصة، والرخص لا تستباح بالمحرم، فلو أن رجلاً مسافراً مضى عليه الوقت، فلما بقي عليه من الوقت ما يضيق عن فعل صلاة الظهر نوى جمع الظهر إلى العصر، فلا تصح هذه النية لأنه يحرم تأخير الصلاة حتى يضيق الوقت، إذ إن الواجب أن يصلي الصلاة كلها في الوقت.
فنقول: صلِّ الصلاة الآن حسب ما أدركت من وقتها واستغفر الله عن التأخير، وسيدخل وقت الثانية قبل تمام صلاتك فصلها ولكن لا على أنه جمع، بل على أنه أداء في أول الوقت.
قوله: «واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية» أي: يشترط لصحة الجمع أن يستمر العذر إلى دخول الثانية فإن لم يستمر فالجمع حرام.
وهذا هو الشرط الثاني لجمع التأخير.
مثاله: رجل مسافر نوى جمع التأخير، ولكنه قدم إلى بلده قبل خروج وقت الأولى فلا يجوز له أن يجمع الأولى إلى الثانية، لأن العذر انقطع وزال فيجب أن يصلّيها في وقتها، وهذه مسألة تشكل على كثير من الناس، فكثير منهم ينوي جمع التأخير، ويقدم بلده قبل أن يخرج وقت الأولى فلا يصلّيها؛ لأنه نوى الجمع وهذا خطأ، بل الواجب أن يصليها في وقتها فإذا دخل وقت الثانية صلاّها، إلا أن يكون مجهداً يشق عليه انتظار دخول الثانية لاحتياجه إلى النوم مثلاً، فيجوز له الجمع حينئذ للمشقة لا للسفر. ولكن هل يصلّيها أربعاً أو يصلّيها ركعتين؟
الجواب: يصلّيها أربعاً؛ لأن علة القصر السفر وقد زال.
فإذا قال: قد دخل عليّ الوقت وأنا مسافر فوجبت علي مقصورة؟
فنقول: نعم وجبت عليك مقصورة؛ لأنك في سفر والآن ذمتك مشغولة بها، وما دامت مشغولة فإنك إذا وصلت البلد وجبت عليك تامة، وبهذا نعرف: أن القول الصحيح أن الإِنسان إذا دخل عليه الوقت وهو في البلد ثم سافر قبل أن يصلّي فله القصر؛ لأنه سافر وذمته مشغولة بها والمسافر يقصر الصلاة، فالعبرة في قصر الصلاة وعدمه... بفعل الصلاة لا بوقتها على القول الصحيح، فإذا دخل عليك الوقت وأنت مسافر وقدمت البلد قبل الصلاة فصلّها أربعاً، وإذا دخل عليك الوقت وأنت مقيم وسافرت فصلّها ركعتين.
وفي قوله: «واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية» ولم يذكر الموالاة إشارة إلى عدم اشتراط الموالاة؛ لأن الموالاة في جمع التأخير ليست بشرط فلو أنه جمع جمع تأخير، ودخل وقت الثانية وصلّى الأولى، وبقي ساعة أو ساعتين ثم صلّى الثانية، فالجمع صحيح؛ لأن الموالاة شرط في جمع التقديم، وليست شرطاً في جمع التأخير.
وذهب بعض العلماء: إلى أن الموالاة شرط في جمع التأخير كالتقديم.
وذهب بعض العلماء: إلى أن الموالاة ليست شرطاً لا في التقديم ولا في التأخير.
فالأقوال إذاً ثلاثة:
الأول: أن الموالاة ليست شرطاً لا في جمع التقديم ولا التأخير، وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية.
والثاني: أنها شرط في الجمعين؛ لأن الجمع هو الضم، وهذا قول بعض العلماء.
والثالث: التفريق، فتشترط الموالاة في جمع التقديم، ولا تشترط في جمع التأخير، وهذا هو المشهور من المذهب.
مسألة: رجل مسافر ونوى جمع التأخير وخرج وقت الأولى، وهو في السفر وقدم البلد في وقت الثانية فله الجمع؛ لأنه سوف يصلّي الأولى ثم يصلّي الثانية، لكن لا يقصر؛ لأنه انتهى مبيح القصر وهو السفر.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir