دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الآخرة 1442هـ/11-02-2021م, 07:22 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمد المصطفى الهادي الأمين وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين .
أما بعد :
أتكلم في هذه السطور عن تفسير سورة العصر ، هذه السورة العظيمة التي لها معان جليلة وعبر كثيرة بالرغم من اختصارها ، والتي قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم ؛أي كفتهم موعظة .
فضل السورة :
أخرج الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: كانَ الرَّجُلانِ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إذا التَقَيا لَمْ يَتَفَرَّقا حَتّى يَقْرَأ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ سُورَةَ «والعَصْرِ» ثُمَّ يُسَلِّمُ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ.
مناسبتها لما قبلها :
قيل :أن فيها إشارَةٌ إلى حالِ مَن لَمْ يُلْهِهِ التَّكاثُرُ ولِذا وُضِعَتْ بَعْدَ سُورَتِهِ.
والسُّورَةُ مَكِّية في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ والجُمْهُورِ.
وقيل :بأنها مدنية في قَوْلِ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ ومُقاتِلٍ. لَمّا قالَ فِيما قَبْلَها: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ [التكاثر: 1] والقول بأنها مكية هو الراجح والله أعلم .
العصر لغة : الضغط لاستخلاص العصارة. استعملته العربية حسياً في عصر العنب ونحوه لاعتصار خلاصته. ومنه المعصرة آلة العصر، والمعصرة مكانه. والعواصر ثلاثة أحجار كانوا يعصرون بها.
وسميت السحب الممطرة معصرات لما تعتصر من المطر، وأعصر القوم أمطروا.
ومعنى (الواو )في قوله تعالى ( والعصر ) للقسم ،قال محمد بنِ كعبٍ القُرَظِيِّ: {وَالْعَصْرِ} قالَ: قَسَمٌ أقْسَمَ به ربُّنا تَبَاركَ وتعالى).
وغرض القسم في السورة توكيد الخبر ؛ وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَرَبِّ الْعَصْرِ.
ورد في المراد بالعصر عدة أقوال :
الأول : المراد به الدهر : وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ،رواه عنه ابن جرير من طريق علي .
وقال به الفراء وابن قتيبة ومكي بن أبي طالب وأكثر المفسرين .
وتوجيه هذا القول أن تعريفه بِاللّامِ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ تَعْرِيفُ العَهْدِ الذِّهْنِيِّ، أيْ: كُلِّ عَصْرٍ. [ هذا تعريف الجنس]

كما يؤيد هذا القول ما ورد عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنّه " قرأ: والعصر ونوائب الدّهر إنّ الإنسان لفي خسرٍ)
وقال يحي الفراء :(ويقال للدهر: العصر. ويقال: أقمت عنده عَصْرًا، وعُصْرًا).
ولما في مروره من أصناف العجائب .
وسمي الدهر عصراً، بملحظ من استخلاصه عصارة الإنسان بالضغط والتجربة والمعاناة.
الثاني :أنه العشي :وهو قول قتادة والحسن ،فأما قول قتادة فنسبه إليه ابن أبي حاتم وغيره ؛ وأما قول الحسن فأخرجه عنه ابن عبد الرزاق من طريق معمر ؛ وقال بهذا القول قطرب أيضا .
توجيه هذا القول :
الأثر الوارد عن أبيّ بن كعبٍ قال : سألت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن العصر فقال: «أقسم ربّكم بآخر النهار )
وقول قَتادَةُ: العَصْرُ: العَشِيُّ، أقْسَمَ بِهِ كَما أقْسَمَ بِالضُّحى لِما فِيهِما مِن دَلائِلِ القُدْرَةِ.
وقال بعض العلماء: العصر: اليوم، والعصر: الليلة، ومنه قول حميدٍ:
ولن يلبث العصران: يومٌ وليلةٌ ....... إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
وقال قطرب :(وقالوا: العصر العشيّ. يقال: أتيتك عصراً أي عشيّاً.
وقال المارودي : خصه بالقسم لأن فيه خواتيم الأعمال .

الثالث : أنه صلاة العصر:نسبه ابن عطية وغيره لمقاتل ؛ورجحه الزمخشري .
وتوجيه هذا القول أن لفظة العصر أصبحت علما على صلاة العصر ،وهي صَلاةٌ مُعَظَّمَةٌ. وقِيلَ: هي المُرادُ بِالوُسْطى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ [البقرة: 238] . وجاءَ في الحَدِيثِ («مَن فاتَتْهُ صَلاةُ العَصْرِ فَكَأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ» ) ؛وتعريفه على هذا تعريف العهد .كما ذكر ابن عاشور
الرابع :أنه عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأمته : ذكره ابن عاشور وغيره .
وتوجيه هذا القول كما قال ابن عاشور :
أن التَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ العَهْدِ الحُضُورِيِّ مِثْلَ التَّعْرِيفِ في اليَوْمِ مِن قَوْلِكَ: فَعَلْتُ اليَوْمَ كَذا، فالقَسَمُ بِهِ كالقَسَمِ بِحَياتِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: (لَعَمْرُكَ) ؛ ولأنه يشبه عصر عمر الدنيا .
الخامس : أنه عصر الإسلام : ذكره ابن عاشور .
وتوجيهه كما قال :أن الإسلام خاتمة عصور الأديان ؛وقَدْ مَثَّلَ النَّبِيﷺ عَصْرَ الأُمَّةِ الإسْلامِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلى عَصْرِ اليَهُودِ وعَصْرِ النَّصارى بِما بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ واليَهُودِ والنَّصارى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَراءَ يَعْمَلُونَ لَهُ إلى اللَّيْلِ، فَعَمِلَتِ اليَهُودُ إلى نِصْفِ النَّهارِ ثُمَّ قالُوا: لا حاجَةَ لَنا إلى أجْرِكَ وما عَمِلْنا باطِلٌ، واسْتَأْجَرَ آخَرِينَ بَعْدَهم فَقالَ: أكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكم ولَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهم، فَعَمِلُوا حَتّى إذا كانَ حِينَ صَلاةِ العَصْرِ قالُوا: لَكَ ما عَمِلْنا باطِلٌ ولَكَ الأجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنا، واسْتَأْجَرَ قَوْمًا أنْ يَعْمَلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ فَعَمِلُوا حَتّى غابَتِ الشَّمْسُ واسْتَكْمَلُوا أجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِما، فَأنْتُمْ هم» . فَلَعَلَّ ذَلِكَ التَّمْثِيلَ النَّبَوِيَّ لَهُ اتِّصالٌ بِالرَّمْزِ إلى عَصْرِ الإسْلامِ في هَذِهِ الآيَةِ.
القول الراجح :
أن المعنى عام ،فكل مالزمه هذا الإسم فداخل فيما أقسم به جل جلاله ، ولا يوجد تخصيص معنى دون الآخر .
( إن الإنسان لفي خسر )
القراءات الواردة فيها :
-قرأها عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: والعَصْرِ ونَوائِبِ الدَّهْرِ إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ وإنَّهُ فِيهِ إلى آخِرِ الدَّهْرِ.
-وفي مصحف عبد الله ( لقد خلقنا الإنسان في خسر ) لكنها قراءات شاذة .
وقال الزجاج قوله تعالى ( إن الإنسان لفي خسر )هي جواب القسم .
والمراد بالخبر في قوله تعالى ( لفي خسر ) الحُصُولُ في المُسْتَقْبَلِ بِقَرِينَةِ مَقامِ الإنْذارِ والوَعِيدِ، أيْ: لَفي خُسْرٍ في الحَياةِ الأبَدِيَّةِ الآخِرَةِ، فَلا التِفاتَ إلى أحْوالِ النّاسِ في الحَياةِ الدُّنْيا، قالَ تَعالى: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ [آل عمران: 196] ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ﴾ [آل عمران: 197] .كما ذكر ابن عاشور .
وفائدة التنكير في قوله ( خسر ) إما يكون للتنويع ،أو يكون للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسم كما ذكر ابن عاشور .
وذكر ابن سلامة والسخاوي أن هذه الآية منسوخة.
وقيل في المراد بالإنسان هنا أربعة أقوال :
1-المراد به الناس كلهم ،فلإنسان هنا بمعنى الجمع لا بمعنى الواحد .رواه عبد الرزاق عن كعب القر ظي من طريق أبي رواد وذكره الطبري والزجاج وغيرهم .
2-المراد به الناس إلا النبيين . ذكره مكي بن أبي طالب
3- المراد به هنا الكفار والعاملين بغير طاعة الله . ذكره الزجاج
4- المراد به أبا جهل بن هشام . أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس .
والراجح أن المرادُ به العمومُ بدليلِ الاستثناءِ منه، وهو مِنْ جملةِ أدلة العمومِ. كما ذكر السمين الحلبي .
وحرف "في" يأخذ موضعه في هذا البيان المعجز، بما يفيد من معنى الظرفية، في الغمر والإحاطة والإغراق.
وَفي معنى الخُسْرِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: لَفي هَلاكٍ، قالَهُ الطبري وأبو عبيدة التيمي .
الثّانِي: لفي ضلال ،قاله مجاهد ورواه عنه الهمداني من طريق أبي نجيح ،ونسبه إليه العيني .
الثّالِثُ: لفي هلكة ،قاله الأخفش .
الرّابِعُ: لَفي عُقُوبَةٍ، قاله الفراء ،ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ عاقِبَةُ أمْرِها خُسْرًا﴾ .
والخسر والخسران بمعنى واحد ، فالخسر هلاك رأس المال ونقصانه .
والظَّرْفِيَّةُ في قَوْلِهِ: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ مَجازِيَّةٌ شَبَّهَتْ مُلازَمَةَ الخُسْرِ بِإحاطَةِ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ، فَكانَتْ أبْلَغَ مِن أنْ يُقالَ: إنَّ الإنْسانَ لَخاسِرٌ.
ومَجِيءُ هَذا الخَبَرِ عَلى العُمُومِ مَعَ تَأْكِيدِهِ بِالقَسَمِ وحَرْفِ التَّوْكِيدِ في جَوابِهِ، يُفِيدُ التَّهْوِيلَ والإنْذارَ بِالحالَةِ المُحِيطَةِ بِمُعْظَمِ النّاسِ.كما ذكر ابن عاشور .
( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
استثنى الله عزوجل من قوله (إن الإنسان لفي خسر ) إلا من ءامن بالله ورسوله فإنهم ليسوا في خسر ،واشترط عليهم شروطا فقال ( وعملوا الصالحات ) أي : عملوا بالطاعات واجتنبوا المحرمات ،والمراد بالتعريف في قَوْلِهِ (الصّالِحاتِ) تَعْرِيفُ الجِنْسِ مُرادٌ بِهِ الِاسْتِغْراقُ، وهذا يشمل القيام بجميع الطاعات وترك جميع السيئات .


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 رجب 1442هـ/14-02-2021م, 07:16 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء احمد مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمد المصطفى الهادي الأمين وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين .
أما بعد :
أتكلم في هذه السطور عن تفسير سورة العصر ، هذه السورة العظيمة التي لها معان جليلة وعبر كثيرة بالرغم من اختصارها ، والتي قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم ؛أي كفتهم موعظة .
فضل السورة :
أخرج الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: كانَ الرَّجُلانِ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إذا التَقَيا لَمْ يَتَفَرَّقا حَتّى يَقْرَأ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ سُورَةَ «والعَصْرِ» ثُمَّ يُسَلِّمُ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ.
مناسبتها لما قبلها :
قيل :أن فيها إشارَةٌ إلى حالِ مَن لَمْ يُلْهِهِ التَّكاثُرُ ولِذا وُضِعَتْ بَعْدَ سُورَتِهِ.
والسُّورَةُ مَكِّية في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ والجُمْهُورِ.
وقيل :بأنها مدنية في قَوْلِ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ ومُقاتِلٍ. لَمّا قالَ فِيما قَبْلَها: ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ [التكاثر: 1] والقول بأنها مكية هو الراجح والله أعلم .
العصر لغة : الضغط لاستخلاص العصارة. [ هذا أحد المعاني ] استعملته العربية حسياً في عصر العنب ونحوه لاعتصار خلاصته. ومنه المعصرة آلة العصر، والمعصرة مكانه. والعواصر ثلاثة أحجار كانوا يعصرون بها.
وسميت السحب الممطرة معصرات لما تعتصر من المطر، وأعصر القوم أمطروا.
ومعنى (الواو )في قوله تعالى ( والعصر ) للقسم ،قال محمد بنِ كعبٍ القُرَظِيِّ: {وَالْعَصْرِ} قالَ: قَسَمٌ أقْسَمَ به ربُّنا تَبَاركَ وتعالى).
وغرض القسم في السورة توكيد الخبر ؛ وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَرَبِّ الْعَصْرِ.
ورد في المراد بالعصر عدة أقوال :
الأول : المراد به الدهر : وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ،رواه عنه ابن جرير من طريق علي .
وقال به الفراء وابن قتيبة ومكي بن أبي طالب وأكثر المفسرين .
