دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الرسائل التفسيرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الآخرة 1436هـ/2-04-2015م, 07:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير صدر سورة العنكبوت لشيخ الإسلام ابن تيمية رواية تلميذه ابن القيم

تفسير صدر سورة العنكبوت
لشيخ الإسلام ابن تيمية
رواية تلميذه ابن القيم


قالَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله في كتاب الفوائد:
(قال شيخ الإسلام بحر العلوم مفتي الفرق أبو العبّاس أحمد ابن تيمية رحمه الله
:
فصل:
قال الله تعالى: {الم (1) أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين (3) أم حسب الّذين يعملون السّيّئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (4) من كان يرجو لقاء اللّه فإنّ أجل اللّه لآتٍ وهو السّميع العليم (5) ومن جاهد فإنّما يجاهد لنفسه إنّ اللّه لغنيٌّ عن العالمين (6) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لنكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولنجزينّهم أحسن الّذي كانوا يعملون (7) ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعلمون (8) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين (9) ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أو ليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10) وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11)}
وقال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب}
وقال الله تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه}، قال بعد ذلك: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ}.

فالنّاس إذا أرسل إليهم الرّسل بين أمرين:
- إمّا أن يقول أحدهم: آمنا.
- وإمّا أن لا يقول: آمنا، بل يستمر على عمل السّيّئات.
فمن قال: آمنّا امتحنه الرب عز وجل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصّادق من الكاذب.
ومن لم يقل: آمنا؛ فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإنَّ أحدا لن يعجز الله تعالى؛ هذه سنته -تعالى- يرسل الرّسل إلى الخلق، فيكذبهم النّاس ويؤذونهم، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ}، وقال تعالى: {كذلك ما أتى الّذين من قبلهم من رسولٍ إلّا قالوا ساحرٌ أو مجنون}، وقال تعالى: {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك}.
- ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه؛ فابتلى بما يؤلمه.
- وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم.
فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت، لكن المؤمن يحصل له الألم في بد من الدّنيا ابتداء ثمّ تكون له العاقبة والآخرة والكافر تحصل له النّعمة ابتداء، ثمّ يصير في الألم.
سأل رجل الشّافعي، فقال يا أبا عبد الله: أيّما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلي؟
فقال الشّافعي: (لا يمكّن حتّى يبتلى)
فإن الله ابتلي نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلمّا صبروا مكّنهم
؛ فلا يظنّ أحد أنه يخلص من الألم البتّة.
وهذا أصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه، وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع النّاس والنّاس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم، وتارة من غيرهم، ومن اختبر أحواله وأحوال النّاس وجد من هذا شيئا كثيراً؛ كقوم يريدون الفواحش والظّلم ولهم أقوال باطلة في الدّين، أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وهم في مكان مشترك كدار جامعة أو خان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيها غيرهم وهم لا يتمكنون ممّا يريدون إلّا بموافقة ألئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم؛ فيطلبون من أولئك الموافقة أو السّكوت؛ فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم في الابتلاء، ثمّ قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يهينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كان أولئك يخافونه ابتداء!
كمن يطلب منه شهادة الزّور أو الكلام في الدّين بالباطل إمّا في الخبر وإمّا في الأمر أو المعاونة على الفاحشة والظّلم؛ فإن لم يجبهم آذوه وعادوه، وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه، وإلّا عذب بغيرهم؛ فالواجب ما في حديث عائشة الّذي بعثت به إلى معاوية -ويروى موقوفا ومرفوعًا-: (من أرضى الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس) وفي لفظ: (رضي الله عنه وأرضى عنه النّاس ومن أرضى النّاس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا)، وفي لفظ: (عاد حامده من النّاس ذامّا).

وهذا يجري في من يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة، وفي من يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدّين على بدعهم؛ فمن هداه الله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثمّ تكون له العاقبة في الدّنيا والآخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع من آذاهم وعاداهم؛ مثل المهاجرين في هذه الأمة، ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها.
وقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقة وإبطان المخالفة كالمكره على الكفر كما هو مبسوط في غير هذا الموضع؛ إذ المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي النّاس فلا خلاص لأحد ممّا يؤذيه البتّة.
ولهذا ذكر الله تعالى في غير موضع
أنه لا بد أن يبتلي النّاس والابتلاء يكون بالسراء والضّرّاء ولا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه؛ فهو محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا، قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملاً}، وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}، وقال تعالى: {فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}، وقال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين}، هذا في آل عمران وقد قال قبل ذلك في البقرة نزل أكثرها قبل آل عمران: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ}؛ وذلك أن النّفس لا تزكو وتصلح حتّى تمحص بالبلاء كالذهب الّذي لا يخلص جيده من رديئه حتّى يفتن في كير الامتحان؛ إذْ كانت النّفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شرّ يحصل للعبد؛ فلا يحصل له شرّ إلّا منها قال تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}، وقال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم}، وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثيرٍ}، وقال تعالى: {ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال} وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنّهم ظلموا أنفسهم؛ فهم الظّالمون لا المظلومون، وأول من اعترف بذلك أبواهم : {
قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}، وقال لإبليس: {لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين}، وإبليس إنّما اتبعه الغواة منهم كما قال: {فبما أغويتني لأزيّننّ لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين إلّا عبادك منهم المخلصين}، وقال تعالى: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلّا من اتّبعك من الغاوين}؛ والغي اتّباع هوى النّفس.
وما زال السّلف معترفون بذلك كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود: (أقول فيها برأبي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشّيطان والله ورسوله بريئان منه).
وفي الحديث الإلهي حديث أبي ذر الّذي يرويه الرّسول عن ربه عز وجل: (يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلّا نفسه).
وفي الحديث الصّحيح حديث سيد الاستغفار: (أن يقول العبد اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شرّ ما صنعت وأبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنّة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنّة).
وفي حديث أبي بكر الصّديق من طريق أبي هريرة وعبد الله بن عمرو: أن رسول الله علّمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه: (اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا اله إلّا أنت أعوذ بك من شرّ نفسي وشر الشّيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم؛ قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك).
وكان النّبي يقول في خطبته: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا).
وقد قال النّبي: (إنّي آخذ بحجزكم عن النّار وأنتم تهافتون تهافت الفراش)؛ شبَّههم بالفراش لجهله وخفة حركته، وهي صغيرة النّفس فإنّها جاهلة سريعة الحركة.
وفي الحديث: (مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة)، وفي حديث آخر: (للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا) ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الجهل، ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفّه؛ قال عن فرعون: {فاستخف قومه فأطاعوه}، وقال تعالى: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}؛ فإن الخفيف لا يثبت بل يطيش، وصاحب اليقين ثابت يقال: أيقن إذا كان مستقرًّا، واليقين: استقرار الإيمان في القلب علما وعملا؛ فقد يكون علم العبد جيدا، لكن نفسه لا تصبر عند المصائب، بل تطيش.
قال الحسن البصريّ: (إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته؛ فإذا رأيت بصيرًا صابرًا فذاك).
قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، ولهذا تشبه النّفس بالنّار في سرعة حركتها وإفسادها، وغضبها وشهوتها من النّار، والشيطان من النّار.
وفي السّنن عن النّبي أنه قال: (الغضب من الشّيطان، والشيطان من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)، وفي الحديث الآخر: (الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه)؛ وهو غليان دم القلب لطلب الانتقام ،وفي الحديث المتّفق على صحّته: (إن الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم)، وفي الصّحيحين: أن رجلين استبّا عند النّبي وقد اشتدّ غضب أحدهما فقال النّبي: (إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم)، وقد قال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ وما يلقّاها إلّا الّذين صبروا وما يلقّاها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع العليم}، وقال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}، وقال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة نحن أعلم بما يصفون وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون}). [الفوائد: 208-212]



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سير

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir