دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مسائل في النسخ

ويجوز نَسْخُ الفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ كَعَكْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالنَّسْخُ بِهِ وَالأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الآخَرَ وَنَسْخُ المُخَالَفَةِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ أَصْلِهَا لَا الأَصْلِ دُونَهَا فِي الأَظْهَرِ وَلَا النَّسْخُ بِهَا وَنَسْخُ الإِنْشَاءِ، وَلَوْ كان بِلَفْظِ القَضَاءِ أَوْ الخَبَرِ أَوْ قَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ، وَغَيْرِهِ، مِثْلَ: صُومُوا أَبَدًا صُومُوا حَتْمًا، وَكَذَا الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا إذَا قَالَهُ إنْشَاءً خِلَافًا لِابْنِ الحَاجِبِ، وَنَسْخُ الإِخْبَارِ بإيجاب الإخبار بِنَقِيضِهِ لَا الخَبَرِ، وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ كَانَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ، وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ وَبِلَا بَدَلٍ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ.

مَسْأَلَةٌ: النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ المُسْلِمِينَ، وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ تَخْصِيصًا، فَقِيلَ: خَالَفَ فَالخُلْفُ لَفْظِيٌّ، وَالمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الفَرْعِ، وَأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ، وَمَنَعَ الغَزَالِيُّ نَسْخَ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ، وَالمُعْتَزِلَةُ نَسْخَ وُجُوبِ المَعْرِفَةِ، وَالإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الوُقُوعِ، وَالمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ، وَقِيلَ يَثْبُتُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ لَا الِامْتِثَالِ. أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ فليست بنسخ خِلَافًا للحَنَفِيَّةِ، وَمَثَارُهُ هَلْ رَفَعَتْ وَإِلَى المَأْخَذِ عَوْدُ الأَقْوَالِ المُفَصَّلَةِ، وَالفُرُوعِ المعينة وَكَذَا الخِلَافُ فِي جُزْءِ العِبَادَةِ أَوْ شَرْطِهَا.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 08:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(وَيَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوَّلِيِّ وَالْمُسَاوِي (دُونَ أَصْلِهِ) أَيْ الْمَنْطُوقِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ نَسْخِ أَصْلِ الْفَحْوَى دُونَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) فِيهِمَا ; لِأَنَّ الْفَحْوَى وَأَصْلَهُ مَدْلُولَانِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ ضَرْبِالْوَالِدَيْنِ دُونَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ وَالْعَكْسِ، وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا ; لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ فَلَا يُنْسَخُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ بَقَاءِ الْمَلْزُومِ مَعَ نَفْيِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الثَّانِي لِجَوَازِ بَقَاءِ اللَّازِمِ مَعَ نَفْي الْمَلْزُومِ، وَلِقُوَّةِ جَوَازِ الثَّانِي أَتَى فِيهِ الْمُصَنِّفُ بِكَافٍ التَّشْبِيهِ دُونَ وَاوِ الْعَطْفِ لَكِنْيُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي حِكَايَةُ قَوْلٍ بِعَكْسِ الثَّالِثِ أَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ أَصْلِهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا.
(وَ) يَجُوزُ (النَّسْخُ بِهِ) أَيْ بِالْفَحْوَى قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ اتِّفَاقًا، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - الْمَنْعَ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا (وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفَحْوَى وَأَصْلِهِ أَيًّا كَانَ (يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ) أَيْ نَسْخَهُ ; لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ وَتَابِعٌ لَهُ وَرَفْعُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَلْزُومِ، وَرَفْعُ الْمَتْبُوعِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ التَّابِعِ وَقِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ ; لِأَنَّ رَفْعَ التَّابِعِ لَا يَلْزَمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ، وَرَفْعُ الْمَلْزُومِ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ اللَّازِمِ، وَقِيلَ: نَسْخُ الْفَحْوَى لَا يَسْتَلْزِمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَابِعٌ بِخِلَافِ نَسْخِ الْأَصْلِ، وَقِيلَ: نَسْخُ الْأَصْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَمَلْزُومٍ بِخِلَافِ نَسْخِ الْفَحْوَى، وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِلْزَامَ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ، وَالْجَوَازُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ وَالْبَيْضَاوِيُّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْآمِدِيِّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى، وَالْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ يُفِيدُ نَسْخَ الْفَحْوَى إلَخْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعَكْسِ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ سَرَى إلَى ذِهْنِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلِ أَنَّ الْخِلَافَ الثَّانِيَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ الْمُفِيدِ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ أَصْلِهَا) أَيْ يَجُوزُ نَسْخُهَا مَعَ أَصْلِهَا وَبِدُونِهِ (لَا) نَسْخُ (الْأَصْلِ دُونَهَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لَهُ ; لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مِثَالُ نَسْخِهَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَسْخِ حَدِيثِ {إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ} فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ وَهُوَ مَفْهُومُهُ وَهُوَ أَنْ لَا غُسْلَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ، وَمِثَالُ نَسْخِهِمَا مَعًا أَنْ يَنْسَخَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ وَنَفْيَهُ فِي الْمَعْلُوفَةِ الدَّالِ عَلَيْهِمَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَفْهُومِ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ فِي الْمَعْلُوفَةِ إلَى مَا كَانَ قَبْلُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ بَعْدَ الشَّرْعِ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً كَمَا يَرْجِعُ فِي السَّائِمَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ إلَخْ. (وَلَا) يَجُوزُ (النَّسْخُ بِهَا) أَيْ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لِضَعْفِهَا مِنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: الصَّحِيحُ الْجَوَازُ ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ.
(وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْإِنْشَاءِ وَلَوْ) كَانَ (بِلَفْظِ الْقَضَاءِ) وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ: إنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ نَحْوُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ} أَيْ أَمَرَ (أَوْ) بِلَفْظِ (الْخَبَرِ) نَحْوُ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} أَيْ لِيَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَخَالَفَ الدَّقَّاقُ فِي ذَلِكَ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ (أَوْ قَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ، وَغَيْرِهِ مِثْلَ صُومُوا أَبَدًا صُومُوا حَتْمًا) وَقِيلَ لَا لِمُنَافَاةِ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ وَالتَّحْتِيمِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَيَتَبَيَّنُ بِوُرُودِ النَّاسِخِ أَنَّ الْمُرَادَ افْعَلُوا إلَى وُجُودِهِ كَمَا يُقَالُ لَازِمْ غَرِيمَك أَبَدًا أَيْ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْحَقَّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَكَذَا الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا إذَا قَالَهُ إنْشَاءً) فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ) فِي مَنْعِهِ نَسْخَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ صُومُوا أَبَدًا وَالْفَرْقُ بِأَنَّ التَّأْبِيدَ فِيمَا قَبْلَهُ لِلْفِعْلِ، وَفِيهِ لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِمْرَارِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ غَيْرُهُ بِمَا قَالَهُ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِالْإِنْشَاءِ هُوَ مُرَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِذِكْرِهِ مَنْعَ نَسْخِ الْخَبَرِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَيَجُوزُ (نَسْخُ) إيجَابِ الْإِخْبَارِ بِشَيْءٍ (بِإِيجَابِ الْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ) كَأَنْ يُوجِبَ الْإِخْبَارَ بِقِيَامِ زَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَ قِيَامِهِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِقِيَامِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى عَدَمِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبَرُ بِهِ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ فَمَنَعَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَا ذُكِرَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِالْكَذِبِ فَيُنَزَّهُ الْبَارِي عَنْهُ، قُلْنَا: قَدْ يَدْعُو إلَى الْكَذِبِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ فِيهِ نَقْصًا وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَمَاكِنَ يَجِبُ فِيهَا الْكَذِبُ مِنْهَا إذَا طَالَبَهُ ظَالِمٌ بِالْوَدِيعَةِ أَوْ بِمَظْلُومٍ خَبَّأَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكَذِبِ، وَجَبَ (لَا) نَسْخُ (الْخَبَرِ) أَيْ مَدْلُولِهِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ ; لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْكَذِبَ أَيْ يُوقِعُهُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ حَيْثُ يُخْبِرُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ بِنَقِيضِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَقِيلَ) فِي الْمُتَغَيِّرِ (يَجُوزُ إنْ كَانَ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ) لِجَوَازِ الْمَحْوِ لِلَّهِ فِيمَا يُقَدِّرُهُ قَالَ تَعَالَى {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وَالْأَخْبَارُ يَتْبَعُهُ بِخِلَافِ الْخَبَرِ عَنْ مَاضٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْبَيْضَاوِيُّ وَقِيلَ: يَجُوزُ عَنْ الْمَاضِي أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَبِثَ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ مُبَيَّضَةِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ، وَقِيلَ بَعْدُ: يَجُوزُ الْمُفِيدُ مَا قَبْلَهَا حِينَئِذٍ لِحِكَايَتِهِ.
(وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا ; إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ سَهْلٍ إلَى عُسْرٍقُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ كَنَسْخِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} إلَخْ. (وَ) يَجُوزُ النَّسْخُ (بِلَا بَدَلٍ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لَكِنْ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ وَقَعَ كَنَسْخِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ} إلَخْ إذْ لَا بَدَلَ لِوُجُوبِهِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلْوُجُوبِ بَلْ بَدَلُهُ الْجَوَازُ الصَّادِقُ هُنَا بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ.
(مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ) وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ غَيْرَ الْعِيسَوِيَّةِ بَعْضَهُمْ فِي الْجَوَازِ، وَبَعْضَهُمْ فِي الْوُقُوعِ وَاعْتَرَفَ بِهِمَا الْعِيسَوِيَّةُ وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْمُعْتَرِفُونَ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً، وَهُمْ الْعَرَبُ (وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ) الْأَصْفَهَانِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (تَخْصِيصًا) ; لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَشْخَاصِ (فَقِيلَ: خَالَفَ) فِي وُجُودِهِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِهِ الْمَشْهُورِ (فَالْخُلْفُ) الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ (لَفْظِيٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ الْمُتَضَمِّنُ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهِ إنْكَارُهُ كَيْفَ وَشَرِيعَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفَةٌ فِي كَثِيرٍ لِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ فَهِيَ عِنْدَهُ مُغَيَّاةٌ إلَى مَجِيءِ شَرِيعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا كُلُّ مَنْسُوخٍ فِيهَا مُغَيًّا عِنْدَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى وُرُودِ نَاسِخِهِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ فَنَشَأَ مِنْ هُنَا تَسْمِيَةُ النَّسْخِ تَخْصِيصًا وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي وُجُودِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ) لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا بِانْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْقَى ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَهُ لَا مُثْبِتٌ وَسُلِّمَ فِي قَوْلِهِ لَا يَبْقَى مِنْ التَّسَمُّحِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ نَسْخٌ لِحُكْمِ الْفَرْعِ. (وَ) الْمُخْتَارُ (أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ) فَيَجُوزُ نَسْخُ كُلِّ الْأَحْكَامِ وَبَعْضِهَا أَيَّ بَعْضٍ كَانَ (وَمَنَعَ الْغَزَالِيُّ) كَالْمُعْتَزِلَةِ (نَسْخَ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ) لِتَوَقُّفِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ وَهِيَ مِنْ التَّكْلِيفِ وَلَا يَتَأَتَّى نَسْخُهَا قُلْنَا مُسَلَّمٌ ذَلِكَ لَكِنْ بِحُصُولِهَا يَنْتَهِي التَّكْلِيفُ بِهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَكْلِيفٌ وَهُوَ الْقَصْدُ بِنَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى (وَ) مَنَعَتْ (الْمُعْتَزِلَةُ نَسْخَ وُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ) أَيْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ ; لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ حَسَنَةٌ لِذَاتِهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ فَلَا يَقْبَلُ حُكْمُهُمَا النَّسْخَ قُلْنَا الْحَسَنُ الذَّاتِيُّ بَاطِلٌ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ) لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ
(وَقِيلَ يَثْبُتُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ لَا) بِمَعْنَى (الِامْتِثَالِ) كَالنَّائِمِ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ التَّبْلِيغِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَهُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِمَّنْ تَمَكَّنَ مِنْ عِلْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَعَلَى الْخِلَافِ (أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ) كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ صِفَةٍ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ كَالْإِيمَانِ أَوْ جَلْدَاتٍ فِي جَلْدِ حَدٍّ فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهَا نَسْخٌ (وَمَثَارُهُ) أَيْ الْمَحَلُّ الَّذِي ثَارَ مِنْهُ الْخِلَافُ مَا يُقَالُ (هَلْ رَفَعَتْ) الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَعِنْدَنَا لَا فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ وَعِنْدَهُمْ نَعَمْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا دُونَهَا اقْتَضَى تَرْكَهَا فَهِيَ رَافِعَةٌ لِذَلِكَ الْمُقْتَضَى قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اقْتِضَاءَ تَرْكِهَا وَالْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ غَيْرُهُ وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي زِيَادَتِهَا عَلَى الْقُرْآنِ كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ} وَزِيَادَةِ اعْتِبَارِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ} بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ لَا يُنْسَخُ بِالْآحَادِ (وَإِلَى الْمَأْخَذِ) الْمَذْكُورِ (عَوْدُ الْأَقْوَالِ الْمُفَصَّلَةِ وَالْفُرُوعِ الْمُبَيَّنَةِ) أَيْ الَّتِي بَيَّنَهَا الْعُلَمَاءُ حَاكِمِينَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا نَسْخٌ، أَوْ لَا مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُفَصَّلَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ غَيَّرَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْمَغْرِبِ فَهِيَ نَسْخٌ، وَإِلَّا كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَلَا وَمِنْهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ كَزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي الصُّبْحِ فَهِيَ نَسْخٌ، وَإِلَّا كَزِيَادَةِ عِشْرِينَ جَلْدَةً فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا (وَكَذَا الْخِلَافُ فِي) نَقْصِ (جُزْءِ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطِهَا) كَنَقْصِ رَكْعَةٍ أَوْ نَقْصِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ نَسْخٌ لَهَا فَقِيلَ: نَعَمْ إلَى ذَلِكَ النَّاقِصِ لِجَوَازِهِ أَوْ وُجُوبِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: لَا وَالنَّسْخُ لِلْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُتْرَكُ، وَقِيلَ: نَقْصُ الْجَزَاءِ نَسْخٌ بِخِلَافِ نَقْصِ الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّصِلِهِ وَمُنْفَصِلِهِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَالْوُضُوءِ وَقِيلَ نَقْصُ الْمُنْفَصِلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 08:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) ويجوز نسخ الفحوى دون أصله كعكسه على الصحيح.
(ش) فيه مسألتان: إحداهما: يجوز نسخ الفحوى دون أصله، فينسخ الضرب دون التأفيف، كالنصين ينسخ أحدهما مع بقاء الآخر، وحكاه ابن السمعاني عن أكثر المتكلمين، والثاني: المنع، ونقله عن أكثر الفقهاء ولعل مأخذ الخلاف أن دلالته لفظية أو قياسية. الثانية: يجوز نسخ الأصل دون الفحوى كنسخ التأفيف دون الضرب، لأن التأذي به أعظم، ولا يلزم من إباحة اليسير إباحة الكثير، وقيل: يمتنع, لأن الفرع يتبع الأصل، ويتحصل في الصورتين ثلاثة أقوال: ثالثها: منع الأول وجواز الثاني وعليه ابن الحاجب.
(ص) والنسخ به.
(ش) أي بالفحوى وادعى له الإمام والآمدي فيه الاتفاق ولكن الخلاف موجود، نقله الشيخ أبو إسحاق في (شرح اللمع) بناء على أن الفحوى قياس، والقياس لا يكون ناسخا وحكاه ابن السمعاني عن الشافعي رضي الله عنه، قال: لأنه جعل الفحوى في قوله تعالى: {ولا تقل لهما أف} في تحريم الضرب قياسا على التأفيف فعلى قوله لا يصح النسخ به، لأن القياس لا يجوز أن ينسخ النص وهذه المسألة في المنهاج، دون المختصر.
(ص) والأكثر أن نسخ أحدهما يستلزم الآخر.
(ش) إذا قلنا بالجواز ففي استتباع نسخ أحدهما نسخ الآخر، مذاهب:
أحدها: نعم واختاره البيضاوي لتلازمهما.
والثاني: المنع.
والثالث: أن نسخ الأصل يتضمن نسخ الفحوى لأنها تابعة ولا يتصور بقاء التابع بدون متبوعه، ونسخ المفهوم لا يتضمن نسخ الأصل، وقال ابن برهان في (الأوسط): إنه المذهب. واعلم أن هذا التعليل مشكل بقولهم: إذا نسخ الوجوب بقي الجواز.
(ص) ونسخ المخالفة وإن تجردت عن أصلها لا الأصل دونها في الأظهر.
(ش) أي يجوز نسخ مفهوم المخالفة مع نسخ الأصل ودونه ذكره القاضي عبد الوهاب وغيره.
وقد قالت الصحابة: (إنما الماء من الماء) نسخ مفهومه بقوله: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)) وبقي أصله وهو وجوب الغسل من الإنزال، وأما نسخ الأصل بدون مفهوم المخالفة، فذكر الصفي الهندي فيه احتمالين قال: وأظهرهما أنه لا يجوز، لأنه إنما يدل على العدم، باعتبار ذلك القيد المذكور، فإذا بطل تأثير ذلك القيد بطل ما بني عليه، وعلى هذا نسخ الأصل نسخ المفهوم، وليس المعنى منه أنه يرتفع العدم ويحصل الحكم الثبوتي، بل المعنى أن يرتفع العدم الذي كان شرعيا، ويرجع إلى ما كان عليه من قبل.
(ص) ولا النسخ بها.
(ش) هذا تابع فيه ابن السمعاني فإنه قال: دليل الخطاب يجوز نسخ موجبه، ولا يجوز النسخ بموجبه، لأن النص أقوى من دليله لكن الشيخ أبو إسحاق في (اللمع) حكاه وجها، وقال: المذهب الصحيح الجواز، لأنه في معنى النطق.
(ص) ونسخ الإنشاء ولو كان بلفظ القضاء أو الخبر أو قيد بالتأبيد وغيره مثل: صوموا أبدا صوما حتما، وكذا: الصوم واجب مستمر أبدا، إذا قاله إنشاء خلافا لابن الحاجب.
(ش) النسخ يقع في الإنشاء في الجملة بالإجماع، لكن اختلف في صور منه:
إحداها: أن يقع الإنشاء بلفظ نحو: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} ونحوه. وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز وقوع النسخ فيه، وزعم أن لفظ القضاء إنما يستعمل فيما لا يتغير حكمه، وهذا القول غريب لا يعرف في كتب الأصول وإنما أخذه المصنف من كتب التفسير.
الثانية: جميع الأخبار المقصود بها الأمر أو النهي نحو:{والوالدات يرضعن أولادهن} فهو وإن كان صورته صورة الخبر، لكن معناه الإنشاء، فيرد النسخ عليه كسائر الأوامر، وخالف فيه أبو بكر الدقاق، كما نقله ابن السمعاني وغيره تغليبا للفظ الخبر على معنى الأمر.
الثالثة: إذا قيد بالتأبيد، وما في معناه نحو: صوموا أبدا، صوموا حتما، نقل ابن السمعاني عن بعض المتكلمين منعه لمناقضته الأبدية، وقالوا: لا يجوز النسخ إلا في خطاب مطلق، وزعموا أن جوازه يؤدي إلى البداء والصحيح الجواز لأنه إذا جاز أن يقال: لازم غريمك أبدا ويريد إلى وقت القضاء – جاز أن يقال: افعل كذا أبدا، ويراد إلى وقت النسخ ونقله ابن برهان عن المعظم، قال: لأن القصد به المبالغة لا الدوام.
الرابعة: الصوم واجب مستمر أبدا، إذا قاله إنشاء منع ابن الحاجب نسخه لأنه خبر فتطرق النسخ إليه يلزم الخلف، بخلاف الإنشاء لفظا ومعنى نحو: صوموا أبدا، واختار المصنف التسوية بين الصورتين لأنه وإن كان بصورة الخبر فهو في معنى الإنشاء فجاز كالإنشاء المحض، وحاصله أن المقيد بالتأبيد لا يمتنع معه النسخ، بل هو تأكيد سواء كان في الخبر أو الإنشاء.
(ص) ونسخ الأخبار بإيجاب الإخبار بنقيضها.
(ش) أطلق الجمهور أن النسخ لا يدخل الخبر، وفصل القاضي أبو بكر، فقال: هذا في خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم فأما أمرنا بالإخبار بشيء فيجوز نسخه بالنهي عن الإخبار به، وجرى عليه المصنف، وسواء كان مما يتغير، كما لو قال: كلفتكم أن تخبروا بقيام زيد، ثم يقول: كلفتكم بأن تخبروا بأن زيدا ليس بقائم، ولا خلاف في جوزاه لاحتمال كونه قائما وقت الإخبار بقيامه، غير قائم وقت الإخبار بعدم قيامه، أو كان مما لا يتغير وككون السماء فوق الأرض مثلا وفي هذه الصورة منعت المعتزلة؛ لأن أحدهما كذب والتكليف به قبيح، وهو مبني على التقبيح العقلي
(ص) لا الخبر، وقيل: يجوز إن كان عن مستقبل.
(ش) أما نسخ خبر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام فيمتنع مطلقا، أما إذا لم يتغير مدلوله فبالإجماع، وأما المتغير كإيمان زيد وكفره ونحو ذلك - فكذلك سواء كان الخبر ماضيا أو ... مستقبلا على الصحيح لأنه يؤدي إلى دخول الكذب في أخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مثاله قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) وقيل: يجوز مطلقا، وهو قول القاضي أبي يعلى، وعلى هذا يجوز نسخ الوعد والوعيد قبل الفعل، كقوله: من بنى هذا الحائط فله درهم، ثم يرفع ذلك، وقيل: يجوز إن كان مدلوله مستقبلا وإلا فلا، واختاره البيضاوي قال الخطابي: إنه الصحيح فقال: النسخ يجري فيما أخبر الله تعالى أن يفعله، لأنه يجوز تعليقه على شرط بخلاف إخباره عما لا يفعله، إذ لا يجوز دخول الشرط فيه، قال: وعلى هذا تأول ابن عمر النسخ بعد ذلك في قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فإن نسخها بعد ذلك برفع حديث النفس وجرى ذلك مجرى العفو والتخفيف عن عباده، وهو كرم وفضل وليس بخلف.
(ص): ويجوز النسخ ببدل أثقل.
(ش) كصوم عاشوراء برمضان، والحبس في البيوت في الزنا بالحد، ومنع منه بعضهم عقلا، وبعضهم سمعا وهو قول ابن داود، وذكر ابن برهان أن بعضهم نقله عن الشافعي رضي الله عنه، وليس بصحيح، أما الأخف والمماثل فلا خلاف في جواز النسخ به كالعدة.
(ص) وبلا بدل لكن لم يقع، وفاقا للشافعي.
(ش) في النسخ بلا بدل مسألتان:
إحداهما: الجواز، وعليه المعظم، لأن المصلحة قد تقتضيه وخالف فيه جماهير المعتزلة، كما قاله إمام الحرمين بناء على أن النسخ يجمع معنى الرفع والنقل.
الثانية: الوقوع، وعليه الأكثر وكلام الشافعي رضي الله عنه، في الرسالة يقتضي المنع، ومراده أنه لم يقع، بحيث يعود الأمر كهو قبل الشرع، كقوله: نسخت الصدقة عند المناجاة، وصيرت الحال بعد النسخ غير محكوم عليه بشيء بل هو كالأفعال قبل الشرع وهذا وإن قلنا بجوازه لم يقع ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف، وكلام الشافعي رضي الله عنه، مصرح بأن البدل الذي لا يقع النسخ إلا به انتقالهم، من حكم شرعي إلى حكم شرعي، وذلك أعم من أن يعادوا إلى ما كانوا عليه، كمناجاة الرسول، أو يحدث شيء مغاير لذلك، كما في نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالكعبة، وأنهم لا يتركون غير محكوم عليهم بشيء، وجعل المصنف الصور أربعا:
إحداها: الجواز، ولم يخالف فيه إلا بعض المعتزلة.
ثانيها: الوقوع بلا بدل أصلا بحيث يعود الأمر كهو قبل الشرع، ولا يعرف في منعه خلاف.
ثالثها: وقوعه ببدل من الأحكام الشرعية أما إحداث أمر مخالف لما كان واجبا أولا، كالكعبة بعد القدس، أو الحكم بإباحة ما كان واجبا كالمناجاة، والنسخ لم يقع إلا هكذا، كما قال الشافعي رضي الله عنه.
رابعها: وقوعه ببدل بشرط أن يكون تأصيلا لأمر آخر، كالكعبة بعد القدس، ولم يشترطه الشافعي رضي الله عنه، ومن ذهب إليه فقوله مردود عليه، ومن نقله عن الشافعي رضي الله عنه، فلم يفهم مراده بالبدل.
(ص) مسألة: النسخ واقع عند كل المسلمين وسماه أبو مسلم تخصيصا فقيل: خالف، فالخلف لفظي.
(ش) أشار بالمسلمين إلى أن غيرهم خالف فيه – وهم اليهود – فرارا من لزوم البداء وهو محال على الله تعالى لأن المصلحة بعد تسليمها تختلف باختلاف الأزمان والأحوال كمنفعة شرب دواء في وقت أو حال، وضرورة في آخر، فلم يتجدد ظهور ما لم يكن، بل تجددت مصلحة لم تكن، فلم يلزم البداء.
وعن أبي مسلم الأصفهاني، إنكار النسخ، ثم قيل: لم ينكر النسخ مطلقا وإنما أنكر النسخ في القرآن، لقوله تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} وقيل: خلافه لفظي، لأنه يجعل ما كان مغيا في علم الله – تعالى-، كما هو مغيا باللفظ، ويسمى الجميع تخصيصا، ولا فرق عنده بين أن يقول: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} وأن يقول: (صوموا مطلقا، وعلمه محيط بأنه سينزل لا تصوموا وقت الليل) والجمهور يجعلون الأول تخصيصا والثاني نسخا، فلا خلاف في المعنى.
(ص) والمختار أن نسخ حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع.
(ش) أي خلافا للحنفية لأن الفرع تابع للأصل، فإذا بطل الحكم في الأصل، بطل في الفرع، وإذا قلنا: لا يبقى فسماه بعضهم نسخا ولم يستحسنه المصنف، فلهذا عبر – تبعا لابن الحاجب – بقوله: لا يبقى ولم يقل: ينسخ معه حكم الفرع فإن الأصحاب لا يقولون: إن حكم الفرع ينسخ بارتفاع حكم الأصل، بل يزول حكمه لزوال كون العلة معتبرة، وإذا زال لزوال علته لا يقال: إنه منسوخ.
(ص) وإن كل شرعي يقبل النسخ، ومنع الغزالي رحمه الله نسخ جميع التكاليف، والمعتزلة: نسخ وجوب المعرفة والإجماع على عدم الوقوع.
(ش) فيه مسألتان:
إحداهما: اختلفوا في أن كل واحد من الأحكام هل هو قابل للنسخ أم لا؟ فذهب أصحابنا إلى تجويزه وصارت المعتزلة إلى أن من الأحكام ما لا يقبل هو ما يكون بذاته أو يلازم ذاته حسنا أو قبيحا، لا يختلف باختلاف الأزمان، كحسن معرفة الباري والعدل، وقبح الجهل والجور، وهو بناء على أصلهم من الحسن والقبح العقليين.
الثانية: اختلفوا في أنه هل يجوز أن تزول التكاليف بأسرها بطريق النسخ؟ فمنعه المعتزلة، ووافقهم الغزالي، لأن نسخها يستدعي معرفة الناسخ والمنسوخ فيجب معرفته ضمنا، وهو نوع من التكليف، فلو انتفت جميع التكاليف لم تنتف. والمختار الجواز كغيرها، وأجمع الكل على عدم الوقوع، وإنما الخلاف في الجواز ردها العقلي.
تنبيه: علم بهذا التقرير أنه كان ينبغي للمصنف تقديم نسخ المعرفة على نسخ جميع التكاليف.
(ص) والمختار أن الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة، لا يثبت في حقهم وقيل: يثبت بمعنى الاستقرار في الذمة، لا الامتثال.
(ش) الحكم الشرعي ما دام في السماء لا يثبت له حكم، كفرض خمسين صلاة ليلة الإسراء، وكذلك بعد نزوله من السماء وقبل أن يبلغه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم يثبت حكمه في حقه (وحق كل من بلغه، وأما من لم يبلغه، فإن تمكن من العلم به ثبت حكمه في حقه) قطعا، وإلا فهو محل الخلاف، والجمهور أنه لا يثبت، لا بمعنى الامتثال ولا بمعنى الثبوت في الذمة، وقال بعضهم يثبت بالمعنى الثاني كالنائم، ولا نعلم أحدا قال بثبوته بالمعنى الأول، وذكر القاضي في (التقريب): أن الخلاف لفظي، وذكر في (مختصر التقريب): أن المثبتين يقولون: لو قدر ممن لم يبلغه الناسخ إقدام، على الحكم الأول كان دليلا لكنه تعذر لجهله، واعلم أن ما رجحه المصنف تابع فيه ابن الحاجب وغيره، لكن ابن برهان في (الأوسط) عزاه للحنفية، وحكى الثبوت عن مذهبنا، ونصره وهو ما يوجد لأصحابنا المتقدمين وقال الروياني في باب الوكالة من (البحر): إذا نسخ الله حكما وعلم رسوله، هل يكون نسخا في حق من لم يعلم من أمته؟ فيه طريقان:
أحدهما: فيه وجهان كالوكالة.
والثاني: لا يكون نسخا في حقهم قطعا، وبه قال أبو حنيفة، لأن أمر الشريعة يتضمن تركه المعصية ولا يجوز أن يكون عاصيا مع جهله به، وما فسر به المصنف الثبوت لا بد منه، وقال ابن دقيق العيد: لا شك أنه لا يثبت في حكم التأثيم، وهل يثبت في حكم القضاء إذ هو من الأحكام الوضعية؟ هذا فيه تردد، لأنه ممكن بخلاف الأول، لأنه يلزم منه تكليف ما لا يطاق.
(ص) أما الزيادة على النص فليست بنسخ خلافا للحنفية، ومثاره هل رفعت وإلى المأخذ عود الأقوال المفصلة والفروع المبينة.
(ش) الزيادة إما أن تستقل بنفسها عن العبادة المزيد فيها أو لا، والأول إما أن يكون من غير جنس الأول كزيادة وجوب الزكاة على الصلاة، فليس بنسخ بالإجماع، أو من جنسه، كزيادة صلاة على الصلوات الخمس، فليس بنسخ أيضا عند الجماهير وقال بعض أهل العراق: إنه نسخ، لأنه تغير الوسط. والثاني: ما ليس بمستقل كزيادة ركعة، أو ركوع، أو زيادة صفة في رقبة الكفارة، كالإيمان فذهب أصحابنا إلى أنه لا تكون نسخا وقالت الحنفية:
إنها نسخ واختاره بعض أصحابنا وادعى أنه مذهب الشافعي رضي الله عنه، وزيفه ابن السمعاني ومثار الخلاف أن الزيادة هل رفعت حكما شرعيا فيكون نسخا أو لم ترفع فلا؟ فلو وقع الاتفاق على أنها رفعت حكما شرعيا (لوقع على أنها نسخ أو على أنها لا ترفع) لوقع على أنها ليست بنسخ، فالنزاع على الحقيقة في أنها رفع أم لا، وإلى هذا المأخذ ترجع الأقوال المفصلة في المسألة فعن عبد الجبار هي نسخ إن غيرت حكم المزيد عليه كجعل الصلاة الثنائية أربعا وإن لم تغير كإضافة التغريب إلى الجلد – فليس بنسخ، واختاره القاضي، وقيل: إن أسقطت دليل الخطاب كانت نسخا، وإن تغير موجب النص كما في قوله: ((إنما الماء من الماء)) مع الأمر بالغسل من التقاء الختنانين، حكاه أبو حاتم في (اللامع) عن بعض أصحابنا، وقيل: إن أفاد النص خلافها، وأبو الحسين: إن أزالت حكما يجوز انتساخه بدليلها، جاز إثباتها ثم ذلك نسخ إن كان الحكم الزائل شرعيا.
(ص) وكذا الخلاف في جزء العبادة أو شرطها.
(ش) كما أن الزيادة على النص ليست بنسخ فكذا النقصان منه عندنا سواء كان المنسوخ جزءا أو شرطا ومنهم من قال: يكون نسخا ومنهم من فصل بين الجزء والشرط، فقال: إسقاط الجزء نسخ للعبادة كالركوع أو السجود وإسقاط الشرط كالطهارة ليس نسخا، وهو مذهب القاضي عبد الجبار ووافقه الغزالي في الجزء، وتردد في الشرط، وجعل الهندي الخلاف في الشرط المتصل كاستقبال القبلة في الصلاة، فأما المنفصل منها كالطهارة فإيراد إمام وغيره يشعر بأنه لا خلاف فيه، وكلام غيره يقتضي إثبات الخلاف في الكل، قلت: وبالأول صرح صاحب (المسودة) فقال: الخلاف في المتصل كالتوجه، فأما المنفصل كالوضوء فلا يكون نسخا لها إجماعا لكن صرح ابن السمعاني بالثاني، فقال: صورة المسألة فيما لو قدر ناسخ الوضوء أو نسخ استقبال القبلة، وفي هذا وأمثاله يكون الكلام ظاهرا في أنه لا يكون نسخا للصلاة، قال: فأما في إسقاط الجزء كالركوع فينبغي أن يكون على ما ذكرنا فيما إذا زيدت ركعة على ركعتين. قلت: يشير إلى أنه يجيء هنا مذهب عبد الجبار من التفصيل بين أن يغير المزيد عليه أو لا.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 08:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: ويجوز نسخ الفحوى دون أصله كعكسه على الصحيح والنسخ به والأكثر أن نسخ أحدهما يستلزم الآخر.
ش: فيه مسائل:
الأولى: يجوز نسخ الفحوى دون أصله، كنسخ الضرب دون التأفيف، وعكسه كنسخ التأفيف دون الضرب كالنصين ينسخ أحدهما مع بقاء الآخر.
وحكى ابن السمعاني في الأولى الجواز عن أكثر المتكلمين، والمنع عن أكثر الفقهاء ويتحصل في الصورتين ثلاثة أقوال، ثالثها: منع الأولى، وجواز الثانية وعليه ابن الحاجب.
الثانية: يجوز النسخ بالفحوى، وادعى الإمام والآمدي الاتفاق فيه، لكن نقل فيه الشيخ أبو إسحاق في (شرح اللمع) خلافا بناء على أنه قياس، وأن القياس لا ينسخ به، وحكى ابن السمعاني المنع عن الشافعي.
الثالثة: هل يلزم من نسخ الأصل نسخ الفحوى وعكسه؟ فيه مذاهب: أحدها وبه قال الأكثرون: نعم واختاره البيضاوي لتلازمهما.
والثاني: المنع.
والثالث: أن نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى، لأنها تابعة فلا تبقى بدون متبوعها بخلاف عكسه.
وقال ابن برهان في (الأوسط): إنه المذهب.
فإن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة والأولى؟
قلت: لعل تلك فيما إذا نص مع نسخ أحدهما على بقاء الآخر وهذه عند الإطلاق. والله أعلم.
ص: ونسخ المخالفة وإن تجردت عن أصلها لا الأصل دونها في الأظهر ولا النسخ بها.
ش: فيه مسائل.
الأولى: يجوز نسخ مفهوم المخالفة سواء نسخ الأصل أم لا، ومثال نسخها بدون المنطوق نسخ مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الماء من الماء)) بقوله: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)) مع بقاء منطوقه، وهو وجوب الغسل من الإنزال.
الثانية: في نسخ الأصل بدون مفهوم المخالفة احتمالان للصفي الهندي وقال: إن أظهرهما أنه لا يجوز، قال: وليس المعنى فيه أنه يرتفع العدم، ويحصل الحكم الثبوتي، بل المعنى فيه أنه يرتفع العدم الذي كان شرعيا ويرجع إلى ما كان عليه من قبل.
الثالثة: لا يجوز النسخ بمفهوم المخالفة، قاله ابن السمعاني، لكن قال الشيخ أبو إسحاق في اللمع بعد حكايته وجها: المذهب الصحيح جوازه.
ص: ونسخ الإنشاء ولو بلفظ القضاء أو الخبر أو قيد بالتأبيد، وغيره مثل صوموا أبدا صوموا حتما، وكذا الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء خلافا لابن الحاجب.
ش: هذا معطوف على الإثبات والمتقدم وليس معطوفا على المنفي قبله، وحاصله أن الإجماع منعقد على نسخ الإنشاء في الجملة ولكن اختلف في صور منها:
إحداها: أن يكون بلفظ (قضى بكذا وكذا) فقال بعضهم: لا يجوز نسخه، لأن لفظ القضاء إنما يستعمل فيما لا يتغير حكمه.
قال الشارح: وهذا القول غريب لا يعرف في كتب الأصول، إنما أخذه المصنف من كتب التفسير.
الثانية: أن يكون بصيغة الخبر نحو: {والوالدات يرضعن أولادهن}. فقال الجمهور: يجوز نسخه باعتبار معناه.
وقال أبو بكر الدقاق: يمتنع باعتبار لفظه.
الثالثة: أن يقيد بالتأبيد جملة فعلية كقوله: صوموا أبدا وغيره، مما هو في معناه كقوله: صوموا حتما، فقال بعض المتكلمين: يمتنع نسخه لئلا يؤدي إلى البداء، وجوزه الجمهور كما يقال: لازم غريمك أبدا، والمراد: إلى أن يقضيك، والمراد هنا إلى وقت النسخ، وحكاه ابن برهان عن المعظم، وقال: القصد به المبالغة لا الدوام.
الرابعة: أن يقيد بالتأبيد جملة اسمية كقوله: الصوم واجب مستمر أبدا، إذا قاله على سبيل الإنشاء، فالجمهور على جواز نسخه، ومنعه ابن الحاجب وعلله بأنه خبر، فيلزم من تطرق النسخ إليه الخلف، بخلاف الإنشاء لفظا ومعنى.
واختار المصنف التسوية بين الصورتين نظرا للمعنى.
ص: ونسخ الإخبار بإيجاب الإخبار بنقيضه لا الخبر وقيل: يجوز إن كان عن مستقبل.
ش: اختلف في جواز نسخ الخبر على مذاهب:
أحدها: المنع مطلقا، وهو مختار المصنف تبعا لابن الحاجب، وحكاه في (المحصول) عن أكثر المتقدمين.
الثاني: الجواز مطلقا، وهو قول الإمام فخر الدين والآمدي.
الثالث: الجواز إن كان مدلوله مستقبلا وإلا فلا، واختاره البيضاوي واستدل عليه بأنه يصح أن يقول السيد لعبده: لا أرضى عنك أبدا، ثم يقول: عاما واحدا.
وقال الخطابي: أنه الصحيح.
هكذا أطلق الجمهور الخلاف، وقال القاضي أبو بكر: يجوز نسخ إيجاب الإخبار بشيء، بإيجاب الإخبار بنقيضه، وهذا هو الذي بدأ المصنف بذكره، واقتضى كلامه نفي الخلاف فيه، وهو مسلم فيما يقبل التغيير كالتكليف بالإخبار بقيام زيد ثم التكليف بالإخبار بعدمه، لاحتمال كونه قائما عند الأول، وغير قائم عند الثاني، فإن لم يقبل التغيير كحدوث العالم فمنعه المعتزلة بناء على التقبيح العقلي وجوزه أهل السنة.
ص: ويجوز النسخ ببدل أثقل وبلا بدل لكن لم يقع وفاقا للشافعي.
ش: فيه مسألتان:
إحداهما: يجوز النسخ ببدل أثقل كصوم عاشوراء إن قلنا بوجوبه برمضان، والحبس في البيوت بالزنا بالحد، وترك قتال المشركين لقوله: {ودع آذاهم} بإيجابه، ومنعه ابن داود الظاهري، وذكر ابن برهان أن بعضهم نقله عن الشافعي وليس بصحيح.
الثانية: يجوز النسخ بلا بدل ومنعه أكثر المعتزلة ثم قال أكثر أصحابنا بوقوعه كصدقة النجوى، فإنها وجبت ثم نسخت لا إلى بدل، وتوهم بعضهم أنه أبدل منها الزكاة وهو مردود لأنه تعالى قرن بها الصلاة والطاعة بقوله تعالى: {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله} وهما فرضان قبل ذلك ولتوقفه على معرفة التاريخ.
وإنما المعنى: رفعناه عنكم، فتمسكوا بما لا بد منه من الصلاة والزكاة وسائر الطاعات.
وذهب الشافعي إلى أنه لم يقع، فقال في (الرسالة): (وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض) ووافقه المصنف، لكن أوله أبو بكر الصيرفي على أن ا لمراد بالفرض الحكم، أي إذا نسخ لا بد أن يعقبه حكم آخر، وليس منافيا لكلام أهل الأصول لأنه يرجع إلى ما كان عليه وهو حكم فإن صدقة النجوى لما نسخ إيجابها عاد الأمر إلى ما كان عليه من التخيير.
ص: مسألة: النسخ واقع عند كل المسلمين وسماه أبو مسلم تخصيصا فقيل: خالف، فالخلف لفظي.
ش: أشار بالمسلمين إلى مخالفة غيرهم فيه, وهو فرقة من اليهود أحالته عقلا, وهو السمعونية, وأخرى منهم وهم العنانية منعت وقوعه فقط, وثالثة منهم وهم العيسوية قالت بوقوعه.
كذا ذكر ابن برهان والآمدي, وغيرهما, وذهب أبو مسلم الأصفهاني من المعتزلة إلى إنكاره، فقيل: إنما أراد في القرآن كما تقدم عنه، وقيل: خلافه لفظي، لأنه يجعل المعنى في علم الله تعالى كالمعنى في اللفظ، ويسمي الكل تخصيصا ويسوي بين قوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} وبين صوموا مطلقا مع علمه تعالى بأنه سينزل: لا تصوموا ليلا، والجمهور يسمون الأول تخصيصا، والثاني نسخا فالخلاف لفظي.
ص: والمختار أن نسخ حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع.
ش: إذا نسخ حكم الأصل استمر حكم الفرع عند الحنفية، وقال الجمهور: بل يرتفع، لأنه تابع فيزول بزوال متبوعه ثم سماه بعضهم نسخا.
وعبر المصنف تبعا لابن الحاجب بقوله: (لا يبقى) وهو أحسن، لأنه قد زال حكمه لزوال علته فلا يقال فيه: إنه منسوخ.
ص: وأن كل حكم شرعي يقبل النسخ ومنع الغزالي نسخ جميع التكاليف والمعتزلة نسخ وجوب المعرفة والإجماع على عدم الوقوع.
ش: ذهب أصحابنا إلى أن كل حكم شرعي يقبل النسخ وخالفهم المعتزلة في مسألتين:
إحداهما: أنهم منعوا نسخ جميع التكاليف ووافقهم الغزالي على ذلك.
ثانيهما: منعوا أيضا نسخ وجوب معرفة الله تعالى، كذا قال المصنف وهو مثال.
ولا يختص الحكم بذلك عندهم، بل منعوا النسخ في كل ما كان بذاته أو بلازم ذاته حسنا أو قبيحا لا يختلف باختلاف الأزمنة، وهو مبني على أصلهم في الحسن والقبح العقليين.
والخلاف في المسألتين في الجواز العقلي مع الإجماع على عدم وقوع ذلك.
ص: والمختار أن الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة لا يثبت في حقهم وقيل يثبت بمعنى الاستقرار في الذمة لا الامتثال.
ش: لا يثبت الحكم الشرعي قبل بلوغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغه ثبت حكمه في حقه، وحق كل من بلغه، أو لم يبلغه لكن تمكن من العلم به، فإن لم يبلغه ولا تمكن من العلم به فهو محل الخلاف.
قال الجمهور: لا يثبت لا بمعنى الامتثال ولا بمعنى الثبوت في الذمة. وقال بعضهم: يثبت بالمعنى.
الثاني: كالنائم، وذكر القاضي أبو بكر أن الخلاف لفظي، وما رجحه المصنف تبع فيه ابن الحاجب وغيره، لكن ابن برهان في (الأوسط) إنما حكاه عن الحنفية، وحكى الثبوت عن مذهبنا ونصره، وهو الموجود لأصحابنا المتقدمين.
وقال ابن دقيق العيد: لا شك أنه لا يثبت في حكم النائم، وهل يثبت في حكم القضاء إذ هو من الأحكام الوضعية؟ هذا فيه تردد، لأنه ممكن بخلاف الأول لأنه يلزم منه تكليف ما لا يطاق.
قلت: وهو معنى كلام المصنف، فالذي عبر عنه المصنف بالاستقرار في الذمة هو الذي عبر عنه بالقضاء، والذي عبر عنه المصنف بالامتثال هو الذي عبر عنه بالتأثيم والله أعلم.
ص: أما الزيادة على النص فليست بنسخ خلافا للحنفية ومثاره هل رفعت وإلى المأخذ عود الأقوال المفصلة والفروع المبينة.
ش: للزيادة على النص صور:
الأولى: أن يكون المزيد من غير جنس الأول، كزيادة الزكاة على الصلاة، فليست نسخا بالإجماع.
الثانية: أن يكون من جنسه مع استقلاله كزيادة صلاة على الصلوات الخمس، وليس نسخا أيضا عند الجمهور.
وقال بعض أهل العراق: هو نسخ، لأنه بغير الوسط فتتغير الصلاة المأمور بالمحافظة عليها في قوله تعالى: {حافظوا على الصلاوات والصلاة الوسطى} وأجيب عنه بأجوبة أحسنها: أن الوسطى في الآية ليست من عدد بل هي علم على صلاة معينة، وهو مأخوذ من الوسط وهو الخيار، والفاصل لا يتغير بزيادة صلاة.
الثالثة: أن لا يستقل كزيادة ركعة أو ركوع فقال أصحابنا: ليس نسخا أيضا.
وقال الحنفية: هو نسخ، واختاره بعض أصحابنا ومثار الخلاف أن الزيادة هل رفعت حكما شرعيا فيكون نسخا أو لم ترفع فلا؟ وإلى هذا المأخذ ترجع الأقوال المفصلة في المسألة، كقول عبد الجبار، هي نسخ إن غيرت حكم المزيد عليه، كأن صار لا يعتد به كجعل الصلاة الثنائية رباعية، وإن لم يتغير كضم التغريب إلى الجلد، فليست بنسخ واختاره القاضي، وكقول بعضهم: إن نفاها مفهوم الأول كقوله في (المعلوفة زكاة) بعد قوله: ((في السائمة زكاة)) فنسخ وإلا فلا، واختاره الإمام في (المعالم) وكذلك يرجع إلى هذا المأخذ الفروع المبنية عليها، لأنه إذا رجع المبني عليه إلى ذلك فرجوع المبني إليه أولى.
ص: كذا الخلاف في جزء العبادة أو شرطها.
ش: الخلاف المتقدم في أن الزيادة على النص نسخ يجري في النقصان منه سواء الجزء كنقص ركعة من أربع والشرط كالطهارة، وفرق بعضهم بينهما فقال: إسقاط الجزء نسخ، وإسقاط الشرط ليس بنسخ، وبه قال عبد الجبار، ووافقه الغزالي في الجزء وتردد في الشرط.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir