دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > مقدمات في أصول التفسير

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 صفر 1437هـ/22-11-2015م, 05:54 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مقدمات في أصول التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمات في أصول التفسير

تمهيد:

الحمد لله الذي علّم القرآن، وخلق الإنسان وعلّمه البيان، وجعل كتابه هدى وشفاء لما في الصدور، ومُخرجاً من الظلمات إلى النور، وأرسل إلينا رسوله الكريم، يتلو علينا آياته، ويعلمنا الكتاب والحكمة، ويرشدنا ويزكينا، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام الأمناء، الذين تحمّلوا أمانة العلم بالتفسير أحسن التحمّل، وقاموا بواجبها أحسن القيام، وأدوها أحسن الأداء، فكانوا خير من تعلّم القرآن وعلّمه بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثمّ تحمّله بعدهم التابعون لهم بإحسان، فتعلموا على منهاج الصحابة وهديهم، ولم يزل هذا العلمَ يحمله من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم على ما حفظوا من العلم وبلّغوه خير الجزاء.
أما بعد:
فإنّ التفاسير لمّا كثرت واشتهرت، وتنوّعت في مشاربها وطرائقها واختلفت احتاج طلاب علم التفسير إلى ما يضبطون به دراسة مسائله، ويميّزون صحيح التفسير من ضعيفه، وصوابه من خطئه، وطرق الجمع والترجيح، والرد والتعليل، واستخراج الفوائد واللطائف، فكانت الحاجة داعية إلى بيان أصول يستعين بها طالب علم التفسير على ذلك.

معنى أصول التفسير
الأصول جمع أصل، وهو ما يُبنى عليه الشيء.
وأصول التفسير هي الأصول التي يُبنى عليها علم التفسير، وهذا يشمل جميع مراحل دراسة المسألة التفسيرية بدءاً من أصول التعرف على المسائل التفسيرية إلى ما يخلص به الدارس من نتيجة دراسته لتلك المسألة، وكيف يؤدي تفسيره إلى المتلقّين.
فللتفسير أصول في تحمّله، وأصول في أدائه.
ولذلك تطلق كلمة أصول التفسير إطلاقات متعددة:
فتطلق على مصادر التفسير، لأنّها الأصول التي تستمدّ منها مسائل التفسير.
وتطلق على طرق التفسير.
وتطلق على بعض قواعد التفسير.
وتطلق على الحدود الضابطة لمنهج الاستدلال في التفسير.
وتطلق على المسائل الكبار التي تُبنى عليها المسائل المتفرّعة منها.
وتطلق على بعض كتب التفسير؛ لأنها أصول يعتمد عليها في دراسة مسائل التفسير.
وكل إطلاق له مناسبة سائغة فهو إطلاق صحيح، وإن لم يكن حاصراً للمراد بأصول التفسير.
ولا ينبغي أن يتوقف كثيراً عند محاولة إيجاد تعريف جامع مانع لأصول التفسير؛ لكثرة الخلاف النظري في الحدود والتعريفات، ومن عرف نشأة علم التفسير، ومناهج تعلّمه وتعليمه، وما أثر عن الصحابة والتابعين وأئمة المفسرين في أبواب أصول التفسير أدرك مدلول هذه الكلمة، وأنه شامل لكل ما ينبني عليه تحقق الصواب أو مقاربته في التفسير تعلّماً وتعليماً.

أبواب أصول التفسير:
الكتابة الجامعة لأبواب أصول التفسير والمحررة لمسائله عزيزة المنال، ولذلك عُدّ هذا العلم - على كثرة ما ألّف فيه - من العلوم التي ما تزال قابلة للجمع والإضافة والتحرير.
لكن من أهمّ ما ينبغي أن يُدرس في هذا العلم الأبواب التالية:
الباب الأول: مقدّمات التفسير من التعريف بعلم التفسير ونشأته وبدايات تدوينه، وتدرّج التأليف فيه، ومصادر التفاسير وأنواعها ومناهج المفسّرين فيها على وجه الإجمال.
ومعرفة الدارس بتاريخ العلم الذي يدرسه ومصادر استمداده ومراتب علمائه ومؤلفاتهم فيه على وجه الإجمال من الأصول المهمّة لإحسان دراسة ذلك العلم.
وأمّا التفصيل والبسط فخارج عن حدّ أصول ذلك العلم إلى تاريخه وطبقات أئمته.
والباب الثاني: طرق التفسير ، ويبحث فيه تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بأقوال السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وتفسير القرآن بلغة العرب، والتفسير بالاجتهاد، والخلاف في التفسير بالإسرائيليات.

والباب الثالث: أدوات المفسّر وهي المعارف والمهارات التي يستعين بها المفسّر على دراسة مسائل التفسير.
ويدخل في ذلك التعريف والتمثيل لما يحتاجه المفسّر من العلوم الأخرى ، وطرق الاستفادة منها على وجه الاقتصاد دون البسط والتطويل.

والباب الرابع: الإجماع في التفسير، ويدرس فيه ضوابط الإجماع في التفسير، ومصادر معرفته، وطرق تقريره، والتنبيه على علل دعاوى الإجماع.
والباب الخامس: الخلاف في التفسير، وأنواعه ومراتبه، وطرق الجمع والترجيح والإعلال.
والباب السادس: الكليات التفسيرية، والمراد بها أن يفسر اللفظ بمعنى واحد في جميع مواضع وروده في القرآن الكريم ، فبعض الألفاظ قد تحتمل في اللغة أكثر من معنى، ولكن دلَّ استقراء معاني ورود هذا اللفظ في القرآن أنه لا يراد به إلا معنى واحد ، ولذلك أمثلة:
منها قول ابن عباس: (كل سلطان في القرآن فهو حجة) رواه ابن عيينة في تفسيره كما ذكر الحافظ في الفتح وصححه، ورواه عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق ابن عيينة.
وقول ابن عيينة رحمه الله: (ما سمى الله مطراً في القرآن إلا عذاباً) رواه البخاري.
وقول الضحاك بن مزاحم: (كل كأس في القرآن فهو خمر) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم
وقول أبي العالية الرياحي: (الأليم الموجع في القرآن كله) رواه ابن أبي حاتم.
وقول قتادة: (كل قنوت في القرآن طاعة) رواه عبد الرزاق.
ومن المفسرين من يسميها عادات القرآن، وفائدة جمعها ومعرفتها أنها تفيد الطالب في ضبط معاني تلك الألفاظ وما يراد بها في القرآن الكريم، فلا يحتاج إلى تكلف البحث عن تفسير هذا اللفظ في كل موضع ورد في القرآن ليعرف معناه.
وهذا من حيث الأصل إلا أنه ينبغي أن يتفطن إلى أن بعض الكليات المذكورة في بعض كتب التفسير هي أقوال منسوبة إلى قائليها فقد تصح عنهم وقد لا تصح، وما صح منها فهو قول لصاحبه قد يكون صواباً وقد يكون في بعضه خطأ ، ولكل ذلك أمثلة، ولذلك ينبغي أن يعتني طالب العلم بدراستها فيما يدرس من أصول التفسير.
ويلتحق بكليات التفسير الضوابط التفسيرية.

والباب السابع: أصول دراسة مسائل التفسير، ويبحث فيه أنواع المسائل التفسيرية، ومصادر بحث كلّ نوع منها، وطرق اختيار المراجع ، وكيفية استخلاص الأقوال، ومراتب التحقق من صحة نسبة الأقوال المنسوبة إلى الصحابة والتابعين، وتخريج الأقوال اللغوية، والفرق بين الأقوال المنصوصة والأقوال المستخرجة، وطرق جمع الأدلة والمرجّحات وتمييزها، وتحرير المسألة التفسيرية، والتنبيه على بعض علل التفسير.

والباب الثامن: مسائل الخلاف القوي، وهذا الباب من أنفع الأبواب لطالب علم التفسير، لأنّ ما سبق من الأبواب يجمعها وصف التأصيل والتنظير والتمثيل اليسير، وهذا الباب يعمد فيه المعلّم إلى جُمل من مسائل الخلاف القوي في التفسير فيشرحها للطالب شرحاً يطبّق فيه أصول التفسير؛ فيستفيد الطالب بالتطبيق والدراسة على أصعب ما في مسائل التفسير؛ حتى يضبطها جيّداً بإذن الله تعالى.
وإذا وفّق المعلّم لحسن اختيار الأمثلة وتنوّعها كانت فائدة الطالب أعظم، وسهل عليه له دراسة ما سواها من المسائل.
لأنّ مسائل الإجماع ومسائل الخلاف المتوسّط والضعيف ستكون يسيرة على الطالب بعد ذلك بإذن الله تعالى.
وهذا الباب أفردت فيه مؤلفات كرسالة شيخ الإسلام ابن تيمية "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء".
بل أفرد في بعض تلك المسائل مصنفات مستقلة؛ ومنها:
- تفسير قول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته..} الآية.
- وتفسير قول الله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا...} الآية.
- وتفسير آية الميثاق.
- وتفسير آية الإسراء.
- وتفسير الباقيات الصالحات.
- ومعنى الصراط المستقيم.
- والمراد ببنات لوط.
- والمراد بما أنزل على الملكين.
- والمراد بأصحاب الأعراف.
ومنها مسائل خلاف قوي عند أهل اللغة كتفسير قول الله تعالى: {قالوا إن هذان لساحران}، وقوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة} وقوله تعالى: {بل ادّارك علمهم في الآخرة}
والدراسة التطبيقية المحررة لهذا النوع من المسائل قد تكون أنفع للطالب من كثير من التنظير.

والباب التاسع: أساليب التفسير
والمراد بها طريقة تبليغ معاني القرآن للمتلقّين، وتقريبها لهم بما يناسب حال المخاطبين ومقام الحديث؛ فطالب علم التفسير إذا تأهّل لتدريسه والدعوة إلى الله بما تعلّمه من مسائل التفسير؛ ينبغي له أن يتعرّف على أساليب العلماء في تأدية التفسير؛ فليس كلّ ما يُقرر لطلاب العلم يصلح أن يُلقى إلى العامة، وليس الأسلوب الذي يلقى في مقام يناسب غيره من المقامات؛ فإنّ لكل مقام مقالاً، ولكلّ حالة ما يناسبها.
ومعرفة طالب العلم بأساليب تبليغ التفسير وإلقائه، والتعرّف على طرق العلماء في ذلك يفيده فوائد جليلة في حسن التأهّل لتدريس التفسير، والدعوة بالقرآن، وتبليغ معانيه لأنواع من المتلقين.

والباب العاشر: شروط المفسّر وآدابه
ويبحث في هذا الباب شروط تصدّر المفسّر، والآداب الواجبة والمستحبة التي ينبغي للمفسّر أن يحسن معرفتها ويفقه مسائلها.

وهذه الأبواب سندرسها في برنامج إعداد المفسّر باباً باباً مقسّمة على مستويات الدراسة في البرنامج بإذن الله تعالى وحسن توفيقه وإعانته.

فوائد دراسة أصول التفسير
علم أصول التفسير من العلوم الشريفة النافعة، ولدراسته فوائد جليلة يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
1: إمداد الدارس بما يتمكّن به من معرفة مصادر التفسير وطرقه.
2: تعريف الدارس بأصول التعرف على المسائل التفسيرية وطرق دراستها .
3: تعريف الدارس بطرق معرفة الإجماع والخلاف ومراتب الخلاف، وطرق الجمع والترجيح والتعليل والرد.
4: تبصير الدارس بالأصول الضابطة لصحّة منهجه في التفسير، وما يقبل فيه الاجتهاد، وما لا يُقبل.
5: التعرف على الأدوات العلمية التي يتمكن بها من قياس جودة دراسته لمسائل التفسير، ومعرفة مواضع الخلل والتقصير، ومواضع الإجادة والإحسان.
6: التمرّن على أساليب التفسير والتعرف على طرق تبليغ معاني القرآن الكريم والدعوة إلى الله تعالى بما تعلّمه من التفسير.
7: تعريف الطالب بالشروط التي يجب أن تتحقق فيه قبل التصدّر للتفسير، والآداب التي عليه أن يتحلّى بها.

نشأة علم أصول التفسير

نشأ علم أصول التفسير في أصله مع علم التفسير؛ فهو مصاحب له غير مزايل له،
فكان في كتاب الله تعالى من التنبيه على أصول مهمّة للهداية إلى معرفة مراد الله تعالى، والاهتداء بكتابه، وكيف تحيا به القلوب، وتستنير به الأبصار، وتنشرح به الصدور، وتُنال به العاقبة الحسنة ما ينبغي لطالب علم التفسير أن يقدره حقّ قدره ويعتني به حقّ العناية.
وتدبّر طالب العلم للآيات التي لها صلة بهذا المعنى نافع جداً.

ثمّ كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير وبيانه لمعاني القرآن أحسن الهدي وأكمله، فقد كان بيانه وتفسيره مصحوباً بأصول عظيمة النفع ؛ جليلة القدر، في حسن تلقّي معاني القرآن، وتحمّل أمانته، والقيام بما أوجب الله فيه، وحسن تبليغه وتعليمه.
فرويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث شريفة مباركة في شأن طرق التفسير، وفي شأن الإسرائيليات، وفي الإجماع والخلاف، والتعلم والتعليم، وفي أساليب التذكير بالقرآن، وفي التنبيه إلى قواعد كلية في التفسير، وهذه كلها من أبواب أصول التفسير.

والمقصود أنه لا يكاد يخلو باب من أبواب أصول التفسير من هدى يُقتبس من الكتاب والسنة.

ثمّ كان تلقي الصحابة لعلم التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم تلقياً قائماً على أصول محكمة، وآداب جليلة، ورعاية نبوية كريمة.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم خير معلّم للتفسير، وكان أصحابه خير التلاميذ والأصحاب، أطهر الأمّة قلوباً، وأزكاهم نفوساً، وأفصحهم لساناً، وأحسنهم فهماً، وأصلحهم عملاً.

وقد عرفوا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير، ما كانوا به صدر أئمة هذا العلم، ومقدَّم العلماء فيه؛ فلا يُدرك شأوهم ، ولا يساوى بقولهم قول غيرهم ممن أتى بعدهم.

وكان من يطلب علم التفسير من التابعين يتلقّى تلك الأصول من الصحابة رضي الله عنهم مع ما يتلقّاه من التفسير، وكانت تلك الأصول تدرك بأحد طريقين:
الأول: ما أثر عنهم من الآثار التي فيها تنبيه على جمل من أصول التفسير، وقد روي عنهم في ذلك ما لو جمع بأمثلته وتقريراته لكان في جزء حسن؛ يفيد الدارس فوائد جمّة من غير تكلّف ولا تطويل.
ومن ذلك:
- ما أثر عن ابن عباس في بيان طرق التفسير.
- وما أثر عن علي وحذيفة من التنبيه على شروط المفسّر.

- وما أثر عن عليّ وابن مسعود في التنبيه على معرفة أسباب النزول وأحواله وترتيبه.
- وما أثر عن علي وابن عباس في تفسير القرآن بالقرآن.
- وما أثر عن جماعة من الصحابة في العناية بالتفسير النبوي.
- وما أثر عن جماعة من الصحابة من التنويه ببعض علماء الصحابة في التفسير؛ كتنويه عمر وابن مسعود بابن عباس، وتنويه ابن مسعود بمعاذ بن جبل، وتنويه عمر بأبيّ بن كعب، وتنويه عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص بابن مسعود، إلى غير ذلك مما يطول تقصّيه، وهذا التنويه لإرشاد المتعلّمين لأخذ العلم عنهم، وأن يعرفوا لهم قدرهم وفضلهم.

- وما أثر عن عمر وأبيّ بن كعب وابن عباس من الوصية بتعلم العربية، والإفادة منها في التفسير.
- ومن ذلك أيضاً ما أثر عن عمر وابن عباس في شأن الإسرائيليات.
- وما أثر عن أبي بكر ومعاذ وابن مسعود في شأن الاجتهاد في التفسير.

- وما أثر عن ابن مسعود في شأن الخلاف بين الصحابة في التفسير.
- وما أثر عن عمر وعثمان ومعاذ وابن مسعود وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وابن عمر في شأن تعليم معاني القرآن.
- وما أثر عن ابن عباس من التفنن في أساليب التفسير.
فانتظمت وصاياهم وآثارهم أبواب أصول التفسير، وسأذكر – بعون الله تعالى وحسن توفيقه - في هذه المقدمات ما أستطيع جمعه وتصنيفه من آثارهم ووصاياهم.

والطريق الثاني: أن يصحب التلميذ أحدهم مدّة حتى يتعلّم منه تلك الأصول مع ما يتعلّمه من مسائل التفسير؛ كما يتعلّم الهدي والعمل.

ثم سار التابعون على طريقة الصحابة في تعلّم التفسير وتعليمه، وبرز منهم أئمة أدركوا معرفة تلك الأصول؛ فأثرت عنهم في ذلك آثار حسنة.

ثم لمّا كثر تدوين التفاسير، وكتب في التفسير بعض القصّاص الذين لا يميّزون صحيح المرويات من ضعيفها، ولا يعرفون عللها، واشتهرت بعض تلك التفاسير ، وراجت بعض الأقوال الخاطئة، والروايات المعلولة، احتاج العلماء إلى ما جمع جُملٍ من الأصول التي يضبط بها منهج الاستدلال، حتى يصان من الخطأ، ويعرف به غلط الذين يتكلمون في هذا العلم بما لا يصح.
وكان من أحسن العلماء أثراً في هذا الجانب ثلاثة أئمة:
1: محمد بن إدريس الشافعي(ت:204هـ) ، وهو وإن لم يفرد كتاباً في التفسير؛ إلا أنّ له أثراً كبيراً على العلماء في تناول مسائل التفسير؛ فأحيا علم الحِجَاج، وقعّد قواعد الاستدلال، وبيّن ما يمكن أن يسمّى بأدوات المفسّر، وأودع في كتبه - ولا سيما ما في الرسالة- من ذلك ما لو جُمع وأفرد وبيّن بأمثلته لكان من أنفع ما يدرسه طالب علم التفسير.
قال الإمام أحمد: (كان الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، فجاء محمد بن إدريس طبيباً صيدلانياً).
فشبهه بالصيدلاني الذي يعرف أنواع الأدوية ودرجاتها، والطبيب الذي يعرف علة المريض وما يصلحه من الدواء.

2: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت:224هـ)
وهو أوّل من ألّف في القراءات، وله كتاب جليل القدر في معاني القرآن، وكلاهما مفقود.
قال الذهبي: (كذلك كتابه في " معاني القرآن "؛ وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة ثم قطرب ثم الأخفش، وصنف من الكوفيين الكسائي ثم الفراء، فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء، وروى النصف منه ومات)ا.هـ.
وقد طبع من كتبه نحو عشرة كتب، وما فقد كثير، وقد جمع رحمه الله – فيما طبع من كتبه ولا سيما ما في فضائل القرآن - من الأحاديث والآثار في أبواب من أصول التفسير قدراً حسناً مباركاً.
وكان مع معرفته بالحديث والفقه حسن المعرفة بعلوم العربية، وله كلام حسن في ما يمكن أن يسمى بضوابط الاستدلال اللغوي.
وكان ما تركه للأمّة من الكتب عدّة صالحة للتعلم وضبط مسائل العلم، يحتاجها العلماء في التفسير والحديث والفقه واللغة.
قال الإمام أحمد: (أبو عبيد أستاذ).
وقال أبو بكر ابن الأنباري: (كان أبو عبيد يقسم الليل؛ فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنف ثلثه).
وقال إبراهيم الحربي: (كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح)
وقال ثعلب: (لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجبا).
وأقوال العلماء في الثناء عليه وعلى مصنفاته وما تركه من العلم النافع كثيرة.
ذُكر أنه حجّ سنة 219هـ، فلما أراد الانصراف رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا فهم منها الإشارة بالبقاء في مكة؛ فأقام فيها خمس سنين ثم توفّي رحمه الله سنة 224هـ.
وأكثر ما رويت عنه كتبه في تلك المدّة.


3: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني(ت:241هـ)
فضائله كثيرة مشتهرة، وقد نفع الله به في أصل الإيمان بالقرآن، وهو اعتقاد أنه كلام الله تعالى منزّل غير مخلوق، فثبت في محن وفتن شديدة متوالية؛ منها محنة القول بخلق القرآن، ثم فتنة اللفظية، ثم فتنة الواقفة، ثمّ فتنة الكلابية، وكان الثبات في تلك الفتن أمام قوم أصحاب جدال ومراء وشبهات كثيرة متنوّعة يتطلّب دراية واسعة وإحكاماً متيناً لأصول التفسير وضوابط القول فيه.
وقد روي عنه في مناظراته ومسائله ورسائله وردوده على المخالفين من ذلك ما اعترف له به العلماء بالإمامة في الدين، وحسن المعرفة، وقوّة الحجة، والثبات على الحق، والمنافحة عنه، حتى رفع الله قدره، وأعلى درجته، ونصر به السنة، فكان إماماً متّبعاً.
وقد روى من الأحاديث والآثار فأكثر وأطاب، وكثر أصحابه وأتباعهم جداً، وانتشر علمه.
قال ابن جرير الطبري: (إن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: " اللفظية جهمية؛ لقول الله جل اسمه: {حتى يسمع كلام الله}فممن يسمع".
ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه أنه كان يقول: " من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: هو غير مخلوق، فهو مبتدع ".
ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله، إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع، رحمة الله عليه ورضوانه).

والمقصود أنّ لهؤلاء العلماء أثراً في علم أصول التفسير، وإن لم يكن يسمّى بهذا الاسم في زمانهم؛ فإنّ العبرة بما ذكروه مما يفيد طلاب علم التفسير؛ من التنبيه على جمل من الأصول والقواعد الضابطة لمنهج دراسة التفسير وفهم القرآن، والاستدلال به، إلى غير ذلك من مباحث أصول التفسير.

ثمّ أتى بعدهم بمدّة أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت: 276هـ)؛ فكتب جملاً نافعة تصلح أن تدوّن في أصول التفسير، ولا سيّما ما ذكره في كتابيه تأويل مشكل القرآن وتأويل مختلف الحديث.

ثمّ كتب بعض المفسّرين في مقدّمات تفاسيرهم جُملاً من تلك الأصول ؛ كما فعل ابن جرير الطبري والثعلبي والماوردي والواحدي والبغوي وابن عطية والقرطبي، وبثوا في تفاسيرهم في هذا العلم آثاراً عن السلف.
ولبعضهم تطبيق حسن لأصول التفسير وقواعده، ولا سيّما ابن جرير وابن عطية.

ثم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مقدّمته القيّمة الماتعة في التفسير ، وذكر فيها أصولاً مهمّة لدراسة مسائل التفسير، وأنواع الخلاف فيه، واحتمال اللفظ لأكثر من معنى، وكيف يعرف الخطأ في الدليل والاستدلال والمدلول، وأنواع وقوع الغلط في رواية بعض الثقات، وذكر مراتب المسائل التفسيرية، وضوابط الإجماع في التفسير، وطرق التفسير، وأحكام الإسرائيليات، وما تعرف به المناهج الباطلة في التفسير.
وله رسائل أخرى عظيمة النفع في التعرف على أنواع الخلاف وأسبابه وطرق التعامل معه، ومن أنفع رسائله في ذلك "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" ، وله جملة من الرسائل التفسيرية التي حرر فيها مسائل التفسير تحريراً أثرياً ولغوياً وأصولياً ؛ فكانت رسائله في التفسير تطبيقات لما حرره من القواعد والأصول الضابطة لدراسة مسائل التفسير.
ولذلك اعتنى العلماء بدراسة مقدمته ورسائله في التفسير ، وانتفعوا بها، وما تزال مقدمته في التفسير تقرأ وتدرّس إلى عصرنا الحاضر، وقد كثرت عليها الشروح والحواشي والتعليقات.
وسار على طريقة شيخ الإسلام تلميذه ابن القيم فكانت رسائله في التفسير من أنفع الرسائل وأمتعها، وأحسنها ضبطاً وتحريراً ، وأغزرها فائدة علمية وسلوكية، وله في إعلام الموقعين، والصواعق المرسلة وبدائع الفوائد والتبيان تنبيهات عظيمة النفع على جمل من أصول التفسير.
وما تركه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من تأصيل وتحرير لمسائل التفسير ؛ كان له أثر ظاهر على من بعدهم من العلماء.
فسار تلميذهما عماد الدين ابن كثير على طريقتهما ، وضمّن مقدّمة تفسيره جلّ المباحث التي ذكرها شيخ الإسلام في مقدمته، وزاد عليها زيادات قيّمة، وتنبيهات وتحريرات نفيسة.
وسار في ترجيحاته لكثير من المسائل على ما أخذه عنهما وما رجحاه في كتبهما، وكان له مزيد عناية بجمع الأحاديث والآثار عن السلف في التفسير.
وكتب ابن جزي الكلبي(ت:741هـ) مقدّمة نافعة لتفسيره التسهيل.

المؤلفات في أصول التفسير
ثم تتابع العلماء على الكتابة في أصول التفسير وعلوم القرآن، وكان بين النوعين تداخل واشتراك في جملة من المسائل؛ وكان من أشهر ما ألّف في ذلك:
1: كتاب البرهان لبدر الدين الزركشي (ت:795هـ) وهو كتاب حافل في علوم القرآن، وتضمّن مباحث حسنة في أصول التفسير.
2: وكتاب مواقع العلوم لسراج الدين البلقيني (ت:824هـ)
3: وكتاب التيسير في قواعد علم التفسير لمحمد بن سليمان الكافيجي (ت:879هـ).
4: وكتاب التحبير في علوم التفسير لجلال الدين السيوطي (ت:911هـ).
5: وكتاب الإتقان له أيضاً، وهو من أجلّ كتبه.
6: وله أيضاً رسالة مختصرة في أصول التفسير ضمن كتابه النُّقاية وهو كالخلاصة لمباحث أربعة عشر علماً ، وله عليها شرح سمّاه "إتمام الدراية" ، ثم أفرد ما يتعلق بأصول التفسير وطبع بتحقيق الشيخ جمال الدين القاسمي (ت:1332هـ) وتعليقه، وكان قد نظمها الشيخ عبد العزيز بن علي الزمزمي (ت:976هـ) واشتهرت منظومته، وعليها شروح عديدة.
7:وكتاب "التكميل في أصول التأويل" للشيخ عبد الحميد الفراهي (ت:1349هـ).
8: وكتاب "القواعد الحسان لتفسير القرآن" للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت:1376هـ).
9: ومقدمة التفسير للشيخ عبد الرحمن بن قاسم العاصمي (ت:1392هـ)، وهي رسالة مختصرة، وله عليها حاشية جيّدة.
10: مقدمة التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور(ت:1393هـ).

وهذه المؤلفات المتقدّمة قد تضمّنت مباحث قيّمة في أبواب من أصول التفسير، لكن لم ينفرد كتاب منها بجمع أبواب أصول التفسير.

إسهام علماء العصر في تحرير أصول التفسير
أدرك علماء العصر الحاجة إلى جمع مباحث هذا العلم الجليل، وترتيب أبوابه، وتحرير مسائله وتقريبها، فكانت لهم في ذلك أعمال مباركة مشكورة، ومؤلفات نافعة مشهورة، وما تزال الحاجة قائمة إلى السعي للوصول إلى الغاية المطلوبة.

وكانت الأعمال المبذولة في هذا المجال على ثلاثة أنواع:
النوع الأول:شرح الكتب السابقة والتعليق عليها، وإعادة نشرها وتحقيقها، وإقامة الدورات العلمية لتدريسها.
أ: فشرحت مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية شروحاً كثيرة ومن أبرز شروحها:
1: شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
2: وشرح الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
3: وشرح الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
4: وشرح الشيخ: خالد بن عثمان السبت.
5: وشرح الشيخ: مساعد بن سليمان الطيار، شرحها مراراً ، ثم طبع شرحه في كتاب.
وقد تسبب شرح هذه المقدّمة المباركة في عدد من الدورات في إحداث حركة علمية مباركة لبحث مسائل أصول التفسير وتحريرها.

ب:وشرحت رسالة السيوطي في أصول التفسير التي أفردت من كتاب النقاية، كما شرح نظمها للزمزمي، ومن أشهر تلك الشروح:
1: شرح الشيخ محسن المساوي.
2:شرح الشيخ عبد الكريم الخضير.

ج:وشرحت القواعد الحسان للسعدي، ومن أبرز شروحها شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين.

د:وشرحت كذلك مقدّمة التفسير لابن قاسم، ومن أشهر شروحها:
1: شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري
2: وشرح الشيخ: وليد السعيدان.

والنوع الثاني: التأليف المفرد في أصول التفسير
حيث ألّفت رسائل وكتب في أصول التفسير من أهمّها وأشهرها:
1: أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين، وهي رسالة مختصرة قررت على بعض المعاهد العلمية.
2: الوجيز في أصول التفسير للشيخ مناع القطان، وكان كتابه مقرراً دراسياً في المعاهد العلمية السعودية.
3: بحوث في أصول التفسير ومناهجه للشيخ فهد بن سليمان الرومي.
4: قواعد الترجيح عند المفسّرين للشيخ حسين الحربي.
5: قواعد التفسير وأصوله للشيخ خالد بن عثمان السبت
6: فصول في أصول التفسير للشيخ مساعد بن سليمان الطيار.
7:والتحرير في أصول التفسير له أيضاً.
8: الركيزة في أصول التفسير للشيخ محمد بن عبد العزيز الخضيري.
9: ومعالم في أصول التفسير للشيخ ناصر المنيع.
10:تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه للشيخ: علي العبيد.

والنوع الثالث:إفراد بعض أبواب أصول التفسير بالبحث والتأليف، ويكثر هذا في الرسائل العلمية.
وأرجو أن يتيسّر جمع أسماء هذه الرسائل وتصنيفها على أبواب أصول التفسير بإذن الله تعالى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمات, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir