دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 07:02 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إلهَ غَيْرُكَ».
قوله: «ثم يقول» أي: بعد ما سبق من التكبير ووضع اليدين وغير ذلك «سبحانك اللهم وبحمدك» وهذه جملة تتضمَّن التنزيه والإِثبات.
تتضمَّن التنزيه في قوله: «سبحانك اللَّهُمَّ»، والإِثبات في قوله: «وبحمدِك» لأنَّ الحمدَ هو وَصْفُ المحمودِ بالكمالِ مع محبَّتِه وتعظيمِه، فتكون هاتان الجملتان جامعتين للتنزيه والإِثبات.
وقوله: «سبحانك» اسمُ مصدر من سَبَّحَ يُسبِّحُ، والمصدر تَسْبيح، واسمُ المصدر سُبحان، دائماً منصوب على المفعولية المطلقة، محذوف العامل، مضاف. ففيه ثلاثة أشياء:
أولاً: أنَّه منصوب على المفعولية المطلقة دائماً.
والثاني: أنَّه محذوف العامل دائماً.
والثالث: أنَّه مضاف دائماً.
ومعناه: تنزيهاً لك يا ربِّ عن كُلِّ نَقْصٍ، والنَّقصُ إما أن يكون في الصِّفاتِ، أو في مماثلة المخلوقات، فصفاتُه التي يتَّصف بها منزَّه فيها عن كُلِّ نقص، يتَّصف بالعِلمِ الكاملِ، وبالحياةِ الكاملةِ، وبالسَّمْعِ الكامل، وبالبصر الكامل... وهكذا جميع الصفات التي يتَّصف بها هو فيها مُنزَّه عن النَّقْصِ، كذلك مُنزَّه عن أن يوصف بصفة نَقْصٍ محضة، مثل أن يوصف بالعجز، أو الظُّلم، أو ما أشبه ذلك.
مُنزَّه عن مماثلة المخلوقات، ولو فيما هو كمال في المخلوقات فإن الله تعالى مُنزَّه عنه، فمُنزَّه عن أن تكون صفاتُه الخبريَّة كصفات المخلوقين، مثل: الوجه، واليدين، والقدم، والعينين، ومُنزَّه أن تكون صفاتُه الذاتية المعنوية كصفات المخلوقين، فعلمُه ليس كعِلْمِ المخلوق؛ لأنَّ عِلْمَ المخلوق كلُّه نَقْصٌ، نَقْصٌ في ابتدائِه؛ لأنَّه مسبوقٌ بجهلٍ، وفي غايته؛ لأنه ملحوق بالنسيان، وفي شُمولِه؛ لأنَّه قاصرٌ، حتى رُوحك التي بين جنبيك لا تعلم عنها شيئاً. كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *} [الإسراء] حتى ما تريد أن تفعله غداً لست على يقينٍ مِن أنْ تفعلَه، لكنك ترجو وتؤمِّل، وإلاّ فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً، إذاً؛ هذا نَقْصٌ عظيمٌ في العِلْمِ، أما الله عزَّ وجلَّ فإنَّه كاملُ العِلْمِ.
كذلك أيضاً لا يماثل المخلوق في صفاته الفعلية، مثل: الاستواء على العرش، والنُّزول إلى السَّماءِ الدُّنيا، والمجيء إلى الفصل بين العباد، والرِّضى والغضب، وما أشبه ذلك، وإنْ وافقها في الاسم، فالاسمُ هو الاسمُ، ولكن المُسمَّى غير المُسمَّى، فالصِّفةُ هي الصفة، ولكن الموصوف غير الموصوف؛ فلا تماثل بين الخالق والمخلوق. إذاً؛ يُنزَّه اللَّهُ عن ثلاثة أشياء:
1 ـ عن النَّقصِ في صفات الكمال.
2 ـ عن صفات النَّقصِ المجردة عن الكمال.
3 ـ عن مماثلة المخلوقين.
وتمثيله بالمخلوقين نَقصٌ؛ لأنَّ تسويةَ الكاملِ بالنَّاقصِ تجعله ناقصاً قال الشاعر:
ألم تَرَ أنَّ السَّيفَ ينقصُ قَدْرَه
إذا قيل إنَّ السَّيفَ أمضى مِن العَصَا
إذا قلت: عندي سيفٌ عظيم، ومَدحته مدحاً كثيراً، ثم قلت: هو أمضى مِن العصا؛ فإنه يهبط هبوطاً عظيماً، ولا ترى لهذا السَّيفِ قَدْراً؛ لأنك نفيت أن يكون مماثلاً للعصا، وسيفٌ يمكن أن يَتصوَّرَ الإِنسانُ مماثلته للعصا ناقصٌ لا ريب في ذلك.
أما «الحمد» فهو: وصفُ المحمود بالكمال، الكمال الذَّاتي والفعلي، فالله سبحانه وتعالى كاملٌ في ذاته، ومِن لازمِ كمالِه في ذاتِه أن يكون كاملاً في صفاته.
كذلك في فِعْلِه، فَفِعْلُه دائرٌ بين العدل والإِحسان؛ لا يمكن أن يظلم، بل إما أن يعامل عبادَه بالعدلِ، وإما أن يعاملَهم بالإِحسان، فالمسيءُ يعاملُه بالعدل كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] لا يمكن أن يزيد. والمحسن يعامله بالفضل كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فَفِعْلُه عزَّ وجلَّ دائرٌ بين الأمرين، ومَن كان فِعْلُه دائراً بين هذين الأمرين: العدل والفضل، فلا شَكَّ أنه محمودٌ على أفعالِه، كما هو محمودٌ على صفاته.
إذاً؛ جمعتَ بين التَّنزيهِ والكمالِ في قولك: «سُبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدِك» فعلى هذا؛ فالواو تفيد معنى المعيَّة، يعني: ونزَّهتُك تنزيهاً مقروناً بالحمد.
قوله: «وتبارك اسمك» «اسم» هنا مفرد، لكنه مضاف فيشمل كُلَّ اسمٍ مِن أسماءِ الله.
وهل المراد بالاسم هنا المُسمَّى كما في قوله: «تباركت يا ذا الجلال والإِكرام» ويكون المراد بـ «تَباركَ اسمُكَ» أي: تباركتَ، كقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى] والمُسبَّح الله المُسَمَّى، أو أن المراد أنَّ اسمَ الله نفسَه كلَّه بَركة، وإذا كان اسم المُسمَّى بركة فالمُسمَّى أعظم بركة وأشدُّ وأَولى؟
الجواب: الثاني أظهر؛ لأننا نَسْلَم فيه مِن التجوُّز بالاسم عن المُسمَّى، ولأنه يلزم منه تبارك المُسمَّى.
أمثلة مِن بَرَكة اسمِ الله:
لو ذبحتَ ذبيحةً بدون تسميةٍ؛ لكانت ميتةً نجسةً حراماً، ولو سمَّيت اللَّهَ عليها لكانت ذكيةً طيبةً حلالاً.
وأيضاً: إذا سمَّيتَ على الطَّعام لم يشاركك الشيطانُ فيه، وإن لم تسمِّ شاركك.
وإذا سمَّيت على الوُضُوء ـ على قول مَن يرى وجوبَ التَّسمية ـ صَحَّ وضوؤك، وإن لم تسمِّ لم يصحَّ وضوؤك.
وعلى قول مَن يرى استحبابها يكون وضوؤك أكمل مما لو لم تسمِّ، فهذه مِن بركة اسمِ الله عزَّ وجلَّ.
قوله: «وتعالى جدُّك» «تعالى» أي: ارتفعَ ارتفاعاً معنوياً، والجَدُّ: بمعنى العظمة، يعني: أنَّ عظمتَك عظمة عظيمة عالية؛ لا يساميها أي عظمة مِن عظمة البشر، بل مِن عظمة المخلوقين كلهم.
قوله: «ولا إله غيرك» هذه هي كلمةُ التوحيدِ التي أُرسل بها جميعُ الرُّسل كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *} [الأنبياء] وكما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ومَن كان آخرُ كلامِه مِن الدُّنيا لا إله إلا الله دَخَلَ الجنَّةَ» فهي أفضلُ الذِّكرِ، ومعناها: لا معبودَ حقٌّ إلا الله. فـ «إله» : بمعنى مألوه، وهو اسمٌ، «لا» : النافية للجنس، وخبرها محذوف تقديره: حقّ، «إلا الله» : «إلا» أداة استثناء، و«الله» بدل مِن الخبر المحذوف، هذا أصحُّ ما قيل في معناها وفي إعرابها.
إذاً معناها: لا معبودَ حقٌّ إلا الله، فهل هناك معبودٌ باطلٌ؟
الجواب: نعم، هناك معبودٌ باطلٌ وهو مَنْ سِوى الله؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62] . وهذه الآلهة وإن سُمِّيت آلهة فما هي إلا أسماء لا حقيقة لها، فهي باطلة كما قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] . وهذه الكلمة لها مقتضى، فمقتضاها التسليم التام لله عزَّ وجلَّ؛ لأن العبادة مأخوذة من الذُّلِّ، ومنه: طريق معبَّد، أي: مذلَّل مُسهَّل. فمقتضى هذه الكلمةِ العظيمةِ الاستسلامُ لله تعالى ظاهراً وباطناً، فأنت إذا قلتها تخبر خبراً تنطِقُه بلسانك، وتعتقدُه بجَنَانك بأنَّ اللَّهَ هو المعبودُ حقًّا، وما سواه فهو باطل، ثم تأمَّل كيف جاءت هذه الكلمةُ التي فيها توحيد الله بألوهيَّته بعد الثناء عليه؛ ليكون توحيده بالألوهية مبنيًّا على كماله. «سبحانك اللَّهُمَّ وبحَمْدِكَ، وتباركَ اسمُكَ، وتعالى جَدُّكَ» كُلُّ هذا ثناءٌ على الله بالكمال، ثم قال: «ولا إله غيرُكَ» فيكون هذا السَّابق كالسبب المبني عليه اللاحق، يعني: أنه لكمال صفاتِك لا معبودَ حقٌّ إلا أنت، ولا إلهَ غيرُك.
هذا هو دعاء الاستفتاح، وكان عُمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه يستفتحُ به، رواه مسلم بسند فيه انقطاع؛ لكن وصله البيهقيُّ. وعُمرُ أحدُ الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتِّباعهم. وقد رُويَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم مرفوعاً.
هل هناك دعاءٌ آخر يُستفتح به؟
الجواب: نعم؛ فيه أنواع ـ ولشيخ الإِسلام ابن تيمية رسالة في أنواع الاستفتاحات ـ منها ما ثَبَتَ في «الصَّحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كبَّرَ للصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيَّةً، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءة؛ ما تقول؟ قال: أقول: «اللَّهُمَّ بَاعدْ بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنسِ، اللَّهُمَّ اغسلني مِن خَطَايَاي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ». وهذا أصحُّ من الحديث الذي فيه الاستفتاح بـ«سُبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدِك...»، وكلٌّ مِن النوعين جائزٌ وسُنَّةٌ، وينبغي للإِنسان أن يستفتحَ بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة؛ ليأتي بالسُّنَنِ كلِّها، وليكون ذلك إحياءً للسُّنَّة. ولأنه أحضرُ للقلب؛ لأن الإِنسان إذا التزم شيئاً معيَّناً صار عادةً له، حتى إنه لو كَبَّر تكبيرةَ الإِحرام وغَفَلَ ومِن عادته أن يستفتح بـ «سُبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدِك» يَجِدُ نفسَه قد شَرَعَ فيه بدون قصد.
شرح الاستفتاح الوارد في حديث أبي هريرة: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطاياي...».
ثَبَتَ في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كَبَّرَ للصلاة سكت هُنيَّةً» ومِن حِرْصِ أبي هريرة رضي الله عنه على العِلم بشهادةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم له حين قال له: يا رسول الله، مَنْ أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِكَ يومَ القيامةِ؟ قال: «لقد ظَنَنتُ ـ يا أبا هريرة ـ أن لا يسألَنِي عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلُ منك، لِمَا رأيتُ مِن حرصِك على الحديثِ. ثم قال: أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِي يومَ القيامةِ: مَنْ قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه». أنه لما رأى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يسكتُ بين التكبيرِ والقراءة، عَلِمَ أنه لا بُدَّ أن يقول شيئاً، لأنَّ الصلاة ليس فيها سكوتٌ مطلقٌ فقال: «أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءةِ؛ ما تقولُ؟» وكلمة «ما تقول» تدلُّ على أنه يعتقد أنه يقول شيئاً؛ لأنه لم يقل: هل أنت ساكتٌ؟ قال: أقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطَايَاي كما باعدت بين المشرق والمغرب» ومعناه: أنه سأل الله أن يُباعد بينه وبين خطاياه؛ كما باعَدَ بين المشرقِ والمغربِ، والمباعدة بين المشرق والمغرب هو غاية ما يبالغ فيه النَّاسُ، فالنَّاسُ يبالغون في الشيئين المتباعدين إمَّا بما بين السماء والأرض، وإما بما بين المشرقِ والمغربِ، ومعنى «باعِدْ بيني وبين خَطَاياي» أي: باعِدْ بيني وبين فِعلِها بحيث لا أَفْعَلُها، وباعِدْ بيني وبين عقوبِتها.
وقوله: «اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس»، هذه الجملةُ تدلُّ على أنَّ المرادَ بذلك الخطايا التي وقعت منه، لأنه قال: «نقِّني منها كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس». أي: كما يُغسل الثوبُ الأبيضُ إذا أصابه الدَّنس فيرجع أبيض، وإنما ذَكَرَ الأبيضَ؛ لأن الأبيض هو أشدُّ ما يؤثِّر فيه الوسخ؛ بخلاف الأسود، ولهذا في أيام الشتاء الثياب السوداء تبقى شهراً أو أكثر، لكن الأبيض لا يبقى أسبوعاً إلا وقد تدنَّسَ، فلهذا قال: «كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ» وهذا ظاهرٌ أنه في الذُّنوب التي فَعَلَهَا يُنقَّى منها، وبعد التنقية قال: «اللَّهُمَّ اغسلْنِي مِن خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ».
إذاً؛ فالذي يظهر: أنَّ الجملةَ الأُولى في المباعدة، أي: أن لا أفعلَ الخطايا، ثم إن فَعلتُها فنقِّني منها، ثم أزِلْ آثارَها بزيادة التطهير بالماء والثَّلجِ والبَرَدِ، فالماء لا شَكَّ أنه مطهِّرٌ، لكن الثَّلجُ والبَرَدُ مناسبته هنا أنَّ الذُّنوب آثارها العذابُ بالنَّارِ، والنَّارُ حارَّة، والحرارةُ يناسبها في التنقية منها الشيء البارد، فالماء فيه التنظيف، والثَّلجُ والبَرَدُ فيهما التبريدُ.
هذا هو معنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وبقي أن يُقال: هل الخطأ يقع مِن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؟
الجواب: قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ اغسلْنِي مِن خطاياي» فأضاف الخطايا إلى نفسِه، وكان يقول: «اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذنبي كُلَّه، دِقَّهُ وجِلَّهُ، وأوَّلَه وآخره، وعَلانيته وسِرَّه» وقال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وقال الله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] ولكن الشأن كلُّ الشأن هل الذُّنوب هذه تبقى أم لا؟
الجواب: لا، فالنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم معصومٌ مِن الإِقرارِ على الذَّنبِ، ومغفورٌ له، بخلاف غيره، فإنه يذنب، وقد يُقَرُّ على ذلك ويستمرُّ في معصيته، وقد لا يُغفر له، أما النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم فلا بُدَّ أن يُنبَّه عليه مهما كان الأمر: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [التحريم] .
هذا هو فَصْلُ الخطاب في هذه المسألة التي تنازعَ النَّاسُ فيها، لكن هناك مِن الذنوب ذَنْبٌ لا شَكَّ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم معصومٌ منه، وهو الكذبُ والخيانة؛ لأنه لو قيل بجواز ذلك عليه؛ لكان في ذلك قَدْحٌ في رسالته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فلا يمكن أن يقعَ منه. كذلك أيضاً معصوم مما يُخلُّ بأصل العبادة وأصلِ الأخلاق، كالشِّركِ، وكسفاسف الأخلاق مثل الزِّنا وشبهه، لكن الخطايا التي بينه وبين ربِّه هذه قد تقعُ منه ولكنها خطايا صغيرة تُكَفَّر، وقد غَفَرَ اللَّهُ له ما تقدَّم مِن ذَنْبِه وما تأخَّر.
قلتُ: ذلك؛ لأن بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إن كلَّ شيء وَصَفَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم نفسَه به من الذُّنوبِ فالمراد ذنوبُ أُمَّتِه؛ لا ذنبه هو؛ لأنه هو لا يُذنب، وكلُّ خطيئة أضافها لنفسه فالمراد خطايا أُمَّتِه، ولا شَكَّ أن هذا قول فيه ضعف؛ لأن الله قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد: 19] فإن العطف يقتضي المغايرة، وليس في ذلك أيُّ قَدْح في أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقعُ منه الذُّنوب الصغيرة، ولكنه لا يُقَرُّ عليها، ثم هو مغفورٌ له، وما أكثر ما يكون الإِنسان منَّا بعد المعصية خيراً منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإِنسان ويقع في معصية، ثم يَجدُ مِن قلبِه انكساراً بين يدي الله عزّ وجل وإنابةً إلى الله، وتوبةً إليه حتى إن ذَنْبَه يكون دائماً بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإِنسانُ نفسَه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العُجب والغرور وعدم الإِنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله عزّ وجل حكيم قد يبتلي الإِنسان بالذنب ليُصلح حالَه، كما يبتلي الإِنسانَ بالجوع لتستقيم صحَّته. وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها.
كما قال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 122]بعد أن أذنبَ وتابَ؛ اجتباه ربُّه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلَّفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شَكَّ أنه حصل لهم من الإِيمان، ورِفْعَةِ الدرجات، وعلوِّ المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تُتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله؟
والمُهمُّ أن الإِنسان لا يُعصم مِن الخطأ، ولكن الأنبياء عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ معصومون مما أشرنا إليه، ومعصومون مِن الإِقرار على الصغائر، بل لا بُدَّ أن يتوبوا منها.
مسألة: هل يجمع بين أنواع الاستفتاح؟
الجواب: لا يجمع بينها، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أجاب أبا هريرة رضي الله عنه حين سـأله بأنه يقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي»... إلخ. ولم يذكر «سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدِك» فدلَّ على أنه لا يجمع بينها.
فهذان نوعان من الاستفتاحات، وبقيت أنواعٌ أُخرى بعضُها في صلاة الليل خاصَّة، فليُرجع إليها في المطوَّلات.
مسألة: هل يستفتح في صلاة الجنازة؟ فيه خلاف:
قال بعض العلماء: يَستفتح، لأنها صلاة، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَستفتح في الصَّلاةِ.
والمشهور من المذهب: أنه لا يَستفتح؛ لأنها مبنيَّة على التَّخفيف، فلا ركوع فيها، ولا سجود، ولا تشهُّد؛ مما يدلُّ على أن الشارع لاحَظَ فيها التخفيفَ؛ وهذا أقربُ.

ثمَّ يَسْتَعِيذُ،..........
قوله: «ثم يستعيذ» ، أي: يقول: أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم وإن شاء قال: «أعوذُ باللَّهِ السميعِ العليمِ من الشيطانِ الرَّجيمِ؛ من همزه ونفخِه ونفثِه» وإن شاء قال: «أعوذُ بالسميعِ العليمِ مِن الشيطانِ الرجيمِ» والاستعاذةُ للقراءة، وليست للصَّلاةِ، إذ لو كانت للصَّلاةِ لكانت تلي تكبيرةَ الإِحرامِ، أو قبل تكبيرة الإِحرامِ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *} [النحل] . فأمر اللَّهُ بالاستعاذة مِن الشيطان الرجيم عند تلاوة القرآن.
وفائدةُ الاستعاذة: ليكون الشيطانُ بعيداً عن قلب المرءِ، وهو يتلو كتابَ الله حتى يحصُل له بذلك تدبّرُ القرآن وتفهّمُ معانيه، والانتفاعُ به؛ لأن هناك فَرْقاً بين أن تقرأ القرآنَ وقلبُك حاضرٌ وبين أن تقرأ وقلبُك لاهٍ.
إذا قرأته وقلبُك حاضرٌ حصل لك من معرفة المعاني والانتفاعِ بالقرآن ما لم يحصُلْ لك إذا قرأته وأنت غافل، وجرّبْ تجدْ.
فلهذا شُرع تقديمُ الاستعاذة على القِراءة في الصَّلاةِ وخارج الصلاة.
بل قال بعض العلماء: بوجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *} [النحل] .
ومعنى: «أعوذ بالله» أي: ألتجئ وأعتصم به؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الملاذُ وهو المعاذُ، فما الفَرْق بين المعاذ والملاذ؟
قال العلماء: الفَرْق بينهما: أن اللِّياذ لطلب الخير، والعياذ للفرار من الشرِّ، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:


يا مَنْ ألُوذُ به فيما أُؤَمِّلُهُ
=
ومَنْ أعُوذُ به مِمَّا أُحاذِرُهُ
=
لا يَجْبُرُ النَّاسُ عظماً أنت كاسِرُهُ
=
ولا يَهيضُونَ عظماً أنت جَابِرُهُ
ومعنى: «مِن الشيطان الرجيم» الشيطان: اسمُ جنْسٍ يشمَلُ الشيطان الأول الذي أُمِرَ بالسُّجود لآدم فلم يسجدْ، ويشمَلُ ذُرِّيَّته، وهو مِن شَطَنَ إذا بَعُدَ؛ لبعده من رحمة الله، فإن الله لَعَنَهُ، أي: طَرَدَه وأبعدَه عن رحمته. أو مِن شَاطَ إذا غَضِبَ؛ لأنَّ طبيعته الطَّيشُ والغضبُ والتسرُّعُ، ولهذا لم يتقبَّل أمْرَ الله سبحانه وتعالى بالسُّجودِ لآدم، بل ردَّه فوراً، وأنكرَ السُّجودَ له وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61] ، والمعنى الأول هو الأقربُ، ولذلك لم يُمنعْ من الصَّرْفِ؛ لأنَّ النون فيه أصليّة.
وأما الرجيم: فهو بمعنى: راجم، وبمعنى: مرجوم؛ لأن فَعيلاً تأتي بمعنى: فاعل، وبمعنى: مفعول، فمِن إتيانها بمعنى فاعل: سميع، وبصير، وعليم، والأمثلة كثيرة.
ومِن إتيانها بمعنى مفعول: جَريح، وقَتيل، وكسير، وما أشبه ذلك.
فالشيطانُ رجيمٌ بالمعنيين، فهو مرجوم بلعنة الله ـ والعياذُ بالله ـ وطَرْدِه وإبعادِه عن رحمته، وهو راجم غيره بالمعاصي، فإن الشياطين تَؤزُّ أهلَ المعاصي إلى المعاصي أزًّا.

ثُمَّ يُبَسْمِلُ ...........
قوله: «ثم يُبسمل» أي: يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} وأتى المؤلِّف مِن كلِّ كلمة بحرفٍ، أتى بالباء، والسين، والميم، واللام، ويُسمَّى هذا التَّصرُّفُ عند علماء النحو بـ«النَّحْت» لأن الإِنسان ينحِتُ الكلمات حتى استخلص هذه الكلمة. والبسملة تتضمَّن: جاراً ومجروراً، وصفة وموصوفاً. فالجار هو: الباء، والمجرور هو: اسم. والصفة: الرحمن الرحيم، والموصوف: الله، ومضافاً ومضافاً إليه، «اسم» مضاف إلى لفظ الجلالة.
هذه البسملة لا بُدَّ أن تكون متعلِّقة بشيء؛ لأن كُلَّ حرف جرٍّ لا بُدَّ أن يتعلَّق بشيء؛ كما قال ناظم قواعد الإعراب:

لا بُدَّ للجار مِن التَّعلُّقِ
=
بفعلٍ أو معناه نحو مرتقي
=
واستثنِ كلَّ زائد له عَمَل
=
كالبا ومِن والكاف أيضاً ولعل
فهنا الباء لا بُدَّ أن تُعلَّق بشيء، وأحسن ما قيل في متعلقها: أنه فِعْلٌ مؤخَّرٌ مناسب للمقام، فإذا كنت تسمِّي على قراءة فالتقدير: بسم الله أقرأ، وإذا كنت تُسمِّي على أكل فالتقدير: بسم الله آكل، وعلى شُرْب: بسم الله أشربُ، وعلى وُضُوء: بسم الله أتوضَّأ، وهكذا.
وهنا نقرأُ البسملةَ لنقرأ الفاتحةَ، فيكون التقدير فيها: بسم الله أقرأ.
وقلنا: بأن متعلَّقها فِعْل؛ لأن الأفعال هي الأصل في العمل.
وقلنا: محذوف، تبرُّكاً بالاقتصار على اسمِ الله عزَّ وجلَّ، ولكثرة الاستعمال.
وقلنا: متأخِّر؛ لأن في تقديره متأخِّراً فائدتين:
1 ـ التبرك بتقديم اسم الله عزَّ وجلَّ.
2 ـ الحصر؛ لأن تقديمَ المعمولِ يفيدُ الحصرَ.
وقدَّرناه مناسباً للمقام؛ لأنه أدلُّ على مقصود المُبَسْمِل، فإنك إذا قلت: بسم الله، وأنت تريد القراءة، فالتقدير بسم الله أقرأ، وهذا أخصُّ مما لو قلت: التقدير: بسم الله أبتدئُ؛ لأن القراءة أخصُّ من مطلق الابتداء.
وأما «الله» فهو عَلَمٌ على الرَّبِّ عزّ وجل، وأصلُه: الإله، لكن حُذفت الهمزةُ تخفيفاً؛ لكثرة الاستعمال، و«إله» بمعنى: مألوه، والمألوه: هو المعبود محبَّة وتعظيماً.
وأما «الرحمن»: فهو اسمٌ مِن أسماء الله، وهو من حيثُ الإِعرابُ صفة، وهو ذو الرحمة الواسعة الواصلة لجميع الخلق.
«والرحيم» فعيل مِن الرحمة أيضاً، لكن رُوعِيَ فيها الفعلُ دون الصفة؛ لأن الرحمة وصف، والفعل إيصال الرحمة إلى المرحوم.

سِرًّا وَلَيْسَتْ مِنَ الفَاتِحَةِ ...........
قوله: «سِرًّا» ، أي: يُبسمِلُ سِرًّا، يعني: إذا كانت الصَّلاةُ جهريَّة.
أما إذا كانت الصلاة سِرِّية فإنه سوف يُسرُّ بالبسملة وبالقراءة، فقوله: «سِرًّا» يعني: أنه لا يسمعها المأمومين، وإن كان يجهر بالقراءة؛ وذلك لأن أكثر الأحاديث الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم تدلُّ على أنه كان يقرؤها سِرًّا. بل قد قيل: إنَّ كُلَّ حديث ذُكر فيه الجهرُ بالبسملة فهو ضعيف.
قوله: «وليست من الفاتحة» الضَّميرُ يعودُ على البسملة، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة، فإنه ليس فيها بسملة اجتهاداً من الصحابة، لكنه اجتهاد ـ بلا شك ـ مستندٌ إلى توقيف؛ لأننا نعلم أنه لو نزلت البسملة بين الأنفال وبراءة لوجب بقاؤها؛ لأن الله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر: 9] فلمَّا لم يكن، عُلِمَ أن اجتهاد الصَّحابة كان موافقاً للواقع.
والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، قال اللَّهُ تعالى: حَمَدَني عبدي...» الحديث.
فإن قيل: إذا لم تكن مِن الفاتحة؛ فإنه مِن المعلوم أنَّ الفاتحةَ سبعُ آيات، فكيف تُوزَّع السَّبع الآيات على الفاتحة إذا أخرجنا البسملةَ منها؟
فالجواب: أنها توزَّع كالآتي:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} الأولى.
{الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} الثانية.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *} الثالثة.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} الرابعة.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} الخامسة. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} السادسة.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} السابعة.
هذا التَّوزيعُ هو المطابق للمعنى واللَّفظِ.
أما مطابقته للَّفظ: فإننا إذا وزَّعنا الفاتحةَ على هذا الوجه صارت الآيات متناسبة ومتقاربة.
لكن إذا قلنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} هذه الآية السادسة. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} صارت السابعة طويلة لا تتناسب مع الآية السَّابقة، فهذا تناسبٌ لفظي.
وأما التَّناسبُ المعنوي: فإن الله تعالى قال: «قَسَمْتُ الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سألَ. فإذا قال العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} قال الله تعالى: حَمَدني عبدي. وإذا قال: {الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} قال: أثنى عَليَّ عبدي. وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *}، قال: مجَّدَني عبدي. فهذه ثلاث آيات كلُّها لله.
فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *}. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل». فيقتضي أن تكون النِّصفُ هي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} ، وهي الرابعة. والخامسة، والسادسة والسابعة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} فتكون الآيات الثلاث الأولى لله تعالى، والآيات الثلاث الأخيرة للعبد و{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} الآية الوسطى، بين العبد وبين ربِّه.
فإن قال قائل: إذا قلتم ذلك فكيف الجواب عمَّا نجدُه في المصاحف: أن أول آية في الفاتحة هي البسملة؟
فالجواب: هذا الترقيم على قول بعض أهل العلم: أنَّ البسملة آية من الفاتحة. ولهذا في بقية السُّور لا تُعدُّ مِن آياتها ولا تُرقَّم. والصَّحيحُ أنها ليست مِن الفاتحة، ولا مِن غير الفاتحة، بل هي آية مستقلَّة.
إذا قال قائل: قلتم: إن البسملة آية مستقلَّة. ونحن وجدناها في كتاب الله آية ضمن آية في قوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *} [النمل] قلنا: هذه حكاية وخبر عن كتابٍ صَدَرَ مِن سُليمان، وليس الإِنسان يقرؤها على أنه سيبتدئ بها في مقدمة قراءته للسُّورة، لكنها مقدِّمة كتاب كَتَبَهُ سُليمان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ونَقَلَهُ لنا اللَّهُ عزّ وجل، فليس من هذا الباب.

ثُمَّ يَقْرَأُ الفَاتِحةَ .............
قوله: «ثم يقرأ الفاتحة» . «أل» هذه للعموم، يعني: يقرؤها كاملة مرتَّبة بآياتها، وكلماتها، وحروفها، وحركاتها، فلو قرأ ستَّ آيات منها فقط لم تصحَّ، ولو قرأ سبع آيات؛ لكن أسقط «الضَّالين» لم تصحَّ، ولو قرأ كلَّ الآيات، ولم يسقط شيئاً من الكلمات؛ لكن أسقط حرفاً مثل أن يقول: {صراط الذين أنعم عليهم} فأسقط «التاء» لم تصحَّ، ولو أخلف الحركات فإنها لا تصحُّ؛ إنْ كان اللَّحنُ يُحيل المعنى؛ وإلا صحَّت، ولكنه لا يجوز أن يتعمَّد اللَّحنَ. مثال الذي يُحيل المعنى: أن يقول: «أَهْدِنَا» بفتح الهمزة: لأن المعنى يختلف؛ لأن معناه يكون مع فتح الهمزة أعطنا إيَّاه هدية، لكن {اهْدِنَا} بهمزة الوصل بمعنى: دُلَّنا عليه، ووفِّقْنَا له، وَثَبِّتْنَا عليه.
ولو قال: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لم تصحَّ؛ لأنه يختلف المعنى، يكون الإِنعامُ مِن القارئ، وليس مِن الله عزّ وجل.
ومثال الذي لا يُحيل المعنى: أن يقول: «الحمدِ لله» بكسر الدال بدل ضمِّها.
ولو قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعَالَمِينَ} بدون تشديد الباء لم تصحَّ؛ لأنه أسقط حرفاً؛ لأن الحرف المشدَّد عبارة عن حرفين.
إذاً؛ لا بُدَّ أن يقرأها تامَّة، بآياتها، وكلماتها، وحروفها، وحركاتها، فإن ترك آية، أو حرفاً، أو حركة تُخِلُّ بالمعنى لم تصحَّ.
وقوله: «ثم يقرأ الفاتحة» أي: بعد البسملة يقرأ الفاتحة، و«ثم» هنا لا يُراد بها الترتيب والتراخي، بل هي لمجرد الترتيب؛ لأنه لا تراخي بين البسملة وقراءة الفاتحة، بل يُبسملُ ثم يَشرعُ في الفاتحة فَوراً.
وقوله: «يقرأ الفاتحة» وهي معروفة، وهي أعظم سورة في كتاب الله، وسُمِّيت «فاتحة» لأنه افتُتِحَ بها المُصحفُ في الكتابة. ولأنها تُفتتحُ بها الصَّلاةُ في القراءة، وليست يُفتتح بها كلُّ شيء؛ كما يصنعه بعض الناس اليوم إذا أرادوا أن يشرعوا في شيء قرأوا الفاتحة، أو أرادوا أن يترحَّمُوا على شخص قالوا: «الفاتحة» يعني: اقرؤوا له الفاتحة، فإن هذا لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم.
والفاتحةُ هي أمُّ القرآن؛ وذلك لأن جميعَ مقاصدِ القرآن موجودةٌ فيها، فهي مشتملة على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وعلى الرسالة، وعلى اليوم الآخر، وعلى طُرق الرُّسل ومخالفيهم، وجميعُ ما يتعلَّق بأصول الشَّرائع موجودٌ في هذه السُّورة، ولهذا تُسمَّى «أمُّ القرآن» وتُسمَّى «السَّبْعُ المثاني» كما صحَّ ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقد خصَّها الله بالذِّكْرِ في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *} [الحجر] وعَطْفُ «القرآن العظيم» عليها من باب عَطْفِ العام على الخاص.
والفاتحة رُكْنٌ مِن أركان الصَّلاةِ، وشرطٌ لصحَّتها، فلا تصحُّ الصَّلاةُ بدونها؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لِمَنْ لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ» وسيأتي الكلام عليها مفصَّلاً في فصل أركان الصَّلاةِ.
وقوله: «يقرأ الفاتحة» يفيد هذا القول أنه لا بُدَّ أن يقرأ الفاتحةَ بجميع حروفها وحركاتها وكلماتها وآياتها وترتيبها، هذه خمسة أمور: الآيات، والكلمات، والحروف، والحركات، والترتيب. وهو مأخوذ مِن قول المؤلِّفِ: «الفاتحة» فإن «أل» هنا للعهد الذِّهني؛ فيكون المراد به الفاتحة المعروفة التي فيها الآيات السَّبْع والكلمات والحروف والحركات على ترتيبها، ولا بُدَّ أن تكون متوالية؛ يعني: ألا يقطعها بفصل طويل؛ لأنها عبادة واحدة، فاشتُرطَ أن ينبني بعضُها على بعض، كالأعضاء في الوُضُوء.
فالوُضُوء: الوجه، ثم اليدان، ثم الرأس، ثم الرجلان، لا بُدَّ أن يتوالى غَسْلُ هذه الأعضاء الأربعة مرتَّبة، كذلك سورة الفاتحة الآية الأُولى، ثم الثانية، ثم الثالثة... إلخ، لا بُدَّ أن تتوالى.

فَإِنْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ، أوْ سكوت غَيْرِ مَشْرُوعَيْن، وَطَالَ،...........
قوله: «فإن قطعها بذِكْرٍ، أو سكوت غير مشروعين، وطَالَ» أي: قَطَعَ الفاتحةَ فلم يواصلْ قراءتها، يعني: لما قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} جعل يُثني على الله سبحانه وتعالى: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وقام يدعو بدعاء، ثم قال: {الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ}. نقول: هذا غيرُ مشروع، فإذا طال الفصلُ وَجَبَ عليك الإِعادة، كذلك لو قَطَعَها بسكوت، قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} ثم سَمِعَ ضَوضاءَ فسكت يستمعُ ماذا يقول النَّاسُ، وطال الفصلُ، فإنه يعيدها مِن جديد؛ لأنه لا بُدَّ فيها من التَّوالي، لكن اشترط المؤلِّفُ فقال: «غير مشروعين» أي: الذِّكْر والسُّكوت، فإن كانا مشروعين كما لو قَطَعَها ليسأل الله أن يكون مِن الذين أنعمَ اللَّهُ عليهم، مثل لما مرَّ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} قال: اللَّهُمَّ اجْعلنِي منهم، وألحقني بالصَّالحين. فهذا يسير، ثم هو مشروعٌ في صلاةِ الليل. كذلك إذا سكتَ لاستماعِ قراءةِ إمامِه، وكان يعلم أن إمامَه يسكتُ قبل الرُّكوعِ سكوتاً يتمكَّن معه أن يكملها، فسكتَ استماعاً لقراءة إمامِه، ثم أتمَّها حين سكتَ الإِمامُ قبل الرُّكوعِ، فإن هذا السُّكوتَ مشروعٌ، فلا يضرُّ ولو طال.

أَوْ تَرَكَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً، أَوْ حَرْفاً، أو تَرْتِيباً لَزِمَ غَيْرَ مَأْمُومٍ إعَادَتُها.
قوله: «أو ترك منها تشديدة» أي: لو تَرَكَ تشديدة حرف منها فقرأه بالتَّخفيف، مثل تخفيف الباء من قوله: {رب العالمين} لم تصحَّ، وإنما لم تَصحَّ؛ لأن الحرف المشدّد عبارة عن حرفين، فإذا تَرَكَ التشديدَ أنقصَ حرفاً.
قوله: «أو حرفاً» أي: تَرَكَ حرفاً مِن إحدى كلماتها، مثل: أن يترك (أل) في {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهذا يقعُ كثيراً مِن الذين يُدغمون بسبب إسراعهم في القراءة، فلا تصحُّ.
قوله: «أو ترتيباً» يعني: إذا أخلَّ بترتيب آياتِها أو كلماتِها فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *}{الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} أو قال: الرحيم الرحمن، مالك يوم الدين. فإنها لا تصحُّ؛ لأنه أخلَّ بالترتيب، وترتيب الآيات والكلمات توقيفي عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وليس اجتهادياً، ولهذا كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ضعوا هذه الآية في السُّورة التي يُذكر فيها كذا»، ولو لم يكن بالنسبة للفاتحة إلا قراءةُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إيَّاها على هذا الترتيب الذي أجمعَ عليه المسلمون.
قوله: «لزم غير مأموم إعادتها» «غير» بالنصب على أنها مفعول مقدَّم للزم، و«إعادة» فاعل مؤخَّر، يعني: لزمت إعادتُها على غير مأموم؛ لأن قراءة الفاتحة في حقِّ المأموم ـ على المشهور من المذهب ـ ليست بواجبة، فلو تَرَكَها المأمومُ عمداً لم يلزمه إعادة الصَّلاةِ، ولكن مع ذلك يحرم عليه أن ينكِّس الآيات، أو أن يُنكِّس الكلمات، إنما من حيث وجوبُ إعادة الفاتحة لا يجبُ على المأموم إذا فَعَلَ ذلك؛ لأنها لا تجب عليه، ولكن هل تبطل صلاته من أجل مخالفة التَّرتيب في الكلمات أو الآيات؛ لأنه مُحرَّمٌ عليه؟ هذا محلُّ نَظَر.
وقوله: «لزم غير مأموم إعادتها» ظاهر كلامه: أنه يعيدُها من أولها، فلو أسقطَ «أل» مِن قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فظاهرُ كلامِه أنه يلزمه إعادة الفاتحة كلها؛ وليس هذا بوجيه، وقد لا يكون هذا مراده، بل يلزمه إعادة ما أخلَّ به وما بعدَه؛ لأن ما قبلَه وَقَعَ صحيحاً، والمدَّة ليست طويلة حتى يُقال: إنه لو أعاد مِن حيث أخلَّ لَزِمَ طول الفصل بين الجزء الصَّحيح الأول والجزء الصَّحيح الثاني؛ لأن كلَّ الفاتحة لا تستوعب زمناً طويلاً، وعلى هذا؛ فإذا أخلَّ بشيءٍ مِن آخرِها، فإنه لا يلزمه إلاَّ إعادة ما أخلَّ به وما بعدَه، مراعاةً للترتيب، فإن كان في أول آية مثل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} بتخفيف الباء لزمتُه الإِعادة مِن الأول.
مسألة: كيف يقرأُ هذه السُّورة؟.
نقول: يقرؤها معربةً مرتَّبةً متواليةً، وينبغي أن يفصِلَ بين آياتِها، ويقفَ عند كلِّ آية، فيقف سبعَ مرَّات، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} ـ فيقف ـ {الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} ـ فيقف ـ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *} ـ فيقف ـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} ـ فيقف ـ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} ـ فيقف ـ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ـ فيقف ـ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} ـ فيقف. لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُقطِّعُ قراءَتَهُ، فيَقِفُ عند كلِّ آية وإن لم يقفْ فلا حرجَ؛ لأنَّ وقوفه عند كلِّ آيةٍ على سبيلِ الاستحبابِ، لا على سبيلِ الوجوبِ؛ لأنَّه مِن فِعْلِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم دون أمْرِه، وما فَعَلَه النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دون أَمْرٍ به مما يُتعبَّد به فهو مِن قبيل المستحبِّ، كما ذُكر ذلك في أصول الفقه: أنَّ الفعلَ المجرَّدَ مما يُتعبَّدُ به يفيد الاستحباب، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا عَلَّمَ المسيءَ في صلاتِه أمره أن يقرأ ما تيسَّر مِن القرآن ولم يقل: ورتِّل، أو: قِفْ عند كلِّ آية.
فإنْ قال قائل: ذكرتم أنه إذا أبدل حرفاً بحرف فإنَّها لا تصحُّ، فما تقولون فيمَن أبدَل الضَّادَ في قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} بالظاء؟
قلنا: في ذلك وجهان لفقهاء الحنابلة:
الوجه الأول: لا تصحُّ؛ لأنه أبدلَ حَرْفاً بحرف.
الوجه الثاني: تصحُّ، وهو المشهور مِن المذهب، وعلَّلوا ذلك بتقارب المخرجين، وبصعوبة التفريق بينهما، وهذا الوجه هو الصَّحيح، وعلى هذا فمَن قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} بالظاء فصلاته صحيحة، ولا يكاد أحدٌ من العامة يُفرِّق بين الضَّاد والظاء.

وَيَجْهُرُ الكُلُّ بِآمِينَ في الجَهْرِيَّة ..........
قوله: «ويجهرُ الكُلُّ بآمينَ في الجَهريَّة» أي: المنفرد، والمأموم، والإِمام بالجهرية.
أما الإِمام فواضح أنه يجهر بآمين؛ لأن ذلك ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إذا أمَّنَ الإِمامُ فأمِّنوا» فعلَّق تأميننا بتأمين الإِمام، ولولا أننا نسمعُهُ لم يكن بتعْليقِهِ بتأمين الإِمامِ فائدة، بل لكان حَرَجاً على الأمة، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يجهرُ بآمين حتى يَمُدَّ بها صوتَه. وكذلك المأمومون يجهرون بها، كما كان الصَّحابةُ رضي الله عنهم يجهرون بذلك خلفَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حتى يرتجَّ المسجدُ بهموهذه السُّنَّةُ صحيحةٌ ثابتة. لكن المنفرد إن جَهَرَ بقراءته؛ جَهَرَ بآمين، وإن أسرَّ؛ أسرَّ بآمين، ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في صلاة السِرِّ كالظُّهر والعصر لا يجهر بآمين، وهذا يقتضي أنك إذا لم تجهر بالقراءة لم تجهر بآمين.
والمنفرد الذي يقوم الليل مثلاً، وأحياناً يرى أن حضورَ قلبِه وقوَّة يقظته وطرد النوم عنه بالجهر، فيجهر كما فَعَلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين صَلَّى بحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.
فإذا جَهَرَ بالقراءة جَهَرَ بالتأمين، وأحياناً يرى أن الإِسرار أفضل له وأخشع، وأبعد عن الرِّياء، أو أن هناك مانعاً يمنعه من الجَهْر لكون مَن حولَه نياماً، وما أشبه ذلك، فإذا أسرَّ بالقراءة فإنه يُسِرُّ بالتأمين، ولا يجهر به.
وقوله: «بآمين» :
معناها: اللَّهُمَّ اسْتجِبْ، وعلى هذا؛ فهي اسمُ فِعْلِ دعاء، واسمُ الفعل ما كان فيه معنى الفعل دون حروفه.
هلم: اسمُ فِعْلٍ؛ لأنه بمعنى أقبل. «صَهْ» اسمُ فِعْلٍ بمعنى اصمُتْ. فأحياناً أقول «صَهٍ»، وأحياناً أقول «صَهْ»، وبينهما فَرْق، فإن قلت: «صهٍ» فمعناها اسكتْ عن كُلِّ شيء، إن قلت: «صَهْ» فمعناها اسكتْ عن كلام معيَّن.
قال الفقهاء: فإن شدَّدَ الميمَ في «آمين» بطلت الصَّلاةُ؛ لأنَّ معناها حينئذٍ «قاصدين»؛ ولهذا قالوا: يحرم أن يُشدِّد الميم، وتبطل الصَّلاةُ؛ لأنه أتى بكلامٍ مِن جنسِ كلام المخلوقين.
فإن قيل: متى يقول آمين؟
فالجواب: أما الإِمامُ فإذا انتهى من قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} وكذلك المنفرد.
وأمَّا المأموم فقال بعضُ العلماءِ: يقول: «آمين» إذا فَرَغَ الإِمامُ مِن قول آمين.
واستدلُّوا بظاهر قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمَّنَ الإِمامُ فأمِّنوا» قالوا: وهذا كقوله: «إذا كبَّر فكبِّروا» ومعلومٌ أنك لا تكبِّر حتى يفرغ الإِمامُ مِن التكبير فيكون معنى قوله «إذا أمَّنَ» أي: إذا فَرَغَ مِن التأمين. ولكن هذا القول ضعيف؛ لأنه مصرَّحٌ به في لفظٍ آخر: «إذا قال الإِمام: ولا الضَّالين، فقولوا: آمين».
وعلى هذا؛ فيكون المعنى: إذا أمَّن، أي: إذا بَلَغَ ما يُؤمَّنُ عليه وهو {وَلاَ الضَّالِّينَ}، أو إذا شَرَعَ في التَّأمين فأمِّنوا؛ لتكونوا معه، لكن نسمع بعض الأحيان بعض الجماعة يتعجَّل؛ لا يكاد يصل الإِمام النون من {وَلاَ الضَّالِّينَ} إلا وقد قال: «آمين» وهذا خِلافُ السُّنَّةِ، وهذا نوعٌ مِن مسابقة الإِمام؛ لأنَّ الإِمامَ لم يَصلْ إلى الحدِّ الذي يُؤمَّنُ عليه وهو فراغه من قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ}.
مسألة: لم يفصح المؤلِّف ـ رحمه الله ـ هنا عَمَّا إذا لم يعرفْ الفاتحةَ هل يلزمه أن يتعلَّمها؟
والجواب: نعم؛ يلزم أن يتعلَّمها؛ لأن قراءتَها واجبةٌ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ. كعادم الماء؛ يجب عليه طلبُه وشراؤه للوُضُوء أو الغسل به إنْ كان يُباع؛ لأنَّ ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، وليس هذا من باب: ما لا يتمُّ الوجوب إلا به؛ لأن وجوب الفاتحة ثابتٌ، فيلزم أن يتعلَّم هذه السُّورة، فإن ضاق الوقتُ قرأ ما تيسَّرَ من القرآن من سواها؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ ما تيسَّرَ معك من القرآن» فإن لم يكن معه قرآن فإنه يُسَبِّحُ، فيقول: «سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللَّهُ أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» خمس كلمات. فإذا قال قائل: كيف يجزئ الخمس عن السَّبع؛ لأن الآيات في الفاتحة سَبْع؟
فالجواب: أنه لا يلزمُ أن يكون البدلُ مساوياً للمُبدل منه، أَلا ترى أنَّ كسوةَ العشرة في كفَّارة اليمين لا يساويها إطعامُهم في الغالب، ولا تساوي عِتْقَ الرَّقَبة أيضاً، فالبدلُ لا يلزم منه مساواة المُبدل منه، لكن قال فقهاؤنا رحمهم الله: إذا كان عنده شيءٌ من القرآن سوى الفاتحة وجب عليه أن يقرأ منه بقَدْرِ الفاتحة، وفرَّقوا بين هذا وبين الذِّكر؛ بأن ما يُقدر عليه من جنس ما عُجز عنه؛ فوجب أن يكون مساوياً له، بخلاف البدل المحض فإنه لا يلزم.
فصارت المراتب الآن: قراءة الفاتحة، فإن عجز فبما تيسَّرَ مِنَ القرآن مِن غيرها، فإن عَجَزَ فالتَّسبيحُ، والتَّحميد، والتَّكبير، والتَّهليل والحَوقلة.
فإذا قال قائل: إذا لم أجد مَنْ يُعَلِّمني إيَّاها إلا بأُجرة، فهل يلزمُني دفع أجرة إليه؟
فالجواب: نعم؛ كما لو لم يجد ماءً إلا ببيع، فإنه يلزمُه شراؤه للوُضُوء، ولكن يبقى النَّظرُ: هل يجوز للآخر أن يطلب أُجْرةً على تعليم القرآن؟
الجواب: الصحيح: الجواز؛ لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ أحَقَّ ما أخذتُم عليه أجراً كتابُ الله» وهذا الذي استُؤجر أو طَلَبَ الأُجرةَ طَلَبَ على عَمَلٍ متعدٍّ وهو التَّعليم، بخلاف مَن طَلَبَ أُجرة على القِراءة، فإنه لا يجوز، كما لو قال: أنا أقرأُ سورةَ البقرةِ وتُعطيني كذا وكذا. قلنا: هذا حَرام. أمَّا إذا قال: أعلِّمُكَ إياها بكذا وكذا؛ فهذا جائز، ولهذا زوَّجَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الرَّجُلَ الذي لم يجدْ مهراً بما معه من القُرآن يعلِّمُها إيَّاه.
قوله: «ثم يقرأ» هل «ثم» هنا على معناها الأصلي، أي: أنها تفيد الترتيب والتراخي، أو لمجرد الترتيب؟
هذا مبنيٌّ على القول باستحبابِ السُّكوتِ بعدَ الفاتحة أو عدمِه. فإن قلنا: باستحباب السُّكوتِ ـ وهو المذهب ـ صارت «ثم» هنا على معناها الأصلي، أي: أنها للتَّرتيب والتَّراخي، وعلى هذا؛ فيسكتُ الإِمامُ بعدَ الفاتحةِ سكوتاً، ولكن كم مقدار هذا السُّكوت؟
قال بعض العلماء: إنه بمقدار قراءة المأموم سُورةَ الفاتحةِ، وعلى هذا؛ فيكون طويلاً بعضَ الشَّيء.
وقيل: بل إنه سكوت ليترادَّ إلى الإِمام نفسُه ، وليتأمَّل ماذا يقرأ بعدَ الفاتحةِ، ولِيَشْرَع المأموم في قراءة الفاتحة حتى يستمرَّ فيها؛ لأن الإِمام لو شَرَعَ فوراً بقراءة السُّورة لم يبدأ المأموم بالقراءة، وحينئذٍ تفوته قراءةُ الفاتحةِ.
والصَّحيح: أن هذه السَّكتة سكتة يسيرة؛ لا بمقدار أن يقرأَ المأمومُ سُورةَ الفاتحة، بل السُّكوت بهذا المقدار إلى البدعة أقرب منه إلى السُّنّة؛ لأن هذا السُّكوتَ طويلٌ، ولو كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يسكتُه؛ لكان الصَّحابةُ يسألون عنه، كما سألَ أبو هريرة رضي الله عنه النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عن سُكوته فيما بين التكبير والقِراءة: ما يقول؟
فالصَّحيح أنَّها سكتةٌ يسيرة فيها فوائد:
1 ـ التَّمييز بين القِراءةِ المفروضةِ والقراءة المستحبَّة.
2 ـ ليترادَّ إليه النفسُ.
3 ـ لأجل أن يشرع المأمومُ بالقِراءة.
4 ـ ربما لا يكون قد أعدَّ سورةً يقرأ بها بعدَ الفاتحة، فيتأمَّل ماذا يقرأ.

ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهَا سُورَةً،...........
وقوله: «ثم يقرأ بعدها» . أي: بعدَ الفاتحة، وأفاد قوله: «بعدَها» أنه لا تُشرع القراءةُ قبل الفاتحة، فلو نسيَ وقرأ السُّورةَ قبل الفاتحةِ أعادها بعد الفاتحة؛ لأنه ذِكْرٌ قالَه في غير موضعه فلم يجزئ.
وقوله: «سورة» السُّورةُ جملةٌ من القرآن مُحَوَّطَةٌ بالبسملة قبلَها لها، وبعدَها للسُّورة التي بعدها. سُمِّيت بذلك لأن البسملتين كانتا كالسُّورِ لها.
وقراءةُ السُّورة على قول جمهور أهل العلم سُنَّةٌ، وليست بواجبةٍ؛ لأنه لا يجب إلا قراءة الفاتحة.
وأفادنا المؤلِّف بقوله: «سُورة» إلى أنَّ الذي ينبغي للإِنسانِ أن يقرأَهُ سورةً كاملةً، لا بعضَ السُّورة، ولا آيات من أثناء السُّورة؛ لأن ذلك لم يَرِدْ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وأطلقه ابن القيم في «زاد المعاد» حيث قال: «وأمَّا قراءة أواخر السُّورِ وأواسطها فلم يُحفظ عنه». ولكن ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ في سُنَّةِ الفجر آيات من السُّور، فكان أحياناً يقرأ في الرَّكعة الأُولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] الآية، وفي الثانية: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] ، الآية، والأصل: أن ما ثَبَتَ في النَّفْل ثَبَتَ في الفرض؛ إلا بدليل.
ويدلُّ لهذا الأصل: أن الصَّحابة رضي الله عنهم لما حَكَوا أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يُوتِرُ على راحلته قالوا: غير أنه لا يُصلِّي عليها المكتوبةَ. فلما حَكَوا أنه يوتر، ثم قالوا: غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة، دَلَّ ذلك على أنَّ المعلومَ أنَّ ما ثَبَتَ في النَّفل ثبتَ في الفرض.
ولأنهما عبادتان من جنس واحد، والأصل اتفاقهما في الأحكام.
على كُلٍّ؛ نرى أنه لا بأس أن يقرأ الإِنسانُ آيةً من سورةٍ في الفريضة وفي النافلة. وربما يُستدل له أيضاً بعموم قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] لكن السُّنَّة والأفضل أن يقرأَ سورةً، والأفضلُ أن تكون كاملةً في كلِّ ركعة، فإن شَقَّ فلا حَرَجَ عليه أن يقسم السُّورة بين الركعتين؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ ذات يوم سورة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *} فلما وصل إلى قصة موسى وهارون أخذته سَعْلةٌ فَرَكَعَ. فدلَّ هذا على جواز قَسْمِ السُّورة؛ ولا سيَّما عند الحَاجة.
وقوله: «سُورة» يلزم من قراءة السُّورة أن يقرأَ قبلها: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وعلى هذا؛ فتكون البسملةُ مكرَّرة مرَّتين: مرَّة للفاتحة، ومرَّة للسُّورة. أما إنْ قرأ مِن أثناء السُّورة فإنه لا يُبسمل؛ لأن الله لم يأمر عند قراءة القرآن إلا بالاستعاذةِ، والبسملة لا تُقرأ في أواسط السُّور، لا في الصلاة ولا خارجها.

تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ المُفَصَّلِ،............
قوله: «تكون في الصبح من طِوال المفصل» أي: تكون السُّورة في صلاة الصُّبح من طِوال المُفصَّلِ بكسر الطاء، ولا يقال: طُوال؛ لأن طُوال صفة للرَّجُل الطويل، وأما طِوال بالكسر فهي جمع طويلة، أي: سُورة من السُّور الطِوال مِن المفصل.
والمُفصَّل ثلاثة أقسام، كما يدلُّ عليه كلام المؤلِّف: منه طِوال، ومنه قِصار، ومنه وسط.
فمِن {ق} إلى {عَمَّ} هذا هو الطِوال.
ومِن {عَمَّ} إلى الضُّحَى أوساط.
ومُن الضُّحَى إلى آخره قِصار.
وسُمِّيَ مُفصَّلاً لكثرة فواصله؛ لأن سُورَهُ قصيرةٌ.
فمن {ق} إلى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *} أربعة أجزاء وشيء، يساوي البقرة وآل عمران، ورُبعاً مِن النساء، ويزيد شيئاً قليلاً، وإنما شُرع أن تكون في الصُّبح مِن طِوال المُفصَّل؛ لأن الله عزَّ وجلَّ نصَّ على القرآن في صلاة الفجر فقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *} [الإسراء] فَعبَّرَ عن الصَّلاةِ بالقرآن إشارةً إلى أنَّه ينبغي أن يكون القرآن مستوعِباً لأكثرها، وهو كذلك، ولهذا بقيت صلاةُ الصُّبح على ركعتين لم تُزَدْ، بينما الظُّهر والعصر والعشاء زِيدت.

وَفِي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ، ........
قوله: «وفي المغرب من قصاره» ، أي: من قِصار المفصَّل، يعني: من الضُّحى إلى آخره.
قوله: «وفي الباقي من أوساطه» أي: من {عَمَّ} إلى الضحى ودليل ذلك السُّنَّة الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فإن الغالب مِن فِعْلِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو هذا.
لكنه أحياناً يقرأ في الفجر مِن القِصَار، وفي المغرب من الطِوال، فمرَّة صَلَّى الفجرَ بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} قرأها في الرَّكعتين، ومرَّة قرأ في المغرب بسُورة {الأَعْرَافِ}، وقرأ بسورة الْطُّورَ، وقرأ {بالمرسلات}، وكلُّ هذا من أطول ما يكون من السُّور، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي للإِمام أن يكون غالباً على ما ذَكَرَ المؤلِّفُ، ولكن لا بأس أن يطيل في بعض الأحيان في المغرب، ويُقَصِّرَ في الفجر.
وقوله: «وفي الباقي من أوساطه» الدليل على ذلك: أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أرشد معاذَ بنَ جَبَلٍ أن يقرأ في صلاة العشاء بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *}، و{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *} ونحوها فدلَّ هذا على أن هذا هو الأفضل.
وهنا سؤال: هل يجوز أن يقرأَ الإِنسانُ بالسُّورةِ في الرَّكعتينِ بمعنى أنْ يكرِّرها مرَّتين؟
الجواب: نعم، ولا بأس بذلك، والدَّليلُ فِعْلُ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه قرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الرَّكعتين جميعاً كرَّرها.
لكن؛ قد يقول قائل: لعلَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَسِيَ؛ لأنَّ مِن عادته أنه لا يُكرِّر السُّورة.
والجواب عن هذا: أن يُقال: احتمالُ النسيانِ وارد، ولكن احتمال التشريع ـ أي: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كرَّرها تشريعاً للأمة ليبيِّن أن ذلك جائز ـ يُرجَّح على احتمالِ النسيان؛ لأنَّ الأصلَ في فِعْلِ الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ التشريعُ، وأنه لو كان ناسياً لَنُبِّهَ عليه، وهذا الأخيرُ ـ أي: أنَّ ذلك مِن باب التشريع ـ أحوطُ وأقربُ إلى الصَّوابِ.
تتمة : في تنكيس السُّور، والآيات، والكلمات، والحروف.
أما تنكيس الحروف؛ بمعنى: أن تكون الكلمة مشتملة على ثلاثة أحرف؛ فيبدؤها الإِنسان مِن آخرها مثلاً، فهذا لا شكَّ في تحريمه، وأنَّ الصَّلاةَ تبطلُ به؛ لأنه أخرج القرآنَ عن الوجه الذي تكلَّم الله به، كما أن الغالب أنَّ المعنى يختلفُ اختلافاً كبيراً.
وأما تنكيس الكلمات؛ أي: يبدأ بكلمة قبل الأُخرى، مثل: أن يقول: الحمد لربِّ العالمين، الله الرحمن الرحيم. فهذا أيضاً محرَّم بلا شكٍّ؛ لأنه إخراجٌ لكلامِ الله عن الوجه الذي تكلَّم اللَّهُ به. وتبطلُ به الصَّلاةُ.
وأما تنكيس الآيات أيضاً؛ فمحرَّم على القول الرَّاجح؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي، ومعنى توقيفي: أنه يُتوقَّفُ فيه على ما وَرَدَ به الشَّرعُ. ولهذا تَجِدُ أحياناً بعضَ الآيات بين آيات لا يَظهرُ لك تَعَلُّقُها بها، أو مقدَّماً على ما سَبَقَه في النُّزول مما يدلُّ على أن الأمر توقيفي مثل: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} الآية [البقرة: 240] .
الأولى: سابقة بالقراءة.
والثانية: أسبق نزولاً، ولو كان التَّرتيبُ غيرَ توقيفي؛ لكان على حسب النُّزولِ.
ومثال الأول: قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ *فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ *} [البقرة] الآية فإنَّ هاتين الآيتين كانتا بين آيات المعتدات، وهذا دليلٌ على أنَّ ترتيب الآيات توقيفي.
وأما تنكيس السُّور؛ فيُكره، وقيل: يجوز.
أما الذين قالوا بالجواز فاستدلُّوا: بحديث حذيفة بن اليمان الذي في «صحيح مسلم» أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قامَ مِن اللَّيلِ فقرأَ بسورةِ البقرةِ، ثم بالنِّساءِ، ثم آل عمران، وهذا على غير التَّرتيبِ المعروف، قالوا: وفِعْلُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم دليلٌ على الجواز.
وأما الذين قالوا بالكراهة، فقالوا: إنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنهم وَضَعُوا المُصحفَ الإِمام ـ الذي يكادون يجمعون عليه ـ في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وَضَعوه على هذا التَّرتيب، فلا ينبغي الخروجُ عن إجماعهم، أو عمَّا يكون كالإِجماع منهم؛ لأنَّهم سلفُنا وقدوتُنا، وهو من سُنَّة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد أُمِرْنَا باتِّباعِه. ولأنه قد يكون فيه تشويشٌ على العامة، وتَنَقُّصٌ لكلام الله عزّ وجل إذا رأوا أنَّ النَّاسَ يقدِّمون، ويؤخِّرون فيه.
ولكن؛ القول بالكراهة قولٌ وسطٌ، فيقال: إنَّ الصحابةَ لم يجمعوا على هذا الترتيب، فإن في مصاحف بعضِهم ما يخالف هذا التَّرتيب كمصحف ابن مسعود رضي الله عنه، وأما قراءة النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديث حذيفة «النساء» قبل «آل عمران» فهذا ـ لعلَّه ـ قبل العرضة الأخيرة؛ لأنَّ جبريلَ كان يُعارِضُ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم القرآن في كُلِّ رمضان، فيكون ما اتَّفق عليه الصحابةُ أو ما كادوا يتَّفقون عليه هو الذي استقرَّ عليه الأمر، ولا سيما وأنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرُنُ بين البقرة وآل عمران، مما يدلُّ على أنهما قرينتان، فيكون تقديمه للنساء في حديث حذيفة قبل الترتيب الأخير.
والحق: أن الترتيب بين السُّور منه توقيفي، ومنه اجتهادي، فما وَرَدَتْ به السُّنَّةُ كالترتيب بين «الجُمعة» و«المنافقين»، وبين «سَبِّحِ» و«الغاشية» فهو على سبيل التوقيف؛ فالنبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قرأَ «الجمعة» قبل «المنافقين».
وقرأ «سَبِّح» قبل «الغاشية» فهذا على سبيل الترتيب التوقيفي، وما لم تَرِدْ به السُّنَّةُ فهو اجتهادٌ من الصَّحابةِ، والغالب أنَّ الاجتهادَ، إذا كان معه الأكثر أقربُ للصَّوابِ.

وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ بِقِرَاءَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ..........
قوله: «ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان» .
قوله: «الصلاة» : عامة تشمَلُ الفريضةَ والنافلةَ.
قوله: «لا تَصِحُّ» نفيُ الصِّحَّة يقتضي الفساد، فإذا قرأ بقراءة خارجة عن مصحف عثمان فصلاتُه فاسدة على كلام المؤلِّف.
وما المرادُ بالصحَّة إذا قال العلماء: تصحُّ، أو: لا تصحُّ؟
قال العلماء: الصَّحيح: ما سقطَ به الطَّلبُ وبَرئت به الذِّمةُ. والفاسد: ما ليس كذلك. فإذا فَعَلَ الإِنسانُ عبادة ولم يسقطِ الطلبُ بها عنه لاختلال شرط، أو وجود مفسد، قلنا: إنها فاسدة.
وإذا فَعَلَ عبادةً وسقط بها الطلبُ، وبرئت بها الذِّمةُ، قلنا: إنَّها صحيحةٌ.
وقوله: «بقراءة خارجة عن مصحف عثمان» . مصحف عثمان رضي الله عنه هو الذي جَمَعَ الناسَ عليه في خلافته، وذلك أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم تُوفِّيَ والقرآن لم يُجمعْ، بل كان في صُدورِ الرِّجال، وفي عُسُبِ النَّخْل، وفي اللِّخَافِ «الحجارة البيضاء الرهيفة» وما أشبه ذلك، ثم جُمِعَ في خلافة أبي بكر رضي الله عنه حين استحرَّ القتلُ بالقُرَّاء في اليَمامةِ، ثم جُمِعَ في عهدِ عُثمان رضي الله عنه.
وسبب جمعه: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ القرآنَ أُنزِلَ على سبعةِ أحرفٍ»فكان النَّاس يقرأون بهذه الأحرف، وقد اختلفت لهجاتُ النَّاسِ؛ فصار فيه خلافٌ في الأجناد؛ الذين يقاتلون في أطراف المملكة الإِسلامية، فخشيَ بعضُ القُوَّادِ من الفتنة، فكتبوا إلى عثمان رضي الله عنه في ذلك؛ فاستشار الصحابةَ بجَمْعِ القراءات، على حرفٍ واحد، يعني على لغة واحدة وهي لغة قريش، واختارها؛ لأنها أشرف اللغات، حيث إنَّها لغةُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي أعربُ اللُّغاتِ أيضاً، يعني: أنها أرسخها في العربية، فَجَمَعَ المصاحفَ كلَّها على مصحفٍ واحدٍ وأحرقَ ما سواها، فاجتمعت الأمةُ على هذا المصحف، ونُقِلَ إلينا نقلاً متواتراً، ينقله الأصاغرُ عن الأكابرِ، ولم تختلف فيه الأيدي ولا النَّقَلَةُ، بل هو محفوظٌ بحفظِ الله عزّ وجل إلى يوم القيامة.
لكن؛ هناك قراءات خارجة عن هذا المصحف الذي أَمَرَ عثمان بجَمْعِ المصاحف عليه، وهذه القراءات صحيحة ثابتة عمَّن قرأ بها عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، لكنها تُعَدُّ عند القُرَّاء شاذَّة اصطلاحاً، وإنْ كانت صَحيحةً.
وقد اختلف العلماءُ رحمهم الله في هذه القِراءةِ الشاذَّةِ في أمرين:
الأمر الأول: هل تجوزُ القراءة بها داخل الصَّلاة وخارجها، أو لا تجوز؟
الأمر الثاني: هل هي حُجَّة في الحُكْمِ، أو ليست بحُجَّة؟ فمنهم من قال: إنها ليست بحُجَّة، ومنهم من قال: إنها حُجَّة.
وأصحُّ الأقوال: أنه إذا صحَّت هذه القراءة عَمَّن قرأ بها مِن الصَّحابة فإنها مرفوعةٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكون حُجَّةً، وتصحُّ القراءةُ بها في الصَّلاة وخارج الصَّلاة؛ لأنها صحَّت موصولةً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
لكن؛ لا نقرأ بها أمامَ العامَّة؛ لأننا إذا قرأنا بها أمامَ العامَّة حصل بذلك فتنةٌ وتشويشٌ، وقِلَّةُ اطمئنان إلى القرآن الكريم، وقِلَّةُ ثقةٍ به، وهذا لا شَكَّ أنه مؤثِّرٌ ربما على العقيدة فضلاً عن العمل، لكن الكلام فيما بين الإِنسان وبين نفسِه، أو فيما بينه وبين طَلَبَةِ العِلم الذين يفهمون حقيقة هذا الأمر.
فإن قال قائل: إذا صحَّت القراءةُ، وصحَّحتُم الصَّلاةَ والقراءةَ بها، وأثبتم الأحكامَ بها، فلماذا لا تقرأونها على العامَّة؟
فالجواب: أنَّ هديَ الصَّحابة رضي الله عنهم ألا تُحدِّثَ النَّاسَ بحديث لا تبلغه عقولُهم، كما في حديث عليٍّ رضي الله عنه: «حَدِّثوا النَّاس بما يعرفون ـ أي: بما يمكن أن يعرفوه ويهضموه وتبلغه عقولُهم ـ أتحبُّونَ أن يُكذَّبَ اللَّهُ ورسولُه؟» لأنَّ العاميَّ إذا جاءه أمرٌ غريبٌ عليه نَفَرَ وكَذَّبَ، وقال: هذا شيء مُحَال. وقال ابنُ مسعود: «إنك لا تُحدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولُهم إلا كان لبعضهم فتنة»وصَدَقَ رضي الله عنه، فلهذا نحن لا نحدِّثُ العامة بشيء لا تبلغه عقولُهم؛ لئلا تحصُلَ الفتنة ويتضرَّرَ في عقيدته وفي عَمَلِهِ.
ومِن ذلك أيضاً: ما يكثُر السُّؤال عنه من بعض الطَّلبة، وهو: أنه ثَبَتَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه لما قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا *} [النساء] أنَّه وَضَعَ إبهامَه وسبَّابته على أُذُنِهِ وعلى عينِهِ. فقال: هل يجوز أن أفعل مثل هذا؟
فجوابنا على هذا أنْ نقول: لا تفعلْه أمامَ العامَّة؛ لأن العامَّة ربَّما ينتقلون بسرعة إلى اعتقادِ المشابهة والمماثلة؛ بخلاف طالب العلم، ثم هذا فِعْلٌ مِن الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وليس أمراً، لم يقل: ضعوا أصابعكم على أعينكم وآذانكم، حتى نقول: لا بُدَّ مِن تنفيذِ أمْرِ الرَّسول، بل قَصَدَ بهذا تحقيق السَّمع والبصر، لا التعبُّد في ذلك فيما يظهر لنا، فلماذا نلزم أنفسنا ونكرِّر السؤال عن هذا من أجل أن نقوله أمام العامَّة؟
فالحاصلُ: أنه ينبغي لطالب العِلم أن يكون معلِّماً مربيًّا، والشيءُ الذي يُخشى منه الفتنة؛ وليس أمراً لازماً لا بُدَّ منه؛ ينبغي له أن يتجنَّبه.
وأشدُّ مِن ذلك ما يفعله بعضُ النَّاسِ، حين يسوق حديث: «إن قلوبَ بني آدم بين أصبعين مِن أصابعِ الرَّحمن» فيذهب يُمثِّل ذلك بضمِّ بعض أصابعه إلى بعض، مُمَثِّلاً بذلك كون القلب بين أصبعين من أصابع الله، وهذه جرأة عظيمة، وافتراءٌ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لم يمثِّل بذلك. وما الذي أدرى هذا المسكين المُمثِّلُ أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الله على هذا الوصف؟ فليتَّقِ الله ربَّه ولا يتجاوز ما جاء به القرآنُ والحديثُ.
يقول المؤلِّفُ ـ رحمه الله ـ: لو قرأ بقراءةٍ خارجةٍ عن مصحف عثمان لم تصحَّ الصَّلاة.
مثال ذلك: قوله تعالى في آيةِ كَفَّارةِ اليمين: {الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89] في قراءة ابن مسعود: «فمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيامٍ مُتَتَابِعَةٍ»[(153)].
فلو قرأ الإِنسانُ في الصَّلاة «فصيامُ ثَلاثَةِ أيامٍ مُتَتَابِعَةٍ» بطلتْ صلاتُهُ على هذا القول.
قالوا: لأن هذه الكلمة ليست مِن كلامِ الله حُكماً، وإن كانت قد تكون مِن كلام الله حقيقة، لكنَّنَا لا نعتبرها حكماً مِن كلامِ الله، فتكون مِن كلام الآدميين، وقد قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاسِ».
ولكن هذا القول إذا تأمَّلته وجدته ضعيفاً، وكيف تكون مِن كلام الآدميين وقد صَحَّ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ بها؟ ولا سيَّما قراءة ابن مسعود، الذي قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من سَرَّه أن يقرأ القرآنَ غَضًّا كما أُنزل ـ وفي لفظٍ: طريًّا كما أُنزل ـ فليقرأ بقراءة ابنِ أمِّ عَبْدٍ»
يعني: قراءة ابن مسعود.
فقراءة أوصى بها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم كيف يقول قائل ـ بعد صحَّتها وثبوتها عن ابن مسعود ـ: إنَّ الصَّلاةَ لا تصحُّ بها؟


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, القراءة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir