يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن الله عز وجل
أمر المؤمنين بتقواه والاستعداد للقياه والتزود من التقوى لينجو في يوم طويل شديد حره (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )
فما هي التقوى التي أمر الله بها؟
هي فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وزجر. وعرفها علي بن أبي طالب بأن التقوى هي الخوف من الجليل ,والعمل بالتنزيل ,والقناعة بالقليل ,والاستعداد ليوم الرحيل,وقال عمر بن الخطاب حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا,وهذا معنى قول الله تعالى (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) فإن الباب مفتوح للرجوع مادام في العمر بقيه وقبل أن تطلع الشمس من مغربها
فالله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دويه مهلكة,معه راحلته,وعليها زاده وطعامه وشرابه ,فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده وفي زيادة : ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح "
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مره وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما بالكم بنا نحن وقد كثرت ذنوبنا, ولا سبيل للنجاة يوم القيامة إلا بالتوبة وإن الله ليبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل
ولنستعين بالله عز وجل في حصول التقوى في قلوبنا بكثرة الدعاء فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك فمن هذه الأدعية الشاملة (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى )
والتزود من العمل الصالح فإن القبور ضيقه تتسع بالأعمال الصالحة,وموحشة يأنس صاحبها بالقران إذا كان من أهل القرآن ,ولنتذكر أن الله لم يخلقنا عبثا بل للابتلاء قال تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
وأن العمر قصير والنعم سرعان ما تزول فهنيئا لمن قيل له عند موته (أبشر بروح وريحان ورب راض غير غضبان )
فا لبدار البدار بالرجوع إلى الله عز وجل فإنه لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافيه.
وفي هذه الآية لطائف وإشارات :
- أن الله عز وجل أمر بتقواه ثم أكد هذا الأمر بلام الأمر في قوله (ولتنظر)
- أن (نفس) جاءت نكره لتدل على قلة من يفعل ذلك من الناس وذلك لاستحواذ الشيطان عليهم وانغماسهم في ملذات الدنيا ونسيانهم اليوم الآخر.
- وأيضا إن تنكير نفس دل على العموم أي على كل نفس أن تستعد لما بعد الموت.
- إن الله عبر بلفظ (غد) ليدل على قرب وقوعه فلا يغتر بطول الإمهال.
- جاءت (غد) نكره لتهويل هذا اليوم وتعظيمه لأنه لا يعرف أحد كنهه.
- جاءت لام التعليل في قوله (لغد) ليدل على أنه لا ينفع المرء يوم القيامة إلا ما قدمه من عمل صالح في الدنيا, فلنكثر أحبتي مما ينفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
- إن الله كرر الأمر بالتقوى تأكيدا للأمر الأول .
- ختم الله الآية بقوله (إن الله خبير بما تعملون) أي مطلع على خفايا أعمالكم وسيحاسبكم عليها .
اسأل الله أن ينفعنا بما قلنا وأن يختم بالصالحات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى اللهم على سيدنا محمد عدد ماذكره الذاكرون وصلى اللهم على سيدنا محمد عدد ما غفل عن ذكره الغافلون