وتوجيه هذا القول أن تعريفه بِاللّامِ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ تَعْرِيفُ العَهْدِ الذِّهْنِيِّ، أيْ: كُلِّ عَصْرٍ.
كما يؤيد هذا القول ما ورد عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنّه " قرأ: والعصر ونوائب الدّهر إنّ الإنسان لفي خسرٍ)
وقال يحي الفراء :(ويقال للدهر: العصر. ويقال: أقمت عنده عَصْرًا، وعُصْرًا).
ولما في مروره من أصناف العجائب .
وسمي الدهر عصراً، بملحظ من استخلاصه عصارة الإنسان بالضغط والتجربة والمعاناة.
الثاني :أنه العشي :وهو قول قتادة والحسن ،فأما قول قتادة فنسبه إليه ابن أبي حاتم وغيره ؛ وأما قول الحسن فأخرجه عنه ابن عبد الرزاق من طريق معمر ؛ وقال بهذا القول قطرب أيضا .
توجيه هذا القول :
الأثر الوارد عن أبيّ بن كعبٍ قال : سألت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن العصر فقال: «أقسم ربّكم بآخر النهار )
وقول قَتادَةُ: العَصْرُ: العَشِيُّ، أقْسَمَ بِهِ كَما أقْسَمَ بِالضُّحى لِما فِيهِما مِن دَلائِلِ القُدْرَةِ.
وقال بعض العلماء [ من هم؟ ] : العصر: اليوم، والعصر: الليلة، ومنه قول حميدٍ:
ولن يلبث العصران: يومٌ وليلةٌ ....... إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
وقال قطرب :(وقالوا: العصر العشيّ. يقال: أتيتك عصراً أي عشيّاً.
وقال المارودي : خصه بالقسم لأن فيه خواتيم الأعمال .

الثالث : أنه صلاة العصر:نسبه ابن عطية وغيره لمقاتل ؛ورجحه الزمخشري .
وتوجيه هذا القول أن لفظة العصر أصبحت علما على صلاة العصر ،وهي صَلاةٌ مُعَظَّمَةٌ. وقِيلَ: هي المُرادُ بِالوُسْطى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ [البقرة: 238] . وجاءَ في الحَدِيثِ («مَن فاتَتْهُ صَلاةُ العَصْرِ فَكَأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ» ) ؛وتعريفه على هذا تعريف العهد .كما ذكر ابن عاشور
الرابع :أنه عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأمته : ذكره ابن عاشور وغيره .
وتوجيه هذا القول كما قال ابن عاشور :
أن التَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ العَهْدِ الحُضُورِيِّ مِثْلَ التَّعْرِيفِ في اليَوْمِ مِن قَوْلِكَ: فَعَلْتُ اليَوْمَ كَذا، فالقَسَمُ بِهِ كالقَسَمِ بِحَياتِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: (لَعَمْرُكَ) ؛ ولأنه يشبه عصر عمر الدنيا .
الخامس : أنه عصر الإسلام : ذكره ابن عاشور .
وتوجيهه كما قال :أن الإسلام خاتمة عصور الأديان ؛وقَدْ مَثَّلَ النَّبِيﷺ عَصْرَ الأُمَّةِ الإسْلامِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلى عَصْرِ اليَهُودِ وعَصْرِ النَّصارى بِما بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ واليَهُودِ والنَّصارى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَراءَ يَعْمَلُونَ لَهُ إلى اللَّيْلِ، فَعَمِلَتِ اليَهُودُ إلى نِصْفِ النَّهارِ ثُمَّ قالُوا: لا حاجَةَ لَنا إلى أجْرِكَ وما عَمِلْنا باطِلٌ، واسْتَأْجَرَ آخَرِينَ بَعْدَهم فَقالَ: أكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكم ولَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهم، فَعَمِلُوا حَتّى إذا كانَ حِينَ صَلاةِ العَصْرِ قالُوا: لَكَ ما عَمِلْنا باطِلٌ ولَكَ الأجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنا، واسْتَأْجَرَ قَوْمًا أنْ يَعْمَلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ فَعَمِلُوا حَتّى غابَتِ الشَّمْسُ واسْتَكْمَلُوا أجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِما، فَأنْتُمْ هم» . فَلَعَلَّ ذَلِكَ التَّمْثِيلَ النَّبَوِيَّ لَهُ اتِّصالٌ بِالرَّمْزِ إلى عَصْرِ الإسْلامِ في هَذِهِ الآيَةِ.
القول الراجح :
أن المعنى عام ،فكل مالزمه هذا الإسم فداخل فيما أقسم به جل جلاله ، ولا يوجد تخصيص معنى دون الآخر .
( إن الإنسان لفي خسر )
القراءات الواردة فيها :
-قرأها عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: والعَصْرِ ونَوائِبِ الدَّهْرِ إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ وإنَّهُ فِيهِ إلى آخِرِ الدَّهْرِ.
-وفي مصحف عبد الله ( لقد خلقنا الإنسان في خسر ) لكنها قراءات شاذة .
وقال الزجاج قوله تعالى ( إن الإنسان لفي خسر )هي جواب القسم .
والمراد بالخبر في قوله تعالى ( لفي خسر ) الحُصُولُ في المُسْتَقْبَلِ بِقَرِينَةِ مَقامِ الإنْذارِ والوَعِيدِ، أيْ: لَفي خُسْرٍ في الحَياةِ الأبَدِيَّةِ الآخِرَةِ، فَلا التِفاتَ إلى أحْوالِ النّاسِ في الحَياةِ الدُّنْيا، قالَ تَعالى: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ [آل عمران: 196] ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ﴾ [آل عمران: 197] .كما ذكر ابن عاشور .
وفائدة التنكير في قوله ( خسر ) إما يكون للتنويع ،أو يكون للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسم كما ذكر ابن عاشور .
وذكر ابن سلامة والسخاوي أن هذه الآية منسوخة.
وقيل في المراد بالإنسان هنا أربعة أقوال :
1-المراد به الناس كلهم ،فلإنسان هنا بمعنى الجمع لا بمعنى الواحد .رواه عبد الرزاق عن كعب القر ظي من طريق أبي رواد وذكره الطبري والزجاج وغيرهم .
2-المراد به الناس إلا النبيين . ذكره مكي بن أبي طالب
3- المراد به هنا الكفار والعاملين بغير طاعة الله . ذكره الزجاج
4- المراد به أبا جهل بن هشام . أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس .
والراجح أن المرادُ به العمومُ بدليلِ الاستثناءِ منه، وهو مِنْ جملةِ أدلة العمومِ. كما ذكر السمين الحلبي .
وحرف "في" يأخذ موضعه في هذا البيان المعجز، بما يفيد من معنى الظرفية، في الغمر والإحاطة والإغراق.
وَفي معنى الخُسْرِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: لَفي هَلاكٍ، قالَهُ الطبري وأبو عبيدة التيمي .
الثّانِي: لفي ضلال ،قاله مجاهد ورواه عنه الهمداني من طريق أبي نجيح ،ونسبه إليه العيني .
الثّالِثُ: لفي هلكة ،قاله الأخفش .
الرّابِعُ: لَفي عُقُوبَةٍ، قاله الفراء ،ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ عاقِبَةُ أمْرِها خُسْرًا﴾ .
والخسر والخسران بمعنى واحد ، فالخسر هلاك رأس المال ونقصانه .
والظَّرْفِيَّةُ في قَوْلِهِ: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ مَجازِيَّةٌ شَبَّهَتْ مُلازَمَةَ الخُسْرِ بِإحاطَةِ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ، فَكانَتْ أبْلَغَ مِن أنْ يُقالَ: إنَّ الإنْسانَ لَخاسِرٌ.
ومَجِيءُ هَذا الخَبَرِ عَلى العُمُومِ مَعَ تَأْكِيدِهِ بِالقَسَمِ وحَرْفِ التَّوْكِيدِ في جَوابِهِ، يُفِيدُ التَّهْوِيلَ والإنْذارَ بِالحالَةِ المُحِيطَةِ بِمُعْظَمِ النّاسِ.كما ذكر ابن عاشور .
( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
استثنى الله عزوجل من قوله (إن الإنسان لفي خسر ) إلا من ءامن بالله ورسوله فإنهم ليسوا في خسر ،واشترط عليهم شروطا فقال ( وعملوا الصالحات ) أي : عملوا بالطاعات واجتنبوا المحرمات ،والمراد بالتعريف في قَوْلِهِ (الصّالِحاتِ) تَعْرِيفُ الجِنْسِ مُرادٌ بِهِ الِاسْتِغْراقُ، وهذا يشمل القيام بجميع الطاعات وترك جميع السيئات .
يتبع ..

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir