دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شوال 1435هـ/3-08-2014م, 03:11 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي صفحة الطالبة : هيا أبوداهوم للقراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله نبدأ ...

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 شوال 1435هـ/20-08-2014م, 08:44 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير رحمه الله:
1)الحث على قراءة القرآن وتدبره وفهمه وتفسيره وحفظه وتعاهده ، فيها أمور:
.ذكر فضائل القرآن
.استذكار القرآن وتعاهده
.مسألة تحزيب القرآن
. التغني بالقرآن
2)بيان أصح طرق التفسير التي نهج عليها وهي بالترتيب:
1)تفسير القرآن بالقرآن .
2) ثم يفسر القرآن بالسنة.
3) ثم يفسر القرآن بأقوال الصحابة.
4) ثم بأقوال التابعين.

3)الموقف مع الاسرائليات في تفسير الآيات ،فقال ابن كثير رحمه الله :
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد فإنها على ثلاثة أقسام

أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .

والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه

والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم ، وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز.
4)حرمة التفسير بالرأي .
5)بيان أمور تتعلق بالمصحف :
- توضيح طرق ومراحل جمع القرآن وكتابته في زمن الصحابة ثم تدوين السنة ،ليصل للناس الفهم الصحيح للقرآن وما تم ذلك على مراحل، وجمع كلمة المسلمين على قرءاة واحدة في مصحف عثمان رضي الله عنه.
- يبان الأحرف السبعة التي نزلت عليها القرآن ورخصة القرءاة بأحدها.
- بيان مسألة جواز تنقيط المصحف وتشكيله وتقسيمه.
- بيان أن القرآن الموجود بين أيدينا إنما هو على العرضة الأخيرة .
- بيان معنى بعض الكلمات التي يتألف منها المصحف ( السورة ) ،( الآية )، ( الكلمة ).

6)بيان مسائل فيما يتعلق بتلاوة القرآن وآداب تلاوته:
- ترتيل القرآن
- المد في القراءة والترجيع .
- الصوت الحسن في القراءة
- في كم يقرأ القرآن والبكاء .
- المراءاة بالقرآن وعدم العمل به .
- تنبيه عن السور المكية والمدنية من القرآن.
- بيان مسألة الإئتلاف والإفتراق على القرآن.
-بيان مسألة قراءة القرآن عن ظهر غيب .
- بيان مسألة القراءة على الدابة وتعليم الصبيان
_ تضعيف دعاء مأثور لحفظ القرآن وعدم نسيانه
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 ذو القعدة 1435هـ/1-09-2014م, 09:35 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تلخيص مقاصد المرشد الوجيز لأبي شامة
المقصد العام :
بيان ما كان الأمر عليه في قراءة القرآن وكتابته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وإفادة أهل القرآن بالمعلومات الوافية عن القراءات والصواب والشاذ منها ، والحث على تعلم القرآن وفهمه والعمل به .
المقاصد الفرعية :
- بيان كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان.
- بيان مراحل جمع القرآن الكريم .
-بيان السبعة أحرف التي أنزل عليها القرآن .
- بيان الأمر في القراءات المشهورة .
- الضابط في معرفة القراءات الصحيحة والشاذة .
- الحث على تعلم علوم القرآن وفهمه والعمل به وذم الإنشغال عنه بالتعمق في إقامة حروفه ، وتحقيق مخارج الحروف وتمطيطها والتكلف فيها .
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1435هـ/11-10-2014م, 05:35 PM
محمود بن عبد العزيز محمود بن عبد العزيز غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: مصر، خلَّصها الله من كل ظلوم
المشاركات: 802
Arrow

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا أبوداهوم مشاهدة المشاركة
تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير رحمه الله:
1)الحث على قراءة القرآن وتدبره وفهمه وتفسيره وحفظه وتعاهده ، فيها أمور:
.ذكر فضائل القرآن
.استذكار القرآن وتعاهده
.مسألة تحزيب القرآن
. التغني بالقرآن
2)بيان أصح طرق التفسير التي نهج عليها وهي بالترتيب:
1)تفسير القرآن بالقرآن .
2) ثم يفسر القرآن بالسنة.
3) ثم يفسر القرآن بأقوال الصحابة.
4) ثم بأقوال التابعين.

3)الموقف مع الاسرائليات في تفسير الآيات ،فقال ابن كثير رحمه الله :
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد فإنها على ثلاثة أقسام

أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .

والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه

والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم ، وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز.
4)حرمة التفسير بالرأي .
5)بيان أمور تتعلق بالمصحف :
- توضيح طرق ومراحل جمع القرآن وكتابته في زمن الصحابة ثم تدوين السنة ،ليصل للناس الفهم الصحيح للقرآن وما تم ذلك على مراحل، وجمع كلمة المسلمين على قرءاة واحدة في مصحف عثمان رضي الله عنه.
- يبان الأحرف السبعة التي نزلت عليها القرآن ورخصة القرءاة بأحدها.
- بيان مسألة جواز تنقيط المصحف وتشكيله وتقسيمه.
- بيان أن القرآن الموجود بين أيدينا إنما هو على العرضة الأخيرة .
- بيان معنى بعض الكلمات التي يتألف منها المصحف ( السورة ) ،( الآية )، ( الكلمة ).

6)بيان مسائل فيما يتعلق بتلاوة القرآن وآداب تلاوته:
- ترتيل القرآن
- المد في القراءة والترجيع .
- الصوت الحسن في القراءة
- في كم يقرأ القرآن والبكاء .
- المراءاة بالقرآن وعدم العمل به .
- تنبيه عن السور المكية والمدنية من القرآن.
- بيان مسألة الإئتلاف والإفتراق على القرآن.
-بيان مسألة قراءة القرآن عن ظهر غيب .
- بيان مسألة القراءة على الدابة وتعليم الصبيان
_ تضعيف دعاء مأثور لحفظ القرآن وعدم نسيانه
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد ..
فيبدو أن التلخيص المطلوب للمقاصد لم تختمر صورته الكاملة لديكِ، ويمكن إجمال الطريقة المطلوبة فيما يلي:
1. قام الشيخ عبد العزيز حفظه الله باستنباط عناوين المقاصد التي أسس عليها ابنُ كثير «مقدمتَه»، وجمعها في صفحة تنظيم قراءة مقدمة ابن كثير، ووضع تحت كل مقصد منها روابط لأبواب ومواضيع من «المقدمة»، هي مظنة هذه المقاصد.
2. وعلى الطالب الملخِّص أن يدخل كل رابط من هذه الروابط (الزرقاء)، فيقرأ كلام ابن كثير قراءة واعية متأنية تساعده على اختصار هذا الكلام المسترسل على صورة مسائل.
3. فإذا انتهى الطالب من استخلاص المسائل من كلام ابن كثير، جعل لكل مسألة عنوانًا يدل عليها، حتى إذا فرغ من عنونة كل المسائل وذكر دليلها وما قاله ابن كثير فيها مختصرًا، قام بوضع كل مسألة تحت المقصد المتعلق بها.
4. فإذا تم ذلك، قام الطالب بترتيب المسائل داخل المقصد الواحد ترتيبًا موضوعيًّا منطقيًّا متسلسلًا، فمثلًا: المقصد الثاني «فضائل القرآن»، يذكر فيه الطالب كل مسألة لها تعلق بفضيلة من فضائل القرآن، ثم يقوم بترتيب المسائل داخله ترتيبًا موضوعيًّا بحيث إذا قرأه قارئ تحصل له الصورة الكاملة حول كلام ابن كثير عن فضائل القرآن في «مقدمته».
* وهذا أنموذج عملي لتلخيص المقصد الأول من مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير: (مـن هـنـا)
وإذا كان ذلك كذلك، فالمطلوب منكِ تلخيص المقصد الثالث «جمع القرآن وكتابة المصاحف» فقط، أو الرابع: «نزول القرآن على سبعة أحرف»، أو الخامس «آداب تلاوة القرآن وأحكامها»، وأسهلهم الرابع، وفق ما أسلفنا في الخطوات السابقة.
يجدر التنبيه على أن درجات التلخيص يتم احتسابها وفق معايير خمسة، يمكنك الاطلاع على تفصيلها (مـن هـنـا)، على أن يكون توزيع الدرجات كما يلي: الشمول (30)، والترتيب (20)، والتحرير (20)، وحسن الصياغة (15)، وحسن العرض (15).
* ملحوظة: ليتك تستخدمين ألوانًا واضحة ، تريح العين في قراءتها.
وفقكِ الله لما فيه الخير والصلاح

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 صفر 1436هـ/2-12-2014م, 12:57 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

إعادة كتابة التلخيص :
المقصد الثالث :جمع القرآن وكتابة المصاحف:

معارضة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل بالقرآن :
المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة:
- والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة: مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى.
معارضة جبريل عليه السلام كل سنة :
- قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة ،وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
- وثم قال: حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم -أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، وهذا الحديث متفق عليه .
- قال: حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم -القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
سبب عرضه في السنة الأخيرة على جبريل عليه السلام مرتين ،ومعارضة جبريل له :
- قال ابن كثير : ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا.
الذي فهمه النبي صلى الله عليه وسلم من معارضة جبريل عليه السلام له :
- قال ابن كثير : (فهم عليه الصلاة والسلام اقتراب أجله ، من خلال معارضة جبريل عليه السلام له مرتين) .
- وقال ابن كثير : (فإنه عارضه به عامئذ مرتين؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته لما مرض : ((وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجل)).أخرجاه في الصحيحين.
الصحابي الذي عني بجمع المصحف على العرضة الأخيرة :
-عني عثمان رضي الله عنه على جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة .
سبب تخصيص شهر رمضان لتجميع المصحف دون غيره من الشهور، وما يؤخذ من هذا الفعل :
- قال ابن كثير : (وخص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه).
- وقال ابن كثير أيضا : ( لذلك يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه) .
- وقال أيضا ابن كثير : ( كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن في هذا الشهر ).
القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
الصحابة الذين وصى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القراءة منهم :
- حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لاأزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : )) خذواالقرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بنكعب))، رضي الله عنهم.
وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة به. وأخرجاه والترمذي والنسائي -أيضا- من حديث الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق به.

بيان أخذه من المهاجرين ومن الأنصار :
- قال ابن كثير : فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة،واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب.

بيان منزلة بعض القراء :
- قال ابن كثير : (وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين ،وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة) .
- وقال ابن كثير أيضا : (واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران).

بيان فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ،وتميزه عن بقية القراء :
1) مدح النبي صلى الله عليه وسلم له :
- قال ابن كثير : (ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقرئواالقرآن من أربعة ))، فبدأ به.
- قال أبو عبيد: حدثنا مصعب بنالمقدام عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش بهم طولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية به وصححه الدارقطني.
- وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمعبد ))وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.


2) تزكيته لنفسه :
- قال: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبناعبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله -صلى الله عليهوسلم -بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله ،وما أنا بخيرهم.قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع مايقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك.
- حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان،عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقالرجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت )) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.
- حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثناالأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لاإله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية منكتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.

مسألة في حكم تزكية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لنفسه :
قال ابن كثير : (وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبارالرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخباراعن يوسف لما قال لصاحب مصر : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم }.[يوسف55]

الصحابة الذين عنوا بجمع المصحف ،في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
- قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام
.
ثم قال البخاري: تابعه الفضل، عن حسين بن واقد، عن ثمامة، عن أنس بن مالك.
- حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي -صلى الله عليه وسلم-ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبوالدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحنورثناه.
مسألة عدم حصر الذين جمعوا القرآن الكريم ،في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على أربع :
- قال ابن كثير : (فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنهجمعه غير واحد من المهاجرين أيضا).
- وقال ابن كثير أيضا: (ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء،ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غيرمعروف إلا في هذا الحديث).
- الأدلة التي قدمها ابن كثير ليثبت عدم حصر من جمع القرآن على أربع :
1) قال ابن كثير : (والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال:(( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ))،فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما ).

2)ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة).
3)علي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل.
4)ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه.
5) ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوماليمامة شهيدا.
6) ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها.
7) ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد اللهبن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة،فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.
مسألة : من هو أبو زيد المقصود في الحديث :
- قال ابن كثير : (وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف فياسمه).
- قال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
- وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس.
- قال ابن كثير : (وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد).
- الأرجح : قال ابن كثير : وقول الواقدي أصح لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي.
الأدلة على صحة قول الواقدي : قال ابن كثير : ( وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتزلموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت
.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب،ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي،وقد شهد أبو زيد هذا بدرا).
- وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة.
زعم أن عليًا أراد جمع المصحف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا والرد على ذلك:
- قال ابن كثير : (وقد روي أن عليا -رضي الله عنه- أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتبا بحسب نزوله أولا فأولا)
- وقال ابن كثير : ( كما رواه ابن أبي داود حيث قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي ألا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل، إليه أبو بكر، رضي الله عنه، بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة. فبايعه ثم رجع. هكذا رواه وفيه انقطاع، ثم قال: لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن: قد جمع القرآن.
- وقال ابن كثير أيضا معلقا : (قلت: وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: إنها بخط علي، رضي الله عنه، وفي ذلك نظر، فإنه في بعضها: كتبه علي بن أبي طالب، وهذا لحن من الكلام).
- ثم قال ابن كثير : (وعلي -رضي الله عنه-من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذه الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علما مستقلا) .


كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم :
- قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عنسعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبيأقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليهوسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ منآية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ]البقرة 106].
- قال ابن كثير : (وهذا يدل على أن الرجل الكبير قديقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلايؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه ) .


جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن:

من أكبر مناقب عثمان رضي الله عنه :
- قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري }:من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.

وهذا -أيضا- من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

الفرق بين جمع الشيخين وجمع عثمان رضي الله عنه :
- قال ابن كثير : ) فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة).

سبب جمع القرآن الكريم ،في عهد عثمان رضي الله عنه :
- قال ابن كثير : (وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه فإنه لما كان غازيا في فتح أرمينية وأذربيجان، وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى، ورأى منهم اختلافا كثيرا وافتراقا، فلما رجع إلى عثمان أعلمه وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ).
- وقال ابن كثير أيضا : (فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان ليكتب ذلك في مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق، ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة وأمر عثمان هؤلاء الأربعة ) .

كيف كان اختلاف اليهود والنصارى على الكتاب؟ :
- قال ابن كثير : (وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضا، وليس في توراة السامرة حرف الهمزة ولا حرف الياء، والنصارى -أيضا- بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة، وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهي مختلفة -أيضا- اختلافا كثيرا).
- وقال ابن كثير أيضا : (وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط، ومنها ما هو أكبر من ذلك إما بالنصف أو بالضعف، ومضمونها سيرة عيسى وأيامه وأحكامه وكلامه وفيه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهي مع هذا مختلفة، كما قلنا، وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة( .

الأربعة الذين أمرهم عثمان لجمع المصحف :
- قال ابن كثير : (وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصاري، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، وكان كريما جوادا ممدحا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ).

طريقة عثمان في جمع وترتيب المصحف :
- قال ابن كثير : (فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم(.
- وقال ابن كثير : (وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين) .
- وقال ابن كثير أيضا : (ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.

ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه ).
- وقال ابن كثير أيضا : (ثم إن عثمان رد الصحف إلى حفصة، فلم يزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا ، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله. وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب) .
- وقال ابن كثير أيضا : (وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق).
- قال أبو بكر : حدثنا عمي، حدثنا أبو رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: يا أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد. فكتب زيد مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون قد أحسن. إسناد صحيح.
- قال ابن كثير : (قال أيضا- أبو بكر - : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أبو بكر، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.

قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها).

موقف عثمان ومن بعده مروان بن الحكم من الربعة :
-قال ابن كثير : (قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة -رضي الله عنها-فلما جمعها عثمان -رضي الله عنه-في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان ).
- روى أبو بكر بن أبي داود:

حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.

موقف الصحابة ومن نشأ في عصرهم من التابعين ،من طريقة عثمان في جمع المصحف :
- قال ابن كثير : (ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنما روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف، وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق ،حتى قال علي بن أبي طالب( رضي الله عنه: (لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا) .
- وقال ابن كثير : (فاتفق الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي((.
- وقال ابن كثير أيضا : (وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم، وإنما نقم عليه ذلك أولئك الرهط الذين تمالؤوا عليه وقتلوه، قاتلهم الله، وفي ذلك جملة ما أنكروا مما لا أصل له، وأما سادات المسلمين من الصحابة، ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين، فكلهم وافقوه(.
- قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، قال علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته.
- وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك،أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
- وحدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثني عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشعر.
- وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.

استياء عبد الله بن مسعود من جمع عثمان للمصحف :
- قال ابن كثير : (وأما عبد الله بن مسعود فقد قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ).
- قال ابن كثير : (وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء.(
- وقال ابن كثير : (ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم( .
- وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]،غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم -بضعا وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
مسألة أمر ابن مسعود بغل المصاحف وكتمانها :
- قال ابن كثير : ( وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد) .
- قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء(.
تراجع عبد الله بن مسعود عن موقفه ورضاه بجمع عثمان للمصحف :
- قال ابن كثير : (وقال أبو بكر بن أبي داود:

باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:
حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف-أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل-أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم ( .
أماكن تواجد أشهر المصاجف العثمانية الأئمة :
- قال ابن كثير : (أما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله).
- وقال ابن كثير أيضا : (وقد كانت قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيمًا.(

هل كتب عثمان -رضي الله عنه – هذه المصاحف بخط يده ؟ ولماذا نسبت إليه المصحف؟
- قال ابن كثير : (فأما عثمان- رضي الله عنه- فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه، ربما وغيره، فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق، رضي الله عنه).
- وقد قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا قريش بن أنس، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد، قال:لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على }:فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم {البقرة:137 ] ،فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل.
- قال ابن كثير : (وقال أيضا-أبو بكر بن أبي داود -: حدثنا أبو طاهر، حدثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان، فقال لي: ذهب. يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم( .
حال الكتابة عند العرب :
- قال ابن كثير : (قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره: أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب).
- وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها: بقة، ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس.
- قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، إن شاء الله حدثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.
- قال ابن كثير : (قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوفة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير، وصار له في ذلك منهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه. وطريقته في ذلك واضحة جيدة. والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا) .
- وقال ابن كثير متعجبا : (ثم قال البخاري: ذكر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم،وأورد فيه من حديث الزهري، عن ابن السباق، عن زيد ابن ثابت، أن أبا بكر الصديق قال له: وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر نحو ما تقدم في جمعه للقرآن وقد تقدم، وأورد حديث زيد بن ثابت في نزول: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95] وسيأتي الكلام عليه في سورة النساء إن شاء الله تعالى، ولم يذكر البخاري أحدا من الكتاب في هذا الباب سوى زيد بن ثابت، وهذا عجب، وكأنه لم يقع له حديث يورده سوى هذا، والله أعلم).



تأليف القرآن وترتيبه :
المراد بتأليف القرآن :
- قال ابن كثير : (والمراد من التأليف هاهنا ترتيب سوره .


مسألة السؤال المذموم :
- قال ابن كثير : (وهذا العراقي سأل أولا عن أي الكفن خير، أي: أفضل، فأخبرته عائشة-رضي الله عنها- أن هذا لا ينبغي أن يعتني بالسؤال عنه ولا القصد له ولا الاستعداد، فإن في هذا تكلفا لا طائل تحته، وكانوا في ذلك الزمان يصفون أهل العراق بالتعنت في الأسئلة .
- كما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال عبد الله بن عمر: انظروا أهل العراق، يسألون عن دم البعوضة، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم!


سبب عدم مبالغة عائشة في الرد على سؤال العراقي :
- قال ابن كثير : (ولهذا لم تبالغ معه عائشة- رضي الله عنها-في الكلام لئلا يظن أن ذلك أمر مهم) .


الواردعن أوصاف الكفن المحمودة :
- روى أحمد وأهل السنن من حديث سمرة وابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطهر وأطيب ((وصححه الترمذي من الوجهين.
- وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز.


مسألة حكم ترتيب الآيات
- قال ابن كثير : (ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
- قال ابن كثير : (ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه ) .
- وقال ابن كثير : (ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا. وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان (رضي الله عنه) ) .
- قال ابن كثير معلقًا على قول عائشة : (فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم ) .

- قال ابن كثير : (وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.

الرد على من زعم في شأن آية الأحزاب وإلحاقها بسورتها، وأن ذلك كان بعد جمع عثمان :
- قال ابن كثير :(وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: "فألحقناها في سورتها من المصحف" وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية).


حكم قراءة السورة منكوسة :
- قال أبو الحسن بن البطال: وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.



حكم ترتيب السور :
- وقال ابن كثير أيضًا : (والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و {هل أتاك حديث الغاشية }، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و {اقتربت الساعة }، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة (رضي الله عنه)؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان }.).
- وقال ابن كثير أيضا : (وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف).
- حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب } : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر { [القمر: 46 ] ،وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.

وهكذا رواه النسائي من حديث ابن جريج به.
- قال ابن كثير معلقًا على سؤال العراقي ورد عائشة : (ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.

- وقال ابن كثير أيضا معلقا على قول عائشة : (ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد )

- وقال ابن كثير أيضا : (ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده).

- وقال ابن كثير أيضا : (وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه - عليه السلام- قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران).

- قال ابن كثير : (وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله(.
- ولهذا حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: { اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.
- قال أبو الحسن بن بطال: إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

- قال البخاري: حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي. انفرد البخاري بإخراجه والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: "من العتاق الأول" أي: من قديم ما نزل، وقوله: "وهن من تلادى" أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف حديثه وجديده، والله أعلم.
- وحدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق: سمع البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى }قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا متفق عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة، والمراد منه أن }سبح اسم ربك الأعلى} سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.
- وقال ابن كثير : (ثم قال: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.

وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان-رضي الله عنه- من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه).

تحزيب القرآن :
- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.

ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن.


نقط المصحف وشكله وتقسيمه :
أول من أمر بنقط المصحف وشكله :
- فيقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك.

- ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي .
- وقال ابن كثير : ) وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم).

كتابة الأعشار على الحواشي :
- قال ابن كثير :(وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا).

- وقيل: بل أول من فعله المأمون.
- وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
- وقال يحيى بن أبي كثير: </span>أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.

موقف ابن مسعود ومجاهد من التعشير :
- وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
- ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه


الحبر والألوان المصبغة في المصحف :
- قال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا.

تعداد آي السور في أولها :
- وقال ابن مالك أيضا : (وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسًا).



حكم تنقيط المصحف وشكله وتقسيمه :
- قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.
- قال ابن كثير : ) نص الإمام مالك-رحمه الله- على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام، ورخص في ذلك غيره، واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع، فأما كتابة السور وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير في مصاحف زماننا، والأولى اتباع السلف الصالح) .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 صفر 1436هـ/2-12-2014م, 08:07 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تعديل للمشاركة السابقة لانتهاء وقت التعديل :
إعادة كتابة التلخيص :
المقصد الثالث :جمع القرآن وكتابة المصاحف:

معارضة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل بالقرآن :
المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة:
- والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة: مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى.
معارضة جبريل عليه السلام كل سنة :
- قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة ،وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
- وثم قال: حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم -أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، وهذا الحديث متفق عليه .
- قال: حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم -القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا ،فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
سبب عرضه في السنة الأخيرة على جبريل عليه السلام مرتين ،ومعارضة جبريل له :
- قال ابن كثير : ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا.
الذي فهمه النبي صلى الله عليه وسلم من معارضة جبريل عليه السلام له :
- قال ابن كثير : (فهم عليه الصلاة والسلام اقتراب أجله ، من خلال معارضة جبريل عليه السلام له مرتين) .
- وقال ابن كثير : (فإنه عارضه به عامئذ مرتين؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته لما مرض :((وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجل)).أخرجاه في الصحيحين.
الصحابي الذي عني بجمع المصحف على العرضة الأخيرة :
-عني عثمان رضي الله عنه على جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة .
سبب تخصيص شهر رمضان لتجميع المصحف دون غيره من الشهور، وما يؤخذ من هذا الفعل :
- قال ابن كثير : (وخص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه).
- وقال ابن كثير أيضا : ( لذلك يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه) .
- وقال أيضا ابن كثير : ( كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن في هذا الشهر ).
القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
الصحابة الذين وصى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القراءة منهم :
- حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة به. وأخرجاه والترمذي والنسائي -أيضا- من حديث الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق به.


بيان أخذه من المهاجرين ومن الأنصار :
- قال ابن كثير : فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة،واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب.

بيان منزلة بعض القراء :
- قال ابن كثير : (وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين ،وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة) .
- وقال ابن كثير أيضا : (واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران).


بيان فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ،وتميزه عن بقية القراء :
1) مدح النبي صلى الله عليه وسلم له :
- قال ابن كثير : (ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقرئوا القرآن من أربعة ))، فبدأ به.
- قال أبو عبيد: حدثنا مصعب بنالمقدام عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش بهم طولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية به وصححه الدارقطني.
- وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمعبد ))وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
2) تزكيته لنفسه :
- قال: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبناعبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله -صلى الله عليهوسلم -بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله ،وما أنا بخيرهم.قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع مايقولون، فما سمعت رادًا يقول غير ذلك.
- حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان،عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت )) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.
- حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثناالأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لاإله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية منكتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
مسألة في حكم تزكية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لنفسه :
قال ابن كثير : (وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبارالرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخباراعن يوسف لما قال لصاحب مصر : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم }.[يوسف55]


الصحابة الذين عنوا بجمع المصحف ،في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
- قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام
.
ثم قال البخاري: تابعه الفضل، عن حسين بن واقد، عن ثمامة، عن أنس بن مالك.
- حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي -صلى الله عليه وسلم-ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبوالدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
مسألة عدم حصر الذين جمعوا القرآن الكريم ،في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على أربع :
- قال ابن كثير : (فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا).
- وقال ابن كثير أيضا: (ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء،ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غيرمعروف إلا في هذا الحديث).
- الأدلة التي قدمها ابن كثير ليثبت عدم حصر من جمع القرآن على أربع :
1) قال ابن كثير : (والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال:(( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ))،فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما ).

2)ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة).
3)علي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل.
4)ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه.
5) ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا.
6) ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها.
7) ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة،فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.
مسألة : من هو أبو زيد المقصود في الحديث :
- قال ابن كثير : (وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه).
- قال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
- وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس.
- قال ابن كثير : (وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد).
- الأرجح : قال ابن كثير : وقول الواقدي أصح لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي.
الأدلة على صحة قول الواقدي : قال ابن كثير : ( وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت
.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب،ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي،وقد شهد أبو زيد هذا بدرا).
- وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة.
زعم أن عليًا أراد جمع المصحف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا والرد على ذلك:
- قال ابن كثير : (وقد روي أن عليا -رضي الله عنه- أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتبا بحسب نزوله أولا فأولا)
- وقال ابن كثير : ( كما رواه ابن أبي داود حيث قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي ألا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل، إليه أبو بكر، رضي الله عنه، بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة. فبايعه ثم رجع. هكذا رواه وفيه انقطاع، ثم قال: لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن: قد جمع القرآن.
- وقال ابن كثير أيضا معلقا : (قلت: وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: إنها بخط علي، رضي الله عنه، وفي ذلك نظر، فإنه في بعضها: كتبه علي بن أبي طالب، وهذا لحن من الكلام).
- ثم قال ابن كثير : (وعلي -رضي الله عنه-من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذه الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علما مستقلا) .



كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم :
- قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } [البقرة 106].
- قال ابن كثير : (وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلايؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه ) .


جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن:

من أكبر مناقب عثمان رضي الله عنه :
- قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري :{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }[الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.

وهذا -أيضا- من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

الفرق بين جمع الشيخين وجمع عثمان رضي الله عنه :
- قال ابن كثير : (فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة).

سبب جمع القرآن الكريم ،في عهد عثمان رضي الله عنه :
- قال ابن كثير : (وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه فإنه لما كان غازيا في فتح أرمينية وأذربيجان، وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى، ورأى منهم اختلافا كثيرا وافتراقا، فلما رجع إلى عثمان أعلمه وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ).
- وقال ابن كثير أيضا : (فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان، ليكتب ذلك في مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق، ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة وأمر عثمان هؤلاء الأربعة ) .
كيف كان اختلاف اليهود والنصارى على الكتاب؟ :
- قال ابن كثير : (وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضا، وليس في توراة السامرة حرف الهمزة ولا حرف الياء، والنصارى -أيضا- بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة، وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهي مختلفة -أيضا- اختلافا كثيرا).
- وقال ابن كثير أيضا : (وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط، ومنها ما هو أكبر من ذلك إما بالنصف أو بالضعف، ومضمونها سيرة عيسى وأيامه وأحكامه وكلامه ،وفيه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهي مع هذا مختلفة، كما قلنا، وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة).



الأربعة الذين أمرهم عثمان لجمع المصحف :
- قال ابن كثير : (وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصاري، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، وكان كريما جوادا ممتدحًا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ).


طريقة عثمان في جمع وترتيب المصحف :
- قال ابن كثير : (فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخًا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم ).

- وقال ابن كثير : (وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين) .
- وقال ابن كثير أيضا : (ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.

ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي ،متلقى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ).
- وقال ابن كثير أيضا : (ثم إن عثمان رد الصحف إلى حفصة، فلم يزل عندها ،حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها ،فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا ، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله. وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب) .
- وقال ابن كثير أيضا : (وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق).
- قال أبو بكر : حدثنا عمي، حدثنا أبو رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: يا أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد. فكتب زيد مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقولون قد أحسن. إسناد صحيح.
- قال ابن كثير : (قال أيضا- أبو بكر - : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أبو بكر، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.

قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها).


موقف عثمان ومن بعده مروان بن الحكم من الربعة :
-قال ابن كثير : (قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة -رضي الله عنها-فلما جمعها عثمان -رضي الله عنه-في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان ).
- روى أبو بكر بن أبي داود:

حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا ؛لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.


موقف الصحابة ومن نشأ في عصرهم من التابعين ،من طريقة عثمان في جمع المصحف :
- قال ابن كثير : (ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنما روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف، وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق ،حتى قال علي بن أبي طالب( رضي الله عنه) : (لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا) .
- وقال ابن كثير : (فاتفق الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي )).

- وقال ابن كثير أيضا : (وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم، وإنما نقم عليه ذلك أولئك الرهط الذين تمالؤوا عليه وقتلوه، قاتلهم الله، وفي ذلك جملة ما أنكروا مما لا أصل له، وأما سادات المسلمين من الصحابة، ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين، فكلهم وافقوه ).
- قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، قال علي حين حرق عثمان المصاحف:لو لم يصنعه هو لصنعته.
- وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال:أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك،أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
- وحدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثني عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشعر.
- وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.
استياء عبد الله بن مسعود من جمع عثمان للمصحف :
- قال ابن كثير : (وأما عبد الله بن مسعود فقد قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ).
- قال ابن كثير : (وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء ).

- وقال ابن كثير : (ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
- وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]،غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم -بضعا وسبعين سورة؟!، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
مسألة أمر ابن مسعود بغل المصاحف وكتمانها :
- قال ابن كثير : ( وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد) .
- قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء(.
تراجع عبد الله بن مسعود عن موقفه ورضاه بجمع عثمان للمصحف :
- قال ابن كثير : (وقال أبو بكر بن أبي داود:

باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:
حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف-أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل-أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم).


أماكن تواجد أشهر المصاجف العثمانية الأئمة :
- قال ابن كثير : (أما المصاحف العثمانية الأئمة، فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق ،عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله).
- وقال ابن كثير أيضا : (وقد كانت قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيمًا).


هل كتب عثمان -رضي الله عنه – هذه المصاحف بخط يده ؟ ولماذا نسبت إليه المصحف؟
- قال ابن كثير : (فأما عثمان- رضي الله عنه- فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه، ربما وغيره، فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق، رضي الله عنه).
- وقد قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا قريش بن أنس، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد، قال:لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على :{فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم }[البقرة:137 ] ،فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل.
- قال ابن كثير : (وقال أيضا-أبو بكر بن أبي داود -: حدثنا أبو طاهر، حدثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان، فقال لي: ذهب. يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم).
حال الكتابة عند العرب :
- قال ابن كثير : (قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره: أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب).
- وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها: بقة، ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس.
- قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، إن شاء الله حدثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.
- قال ابن كثير : (قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوفة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير، وصار له في ذلك منهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه. وطريقته في ذلك واضحة جيدة. والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا) .
- وقال ابن كثير متعجبا : (ثم قال البخاري: ذكر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم،وأورد فيه من حديث الزهري، عن ابن السباق، عن زيد ابن ثابت، أن أبا بكر الصديق قال له: وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر نحو ما تقدم في جمعه للقرآن وقد تقدم، وأورد حديث زيد بن ثابت في نزول: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95] وسيأتي الكلام عليه في سورة النساء إن شاء الله تعالى، ولم يذكر البخاري أحدا من الكتاب في هذا الباب سوى زيد بن ثابت، وهذا عجب، وكأنه لم يقع له حديث يورده سوى هذا، والله أعلم).



تأليف القرآن وترتيبه :

المراد بتأليف القرآن :
- قال ابن كثير : (والمراد من التأليف هاهنا ترتيب سوره .

مسألة السؤال المذموم :
- قال ابن كثير : (وهذا العراقي سأل أولا عن أي الكفن خير، أي: أفضل، فأخبرته عائشة-رضي الله عنها- أن هذا لا ينبغي أن يعتني بالسؤال عنه ولا القصد له ولا الاستعداد، فإن في هذا تكلفا لا طائل تحته، وكانوا في ذلك الزمان يصفون أهل العراق بالتعنت في الأسئلة .
- كما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال عبد الله بن عمر: انظروا أهل العراق، يسألون عن دم البعوضة، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم !

سبب عدم مبالغة عائشة في الرد على سؤال العراقي :
- قال ابن كثير : (ولهذا لم تبالغ معه عائشة- رضي الله عنها-في الكلام لئلا يظن أن ذلك أمر مهم) .


الواردعن أوصاف الكفن المحمودة :
- روى أحمد وأهل السنن من حديث سمرة وابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطهر وأطيب ))وصححه الترمذي من الوجهين.
- وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز.


مسألة حكم ترتيب الآيات
- قال ابن كثير : (ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
- قال ابن كثير : (ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي ،متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه ) .
- وقال ابن كثير : (ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا. وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان (رضي الله عنه) ) .
- قال ابن كثير معلقًا على قول عائشة : (فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم ) .

- قال ابن كثير : (وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.
الرد على من زعم في شأن آية الأحزاب وإلحاقها بسورتها، وأن ذلك كان بعد جمع عثمان :
- قال ابن كثير :(وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: "فألحقناها في سورتها من المصحف" وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية).

حكم قراءة السورة منكوسة :
- قال أبو الحسن بن البطال: وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.



حكم ترتيب السور :
- وقال ابن كثير أيضًا : (والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و {هل أتاك حديث الغاشية }، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و {اقتربت الساعة }، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة (رضي الله عنه)؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان }.).
- وقال ابن كثير أيضا : (وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف).
- حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب :{بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } [القمر: 46 ] ،وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.

وهكذا رواه النسائي من حديث ابن جريج به.
- قال ابن كثير معلقًا على سؤال العراقي ،ورد عائشة له : (ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.

- وقال ابن كثير أيضا معلقا على قول عائشة : (ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد ).
- وقال ابن كثير أيضا : (ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا ،وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده).
- وقال ابن كثير أيضا : (وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه - عليه السلام- قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران).
- قال ابن كثير : (وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله ).

- ولهذا حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: { اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي:{الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.
- قال أبو الحسن بن بطال: إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

- قال البخاري: حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي. انفرد البخاري بإخراجه والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: "من العتاق الأول" أي: من قديم ما نزل، وقوله: "وهن من تلادي" أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف حديثه وجديده، والله أعلم.
- وحدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق: سمع البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى }قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا متفق عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة، والمراد منه أن {سبح اسم ربك الأعلى} سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.
- وقال ابن كثير : (ثم قال: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.

وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان-رضي الله عنه- من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه).

نقط المصحف وشكله وتقسيمه :
أول من أمر بنقط المصحف وشكله :
- فيقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك.

- ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي .
- وقال ابن كثير : (وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم).


كتابة الأعشار على الحواشي :
- قال ابن كثير :(وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا).

- وقيل: بل أول من فعله المأمون.
- وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
- وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.

حكم تنقيط المصحف وشكله وتقسيمه :
- قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.
- قال ابن كثير : (نص الإمام مالك-رحمه الله- على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام، ورخص في ذلك غيره، واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع، فأما كتابة السور وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير في مصاحف زماننا، والأولى اتباع السلف الصالح) .


موقف ابن مسعود ومجاهد من التعشير :
- وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
- ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه

الحبر والألوان المصبغة في المصحف :
- قال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا.


تعداد آي السور في أولها :
- وقال ابن مالك أيضا : (وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسًا).

تحزيب القرآن :
- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء ،فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن.


----------------------------------------------------------







رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 صفر 1436هـ/11-12-2014م, 09:10 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

إعادة تعديل :
تلخيص مقاصد المرشد الوجيز لأبي شامة

المقصد العام :
وهي معرفة كيفية نزول القرآن وجمعه وتلاوته، ومعنى الأحرف السبعة التي نزل عليها، والمراد بالقراءات السبع وضابط ما قوي منها، وبيان ما انضم إليها، والتعريف بحق تلاوته وحسن معاملته.


المقاصد الفرعية :

المقصد الأول : في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته
وذكر حفاظه في ذلك الأوان:


متى نزل القرآن ؟
- فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات.
- فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان.
أدلة القرآن : قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}.
- وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}
- وقال جلت قدرته: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
التعريف بليلة القدر :
- وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأخير منه، ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة} على ليلة القدر.
- وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر.

المقصود بالليلة المباركة :
- فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة} على ليلة القدر. كيف، وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر؛ لأن معناه
التقدير، فإذا ثبت هذا، علمت أنه قد أبعد من قال: الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان، وأن قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن} معناه: أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه،
وأن ليلة القدر توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على ممر السنين، واتفق أن وافقت زمن إنزال القرآن ليلة النصف من شعبان.


إثبات الأدلة على ليلة القدر وإنزال القرآن فيه :
- وبما اخترناه من القول في الجمع بين الآيات الثلاث، ورد الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهود له بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن.
- أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات"، من حديث السري عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله عطية بن الأسود
فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}،
وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة... يعني وغير ذلك من الأشهر.
- فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.

قلت: رسلاً أي رفقًا، وقوله على مواقع النجوم، أي على مثل مواقع النجوم، ومواقعها مساقطها، يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق، فقوله على مواقع النجوم في موضع
نصب على الحال، ورسلا أي ذا رسل يريد مفرقا رافقا.
- ودل أيضا على أن إنزال القرآن كان في شهر رمضان، رواية قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول
ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل
القرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان)). هكذا أخرجه البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات" و"شعب الإيمان" له، وذكره أيضا الثعلبي في تفسيره وغيره.
- ووقع في "تفسير الماوردي" وغيره: ((وأنزل الزبور لثنتي عشرة والإنجيل لثماني عشرة)). وكذلك هو في كتاب أبي عبيد.
- وفي بعض التفاسير عكس هذا: الإنجيل لثنتي عشرة والزبور لثماني عشرة، واتفقوا على أن صحف إبراهيم عليه السلام لأول ليلة والتوراة لست مضين والقرآن لأربع وعشرين خلت.

قال أبو عبد الله الحليمي: يريد ليلة خمس وعشرين.
- وذكر أبو بكر ابن أبي شيبة -وهو أحد شيوخ مسلم- في "كتاب ثواب القرآن" عن أبي قلابة قال: أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان. وعنه: أنزلت التوراة لست
والزبور لثنتي عشرة، وفي رواية أخرى: الزبور في ست، يعني من رمضان.


بيان كيفية إنزال القرآن في ليلة القدر والمجمل والمفرق :
- ذكر المصنف قولان في كيفية إنزاله في ليلة القدر: أحدهما أنه نزل جملة واحدة، والثاني أنه نزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
- قال البيهقي في معنى قوله: ((أنزل القرآن لأربع وعشرين)): إنما أراد -والله أعلم- نزول الملك بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.
- وقال في معنى قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}: يريد -والله أعلم: إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل.
- قال المصنف : قلت: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أو إلى شيء منه: يحتاج إلى نحو هذا التأويل أهل السنة المعتقدون قدم القرآن، وأنه صفة
قائمة بذات الله تعالى.
-وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها.
والثاني: أنه أنزل فيها جملة واحدة.
والثالث: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
فنذكر ما حضرنا من الآثار في ذلك ومن أقوال المفسرين.
تفسير قوله تعالى ( فرقناه ):
- قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن": حدثنا يزيد -يعني ابن هارون- عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن
جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}.

أخرجه الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المستدرك على الصحيحين" وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
- ورواه عبد الأعلى عن داود وقال: فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو يحدث في الأرض منه شيئا أحدثه.
- قال أبو عبيد: لا أدري كيف قرأه يزيد في حديثه، إلا أنه لا ينبغي أن يكون على هذا التفسير إلا "فرقناه" بالتشديد.

قال أبو نصر ابن القشيري في تفسيره: فرقناه أي فصلناه.
- قال ابن جبير: نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
- قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: {لتقرأه على الناس على مكث {
- وقيل: فرقناه أي جعلناه آية آية وسورة سورة، وقيل: فصلناه أحكاما، كقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، أي يفصل، وقيل: "فرقناه" بالتشديد أي أنزلناه مفرقا، {على مكث} على تؤدة وترسل .

وأسند الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" من حديث ابن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في
ليلة القدر}، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض، قال الله
تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}، صحيح على شرطهما.
وأسنده البيهقي في دلائله والواحدي في تفسيره.
- وأسند البيهقي في "كتاب الشعب" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في
السنين، قال: وتلا الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم}، قال: نزل متفرقا.
- قال المصنف : قلت: هو من قولهم: نجم عليه الدية أي قطعها، ومنه نجوم الكتابة، فلما قطع الله سبحانه القرآن وأنزله مفرقا قيل لتفاريقه نجوم، ومواقعها: مساقطها، وهي
أوقات نزولها، وقد قيل: إن المراد {بمواقع النجوم} مغارب نجوم السماء، والله أعلم.

وقوله في الرواية الأولى: وكان بموقع النجوم: أي بمنزلة ذلك في تفرقه وعدم تتابعه على وجه الاتصال، وإنما هو على حسب الوقائع والنوازل، وكذا مواقع النجوم بحساب أزمنة معلومة
تمضي.

معنى قوله ( نزلناه تنزيلا):
{ونزلناه تنزيلا}: أي نجما بعد نجم، وقيل: جعلناه منازل ومراتب ينزل شيئا بعد شيء ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا.
- وقال أبو الحسن الواحدي المفسر: وقال مقاتل: أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في
عشرين سنة.
-وفي "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الليلة التي تليها، فينزل
جبريل عليه السلام ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة.
- وذكر أبو الحسن الماوردي في تفسيره قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين
في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم أرسالا في الشهور
والأيام.

تفسير قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} :
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: فيه قولان:
-أحدهما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، فذكر ذلك، وكأنه قول ثالث غير القولين المقدمين، أو أراد الجمع بينهما،
1)فإن قوله: نزل جملة واحدة، هو القول الأول،
2)وقوله: فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة، هو القول الثاني،
كأنه فسر قول من قال: نزل في عشرين ليلة بأن المراد بهذا الإنزال تنجيم السفرة ذلك على جبريل، قال: والقول الثاني أن الله عز وجل ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر، قال: وهذا قول الشعبي.
- قال المصنف : قلت: هو إشارة إلى ابتداء إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كان وهو متحنث بحراء في شهر رمضان، وقد بينت ذلك في "شرح حديث المبعث"، وغيره، وهذا وإن كان الأمر فيه كذلك إلا أن تفسير الآية به بعيد مع ما قد صح من الآثار عن ابن عباس: أنه نزل جملة إلى سماء الدنيا، على ما تقدم.
- وفي الكتاب "المستدرك" أيضا عن الأعمش عن حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل
عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلا. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
-وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "كتاب ثواب القرآن" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: رفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة فرفع في بيت العزة ثم جعل ينزل تنزيلا.
- وفي "تفسير الثعلبي" عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم نجوما عشرين سنة، فذلك قوله عز وجل: {فلا أقسم بمواقع النجوم }

- قال المصنف : ورأيت في بعض التفاسير، قال: وقال جماعة من العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت، يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل
عليه السلام، وغشي على أهل السماوات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق}، يعني القرآن، وهو معنى قوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم}
، فأتى به جبريل إلى بيت العزة، فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة، وهو قوله تعالى: {بأيدي سفرة * كرام بررة}.

نقتله من "كتاب شفاء القلوب"، وهو تفسير علي بن سهل النيسابوري.

معارضة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بما أنزل :
- وقال أبو عبيد: حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، أما نزل عليه القرآن في سائر السنة إلا في شهر
رمضان؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمدا عليهما السلام بما ينزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.

- زاد الثعلبي في تفسيره: فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء وينسيه ما يشاء.
- زاد غير الثعلبي: فلما كان في العام الذي قبض فيه عرضه عرضتين، فاستقر ما نسخ منه وبدل.
- وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي: أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي
صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.
- وعن أبي عبيد، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر
رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين، قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة.
- قال ابن أبي شيبة: حدثنا الحسين بن علي، عن أبيه، عن ابن جدعان، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام
الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل ليلة في شهر
رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة.
- عن عائشة رضي الله عنها عن فاطمة رضي الله عنها: أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر
أجلي.

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا،
فاعتكف عشرين في العام الذي قبض.


لماذا قيل عن شهر رمضان أنه الذي أنزل فيه القرآن :
- وما رواه داود عن الشعبي، يعد قولا رابعا في معنى قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن}، وكأنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من
إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة تغيير بعض ألفاظه على ما سيأتي، وإن ضم إلى ذلك كونه ابتدأ نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته.
- في "كتاب شرح حديث المبعث": أن أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وذلك بحراء عند ابتداء نبوته، ويجوز أن يكون قوله: {أنزل فيه
القرآن} إشارة إلى كل ذلك، وهو كونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض وعرضه وإحكامه في شهر رمضان، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن، إنزالا جملة
وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل: {أنزل فيه القرآن {


السر في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا :

- فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن
الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين إنزاله جملة
ثم إنزاله مفرقا.
- .وهذا من جملة ما شرف به نبينا صلى الله عليه وسلم، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار الفقر والإيثار بما فتح
الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرا وفقيرا صابرا صلى الله عليه وسلم.


الزمان الذي أنزل فيه القرآن جملة إلى السماء الدنيا :
- قال المصنف : فإن قلت: في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها؟

قلت: الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل، فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر.
فائدة إنزال القرآن جملة إلى السماء الدنيا :
- لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء كما أعلم الله سبحانه وتعالى الملائكة قبل خلق آدم بأنه جاعل
في الأرض خليفة، وكما أعلمهم أيضا قبل إكمال خلق آدم عليه السلام بأنه يخرج من ذريته محمد وهو سيد ولده، وعلى ذلك حملنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نبيا وآدم بين
الماء والطين))، على ما أوضحناه في "كتاب شرح المدائح النبوية"، وكان العلم بذلك حاصلا عند الملائكة، ألا ترى أن في حديث الإسرى، لما كان جبريل يستفتح له السماوات
سماء سماء؟ كان يقال له: من هذا؟ فيقول: جبريل، يقال: من معك؟ فيقول: محمد، فيقال: وقد بعث إليه؟ فيقول: نعم. فهذا كلام من كان عنده علم بذلك قبل ذلك وقد تكلم على
فائدة إنزال القرآن جملة، شيخنا أبو الحسن رحمه الله ببعض ما ذكرناه.
- وقال المصنف : ووقفت على كلام حسن للحكيم الترمذي أبي عبد الله محمد بن علي في تفسيره فقال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز
لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم
وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد
تبارك وتعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله تعالى إلى الأمة، ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا
رحمة للعالمين}، وقال عز وجل: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين }
- وقال الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء...": في ذلك تكريم بني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين
ألفا من الملائكة لما أنزل سورة الأنعام أن تزفها، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له...
ثم ساق الكلام إلى آخره.

المقصود بالإنزال في قوله تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة القدر}:
- قال المصنف : فإن قلت: فقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} من جملة القرآن الذي نزل جملة، أم لا؟ فإن لم يكن منه فما نزل جملة، وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة؟
قلت: له وجهان:

أحدهما أن يكون معنى الكلام: إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به، وقدرناه في الأزل، وأردناه، وشئناه، وما أشبه ذلك.
والثاني أن لفظه لفظ الماضي، ومعناه الاستقبال، وله نظائر في القرآن وغيره، أي ننزله جملة في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، واختير لفظ الماضي لأمرين: أحدهما تحققه وكونه أمرا
لا بد منه، والثاني أنه حال اتصاله بالمنزل عليه، يكون الماضي في معناه محققا؛ لأن نزوله منجما كان بعد نزوله جملة واحدة، وكل ذلك حسن واضح، والله أعلم.


الحكمة من نزول القرآن منجما :
- قال المصنف : قلت: هذا سؤال قد تولى الله سبحانه الجواب عنه فقال في كتابه العزيز: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}، يعنون كما أنزل على من كان
قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله: {كذلك} أي أنزلناه كذلك مفرقا {لنثبت به فؤادك} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد
عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان
أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام عليه فيه على ما سنذكره.
- وقيل: معنى {لنثبت به فؤادك}، أي لتحفظه فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو
نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه، والتوراة نزلت على موسى عليه السلام مكتوبة وكان كاتبا قارئا، وكذا كان غيره، والله أعلم.

بيان مسألة عدم إنزاله دفعة واحد وسهولة حفظه :
- قال المصنف : فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.

قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم.
{ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.



المدة بين نزول أول القرآن وآخره :
- وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة، فقيل:
عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشر، والله أعلم.

حفظ القرآن وبيانه وعدم نسيانه :
- وكان الله تعالى قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم نسيانه بقوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، أي علينا أن
نجمعه في صدرك فتقرؤه فلا ينفلت عنك منه شيء، وقال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}، أي غير ناس له.
- وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه،
فكان ذلك يعرف منه، فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أخذه {إن علينا جمعه وقرآنه}، إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال:
أنزلناه فاستمع له {ثم إن علينا بيانه} أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى
- وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، قال: جمعه في
صدرك ثم تقرؤه {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق
جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه.
- وعن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن الله تعالى تابع الوحي على رسوله قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد. هذا لفظ
البخاري، ولمسلم: إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفي، وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: يعني عام وفاته أو حين وفاته، يريد أيام مرضه كلها، كما يقال: يوم الجمل ويوم صفين، وكانت أياما، والله أعلم.


أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن:

- قال المصنف : أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أول سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته، على ما شرحناه في "كتاب

المبعث"، ثم نزل {يا أيها المدثر} ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا.


آخر ما نزل من القرآن :
- وآخر ما نزل من الآيات {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية.
- وقيل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} إلى آخرها.
- وقيل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين.
- وقيل آيات الربا، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن {واتقوا يوما} هي آخرهن، ونزل يوم عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية.
- قال أبو عبيد: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: آخر آية أنزلت من القرآن: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، قال: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكث بعدها تسع ليال، وبدئ به يوم السبت ومات يوم الاثنين.

قلت: يعني العاشر من يوم مرضه.
- وقال: حدثنا عبد الله بن صالح وابن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين.

قلت: يعني من آيات الأحكام، والله أعلم.


ترتيب الآيات ووضعها في سور معينة :
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: ((ضعوا هذه في سورة كذا))، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان في كل
عام، وعرضه عليه عام وفاته مرتين، وكذلك كان يعرض جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.

وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة، أقلهم بالغون حد التواتر، ورخص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم.
ومنه ما نسخ لحكمة اقتضت نسخه، وكل ذلك فيه أخبار ثابتة.
- ففي جامع الترمذي وغيره عن ابن عباس عن عثمان رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا
نزل عليه الشيء منه دعا بعض من كان يكتب فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر
فيها كذا وكذا))... هذا حديث حسن، وقال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
- وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم". وفي رواية: كان
المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم}، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت.
- وفي البخاري عن البراء بن عازب قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... والمجاهدون في سبيل الله}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادع لي زيدا، وليجئ باللوح
والدواة والكتف)) -أو الكتف والدواة- ثم قال: ((اكتب: {لا يستوي القاعدون})).
- وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى فقال: يا رسول الله فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها {غير أولي الضرر }



جمع القرآن والقراء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
- عن مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود،
وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))
.- عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
- وفي رواية: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه، وفي رواية: أحد عمومتي.
- قال الحافظ البيهقي في "كتاب المدخل": الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ
بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري، رضي الله عنهم.
- وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد.
ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير عثمان رضي الله عنهم.
- قلت: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب رحمه الله في "كتاب الانتصار" الكلام في حملة القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أدلة كثيرة على أنهم
كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه
- في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمون القراء. وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((اقرأه في شهر))، الحديث.

وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذه الآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان من ألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا على ظاهره.
- أسماء كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يكتبون له الوحي وغيره في ترجمته صلى الله عليه وسلم في "تاريخ دمشق" نحو خمسة وعشرين اسما.

الآثار فيمن جمع القرآن وتأويل حصر الألفاظ :
- منها أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف والقراءات التي نزل بها، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كلها شاف كاف، إلا أولئك النفر فقط.
- ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة.
- ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذه من فيه تلقيا، غير تلك الجماعة، فإن أكثرهم أخذوا بعضه عنه، وبعضه عن غيره.
- ومنها أنه لم يجمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ظهر به وأبدى ذلك من أمره وانتصب لتلقينه، غير تلك الجماعة مع جواز أن يكون فيهم حفاظ لا يعرفهم الراوي إذا لم يظهر ذلك منهم.
- ومنها أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام النبي صلى الله عليه وسلم حيا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه
- . ويحتمل أيضا أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفا من المراءاة به، واحتياطا على النيات كما يفعل الصالحون في كثير من العبادة، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأي اقتضى ذلك عندهم.
- قال المازري: وكيف يعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، وكيف تتصور الإحاطة بهذا، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقون في البلاد؟ وهذا لا يتصور، حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن. وهذا بعيد تصوره في العادة.

وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة، فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون، وما من شرط كونه متواترا أن يحفظ الكل الكل، بل الشيء الكثير إذا روى كل جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواترا.
- قال المصنف : قلت: وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة وسعدا وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعمرو بن العاص وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن السائب، قارئ مكة.

ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة.
- قال: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة، وحكي عنه منها شيء.

أقسام النسخ :
وأما ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب:
منه ما نسخت تلاوته وبقي حكمه

ومنه ما نسخت تلاوته وحكمه:
- ففي صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها.
- وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان مما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن". ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم
وهن مما يقرأ من القرآن.
- قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندنا.
قال: وقولها "... وهن مما يقرأ من القرآن"، يعني عند من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا.
- في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنها عمر في شأن
عمرو بن حريث.

فمعناه، فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فلما اتصل ذلك بعمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
فاشتهر ذلك وثبت، والله أعلم.
ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته:
- كآية عدة الوفاة حولا نسخت بالآية التي قبلها التي ذكر فيها {أربعة أشهر وعشرا }
- وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه الآية التي في البقرة: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول
غير إخراج}، لم تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى؟ قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا عن مكانه.

تابع ....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 صفر 1436هـ/12-12-2014م, 06:53 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

المقصد الثاني : جمع الصحابة للقرآن وترتيبه :

بيان مراحل ترتيب المصحف وجمعه :
أحوال جمع القرآن وترتيبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة :
- قال: وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق، والجمع الثالث -وهو ترتيب السور- كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.

- قال عبد الله: "حدثنا أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك عن ابن شهاب عن سالم وخارجة: أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر، ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ منها عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها".
- وفي تفسير الطبري: "عن عمارة بن غزية عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده. فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة...

ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء، فردها إليها وطابت نفسه...".


إذن الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره وأمره في تأليف القرآن :
- واعلم أن حاصل ما شهدت به الأخبار المتقدمة وما صرحت به أقوال الأئمة أن تأليف القرآن على ما هو عليه الآن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه وأمره، وأن جمعه في الصحف خشية دثوره بقتل قرائه كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وأن نسخه في مصاحف حملا للناس على اللفظ المكتوب حين نزوله بإملاء المنزل إليه صلى الله عليه وسلم ومنعا من قراءة كل لفظ يخالفه كان في زمن عثمان رضي الله عنه، وكأن أبا بكر كان غرضه أن يجمع القرآن مكتوبا مجتمعا غير مفرق على اللفظ الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتبة الوحي ليعلم ذلك، ولم يكل ذلك إلى حفظ من حفظه خشية فنائهم بالقتل، ولاختلاف لغاتهم في حفظهم على ما كان أبيح لهم من قراءته على سبعة أحرف

- وأسند البيهقي في "كتاب المدخل" و"الدلائل" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن، إذ قال: ((طوبى للشام))، فقيل له: ولم؟ قال: ((إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها)).
زاد في "الدلائل": نؤلف القرآن من الرقاع، ثم قال: وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت مثبتة في الصدور مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب، فجمعها منها في صحف بإشارة أبي بكر وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان على ما رسم المصطفى صلى الله عليه وسلم.وأخرج هذا الحديث الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المستدرك"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
-قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فألحقتها في سورتها في المصحف.
قلت: وخزيمة هذا غير أبي خزيمة الذي وجد معه الآيتين آخر "سورة براءة"، ذاك أبو خزيمة بن أوس بن زيد من بني النجار، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان، وهذا خزيمة بن ثابت بن الفاكه من الأوس، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم صفين، وقيل غير ذلك. ومعنى قوله: "فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان..." أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد كتابة تلك الآية مع ذلك الشخص، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره، وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره: أنهم كانوا يحفظون الآية، لكنهم أنسوها فوجدوها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها لسماعهم إياها من النبي صلى الله عليه وسلم.
- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا أنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أن السورة قد ختمت، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته عند الحاجة وحدوث ما يحدث على ما يشاء الله عز وجل: وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة رحمة من الله عز وجل لعباده، وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال جل ذكره: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
معنى قول ابن عباس : : "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى تنزل البسملة":
- قال المصنف :وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى تنزل البسملة"، يعني به -والله أعلم- وقت عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام، فكان لا يزال يقرأ في السورة إلى أن يأمره جبريل بالتسمية، فيعلم أن السورة قد انقضت، وعبر النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ النزول، إشعارا بأنها قرآن، في جميع أوائل السور فيه.
- ويجوز أن يكون المراد بذلك أن جميع آيات كل سورة كان ينزل قبل نزول البسملة، فإذا كملت آياتها نزل جبريل البسملة، واستعرض السورة، فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن السورة قد ختمت، لم يبق يلحق بها شيء.
من هو خزيمة المقصود :
قال المصنف : قلت: وخزيمة هذا غير أبي خزيمة الذي وجد معه الآيتين آخر "سورة براءة"، ذاك أبو خزيمة بن أوس بن زيد من بني النجار، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان، وهذا خزيمة بن ثابت بن الفاكه من الأوس، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم صفين، وقيل غير ذلك. ومعنى قوله: "فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان..." أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد كتابة تلك الآية مع ذلك الشخص، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره، وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره: أنهم كانوا يحفظون الآية، لكنهم أنسوها فوجدوها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها لسماعهم إياها من النبي صلى الله عليه وسلم.


ما فعله أبو بكر وعمر لجمع المصحف وترتيبه :
فضل أبو بكر في جمع المصحف :
- قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي عن عبد خير قال: قال علي: يرحم الله أبا بكر، هو أول من جمع ما بين اللوحين. وفي رواية عنه: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر.
- وقد حكى القاضي أبو بكر في "كتاب الانتصار" خلافا في أن أبا بكر جمع القرآن بين لوحين أو في صحف وأوراق متفرقة، وبكل معنى من ذلك قد وردت الآثار. وقيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين، وقيل: معنى قول علي: "أبو بكر أول من جمع القرآن بين اللوحين": أي جمع القرآن الذي هو الآن بين اللوحين، وكان هذا أقرب إلى الصواب جمعا بين الروايات. وكأن أبا بكر رضي الله عنه كان جمع كل سورة أو سورتين أو أكثر من ذلك في صحيفة على قدر طول السورة وقصرها
مراجعة عمر لأبي بكر وانشراح صدر أبو بكر :
- قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر.
طريقة أبو بكر في جمع المصحف وترتيبه :
- وفي كتاب أبي بكر عبد الله بن أبي داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.
المقصود بمعنى شاهدين :
- قال الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء": ومعنى هذا الحديث -والله أعلم- من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان زيد جامعا للقرآن.

قال: ويجوز أن يكون معناه: من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى، أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا، ولم يعلم بوجه آخر.
ومن طرق أبو بكر في جمعه للمصحف وترتيبه :
- قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، حتى خاتمة "براءة"، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
- قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، حتى خاتمة "براءة"، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
- وفي كتاب ابن أبي داود أيضا عن أبي العالية: أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من "سورة براءة": {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}، فظنوا أنها آخر ما نزل من القرآن. فقال أبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدهن آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه} إلى {وهو رب العرش العظيم}. فهذا آخر ما نزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به، يعني بكلمة التوحيد.
- قال الشيخ أبو الحسن: "كان أبي يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما. وأما قوله وصدور الرجال -يعني في الحديث السابق- فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر "براءة" ثم لم يقنع بذلك حتى طلبها وسأل عنها غيره فوجدها عند خزيمة، وإنما طلبها من غيره مع علمه بها، ليقف على وجوه القراءات. والله أعلم".
- قال المصنف : قلت: إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتبوا من حفظهم لأن قراءتهم كانت مختلفة لما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف على ما سيأتي تفسيرها. والله أعلم.


ما فعله عثمان لجمع القرآن :
- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
- وعن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد قال: سمع عثمان قراءة أبي وعبد الله ومعاذ فخطب الناس ثم قال: إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن. عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاني به.

فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعسيب فيه الكتاب، فمن أتاه بشيء قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: أي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال: أي الناس أكتب؟ قالوا: زيد بن ثابت، قال: فليكتب زيد، وليمل سعيد. قال: فكتب مصاحف، فقسمها في الأمصار، فما رأيت أحدا عاب ذلك عليه.
قلت: كذا في كتاب ابن أبي داود. وفي تسمية معاذ هنا نظر، فإن معاذا توفي قبل ذلك في طاعون عمواس في خلافة عمر، ولعل قراءته بقيت بعده عند أصحابه، فسمعها عثمان منهم.
- قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فألحقتها في سورتها في المصحف.
- وعن أسلم مولى عمر قال: اختلف الناس في القرآن فجعل الرجل يلقى الرجل في مغزاته فيقول: معي من القرآن ما ليس معك، أقرأني أبي بن كعب كذا وكذا، ويقول هذا: أقرأني عبد الله بن مسعود كذا وكذا، فلما رأى ذلك عثمان شاور فيه أهل القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأوا أن يجمعوه في مصحف واحد، ثم يفرق في البلاد مصحفا مصحفا، ثم تحرق سائر الصحف، فدعا عثمان رضي الله عنه أربعة نفر، ثلاثة من قريش ورجلا من الأنصار: عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وزيد بن ثابت فقال: انسخوه. فنسخوه على هذا التأليف، وقال: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه على ما تقولون أنتم، فإن القرآن أنزل على لسان قريش، فنسخوا القرآن في مصحف واحد حتى فرغوا منه، ثم نسخ من ذلك المصحف مصاحف، فبعث إلى كل بلد مصحفا، وأمرهم بالاجتماع على هذا المصحف.
- وروى يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن موسى بن جبير أن عثمان بن عفان دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص فقال لأبي: إنك كنت أعلم الناس بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، كنت تقرئ في زمانه، وكان عمر بن الخطاب يأمر الناس بك، فأمل على هؤلاء القرآن في المصاحف، فإني أرى الناس قد اختلفوا، قال: فكان أبي يملي عليهم القرآن، وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ينسخان.
- قال القاضي: وقد وردت الرواية أن عثمان لما أراد أن يجمع المصحف خطب فقال: أعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله عز وجل، شيء لما جاء به، قال: فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك شيئا كثيرا، ثم دخل فدعاهم رجلا رجلا يناشده: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف فرقها في الناس.
- قال القاضي: فهذا الخبر يقضي بأن سعيدا قد كان ممن يملي المصحف، ولا يمتنع أن يمله سعيد ويمله أيضا أبي، فيحتاج إلى أبي لحفظه وإحاطته علما بوجوه القراءات المنزلة التي يجب إثبات جميعها، وأن لا يطرح شيء منها، ويجب نصب سعيد بن العاص لموضع فصاحته وعلمه بوجوه الإعراب وكونه أعربهم لسانا، قال: وقد قيل: إن سعيدا كان أفصح الناس وأشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يجب أن تتعارض هذه الأخبار؛ لأنه قد ذكر في كل واحد منها ممل غير الذي ذكر في غيره؛ لأنه لا يمتنع أن ينصب لإملائه قوم فصحاء، حفاظ يتظاهرون على ذلك، ويذكر بعضهم بعضا، ويستدرك بعضهم ما لعله يسهو عنه غيره. وهذا من أحوط الأمور وأحزمها في هذا الباب.
- قال: وقد ذكر في بعض الروايات أن الذي نصبه عثمان لإملاء المصحف أبان بن سعيد بن العاص. والسيرة تشهد بأن ذلك غلط؛ لأن أهلها قد رووا أن أبان بن سعيد متقدم الموت، وأنه قد هلك قبل جمع عثمان المصحف بزمان طويل، وأنه قتل بالشام في وقعة أجنادين في سنة ثلاث عشرة، وإنما المنصوب لإملاء المصحف الذي أقامه عثمان لذلك سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وهو ابن أخي أبان بن سعيد بن العاص.
- ونقلت من كتاب "شرح السنة" الذي سمعناه على القاضي أبي المجد محمد بن الحسين القزويني بسماعه من الإمام أبي منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي بسماعه من لفظ المصنف الفقيه الإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله قال: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا، والذي حملهم على جمعه ما جاء بيانه في الحديث وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم وأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا، وروي معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه.
- فلما ولي عثمان وكثر المسلمون وانتشروا في البلاد وخيف عليهم الفساد من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم حملهم عثمان على ذلك اللفظ الذي جمعه زيد في زمن أبي بكر، وبقي ما عداه ليجمع الناس على قراءة القرآن على وفق ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكثر فيه التصرف، فيتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة.
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب: "الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله تعالى وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ويرفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وأن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم كان بجميعه بيانا شائعا ذائعا وواقعا على طريقة واحدة، ووجه تقوم به الحجة وينقطع العذر، وأن الخلف نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه قد نسخ منه بعض ما كانت تلاوته ثابتة مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله سبحانه ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم، وأن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة، وأنه قد يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، كما رتب آيات سوره، ويمكن أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم، وإن هذا القول الثاني أقرب وأشبه بأن يكون حقا على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى، وإن القرآن لم يثبت آيه على تاريخ نزوله، بل قدم ما تأخر إنزاله، وأخر بعض ما تقدم نزوله على ما قد وقف عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك"... وساق الكلام إلى آخره في "كتاب الانتصار" للقرآن، على كثرة فوائده، رحمه الله.
- ذكر أبو الحسن في "كتاب الوسيلة" عن شيخه الشاطبي بإسناده إلى ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم... وذكره أبو عمرو الداني في "كتاب المقنع".
معنى قول عثمان رضي الله عنه، "إن القرآن أنزل بلسان قريش:
ومعنى قول عثمان رضي الله عنه، "إن القرآن أنزل بلسان قريش" أي معظمه بلسانهم، فإذا وقع الاختلاف في كلمة فوضعها على موافقة لسان قريش أولى من لسان غيرهم. أو المراد: نزل في الابتداء بلسانهم، ثم أبيح بعد ذلك أن يقرأ بسبعة أحرف.

فضل عثمان رضي الله عنه في جمع القرآن :
- قال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر.
- وقال حماد بن سلمة: كان عثمان في المصحف كأبي بكر في الردة.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.


سبب التجميع الذي حصل في عهد عثمان رضي الله عنه :
- إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.
- وقال أبو محمد مكي رحمه الله في آخر كتاب "الكشف": "ذكر إسماعيل القاضي من روايته أن زيد بن ثابت قال: كتبته على عهد أبي بكر في قطع الأدم وكسر الأكتاف، وفي كذا وكذا، قال: فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبته في صحيفة واحدة، وكانت عنده، فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم"، قال: "وروي أن
حفصة لما ماتت قبض الصحيفة عبد الله بن عمر، فعزم عليه مروان فأخذها منه.."


موقف الصحابة من فعل عثمان رضي الله عنه :
- وفي كتاب أبي عبيد: أنه وجد خاتمة "براءة" مع خزيمة بن ثابت وآية "الأحزاب" مع خزيمة أو أبي خزيمة، وزاد: فلما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة أم المؤمنين يسألها الصحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا فمنعته إياها.

قال ابن شهاب: فحدثني سالم بن عبد الله أنه لما توفيت حفصة، رحمة الله عليها، أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة ليرسلن بها، فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف ما نسخ عثمان رحمة الله عليه، قال أبو عبيد: لم نسمع في شيء من الحديث أن مروان مزق الصحف، إلا في هذا الحديث.
- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق. عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك -أو قال: لم يعب ذلك أحد.
- وحدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة قال: قال علي رضوان الله عليه: لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. وفي رواية أخرى لو وليت من أمر المصاحف ما ولي عثمان لفعلت ما فعل عثمان.
- وفي "السنن الكبير" عن علقمة بن مرثد عن العيزار بن جرول عن سويد بن غفلة عن علي رضي الله عنه قال: اختلف الناس في القرآن على عهد عثمان فجعل الرجل يقول للرجل: قراءتي خير من قراءتك، فبلغ ذلك عثمان فجمعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس قد اختلفوا اليوم في القراءة وأنتم بين ظهرانيهم، فقد رأيت أن أجمع على قراءة واحدة، قال: فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، قال: وقال علي: لو وليت مثل الذي ولي، لصنعت مثل الذي صنع. وفي رواية: يرحم الله عثمان، لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان. أخرجه البيهقي في "المدخل".
- وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان علي رضي الله عنه طول أيامه يقرأ مصحف عثمان، ويتخذه إماما ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.
موقف أبو بكر وعمر وعثمان من قراءة زيد بن ثابت :
- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين.

الفرق بين قصد أبو بكر وبين قصد عثمان من تجميع القرآن :
- قال المصنف :فقد اتضح بما ذكرناه معنى ما فعله كل واحد من الإمامين أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وتبين أن قصد كل واحد منهما غير قصد الآخر، فأبو بكر قصد جمعه في مكان واحد، ذخرا للإسلام يرجع إليه إن اصطلم، والعياذ بالله، قراؤه، وعثمان قصد أن يقتصر الناس على تلاوته على اللفظ الذي كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتعدوه إلى غيره من القراءات التي كانت مباحة لهم، المنافية لخط المصحف من الزيادة والنقصان وإبدال الألفاظ على ما سيأتي شرحه.
- إن عثمان رضي الله عنه نسخ من تلك الصحف مصحفا جامعا لها، مرتبة سورة سورة على هذا الترتيب، ويدل على ذلك ظاهر حديث يزيد الفارسي عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى "براءة" و"الأنفال" فقرنتم بينهما؟ الحديث، فإنه يدل على أن لعثمان في جمعه القرآن بعد أبي بكر تصرفا ما، وهو هذا، فأبو بكر جمع آيات كل سورة كتابة لها من الأوراق المكتوبة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، بإملائه، وهو على وفق ما كان محفوظًا عندهم بتأليف النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان جمع السور على هذا الترتيب في مصحف واحد ناسخا لها من صحف أبي بكر.
- وذكر أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع" عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أول من جمع القرآن في المصاحف، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد
- وأما ما روي أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت، ولم يكن له إلى ذلك حاجة، وقد كفيه بغيره، فالاعتماد على ما قدمناه أول الباب من حديث صحيح البخاري، وإنما ذكرنا ما بعده زيادة كالشرح له، وجمعا لما روي في ذلك، ويمكن أن يقال: إن عثمان طلب إحضار الرقاع ممن هي عنده، وجمع منها، وعارض بما جمعه أبو بكر، أو نسخ مما جمعه أبو بكر، وعارض بتلك الرقاع، أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ، ففعل كل ذلك أو بعضه، استظهارا ودفعا لوهم من يتوهم خلاف الصواب، وسدا لباب القالة: إن الصحف غيرت أو زيد فيها ونقص، وما فعله مروان من طلبه الصحف من ابن عمر وتمزيقها -إن صح ذلك- فلم يكن لمخالفة بين الجمعين، إلا فيما يتعلق بترتيب السور، فخشي أن يتعلق متعلق بأنه في جمع الصديق غير مرتب السور، فسد الباب جملة. هذا إن قلنا إن عين ما جمعه عثمان هو عين ما جمعه أبو بكر، ولم يكن لعثمان فيه إلا حمل الناس عليه مع ترتيب السور، وأما إن قلنا بقول من زعم أن عثمان اقتصر مما جمعه أبو بكر على حرف واحد من بين تلك القراءات المختلفة فأمر ما فعله مروان ظاهر، وسيأتي الكلام على كل واحد من القولين وإيضاح الحق في ذلك، إن شاء الله تعالى.
- وقد عبر الشيخ أبو القاسم الشاطبي رحمه الله عما فعله الإمامان بأبيات من جملة قصيدته المسماة بـ"العقيلة" في بيان رسم المصحف، أخبرنا بها عنه شيخنا أبو الحسن وغيره فقال رحمه الله:

واعلم بأن كتاب الله خص بما تاه البرية عن إتيانه ظهرا
أي متظاهرين، ثم قال بعد أبيات:
ولم يزل حفظه بين الصحابة في علا حياة رسول الله مبتدرا
أشار إلى كثرة حفاظه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
وكل عام على جبريل يعرضه وقيل آخر عام عرضتين قرا
لو قال: "لكن آخر عام" كان أولى؛ لأن الجمع في خبر واحد صحيح. وقوله: "وقيل" يوهم غير ذلك، فإن كان قال: و"قبل" بالموحدة فهو أجود، والله أعلم. ثم قال رحمه الله:
إن اليمامة أهواها مسيلمة الـ ـكذاب في زمن الصديق إذ خسرا
وبعد باس شديد حان مصرعه وكان باسا على القراء مستعرا
نادى أبا بكر الفاروق: خفت على الـ ـقراء فادرك القرآن مستطرا
فأجمعوا جمعه في الصحف واعتمدوا زيد بن ثابت العدل الرضا نظرا
فقام فيه بعون الله يجمعه بالنصح والجد والحزم الذي بهرا
من كل أوجهه حتى استتم له بالأحرف السبعة العليا كما اشتهرا
فأمسك الصحف الصديق ثم إلى الـ ـفاروق أسلمها لما قضى العمرا
وعند حفصة كانت بعد فاختلف الـ ـقراء فاعتزلوا في أحرف زمرا
وكان في بعض مغزاهم مشاهدهم حذيفة فرأى من خلفهم عبرا
فجاء عثمان مذعورا فقال له: أخاف أن يخلطوا فأدرك البشرا
فاستحضر الصحف الأولى التي جمعت وخص زيدا ومن قريشه نفرا
على لسان قريش فاكتبوه كما على الرسول به إنزاله انتشرا
فجردوه كما يهوى كتابته ما فيه شكل ولا نقط فيحتجرا
وسار في نسخ منها مع المدني كوف وشام وبصر تملأ البصرا
وقيل: مكة والبحرين مع يمن ضاعت بها نسخ في نشرها قطرا
القطر: العود، أي فاحت رائحة طيب هذه النسخ بهذه الأقاليم، فهو كقوله في قصيدته الكبرى:
"فقد ضاعت شذا وقرنفلا... ......................
والهاء في "قريشه" لعثمان، وفي "به" تعود على لسان قريش، وقوله: "فجردوه" أي كتبوه على لسان قريش مجردا من باقي لغات العرب.

تابع

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 صفر 1436هـ/12-12-2014م, 08:27 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

المقصد الثالث : بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنزل القرآن على سبعة أحرف )):

إقراء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الأحرف السبعة :
- ففي الصحيحين عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ))

- ففي الصحيحين عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف )).
- وفي رواية: ((اقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة )).
- وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك))، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك))، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك))، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا.
- وفي سنن أبي داود عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن، فقال لي: على حرف؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاث، فقلت: على ثلاث، حتى بلغت سبعة أحرف))، ثم قال: ((ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ((
- وفي سنن النسائي فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف ((
- وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن على حرف، فقال له ميكائيل: استزده، فقال على حرفين، ثم قال: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف كلها كاف شاف كقولك: هلم وتعال، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما ))

وفي رواية: ((عليم حكيم غفور رحيم)).
وفي أخرى: ((من قرأ منها حرفا فهو كما قرأ ))

-وفي جامع الترمذي عن أبي بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: ((يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)). قال: هذا حديث حسن صحيح.
وروي من غير وجه عن أبي بن كعب. وفي هذا الباب عن ابن عمر وحذيفة وأبي هريرة وابن عباس وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة وسمرة وأم أيوب امرأة أبي أيوب الأنصاري.
قلت: ورواه أبو جعفر الطبري في تفسيره: "منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف".
- وفي كتاب أبي عبيد عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عليه السلام عند أحجار المراء فقلت: يا جبريل إني أرسلت إلي أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).

موقف النبي صلى الله عليه وسلم من اختلاف القراءات :
- وعن زيد بن أرقم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم، بقراءة أيهم آخذ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعلي إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم، كل حسن جميل.
- وفي كتاب "المستدرك" عن عبد الله قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم "سورة حم" ورحت إلى المسجد عشية، فجلس إلي رهط، فقلت لرجل من الرهط: اقرأ علي، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرؤها، فقلت له: من أقرأكها؟ قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عنده رجل فقلت: اختلفنا في قراءتنا وإن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، ووجد في نفسه حين ذكرت له الاختلاف فقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف)) ثم أسر إلى علي، فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم، قال: فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا، لا يقرؤها صاحبه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.
- وفي كتاب ابن أبي شيبة عن أم أيوب قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أصبت)).
- وفي أول تفسير الطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم فردوه إلى عالمه ((
- وفي رواية: ((فاقرءوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)).
- وفي السنن الكبير عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال: قرأت آية وقرأ ابن مسعود خلافها، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى))، قال ابن مسعود: ألم تقرئنيها كذا وكذا؟ قال: ((بلى))، قال: ((كلاكما محسن))، قلت: ما كلانا أحسن ولا أجمل، قال: فضرب صدري وقال: ((يا أبي إني أقرئت القرآن، فقيل لي: أعلى حرف أم على حرفين؟ فقال الملك الذي معي: على حرفين، فقلت: على حرفين، فقيل لي: أعلى حرفين أم ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: على ثلاثة، فقلت: ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف))، قال: ((ليس فيها إلا شاف كاف، قلت: غفور رحيم، عليم حكيم، سميع عليم، عزيز حكيم، نحو هذا ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب)).
اقرار واستحسان النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بالأحرف السبعة :
- وفيهما عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ "سورة الفرقان" على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((أرسله))، فأرسله عمر فقال لهشام: ((اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)). واللفظ للبخاري.
زاد مسلم: قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام. وأخرجه النسائي في سننه الكبرى وقال: فقرأ فيها حروفا لم يكن نبي الله أقرأنيها.
- وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى فقرأ قراءة أنكرتها، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ -وفي رواية: ثم قرأ هذا- سوى قراءة صاحبه، فأقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال: ((يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ((
- وأخرجه أبو جعفر الطبري في أول تفسيره بسنده عن أبي قال: دخلت المسجد فصليت فقرأت النحل، ثم جاء رجل آخر فقرأها على غير قراءتي، ثم دخل رجل آخر فقرأ بخلاف قراءتنا، فدخل في نفسي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فأخذت بأيديهما فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله استقرئ هذين، فقرأ أحدهما فقال: ((أصبت))، ثم استقرأ الآخر فقال: ((أحسنت))، فدخل قلبي أشد مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري وقال: ((أعاذك الله من الشك وخسأ عنك الشيطان)) ففضت عرقا فقال: ((أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: إن أمتي لا تستطيع ذلك، حتى قال سبع مرات فقال لي: اقرأ على سبعة أحرف)).
- وفي رواية: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان، حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي فضرب بيده في صدري ثم قال: ((اللهم اخسأ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة فقال مثل ذلك، فقلت مثله، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف)).


موقف الصحابة من اختلاف القراءات:

- وقال الأعمش: سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، اقرءوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدهم: هلم وتعال وأقبل.
- قال البيهقي: أما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة "غفور رحيم" بدل "عليم حكيم"، فلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي، فإذا قرأ ذلك في غير موضعه فكأنه قرأ آية من سورة، وآية من سورة أخرى، فلا يأثم بقراءتها كذلك ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، ولا آية رحمة بآية عذاب.
قلت: وكان هذا سائغا قبل جمع الصحابة المصحف تسهيلا على الأمة حفظه؛ لأنه نزل على قوم لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء بلفظه، بل هم قوم عرب فصحاء يعبرون عما يسمعون باللفظ الفصيح.

ثم إن الصحابة رضي الله عنهم خافوا من كثرة الاختلاف، وألهموا، وفهموا أن تلك الرخصة قد استغني عنها بكثرة الحفظة للقرآن، ومن نشأ على حفظه صغيرا فحسموا مادة ذلك بنسخ القرآن على اللفظ المنزل غير اللفظ المرادف له، وصار الأصل ما استقرت عليه القراءة في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما عارضه به جبريل عليه السلام في تلك السنة مرتين، ثم اجتمعت الصحابة على إثباته بين الدفتين، وبقي من الأحرف السبعة التي كان أبيح قراءة القرآن عليها ما لا يخالف المرسوم، وهو ما يتعلق بتلك الألفاظ من الحركات والسكنات والتشديد والتخفيف وإبدال حرف بحرف يوافقه في الرسم، ونحو ذلك؛ وما لا يحتمله المرسوم الواحد فرق في المصاحف فكتب بعضها على رسم قراءة، وبعضها على رسم قراءة أخرى، وأمثلة ذلك كله معروفة عند العلماء بالقراءات، وصح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وعن غيره أنه قال: إن القراءة سنة.
- قال البيهقي: أراد أن اتباع من قبلنا في الحروف سنة متبعة، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة، أو أظهر منها.
- قال أبو بكر بن العربي: سقط جميع اللغات والقراءات إلا ما ثبت في المصحف بإجماع من الصحابة وما أذن فيه قبل ذلك ارتفع وذهب والله أعلم.

القراءات السبع وحكم المراء فيه:
- وعن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فلا تماروا فيه فإن مراء فيه كفر)).
- وعن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو بن العاص: إنما هي كذا وكذا، بغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر )).


المراد بالأحرف السبعة التي نزل القرآن بها :
نزول القرآن بلسان قريش :
- حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس بن مالك أن عثمان رحمة الله عليه قال للرهط القرشيين الثلاثة حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم.

قلت: يعني أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف.
- قال أبو عبيد: وكذلك يحدثون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عمن سمع ابن عباس يقول: نزل القرآن بلغة الكعبين، كعب بن قريش وكعب بن خزاعة قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة.
قال أبو عبيد: يعني أن خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم.

- المقصود بالحرف في قوله ( سبعة أحرف ) :
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى في كتاب "غريب الحديث": قوله سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم نسمع به قط، ولكن نقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، قال: ومما يبين ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"، وكذلك قال ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
- وقال في كتاب "فضائل القرآن": وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، هذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى سبعة، وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض .
- وقال أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) مشكل لا يدرى معناه؛ لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على الحرف المقطوع من الحروف المعجمة، والحرف أيضا المعنى والجهة كقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على جهة من الجهات ومعنى من المعاني.
- قال أبو علي الأهوازي: سمعت أبا عبد الله محمد بن المعلى الأزدي بالبصرة يقول: سمعت أبا بكر محمد بن دريد الأزدي يقول: سمعت أبا حاتم سهل بن محمد السجستاني يقول: معنى سبعة أحرف سبع لغات من لغات العرب، وذلك أن القرآن نزل بلغة قريش وهذيل وتميم وأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر، قال: وسمعت أبا الحسن علي بن إسماعيل بن الحسن القطان يقول: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم يقول: سمعت أبي يقول: وهذا القول عظيم من قائله؛ لأنه غير جائز أن يكون في القرآن لغة تخالف لغة قريش لقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}، إلا أن يكون القائل لهذا أراد ما وافق من هذه اللغات لغة قريش.
قلت: فعلى هذا القول لا يستقيم اعتراض ابن قتيبة على ذلك التأويل.
- وقال أبو سليمان الخطابي: "اختلف الناس في تفسير قوله "سبعة أحرف" فقال بعضهم: معنى الحروف اللغات، يريد أنه نزل على سبع لغات من لغات العرب، هي أفصح اللغات، وأعلاها في كلامهم، قالوا: وهذه اللغات متفرقة في القرآن، غير مجتمعة في الكلمة الواحدة، وإلى نحو من هذا أشار أبو عبيد.
- وقال القتبي: لا نعرف في القرآن حرفا يقرأ على سبعة أحرف.
- وقال ابن الأنباري هذا غلط، فقد وجد في القرآن حروف تقرأ على سبعة أحرف، منها قوله تعالى: {وعبد الطاغوت} وقوله تعالى: {أرسله معنا غدا يرتع ويلعب}، وذكر وجوها، كأنه يذهب في تأويل الحديث إلى أن بعض القرآن أنزل على سبعة أحرف، لا كله".
- قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "كتاب التمهيد":

"وهذا مجتمع عليه أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته كلها أن تقرأ على سبعة أحرف، ولا شيء منها، ولا يمكن ذلك فيها، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أوجه إلا قليل، مثل: {وعبد الطاغوت} و {تشابه علينا}، وساق الكلام إلى أن قال: "وقال قوم: هي سبع لغات في القرآن متفرقات على لغات العرب كلها يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم".
- "قال أبو بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ: أخبرنا أبو علي الحسن بن صافي الصفار أن عبد الله بن سليمان حدثهم قال: حدثنا أبو الطاهر قال: سألت سفيان بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين، هل تدخل في السبعة الأحرف؟ فقال: لا، وإنما السبعة الأحرف كقولهم هلم، أقبل، تعال، أي ذلك قلت أجزاك. قال أبو الطاهر: وقاله ابن وهب. قال أبو بكر الأصبهاني: ومعنى قول سفيان هذا أن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، وبه قال محمد بن جرير الطبري".
- ذهب قوم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا .((
تضعيف هذا الحديث والرد عليه : قال أبو عمر بن عبد البر:

"هذا حديث عند أهل العلم لم يثبت، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده.
- وقد رده قوم من أهل النظر، منهم أحمد بن أبي عمران فيما سمعه الطحاوي منه قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد؛ لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه؛ لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله. قال أبو عمر: ويرويه الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا".
- قلت: "وهكذا رواه البيهقي في "كتاب المدخل" وقال: هذا مرسل جيد، أبو سلمة لم يدرك ابن مسعود. ثم رواه موصولا وقال: فإن صح فمعنى قوله: "سبعة أحرف": أي سبعة أوجه، وليس المراد به ما ورد في الحديث الآخر من نزول القرآن على سبعة أحرف، ذاك المراد به اللغات التي أبيحت القراءة عليها، وهذا المراد به الأنواع التي نزل القرآن عليها، والله أعلم.
- قلت: وعندي لهذا الأثر أيضا تأويلان آخران، أحدهما: ذكره أبو علي الأهوازي في "كتاب الإيضاح"، والحافظ أبو العلاء في "كتاب المقاطع"، أن قوله "زاجر وآمر" إلى آخره استئناف كلام آخر، أي هو كذلك، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة، وإنما توهم ذلك من توهمه، لاتفاقهما في العدد وهو السبعة، وروي "زاجرا وآمرا..." بالنصب، أي نزل على هذه الصفة من سبعة أبواب على سبعة أحرف، ويكون المراد بالأحرف غير ذلك
- التأويل الثاني: أن يكون ذلك تفسيرًا للأبواب، لا للأحرف، أي هذه سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأنواعه، أي أنزله الله تعالى كائنا من هذه الأصناف، لم يقتصر به على صنف واحد، بخلاف ما يحكى أن الإنجيل كله مواعظ وأمثال، والله أعلم.
- إذا ثبت هذا فنعود إلى تفسير الأحرف السبعة بأحد القولين: وهم اللغات السبع مع اتحاد صورة الكتابة، والثاني الألفاظ المترادفة والمتقاربة المعاني .
المقصود بالعدد سبعة :
وأما الكلبي فإنه يروي عنه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال أبو عبيد: والعجز هم سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وهذه القبائل هي التي يقال لها: عليا هوازن، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم. فهذه عليا هوازن، وأما سفلى تميم فبنو دارم، فهذه سبع قبائل.
قلت: والكعبان كعب بن لؤي من قريش، وكعب بن عمرو من خزاعة.
- وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من جامعه قال: قيل لمالك: أترى أن يقرأ بمثل ما قرأ به عمر بن الخطاب: "فامضوا إلى ذكر الله" ؟ قال: ذلك جائز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه))، مثل تعملون ويعملون، وقال مالك: لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا".
- قال الأهوازي: وقالت طائفة: سبع لغات من قريش حسب. وقال بعضهم: خمس منها بلغة هوازن، وحرفان لسائر لغات العرب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربي في هوازن ونشأ في هذيل. وجاء عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: نزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب. وفي رواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ الناس بلغة واحدة، فاشتد ذلك عليهم، فنزل جبريل فقال: يا محمد، أقرئ كل قوم بلغتهم.
قلت: هذا هو الحق؛ لأنه إنما أبيح أن يقرأ بغير لسان قريش توسعة على العرب، فلا ينبغي أن يوسع على قوم دون قوم، فلا يكلف أحد إلا قدر استطاعته، فمن كانت لغته الإمالة، أو تخفيف الهمز، أو الإدغام، أو ضم ميم الجمع، أو صلة هاء الكناية، أو نحو ذلك فكيف يكلف غيره؟ وكذا كل من كان من لغته أن ينطق بالشين التي كالجيم، في نحو أشدق، والصاد التي كالزاي كنحو مصدر، والكاف التي كالجيم، والجيم التي كالكاف، ونحو ذلك، فهم في ذلك بمنزلة الألثغ والأرت، لا يكلف ما ليس في وسعه، وعليه أن يتعلم ويجتهد، والله أعلم.
- وقد قال أبو بكر بن العربي شيخ السهيلي في كتاب شرح الموطأ.

"لم تتعين هذه السبعة بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بإجماع من الصحابة، وقد اختلفت فيها الأقوال، فقال ابن عباس: اللغات سبع والسماوات سبع والأرضون سبع، وعدد السبعات، وكأن معناه أنه نزل بلغة العرب كلها، وقيل: هذه الأحرف في لغة واحدة، وقيل: هي تبديل الكلمات إذا استوى المعنى.
- "وذكر بعضهم وجها آخر، وهو أن القرآن أنزل مرخصا للقارئ، وموسعا عليه أن يقرأه على سبعة أحرف، أي يقرأ بأي حرف شاء منها على البدل من صاحبه، ولو أراد أن يقرأ على معنى ما قاله ابن الأنباري لقيل: أنزل القرآن سبعة أحرف، وإنما قيل: "على سبعة أحرف" ليعلم أنه أريد به هذا المعنى، أي كأنه أنزل على هذا من الشرط، أو على هذا من الرخصة والتوسعة، وذلك لتسهل قراءته على الناس، ولو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم، ولكان ذلك داعية إلى الزهادة فيه وسببا للنفور عنه".
- قال: "وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن المراد به التوسعة، ليس حصرا للعدد".

قلت: هذا موافق لما سبق تقريره على ما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، وهو كما قيل في معنى قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} إنه جرى كالمثل في التعبير عن التكثير، لا حصرا في هذا العدد، والله أعلم.
- وقال أبو القاسم الهذلي في كتابه "الكامل": قال أبو عبيد: المقصود سبع لغات، لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن، وقيل: خمس لغات في أكناف هوازن: لسعيد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش ولغتان على جميع ألسنة العرب. قال: وليس الشرط أن تأتي سبع لغات في كل حرف، بل يجوز أن يأتي في حرف وجهان أو ثلاثة أو أكثر، ولم تأت سبعة أحرف إلا في كلمات يسيرة، مثل: "أف" بالضم والفتح والكسر مع التنوين وبغير تنوين مع الحركات الثلاث وبالسكون.
- "وقال آخرون: هذه اللغات كلها السبع، إنما تكون في مضر، واحتجوا بقول عثمان رضي الله عنه: نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب".

"وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر وقالوا: في مضر شواذ، لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها، مثل كشكشة قيس وعنعنة تميم.
- قال ابن عبد البر:

"وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، صار في عجز هوازن منها خمسة".
"قال أبو حاتم: عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر بن معاوية: قال أبو حاتم: خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب، لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان، قال: وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش، ثم أدناهم من بطون مضر"
مسألة اختيار القراءة للعربي ولغير العربي :
- وفي سنن أبي داود أن عمر كتب إلى ابن مسعود: أما بعد، فإن الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فاقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل".

"قال أبو عمر: ويحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار؛ لأن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز"، قال: "وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي، والله أعلم"
- "وقد روي عن عثمان مثل قول عمر هذا: "إن القرآن نزل بلغة قريش، بخلاف الرواية الأولى، وهذا أثبت عنه ومعناه عندي في الأغلب؛ لأن غير لغة قريش موجود في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها وقريش لا تهمز".

قلت: أشار عثمان رضي الله عنه إلى أول نزوله، ثم إن الله تعالى سهله على الناس، فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم على ما سبق تقريره؛ لأن الكل لغات العرب، فلم يخرج عن كونه بلسان عربي مبين.
- وأما من أراد من غير العرب حفظه فالمختار له أن يقرأه على لسان قريش، وهذا إن شاء الله تعالى هو الذي كتب فيه عمر إلى ابن مسعود رضي الله عنهما: "أقرئ الناس بلغة قريش"؛ لأن جميع لغات العرب بالنسبة إلى غير العربي مستوية في التعسر عليه، فإذا لا بد من واحدة منها، فلغة النبي صلى الله عليه وسلم أولى له، وإن أقرى بغيرها من لغات العرب، فجائز فيما لم يخالف خط المصحف، وأما العربي المجبول على لغة فلا يكلف لغة قريش لتعسرها عليه، وقد أباح الله تعالى القراءة على لغته، والله أعلم.


أقوال أهل العلم في تفسير الأحرف السبعة باللغات :
1) من فسر الأحرف السبعة باللغات المتفرقة :
- واختار الحافظ أبو العلاء تفسيرها باللغات المتفرقة في القرآن، قال: وليس الغرض أن تأتي اللغات السبع في كل كلمة من كلم القرآن، بل يجوز أن يأتي في الكلمة وجهان أو ثلاثة، فصاعدا إلى سبعة، ولم تأت سبعة أوجه إلا في كلمات محصورة، نحو "جبريل"، و{عبد الطاغوت}، و(أرجئه)، و(أف)، و {عذاب بئيس}، و {هيهات}، و(دري توقد)، ونظائرها، قال: وروي عن أبي طاهر بن أبي هاشم أنه قال: شاف أي يشفي من الريب، لا يقصر بعضه عن بعض في الفضل، وقوله كاف: أي كاف في نفسه، غير محوج إلى غيره.

2)من أنكر المقصود من السبعة أحرف أنها اللغات وأدلتهم :
- "قال أبو عمر: وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) سبع لغات، وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر؛ لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه، وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي مكي، وقد اختلفت قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا. وقالوا: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
- حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين، فقال لي الملك الذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك: على ثلاثة، فقلت: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف وليس منها إلا شاف كاف، غفورا رحيما، عليما حكيما، عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه كذلك)) -زاد بعضهم- ((ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)).
- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا، ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)).
- وقد ضعف الأهوازي تفسير الأحرف السبعة باللغات، قال: لأن اللغات في القبائل كثير عددها، وأبطل تفسيرها بالأصناف؛ لأن أصنافه أكثر من ذلك، منها الإخبار، والاستخبار على وجه التقرير والتقريع، ومنها الوعد، والوعيد، والخبر بما كان وبما يكون، والقصص، والمواعظ، والاحتجاج، والتوحيد، والثناء، وغير ذلك.


الحروف السبعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل عليها تجري على ضربين:
1) زيادة كلمة ونقص أخرى، وإبدال كلمة مكان أخرى، وتقديم كلمة على أخرى
مثال : نحو ما روي عن بعضهم: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)، وروي عن بعضهم: (حم سق)، (إذا جاء فتح الله والنصر)
حكمه :فهذا الضرب وما أشبهه متروك، لا تجوز القراءة به، ومن قرأ بشيء منه غير معاند ولا مجادل عليه وجب على الإمام أن يأخذه بالأدب، بالضرب والسجن على ما يظهر له من الاجتهاد، فإن جادل عليه ودعا الناس إليه وجب عليه القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المراء في القرآن كفر)) ولإجماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم".
2) "والضرب الثاني: ما اختلف القراء فيه من إظهار، وإدغام، وروم، وإشمام، وقصر، ومد، وتخفيف، وشد وإبدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب".
حكمه :"فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا، وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار، سوى ما وقع فيه من اختلاف في حروف يسيرة".



أوجه الإختلاف في القراءات :
- وأخبرنا شيخنا أبو الحسن رحمه الله في كتابه "جمال القراء" قال:

"فإن قيل: فأين السبعة الأحرف التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها في قراءتكم هذه المشهورة؟
"قلت: هي متفرقة في القرآن، وجملة ذلك سبعة أوجه:
"الأول: كلمتان تقرأ بكل واحدة في موضع الأخرى، نحو {يسيركم} و"ينشركم"، و {لنبوئنهم} و"لنثوينهم"، و {فتبينوا} و"فتثبتوا".
"الثاني: زيادة كلمة، نحو "من تحتها"، و {هو الغني} ".
"الثالث: زيادة حرف، نحو {بما كسبت} و"فبما كسبت"، -يعني في سورة الشورى".
"الرابع: مجيء حرف مكان آخر، نحو {يقول} و"نقول"، و {تبلو} و"تتلو".
"الخامس: تغيير حركات، إما بحركات أخر، أو بسكون، نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات}، و"ليحكم أهل الإنجيل".
"السادس: التشديد والتخفيف، نحو {تساقط} و"بلد ميت وميت".
"السابع: التقديم والتأخير، نحو {وقاتلوا وقتلوا}، (وقتلوا وقاتلوا (
ثم قال الشيخ: "وقوله عز وجل: (ثم انظر أنى يوفكون) يقرأ على سبعة أوجه، وكذلك قوله عز وجل: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية}، وقوله عز وجل: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}، ولذلك نظائر".
الوجه الأول لاختلاف القراءات:
- اختار الحافظ أبو العلاء تفسيرها باللغات المتفرقة في القرآن، قال: وليس الغرض أن تأتي اللغات السبع في كل كلمة من كلم القرآن، بل يجوز أن يأتي في الكلمة وجهان أو ثلاثة، فصاعدا إلى سبعة، ولم تأت سبعة أوجه إلا في كلمات محصورة، نحو "جبريل"، و{عبد الطاغوت}، و(أرجئه)، و(أف)، و {عذاب بئيس}، و {هيهات}، و(دري توقد)، ونظائرها، قال: وروي عن أبي طاهر بن أبي هاشم أنه قال: شاف أي يشفي من الريب، لا يقصر بعضه عن بعض في الفضل، وقوله كاف: أي كاف في نفسه، غير محوج إلى غيره.
- قال أبو العلاء الحافظ: واعلم أن الاختلاف على ضربين: تغاير وتضاد، فاختلاف التغاير جائز في القراءات، واختلاف التضاد لا يوجد إلا في الناسخ والمنسوخ.
- قال المصنف : ( قلت: وقال قوم: السبعة الأحرف منها ستة مختلفة الرسم، كانت الصحابة تقرأ بها إلى خلافة عثمان رضي الله عنهم، نحو الزيادة، والألفاظ المرادفة، والتقديم، والتأخير، نحو (إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي)، (وجاءت سكرة الحق بالموت)، (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين)، (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)، (والعصر ونوائب الدهر)، (وله أخ أو أخت من أمه)، (وما أصابك من سيئة فمن نفسك إنا كتبناها عليك)، و(إن كانت إلا زقية واحدة)، و(كالصوف المنفوش)، و(طعام الفاجر)، و(إن بوركت النار ومن حولها) في نظائر ذلك، فجمعهم عثمان على الحرف السابع الذي كتبت عليه المصاحف، وبقي من القراءات ما وافق المرسوم، فهو المعتبر، إلا حروفا يسيرة اختلف رسمها في مصاحف الأمصار، نحو (أوصى) و(وصى)، و {من يرتد} و(من يرتدد)، و(من تحتها) و(تحتها)، وكأنهم أسقطوا ما فهموا نسخه بالعرضة الأخيرة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، ورسموا ما سوى ذلك من القراءات التي لم تنسخ.)
- وقد حاول جماعة من أهل العلم بالقراءات استخراج سبعة أحرف من هذه القراءات المشهورة فقال بعضهم: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة:
1- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل {هن أطهر لكم} , (أطهر لكم)، {ويضيق صدري} (ويضيق صدري) بالرفع والنصب فيهما.
2- ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته، مثل (ربنا باعد بين أسفارنا) و {ربنا باعد بين أسفارنا}
3- ومنا ما يتغير معناه بالحروف واختلافها باللفظ ولا تتغير صورته في الخط، مثل (إلى العظام كيف ننشرها) بالراء والزاي.
4- ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه، مثل {كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش)
5- ومنها ما تتغير صورته ومعناه، مثل {وطلح منضود} "وطلع منضود".
6- ومنها التقديم والتأخير، مثل {وجاءت سكرة الموت بالحق} "وجاء سكرة الحق بالموت
7- ومنها الزيادة والنقصان، نحو "نعجة أنثى"، و"من تحتها" في آخر التوبة، و"هو الغني الحميد" في الحديد.
الوجه الثاني :
-واختار أبو علي الأهوازي طريقة أخرى فقال:

"قال بعضهم: معنى ذلك هو الاختلاف الواقع في القرآن، يجمع ذلك سبعة أوجه: الجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"، والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"، والإعراب، كقوله تعالى: "المجيد" و {المجيد}، والتصريف، كقوله تعالى: "يعرشون" و {يعرشون}، والأدوات التي يتغير الإعراب لتغيرها، كقوله تعالى: "ولكن الشياطين" {ولكن الشياطين}، واللغات، كالهمز وتركه، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، والإدغام، والإظهار، وتغيير اللفظ والنقط بالتفاق الخط، كقوله تعالى: "ننشرها" و {ننشزها}، ونحو ذلك". قال: "وهذا القول أعدل الأقوال وأقربها لما قصدناه، وأشبهه بالصواب".
- ثم ذكر وجها آخر فقال: "قال بعضهم: معنى ذلك سبعة معان في القراءة".

"أحدها: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون".
"الثاني: أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا".
"والثالث: أن تكون القراءتان مختلفتين في اللفظ، إلا أن المعنيين متفرقان في الموصوف، مثل قوله تعالى: "ملك" و {مالك {
"والرابع: أن تكون في الحرف لغتان، والمعنى واحد وهجاؤها واحد، مثل قوله تعالى: "الرشد" والرشد".

"والخامس: أن يكون الحرف مهموزا وغير مهموز، مثل "النبيء" و {النبي {
"والسادس: التثقيل والتخفيف، مثل {الأكل} و"الأكل".

"والسابع: الإثبات والحذف، مثل "المنادي" و {المناد}
- قال أبو علي: "وهذا معنى يضاهي معنى القول الأول الذي قبله، وعليه اختلاف قراءة السبعة الأحرف".
- قلت: وذكر هذين الوجهين اللذين ذكرهما أبو علي الأهوازي، الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد، ونسب الأول إلى أبي طاهر بن أبي هاشم، ثم قال عقيبه: "وهذا أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى". قال: "وقد روي عن مالك بن أنس أنه كان يذهب إلى هذا المعنى". ونسب الوجه الثاني إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن واصل.
- وقال أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الأذفوي في "كتاب الاستغناء في علوم القرآن" فيما نقله عن أبي غانم المظفر بن أحمد بن حمدان، قال:

"القرآن محيط بجميع اللغات الفصيحة، وتفصيل ذلك أن تكون هذه اللغات السبع على نحو ما أذكره.
"فأول ذلك تحقيق الهمز وتخفيفه في القرآن كله، في مثل {يؤمنون}، و"مؤمنين"، {والنبيين}، و {النسيء}، و {الصابئين}، و {البرية}، و {سأل سائل}، وما أشبه ذلك، فتحقيقه وتخفيفه بمعنى واحد، وقد يفرقون بين الهمز وتركه بين معنيين، في مثل {أو ننسها} من "النسيان" "أو ننسأها" من "التأخير"، ومثل {كوكب دري} و"دريء".
"ومنه إثبات الواو وحذفها في آخر الاسم المضمر، نحو: "ومنهمو أميون" .
"ومنه أن يكون باختلاف حركة وتسكينها، في مثل {غشاوة}، و"غشوة"، و {جبريل}، و {ميسرة}، و {البخل}، و {سخريا} ".
"ومنه أن يكون بتغيير حرف، نحو "ننشرها"، و"يقض الحق"، و {بضنين} ".
"ومنه أن يكون بالتشديد والتخفيف، نحو {يبشرهم}، و"يبشرهم".
"ومنه أن يكون بالمد والقصر، نحو "زكرياء" و {زكريا {
"ومنه أن يكون بزيادة حرف من "فعل" و"أفعل"، مثل (فاسر بأهلك)، و {نسقيكم {
واختار نحو هذه الطريقة في تفسير الأحرف السبعة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب في "كتاب الانتصار" فذكر التقديم والتأخير وجها، ثم الزيادة والنقص، نحو {وما عملته أيديهم} و"يا مال" و"ناخرة" و"سرجا"، و {خرجا }
الوجه الثالث :
- اختلاف الصورة والمعنى، نحو {وطلح منضود}، "وطلع منضود"، وقيل هما اسمان لشيء واحد، بمنزلة {العهن} و"الصوف"، و {الأثيم} و"الفاجر"، فيكون مما تختلف صورته في النطق والكتاب، ولا يختلف معناه.
- قال:

"وقال الجمهور من الناس غير هذا، فزعم بعض أهل التفسير أن الطلح هو زينة أهل الجنة، وأنه ليس من الطلع في شيء، وقال كثير منهم: إن الطلح هو الموز، وقال آخرون: هو الشجر العظام الذي يظل ويعرش، وإن قريشا وأهل مكة كان يعجبهم طلحات وج -وهو واد بالطائف- لعظمها وحسنها، فأخبروا على وجه الترغيب أن في الجنة طلحا منضودا، يراد أنه متراكم كثير، وقالوا: إن العرب تسمي الرجل طلحة، على وجه التشبيه له بالشجرة العظيمة المستحسنة، وإذا كان كذلك ثبت أن الطلح والطلع إذا قرئ بهما كان مما تختلف صورته ومعناه"
الوجه الرابع :
أن يكون الاختلاف في القراءتين، اختلافا في حروف الكلمة بما يغير معناها ولفظها من السماع، ولا يغير صورتها في الكتاب، نحو "ننشرها" و {ننشزها}
الوجه الخامس :
- الاختلاف في بناء الكلمة بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو "البخل" و"البخل"، و"ميسرة"، و"ميسرة"، "يعكفون"، و{هل نجازي إلا الكفور} ".
الوجه السادس:
- تغيير الصورة دون المعنى، نحو "العهن" و"الصوف"، و {صيحة} و"زقية"، {فومها} و"ثومها".
الوجه السابع :
- اختلاف حركات الإعراب والبناء، بما يغير المعنى، والصورة واحدة، نحو "باعد، وباعد بين أسفارنا"، و"لقد علمت ما أنزل هؤلاء" بالضم والفتح". قال: "فهذا، والله أعلم، هو تفسير السبعة الأحرف دون جميع ما قدمنا ذكره".

تعقيب المصنف ورأيه في أوجه القراءات المختلفة :
- قال المصنف : يعني في مجموع هذه الكلم من هذه الآيات سبعة أوجه، لا في كل كلمة منها، وقد يأتي في غيرها أكثر من سبعة أوجه بوجوه كثيرة إذا نظر إلى مجموع الكلم دون آحادها، كقوله سبحانه في "طه": {وهل أتاك حديث موسى}، الآية، وذلك كثير، وإنما الشأن أن يكون في الكلمة الواحدة سبعة أوجه، فهذا الذي عز وجوده فعد من ذلك ألفاظ يسيرة، نحو {أف} و {عذاب بئيس}، وليست كل الوجوه فيها من القراءات المشهورة، بل بعضها من القراءات الشاذة، إلا أنها من جملة اللغات والألفاظ المرادفة التي كانت القراءة قد أبيحت عليها، وقد تقدم أن معنى الحديث أن كلمات القرآن أبيح أن يقرأ كل كلمة منها على ما يحتمله من وجهين وثلاثة إلى سبعة، توسعة على الناس على قدر ما يخف على ألسنتهم.
- وقد تقدم من حديث أبي بن كعب بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: ((إني بعثت إلى أمة أمية فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام، فقال: مرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف )
معنى الحديث :
- 1)وقال المصنف أيضا :فمعنى الحديث أنهم رخص لهم في إبدال ألفاظه بما يؤدي معناها، أو يقاربه من حرف واحد إلى سبعة أحرف، ولم يلزموا المحافظة على حرف واحد؛ لأنه نزل على أمة أمية لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء على لفظه مع كبر أسنانهم واشتغالهم بالجهاد والمعاش، فرخص لهم في ذلك، ومنهم من نشأ على لغة يصعب عليه الانتقال عنها إلى غيرها، فاختلفت القراءات بسبب ذلك كله، ودلنا ما ثبت في الحديث من تفسير ذلك بنحو: هلم، وتعال، على جواز إبداله باللفظ المرادف، ودلنا ما ثبت من جواز {غفورا رحيما} موضع {عزيزا حكيما} على الإبدال بما يدل على أصل المعنى دون المحافظة على اللفظ، فإن جميع ذلك ثناء على الله سبحانه، هذا كله فيما يمكن القارئ عادة التلفظ به، وأما ما لا يمكنه لأنه ليس من لغته فأمره ظاهر ولا يخرج إن شاء الله شيء من القراءات عن هذا الأصل وهو إبدال اللفظ بمرادف له أو مقارب في أصل المعنى، ثم لما رسمت المصاحف هجر من تلك القراءات ما نافى المرسوم، وبقي ما يحتمله، ثم بعض ما يحتمله خط المصحف اشتهر وبعضه شذت روايته، وهذا أولى من حمل جميع الأحرف السبعة على اللغات؛ إذ قد اختلفت قراءة عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم رضي الله عنهما وكلاهما قرشي مكي، لغتهما واحدة.
- 2)وقد تكلم على معنى هذا الحديث كلاما كثيرًا شافيا صاحب "كتاب الدلائل"، -وهو القاسم بن ثابت بن عبد الرحمن العوفي السرقسطي رحمه الله- فذكر الوجه الذي بدأنا به في أول الفصل الماضي، وهو الوجه الذي استحسنه ابن عبد البر من قول بعضهم، وإنما نقله أبو عمر من كتاب قاسم، ثم قال القاسم عقيبه":

"وفي هذا التفسير ما رغب بعض الناس بقائله عنه، وإن كان قد ذهب مذهبا واستنبط عجبا؛ لأنه اخترع معنى لا نعلم أحدا من السلف قال به، ولا أشار إليه، وليس للخلف الخروج عن السلف، ولا رفض عامتهم لمذهب لم يسلكوه، وتأويل لم يطلقوه، ونقول -وبالله التوفيق- بالذي صحت به الآثار، وتواطأت عليه الأخبار، وتأويله من أهل التفسير من لا يدفع نقله ولا يتهم نظره، إن الله تبارك وتعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم والعرب متناءون في المحال والمقامات، متباينون في كثير من الألفاظ واللغات، ولكل عمارة لغة دلت بها ألسنتهم، وفحوى قد جرت عليها عادتهم، وفيهم الكبير العاسي والأعرابي القح، ومن لو رام نفي عادته وحمل لسانه على غير ذريته تكلف منه حملا ثقيلا، وعالج منه عبئا شديدا، ثم لم يكسر غربه ولم يملك استمراره إلا بعد التمرين الشديد، والمساجلة الطويلة، فأسقط عنهم تبارك وتعالى هذه المحنة، وأباح لهم القراءة على لغاتهم، وحمل حروفه، على عاداتهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئهم بما يفقهون، ويخاطبهم بالذي يستعملون بما طوقه الله من ذلك، وشرح به صدره، وفتق به لسانه، وفضله على جميع خلقه".
الأدلة على ذلك :
- ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما))، قال: "وهذا الحديث يفسره قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ليس الخطأ أن تجعل خاتمة آية خاتمة آية أخرى، أن تقول: عزيز حكيم، وهو غفور رحيم، ولكن الخطأ أن تجعل آية الرحمة آية العذاب".

-وذكر حديث حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن زر عن أبي رضي الله عنه قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الغلام والجارية والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف، قال: "فمعنى قوله: "على سبعة أحرف"، يريد -والله أعلم- على لغات شعوب من العرب سبعة، أو من جماهيرها وعمايرها".
- ثم ذكر حديث عثمان رضي الله عنه: "أنزل القرآن بلسان مضر".
- وعن سعيد بن المسيب قال: "نزل القرآن على لغة هذ الحي من لدن هوازن وثقيف إلى ضرية".

- وروى أبو خلدة عن أبي العالية قال: "قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم من كل خمس رجل، فاختلفوا في اللغة، ورضي قراءتهم كلهم، وكانت تميم أعرب القوم".
- قال أبو حاتم السجستاني: "أحب الألفاظ واللغات إلينا لغات قريش ثم من دنا منهم من بطون العرب ومن بطون مضر خاصة للحديث الذي جاء في مضر".
- وقال الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، صارت في عجز هوازن منها خمسة".
- قال أبو حاتم: "عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر".
- قال أبو حاتم: "خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان".
- قال قاسم بن ثابت: "ولو أن رجلا مثل مثالا، يريد به الدلالة على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). وجعل الأحرف على مراتب سبعة، فقال: "منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أوتي على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن".
- قال: "وإن في لغة مضر شواذ، لا نختارها ولا نجيز القرآن بها، مثل كشكشة قيس، يجعلون كاف المؤنث شينا، وعنعنة تميم، يقولون "عن" في موضع "أن"، وكما ذكر عن بعضهم أنه يبدل السين
وتعقيب القاسم بعد سرد الأحاديث الصحيحة :
- "وهذه الأحاديث الصحاح التي ذكرنا بالأسانيد الثابتة المتصلة تضيق عن كثير من الوجوه التي وجهها عليها من زعم أن الأحرف في صورة الكتبة وفي التقديم والتأخير والزيادة والنقصان؛ لأن الرخصة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب ليس لهم يومئذ كتاب يعتبرونه، ولا رسم يتعارفونه، ولا يقف أكثرهم من الحروف على كتبه، ولا يرجعون منها إلى صورة، وإنما كانوا يعرفون الألفاظ بجرسها، أي بصوتها، ويجدونها بمخارجها، ولم يدخل عليهم يومئذ من اتفاق الحروف ما دخل بعدهم على الكتبين من اشتباه الصور، وكان أكثرهم لا يعلم بين الزاي والسين سببا، ولا بين الصاد والضاد نسبا".
- قال: "فإن قيل: فإنا نجد حروفا متباينة المخارج، وهي متفقة الصور يقرءون بها، مثل "ننشرها" و {ننشزها}، فإن العلة في ذلك تقارب معانيها، وإن تباعدت مخارجها، وليس بعجب أن يتوافى لحرفين متباينين في اللفظ، متقاربين في المخرج صورة تجمعهما وسمة تأخذهما، كما أنه ليس بعجب أن يتوافى في اللفظ الواحد معنيان متباينان، يسوغ بها القول ويحملها التأويل. ألا ترى أن الذين أخذت عنهم القراءة إنما تلقوها سماعا وأخذوها مشافهة وإنما القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، ولا يلتفت في ذلك إلى الصحف ولا إلى ما جاء من وراء وراء، وإنما أخذت الرخصة في ذلك بالأمة الأمية، والعصبة المعدية، فلما كانت الرخصة وهم كانوا العلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وإن الشهر هكذا وهكذا))، وجعل يشير بأصابعه عد العرب".
- قال: "وذكر بعض الخبريين أن هشام بن عبد الملك مر على ميل فقال الأعرابي: انظر ما الذي عليه مكتوبا، فنظر ثم أقبل فقال: محجن وحلقة وثلاث، كأنها أطباء الكلبة، وهامة كأنها منقار قطاة. فقال هشام: هذه خمسة".
- قد قاسم بن ثابت: "ومن قول هذا الرجل أيضا أنه قال: ليس في كتاب الله تعالى حرف له سبعة وجوه من القراءات".

قال: "وهذا اعتساف بلا تثبت، وقد جاء في كتاب الله عز وجل ما له وجوه من القراءات سبعة، أو تزيد من غير أن تقول: "إن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، وإن ذلك موجود في جميع الحروف".
- ثم ذكر عن أبي حاتم السجستاني في قوله تعالى: {وعبد الطاغوت} سبعة أوجه من القراءات محفوظة، وإن كان المشهور عندنا اثنتين.

ثم قال: "وأما في اللغات فموجود عنهم أن يختلفوا في حركات الحرف الواحد على سبعة وجوه، مثل قوله عز وجل: {أنعمت عليهم}، فقرأ بعضهم (عليهمو) بضمتين وواو، وبعضهم بضمتين وألقى الواو وأبقى حركة الميم، وبعضهم "عليهم" بضم الهاء وأسكن الميم، وبعضهم "عليهمي" بكسرتين وألحق الياء، وبعضهم بكسرتين وألقى الياء، وبعضهم بكسر الهاء وتسكين الميم، وبعضهم بكسر الهاء وضم الميم". قال: "وذلك كله مروي عن الأئمة من القراء والرؤساء من أهل اللغة والفصحاء من العرب".
- قال المصنف :قلت: وبقي فيها قراءة ثامنة مشهورة، وهي كسر الهاء وصلة الميم بواو.
- 3) وذكر أيضا معنى الحديث :
وقال صاحب شرح السنة:

"أظهر الأقاويل وأصحها وأشبهها بظاهر الحديث أن المراد من هذه الحروف اللغات، وهو أن يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم من الإدغام والإظهار والإمالة والتفخيم والإشمام والإتمام والهمز والتليين وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلة الواحدة".
- ثم قال: "ولا يكون هذا الاختلاف داخلا تحت قوله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ؛ إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء مما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة، وكلها كلام الله عز وجل، نزل بها الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قوله عليه السلام: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف))، فجعل الأحرف كلها منزلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض جبريل عليه السلام في كل شهر رمضان بما يجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله فيه ما شاء وينسخ ما يشاء، وكان يعرض عليه في كل عرضة وجها من الوجوه التي أباح الله له أن يقرأ القرآن به، وكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى أن يقرأ ويقرئ بجميع ذلك، وهي كلها متفقة المعاني وإن اختلف بعض حروفها".
- ثم قال: وقوله في الأحاديث: ((كلها شاف كاف))، يريد -والله أعلم- أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين، لاتفاقها في المعنى، وكونها من عند الله وتنزيله ووحيه، كما قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، وهو كاف في الحجة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه وعجز الخلائق عن الإتيان بمثله".
4) وذكر أيضا عن معنى الحديث :
- وفي "كتاب غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر)).

"ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل، ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ أن يقرأ الرجل القرآن على حرف، فيقول له الآخر: ليس هو هكذا ولكنه هكذا، على خلافه، وقد أنزلهما الله تبارك وتعالى جميعا، يعلم ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن القرآن نزل على سبعة أحرف كل حرف منها شاف كاف)).
- "ومنه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إياكم والاختلاف والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال، فإذا جحد هذان الرجلان كل واحد منهما ما قرأ صاحبه لم يؤمن أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لهذا المعنى".
"- ومنه حديث عمر رضي الله عنه: اقرءوا القرآن ما اتفقتم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه".
"- ومنه حديث أبي العالية الرياحي: أنه إذا قرأ القرآن عنده إنسان لم يقل: ليس هو هكذا، ولكن يقول: أما أنا فأقرأ هكذا".
-"قال شعيب بن الحبحاب: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله".
5) عن معنى الحديث :
- وقال أبو جعفر الطبري:

"أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما خصه الله تعالى به وأمته من الفضيلة والكرامة التي لم يؤتها أحدا في تنزيله".
"-وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك ترجمة له وتفسيرا، لا تلاوة له على ما أنزل الله".
"-وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي كان له تاليا على ما أنزله الله، لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما".
"فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف )) .
"-وأما معنى قوله: "إن الكتاب الأول نزل من باب واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب"، فقد مضى تفسير "الأبواب السبعة".
وهي أنه آمر وزاجر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، ولم يجمع كتاب مما تقدم هذه "الأبواب السبعة" كزبور داود الذي هو تذكر ومواعظ، وإنجيل عيسى الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض".
وأطال الطبري رحمه الله كلامه في تقرير ذلك، والله أعلم.


بيان سبب ضعف الطرق المذكورة في بيان وجود الأحرف السبعة :
- قال المصنف : وهذه الطرق المذكورة في بيان وجود السبعة الأحرف في هذه القراءات المشهورة كلها ضعيفة؛ إذ لا دليل على تعيين ما عينه كل واحد منهم، ومن الممكن تعيين ما لم يعينوا. ثم لم يحصل حصر جميع القراءات فيما ذكروه من الضوابط، فما الدليل على جعل ما ذكروه مما دخل في ضابطهم من جملة الأحرف السبعة دون ما لم يدخل في ضابطهم، وكان أولى من جميع ذلك لو حملت على سبعة أوجه من الأصول المطردة كصلة الميم، وهاء الضمير، وعدم ذلك، والإدغام، والإظهار، والمد، والقصر، وتحقيق الهمز، وتخفيفه، والإمالة، وتركها، والوقف بالسكون، وبالإشارة إلى الحركة، وفتح الياءات، وإسكانها، وإثباتها، وحذفها، والله أعلم.


رأي أهل العلم مع أوجه الإختلاف في القراءات :
- قال ابن عبد البر: "وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا، وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها، إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيها يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف".
- واعتمد على هذه الأوجه مكي، وجعل من القسم الأول نحو "البخل" و"البخل"، و"ميسرة" بضم السين وفتحها، ثم قال: "وهذه الأقسام كلها كثيرة، لو تكلفنا أن نؤلف في كل قسم كتابا بما جاء منه وروي لقدرنا على ذلك".


سبب الإكتفاء بالقراءة على حرف بدل السبعة أحرف :
"وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غيرها؛ لأنهم كانوا أميين، لا يكتبون إلا القليل منهم، فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك، حتى كثر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، ولم يسعهم حينئذ أن يقرؤوا بخلافها، وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص، لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد".




بيان مسألة القراءة بالأحرف السبعة في الصلاة :
- قال أبو عمر: معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة على وجه التعليم والوقوف على ما روي في ذلك من علم الخاصة، وإنما ذكرنا ذلك عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث، وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة؛ لأن ما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لكنه لا يقدم أحد على القطع في رده، وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود، أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه".

"-وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا، لا يعرج عليهم، منهم الأعمش". قال: "وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها، إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عليه عثمان رضي الله عنه المصاحف".
- "قال أبو عمر: وهو الذي عليه الناس في مصاحفهم وقراءاتهم من بين سائر الحروف؛ لأن عثمان رضي الله عنه جمع المصاحف عليه". قال: "وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به، وبالله العصمة والهدى".


حكم القراءة بما خالف خط المصحف :
- قال ابن عبد البر: "فأما ما اختلف فيه القراء من الإمالة والفتح والإدغام والإظهار والقصر والمد والتشديد والتخفيف وشبه ذلك، فهو من القسم الأول لأن القراءة بما يجوز منه في العربية، وروي عن أئمة وثقات: جائزة في القرآن؛ لأن كله موافق للخط". قال: "وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة ذهب جماعة من العلماء، وهو قول ابن قتيبة، وابن شريح، وغيرهما، لكنا شرحنا ذلك من قولهم".

قال: "وهو الذي نعتقده ونقول به وهو الصواب إن شاء الله تعالى".
- وقال صاحب "شرحالسنة
":
"
جمع اللهتعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر بكتبته، جمعا بعد ما كانمفرقا في الرقاع ليكون أصلا للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان بنسخهفي المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعا لمادة الخلاف، فكان مايخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع، كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد وهو الإمام للأمة،فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابةوالسواد".


حكم القراءة باللغات المختلفة مما يوافق الخط :
- قال صاحب السنة : فأما القراءة باللغات المختلفة مما يوافق الخط والكتاب فالفسحة فيه باقية، والتوسعةقائمة بعد ثبوتها وصحتها، بنقل العدول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
- قال المصنف : قلت: ولا يلزم في ذلك تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة من الاستفاضة وموافقة خط المصحف وعدم المنكرين لها نقلا وتوجيها من حيث اللغة، والله أعلم.



هل المجموع في المصحف جميع الأحرف السبعة أم حرف واحد :
- ميل القاضي أبي بكر إلى أنه جميعها.
- وصرح أبو جعفر الطبري والأكثرون من بعده على أنه حرف منها.
- ومال الشيخ الشاطبي إلى قول القاضي فيما جمعه أبو بكر، وإلى قول الطبري فيما جمعه عثمان رضي الله عنهما، ودل على ذلك أبياته المتقدمة .
- وقال أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ في "شرح الهداية":

"أصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك إنما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن".
تلخيص ما ذكر :
- المجموع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به، وهو ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو ثبت عنه أنه قرأ به أو أقرأ غيره به.
- وما اختلفت فيه المصاحف حذفا وإثباتا، نحو "من تحتها"، {هو الغني}، {فبما كسبت أيديكم} فمحمول على أنه نزل بالأمرين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته على الصورتين لشخصين أو في مجلسين، أو أعلم بهما شخصا واحدا وأمره بإثباتهما.
- وأما ما لم يرسم فهو مما كان جوز به القراءة، وأذن فيه، ولما أنزل ما لم يكن بذلك اللفظ خير بين تلك الألفاظ توسعة على الناس وتسهيلا عليهم، فلما أفضى ذلك إلى ما نقل من الاختلاف والتكثير اختار الصحابة رضي الله عنهم الاقتصار على اللفظ المنزل المأذون في كتابته، وترك الباقي للخوف من غائلته، فالمهجور هو ما لم يثبت إنزاله، بل هو من الضرب المأذون فيه بحسب ما خف وجرى على ألسنتهم.
- "وقال المصنف أيضا : والضرب الثاني: ما اختلف القراء فيه من إظهار، وإدغام، وروم، وإشمام، وقصر، ومد، وتخفيف، وشد وإبدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب".

"فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا، وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار، سوى ما وقع فيه من اختلاف في حروف يسيرة".
"فثبت بهذا: أن هذه القراءات التي نقرؤها، هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، استعملت لموافقتها المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته لمرسوم خط المصحف؛ إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن؛ وإذ قد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لنا القراءة ببعضها دون بعض، لقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر منه}، فصارت هذه القراءة المستعملة في وقتنا هذا هي التي تيسرت لنا بسبب ما رواه سلف الأمة رضوان الله عليهم، من جمع الناس على هذا المصحف، لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض".
قال: "فهذا أصح ما قال العلماء في معنى هذا الحديث".
الثبات على قراءته بحرف واحد ورفض قراءته بالأحرف الستة :
- قال الإمام أبو جعفر الطبري:

"الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت. كما أمرت، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق أو إطعام أو كسوة. فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث دون حظرها التكفير فيها بأي الثلاث شاء المكفر، كانت مصيبة حكم الله مؤيدة في ذلك الواجب عليها في حق الله، فكذلك الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت -لعله من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن في قراءته به".
- ثم ساق الكلام إلى أن قال:

"فحملهم -يعني عثمان رضي الله عنه- على حرف واحد، وجمعهم على مصحف واحد، وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه، فاستوسقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها، وعفو آثارها، وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منهم صحتها، فلا القراءة اليوم لأحد من المسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية".
- "وقد ذهب الطبري وغيره من العلماء إلى أن جميع هذه القراءات المستعملة ترجع إلى حرف واحد، وهو حرف زيد بن ثابت".
- قال المصنف : قلت: لأن خط المصحف نفى ما كان يقرأ به من ألفاظ الزيادة والنقصان والمرادفة والتقديم والتأخير، وكانوا علموا أن تلك الرخصة قد انتهت بكثرة المسلمين واجتهاد القراء وتمكنهم من الحفظ.
من ترك القراءات الأخرى ومن منعها :
- قال: "فإن قال بعض من ضعفت معرفته: كيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟".

قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة". ثم ساق الكلام في تقرير ذلك.
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب : فأما أن يستجيز هو أو غيره من أئمة المسلمين المنع من القراءة بحرف ثبت أن الله تعالى أنزله، ويأمر بتحريقه والمنع من النظر فيه والانتساخ منه، ويضيق على الأمة ما وسعه الله تعالى، ويحرم من ذلك ما أحله، ويمنع منه ما أطلقه وأباحه، فمعاذ الله أن يكون ذلك كذلك".


بيان أن الإختلاف كان في القرءات الشاذة وليس في الحروف المشهورة :
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب:

"القوم لم يختلفوا عندنا في هذه الحروف المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم التي لم يمت حتى علم من دينه أنه أقرأ بها وصوب المختلفين فيها، وإنما اختلفوا في قراءات ووجوه أخر لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تقم بها حجة، وكانت تجيء عنه مجيء الآحاد، وما لم يعلم ثبوته وصحته، وكان منهم من يقرأ التأويل مع التنزيل، نحو قوله تعالى: {والصلاة الوسطى}، وهي صلاة العصر، "فإن فاءوا فيهن" , وأمثال هذا مما وجدوه في بعض المصاحف، فمنع عثمان رضي الله عنه من هذا الذي لم يثبت ولم تقم به الحجة، وحرقه، وأخذهم بالمستيقن المعلوم من قراءات الرسول صلى الله عليه وسلم".


سبب اختار عثمان حرف زيد وعدوله عما عداهامن القراءات والأحرف :
- إنما اختار عثمان حرف زيد؛ لأنه هو كان حرف جماعة المهاجرين والأنصار، وهو القراءةالراتبة المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليها كان أبو بكر وعمر وعثمانوعلي وأبي وعبد الله ومعاذ ومجمع بن جارية وجميع السلف رضي الله عنهم، وعدل عماعداها من القراءات والأحرف؛ لأنها لم تكن عند عثمان والجماعة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مشهورة مستفيضة استفاضة حرف زيد".
سبب نسبة هذا الحرف لزيد :
- وإنما نسب هذا الحرف إلى زيد؛ لأنه تولى رسمه في المصاحف وانتصب لإقراء الناس بهدون غيره".



تابع ...




رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 صفر 1436هـ/15-12-2014م, 05:31 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تابع ...

الأمر بقراءة القرآن على سبعة أحرف أمر تخيير وسبب ثبات الأمة على حرف واحد :
"قال الإمام أبي جعفر بن جرير: فثبتت الأمة على حرف واحد من السبعة التي خيروا فيها، وكان سبب ثباتهم على ذلك ورفض الستة ما أجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوا على الأمة تكفير بعضهم بعضا أن يستطيل ذلك إلى القتال وسفك الدماء وتقطيع الأرحام، فرسموا لهم مصحفا، أجمعوا جميعا عليه وعلى نبذ ما عداه لتصير الكلمة واحدة، فكان ذلك حجة قاطعة وفرضا لازما".


=============================


المقصد الرابع :في معنى القراءات المشهورة الآن
وتعريف الأمر فيذلك كيف كان

القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة :
-قال المصنف : وقد ظن جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، فقراءة كل واحد من هؤلاء حرف من تلك الأحرف،ولقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنه قال ذلك.
- قال أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم: "رام هذا الغافل مطعنا في أبي بكر شيخنا، فلم يجده، فحمله ذلك على أن قوله قولا لم يقله هو ولا غيره، ليجد مساغا إلى ثلبه، فحكى عنه أنه اعتقد أن تفسير معنىقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أن تلك السبعة الأحرف هي قراءة السبعة القراء الذين ائتم بهم أهل الأمصار، فقال على الرجل إفكا واحتقب عارا، ولم يحظ من أكذوبته بطائل، وذلك أن أبا بكر رحمه الله كان أيقظ من أن يتقلدمذهبا لم يقل به أحد، ولا يصح عند التفتيش والفحص".
- قال الإمام ابن جرير : قال: "وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف )).

قال: "وذلك من قبل أن كل حرف اختلفت فيه أئمة القراءة لا يوجب المراء كفرا لمن مارى به في قول أحد من المسلمين، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الكفر للمماري بكل حرف من الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن".
تعليل المصنف :
- وذلك أن أهل العلم قالوا في معنى قوله عليه السلام: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف (( إنهن سبع لغات، بدلالة قول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: إن ذلك كقولك هلم وتعالوأقبل"
-."فكان ذلك جاريا مجرى قراءة عبدالله: (إن كانت إلا زقية واحدة) و(كالصوف المنفوش)، وقراءة أبي رضي الله عنه: (أنبوركت النار ومن حولها)، (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار)، وكقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (وعلى كل ضامر يأتون)
.
"
وهذا النوع من الاختلاف معدوم اليوم، غيرمأخوذ به ولا معمول بشيء منه بل هو اليوم متلو على حرف واحد متفق الصورة في الرسمغير متناف في المعاني إلا حروفا يسيرة اختلفت صور رسمها في مصاحف الأمصار واتفقت معانيها فجرى مجرى ما اتفقت صورته".
- وذلك كالحرف المرسوم في مصحف أهل المدينة والشام (وأوصى بها إبراهيم)، وفي مصحف الكوفيين "ووصى"، وفي مصحف أهل الحرمين {لئن أنجيتنا}، وفي مصحف الكوفيين "أنجينا".


علاقة القراءات السبعة بالأحرف السبعة :
- قال الإمام أبو بكر بن العربي في "كتاب القبس:
"فإن قيل: فما تقولون في هذه القراءات السبع التي ألفت في الكتب؟

"قلنا: إنما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة بعد أن كتبت بلغة قريش، فإن القرآن إنما نزل بلغتها ثم أذن رحمة من الله تعالى لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة ولا معجمة قرأها الناس فما أنفذوه منها نفذ، وما احتمل وجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه".
"فلما أراد بعضهم أن يجمع ما شذ عن خط المصحف من الضبط جمعه على سبعة أوجه اقتداء بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف )).قال: "وليست هذه الروايات بأصل في التعيين، بل ربما خرج عنها ما هو مثلها أو فوقها كحروف أبي جعفر المدني وغيره".
- قال أبو محمد مكي:

"هذه القراءات كلها التي يقرؤها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه وعلى اطراح ما سواه، ولم ينقط ولم يضبط فاحتمل التأويل لذلك".
قال: "فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء كنافع وعاصم وأبي عمرو، أحد الأحرف السبعة التي نص النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك منه غلط عظيم؛ إذ يجب أن يكون ما لم يقرأ به هؤلاء السبعة متروكا؛ إذ قد استولوا على الأحرف السبعة عنده، فما خرج عن قراءتهم فليس من السبعة عنده".
- قال أبوعلي الأهوازي : "ولسنا نقول: إن ما قرأه هؤلاء السبعة يشتمل على جميع ما أنزله الله عز وجل من الأحرف بالسبعة التي أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بها، ولا معنى ما ورد عنهم معنى ذلك".
- وقال أبو علي الأهوازي أيضا : "وقد ظن بعض من لا معرفة له بالآثار أنه إذا أتقن عن هؤلاء السبعة قراءتهم أنه قد قرأ السبعة الأحرف التي جاء بها جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم". قال: "وهو خطأ بين وغلط ظاهر عند جميع أهل البصر بالتأويل".
ما ترتب على الأخذ بهذا القول :
- "ويجب من هذا القول أن تترك القراءة بما روي عن أئمة هؤلاء السبعة من التابعين والصحابة مما يوافق خط المصحف، مما لم يقرأ به هؤلاء السبعة".
- "ويجب منه أن لا تروى قراءة عن ثامن فما فوقه؛ لأن هؤلاء السبعة عند معتقد هذه القول قد أحاطت قراءتهم بالأحرف السبعة".
الرد على من أخذ بهذا القول :
- قال: "وقد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة، على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة واطرحهم: قد ترك أبو حاتم وغيره ذكر حمزة والكسائي وابن عامر، وزاد نحو عشرين رجلا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة".
- "وكذلك زاد الطبري في "كتاب القراءات" له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا".
-وكذلك فعل أبو عبيد وإسماعيل القاضي".
فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تخلف عظيم، أكان ذلك ينص من النبي صلى الله عليه وسلم أم كيف ذلك".
- قال مكي : "وكيف يكون ذلك والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون، وغيره كان السابع -وهو يعقوب الحضرمي- فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب"؟.
- "وكيف يكون ذلك والكسائي إنما قرأ على حمزة وغيره، وإذا كانت قراءة حمزة أحد الحروف السبعة فكيف يخرج حرف آخر من الحروف السبعة؟".

وأطال الكلام في تقرير ذلك.
رد المصنف على قول مكي:
- وأما قول مكي: "إن الكسائي ألحق بالسبعة في أيام المأمون، وكان السابع يعقوب" ففيه نظر، فإن ابن مجاهد صنف "كتاب السبعة" وهو متأخر عن زمن المأمون بكثير، فإنه توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، ومات المأمون سنة ثماني عشرة ومائتين، فلعل مصنفا آخر سبق ابن مجاهد إلى تصنيف قراءات السبعة، وذكر يعقوب دون الكسائي، إن صح ما أشار إليه مكي.

فإن غيره من الأئمة المصنفين في القراءات الثماني يقولون: وإنما ألحق يعقوب بهؤلاء السبعة أخيرا لكثرة روايته وحسن اختياره ودرايته.
- وأما قوله: "إن نسخ القرآن بالإجماع فيه اختلاف"، فالمحققون من الأصوليين لا يرضون هذه العبارة، بل يقولون: الإجماع لا ينسخ به؛ إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي، وما نسخ بالإجماع، فالإجماع يدل على ناسخ قد سبق في زمن نزول الوحي من كتاب أو سنة.
معنى قول قرأ فلان بالأحرف السبعة وعلاقته بالقراءات :
- "وأما قول الناس: قرأ فلان بالأحرف السبعة فمعناه أن قراءة كل إمام تسمى حرفا، كما يقال: قرأت بحرف نافع، وبحرف أبي وبحرف ابن مسعود، فهي أكثر من سبعمائة حرف لو عددنا الأئمة الذين نقلت عنهم القراءات من الصحابة فمن بعدهم".


حال القرآن والقراءات التي في أيدينا :
- فحصل أن الذي في أيدينا من القرآن هو ما في مصحف عثمان رضي الله عنه الذي أجمع المسلمون عليه.

"والذي في أيدينا من القراءات هو ما وافق خط ذلك المصحف من القراءات التي نزل بها القرآن وهو من الإجماع أيضا. وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خط المصحف، فكأنها منسوخة بالإجماع على خط المصحف".
- والنسخ للقرآن بالإجماع فيه اختلاف، فلذلك تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف مما ثبت نقله، وليس ذلك بجيد ولا صواب؛ لأن فيه مخالفة الجماعة، وفيه أخذ القرآن بأخبار الآحاد، وذلك غير جائز عند أحد من الناس".
مثال ذلك :
مثال هذا ما ثبت في الصحيحين من قراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * والذكر والأنثى). وقراءة الجماعة على وفق خط المصحف: {وما خلق الذكر والأنثى}، وقد أوضحت هذا في أول ترجمة علقمة بن قيس من التاريخ الكبير.


سبب اختلاف القراءات :
قال مكي :
- قال مكي رحمه الله:

"فإن سأل سائل: ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارها مما قرأ به على أئمته"؟
قال: "فالجواب: أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعات بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ، فكانوا في برهة من أعمارهم، يقرءون الناس بما قرءوا، فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه؛ إذ كان ذلك مما قرءوا به على أئمتهم".
- "ألا ترى أن نافعا قال: قرأت على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما شك فيه واحد تركته. يريد -والله أعلم- مما خالف المصحف. وكان من قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه ذلك".
- "وهذا قالون ربيبه وأخص الناس به، وورش أشهر الناس المتحملين إليه اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه".
- "ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش، وإنما ذلك لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده فوافق ذلك رواية قرأها نافع على بعض أئمته فتركه على ذلك. وكذلك ما قرأ عليه به قالون وغيره"
- السبب في اختلاف هؤلاء الأئمة بعد المرسوم لهم:
- قال ابن جرير : فإن قيل: فما السبب في اختلاف هؤلاء الأئمة بعد المرسوم لهم، ذلك شيء تخيروه من قبل أنفسهم، أم ذلك شيء وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف إليهم؟

"قيل: لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون كأبي موسى بالبصرة وعلي وعبد الله بالكوفة وزيد وأبي بن كعب بالحجاز ومعاذ وأبي الدرداء بالشام، فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه".


سبب اشتهار القراء السبعة دون غيرهم :
- واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرةالمجمع عليها، قد انتهت إلى السبعة القراء المقدم ذكرهم، واشتهر نقلها عنهم لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر في كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدي بهم وعول فيها عليهم.
قال مكي :
-"فإن سأل سائل: "ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هو فوقهم، فنسبت إليهم السبعة الأحرف مجازا، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم ممن هو أعلى درجة منهم وأجل قدرا؟".

"فالجواب: أن الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف. فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين وكمال العلم، واشتهر أمره وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرئ به، ولم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان رضي الله عنه مصحفا إماما، هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر".
- "فكان أبو عمرو من أهل البصرة، وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها، والكسائي من أهل العراق، وابن كثير من أهل مكة، وابن عامر من أهل الشام، ونافع من أهل المدينة، كلهم ممن اشتهرت أمانته وطال عمره في الإقراء، وارتحل الناس إليه من البلدان، ولم يترك الناس مع هذا نقل ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف ولا القراءة بذلك".
- "وأول من اقتصر على هؤلاء السبعة أبو بكر بن مجاهد، قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها وتابعه على ذلك من أتى بعده إلى الآن، ولم تترك القراءة برواية غيرهم واختيار من أتى بعدهم إلى الآن".

"فهذه قراءة يعقوب الحضرمي غير متروكة، وكذلك قراءة عاصم الجحدري وقراءة أبي جعفر وشيبة إمامي نافع، وكذلك اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، واختيار المفضل، واختيارات لغير هؤلاء الناس على القراءة كذلك في كل الأمصار من المشرق".
- "وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرءوا للجماعة بروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءة تنسب إليه بلفظ الاختيار، وقد اختار الطبري وغيره، وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء:

"قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع الأمة عليه".
- "والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة، فذلك عندهم حجة قوية توجب الاختيار".
- "وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وربما جعلوا الاختيار ما اتفق عليه نافع وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات وأصحها سندا وأفصحها في العربية، ويتلوها في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله".


سبب اختيار القراء السبعة :
قال مكي رحمه الله :
- قال: "فإن سأل سائل: لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة؟ ألا كانوا أكثر أو أقل؟".

"فالجواب: أنهم جعلوا سبعة لعلتين:
"إحداهما: أن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف".
"والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن، وهي سبعة على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمتنع ذلك؛ إذ عدد الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى"
- "وقد ألف ابن جبير المقرئ -وكان قبل ابن مجاهد- كتابا في القراءات وسماه "كتاب الخمسة"، ذكر فيه خمسة من القراء لا غير، وألف غيره كتابا وسماه "كتاب الثمانية"، وزاد على هؤلاء السبعة يعقوب الحضرمي، وهذا باب واسع".
- قال أبو علي الأهوازي : قال: "وهؤلاء السبعة لزموا القيام بمصحفهم، وانتصبوا لقراءته، وتجردوا لروايته، ولم يشتهروا بغيره، واتبعوا ولم يبتدعوا.
- وقال شيخنا أبو الحسن علي بن محمد رحمه الله:

"لما كان العصر الرابع سنة ثلاثمائة وما قاربها، كان أبو بكر بن مجاهد رحمه الله، قد انتهت إليه الرياسة في علم القراءة، وقد تقدم في ذلك على أهل ذلك العصر، اختار من القراءات ما وافق خط المصحف ومن القراء بها من اشتهرت قراءته، وفاقت معرفته، وقد تقدم أهل زمانه في الدين والأمانة والمعرفة والصيانة، واختاره أهل عصره في هذا الشأن، وأطبقوا على قراءته، وقصد من سائر الأقطار، وطالت ممارسته للقراءة والإقراء، وخص في ذلك بطول البقاء، ورأى أن يكونوا سبعة تأسيا بعدة المصاحف الأئمة، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف من سبعة أبواب))، فاختار هؤلاء القراء السبعة أئمة الأمصار، فكان أبو بكر بن مجاهد أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، وصنف كتابه في قراءاتهم، واتبعه الناس على ذلك، ولم يسبقه أحد إلى تصنيف قراءة هؤلاء السبعة".
- وقال أيضا :"وقد أضاف قوم بعد ابن مجاهد إلى هؤلاء السبعة يعقوب الحضرمي، وكان فاعل ذلك نسب ابن مجاهد إلى التقصير في اقتصاره على السبعة، ولم يكن عالما بغرض ابن مجاهد، وقراءة يعقوب خارجة عن غرضه لنزول الإسناد؛ لأنه قرأ على سلام بن سليمان وقرأ سليمان على عاصم، ولما فيها من الخروج عن قراءة العامة، وكذلك من صنف العشرة".



سبب اختيار القراء من الأمصار الخمسة :
- قال أبو علي الأهوازي:

"وإنما كانوا من هذه الأمصار الخمسة دون غيرها لأجل أن عثمان رضي الله عنه جعل لكل مصر من هذه الأمصار مصحفا، وأمر باتباعه، ووجه بمصحف إلى اليمن، وبمصحف إلى البحرين، فلم نسمع لهما خبرا ولا رأينا لهما أثرا".
الاشتباه الذي حصل في قراءة ابن عامر والرد عليه :
- قال المصنف : ووقع في "كتاب البيان" لأبي طاهر بن أبي هاشم كلام لأبي جعفر الطبري، ظن منه أنه طعن على قراءة ابن عامر، وإنما حاصله أنه استبعد قراءته على عثمان بن عفان رضي الله عنه على ما جاء في بعض الروايات عنه على ما نقلناه في "الكتاب الكبير من إبراز المعاني"، وذلك غير ضائر.

فهب أنه لم يصح أنه قرأ على عثمان، فقد قرأ على غيره من الصحابة، وكان يقول: هذه حروف أهل الشام التي يقرءونها.
- قال أبو جعفر:

"ولعله أراد أنه أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقا كثيرا".
- ثم قال أبو طاهر:

"وأحسن الوجوه عندي أن يقال: إن قراءة ابن عامر قراءة اتفق عليها أهل الشام وإنها مسندة إلى أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال: "ولم يتفقوا إن شاء الله عليها، إلا ولها مادة صحيحة من بعض الصحابة تتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كنا لا نعلمها كعلمنا بمادة قراءة أهل الحرمين والعراقين".
قال: "ولولا أن أبا بكر شيخنا جعله سابعا لأئمة القراءة، فاقتدينا بفعله؛ لأنه لم يزل موفقا، فاتبعنا أثره، واهتدينا بهديه لما كان إسناد قراءته مرضيا، لكان أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش بذلك أولى منه؛ إذ كانت قراءته منقولة عن الأئمة المرضيين، وموافقة للمصحف المأثور باتباع ما فيه، ولكنا لا نعدل عما مضى عليه أئمتنا، ولا نتجاوز ما رسمه أولونا؛ إذ كان ذلك بنا أولى، وكنا إلى التمسك بفعلهم أحرى".
- قال المصنف : قلت: وكان غرض ابن مجاهد أن يأتي بسبعة من القراء من الأمصار التي نفدت إليها المصاحف، ولم يمكنه ذلك في البحرين واليمن لإعواز أئمة القراءة منهما، فأخذ بدلهما من الكوفة لكثرة القراء بها، وإذا كان هذا غرضه فلم يكن له بد من ذكر إمام من أهل الشام، ولم يكن فيهم من انتصب لذلك من التابعين مثل ابن عامر، فذكره.
- وقال أيضا : وقال في كتابه:

"وعلى قراءة ابن عامر أهل الشام وبلاد الجزيرة".


إجماع العوام على القراءات السبع :
- ثم قال: "فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام".
- قال: "ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه".



شأن القراء من الصحابة والتابعين ثم من بعدهم :
- وقد ذكر الإمام أبو عبيد في أول كتابه في القراءات ما يعرفك كيف كان هذا الشأن من أول الإسلام إلى آخره ما ذكره.

فذكر القراء من الصحابة على ما سبق ذكره في آخر الباب الأول، ثم قال بعد ذكر التابعين:
"فهؤلاء الذين سمينا من الصحابة والتابعين هم الذين يحكى عنهم عظم القراءة، وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث".
- قال: "ثم قام من بعدهم بالقرآن قوم، ليست لهم أسنان من ذكرنا ولا قدمهم، غير أنهم تجردوا في القراءة، فاشتدت بها عنايتهم، ولها طلبهم، حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم ويقتدون بهم فيها.


قراء الأمصار هم :
وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار، في كل مصر منهم ثلاثة رجال:

"-فكان من قراء المدينة: أبو جعفر ثم شيبة بن نصاح ثم نافع وإليه صارت قراءة أهل المدينة".
"-وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة أو أكثرهم".
"-وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب وعاصم والأعمش، ثم تلاهم حمزة رابعا، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم. وأما الكسائي فإنه يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة بعضا وترك بعضا".
"-وكان من قراء البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر. والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة، واتخذوه إماما أبو عمرو. وقد كان لهم رابعا، وهو عاصم الجحدري، غير أنه لم يرو عنه في الكثرة ما روي عن هؤلاء الثلاثة".
"-وكان من قراء الشام: عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث الذماري وثالث، قد سمي لي بالشام ونسيت اسمه، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا من التابعين".
-قال المصنف : الذي نسيه أبو عبيد، قيل: هوخليد بن سعد صاحب أبي الدرداء، وعندي أنه عطية بن قيس الكلابي أو إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر. فإن كل واحد منهما كان قارئا للجند، وكان عطية بن قيس تصلحالمصاحف على قراءته بدمشق على ما نقلناه في ترجمتهما في التاريخ.
- وقال أيضا : ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا،وتفرقوا في البلاد، وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم،فمنهم المحكم للتلاوة المعروف بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذهالأوصاف، وكثر بسبب ذلك بينهم الاختلاف، وقل الضبط، واتسع الخرق، والتبس الباطل بالحق، فميز جهابذة العلماء وذلك بتصانيفهم، وحرروه وضبطوه في تواليفهم.



الضابط في القراءة المعتبرة :
وقد قال القاضي أبو بكر الأشعري رحمهالله
:
"
1)جميع ما قرأبه قراء الأمصار مما اشتهر عنهم واستفاض نقله .
2)ولم يدخل في حكم الشذوذ.
3)ولم يقع بين القراء تناكر له.
4) ولا تخطئة لقارئه، بل رواه سائغا جائزا من همز وإدغام ومد وتشديدوحذف وإمالة، أو ترك كل ذلك، أو شيء منه، أو تقديم وتأخير.
- فإنه كله منزل من عندالله تعالى ومما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على صحته وخير بينه وبين غيره وصوبجميع القراءة به. ولو سوغنا لبعض القراء إمالة ما لم يمله الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أو غير ذلك، لسوغنا لهم مخالفة جميع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم".


الخلاصة في اختلاف القراءات :
- قال الإمام أبو بكر بن مجاهد في "كتاب السبعة
":
"
اختلف الناس في القراءات، كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين، توسعة ورحمة للمسلمين، وبعض ذلك قريب من بعض، وحملة القرآن متفاضلون في حمله ونقله الحروف، منازل في نقل حروفه".
-قال المصنف :
1) أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع من هذا على قدر ما رووا.
2)وأن ذلك المتلقن له من النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه أقرأ غيره كماسمعه.
3) ثم من بعده كذلك إلى أن اتصل بالسبعة.
مثاله : قراءة نافع "يحزن" بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا حرف الأنبياء، وقراءةابن عامر "إبراهام" بالألف في بعض السور دون بعض، ونحو ذلك مما يقال فيه: إنه جمعبين اللغتين، والله أعلم.

======================
المقصد الخامس :في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية
والشاذة الضعيفةالمروية

معرفة القراءة الصحيحة والشاذة من خلال تتبع صحة الآثار:
- قال الإمام أبو بكر بن مجاهد في "كتاب السبعة": "وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام: منها المجتمع عليه السائر المعروف، ومنها المتروك المكروه عند الناس: المعيب من أخذ به، وإن كانقد روي وحفظ، ومنها ما قد توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذاعرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله.
وربما سقط بالرواية لذلك بإصراره على لزومه وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحلال والحرام والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الروايةوالاختلاف".
- وكذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن
":
"
منها اللغة الشاذة القليلة، ومنها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنه قد قرئ به، ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غيرجائز عند من لا يبصر من العربية غير اليسير، ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلاالعالم النحرير، وبكل قد جاءت الآثار في القراءات".


تواتر القراءات التي تلقاها الناس في مكة والمدينة والبصرة والشام :
- قال: "والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا،وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين.
- اجتمعت الخاصة والعامةعلى قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذاهبه على ما روي -يعني- عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بنعبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه، قال زيد: القراءة سنة".
- قال إسماعيل القاضي: "أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف".
- وذكر عن محمد بن سيرين أنه قال
:
"
كانوا يرون أن قراءتنا هذه هي أحدثهن بالعرضة الأخيرة"، وفي رواية قال: "نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين".
- قال ابن سيرين: "فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة". أخرجه أبو عبيد وغيره.
- وعنه عن عبيدة السلماني قال: "القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هي التي يقرؤها الناس اليوم
".
وفي رواية: "القرآن الذي عرض". أخرجه ابن أبي شيبة.
- قال المصنف : وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مماروى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب
.
ونحن بهذانقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له معأنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر فيبعضها.
- وقال أيضا المصنف : وأما من يهول في عبارته قائلا: إن القراءات السبع متواترة، لـ(أن القرآن أنزل على سبعة أحرف) فخطؤه ظاهر؛ لأن الأحرف السبعة المراد بها غير القراءات السبع على ما سبق تقريره في الأبواب المتقدمة.
- وقال أيضا: فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواترفي جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغيرمتواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
رد المصنف على من ادعى التواتر في كل القراءات السبعة :
- وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهورمنها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواءالطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تسكب العبرات، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادا،إلا اليسير منها
.
وقد حققنا هذا الفصل أيضا في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين، وبالله التوفيق.


أركان القراءة الصحيحة :
- الشروط :
1) ثبوت تلك القراءة بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) ولا يلتزم فيه تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة.
3) وموافقة خط المصحف، بمعنى أنها لا تنافيه عدم المنكرين لها نقلا وتوجيها من حيث اللغة.
- قال المصنف : وهذه السنة التي أشار إليها هي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا أنه قرأه وأذن فيه على ما صح عنه: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف". فلأجل ذلك كثرالاختلاف في القراءة في زمانه صلى الله عليه وسلم وبعده إلى أن كتبت المصاحف،باتفاق من الصحابة بالمدينة على ذلك، ونفذت إلى الأمصار وأمروا باتباعها وترك ماعداها، فأخذ الناس بها، وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفها، وأبقوا ما يوافقهاصريحا كقراءة {الصراط} بالصاد، واحتمالا كقراءة {مالك} بالألف ؛ لأن المصاحف اتفقت على كتابة "ملك" فيها بغير ألف، فاحتمل أن يكون مراده كما حذفت من "الرحمن" و"إسمعيل" و"إسحق" وغير ذلك.
- فكل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحةالنقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي قراءة صحيحةمعتبرة
.
فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه الشيخ المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع وأمر بإلحاقه "بكتابالكشف عن وجوه القراءات" من تصانيفه، وقد تقدم فيما نقلناه من كلامه في الباب الرابع الذي قبل هذا الباب.
المراد بموافقة خط المصحف :
-قال المصنف :ولعل مرادهم بموافقة خط المصحف ما يرجع إلى زيادة الكلم ونقصانها.
-ثم قال : فإن فيما يروى من ذلك عن أبي بن كعبوابن مسعود رضي الله عنهما من هذا النوع شيئا كثيرا، فكتبت المصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق تفسيره.
- وقال أيضا : وأما ما يرجع إلى الهجاء وتصويرالحروف، فلا اعتبار بذلك في الرسم، فإنه مظنة الاختلاف، وأكثره اصطلاح، وقد خولف الرسم بالإجماع في مواضع من ذلك، كالصلاة والزكاة والحياة، فهي مرسومات بالواو ولم يقرأها أحد على لفظ الواو.


أصح القراءات سندا وأفصحها عربية :
وقد ذكره أيضا شيخنا أبو الحسن رحمهالله في كتابه "جمال القراء" في باب مراتب الأصول وغرائب الفصول فقال
:
"
وقد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه وقالوا: قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سنداوأفصحها في العربية، وبعدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرووالكسائي".


شروط قبول القراءة :
-وقد ذكره أيضا شيخنا أبو الحسن رحمه الله في كتابه "جمال القراء":
"وإذا اجتمع للحرف قوته في العربيةوموافقة المصحف واجتماع العامة عليه فهو المختار عند أكثرهم. وإذا قالوا: قراءةالعامة، فإنما يريدون ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة. فهو عندهم سبب قوي يوجب الاختيار. وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وسموه أيضابالعامة".
- قال المصنف : "وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق لفظه خط المصحف فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا، مفترقين أو مجتمعين، فهذا هو الأصل الذي بني عليه في ثبوت القراءات عن سبعة أو عن سبعة آلاف، فاعرفه وابن عليه".


أقسام القراءات المنسوبة إلى كل قاريء من السبعة :
فإن القراءات السبع المراد بها ماروي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق
.
فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا، ومن تصفح كتبهم في ذلك ووقف على كلامهم فيه عرف صحة ما ذكرناه.
فتنقسم إلى :
1) المجمع عليه .
2) الشاذ
سبب ركون النفس إلى ما نقل عن القراء السبعة دون غيرهم :
أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم، فوق ما ينقل عن غيرهم.
مما نسب إلي هؤلاء القراء وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم:
- الجمع بين الساكنين في تاءات البزي.
- وإدغام أبي عمرو.
- وقراءة حمزة "فما اسطاعوا".
- وتسكين من أسكن "بارئكم" و"يأمركم" ونحوه و"سبأ" و"يابني" و"مكر السيئ"".
- وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي ويصبر" و"أفئدة من الناس.
- " وقراءة "ليكة" بفتح الهاء، وهمز "سأقيها".
- وخفض "والأرحام".
- ونصب "كن فيكون".
- والفصل بين المضافين في "الأنعام"
- وغير ذلك على ما نقلناه وبيناه بعون الله تعالى وتوفيقه في شرح قصيدة الشيخ الشاطبي رحمه الله.
الرد على من يقول أن عدم البسملة بين السورتين ضعيفة :
قال المصنف :
قلت: لا، فإنه يبسمل إذا ابتدأ كلسورة، فهو يرى أن البسملة إنما رسمت في أوائل السور لذلك على أنا نقول الترجيح مع من بسمل مطلقا بين السورتين وعند الابتداء، وذلك على وفق مذهب إمامنا الشافعي رحمه الله، وفي كل ذلك مباحث حسنة ذكرناها في "كتاب البسملة الكبير"، وبالله التوفيق.


ماهو الشاذ ؟
- قال شيخنا أبو الحسن رحمهالله
:
"
الشاذ مأخوذمن قولهم: شذ الرجل يشذ ويشذ شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم.
- وقال أيضا : وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور، والذي لم تزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من الفقهاء والمحدثين وأئمة العربيةتوقير القرآن واجتناب الشاذ واتباع القراءة المشهورة ولزوم الطرق المعروفة في الصلاة وغيرها".
- وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم أو روى عن كل أحد أوروى كل ما سمع".
مثاله :
- وقال خلاد بن يزيد الباهلي: قلت ليحيى بن عبد الله بن أبي مليكة: إن نافعا حدثني عنأبيك عن عائشة أنها كانت تقرأ "إذ تلقونه" وتقول: إنما هو ولق الكذب. فقال يحيى: مايضرك أن لا تكون سمعته عن عائشة، نافع ثقة على أبي وأبي ثقة على عائشة، وما يسرني أني قرأتها هكذا، ولي كذا وكذا. قلت: ولم وأنت تزعم أنها قد قرئت؟ قال: لأنه غيرقراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان بيننا وبينه إلاالتوبة أو نضرب عنقه، نجيء به، نحن عن الأمة عن الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل. وتقولون أنتم: حدثنا فلان الأعرج عن فلان الأعمى أن ابن مسعود يقرأ ما بين اللوحين، ما أدري ما ذا، إنما هو والله ضرب العنق أوالتوبة".
- "وقال هارون: ذكرت ذلك لأبي عمرو -يعني القراءة المعزوة إلى عائشة فقال: قد سمعت هذا قبل أن تولد، ولكنا لا نأخذ به. وقال أبو عمرو في رواية أخرى: إني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة".
أول من تتبع وجه القراءات بالبصرة وألفها وتتبع الشاذ منها :
- قال أبو حاتم السجستاني: أول من تتبع بالبصرة وجوه القراءات وألفها وتتبع الشاذمنها فبحث عن إسناده هارون بن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراءفكره الناس ذلك، وقالوا: قد أساء حين ألفها، وذلك أن القراءة إنما يأخذها هارونوأمة عن أفواه الأمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء".
- "وقال الأصمعي عن هارون المذكور: وكان ثقة مأمونا، قال: وكنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف".


عدم جواز القراءة بالشاذ والسبب في ذلك :
- ثم قال الشيخ
:
"
فإن قيل: فهل في هذه الشواذ شيء تجوز القراءة به؟
"
"
قلت: لا تجوز القراءة بشيء منها لخروجهاعن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن -وهو التواتر- وإن كان موافق اللعربية وخط المصحف؛ لأنه جاء من طريق الآحاد، وإن كانت نقلته ثقات. فتلك الطريق لايثبت بها القرآن. ومنها ما نقله من لا يعتد بنقله ولا يوثق بخبره، فهذا أيضا مردود،لا تجوز القراءة به ولا يقبل، وإن وافق العربية وخط المصحف، نحو "ملك يوم الدين" بالنصب.
- قال المصنف : هذا كلام صحيح، ولكن الشاذ في ضبط ما تواتر من ذلك وما أجمع عليه.
- وقال أيضا : وقد سبق في الباب الثالث ما نقله ابن عبد البر عن مالك رحمه الله من المنع من قراءةما خالف المصحف في الصلاة، قال مالك
:
"
من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف، لم يصل وراءه".
- قال أبو عمر
:
"
وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوماشذوا لا يعرج عليهم".
- قال المصنف : وقد ذكر الإمام أبو بكر الشاشي في كتابه المسمى بالمستظهري نقلا عن القاضي الحسين وهو من كبار فقهاء الشافعية المراوزة: "إن الصلاة بالقراءة الشاذة لاتصح
".
ثم قال أبوبكر: "هذا فيما يحيل المعنى عن المشهور، فإن لم يحل صحت".
- قال شيخ الشافعية :
"والقراءة الشاذة ما نقل قرآنا من غير تواتر واستفاضة، متلقاة بالقبول من الأمة كمااشتمل عليه "المحتسب" لابن جني وغيره، وأما القراءة بالمعنى على تجوزه من غير أن ينقل قرآنا فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلا، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا، فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه ولا يخلي ذا ضلالة ولا يحل للمتمكن منذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه
".
"
وإذا شرع القارئ بقراءة فينبغي أن لا يزال يقرأ بها ما بقي للكلام تعلق بماابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع، وعذر المرض منع من بيانه بحقه، والعلم عند الله تبارك وتعالى".
- وقال شيخ المالكية رحمهالله
:
"
لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها، عالما كان بالعربية أو جاهلا. وإذا قرأبها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك
".
"
وأما تبديل "أتينا" بأعطينا و"سولت" بزينت ونحوه، فليس هذا من الشواذ، وهو أشد تحريما، والتأديب عليه أبلغ، والمنع منه أوجب
".
"
وأماالقراءة بالقراءات المختلفة في آي العشر الواحد فالأولى أن لا يفعل، نعم، إن قرأبقراءتين في موضع إحداهما مبنية على الأخرى، مثل أن يقرأ "نغفر لكم" بالنونو"خطيئاتكم" بالرفع، ومثل "إن تضل إحديهما" بالكسر "فتذكر إحديهما" بالنصب، فهذاأيضا ممتنع، وحكم المنع كما تقدم، والله أعلم".
- قال الإمام أبو طاهر عبد الواحد بنعمر بن محمد بن أبي هاشم -وهو صاحب الإمامين أبي بكر بن مجاهد وأبي جعفر الطبري- فيأول "كتاب البيان" عن اختلاف القراءة
.
"
وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا، فزعم أن كل ماصح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن، يوافق خط المصحف فقراءته به جائزة فيالصلاة وفي غيرها، فابتدع بفعله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مزلةعظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله عز وجل من الباطل ما لايأتيه من بين يديه ولا من خلفه، إذا جعل لأهل الإلحاد في دين الله عز وجل بسيئ رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض على أهل الإسلام قبوله والأخذ به كابرا عن كابروخالفا عن سالف".
- خلاصة رأي المصنف :
المنع من هذا ظاهر، وأما ما ليس كذلك فلا منع منه، فإن الجميع جائز، والتخيير فيهذا، وأكثر منه كان حاصلا بما ثبت من إنزال القرآن على سبعة أحرف توسعة على القراء،فلا ينبغي أن يضيق بالمنع من هذا ولا ضرر فيه، نعم، أكره ترداد الآية بقراءات مختلفة كما يفعله أهل زماننا في جميع القراءات لما فيه من الابتداع، ولم يرد فيه شيء عن المتقدمين. وقد بلغني كراهته عن بعض متصدري المغاربة المتأخرين، والله أعلم.
بدعة أبو شنبوذة وما حصل به :
من هو أبن شنبوذ :
هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت المقرئ المعروف بابن شنبوذ البغدادي في طبقة ابن مجاهد مقرئ مشهور.
بدعة ابن شنبوذ وتتبعه للشواذ وعقوبته :
- قال الإمام أبو طاهر عبد الواحد بنعمر بن محمد بن أبي هاشم:
"وكان أبو بكر بن مجاهد -نضر الله وجهه- نشله من بدعته المضلة باستتابته منها، وأشهد عليه بترك ما ارتكبه من الضلالةبعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، ولم تكن له حجة قوية ولاضعيفة، فاستوهب أبو بكر رحمه الله تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته".
- قال: "ثم عاود في وقتنا هذا إلى ماكان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه ظنا منه أنذلك يكون للناس دينا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما، ولن يعدو ما ضل به مجلسه؛ لأنالله عز وجل قد أعلمنا أنه حافظ كتابه من لغط الزائغين وشبهات الملحدين بقوله عزوجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ".
- قال الخطيب في "تاريخ بغداد
":
"
روى عن خلق كثير من شيوخ الشام ومصر وكان قد تخير لنفسه حروفا من شواذ القراءات تخالف الإجماع يقرأ بها. فصنف أبو بكر بن الأنباري وغيره كتبا في الردعليه".
- "وقال إسماعيل الخطبي في كتابالتاريخ: اشتهر ببغداد أمر رجل يعرف بابن شنبوذ، يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروفي خالف فيها المصحف مما يروى عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما مما كان يقرأبه قبل جمع المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويتتبع الشواذ فيقرأ بهاويجادل، حتى عظم أمره وفحش، وأنكره الناس، فوجه السلطان فقبض عليه في يوم السبت لستخلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وحمل إلى دار الوزير محمد بن علي -يعني ابن مقلة- وأحضر القضاة والفقهاء والقراء وناظره -يعني الوزير- بحضرتهم،فأقام على ما ذكر عنه ونصره واستنزله الوزير عن ذلك فأبى أن ينزل عنه أو يرجع عمايقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تزيد على المصحف وتخالفه، فأنكر ذلك جميع منحضر المجلس وأشاروا بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع فأمر بتجريده وإقامته بين الهنبازين وضربه بالدرة على قفاه، فضرب نحو العشرة ضربا شديدا، فلم يصبرواستغاث وأذعن بالرجوع والتوبة فخلي عنه وأعيدت عليه ثيابه واستتيب، وكتب عليه كتاب بتوبته وأخذ فيه خطه بالتوبة".
- في تاريخ هارون بن المأمون قال
:
"
وفي أيام الراضي ضرب ابن مقلة ابن شنبوذسبع درر لأجل قراءة أنكرت عليه ودعا عليه بقطع اليد وتشتت الشمل فقطعت يده ثم لسانه.
- في تاريخ ثابت بن سنان شرح هذه القصة فقال
:
"
بلغ الوزير أبا علي محمد بن مقلة أن رجلا -يعرف بابن شنبوذ- يغير حروفا من القرآن، فاستحضره واعتقله في داره أياما، ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن مجاهد وجماعة منأهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ ونوظر بحضرة الوزير، فأغلظ للوزير في الخطاب وللقاضي ولابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة، وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كماسافر، واستصبى القاضي، فأمر الوزير بضربه، فنصب بين الهنبازين وضرب سبع درر، فدعا -وهو يضرب- على ابن مقلة بأن تقطع يده ويشتت شمله، ثم وقف على الحروف التي قيل إنهيقرأ بها فأنكر ما كان منها شنعا".
- وقال فيما سوى ذلك: "إنه قد قرأ به قوم فاستتابوه فتاب. وقال: إنه قد رجع عما كان يقرأ به وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان رضي الله عنه وبالقراءة المتعالمة المشهورة التي يقرأ بها الناس، فكتب عليه الوزير أبو علي محضرا بما سمع من لفظه، صورته
:
"
يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: قد كنت أقرأ حروفا تخالف ما في مصحف عثمان المجمع عليه الذي اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلاوته، ثم بان لي أن ذلك خطأ، فأنا منه تائب، وعنهم قلع، وإلى الله عز وجل منه بريء؛ إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه ولا أن يقرأ بغير ما فيه
".
"
وكتب ابن شنبوذ فيه
:
يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: إن ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عز وجل وسائر منحضر على نفسي بذلك
".
"
وكتب بخطه
:
"
فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره فأمير المؤمنين -أطال الله بقاه- في حل وفيسعة من دمي، وذلك في يوم الأحد لسبع خلون من شهرربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة في مجلس الوزير أبي علي بن علي، أدام الله توفيقه".
- "وكان مما اعترف به يومئذ: "فامضواإلى ذكر الله"، "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"، "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحةغصبا"، "كالصوف المنفوش"، "تبت يدا أبي لهب وقد تب"، "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب"، "والنهار إذا تجلى والذكروالأنثى"، "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما"، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخيرويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم"، "تكن فتنة في الأرض وفساد عريض
".
"
وتحت ذلك بخط ابن مجاهد
:
"
اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضرتي وكتب ابن مجاهد بيده".
- قال المصنف : ثم مات ابن شنبوذ في صفر سنة ثمان وعشرين بعد موت ابن مجاهد بأربع سنين، وعزل ابن مقلة ونكب في سنة أربع وعشرين بعد نكبة ابن شنبوذ بسنة واحدة، فجرى عليه من الإهانةبالضرب والتعليق والمصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلى قطع يده ولسانه ونسأل الله تعالى العافية.
تعليق المصنف على عقوبة ابن شنبوذ:
وابن شنبوذ وإن كان ليس بمصيب فيما ذهب إليه ولكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، فكان الرفق به ومداراته أولى من إقامته مقام الدعار المفسدين في الأرض وإجرائه مجراهم في العقوبة، فكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا في ذلك إن شاء الله تعالى، ولكنه سبحانه وتعالى: {يفعل ما يشاء} ويبتلي من شاء بما شاء سبحانه {لا يسأل عما يفعل}، وهو تعالى أعلم وأحكم.


======================
تابع ...

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 23 صفر 1436هـ/15-12-2014م, 07:20 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

المقصد السادس :في الإقبال على ماينفع من علوم القرآن
والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها

المهم والأولى في طلب القرآن هو فهمه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه :
- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همة إلا في قوة حفظه وسرعة سرده وتحرير النطق بألفاظه والبحث عن مخارج حروفه والرغبة في حسن الصوت به
.
وكل ذلك وإن كان حسنا ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم وأولى وأحرى وهو فهم معانيه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه والوقوف عند حدوده وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته، ونحن نسرد من الأخبار والآثار ما يشهد لما قلناه بالاعتبار.
الأدلة على ذلك :
- أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن" عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}، قال: يتبعونه حق إتباعه.
- وعن الشعبي في قوله تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم}، قال: أما إنه ما كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العملبه.
- وعن أبي الزاهرية: أن رجلا أتى أباالدرداء بابنه فقال: با أبا الدرداء، إن ابني هذا جمع القرآن، فقال: اللهم اغفر،إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه.
- وروي مرفوعا وموقوفا: ((اقرءواالقرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه)).
- وعن الحسن: أن أولى الناس بالقرآن مناتبعه وإن لم يكن يقرؤه.
- قال: وحدثنا حجاج عن عبد الرحمن بنأبي الزناد عن سليمان بن سحيم قال: أخبرني من رأى ابن عمر وهو يصلي ويترجح ويتمايل ويتأوه، حتى لو رآه من يجهله لقال: أصيب الرجل، وذلك لذكر النار إذا مر بقوله تعالى: {وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا}، أو شبهذلك.
- حدثنا ابن المبارك عن مسعر عن عبدالأعلى التيمي قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه: فليس بخليق أن يكون أوتي علماينفعه؛ لأن الله تبارك وتعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذايتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.
- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قامرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح،بها يقوم وبها يركع وبها يسجد: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
- وعن تميم الداري: أنه أتى المقام ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تذكر فيها الجاثية، فلما أتى على هذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه يردد {وقل رب زدني علما}، حتى أصبح.
- وعن عامر بن عبد قيس: أنه قرأ ليلةمن سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن هشام بن عروة عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "سورةالطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم}، قال: وهي في الصلاة
.
- وعن سعيدبن جبير: أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة: {واتقوا يوما ترجعون فيهإلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
}.
وعنه أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إذا السماء انفطرت} فلم يزل فيها، حتى نادى منادي السحر
.
- وعن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرهاوأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ كما تقول
.
- وسئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران،ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهماأفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا
}.
- وعن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: ترسل فيه ترسلا
.
-وحدثنا جريرعن مغيرة عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل، فإنه زين القرآن
.
-وفي كتاب ابن أبي شيبة
:
عن ابن عباس {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: بينه تبيينا. وعن مجاهد قال: بعضه في إثربعض
.
-وعن محمد بن كعب قال: لأن أقرأ {إذا زلزلت} و {القارعة}، أرددهما وأتفكر فيهما، أحب إلي من أن أهذ القرآن
.
-قال أبو عبيد: حدثنا أبو النضر عن شعبة قال: حدثني معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بنمغفل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقته أو جمله يسير،وهو يقرأ سورة الفتح -أو قال: من سورة الفتح- ثم قرأ معاوية قراءة لينة، فرجع ثمقال: لولا أخشى أن يجتمع الناس علينا، لقرأت ذلك اللحن
.
-قال: وحدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قلت لعطاء ما تقول في القراءة على الألحان؟ فقال: وما بأس بذلك، سمعت عبد الله بن عمريقول: كان داود عليه السلام يفعل كذا وكذا لشيء ذكره، يريد أن يبكي بذلك ويبكي
.
الأحاديث في تحسين الصوت بالقرآن :
ثم ذكر أبوعبيد أحاديث كثيرة في تحسين الصوت بالقرآن، ثم قال: وعلى هذا المعنى تحمل هذه الأحاديث، إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، لا الألحان المطربةالملهية.
- عن طاوس قال
:
سئلرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن صوتا بالقرآن -أو أحسن قراءة- فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
- وعنه: ((أحسن الصوت بالقرآن أخشاهم لله تعالى)).
- وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانيةوالنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم
)).
- وعن عابس الغفاري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته خصالا: بيع الحكم،والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوما يتخذون القرآن من أمير، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا بأفضلهم، إلا ليغنيهم به غناء
.
- وعن أنس: أنه سمع رجلا يقرأ بهذه الألحانالتي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه
.
- وقال شعبة: نهاني أيوب أن أحدث بهذاالحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم
)).
- قال أبو عبيد: وإنما ذكره أيوب فيما يرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الألحان المبتدعة، يعني معنى الحديث غير ذلك، وهو لما سبق
.
- وعن الحارث عن عليرضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن في الصلاة قبل العشاءالآخرة وبعدها ويغلط أصحابه
.
- وعن يحيى بن أبي كثير قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ههنا قوما يجهرون بالقراءة في صلاة النهار، فقال: ((ارموهم بالبعر
)).
- قال أبوعبيد: جلست إلى معمر بن سليمان بالرقة، وكان من خير من رأيت، وكانت له حاجة إلى بعض الملوك، فقيل له: لو أتيته فكلمته، فقال: قد أردت إتيانه، ثم ذكرت القرآن والعلم،فأكرمتهما عن ذلك.
الأحاديث الواردة في ثواب القرآن :
- حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يقرأ القرآن عند الأمر يعرض من أمر الدنيا.
- حدثنا حفص عن هشام بن عروة قال: كان إذارأى شيئا من أمر الدنيا يعجبه، قرأ: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} الآية
.
- حدثنا معاذعن عوف عن زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه.
-ورواه البيهقي في "الشعب" عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولاالجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط)).


ذم عدم العمل بالقرآن والإسراع في قراءته :
-وقال أبو بكر بن أبي شيبة
:
حدثنا أبوبكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم)).
-وعن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوسا نقرأ القرآن، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورافقال: ((اقرءوا القرآن، فيوشك أن يأتي قوم يقرءونه، يقومونه كما يقوم القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه
)).
- وفي رواية سهل بن سعد: يقومون حروفه كمايقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه
.
-وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: إياكم والهذاذين الذين يهذون القرآن ويسرعون بقراءته، فإنما مثل ذلك كمثل الأكمة التي لاأمسكت ماء ولا أنبتت كلأ
.
-وفي كتاب شيخنا "جمال القراء
":
"
قال رجل لسليم رحمه الله: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فقال سليم: يا ابن أخي، شهدت حمزة وأتاه رجل في مثل هذا، فبكى وقال: ياابن أخي، إن التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته، وهذا هوالتشديق".
- وقال أيضا : قال سفيان بن عيينة: من أعطى القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن، فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم}. وقال: {ورزق ربك خير وأبقى}، يعني القرآن
".
قال الشيخ رحمه الله: "أي ما رزقك الله من القرآن خير وأبقى مما رزقهم من الدنيا".



الأخبار والآثار الحسنة الواردة في آداب قراءة القرآن :
1)التحزين والبكاء والخشوع عند قراءة القرآن :
- وخرج أبو بكر محمد بن الحسين الآجريجزءا في حلية القارئ، جمع فيه أخبارا وآثارا حسنة، من ذلك:
- عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لمتبكوا فتباكوا
)):
-وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءواالقرآن بحزن فإنه نزل بحزن
)).
-وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحسن الناس صوتا بالقرآن من إذا سمعته يقرأ، حسبته يخشىالله عز وجل
)).
-وعنإبراهيم عن علقمة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخرالسورة.
- وعن عبد الملك بن شبيب عن رجل من ولدابن أبي ليلى قال: دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت لي: يا أبا عبدالرحمن، هكذا تقرأ سورة هود، والله إني فيها منذ ستة أشهر، وما فرغت من قراءتها, قال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس -يعني في السفر- فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن، يقرأ حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب
.
-وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعواالقرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله
.
-وقال محمد بن جحادة: قلت لأم ولد الحسن البصري: ما رأيت منه؟ فقالت: رأيته فتح المصحف، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لاتتحركان.
2)الحث على تدبر القرآن والعمل به ::

-وعن الحسن البصري قال: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان، لا علم لهم بتلاوته، ولم ينالواالأمر من أوله. قال الله عز وجل: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، أماتدبر آياته، اتباعه والعمل بعلمه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله، فما أسقط منه حرفا، وقد والله أسقطه كله ما يرىله القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس واحد،والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القراء تقول مثل هذا، لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء.
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار يحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه، وجعله رفيق السفرة الكرام البررة، وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا)).
-3)عدم التكلف في القراءة ( التجويد ) :
قال المصنف معقبا على كلام أبو حامد الغزالي :
صدق رحمه الله، ومع أن الأمر كذلك، فقد تجاوز بعض من يدعي تجويد اللفظ إلى تكلف مالا حاجة إليه، وربما أفسد ما زعم أنه مصلح له.
- قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني الحافظ المقرئ رحمه الله
:
"
التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن يوفي الحروف حقوقها من المد والهمز والتشديد والإدغام والحركة والسكون والإمالة والفتح، إن كانت كذلك من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف".
- قال: "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من القراء من الإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك".
- قال أبو بكر بن مجاهد
:
"
كان أبوعمرو سهل القراءة، غير متكلف، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل".
- وقال حمزة
:
إن لهذا التحقيق منتهى ينتهي إليه، ثم يكون قبيحا مثل البياض، له منتهى ينتهي إليه، فإذا زاد صار برصا.
- وقال رجل لحمزة: يا أبا عمارة، رأيترجلا من أصحابك همز حتى انقطع زره فقال: لم آمرهم بهذا كله.
- وقال أبو بكر بن عياش: إمامنا يهمز {مؤصدة}، فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها.
- وأنشدنا شيخنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي رحمه الله تعالى قصيدة من نظمه في علم التجويد، يقول فيها
:
لا تحسب التجويد مدا مفرطا أو مد ما لا مد فيه لوان

أو أن تشدد بعد مد همزة أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أنتفوه بهمزة مت هوعا في فر سامعها من الغثيان

للحرف ميزان، فلا تك طاغيا فيه، ولا تكم خسر الميزان
فإذاهمزت فجئ به متلطفا من غير ما بهر وغير توان
وامدد حروف المد عند مسكن أو همزة حسنا أخا إحسان
أي: مداح سنا، والقصيدة طويلة تنيف على ستين بيتا، والله تعالى يوفقنا للرشد ويكفينا شر كل أحد.

ذم التنطع في القرآن :
وقال عبد الله: إياكم والتنطع والاختلاف.
- وقال حذيفة: إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يدع واوا ولا ألفا، يلفت كما تلفت البقرة بلسانها، لا يجاوز ترقوته.
معنى المتنطعون :
قال صاحب الغريبين في الحديث: ((هلك المتنطعون...)).
"
هم المتعمقون الغالون"، قال: "ويكون الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ منالنطع، وهو الغار الأعلى".
معنى يلفته :
قال أيضا : "وفي حديث حذيفة: من أقرأ الناس منافق لا يدع منهواوا ولا ألفا يلفته بلسانه، كما تلفت البقرة الخلاء بلسانها، أي تلويه، يقال: لفته وفتله، أي لواه" والخلاء الرطب من الكلأ.




من الأسباب التي تمنع فهم القرآن والانتفاع به :
- وقال أبو حامد الغزالي في كتاب تلاوة القرآن: "أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحجب سدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن: أولها أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فلايزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لا يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة الشيطان لمن كان مطيع المثل هذا التلبيس".
- ثم قال: "وتلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ".


بيان صفات حامل القرآن :
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون،وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون،وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون
.
-وقال الفضيل بن عياض: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد من الخلق حاجة، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه".

- قال أبو حامد الغزالي في كتاب ذم الغرور:
"
اللب الأقصى هو العمل، والذي فوقه هو معرفة العمل، وهو كالقشر للعمل وكاللب بالإضافة إلى ما فوقه، والذي فوقه هو سماع الألفاظ وحفظها بطريق الرواية، وهو قشر بالإضافة إلى المعرفة ولب بالإضافة إلى ما فوقه، وما فوقه هو العلم باللغة والنحو، وفوق ذلك القشرة العليا وهو العلم بمخارج الحروف، والعارفون بهذه الدرجات كلهم مغترون إلا من اتخذ هذه الدرجات منازل، فلم يعرج عليها إلا بقدر حاجته، فتجاوز إلى ما وراءه، حتى وصل إلى باب العمل، وطالب بحقيقة العمل قلبه وجوارحه، ورجى عمره في حمل النفس عليه وتصحيح الأعمال وتصفيتها عن الشوائب والآفات، فهذا هو المقصود المخدوم من جملة علوم الشرع، وسائر العلوم خدم له ووسائل إليه وقشور له ومنازل بالإضافة إليه، وكل من لم يبلغ المقصد فقد خاب، سواء كان في المنزل القريب، أو في المنزل البعيد، وهذه العلوم لما كانت متعلقة بعلوم الشرع اغتر بها أربابها".



أصناف قراء القرآن الثلاثة :
1)صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به.
2)وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة، كثير هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله.
3) وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم واستشعروا الخوف وارتدوا الحزن، فأولئك يسقي الله بهم الغيث وينصرهم على الأعداء، والله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر"
مثال هذا الصنف :
-وعن أبي الأحوص قال: إن كان الرجل ليطرق الخباء فيسمع فيه كدوي النحل، فما لهؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".
وفي "كتاب الإحياء
":
"-
حكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال، أو خمس ليال،ولولا إني أقطع الفكر فيها، ما جاوزتها إلى غيرها".

-------------

انتهى بحمد الله وبتوفيقه تلخيص المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 27 ربيع الأول 1436هـ/17-01-2015م, 01:50 AM
هيئة التصحيح 7 هيئة التصحيح 7 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 6,326
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا أبوداهوم مشاهدة المشاركة
تعديل للمشاركة السابقة لانتهاء وقت التعديل :
إعادة كتابة التلخيص :
المقصد الثالث :جمع القرآن وكتابة المصاحف:

معارضة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل بالقرآن :
المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة:
- والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة: مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى.
معارضة جبريل عليه السلام كل سنة :
- قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة ،وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
- وثم قال: حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم -أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، وهذا الحديث متفق عليه . [الأصل في التلخيص الإيجاز ومن ثم فلا حاجة من ذكر السند كاملا ، يكفي الراوي الأعلى (الصحابي ، وهو ابن عباس هنا) ، وذكر من خرج الحديث من أصحاب الكتب المعتمدة (وهو قولك متفق عليه)] .
- قال: حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم -القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا ،فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
سبب عرضه في السنة الأخيرة على جبريل عليه السلام مرتين ،ومعارضة جبريل له :
- قال ابن كثير : ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا.
الذي فهمه النبي صلى الله عليه وسلم من معارضة جبريل عليه السلام له :
- قال ابن كثير : (فهم عليه الصلاة والسلام اقتراب أجله ، من خلال معارضة جبريل عليه السلام له مرتين) .
- وقال ابن كثير : (فإنه عارضه به عامئذ مرتين؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته لما مرض :((وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجل)).أخرجاه في الصحيحين.
الصحابي الذي عني بجمع المصحف على العرضة الأخيرة :
-عني عثمان رضي الله عنه على جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة .
سبب تخصيص شهر رمضان لتجميع المصحف دون غيره من الشهور، وما يؤخذ من هذا الفعل :
- قال ابن كثير : (وخص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه).
- وقال ابن كثير أيضا : ( لذلك يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه) .
- وقال أيضا ابن كثير : ( كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن في هذا الشهر ).
القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
الصحابة الذين وصى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القراءة منهم :
- حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة به. وأخرجاه والترمذي والنسائي -أيضا- من حديث الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق به.


بيان أخذه من المهاجرين ومن الأنصار :
- قال ابن كثير : فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة،واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب.

بيان منزلة بعض القراء :
- قال ابن كثير : (وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين ،وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة) .
- وقال ابن كثير أيضا : (واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران).


بيان فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ،وتميزه عن بقية القراء :
1) مدح النبي صلى الله عليه وسلم له :
- قال ابن كثير : (ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقرئوا القرآن من أربعة ))، فبدأ به.
- قال أبو عبيد: حدثنا مصعب بنالمقدام عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش بهم طولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية به وصححه الدارقطني.
- وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمعبد ))وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
2) تزكيته لنفسه :
- قال: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبناعبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله -صلى الله عليهوسلم -بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله ،وما أنا بخيرهم.قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع مايقولون، فما سمعت رادًا يقول غير ذلك.
- حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان،عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت )) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.
- حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثناالأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لاإله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية منكتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
مسألة في حكم تزكية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لنفسه :
قال ابن كثير : (وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبارالرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخباراعن يوسف لما قال لصاحب مصر : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم }.[يوسف55]


الصحابة الذين عنوا بجمع المصحف ،في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
- قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام
.
ثم قال البخاري: تابعه الفضل، عن حسين بن واقد، عن ثمامة، عن أنس بن مالك.
- حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي -صلى الله عليه وسلم-ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبوالدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
مسألة عدم حصر الذين جمعوا القرآن الكريم ،في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على أربع :
- قال ابن كثير : (فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا).
- وقال ابن كثير أيضا: (ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء،ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غيرمعروف إلا في هذا الحديث).
- الأدلة التي قدمها ابن كثير ليثبت عدم حصر من جمع القرآن على أربع :
1) قال ابن كثير : (والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال:(( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ))،فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما ).

2)ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة).
3)علي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل.
4)ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه.
5) ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا.
6) ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها.
7) ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة،فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.
مسألة : من هو أبو زيد المقصود في الحديث :
- قال ابن كثير : (وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه).
- قال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
- وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس.
- قال ابن كثير : (وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد).
- الأرجح : قال ابن كثير : وقول الواقدي أصح لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي.
الأدلة على صحة قول الواقدي : قال ابن كثير : ( وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت
.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب،ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي،وقد شهد أبو زيد هذا بدرا).
- وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة.
زعم أن عليًا أراد جمع المصحف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا والرد على ذلك:
- قال ابن كثير : (وقد روي أن عليا -رضي الله عنه- أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتبا بحسب نزوله أولا فأولا) .
- وقال ابن كثير : ( كما رواه ابن أبي داود حيث قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي ألا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل، إليه أبو بكر، رضي الله عنه، بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة. فبايعه ثم رجع. هكذا رواه وفيه انقطاع، ثم قال: لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن: قد جمع القرآن.
- وقال ابن كثير أيضا معلقا : (قلت: وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: إنها بخط علي، رضي الله عنه، وفي ذلك نظر، فإنه في بعضها: كتبه علي بن أبي طالب، وهذا لحن من الكلام).
- ثم قال ابن كثير : (وعلي -رضي الله عنه-من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذه الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علما مستقلا) .



كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم :
- قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } [البقرة 106].
- قال ابن كثير : (وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلايؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه ) .

لماذا لم يتم التعرض بالذكر لمرحلة جمع ما قبل عثمان ؟

جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن:

من أكبر مناقب عثمان رضي الله عنه :
- قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري :{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }[الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.

وهذا -أيضا- من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

الفرق بين جمع الشيخين وجمع عثمان رضي الله عنه :
- قال ابن كثير : (فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة).

سبب جمع القرآن الكريم ،في عهد عثمان رضي الله عنه :
- قال ابن كثير : (وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه فإنه لما كان غازيا في فتح أرمينية وأذربيجان، وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى، ورأى منهم اختلافا كثيرا وافتراقا، فلما رجع إلى عثمان أعلمه وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ).
- وقال ابن كثير أيضا : (فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان، ليكتب ذلك في مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق، ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة وأمر عثمان هؤلاء الأربعة ) .
كيف كان اختلاف اليهود والنصارى على الكتاب؟ :
- قال ابن كثير : (وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضا، وليس في توراة السامرة حرف الهمزة ولا حرف الياء، والنصارى -أيضا- بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة، وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهي مختلفة -أيضا- اختلافا كثيرا).
- وقال ابن كثير أيضا : (وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط، ومنها ما هو أكبر من ذلك إما بالنصف أو بالضعف، ومضمونها سيرة عيسى وأيامه وأحكامه وكلامه ،وفيه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهي مع هذا مختلفة، كما قلنا، وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة).



الأربعة الذين أمرهم عثمان لجمع المصحف :
- قال ابن كثير : (وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصاري، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، وكان كريما جوادا ممتدحًا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ).


طريقة عثمان في جمع وترتيب المصحف :
- قال ابن كثير : (فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخًا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم ).

- وقال ابن كثير : (وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين) .
- وقال ابن كثير أيضا : (ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.

ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي ،متلقى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ).
- وقال ابن كثير أيضا : (ثم إن عثمان رد الصحف إلى حفصة، فلم يزل عندها ،حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها ،فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا ، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله. وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب) .
- وقال ابن كثير أيضا : (وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق).
- قال أبو بكر : حدثنا عمي، حدثنا أبو رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: يا أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد. فكتب زيد مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقولون قد أحسن. إسناد صحيح.
- قال ابن كثير : (قال أيضا- أبو بكر - : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أبو بكر، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.

قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها).


موقف عثمان ومن بعده مروان بن الحكم من الربعة :
-قال ابن كثير : (قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة -رضي الله عنها-فلما جمعها عثمان -رضي الله عنه-في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان ).
- روى أبو بكر بن أبي داود:

حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا ؛لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.


موقف الصحابة ومن نشأ في عصرهم من التابعين ،من طريقة عثمان في جمع المصحف :
- قال ابن كثير : (ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنما روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف، وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق ،حتى قال علي بن أبي طالب( رضي الله عنه) : (لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا) .
- وقال ابن كثير : (فاتفق الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي )).

المشار إليه بذلك هنا لا يصح معه ذكر أبي بكر وعمر ، لأنهما قد ماتا قبل المشار إليه ، ولم يرد لهما ولا لجهدهما ذكر في ملخصك قبل الإشارة هذه ، فكانت الإشارة إلى جمع عثمان لا غير .
- وقال ابن كثير أيضا : (وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم، وإنما نقم عليه ذلك أولئك الرهط الذين تمالؤوا عليه وقتلوه، قاتلهم الله، وفي ذلك جملة ما أنكروا مما لا أصل له، وأما سادات المسلمين من الصحابة، ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين، فكلهم وافقوه ).
- قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، قال علي حين حرق عثمان المصاحف:لو لم يصنعه هو لصنعته.
- وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال:أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك،أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
- وحدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثني عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشعر.
- وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.
استياء عبد الله بن مسعود من جمع عثمان للمصحف :
- قال ابن كثير : (وأما عبد الله بن مسعود فقد قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ).
- قال ابن كثير : (وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء ).

- وقال ابن كثير : (ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ).- وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]،غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم -بضعا وسبعين سورة؟!، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
مسألة أمر ابن مسعود بغل المصاحف وكتمانها :
- قال ابن كثير : ( وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد) .
- قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء(.
تراجع عبد الله بن مسعود عن موقفه ورضاه بجمع عثمان للمصحف :
- قال ابن كثير : (وقال أبو بكر بن أبي داود:

باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:
حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف-أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل-أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم).


أماكن تواجد أشهر المصاجف العثمانية الأئمة :
- قال ابن كثير : (أما المصاحف العثمانية الأئمة، فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق ،عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله).
- وقال ابن كثير أيضا : (وقد كانت قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيمًا).


هل كتب عثمان -رضي الله عنه – هذه المصاحف بخط يده ؟ ولماذا نسبت إليه المصحف؟
- قال ابن كثير : (فأما عثمان- رضي الله عنه- فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه، ربما وغيره، فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق، رضي الله عنه).
- وقد قال أبو بكر بن أبي داود:
حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا قريش بن أنس، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد، قال:لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على :{فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم }[البقرة:137 ] ،فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل.
- قال ابن كثير : (وقال أيضا-أبو بكر بن أبي داود -: حدثنا أبو طاهر، حدثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان، فقال لي: ذهب. يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم).
حال الكتابة عند العرب :
- قال ابن كثير : (قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره: أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب).
- وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها: بقة، ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس.
- قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، إن شاء الله حدثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.
- قال ابن كثير : (قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوفة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير، وصار له في ذلك منهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه. وطريقته في ذلك واضحة جيدة. والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا) .
- وقال ابن كثير متعجبا : (ثم قال البخاري: ذكر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم،وأورد فيه من حديث الزهري، عن ابن السباق، عن زيد ابن ثابت، أن أبا بكر الصديق قال له: وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر نحو ما تقدم في جمعه للقرآن وقد تقدم، وأورد حديث زيد بن ثابت في نزول: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95] وسيأتي الكلام عليه في سورة النساء إن شاء الله تعالى، ولم يذكر البخاري أحدا من الكتاب في هذا الباب سوى زيد بن ثابت، وهذا عجب، وكأنه لم يقع له حديث يورده سوى هذا، والله أعلم).



تأليف القرآن وترتيبه :

المراد بتأليف القرآن :
- قال ابن كثير : (والمراد من التأليف هاهنا ترتيب سوره .

مسألة السؤال المذموم :
- قال ابن كثير : (وهذا العراقي سأل أولا عن أي الكفن خير، أي: أفضل، فأخبرته عائشة-رضي الله عنها- أن هذا لا ينبغي أن يعتني بالسؤال عنه ولا القصد له ولا الاستعداد، فإن في هذا تكلفا لا طائل تحته، وكانوا في ذلك الزمان يصفون أهل العراق بالتعنت في الأسئلة .
- كما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال عبد الله بن عمر: انظروا أهل العراق، يسألون عن دم البعوضة، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم !

سبب عدم مبالغة عائشة في الرد على سؤال العراقي :
- قال ابن كثير : (ولهذا لم تبالغ معه عائشة- رضي الله عنها-في الكلام لئلا يظن أن ذلك أمر مهم) .


الوارد
عن أوصاف الكفن المحمودة :
- روى أحمد وأهل السنن من حديث سمرة وابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطهر وأطيب ))وصححه الترمذي من الوجهين.
- وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز.


مسألة حكم ترتيب الآيات
- قال ابن كثير : (ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
- قال ابن كثير : (ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي ،متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه ) .
- وقال ابن كثير : (ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا. وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان (رضي الله عنه) ) .
- قال ابن كثير معلقًا على قول عائشة : (فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم ) .

- قال ابن كثير : (وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.
الرد على من زعم في شأن آية الأحزاب وإلحاقها بسورتها، وأن ذلك كان بعد جمع عثمان :
- قال ابن كثير :(وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: "فألحقناها في سورتها من المصحف" وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية).

حكم قراءة السورة منكوسة :
- قال أبو الحسن بن البطال: وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.



حكم ترتيب السور :
- وقال ابن كثير أيضًا : (والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و {هل أتاك حديث الغاشية }، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و {اقتربت الساعة }، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة (رضي الله عنه)؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان }.).
- وقال ابن كثير أيضا : (وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف).
- حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب :{بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } [القمر: 46 ] ،وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.

وهكذا رواه النسائي من حديث ابن جريج به.
- قال ابن كثير معلقًا على سؤال العراقي ،ورد عائشة له : (ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.

- وقال ابن كثير أيضا معلقا على قول عائشة : (ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد ).
- وقال ابن كثير أيضا : (ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا ،وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده).
- وقال ابن كثير أيضا : (وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه - عليه السلام- قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران).
- قال ابن كثير : (وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله ).

- ولهذا حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: { اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي:{الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.
- قال أبو الحسن بن بطال: إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

- قال البخاري: حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي. انفرد البخاري بإخراجه والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: "من العتاق الأول" أي: من قديم ما نزل، وقوله: "وهن من تلادي" أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف حديثه وجديده، والله أعلم.
- وحدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق: سمع البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى }قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا متفق عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة، والمراد منه أن {سبح اسم ربك الأعلى} سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.
- وقال ابن كثير : (ثم قال: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.

وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان-رضي الله عنه- من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه).

نقط المصحف وشكله وتقسيمه :
أول من أمر بنقط المصحف وشكله :
- فيقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك.

- ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي .
- وقال ابن كثير : (وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم).


كتابة الأعشار على الحواشي :
- قال ابن كثير :(وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا).

- وقيل: بل أول من فعله المأمون.
- وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
- وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.

حكم تنقيط المصحف وشكله وتقسيمه :
- قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.
- قال ابن كثير : (نص الإمام مالك-رحمه الله- على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام، ورخص في ذلك غيره، واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع، فأما كتابة السور وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير في مصاحف زماننا، والأولى اتباع السلف الصالح) .


موقف ابن مسعود ومجاهد من التعشير :
- وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
- ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه .

الحبر والألوان المصبغة في المصحف :
- قال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا.


تعداد آي السور في أولها :
- وقال ابن مالك أيضا : (وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسًا).

تحزيب القرآن :
- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء ،فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن.
----------------------------------------------------------
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ، ونفع بكِ ، مجهود جيد ، وهناك بعض الملاحظات اليسيرة تمت الإشارة إليها عند التصحيح ، يرجى الانتباه لها ، ومنها :
- الأصل في التلخيص الإيجاز ومن ثم فلا حاجة من ذكر السند كاملا ، يكفي الراوي الأعلى (الصحابي) ، وذكر من خرج الحديث من أصحاب الكتب المعتمدة .
- مرحلة جمع القرآن قبل عهد عثمان .
- التحرير العلمي ، والمراجعة بعد النقل ، فقد يشار في الأصل إلى معنى ، وعند النقل ، لا يذكر ما يدل على أنه مرادٌ الإشارة إليه .
- الأخطاء الكتابية وعلامات الترقيم .


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 28 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 18 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 14 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15
إجمالي الدرجات = 95 %
بارك الله فيكِ ، ونفع بكِ الإسلام والمسلمين .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 13 جمادى الأولى 1436هـ/3-03-2015م, 07:36 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:

إعادة تعديل :
تلخيص مقاصد المرشد الوجيز لأبي شامة

المقصد العام :
وهي معرفة كيفية نزول القرآن وجمعه وتلاوته، ومعنى الأحرف السبعة التي نزل عليها، والمراد بالقراءات السبع وضابط ما قوي منها، وبيان ما انضم إليها، والتعريف بحق تلاوته وحسن معاملته.


المقاصد الفرعية :

المقصد الأول : في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته
وذكر حفاظه في ذلك الأوان:


متى نزل القرآن ؟
- فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات.
- فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان.
أدلة القرآن : قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}.
- وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}
- وقال جلت قدرته: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
التعريف بليلة القدر :
- وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأخير منه، ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة} على ليلة القدر.
- وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر.

المقصود بالليلة المباركة :
- فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة} على ليلة القدر. كيف، وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر؛ لأن معناه
التقدير، فإذا ثبت هذا، علمت أنه قد أبعد من قال: الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان، وأن قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن} معناه: أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه،
وأن ليلة القدر توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على ممر السنين، واتفق أن وافقت زمن إنزال القرآن ليلة النصف من شعبان.


إثبات الأدلة على ليلة القدر وإنزال القرآن فيه :
- وبما اخترناه من القول في الجمع بين الآيات الثلاث، ورد الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهود له بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن.
- أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات"، من حديث السري عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله عطية بن الأسود
فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}،
وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة... يعني وغير ذلك من الأشهر.
- فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.

قلت: رسلاً أي رفقًا، وقوله على مواقع النجوم، أي على مثل مواقع النجوم، ومواقعها مساقطها، يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق، فقوله على مواقع النجوم في موضع
نصب على الحال، ورسلا أي ذا رسل يريد مفرقا رافقا.
- ودل أيضا على أن إنزال القرآن كان في شهر رمضان، رواية قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول
ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل
القرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان)). هكذا أخرجه البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات" و"شعب الإيمان" له، وذكره أيضا الثعلبي في تفسيره وغيره.
- ووقع في "تفسير الماوردي" وغيره: ((وأنزل الزبور لثنتي عشرة والإنجيل لثماني عشرة)). وكذلك هو في كتاب أبي عبيد.
- وفي بعض التفاسير عكس هذا: الإنجيل لثنتي عشرة والزبور لثماني عشرة، واتفقوا على أن صحف إبراهيم عليه السلام لأول ليلة والتوراة لست مضين والقرآن لأربع وعشرين خلت.

قال أبو عبد الله الحليمي: يريد ليلة خمس وعشرين.
- وذكر أبو بكر ابن أبي شيبة -وهو أحد شيوخ مسلم- في "كتاب ثواب القرآن" عن أبي قلابة قال: أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان. وعنه: أنزلت التوراة لست
والزبور لثنتي عشرة، وفي رواية أخرى: الزبور في ست، يعني من رمضان.


بيان كيفية إنزال القرآن في ليلة القدر والمجمل والمفرق :
- ذكر المصنف قولان في كيفية إنزاله في ليلة القدر: أحدهما أنه نزل جملة واحدة، والثاني أنه نزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
- قال البيهقي في معنى قوله: ((أنزل القرآن لأربع وعشرين)): إنما أراد -والله أعلم- نزول الملك بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.
- وقال في معنى قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}: يريد -والله أعلم: إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل.
- قال المصنف : قلت: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أو إلى شيء منه: يحتاج إلى نحو هذا التأويل أهل السنة المعتقدون قدم القرآن، وأنه صفة
قائمة بذات الله تعالى.
-وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها.
والثاني: أنه أنزل فيها جملة واحدة.
والثالث: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
فنذكر ما حضرنا من الآثار في ذلك ومن أقوال المفسرين.
تفسير قوله تعالى ( فرقناه ):
- قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن": حدثنا يزيد -يعني ابن هارون- عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن
جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}.

أخرجه الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المستدرك على الصحيحين" وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
- ورواه عبد الأعلى عن داود وقال: فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو يحدث في الأرض منه شيئا أحدثه.
- قال أبو عبيد: لا أدري كيف قرأه يزيد في حديثه، إلا أنه لا ينبغي أن يكون على هذا التفسير إلا "فرقناه" بالتشديد.

قال أبو نصر ابن القشيري في تفسيره: فرقناه أي فصلناه.
- قال ابن جبير: نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
- قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: {لتقرأه على الناس على مكث {
- وقيل: فرقناه أي جعلناه آية آية وسورة سورة، وقيل: فصلناه أحكاما، كقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، أي يفصل، وقيل: "فرقناه" بالتشديد أي أنزلناه مفرقا، {على مكث} على تؤدة وترسل .

وأسند الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" من حديث ابن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في
ليلة القدر}، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض، قال الله
تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}، صحيح على شرطهما.
وأسنده البيهقي في دلائله والواحدي في تفسيره.
- وأسند البيهقي في "كتاب الشعب" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في
السنين، قال: وتلا الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم}، قال: نزل متفرقا.
- قال المصنف : قلت: هو من قولهم: نجم عليه الدية أي قطعها، ومنه نجوم الكتابة، فلما قطع الله سبحانه القرآن وأنزله مفرقا قيل لتفاريقه نجوم، ومواقعها: مساقطها، وهي
أوقات نزولها، وقد قيل: إن المراد {بمواقع النجوم} مغارب نجوم السماء، والله أعلم.

وقوله في الرواية الأولى: وكان بموقع النجوم: أي بمنزلة ذلك في تفرقه وعدم تتابعه على وجه الاتصال، وإنما هو على حسب الوقائع والنوازل، وكذا مواقع النجوم بحساب أزمنة معلومة
تمضي.

معنى قوله ( نزلناه تنزيلا):
{ونزلناه تنزيلا}: أي نجما بعد نجم، وقيل: جعلناه منازل ومراتب ينزل شيئا بعد شيء ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا.
- وقال أبو الحسن الواحدي المفسر: وقال مقاتل: أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في
عشرين سنة.
-وفي "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الليلة التي تليها، فينزل
جبريل عليه السلام ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة.
- وذكر أبو الحسن الماوردي في تفسيره قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين
في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم أرسالا في الشهور
والأيام.

تفسير قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} :
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: فيه قولان:
-أحدهما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، فذكر ذلك، وكأنه قول ثالث غير القولين المقدمين، أو أراد الجمع بينهما،
1)فإن قوله: نزل جملة واحدة، هو القول الأول،
2)وقوله: فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة، هو القول الثاني،
كأنه فسر قول من قال: نزل في عشرين ليلة بأن المراد بهذا الإنزال تنجيم السفرة ذلك على جبريل، قال: والقول الثاني أن الله عز وجل ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر، قال: وهذا قول الشعبي.
- قال المصنف : قلت: هو إشارة إلى ابتداء إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كان وهو متحنث بحراء في شهر رمضان، وقد بينت ذلك في "شرح حديث المبعث"، وغيره، وهذا وإن كان الأمر فيه كذلك إلا أن تفسير الآية به بعيد مع ما قد صح من الآثار عن ابن عباس: أنه نزل جملة إلى سماء الدنيا، على ما تقدم.
- وفي الكتاب "المستدرك" أيضا عن الأعمش عن حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل
عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلا. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
-وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "كتاب ثواب القرآن" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: رفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة فرفع في بيت العزة ثم جعل ينزل تنزيلا.
- وفي "تفسير الثعلبي" عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم نجوما عشرين سنة، فذلك قوله عز وجل: {فلا أقسم بمواقع النجوم }

- قال المصنف : ورأيت في بعض التفاسير، قال: وقال جماعة من العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت، يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل
عليه السلام، وغشي على أهل السماوات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق}، يعني القرآن، وهو معنى قوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم}
، فأتى به جبريل إلى بيت العزة، فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة، وهو قوله تعالى: {بأيدي سفرة * كرام بررة}.

نقتله من "كتاب شفاء القلوب"، وهو تفسير علي بن سهل النيسابوري.

معارضة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بما أنزل :
- وقال أبو عبيد: حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، أما نزل عليه القرآن في سائر السنة إلا في شهر
رمضان؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمدا عليهما السلام بما ينزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.

- زاد الثعلبي في تفسيره: فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء وينسيه ما يشاء.
- زاد غير الثعلبي: فلما كان في العام الذي قبض فيه عرضه عرضتين، فاستقر ما نسخ منه وبدل.
- وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي: أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي
صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.
- وعن أبي عبيد، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر
رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين، قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة.
- قال ابن أبي شيبة: حدثنا الحسين بن علي، عن أبيه، عن ابن جدعان، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام
الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل ليلة في شهر
رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة.
- عن عائشة رضي الله عنها عن فاطمة رضي الله عنها: أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر
أجلي.

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا،
فاعتكف عشرين في العام الذي قبض.


لماذا قيل عن شهر رمضان أنه الذي أنزل فيه القرآن :
- وما رواه داود عن الشعبي، يعد قولا رابعا في معنى قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن}، وكأنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من
إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة تغيير بعض ألفاظه على ما سيأتي، وإن ضم إلى ذلك كونه ابتدأ نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته.
- في "كتاب شرح حديث المبعث": أن أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وذلك بحراء عند ابتداء نبوته، ويجوز أن يكون قوله: {أنزل فيه
القرآن} إشارة إلى كل ذلك، وهو كونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض وعرضه وإحكامه في شهر رمضان، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن، إنزالا جملة
وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل: {أنزل فيه القرآن {


السر في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا :

- فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن
الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين إنزاله جملة
ثم إنزاله مفرقا.
- .وهذا من جملة ما شرف به نبينا صلى الله عليه وسلم، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار الفقر والإيثار بما فتح
الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرا وفقيرا صابرا صلى الله عليه وسلم.


الزمان الذي أنزل فيه القرآن جملة إلى السماء الدنيا :
- قال المصنف : فإن قلت: في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها؟

قلت: الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل، فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر.
فائدة إنزال القرآن جملة إلى السماء الدنيا :
- لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء كما أعلم الله سبحانه وتعالى الملائكة قبل خلق آدم بأنه جاعل
في الأرض خليفة، وكما أعلمهم أيضا قبل إكمال خلق آدم عليه السلام بأنه يخرج من ذريته محمد وهو سيد ولده، وعلى ذلك حملنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نبيا وآدم بين
الماء والطين))، على ما أوضحناه في "كتاب شرح المدائح النبوية"، وكان العلم بذلك حاصلا عند الملائكة، ألا ترى أن في حديث الإسرى، لما كان جبريل يستفتح له السماوات
سماء سماء؟ كان يقال له: من هذا؟ فيقول: جبريل، يقال: من معك؟ فيقول: محمد، فيقال: وقد بعث إليه؟ فيقول: نعم. فهذا كلام من كان عنده علم بذلك قبل ذلك وقد تكلم على
فائدة إنزال القرآن جملة، شيخنا أبو الحسن رحمه الله ببعض ما ذكرناه.
- وقال المصنف : ووقفت على كلام حسن للحكيم الترمذي أبي عبد الله محمد بن علي في تفسيره فقال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز
لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم
وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد
تبارك وتعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله تعالى إلى الأمة، ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا
رحمة للعالمين}، وقال عز وجل: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين }
- وقال الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء...": في ذلك تكريم بني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين
ألفا من الملائكة لما أنزل سورة الأنعام أن تزفها، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له...
ثم ساق الكلام إلى آخره.

المقصود بالإنزال في قوله تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة القدر}:
- قال المصنف : فإن قلت: فقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} من جملة القرآن الذي نزل جملة، أم لا؟ فإن لم يكن منه فما نزل جملة، وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة؟
قلت: له وجهان:

أحدهما أن يكون معنى الكلام: إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به، وقدرناه في الأزل، وأردناه، وشئناه، وما أشبه ذلك.
والثاني أن لفظه لفظ الماضي، ومعناه الاستقبال، وله نظائر في القرآن وغيره، أي ننزله جملة في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، واختير لفظ الماضي لأمرين: أحدهما تحققه وكونه أمرا
لا بد منه، والثاني أنه حال اتصاله بالمنزل عليه، يكون الماضي في معناه محققا؛ لأن نزوله منجما كان بعد نزوله جملة واحدة، وكل ذلك حسن واضح، والله أعلم.


الحكمة من نزول القرآن منجما :
- قال المصنف : قلت: هذا سؤال قد تولى الله سبحانه الجواب عنه فقال في كتابه العزيز: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}، يعنون كما أنزل على من كان
قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله: {كذلك} أي أنزلناه كذلك مفرقا {لنثبت به فؤادك} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد
عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان
أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام عليه فيه على ما سنذكره.
- وقيل: معنى {لنثبت به فؤادك}، أي لتحفظه فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو
نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه، والتوراة نزلت على موسى عليه السلام مكتوبة وكان كاتبا قارئا، وكذا كان غيره، والله أعلم.

بيان مسألة عدم إنزاله دفعة واحد وسهولة حفظه :
- قال المصنف : فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.

قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم.
{ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.



المدة بين نزول أول القرآن وآخره :
- وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة، فقيل:
عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشر، والله أعلم.

حفظ القرآن وبيانه وعدم نسيانه :
- وكان الله تعالى قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم نسيانه بقوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، أي علينا أن
نجمعه في صدرك فتقرؤه فلا ينفلت عنك منه شيء، وقال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}، أي غير ناس له.
- وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه،
فكان ذلك يعرف منه، فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أخذه {إن علينا جمعه وقرآنه}، إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال:
أنزلناه فاستمع له {ثم إن علينا بيانه} أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى
- وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، قال: جمعه في
صدرك ثم تقرؤه {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق
جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه.
- وعن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن الله تعالى تابع الوحي على رسوله قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد. هذا لفظ
البخاري، ولمسلم: إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفي، وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: يعني عام وفاته أو حين وفاته، يريد أيام مرضه كلها، كما يقال: يوم الجمل ويوم صفين، وكانت أياما، والله أعلم.


أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن:

- قال المصنف : أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أول سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته، على ما شرحناه في "كتاب

المبعث"، ثم نزل {يا أيها المدثر} ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا.


آخر ما نزل من القرآن :
- وآخر ما نزل من الآيات {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية.
- وقيل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} إلى آخرها.
- وقيل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين.
- وقيل آيات الربا، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن {واتقوا يوما} هي آخرهن، ونزل يوم عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية.
- قال أبو عبيد: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: آخر آية أنزلت من القرآن: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، قال: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكث بعدها تسع ليال، وبدئ به يوم السبت ومات يوم الاثنين.

قلت: يعني العاشر من يوم مرضه.
- وقال: حدثنا عبد الله بن صالح وابن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين.

قلت: يعني من آيات الأحكام، والله أعلم.


ترتيب الآيات ووضعها في سور معينة :
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: ((ضعوا هذه في سورة كذا))، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان في كل
عام، وعرضه عليه عام وفاته مرتين، وكذلك كان يعرض جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.

وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة، أقلهم بالغون حد التواتر، ورخص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم.
ومنه ما نسخ لحكمة اقتضت نسخه، وكل ذلك فيه أخبار ثابتة.
- ففي جامع الترمذي وغيره عن ابن عباس عن عثمان رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا
نزل عليه الشيء منه دعا بعض من كان يكتب فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر
فيها كذا وكذا))... هذا حديث حسن، وقال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
- وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم". وفي رواية: كان
المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم}، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت.
- وفي البخاري عن البراء بن عازب قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... والمجاهدون في سبيل الله}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادع لي زيدا، وليجئ باللوح
والدواة والكتف)) -أو الكتف والدواة- ثم قال: ((اكتب: {لا يستوي القاعدون})).
- وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى فقال: يا رسول الله فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها {غير أولي الضرر }



جمع القرآن والقراء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
- عن مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود،
وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))
.- عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
- وفي رواية: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه، وفي رواية: أحد عمومتي.
- قال الحافظ البيهقي في "كتاب المدخل": الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ
بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري، رضي الله عنهم.
- وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد.
ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير عثمان رضي الله عنهم.
- قلت: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب رحمه الله في "كتاب الانتصار" الكلام في حملة القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أدلة كثيرة على أنهم
كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه
- في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمون القراء. وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((اقرأه في شهر))، الحديث.

وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذه الآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان من ألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا على ظاهره.
- أسماء كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يكتبون له الوحي وغيره في ترجمته صلى الله عليه وسلم في "تاريخ دمشق" نحو خمسة وعشرين اسما.

الآثار فيمن جمع القرآن وتأويل حصر الألفاظ :
- منها أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف والقراءات التي نزل بها، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كلها شاف كاف، إلا أولئك النفر فقط.
- ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة.
- ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذه من فيه تلقيا، غير تلك الجماعة، فإن أكثرهم أخذوا بعضه عنه، وبعضه عن غيره.
- ومنها أنه لم يجمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ظهر به وأبدى ذلك من أمره وانتصب لتلقينه، غير تلك الجماعة مع جواز أن يكون فيهم حفاظ لا يعرفهم الراوي إذا لم يظهر ذلك منهم.
- ومنها أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام النبي صلى الله عليه وسلم حيا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه
- . ويحتمل أيضا أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفا من المراءاة به، واحتياطا على النيات كما يفعل الصالحون في كثير من العبادة، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأي اقتضى ذلك عندهم.
- قال المازري: وكيف يعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، وكيف تتصور الإحاطة بهذا، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقون في البلاد؟ وهذا لا يتصور، حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن. وهذا بعيد تصوره في العادة.

وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة، فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون، وما من شرط كونه متواترا أن يحفظ الكل الكل، بل الشيء الكثير إذا روى كل جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواترا.
- قال المصنف : قلت: وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة وسعدا وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعمرو بن العاص وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن السائب، قارئ مكة.

ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة.
- قال: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة، وحكي عنه منها شيء.

أقسام النسخ :
وأما ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب:
منه ما نسخت تلاوته وبقي حكمه

ومنه ما نسخت تلاوته وحكمه:
- ففي صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها.
- وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان مما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن". ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم
وهن مما يقرأ من القرآن.
- قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندنا.
قال: وقولها "... وهن مما يقرأ من القرآن"، يعني عند من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا.
- في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنها عمر في شأن
عمرو بن حريث.

فمعناه، فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فلما اتصل ذلك بعمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
فاشتهر ذلك وثبت، والله أعلم.
ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته:
- كآية عدة الوفاة حولا نسخت بالآية التي قبلها التي ذكر فيها {أربعة أشهر وعشرا }
- وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه الآية التي في البقرة: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول
غير إخراج}، لم تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى؟ قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا عن مكانه.

تابع ....

المقصد الثاني : جمع الصحابة للقرآن وترتيبه :

بيان مراحل ترتيب المصحف وجمعه :
أحوال جمع القرآن وترتيبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة :
- قال: وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق، والجمع الثالث -وهو ترتيب السور- كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.

- قال عبد الله: "حدثنا أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك عن ابن شهاب عن سالم وخارجة: أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر، ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ منها عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها".
- وفي تفسير الطبري: "عن عمارة بن غزية عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده. فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة...

ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء، فردها إليها وطابت نفسه...".


إذن الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره وأمره في تأليف القرآن :
- واعلم أن حاصل ما شهدت به الأخبار المتقدمة وما صرحت به أقوال الأئمة أن تأليف القرآن على ما هو عليه الآن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه وأمره، وأن جمعه في الصحف خشية دثوره بقتل قرائه كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وأن نسخه في مصاحف حملا للناس على اللفظ المكتوب حين نزوله بإملاء المنزل إليه صلى الله عليه وسلم ومنعا من قراءة كل لفظ يخالفه كان في زمن عثمان رضي الله عنه، وكأن أبا بكر كان غرضه أن يجمع القرآن مكتوبا مجتمعا غير مفرق على اللفظ الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتبة الوحي ليعلم ذلك، ولم يكل ذلك إلى حفظ من حفظه خشية فنائهم بالقتل، ولاختلاف لغاتهم في حفظهم على ما كان أبيح لهم من قراءته على سبعة أحرف

- وأسند البيهقي في "كتاب المدخل" و"الدلائل" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن، إذ قال: ((طوبى للشام))، فقيل له: ولم؟ قال: ((إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها)).
زاد في "الدلائل": نؤلف القرآن من الرقاع، ثم قال: وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت مثبتة في الصدور مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب، فجمعها منها في صحف بإشارة أبي بكر وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان على ما رسم المصطفى صلى الله عليه وسلم.وأخرج هذا الحديث الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المستدرك"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
-قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فألحقتها في سورتها في المصحف.
قلت: وخزيمة هذا غير أبي خزيمة الذي وجد معه الآيتين آخر "سورة براءة"، ذاك أبو خزيمة بن أوس بن زيد من بني النجار، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان، وهذا خزيمة بن ثابت بن الفاكه من الأوس، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم صفين، وقيل غير ذلك. ومعنى قوله: "فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان..." أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد كتابة تلك الآية مع ذلك الشخص، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره، وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره: أنهم كانوا يحفظون الآية، لكنهم أنسوها فوجدوها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها لسماعهم إياها من النبي صلى الله عليه وسلم.
- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا أنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أن السورة قد ختمت، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته عند الحاجة وحدوث ما يحدث على ما يشاء الله عز وجل: وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة رحمة من الله عز وجل لعباده، وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال جل ذكره: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
معنى قول ابن عباس : : "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى تنزل البسملة":
- قال المصنف :وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى تنزل البسملة"، يعني به -والله أعلم- وقت عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام، فكان لا يزال يقرأ في السورة إلى أن يأمره جبريل بالتسمية، فيعلم أن السورة قد انقضت، وعبر النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ النزول، إشعارا بأنها قرآن، في جميع أوائل السور فيه.
- ويجوز أن يكون المراد بذلك أن جميع آيات كل سورة كان ينزل قبل نزول البسملة، فإذا كملت آياتها نزل جبريل البسملة، واستعرض السورة، فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن السورة قد ختمت، لم يبق يلحق بها شيء.
من هو خزيمة المقصود :
قال المصنف : قلت: وخزيمة هذا غير أبي خزيمة الذي وجد معه الآيتين آخر "سورة براءة"، ذاك أبو خزيمة بن أوس بن زيد من بني النجار، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان، وهذا خزيمة بن ثابت بن الفاكه من الأوس، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم صفين، وقيل غير ذلك. ومعنى قوله: "فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان..." أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد كتابة تلك الآية مع ذلك الشخص، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره، وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره: أنهم كانوا يحفظون الآية، لكنهم أنسوها فوجدوها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها لسماعهم إياها من النبي صلى الله عليه وسلم.


ما فعله أبو بكر وعمر لجمع المصحف وترتيبه :
فضل أبو بكر في جمع المصحف :
- قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي عن عبد خير قال: قال علي: يرحم الله أبا بكر، هو أول من جمع ما بين اللوحين. وفي رواية عنه: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر.
- وقد حكى القاضي أبو بكر في "كتاب الانتصار" خلافا في أن أبا بكر جمع القرآن بين لوحين أو في صحف وأوراق متفرقة، وبكل معنى من ذلك قد وردت الآثار. وقيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين، وقيل: معنى قول علي: "أبو بكر أول من جمع القرآن بين اللوحين": أي جمع القرآن الذي هو الآن بين اللوحين، وكان هذا أقرب إلى الصواب جمعا بين الروايات. وكأن أبا بكر رضي الله عنه كان جمع كل سورة أو سورتين أو أكثر من ذلك في صحيفة على قدر طول السورة وقصرها
مراجعة عمر لأبي بكر وانشراح صدر أبو بكر :
- قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر.
طريقة أبو بكر في جمع المصحف وترتيبه :
- وفي كتاب أبي بكر عبد الله بن أبي داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.
المقصود بمعنى شاهدين :
- قال الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء": ومعنى هذا الحديث -والله أعلم- من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان زيد جامعا للقرآن.

قال: ويجوز أن يكون معناه: من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى، أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا، ولم يعلم بوجه آخر.
ومن طرق أبو بكر في جمعه للمصحف وترتيبه :
- قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، حتى خاتمة "براءة"، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
- قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، حتى خاتمة "براءة"، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
- وفي كتاب ابن أبي داود أيضا عن أبي العالية: أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من "سورة براءة": {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}، فظنوا أنها آخر ما نزل من القرآن. فقال أبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدهن آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه} إلى {وهو رب العرش العظيم}. فهذا آخر ما نزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به، يعني بكلمة التوحيد.
- قال الشيخ أبو الحسن: "كان أبي يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما. وأما قوله وصدور الرجال -يعني في الحديث السابق- فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر "براءة" ثم لم يقنع بذلك حتى طلبها وسأل عنها غيره فوجدها عند خزيمة، وإنما طلبها من غيره مع علمه بها، ليقف على وجوه القراءات. والله أعلم".
- قال المصنف : قلت: إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتبوا من حفظهم لأن قراءتهم كانت مختلفة لما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف على ما سيأتي تفسيرها. والله أعلم.


ما فعله عثمان لجمع القرآن :
- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
- وعن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد قال: سمع عثمان قراءة أبي وعبد الله ومعاذ فخطب الناس ثم قال: إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن. عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاني به.

فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعسيب فيه الكتاب، فمن أتاه بشيء قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: أي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال: أي الناس أكتب؟ قالوا: زيد بن ثابت، قال: فليكتب زيد، وليمل سعيد. قال: فكتب مصاحف، فقسمها في الأمصار، فما رأيت أحدا عاب ذلك عليه.
قلت: كذا في كتاب ابن أبي داود. وفي تسمية معاذ هنا نظر، فإن معاذا توفي قبل ذلك في طاعون عمواس في خلافة عمر، ولعل قراءته بقيت بعده عند أصحابه، فسمعها عثمان منهم.
- قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فألحقتها في سورتها في المصحف.
- وعن أسلم مولى عمر قال: اختلف الناس في القرآن فجعل الرجل يلقى الرجل في مغزاته فيقول: معي من القرآن ما ليس معك، أقرأني أبي بن كعب كذا وكذا، ويقول هذا: أقرأني عبد الله بن مسعود كذا وكذا، فلما رأى ذلك عثمان شاور فيه أهل القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأوا أن يجمعوه في مصحف واحد، ثم يفرق في البلاد مصحفا مصحفا، ثم تحرق سائر الصحف، فدعا عثمان رضي الله عنه أربعة نفر، ثلاثة من قريش ورجلا من الأنصار: عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وزيد بن ثابت فقال: انسخوه. فنسخوه على هذا التأليف، وقال: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه على ما تقولون أنتم، فإن القرآن أنزل على لسان قريش، فنسخوا القرآن في مصحف واحد حتى فرغوا منه، ثم نسخ من ذلك المصحف مصاحف، فبعث إلى كل بلد مصحفا، وأمرهم بالاجتماع على هذا المصحف.
- وروى يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن موسى بن جبير أن عثمان بن عفان دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص فقال لأبي: إنك كنت أعلم الناس بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، كنت تقرئ في زمانه، وكان عمر بن الخطاب يأمر الناس بك، فأمل على هؤلاء القرآن في المصاحف، فإني أرى الناس قد اختلفوا، قال: فكان أبي يملي عليهم القرآن، وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ينسخان.
- قال القاضي: وقد وردت الرواية أن عثمان لما أراد أن يجمع المصحف خطب فقال: أعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله عز وجل، شيء لما جاء به، قال: فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك شيئا كثيرا، ثم دخل فدعاهم رجلا رجلا يناشده: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف فرقها في الناس.
- قال القاضي: فهذا الخبر يقضي بأن سعيدا قد كان ممن يملي المصحف، ولا يمتنع أن يمله سعيد ويمله أيضا أبي، فيحتاج إلى أبي لحفظه وإحاطته علما بوجوه القراءات المنزلة التي يجب إثبات جميعها، وأن لا يطرح شيء منها، ويجب نصب سعيد بن العاص لموضع فصاحته وعلمه بوجوه الإعراب وكونه أعربهم لسانا، قال: وقد قيل: إن سعيدا كان أفصح الناس وأشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يجب أن تتعارض هذه الأخبار؛ لأنه قد ذكر في كل واحد منها ممل غير الذي ذكر في غيره؛ لأنه لا يمتنع أن ينصب لإملائه قوم فصحاء، حفاظ يتظاهرون على ذلك، ويذكر بعضهم بعضا، ويستدرك بعضهم ما لعله يسهو عنه غيره. وهذا من أحوط الأمور وأحزمها في هذا الباب.
- قال: وقد ذكر في بعض الروايات أن الذي نصبه عثمان لإملاء المصحف أبان بن سعيد بن العاص. والسيرة تشهد بأن ذلك غلط؛ لأن أهلها قد رووا أن أبان بن سعيد متقدم الموت، وأنه قد هلك قبل جمع عثمان المصحف بزمان طويل، وأنه قتل بالشام في وقعة أجنادين في سنة ثلاث عشرة، وإنما المنصوب لإملاء المصحف الذي أقامه عثمان لذلك سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وهو ابن أخي أبان بن سعيد بن العاص.
- ونقلت من كتاب "شرح السنة" الذي سمعناه على القاضي أبي المجد محمد بن الحسين القزويني بسماعه من الإمام أبي منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي بسماعه من لفظ المصنف الفقيه الإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمه الله قال: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا، والذي حملهم على جمعه ما جاء بيانه في الحديث وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم وأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا، وروي معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه.
- فلما ولي عثمان وكثر المسلمون وانتشروا في البلاد وخيف عليهم الفساد من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم حملهم عثمان على ذلك اللفظ الذي جمعه زيد في زمن أبي بكر، وبقي ما عداه ليجمع الناس على قراءة القرآن على وفق ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكثر فيه التصرف، فيتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة.
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب: "الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله تعالى وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ويرفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وأن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم كان بجميعه بيانا شائعا ذائعا وواقعا على طريقة واحدة، ووجه تقوم به الحجة وينقطع العذر، وأن الخلف نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه قد نسخ منه بعض ما كانت تلاوته ثابتة مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله سبحانه ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم، وأن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة، وأنه قد يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، كما رتب آيات سوره، ويمكن أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم، وإن هذا القول الثاني أقرب وأشبه بأن يكون حقا على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى، وإن القرآن لم يثبت آيه على تاريخ نزوله، بل قدم ما تأخر إنزاله، وأخر بعض ما تقدم نزوله على ما قد وقف عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك"... وساق الكلام إلى آخره في "كتاب الانتصار" للقرآن، على كثرة فوائده، رحمه الله.
- ذكر أبو الحسن في "كتاب الوسيلة" عن شيخه الشاطبي بإسناده إلى ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم... وذكره أبو عمرو الداني في "كتاب المقنع".
معنى قول عثمان رضي الله عنه، "إن القرآن أنزل بلسان قريش:
ومعنى قول عثمان رضي الله عنه، "إن القرآن أنزل بلسان قريش" أي معظمه بلسانهم، فإذا وقع الاختلاف في كلمة فوضعها على موافقة لسان قريش أولى من لسان غيرهم. أو المراد: نزل في الابتداء بلسانهم، ثم أبيح بعد ذلك أن يقرأ بسبعة أحرف.

فضل عثمان رضي الله عنه في جمع القرآن :
- قال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر.
- وقال حماد بن سلمة: كان عثمان في المصحف كأبي بكر في الردة.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.


سبب التجميع الذي حصل في عهد عثمان رضي الله عنه :
- إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.
- وقال أبو محمد مكي رحمه الله في آخر كتاب "الكشف": "ذكر إسماعيل القاضي من روايته أن زيد بن ثابت قال: كتبته على عهد أبي بكر في قطع الأدم وكسر الأكتاف، وفي كذا وكذا، قال: فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبته في صحيفة واحدة، وكانت عنده، فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم"، قال: "وروي أن
حفصة لما ماتت قبض الصحيفة عبد الله بن عمر، فعزم عليه مروان فأخذها منه.."


موقف الصحابة من فعل عثمان رضي الله عنه :
- وفي كتاب أبي عبيد: أنه وجد خاتمة "براءة" مع خزيمة بن ثابت وآية "الأحزاب" مع خزيمة أو أبي خزيمة، وزاد: فلما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة أم المؤمنين يسألها الصحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا فمنعته إياها.

قال ابن شهاب: فحدثني سالم بن عبد الله أنه لما توفيت حفصة، رحمة الله عليها، أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة ليرسلن بها، فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف ما نسخ عثمان رحمة الله عليه، قال أبو عبيد: لم نسمع في شيء من الحديث أن مروان مزق الصحف، إلا في هذا الحديث.
- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق. عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك -أو قال: لم يعب ذلك أحد.
- وحدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة قال: قال علي رضوان الله عليه: لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. وفي رواية أخرى لو وليت من أمر المصاحف ما ولي عثمان لفعلت ما فعل عثمان.
- وفي "السنن الكبير" عن علقمة بن مرثد عن العيزار بن جرول عن سويد بن غفلة عن علي رضي الله عنه قال: اختلف الناس في القرآن على عهد عثمان فجعل الرجل يقول للرجل: قراءتي خير من قراءتك، فبلغ ذلك عثمان فجمعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس قد اختلفوا اليوم في القراءة وأنتم بين ظهرانيهم، فقد رأيت أن أجمع على قراءة واحدة، قال: فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، قال: وقال علي: لو وليت مثل الذي ولي، لصنعت مثل الذي صنع. وفي رواية: يرحم الله عثمان، لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان. أخرجه البيهقي في "المدخل".
- وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان علي رضي الله عنه طول أيامه يقرأ مصحف عثمان، ويتخذه إماما ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.
موقف أبو بكر وعمر وعثمان من قراءة زيد بن ثابت :
- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين.

الفرق بين قصد أبو بكر وبين قصد عثمان من تجميع القرآن :
- قال المصنف :فقد اتضح بما ذكرناه معنى ما فعله كل واحد من الإمامين أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وتبين أن قصد كل واحد منهما غير قصد الآخر، فأبو بكر قصد جمعه في مكان واحد، ذخرا للإسلام يرجع إليه إن اصطلم، والعياذ بالله، قراؤه، وعثمان قصد أن يقتصر الناس على تلاوته على اللفظ الذي كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتعدوه إلى غيره من القراءات التي كانت مباحة لهم، المنافية لخط المصحف من الزيادة والنقصان وإبدال الألفاظ على ما سيأتي شرحه.
- إن عثمان رضي الله عنه نسخ من تلك الصحف مصحفا جامعا لها، مرتبة سورة سورة على هذا الترتيب، ويدل على ذلك ظاهر حديث يزيد الفارسي عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى "براءة" و"الأنفال" فقرنتم بينهما؟ الحديث، فإنه يدل على أن لعثمان في جمعه القرآن بعد أبي بكر تصرفا ما، وهو هذا، فأبو بكر جمع آيات كل سورة كتابة لها من الأوراق المكتوبة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، بإملائه، وهو على وفق ما كان محفوظًا عندهم بتأليف النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان جمع السور على هذا الترتيب في مصحف واحد ناسخا لها من صحف أبي بكر.
- وذكر أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع" عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أول من جمع القرآن في المصاحف، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد
- وأما ما روي أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت، ولم يكن له إلى ذلك حاجة، وقد كفيه بغيره، فالاعتماد على ما قدمناه أول الباب من حديث صحيح البخاري، وإنما ذكرنا ما بعده زيادة كالشرح له، وجمعا لما روي في ذلك، ويمكن أن يقال: إن عثمان طلب إحضار الرقاع ممن هي عنده، وجمع منها، وعارض بما جمعه أبو بكر، أو نسخ مما جمعه أبو بكر، وعارض بتلك الرقاع، أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ، ففعل كل ذلك أو بعضه، استظهارا ودفعا لوهم من يتوهم خلاف الصواب، وسدا لباب القالة: إن الصحف غيرت أو زيد فيها ونقص، وما فعله مروان من طلبه الصحف من ابن عمر وتمزيقها -إن صح ذلك- فلم يكن لمخالفة بين الجمعين، إلا فيما يتعلق بترتيب السور، فخشي أن يتعلق متعلق بأنه في جمع الصديق غير مرتب السور، فسد الباب جملة. هذا إن قلنا إن عين ما جمعه عثمان هو عين ما جمعه أبو بكر، ولم يكن لعثمان فيه إلا حمل الناس عليه مع ترتيب السور، وأما إن قلنا بقول من زعم أن عثمان اقتصر مما جمعه أبو بكر على حرف واحد من بين تلك القراءات المختلفة فأمر ما فعله مروان ظاهر، وسيأتي الكلام على كل واحد من القولين وإيضاح الحق في ذلك، إن شاء الله تعالى.
- وقد عبر الشيخ أبو القاسم الشاطبي رحمه الله عما فعله الإمامان بأبيات من جملة قصيدته المسماة بـ"العقيلة" في بيان رسم المصحف، أخبرنا بها عنه شيخنا أبو الحسن وغيره فقال رحمه الله:

واعلم بأن كتاب الله خص بما تاه البرية عن إتيانه ظهرا
أي متظاهرين، ثم قال بعد أبيات:
ولم يزل حفظه بين الصحابة في علا حياة رسول الله مبتدرا
أشار إلى كثرة حفاظه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
وكل عام على جبريل يعرضه وقيل آخر عام عرضتين قرا
لو قال: "لكن آخر عام" كان أولى؛ لأن الجمع في خبر واحد صحيح. وقوله: "وقيل" يوهم غير ذلك، فإن كان قال: و"قبل" بالموحدة فهو أجود، والله أعلم. ثم قال رحمه الله:
إن اليمامة أهواها مسيلمة الـ ـكذاب في زمن الصديق إذ خسرا
وبعد باس شديد حان مصرعه وكان باسا على القراء مستعرا
نادى أبا بكر الفاروق: خفت على الـ ـقراء فادرك القرآن مستطرا
فأجمعوا جمعه في الصحف واعتمدوا زيد بن ثابت العدل الرضا نظرا
فقام فيه بعون الله يجمعه بالنصح والجد والحزم الذي بهرا
من كل أوجهه حتى استتم له بالأحرف السبعة العليا كما اشتهرا
فأمسك الصحف الصديق ثم إلى الـ ـفاروق أسلمها لما قضى العمرا
وعند حفصة كانت بعد فاختلف الـ ـقراء فاعتزلوا في أحرف زمرا
وكان في بعض مغزاهم مشاهدهم حذيفة فرأى من خلفهم عبرا
فجاء عثمان مذعورا فقال له: أخاف أن يخلطوا فأدرك البشرا
فاستحضر الصحف الأولى التي جمعت وخص زيدا ومن قريشه نفرا
على لسان قريش فاكتبوه كما على الرسول به إنزاله انتشرا
فجردوه كما يهوى كتابته ما فيه شكل ولا نقط فيحتجرا
وسار في نسخ منها مع المدني كوف وشام وبصر تملأ البصرا
وقيل: مكة والبحرين مع يمن ضاعت بها نسخ في نشرها قطرا
القطر: العود، أي فاحت رائحة طيب هذه النسخ بهذه الأقاليم، فهو كقوله في قصيدته الكبرى:
"فقد ضاعت شذا وقرنفلا... ......................
والهاء في "قريشه" لعثمان، وفي "به" تعود على لسان قريش، وقوله: "فجردوه" أي كتبوه على لسان قريش مجردا من باقي لغات العرب.

تابع

المقصد الثالث : بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنزل القرآن على سبعة أحرف )):

إقراء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الأحرف السبعة :
- ففي الصحيحين عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ))

- ففي الصحيحين عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف )).
- وفي رواية: ((اقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة )).
- وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك))، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك))، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك))، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا.
- وفي سنن أبي داود عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن، فقال لي: على حرف؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاث، فقلت: على ثلاث، حتى بلغت سبعة أحرف))، ثم قال: ((ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ((
- وفي سنن النسائي فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف ((
- وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن على حرف، فقال له ميكائيل: استزده، فقال على حرفين، ثم قال: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف كلها كاف شاف كقولك: هلم وتعال، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما ))

وفي رواية: ((عليم حكيم غفور رحيم)).
وفي أخرى: ((من قرأ منها حرفا فهو كما قرأ ))

-وفي جامع الترمذي عن أبي بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: ((يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)). قال: هذا حديث حسن صحيح.
وروي من غير وجه عن أبي بن كعب. وفي هذا الباب عن ابن عمر وحذيفة وأبي هريرة وابن عباس وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة وسمرة وأم أيوب امرأة أبي أيوب الأنصاري.
قلت: ورواه أبو جعفر الطبري في تفسيره: "منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف".
- وفي كتاب أبي عبيد عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عليه السلام عند أحجار المراء فقلت: يا جبريل إني أرسلت إلي أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).

موقف النبي صلى الله عليه وسلم من اختلاف القراءات :
- وعن زيد بن أرقم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم، بقراءة أيهم آخذ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعلي إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم، كل حسن جميل.
- وفي كتاب "المستدرك" عن عبد الله قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم "سورة حم" ورحت إلى المسجد عشية، فجلس إلي رهط، فقلت لرجل من الرهط: اقرأ علي، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرؤها، فقلت له: من أقرأكها؟ قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عنده رجل فقلت: اختلفنا في قراءتنا وإن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، ووجد في نفسه حين ذكرت له الاختلاف فقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف)) ثم أسر إلى علي، فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم، قال: فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا، لا يقرؤها صاحبه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.
- وفي كتاب ابن أبي شيبة عن أم أيوب قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أصبت)).
- وفي أول تفسير الطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم فردوه إلى عالمه ((
- وفي رواية: ((فاقرءوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)).
- وفي السنن الكبير عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال: قرأت آية وقرأ ابن مسعود خلافها، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى))، قال ابن مسعود: ألم تقرئنيها كذا وكذا؟ قال: ((بلى))، قال: ((كلاكما محسن))، قلت: ما كلانا أحسن ولا أجمل، قال: فضرب صدري وقال: ((يا أبي إني أقرئت القرآن، فقيل لي: أعلى حرف أم على حرفين؟ فقال الملك الذي معي: على حرفين، فقلت: على حرفين، فقيل لي: أعلى حرفين أم ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: على ثلاثة، فقلت: ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف))، قال: ((ليس فيها إلا شاف كاف، قلت: غفور رحيم، عليم حكيم، سميع عليم، عزيز حكيم، نحو هذا ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب)).
اقرار واستحسان النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بالأحرف السبعة :
- وفيهما عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ "سورة الفرقان" على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((أرسله))، فأرسله عمر فقال لهشام: ((اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)). واللفظ للبخاري.
زاد مسلم: قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام. وأخرجه النسائي في سننه الكبرى وقال: فقرأ فيها حروفا لم يكن نبي الله أقرأنيها.
- وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى فقرأ قراءة أنكرتها، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ -وفي رواية: ثم قرأ هذا- سوى قراءة صاحبه، فأقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال: ((يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ((
- وأخرجه أبو جعفر الطبري في أول تفسيره بسنده عن أبي قال: دخلت المسجد فصليت فقرأت النحل، ثم جاء رجل آخر فقرأها على غير قراءتي، ثم دخل رجل آخر فقرأ بخلاف قراءتنا، فدخل في نفسي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فأخذت بأيديهما فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله استقرئ هذين، فقرأ أحدهما فقال: ((أصبت))، ثم استقرأ الآخر فقال: ((أحسنت))، فدخل قلبي أشد مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري وقال: ((أعاذك الله من الشك وخسأ عنك الشيطان)) ففضت عرقا فقال: ((أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: إن أمتي لا تستطيع ذلك، حتى قال سبع مرات فقال لي: اقرأ على سبعة أحرف)).
- وفي رواية: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان، حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي فضرب بيده في صدري ثم قال: ((اللهم اخسأ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة فقال مثل ذلك، فقلت مثله، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف)).


موقف الصحابة من اختلاف القراءات:

- وقال الأعمش: سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، اقرءوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدهم: هلم وتعال وأقبل.
- قال البيهقي: أما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة "غفور رحيم" بدل "عليم حكيم"، فلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي، فإذا قرأ ذلك في غير موضعه فكأنه قرأ آية من سورة، وآية من سورة أخرى، فلا يأثم بقراءتها كذلك ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، ولا آية رحمة بآية عذاب.
قلت: وكان هذا سائغا قبل جمع الصحابة المصحف تسهيلا على الأمة حفظه؛ لأنه نزل على قوم لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء بلفظه، بل هم قوم عرب فصحاء يعبرون عما يسمعون باللفظ الفصيح.

ثم إن الصحابة رضي الله عنهم خافوا من كثرة الاختلاف، وألهموا، وفهموا أن تلك الرخصة قد استغني عنها بكثرة الحفظة للقرآن، ومن نشأ على حفظه صغيرا فحسموا مادة ذلك بنسخ القرآن على اللفظ المنزل غير اللفظ المرادف له، وصار الأصل ما استقرت عليه القراءة في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما عارضه به جبريل عليه السلام في تلك السنة مرتين، ثم اجتمعت الصحابة على إثباته بين الدفتين، وبقي من الأحرف السبعة التي كان أبيح قراءة القرآن عليها ما لا يخالف المرسوم، وهو ما يتعلق بتلك الألفاظ من الحركات والسكنات والتشديد والتخفيف وإبدال حرف بحرف يوافقه في الرسم، ونحو ذلك؛ وما لا يحتمله المرسوم الواحد فرق في المصاحف فكتب بعضها على رسم قراءة، وبعضها على رسم قراءة أخرى، وأمثلة ذلك كله معروفة عند العلماء بالقراءات، وصح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وعن غيره أنه قال: إن القراءة سنة.
- قال البيهقي: أراد أن اتباع من قبلنا في الحروف سنة متبعة، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة، أو أظهر منها.
- قال أبو بكر بن العربي: سقط جميع اللغات والقراءات إلا ما ثبت في المصحف بإجماع من الصحابة وما أذن فيه قبل ذلك ارتفع وذهب والله أعلم.

القراءات السبع وحكم المراء فيه:
- وعن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فلا تماروا فيه فإن مراء فيه كفر)).
- وعن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو بن العاص: إنما هي كذا وكذا، بغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر )).


المراد بالأحرف السبعة التي نزل القرآن بها :
نزول القرآن بلسان قريش :
- حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس بن مالك أن عثمان رحمة الله عليه قال للرهط القرشيين الثلاثة حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم.

قلت: يعني أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف.
- قال أبو عبيد: وكذلك يحدثون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عمن سمع ابن عباس يقول: نزل القرآن بلغة الكعبين، كعب بن قريش وكعب بن خزاعة قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة.
قال أبو عبيد: يعني أن خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم.

- المقصود بالحرف في قوله ( سبعة أحرف ) :
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى في كتاب "غريب الحديث": قوله سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم نسمع به قط، ولكن نقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، قال: ومما يبين ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"، وكذلك قال ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
- وقال في كتاب "فضائل القرآن": وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، هذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى سبعة، وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض .
- وقال أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) مشكل لا يدرى معناه؛ لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على الحرف المقطوع من الحروف المعجمة، والحرف أيضا المعنى والجهة كقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على جهة من الجهات ومعنى من المعاني.
- قال أبو علي الأهوازي: سمعت أبا عبد الله محمد بن المعلى الأزدي بالبصرة يقول: سمعت أبا بكر محمد بن دريد الأزدي يقول: سمعت أبا حاتم سهل بن محمد السجستاني يقول: معنى سبعة أحرف سبع لغات من لغات العرب، وذلك أن القرآن نزل بلغة قريش وهذيل وتميم وأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر، قال: وسمعت أبا الحسن علي بن إسماعيل بن الحسن القطان يقول: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم يقول: سمعت أبي يقول: وهذا القول عظيم من قائله؛ لأنه غير جائز أن يكون في القرآن لغة تخالف لغة قريش لقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}، إلا أن يكون القائل لهذا أراد ما وافق من هذه اللغات لغة قريش.
قلت: فعلى هذا القول لا يستقيم اعتراض ابن قتيبة على ذلك التأويل.
- وقال أبو سليمان الخطابي: "اختلف الناس في تفسير قوله "سبعة أحرف" فقال بعضهم: معنى الحروف اللغات، يريد أنه نزل على سبع لغات من لغات العرب، هي أفصح اللغات، وأعلاها في كلامهم، قالوا: وهذه اللغات متفرقة في القرآن، غير مجتمعة في الكلمة الواحدة، وإلى نحو من هذا أشار أبو عبيد.
- وقال القتبي: لا نعرف في القرآن حرفا يقرأ على سبعة أحرف.
- وقال ابن الأنباري هذا غلط، فقد وجد في القرآن حروف تقرأ على سبعة أحرف، منها قوله تعالى: {وعبد الطاغوت} وقوله تعالى: {أرسله معنا غدا يرتع ويلعب}، وذكر وجوها، كأنه يذهب في تأويل الحديث إلى أن بعض القرآن أنزل على سبعة أحرف، لا كله".
- قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "كتاب التمهيد":

"وهذا مجتمع عليه أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته كلها أن تقرأ على سبعة أحرف، ولا شيء منها، ولا يمكن ذلك فيها، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أوجه إلا قليل، مثل: {وعبد الطاغوت} و {تشابه علينا}، وساق الكلام إلى أن قال: "وقال قوم: هي سبع لغات في القرآن متفرقات على لغات العرب كلها يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم".
- "قال أبو بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ: أخبرنا أبو علي الحسن بن صافي الصفار أن عبد الله بن سليمان حدثهم قال: حدثنا أبو الطاهر قال: سألت سفيان بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين، هل تدخل في السبعة الأحرف؟ فقال: لا، وإنما السبعة الأحرف كقولهم هلم، أقبل، تعال، أي ذلك قلت أجزاك. قال أبو الطاهر: وقاله ابن وهب. قال أبو بكر الأصبهاني: ومعنى قول سفيان هذا أن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، وبه قال محمد بن جرير الطبري".
- ذهب قوم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا .((
تضعيف هذا الحديث والرد عليه : قال أبو عمر بن عبد البر:

"هذا حديث عند أهل العلم لم يثبت، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده.
- وقد رده قوم من أهل النظر، منهم أحمد بن أبي عمران فيما سمعه الطحاوي منه قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد؛ لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه؛ لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله. قال أبو عمر: ويرويه الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا".
- قلت: "وهكذا رواه البيهقي في "كتاب المدخل" وقال: هذا مرسل جيد، أبو سلمة لم يدرك ابن مسعود. ثم رواه موصولا وقال: فإن صح فمعنى قوله: "سبعة أحرف": أي سبعة أوجه، وليس المراد به ما ورد في الحديث الآخر من نزول القرآن على سبعة أحرف، ذاك المراد به اللغات التي أبيحت القراءة عليها، وهذا المراد به الأنواع التي نزل القرآن عليها، والله أعلم.
- قلت: وعندي لهذا الأثر أيضا تأويلان آخران، أحدهما: ذكره أبو علي الأهوازي في "كتاب الإيضاح"، والحافظ أبو العلاء في "كتاب المقاطع"، أن قوله "زاجر وآمر" إلى آخره استئناف كلام آخر، أي هو كذلك، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة، وإنما توهم ذلك من توهمه، لاتفاقهما في العدد وهو السبعة، وروي "زاجرا وآمرا..." بالنصب، أي نزل على هذه الصفة من سبعة أبواب على سبعة أحرف، ويكون المراد بالأحرف غير ذلك
- التأويل الثاني: أن يكون ذلك تفسيرًا للأبواب، لا للأحرف، أي هذه سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأنواعه، أي أنزله الله تعالى كائنا من هذه الأصناف، لم يقتصر به على صنف واحد، بخلاف ما يحكى أن الإنجيل كله مواعظ وأمثال، والله أعلم.
- إذا ثبت هذا فنعود إلى تفسير الأحرف السبعة بأحد القولين: وهم اللغات السبع مع اتحاد صورة الكتابة، والثاني الألفاظ المترادفة والمتقاربة المعاني .
المقصود بالعدد سبعة :
وأما الكلبي فإنه يروي عنه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال أبو عبيد: والعجز هم سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وهذه القبائل هي التي يقال لها: عليا هوازن، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم. فهذه عليا هوازن، وأما سفلى تميم فبنو دارم، فهذه سبع قبائل.
قلت: والكعبان كعب بن لؤي من قريش، وكعب بن عمرو من خزاعة.
- وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من جامعه قال: قيل لمالك: أترى أن يقرأ بمثل ما قرأ به عمر بن الخطاب: "فامضوا إلى ذكر الله" ؟ قال: ذلك جائز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه))، مثل تعملون ويعملون، وقال مالك: لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا".
- قال الأهوازي: وقالت طائفة: سبع لغات من قريش حسب. وقال بعضهم: خمس منها بلغة هوازن، وحرفان لسائر لغات العرب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربي في هوازن ونشأ في هذيل. وجاء عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: نزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب. وفي رواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ الناس بلغة واحدة، فاشتد ذلك عليهم، فنزل جبريل فقال: يا محمد، أقرئ كل قوم بلغتهم.
قلت: هذا هو الحق؛ لأنه إنما أبيح أن يقرأ بغير لسان قريش توسعة على العرب، فلا ينبغي أن يوسع على قوم دون قوم، فلا يكلف أحد إلا قدر استطاعته، فمن كانت لغته الإمالة، أو تخفيف الهمز، أو الإدغام، أو ضم ميم الجمع، أو صلة هاء الكناية، أو نحو ذلك فكيف يكلف غيره؟ وكذا كل من كان من لغته أن ينطق بالشين التي كالجيم، في نحو أشدق، والصاد التي كالزاي كنحو مصدر، والكاف التي كالجيم، والجيم التي كالكاف، ونحو ذلك، فهم في ذلك بمنزلة الألثغ والأرت، لا يكلف ما ليس في وسعه، وعليه أن يتعلم ويجتهد، والله أعلم.
- وقد قال أبو بكر بن العربي شيخ السهيلي في كتاب شرح الموطأ.

"لم تتعين هذه السبعة بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بإجماع من الصحابة، وقد اختلفت فيها الأقوال، فقال ابن عباس: اللغات سبع والسماوات سبع والأرضون سبع، وعدد السبعات، وكأن معناه أنه نزل بلغة العرب كلها، وقيل: هذه الأحرف في لغة واحدة، وقيل: هي تبديل الكلمات إذا استوى المعنى.
- "وذكر بعضهم وجها آخر، وهو أن القرآن أنزل مرخصا للقارئ، وموسعا عليه أن يقرأه على سبعة أحرف، أي يقرأ بأي حرف شاء منها على البدل من صاحبه، ولو أراد أن يقرأ على معنى ما قاله ابن الأنباري لقيل: أنزل القرآن سبعة أحرف، وإنما قيل: "على سبعة أحرف" ليعلم أنه أريد به هذا المعنى، أي كأنه أنزل على هذا من الشرط، أو على هذا من الرخصة والتوسعة، وذلك لتسهل قراءته على الناس، ولو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم، ولكان ذلك داعية إلى الزهادة فيه وسببا للنفور عنه".
- قال: "وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن المراد به التوسعة، ليس حصرا للعدد".

قلت: هذا موافق لما سبق تقريره على ما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، وهو كما قيل في معنى قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} إنه جرى كالمثل في التعبير عن التكثير، لا حصرا في هذا العدد، والله أعلم.
- وقال أبو القاسم الهذلي في كتابه "الكامل": قال أبو عبيد: المقصود سبع لغات، لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن، وقيل: خمس لغات في أكناف هوازن: لسعيد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش ولغتان على جميع ألسنة العرب. قال: وليس الشرط أن تأتي سبع لغات في كل حرف، بل يجوز أن يأتي في حرف وجهان أو ثلاثة أو أكثر، ولم تأت سبعة أحرف إلا في كلمات يسيرة، مثل: "أف" بالضم والفتح والكسر مع التنوين وبغير تنوين مع الحركات الثلاث وبالسكون.
- "وقال آخرون: هذه اللغات كلها السبع، إنما تكون في مضر، واحتجوا بقول عثمان رضي الله عنه: نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب".

"وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر وقالوا: في مضر شواذ، لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها، مثل كشكشة قيس وعنعنة تميم.
- قال ابن عبد البر:

"وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، صار في عجز هوازن منها خمسة".
"قال أبو حاتم: عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر بن معاوية: قال أبو حاتم: خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب، لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان، قال: وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش، ثم أدناهم من بطون مضر"
مسألة اختيار القراءة للعربي ولغير العربي :
- وفي سنن أبي داود أن عمر كتب إلى ابن مسعود: أما بعد، فإن الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فاقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل".

"قال أبو عمر: ويحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار؛ لأن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز"، قال: "وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي، والله أعلم"
- "وقد روي عن عثمان مثل قول عمر هذا: "إن القرآن نزل بلغة قريش، بخلاف الرواية الأولى، وهذا أثبت عنه ومعناه عندي في الأغلب؛ لأن غير لغة قريش موجود في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها وقريش لا تهمز".

قلت: أشار عثمان رضي الله عنه إلى أول نزوله، ثم إن الله تعالى سهله على الناس، فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم على ما سبق تقريره؛ لأن الكل لغات العرب، فلم يخرج عن كونه بلسان عربي مبين.
- وأما من أراد من غير العرب حفظه فالمختار له أن يقرأه على لسان قريش، وهذا إن شاء الله تعالى هو الذي كتب فيه عمر إلى ابن مسعود رضي الله عنهما: "أقرئ الناس بلغة قريش"؛ لأن جميع لغات العرب بالنسبة إلى غير العربي مستوية في التعسر عليه، فإذا لا بد من واحدة منها، فلغة النبي صلى الله عليه وسلم أولى له، وإن أقرى بغيرها من لغات العرب، فجائز فيما لم يخالف خط المصحف، وأما العربي المجبول على لغة فلا يكلف لغة قريش لتعسرها عليه، وقد أباح الله تعالى القراءة على لغته، والله أعلم.


أقوال أهل العلم في تفسير الأحرف السبعة باللغات :
1) من فسر الأحرف السبعة باللغات المتفرقة :
- واختار الحافظ أبو العلاء تفسيرها باللغات المتفرقة في القرآن، قال: وليس الغرض أن تأتي اللغات السبع في كل كلمة من كلم القرآن، بل يجوز أن يأتي في الكلمة وجهان أو ثلاثة، فصاعدا إلى سبعة، ولم تأت سبعة أوجه إلا في كلمات محصورة، نحو "جبريل"، و{عبد الطاغوت}، و(أرجئه)، و(أف)، و {عذاب بئيس}، و {هيهات}، و(دري توقد)، ونظائرها، قال: وروي عن أبي طاهر بن أبي هاشم أنه قال: شاف أي يشفي من الريب، لا يقصر بعضه عن بعض في الفضل، وقوله كاف: أي كاف في نفسه، غير محوج إلى غيره.

2)من أنكر المقصود من السبعة أحرف أنها اللغات وأدلتهم :
- "قال أبو عمر: وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) سبع لغات، وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر؛ لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه، وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي مكي، وقد اختلفت قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا. وقالوا: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
- حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين، فقال لي الملك الذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك: على ثلاثة، فقلت: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف وليس منها إلا شاف كاف، غفورا رحيما، عليما حكيما، عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه كذلك)) -زاد بعضهم- ((ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)).
- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا، ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)).
- وقد ضعف الأهوازي تفسير الأحرف السبعة باللغات، قال: لأن اللغات في القبائل كثير عددها، وأبطل تفسيرها بالأصناف؛ لأن أصنافه أكثر من ذلك، منها الإخبار، والاستخبار على وجه التقرير والتقريع، ومنها الوعد، والوعيد، والخبر بما كان وبما يكون، والقصص، والمواعظ، والاحتجاج، والتوحيد، والثناء، وغير ذلك.


الحروف السبعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل عليها تجري على ضربين:
1) زيادة كلمة ونقص أخرى، وإبدال كلمة مكان أخرى، وتقديم كلمة على أخرى
مثال : نحو ما روي عن بعضهم: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)، وروي عن بعضهم: (حم سق)، (إذا جاء فتح الله والنصر)
حكمه :فهذا الضرب وما أشبهه متروك، لا تجوز القراءة به، ومن قرأ بشيء منه غير معاند ولا مجادل عليه وجب على الإمام أن يأخذه بالأدب، بالضرب والسجن على ما يظهر له من الاجتهاد، فإن جادل عليه ودعا الناس إليه وجب عليه القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المراء في القرآن كفر)) ولإجماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم".
2) "والضرب الثاني: ما اختلف القراء فيه من إظهار، وإدغام، وروم، وإشمام، وقصر، ومد، وتخفيف، وشد وإبدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب".
حكمه :"فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا، وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار، سوى ما وقع فيه من اختلاف في حروف يسيرة".



أوجه الإختلاف في القراءات :
- وأخبرنا شيخنا أبو الحسن رحمه الله في كتابه "جمال القراء" قال:

"فإن قيل: فأين السبعة الأحرف التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها في قراءتكم هذه المشهورة؟
"قلت: هي متفرقة في القرآن، وجملة ذلك سبعة أوجه:
"الأول: كلمتان تقرأ بكل واحدة في موضع الأخرى، نحو {يسيركم} و"ينشركم"، و {لنبوئنهم} و"لنثوينهم"، و {فتبينوا} و"فتثبتوا".
"الثاني: زيادة كلمة، نحو "من تحتها"، و {هو الغني} ".
"الثالث: زيادة حرف، نحو {بما كسبت} و"فبما كسبت"، -يعني في سورة الشورى".
"الرابع: مجيء حرف مكان آخر، نحو {يقول} و"نقول"، و {تبلو} و"تتلو".
"الخامس: تغيير حركات، إما بحركات أخر، أو بسكون، نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات}، و"ليحكم أهل الإنجيل".
"السادس: التشديد والتخفيف، نحو {تساقط} و"بلد ميت وميت".
"السابع: التقديم والتأخير، نحو {وقاتلوا وقتلوا}، (وقتلوا وقاتلوا (
ثم قال الشيخ: "وقوله عز وجل: (ثم انظر أنى يوفكون) يقرأ على سبعة أوجه، وكذلك قوله عز وجل: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية}، وقوله عز وجل: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}، ولذلك نظائر".
الوجه الأول لاختلاف القراءات:
- اختار الحافظ أبو العلاء تفسيرها باللغات المتفرقة في القرآن، قال: وليس الغرض أن تأتي اللغات السبع في كل كلمة من كلم القرآن، بل يجوز أن يأتي في الكلمة وجهان أو ثلاثة، فصاعدا إلى سبعة، ولم تأت سبعة أوجه إلا في كلمات محصورة، نحو "جبريل"، و{عبد الطاغوت}، و(أرجئه)، و(أف)، و {عذاب بئيس}، و {هيهات}، و(دري توقد)، ونظائرها، قال: وروي عن أبي طاهر بن أبي هاشم أنه قال: شاف أي يشفي من الريب، لا يقصر بعضه عن بعض في الفضل، وقوله كاف: أي كاف في نفسه، غير محوج إلى غيره.
- قال أبو العلاء الحافظ: واعلم أن الاختلاف على ضربين: تغاير وتضاد، فاختلاف التغاير جائز في القراءات، واختلاف التضاد لا يوجد إلا في الناسخ والمنسوخ.
- قال المصنف : ( قلت: وقال قوم: السبعة الأحرف منها ستة مختلفة الرسم، كانت الصحابة تقرأ بها إلى خلافة عثمان رضي الله عنهم، نحو الزيادة، والألفاظ المرادفة، والتقديم، والتأخير، نحو (إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي)، (وجاءت سكرة الحق بالموت)، (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين)، (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)، (والعصر ونوائب الدهر)، (وله أخ أو أخت من أمه)، (وما أصابك من سيئة فمن نفسك إنا كتبناها عليك)، و(إن كانت إلا زقية واحدة)، و(كالصوف المنفوش)، و(طعام الفاجر)، و(إن بوركت النار ومن حولها) في نظائر ذلك، فجمعهم عثمان على الحرف السابع الذي كتبت عليه المصاحف، وبقي من القراءات ما وافق المرسوم، فهو المعتبر، إلا حروفا يسيرة اختلف رسمها في مصاحف الأمصار، نحو (أوصى) و(وصى)، و {من يرتد} و(من يرتدد)، و(من تحتها) و(تحتها)، وكأنهم أسقطوا ما فهموا نسخه بالعرضة الأخيرة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، ورسموا ما سوى ذلك من القراءات التي لم تنسخ.)
- وقد حاول جماعة من أهل العلم بالقراءات استخراج سبعة أحرف من هذه القراءات المشهورة فقال بعضهم: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة:
1- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل {هن أطهر لكم} , (أطهر لكم)، {ويضيق صدري} (ويضيق صدري) بالرفع والنصب فيهما.
2- ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته، مثل (ربنا باعد بين أسفارنا) و {ربنا باعد بين أسفارنا}
3- ومنا ما يتغير معناه بالحروف واختلافها باللفظ ولا تتغير صورته في الخط، مثل (إلى العظام كيف ننشرها) بالراء والزاي.
4- ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه، مثل {كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش)
5- ومنها ما تتغير صورته ومعناه، مثل {وطلح منضود} "وطلع منضود".
6- ومنها التقديم والتأخير، مثل {وجاءت سكرة الموت بالحق} "وجاء سكرة الحق بالموت
7- ومنها الزيادة والنقصان، نحو "نعجة أنثى"، و"من تحتها" في آخر التوبة، و"هو الغني الحميد" في الحديد.
الوجه الثاني :
-واختار أبو علي الأهوازي طريقة أخرى فقال:

"قال بعضهم: معنى ذلك هو الاختلاف الواقع في القرآن، يجمع ذلك سبعة أوجه: الجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"، والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"، والإعراب، كقوله تعالى: "المجيد" و {المجيد}، والتصريف، كقوله تعالى: "يعرشون" و {يعرشون}، والأدوات التي يتغير الإعراب لتغيرها، كقوله تعالى: "ولكن الشياطين" {ولكن الشياطين}، واللغات، كالهمز وتركه، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، والإدغام، والإظهار، وتغيير اللفظ والنقط بالتفاق الخط، كقوله تعالى: "ننشرها" و {ننشزها}، ونحو ذلك". قال: "وهذا القول أعدل الأقوال وأقربها لما قصدناه، وأشبهه بالصواب".
- ثم ذكر وجها آخر فقال: "قال بعضهم: معنى ذلك سبعة معان في القراءة".

"أحدها: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون".
"الثاني: أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا".
"والثالث: أن تكون القراءتان مختلفتين في اللفظ، إلا أن المعنيين متفرقان في الموصوف، مثل قوله تعالى: "ملك" و {مالك {
"والرابع: أن تكون في الحرف لغتان، والمعنى واحد وهجاؤها واحد، مثل قوله تعالى: "الرشد" والرشد".

"والخامس: أن يكون الحرف مهموزا وغير مهموز، مثل "النبيء" و {النبي {
"والسادس: التثقيل والتخفيف، مثل {الأكل} و"الأكل".

"والسابع: الإثبات والحذف، مثل "المنادي" و {المناد}
- قال أبو علي: "وهذا معنى يضاهي معنى القول الأول الذي قبله، وعليه اختلاف قراءة السبعة الأحرف".
- قلت: وذكر هذين الوجهين اللذين ذكرهما أبو علي الأهوازي، الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد، ونسب الأول إلى أبي طاهر بن أبي هاشم، ثم قال عقيبه: "وهذا أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى". قال: "وقد روي عن مالك بن أنس أنه كان يذهب إلى هذا المعنى". ونسب الوجه الثاني إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن واصل.
- وقال أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الأذفوي في "كتاب الاستغناء في علوم القرآن" فيما نقله عن أبي غانم المظفر بن أحمد بن حمدان، قال:

"القرآن محيط بجميع اللغات الفصيحة، وتفصيل ذلك أن تكون هذه اللغات السبع على نحو ما أذكره.
"فأول ذلك تحقيق الهمز وتخفيفه في القرآن كله، في مثل {يؤمنون}، و"مؤمنين"، {والنبيين}، و {النسيء}، و {الصابئين}، و {البرية}، و {سأل سائل}، وما أشبه ذلك، فتحقيقه وتخفيفه بمعنى واحد، وقد يفرقون بين الهمز وتركه بين معنيين، في مثل {أو ننسها} من "النسيان" "أو ننسأها" من "التأخير"، ومثل {كوكب دري} و"دريء".
"ومنه إثبات الواو وحذفها في آخر الاسم المضمر، نحو: "ومنهمو أميون" .
"ومنه أن يكون باختلاف حركة وتسكينها، في مثل {غشاوة}، و"غشوة"، و {جبريل}، و {ميسرة}، و {البخل}، و {سخريا} ".
"ومنه أن يكون بتغيير حرف، نحو "ننشرها"، و"يقض الحق"، و {بضنين} ".
"ومنه أن يكون بالتشديد والتخفيف، نحو {يبشرهم}، و"يبشرهم".
"ومنه أن يكون بالمد والقصر، نحو "زكرياء" و {زكريا {
"ومنه أن يكون بزيادة حرف من "فعل" و"أفعل"، مثل (فاسر بأهلك)، و {نسقيكم {
واختار نحو هذه الطريقة في تفسير الأحرف السبعة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب في "كتاب الانتصار" فذكر التقديم والتأخير وجها، ثم الزيادة والنقص، نحو {وما عملته أيديهم} و"يا مال" و"ناخرة" و"سرجا"، و {خرجا }
الوجه الثالث :
- اختلاف الصورة والمعنى، نحو {وطلح منضود}، "وطلع منضود"، وقيل هما اسمان لشيء واحد، بمنزلة {العهن} و"الصوف"، و {الأثيم} و"الفاجر"، فيكون مما تختلف صورته في النطق والكتاب، ولا يختلف معناه.
- قال:

"وقال الجمهور من الناس غير هذا، فزعم بعض أهل التفسير أن الطلح هو زينة أهل الجنة، وأنه ليس من الطلع في شيء، وقال كثير منهم: إن الطلح هو الموز، وقال آخرون: هو الشجر العظام الذي يظل ويعرش، وإن قريشا وأهل مكة كان يعجبهم طلحات وج -وهو واد بالطائف- لعظمها وحسنها، فأخبروا على وجه الترغيب أن في الجنة طلحا منضودا، يراد أنه متراكم كثير، وقالوا: إن العرب تسمي الرجل طلحة، على وجه التشبيه له بالشجرة العظيمة المستحسنة، وإذا كان كذلك ثبت أن الطلح والطلع إذا قرئ بهما كان مما تختلف صورته ومعناه"
الوجه الرابع :
أن يكون الاختلاف في القراءتين، اختلافا في حروف الكلمة بما يغير معناها ولفظها من السماع، ولا يغير صورتها في الكتاب، نحو "ننشرها" و {ننشزها}
الوجه الخامس :
- الاختلاف في بناء الكلمة بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو "البخل" و"البخل"، و"ميسرة"، و"ميسرة"، "يعكفون"، و{هل نجازي إلا الكفور} ".
الوجه السادس:
- تغيير الصورة دون المعنى، نحو "العهن" و"الصوف"، و {صيحة} و"زقية"، {فومها} و"ثومها".
الوجه السابع :
- اختلاف حركات الإعراب والبناء، بما يغير المعنى، والصورة واحدة، نحو "باعد، وباعد بين أسفارنا"، و"لقد علمت ما أنزل هؤلاء" بالضم والفتح". قال: "فهذا، والله أعلم، هو تفسير السبعة الأحرف دون جميع ما قدمنا ذكره".

تعقيب المصنف ورأيه في أوجه القراءات المختلفة :
- قال المصنف : يعني في مجموع هذه الكلم من هذه الآيات سبعة أوجه، لا في كل كلمة منها، وقد يأتي في غيرها أكثر من سبعة أوجه بوجوه كثيرة إذا نظر إلى مجموع الكلم دون آحادها، كقوله سبحانه في "طه": {وهل أتاك حديث موسى}، الآية، وذلك كثير، وإنما الشأن أن يكون في الكلمة الواحدة سبعة أوجه، فهذا الذي عز وجوده فعد من ذلك ألفاظ يسيرة، نحو {أف} و {عذاب بئيس}، وليست كل الوجوه فيها من القراءات المشهورة، بل بعضها من القراءات الشاذة، إلا أنها من جملة اللغات والألفاظ المرادفة التي كانت القراءة قد أبيحت عليها، وقد تقدم أن معنى الحديث أن كلمات القرآن أبيح أن يقرأ كل كلمة منها على ما يحتمله من وجهين وثلاثة إلى سبعة، توسعة على الناس على قدر ما يخف على ألسنتهم.
- وقد تقدم من حديث أبي بن كعب بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: ((إني بعثت إلى أمة أمية فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام، فقال: مرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف )
معنى الحديث :
- 1)وقال المصنف أيضا :فمعنى الحديث أنهم رخص لهم في إبدال ألفاظه بما يؤدي معناها، أو يقاربه من حرف واحد إلى سبعة أحرف، ولم يلزموا المحافظة على حرف واحد؛ لأنه نزل على أمة أمية لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء على لفظه مع كبر أسنانهم واشتغالهم بالجهاد والمعاش، فرخص لهم في ذلك، ومنهم من نشأ على لغة يصعب عليه الانتقال عنها إلى غيرها، فاختلفت القراءات بسبب ذلك كله، ودلنا ما ثبت في الحديث من تفسير ذلك بنحو: هلم، وتعال، على جواز إبداله باللفظ المرادف، ودلنا ما ثبت من جواز {غفورا رحيما} موضع {عزيزا حكيما} على الإبدال بما يدل على أصل المعنى دون المحافظة على اللفظ، فإن جميع ذلك ثناء على الله سبحانه، هذا كله فيما يمكن القارئ عادة التلفظ به، وأما ما لا يمكنه لأنه ليس من لغته فأمره ظاهر ولا يخرج إن شاء الله شيء من القراءات عن هذا الأصل وهو إبدال اللفظ بمرادف له أو مقارب في أصل المعنى، ثم لما رسمت المصاحف هجر من تلك القراءات ما نافى المرسوم، وبقي ما يحتمله، ثم بعض ما يحتمله خط المصحف اشتهر وبعضه شذت روايته، وهذا أولى من حمل جميع الأحرف السبعة على اللغات؛ إذ قد اختلفت قراءة عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم رضي الله عنهما وكلاهما قرشي مكي، لغتهما واحدة.
- 2)وقد تكلم على معنى هذا الحديث كلاما كثيرًا شافيا صاحب "كتاب الدلائل"، -وهو القاسم بن ثابت بن عبد الرحمن العوفي السرقسطي رحمه الله- فذكر الوجه الذي بدأنا به في أول الفصل الماضي، وهو الوجه الذي استحسنه ابن عبد البر من قول بعضهم، وإنما نقله أبو عمر من كتاب قاسم، ثم قال القاسم عقيبه":

"وفي هذا التفسير ما رغب بعض الناس بقائله عنه، وإن كان قد ذهب مذهبا واستنبط عجبا؛ لأنه اخترع معنى لا نعلم أحدا من السلف قال به، ولا أشار إليه، وليس للخلف الخروج عن السلف، ولا رفض عامتهم لمذهب لم يسلكوه، وتأويل لم يطلقوه، ونقول -وبالله التوفيق- بالذي صحت به الآثار، وتواطأت عليه الأخبار، وتأويله من أهل التفسير من لا يدفع نقله ولا يتهم نظره، إن الله تبارك وتعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم والعرب متناءون في المحال والمقامات، متباينون في كثير من الألفاظ واللغات، ولكل عمارة لغة دلت بها ألسنتهم، وفحوى قد جرت عليها عادتهم، وفيهم الكبير العاسي والأعرابي القح، ومن لو رام نفي عادته وحمل لسانه على غير ذريته تكلف منه حملا ثقيلا، وعالج منه عبئا شديدا، ثم لم يكسر غربه ولم يملك استمراره إلا بعد التمرين الشديد، والمساجلة الطويلة، فأسقط عنهم تبارك وتعالى هذه المحنة، وأباح لهم القراءة على لغاتهم، وحمل حروفه، على عاداتهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئهم بما يفقهون، ويخاطبهم بالذي يستعملون بما طوقه الله من ذلك، وشرح به صدره، وفتق به لسانه، وفضله على جميع خلقه".
الأدلة على ذلك :
- ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما))، قال: "وهذا الحديث يفسره قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ليس الخطأ أن تجعل خاتمة آية خاتمة آية أخرى، أن تقول: عزيز حكيم، وهو غفور رحيم، ولكن الخطأ أن تجعل آية الرحمة آية العذاب".

-وذكر حديث حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن زر عن أبي رضي الله عنه قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الغلام والجارية والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف، قال: "فمعنى قوله: "على سبعة أحرف"، يريد -والله أعلم- على لغات شعوب من العرب سبعة، أو من جماهيرها وعمايرها".
- ثم ذكر حديث عثمان رضي الله عنه: "أنزل القرآن بلسان مضر".
- وعن سعيد بن المسيب قال: "نزل القرآن على لغة هذ الحي من لدن هوازن وثقيف إلى ضرية".

- وروى أبو خلدة عن أبي العالية قال: "قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم من كل خمس رجل، فاختلفوا في اللغة، ورضي قراءتهم كلهم، وكانت تميم أعرب القوم".
- قال أبو حاتم السجستاني: "أحب الألفاظ واللغات إلينا لغات قريش ثم من دنا منهم من بطون العرب ومن بطون مضر خاصة للحديث الذي جاء في مضر".
- وقال الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، صارت في عجز هوازن منها خمسة".
- قال أبو حاتم: "عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر".
- قال أبو حاتم: "خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان".
- قال قاسم بن ثابت: "ولو أن رجلا مثل مثالا، يريد به الدلالة على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). وجعل الأحرف على مراتب سبعة، فقال: "منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أوتي على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن".
- قال: "وإن في لغة مضر شواذ، لا نختارها ولا نجيز القرآن بها، مثل كشكشة قيس، يجعلون كاف المؤنث شينا، وعنعنة تميم، يقولون "عن" في موضع "أن"، وكما ذكر عن بعضهم أنه يبدل السين
وتعقيب القاسم بعد سرد الأحاديث الصحيحة :
- "وهذه الأحاديث الصحاح التي ذكرنا بالأسانيد الثابتة المتصلة تضيق عن كثير من الوجوه التي وجهها عليها من زعم أن الأحرف في صورة الكتبة وفي التقديم والتأخير والزيادة والنقصان؛ لأن الرخصة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب ليس لهم يومئذ كتاب يعتبرونه، ولا رسم يتعارفونه، ولا يقف أكثرهم من الحروف على كتبه، ولا يرجعون منها إلى صورة، وإنما كانوا يعرفون الألفاظ بجرسها، أي بصوتها، ويجدونها بمخارجها، ولم يدخل عليهم يومئذ من اتفاق الحروف ما دخل بعدهم على الكتبين من اشتباه الصور، وكان أكثرهم لا يعلم بين الزاي والسين سببا، ولا بين الصاد والضاد نسبا".
- قال: "فإن قيل: فإنا نجد حروفا متباينة المخارج، وهي متفقة الصور يقرءون بها، مثل "ننشرها" و {ننشزها}، فإن العلة في ذلك تقارب معانيها، وإن تباعدت مخارجها، وليس بعجب أن يتوافى لحرفين متباينين في اللفظ، متقاربين في المخرج صورة تجمعهما وسمة تأخذهما، كما أنه ليس بعجب أن يتوافى في اللفظ الواحد معنيان متباينان، يسوغ بها القول ويحملها التأويل. ألا ترى أن الذين أخذت عنهم القراءة إنما تلقوها سماعا وأخذوها مشافهة وإنما القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، ولا يلتفت في ذلك إلى الصحف ولا إلى ما جاء من وراء وراء، وإنما أخذت الرخصة في ذلك بالأمة الأمية، والعصبة المعدية، فلما كانت الرخصة وهم كانوا العلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وإن الشهر هكذا وهكذا))، وجعل يشير بأصابعه عد العرب".
- قال: "وذكر بعض الخبريين أن هشام بن عبد الملك مر على ميل فقال الأعرابي: انظر ما الذي عليه مكتوبا، فنظر ثم أقبل فقال: محجن وحلقة وثلاث، كأنها أطباء الكلبة، وهامة كأنها منقار قطاة. فقال هشام: هذه خمسة".
- قد قاسم بن ثابت: "ومن قول هذا الرجل أيضا أنه قال: ليس في كتاب الله تعالى حرف له سبعة وجوه من القراءات".

قال: "وهذا اعتساف بلا تثبت، وقد جاء في كتاب الله عز وجل ما له وجوه من القراءات سبعة، أو تزيد من غير أن تقول: "إن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، وإن ذلك موجود في جميع الحروف".
- ثم ذكر عن أبي حاتم السجستاني في قوله تعالى: {وعبد الطاغوت} سبعة أوجه من القراءات محفوظة، وإن كان المشهور عندنا اثنتين.

ثم قال: "وأما في اللغات فموجود عنهم أن يختلفوا في حركات الحرف الواحد على سبعة وجوه، مثل قوله عز وجل: {أنعمت عليهم}، فقرأ بعضهم (عليهمو) بضمتين وواو، وبعضهم بضمتين وألقى الواو وأبقى حركة الميم، وبعضهم "عليهم" بضم الهاء وأسكن الميم، وبعضهم "عليهمي" بكسرتين وألحق الياء، وبعضهم بكسرتين وألقى الياء، وبعضهم بكسر الهاء وتسكين الميم، وبعضهم بكسر الهاء وضم الميم". قال: "وذلك كله مروي عن الأئمة من القراء والرؤساء من أهل اللغة والفصحاء من العرب".
- قال المصنف :قلت: وبقي فيها قراءة ثامنة مشهورة، وهي كسر الهاء وصلة الميم بواو.
- 3) وذكر أيضا معنى الحديث :
وقال صاحب شرح السنة:

"أظهر الأقاويل وأصحها وأشبهها بظاهر الحديث أن المراد من هذه الحروف اللغات، وهو أن يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم من الإدغام والإظهار والإمالة والتفخيم والإشمام والإتمام والهمز والتليين وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلة الواحدة".
- ثم قال: "ولا يكون هذا الاختلاف داخلا تحت قوله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ؛ إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء مما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة، وكلها كلام الله عز وجل، نزل بها الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قوله عليه السلام: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف))، فجعل الأحرف كلها منزلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض جبريل عليه السلام في كل شهر رمضان بما يجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله فيه ما شاء وينسخ ما يشاء، وكان يعرض عليه في كل عرضة وجها من الوجوه التي أباح الله له أن يقرأ القرآن به، وكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى أن يقرأ ويقرئ بجميع ذلك، وهي كلها متفقة المعاني وإن اختلف بعض حروفها".
- ثم قال: وقوله في الأحاديث: ((كلها شاف كاف))، يريد -والله أعلم- أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين، لاتفاقها في المعنى، وكونها من عند الله وتنزيله ووحيه، كما قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، وهو كاف في الحجة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه وعجز الخلائق عن الإتيان بمثله".
4) وذكر أيضا عن معنى الحديث :
- وفي "كتاب غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر)).

"ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل، ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ أن يقرأ الرجل القرآن على حرف، فيقول له الآخر: ليس هو هكذا ولكنه هكذا، على خلافه، وقد أنزلهما الله تبارك وتعالى جميعا، يعلم ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن القرآن نزل على سبعة أحرف كل حرف منها شاف كاف)).
- "ومنه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إياكم والاختلاف والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال، فإذا جحد هذان الرجلان كل واحد منهما ما قرأ صاحبه لم يؤمن أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لهذا المعنى".
"- ومنه حديث عمر رضي الله عنه: اقرءوا القرآن ما اتفقتم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه".
"- ومنه حديث أبي العالية الرياحي: أنه إذا قرأ القرآن عنده إنسان لم يقل: ليس هو هكذا، ولكن يقول: أما أنا فأقرأ هكذا".
-"قال شعيب بن الحبحاب: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله".
5) عن معنى الحديث :
- وقال أبو جعفر الطبري:

"أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما خصه الله تعالى به وأمته من الفضيلة والكرامة التي لم يؤتها أحدا في تنزيله".
"-وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك ترجمة له وتفسيرا، لا تلاوة له على ما أنزل الله".
"-وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي كان له تاليا على ما أنزله الله، لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما".
"فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف )) .
"-وأما معنى قوله: "إن الكتاب الأول نزل من باب واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب"، فقد مضى تفسير "الأبواب السبعة".
وهي أنه آمر وزاجر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، ولم يجمع كتاب مما تقدم هذه "الأبواب السبعة" كزبور داود الذي هو تذكر ومواعظ، وإنجيل عيسى الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض".
وأطال الطبري رحمه الله كلامه في تقرير ذلك، والله أعلم.


بيان سبب ضعف الطرق المذكورة في بيان وجود الأحرف السبعة :
- قال المصنف : وهذه الطرق المذكورة في بيان وجود السبعة الأحرف في هذه القراءات المشهورة كلها ضعيفة؛ إذ لا دليل على تعيين ما عينه كل واحد منهم، ومن الممكن تعيين ما لم يعينوا. ثم لم يحصل حصر جميع القراءات فيما ذكروه من الضوابط، فما الدليل على جعل ما ذكروه مما دخل في ضابطهم من جملة الأحرف السبعة دون ما لم يدخل في ضابطهم، وكان أولى من جميع ذلك لو حملت على سبعة أوجه من الأصول المطردة كصلة الميم، وهاء الضمير، وعدم ذلك، والإدغام، والإظهار، والمد، والقصر، وتحقيق الهمز، وتخفيفه، والإمالة، وتركها، والوقف بالسكون، وبالإشارة إلى الحركة، وفتح الياءات، وإسكانها، وإثباتها، وحذفها، والله أعلم.


رأي أهل العلم مع أوجه الإختلاف في القراءات :
- قال ابن عبد البر: "وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا، وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها، إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيها يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف".
- واعتمد على هذه الأوجه مكي، وجعل من القسم الأول نحو "البخل" و"البخل"، و"ميسرة" بضم السين وفتحها، ثم قال: "وهذه الأقسام كلها كثيرة، لو تكلفنا أن نؤلف في كل قسم كتابا بما جاء منه وروي لقدرنا على ذلك".


سبب الإكتفاء بالقراءة على حرف بدل السبعة أحرف :
"وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غيرها؛ لأنهم كانوا أميين، لا يكتبون إلا القليل منهم، فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك، حتى كثر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، ولم يسعهم حينئذ أن يقرؤوا بخلافها، وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص، لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد".




بيان مسألة القراءة بالأحرف السبعة في الصلاة :
- قال أبو عمر: معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة على وجه التعليم والوقوف على ما روي في ذلك من علم الخاصة، وإنما ذكرنا ذلك عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث، وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة؛ لأن ما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لكنه لا يقدم أحد على القطع في رده، وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود، أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه".

"-وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا، لا يعرج عليهم، منهم الأعمش". قال: "وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها، إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عليه عثمان رضي الله عنه المصاحف".
- "قال أبو عمر: وهو الذي عليه الناس في مصاحفهم وقراءاتهم من بين سائر الحروف؛ لأن عثمان رضي الله عنه جمع المصاحف عليه". قال: "وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به، وبالله العصمة والهدى".


حكم القراءة بما خالف خط المصحف :
- قال ابن عبد البر: "فأما ما اختلف فيه القراء من الإمالة والفتح والإدغام والإظهار والقصر والمد والتشديد والتخفيف وشبه ذلك، فهو من القسم الأول لأن القراءة بما يجوز منه في العربية، وروي عن أئمة وثقات: جائزة في القرآن؛ لأن كله موافق للخط". قال: "وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة ذهب جماعة من العلماء، وهو قول ابن قتيبة، وابن شريح، وغيرهما، لكنا شرحنا ذلك من قولهم".

قال: "وهو الذي نعتقده ونقول به وهو الصواب إن شاء الله تعالى".
- وقال صاحب "شرحالسنة
":
"
جمع اللهتعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر بكتبته، جمعا بعد ما كانمفرقا في الرقاع ليكون أصلا للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان بنسخهفي المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعا لمادة الخلاف، فكان مايخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع، كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد وهو الإمام للأمة،فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابةوالسواد".


حكم القراءة باللغات المختلفة مما يوافق الخط :
- قال صاحب السنة : فأما القراءة باللغات المختلفة مما يوافق الخط والكتاب فالفسحة فيه باقية، والتوسعةقائمة بعد ثبوتها وصحتها، بنقل العدول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
- قال المصنف : قلت: ولا يلزم في ذلك تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة من الاستفاضة وموافقة خط المصحف وعدم المنكرين لها نقلا وتوجيها من حيث اللغة، والله أعلم.



هل المجموع في المصحف جميع الأحرف السبعة أم حرف واحد :
- ميل القاضي أبي بكر إلى أنه جميعها.
- وصرح أبو جعفر الطبري والأكثرون من بعده على أنه حرف منها.
- ومال الشيخ الشاطبي إلى قول القاضي فيما جمعه أبو بكر، وإلى قول الطبري فيما جمعه عثمان رضي الله عنهما، ودل على ذلك أبياته المتقدمة .
- وقال أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ في "شرح الهداية":

"أصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك إنما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن".
تلخيص ما ذكر :
- المجموع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به، وهو ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو ثبت عنه أنه قرأ به أو أقرأ غيره به.
- وما اختلفت فيه المصاحف حذفا وإثباتا، نحو "من تحتها"، {هو الغني}، {فبما كسبت أيديكم} فمحمول على أنه نزل بالأمرين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته على الصورتين لشخصين أو في مجلسين، أو أعلم بهما شخصا واحدا وأمره بإثباتهما.
- وأما ما لم يرسم فهو مما كان جوز به القراءة، وأذن فيه، ولما أنزل ما لم يكن بذلك اللفظ خير بين تلك الألفاظ توسعة على الناس وتسهيلا عليهم، فلما أفضى ذلك إلى ما نقل من الاختلاف والتكثير اختار الصحابة رضي الله عنهم الاقتصار على اللفظ المنزل المأذون في كتابته، وترك الباقي للخوف من غائلته، فالمهجور هو ما لم يثبت إنزاله، بل هو من الضرب المأذون فيه بحسب ما خف وجرى على ألسنتهم.
- "وقال المصنف أيضا : والضرب الثاني: ما اختلف القراء فيه من إظهار، وإدغام، وروم، وإشمام، وقصر، ومد، وتخفيف، وشد وإبدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب".

"فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا، وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار، سوى ما وقع فيه من اختلاف في حروف يسيرة".
"فثبت بهذا: أن هذه القراءات التي نقرؤها، هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، استعملت لموافقتها المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته لمرسوم خط المصحف؛ إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن؛ وإذ قد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لنا القراءة ببعضها دون بعض، لقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر منه}، فصارت هذه القراءة المستعملة في وقتنا هذا هي التي تيسرت لنا بسبب ما رواه سلف الأمة رضوان الله عليهم، من جمع الناس على هذا المصحف، لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض".
قال: "فهذا أصح ما قال العلماء في معنى هذا الحديث".
الثبات على قراءته بحرف واحد ورفض قراءته بالأحرف الستة :
- قال الإمام أبو جعفر الطبري:

"الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت. كما أمرت، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق أو إطعام أو كسوة. فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث دون حظرها التكفير فيها بأي الثلاث شاء المكفر، كانت مصيبة حكم الله مؤيدة في ذلك الواجب عليها في حق الله، فكذلك الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت -لعله من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن في قراءته به".
- ثم ساق الكلام إلى أن قال:

"فحملهم -يعني عثمان رضي الله عنه- على حرف واحد، وجمعهم على مصحف واحد، وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه، فاستوسقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها، وعفو آثارها، وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منهم صحتها، فلا القراءة اليوم لأحد من المسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية".
- "وقد ذهب الطبري وغيره من العلماء إلى أن جميع هذه القراءات المستعملة ترجع إلى حرف واحد، وهو حرف زيد بن ثابت".
- قال المصنف : قلت: لأن خط المصحف نفى ما كان يقرأ به من ألفاظ الزيادة والنقصان والمرادفة والتقديم والتأخير، وكانوا علموا أن تلك الرخصة قد انتهت بكثرة المسلمين واجتهاد القراء وتمكنهم من الحفظ.
من ترك القراءات الأخرى ومن منعها :
- قال: "فإن قال بعض من ضعفت معرفته: كيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟".

قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة". ثم ساق الكلام في تقرير ذلك.
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب : فأما أن يستجيز هو أو غيره من أئمة المسلمين المنع من القراءة بحرف ثبت أن الله تعالى أنزله، ويأمر بتحريقه والمنع من النظر فيه والانتساخ منه، ويضيق على الأمة ما وسعه الله تعالى، ويحرم من ذلك ما أحله، ويمنع منه ما أطلقه وأباحه، فمعاذ الله أن يكون ذلك كذلك".


بيان أن الإختلاف كان في القرءات الشاذة وليس في الحروف المشهورة :
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب:

"القوم لم يختلفوا عندنا في هذه الحروف المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم التي لم يمت حتى علم من دينه أنه أقرأ بها وصوب المختلفين فيها، وإنما اختلفوا في قراءات ووجوه أخر لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تقم بها حجة، وكانت تجيء عنه مجيء الآحاد، وما لم يعلم ثبوته وصحته، وكان منهم من يقرأ التأويل مع التنزيل، نحو قوله تعالى: {والصلاة الوسطى}، وهي صلاة العصر، "فإن فاءوا فيهن" , وأمثال هذا مما وجدوه في بعض المصاحف، فمنع عثمان رضي الله عنه من هذا الذي لم يثبت ولم تقم به الحجة، وحرقه، وأخذهم بالمستيقن المعلوم من قراءات الرسول صلى الله عليه وسلم".


سبب اختار عثمان حرف زيد وعدوله عما عداهامن القراءات والأحرف :
- إنما اختار عثمان حرف زيد؛ لأنه هو كان حرف جماعة المهاجرين والأنصار، وهو القراءةالراتبة المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليها كان أبو بكر وعمر وعثمانوعلي وأبي وعبد الله ومعاذ ومجمع بن جارية وجميع السلف رضي الله عنهم، وعدل عماعداها من القراءات والأحرف؛ لأنها لم تكن عند عثمان والجماعة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مشهورة مستفيضة استفاضة حرف زيد".
سبب نسبة هذا الحرف لزيد :
- وإنما نسب هذا الحرف إلى زيد؛ لأنه تولى رسمه في المصاحف وانتصب لإقراء الناس بهدون غيره".



تابع ...






تابع ...

الأمر بقراءة القرآن على سبعة أحرف أمر تخيير وسبب ثبات الأمة على حرف واحد :
"قال الإمام أبي جعفر بن جرير: فثبتت الأمة على حرف واحد من السبعة التي خيروا فيها، وكان سبب ثباتهم على ذلك ورفض الستة ما أجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوا على الأمة تكفير بعضهم بعضا أن يستطيل ذلك إلى القتال وسفك الدماء وتقطيع الأرحام، فرسموا لهم مصحفا، أجمعوا جميعا عليه وعلى نبذ ما عداه لتصير الكلمة واحدة، فكان ذلك حجة قاطعة وفرضا لازما".


=============================


المقصد الرابع :في معنى القراءات المشهورة الآن
وتعريف الأمر فيذلك كيف كان

القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة :
-قال المصنف : وقد ظن جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، فقراءة كل واحد من هؤلاء حرف من تلك الأحرف،ولقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنه قال ذلك.
- قال أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم: "رام هذا الغافل مطعنا في أبي بكر شيخنا، فلم يجده، فحمله ذلك على أن قوله قولا لم يقله هو ولا غيره، ليجد مساغا إلى ثلبه، فحكى عنه أنه اعتقد أن تفسير معنىقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أن تلك السبعة الأحرف هي قراءة السبعة القراء الذين ائتم بهم أهل الأمصار، فقال على الرجل إفكا واحتقب عارا، ولم يحظ من أكذوبته بطائل، وذلك أن أبا بكر رحمه الله كان أيقظ من أن يتقلدمذهبا لم يقل به أحد، ولا يصح عند التفتيش والفحص".
- قال الإمام ابن جرير : قال: "وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف )).

قال: "وذلك من قبل أن كل حرف اختلفت فيه أئمة القراءة لا يوجب المراء كفرا لمن مارى به في قول أحد من المسلمين، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الكفر للمماري بكل حرف من الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن".
تعليل المصنف :
- وذلك أن أهل العلم قالوا في معنى قوله عليه السلام: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف (( إنهن سبع لغات، بدلالة قول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: إن ذلك كقولك هلم وتعالوأقبل"
-."فكان ذلك جاريا مجرى قراءة عبدالله: (إن كانت إلا زقية واحدة) و(كالصوف المنفوش)، وقراءة أبي رضي الله عنه: (أنبوركت النار ومن حولها)، (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار)، وكقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (وعلى كل ضامر يأتون)
.
"
وهذا النوع من الاختلاف معدوم اليوم، غيرمأخوذ به ولا معمول بشيء منه بل هو اليوم متلو على حرف واحد متفق الصورة في الرسمغير متناف في المعاني إلا حروفا يسيرة اختلفت صور رسمها في مصاحف الأمصار واتفقت معانيها فجرى مجرى ما اتفقت صورته".
- وذلك كالحرف المرسوم في مصحف أهل المدينة والشام (وأوصى بها إبراهيم)، وفي مصحف الكوفيين "ووصى"، وفي مصحف أهل الحرمين {لئن أنجيتنا}، وفي مصحف الكوفيين "أنجينا".


علاقة القراءات السبعة بالأحرف السبعة :
- قال الإمام أبو بكر بن العربي في "كتاب القبس:
"فإن قيل: فما تقولون في هذه القراءات السبع التي ألفت في الكتب؟

"قلنا: إنما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة بعد أن كتبت بلغة قريش، فإن القرآن إنما نزل بلغتها ثم أذن رحمة من الله تعالى لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة ولا معجمة قرأها الناس فما أنفذوه منها نفذ، وما احتمل وجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه".
"فلما أراد بعضهم أن يجمع ما شذ عن خط المصحف من الضبط جمعه على سبعة أوجه اقتداء بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف )).قال: "وليست هذه الروايات بأصل في التعيين، بل ربما خرج عنها ما هو مثلها أو فوقها كحروف أبي جعفر المدني وغيره".
- قال أبو محمد مكي:

"هذه القراءات كلها التي يقرؤها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه وعلى اطراح ما سواه، ولم ينقط ولم يضبط فاحتمل التأويل لذلك".
قال: "فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء كنافع وعاصم وأبي عمرو، أحد الأحرف السبعة التي نص النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك منه غلط عظيم؛ إذ يجب أن يكون ما لم يقرأ به هؤلاء السبعة متروكا؛ إذ قد استولوا على الأحرف السبعة عنده، فما خرج عن قراءتهم فليس من السبعة عنده".
- قال أبوعلي الأهوازي : "ولسنا نقول: إن ما قرأه هؤلاء السبعة يشتمل على جميع ما أنزله الله عز وجل من الأحرف بالسبعة التي أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بها، ولا معنى ما ورد عنهم معنى ذلك".
- وقال أبو علي الأهوازي أيضا : "وقد ظن بعض من لا معرفة له بالآثار أنه إذا أتقن عن هؤلاء السبعة قراءتهم أنه قد قرأ السبعة الأحرف التي جاء بها جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم". قال: "وهو خطأ بين وغلط ظاهر عند جميع أهل البصر بالتأويل".
ما ترتب على الأخذ بهذا القول :
- "ويجب من هذا القول أن تترك القراءة بما روي عن أئمة هؤلاء السبعة من التابعين والصحابة مما يوافق خط المصحف، مما لم يقرأ به هؤلاء السبعة".
- "ويجب منه أن لا تروى قراءة عن ثامن فما فوقه؛ لأن هؤلاء السبعة عند معتقد هذه القول قد أحاطت قراءتهم بالأحرف السبعة".
الرد على من أخذ بهذا القول :
- قال: "وقد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة، على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة واطرحهم: قد ترك أبو حاتم وغيره ذكر حمزة والكسائي وابن عامر، وزاد نحو عشرين رجلا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة".
- "وكذلك زاد الطبري في "كتاب القراءات" له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا".
-وكذلك فعل أبو عبيد وإسماعيل القاضي".
فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تخلف عظيم، أكان ذلك ينص من النبي صلى الله عليه وسلم أم كيف ذلك".
- قال مكي : "وكيف يكون ذلك والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون، وغيره كان السابع -وهو يعقوب الحضرمي- فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب"؟.
- "وكيف يكون ذلك والكسائي إنما قرأ على حمزة وغيره، وإذا كانت قراءة حمزة أحد الحروف السبعة فكيف يخرج حرف آخر من الحروف السبعة؟".

وأطال الكلام في تقرير ذلك.
رد المصنف على قول مكي:
- وأما قول مكي: "إن الكسائي ألحق بالسبعة في أيام المأمون، وكان السابع يعقوب" ففيه نظر، فإن ابن مجاهد صنف "كتاب السبعة" وهو متأخر عن زمن المأمون بكثير، فإنه توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، ومات المأمون سنة ثماني عشرة ومائتين، فلعل مصنفا آخر سبق ابن مجاهد إلى تصنيف قراءات السبعة، وذكر يعقوب دون الكسائي، إن صح ما أشار إليه مكي.

فإن غيره من الأئمة المصنفين في القراءات الثماني يقولون: وإنما ألحق يعقوب بهؤلاء السبعة أخيرا لكثرة روايته وحسن اختياره ودرايته.
- وأما قوله: "إن نسخ القرآن بالإجماع فيه اختلاف"، فالمحققون من الأصوليين لا يرضون هذه العبارة، بل يقولون: الإجماع لا ينسخ به؛ إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي، وما نسخ بالإجماع، فالإجماع يدل على ناسخ قد سبق في زمن نزول الوحي من كتاب أو سنة.
معنى قول قرأ فلان بالأحرف السبعة وعلاقته بالقراءات :
- "وأما قول الناس: قرأ فلان بالأحرف السبعة فمعناه أن قراءة كل إمام تسمى حرفا، كما يقال: قرأت بحرف نافع، وبحرف أبي وبحرف ابن مسعود، فهي أكثر من سبعمائة حرف لو عددنا الأئمة الذين نقلت عنهم القراءات من الصحابة فمن بعدهم".


حال القرآن والقراءات التي في أيدينا :
- فحصل أن الذي في أيدينا من القرآن هو ما في مصحف عثمان رضي الله عنه الذي أجمع المسلمون عليه.

"والذي في أيدينا من القراءات هو ما وافق خط ذلك المصحف من القراءات التي نزل بها القرآن وهو من الإجماع أيضا. وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خط المصحف، فكأنها منسوخة بالإجماع على خط المصحف".
- والنسخ للقرآن بالإجماع فيه اختلاف، فلذلك تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف مما ثبت نقله، وليس ذلك بجيد ولا صواب؛ لأن فيه مخالفة الجماعة، وفيه أخذ القرآن بأخبار الآحاد، وذلك غير جائز عند أحد من الناس".
مثال ذلك :
مثال هذا ما ثبت في الصحيحين من قراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * والذكر والأنثى). وقراءة الجماعة على وفق خط المصحف: {وما خلق الذكر والأنثى}، وقد أوضحت هذا في أول ترجمة علقمة بن قيس من التاريخ الكبير.


سبب اختلاف القراءات :
قال مكي :
- قال مكي رحمه الله:

"فإن سأل سائل: ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارها مما قرأ به على أئمته"؟
قال: "فالجواب: أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعات بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ، فكانوا في برهة من أعمارهم، يقرءون الناس بما قرءوا، فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه؛ إذ كان ذلك مما قرءوا به على أئمتهم".
- "ألا ترى أن نافعا قال: قرأت على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما شك فيه واحد تركته. يريد -والله أعلم- مما خالف المصحف. وكان من قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه ذلك".
- "وهذا قالون ربيبه وأخص الناس به، وورش أشهر الناس المتحملين إليه اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه".
- "ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش، وإنما ذلك لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده فوافق ذلك رواية قرأها نافع على بعض أئمته فتركه على ذلك. وكذلك ما قرأ عليه به قالون وغيره"
- السبب في اختلاف هؤلاء الأئمة بعد المرسوم لهم:
- قال ابن جرير : فإن قيل: فما السبب في اختلاف هؤلاء الأئمة بعد المرسوم لهم، ذلك شيء تخيروه من قبل أنفسهم، أم ذلك شيء وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف إليهم؟

"قيل: لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون كأبي موسى بالبصرة وعلي وعبد الله بالكوفة وزيد وأبي بن كعب بالحجاز ومعاذ وأبي الدرداء بالشام، فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه".


سبب اشتهار القراء السبعة دون غيرهم :
- واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرةالمجمع عليها، قد انتهت إلى السبعة القراء المقدم ذكرهم، واشتهر نقلها عنهم لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر في كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدي بهم وعول فيها عليهم.
قال مكي :
-"فإن سأل سائل: "ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هو فوقهم، فنسبت إليهم السبعة الأحرف مجازا، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم ممن هو أعلى درجة منهم وأجل قدرا؟".

"فالجواب: أن الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف. فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين وكمال العلم، واشتهر أمره وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرئ به، ولم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان رضي الله عنه مصحفا إماما، هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر".
- "فكان أبو عمرو من أهل البصرة، وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها، والكسائي من أهل العراق، وابن كثير من أهل مكة، وابن عامر من أهل الشام، ونافع من أهل المدينة، كلهم ممن اشتهرت أمانته وطال عمره في الإقراء، وارتحل الناس إليه من البلدان، ولم يترك الناس مع هذا نقل ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف ولا القراءة بذلك".
- "وأول من اقتصر على هؤلاء السبعة أبو بكر بن مجاهد، قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها وتابعه على ذلك من أتى بعده إلى الآن، ولم تترك القراءة برواية غيرهم واختيار من أتى بعدهم إلى الآن".

"فهذه قراءة يعقوب الحضرمي غير متروكة، وكذلك قراءة عاصم الجحدري وقراءة أبي جعفر وشيبة إمامي نافع، وكذلك اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، واختيار المفضل، واختيارات لغير هؤلاء الناس على القراءة كذلك في كل الأمصار من المشرق".
- "وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرءوا للجماعة بروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءة تنسب إليه بلفظ الاختيار، وقد اختار الطبري وغيره، وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء:

"قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع الأمة عليه".
- "والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة، فذلك عندهم حجة قوية توجب الاختيار".
- "وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وربما جعلوا الاختيار ما اتفق عليه نافع وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات وأصحها سندا وأفصحها في العربية، ويتلوها في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله".


سبب اختيار القراء السبعة :
قال مكي رحمه الله :
- قال: "فإن سأل سائل: لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة؟ ألا كانوا أكثر أو أقل؟".

"فالجواب: أنهم جعلوا سبعة لعلتين:
"إحداهما: أن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف".
"والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن، وهي سبعة على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمتنع ذلك؛ إذ عدد الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى"
- "وقد ألف ابن جبير المقرئ -وكان قبل ابن مجاهد- كتابا في القراءات وسماه "كتاب الخمسة"، ذكر فيه خمسة من القراء لا غير، وألف غيره كتابا وسماه "كتاب الثمانية"، وزاد على هؤلاء السبعة يعقوب الحضرمي، وهذا باب واسع".
- قال أبو علي الأهوازي : قال: "وهؤلاء السبعة لزموا القيام بمصحفهم، وانتصبوا لقراءته، وتجردوا لروايته، ولم يشتهروا بغيره، واتبعوا ولم يبتدعوا.
- وقال شيخنا أبو الحسن علي بن محمد رحمه الله:

"لما كان العصر الرابع سنة ثلاثمائة وما قاربها، كان أبو بكر بن مجاهد رحمه الله، قد انتهت إليه الرياسة في علم القراءة، وقد تقدم في ذلك على أهل ذلك العصر، اختار من القراءات ما وافق خط المصحف ومن القراء بها من اشتهرت قراءته، وفاقت معرفته، وقد تقدم أهل زمانه في الدين والأمانة والمعرفة والصيانة، واختاره أهل عصره في هذا الشأن، وأطبقوا على قراءته، وقصد من سائر الأقطار، وطالت ممارسته للقراءة والإقراء، وخص في ذلك بطول البقاء، ورأى أن يكونوا سبعة تأسيا بعدة المصاحف الأئمة، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف من سبعة أبواب))، فاختار هؤلاء القراء السبعة أئمة الأمصار، فكان أبو بكر بن مجاهد أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، وصنف كتابه في قراءاتهم، واتبعه الناس على ذلك، ولم يسبقه أحد إلى تصنيف قراءة هؤلاء السبعة".
- وقال أيضا :"وقد أضاف قوم بعد ابن مجاهد إلى هؤلاء السبعة يعقوب الحضرمي، وكان فاعل ذلك نسب ابن مجاهد إلى التقصير في اقتصاره على السبعة، ولم يكن عالما بغرض ابن مجاهد، وقراءة يعقوب خارجة عن غرضه لنزول الإسناد؛ لأنه قرأ على سلام بن سليمان وقرأ سليمان على عاصم، ولما فيها من الخروج عن قراءة العامة، وكذلك من صنف العشرة".



سبب اختيار القراء من الأمصار الخمسة :
- قال أبو علي الأهوازي:

"وإنما كانوا من هذه الأمصار الخمسة دون غيرها لأجل أن عثمان رضي الله عنه جعل لكل مصر من هذه الأمصار مصحفا، وأمر باتباعه، ووجه بمصحف إلى اليمن، وبمصحف إلى البحرين، فلم نسمع لهما خبرا ولا رأينا لهما أثرا".
الاشتباه الذي حصل في قراءة ابن عامر والرد عليه :
- قال المصنف : ووقع في "كتاب البيان" لأبي طاهر بن أبي هاشم كلام لأبي جعفر الطبري، ظن منه أنه طعن على قراءة ابن عامر، وإنما حاصله أنه استبعد قراءته على عثمان بن عفان رضي الله عنه على ما جاء في بعض الروايات عنه على ما نقلناه في "الكتاب الكبير من إبراز المعاني"، وذلك غير ضائر.

فهب أنه لم يصح أنه قرأ على عثمان، فقد قرأ على غيره من الصحابة، وكان يقول: هذه حروف أهل الشام التي يقرءونها.
- قال أبو جعفر:

"ولعله أراد أنه أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقا كثيرا".
- ثم قال أبو طاهر:

"وأحسن الوجوه عندي أن يقال: إن قراءة ابن عامر قراءة اتفق عليها أهل الشام وإنها مسندة إلى أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال: "ولم يتفقوا إن شاء الله عليها، إلا ولها مادة صحيحة من بعض الصحابة تتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كنا لا نعلمها كعلمنا بمادة قراءة أهل الحرمين والعراقين".
قال: "ولولا أن أبا بكر شيخنا جعله سابعا لأئمة القراءة، فاقتدينا بفعله؛ لأنه لم يزل موفقا، فاتبعنا أثره، واهتدينا بهديه لما كان إسناد قراءته مرضيا، لكان أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش بذلك أولى منه؛ إذ كانت قراءته منقولة عن الأئمة المرضيين، وموافقة للمصحف المأثور باتباع ما فيه، ولكنا لا نعدل عما مضى عليه أئمتنا، ولا نتجاوز ما رسمه أولونا؛ إذ كان ذلك بنا أولى، وكنا إلى التمسك بفعلهم أحرى".
- قال المصنف : قلت: وكان غرض ابن مجاهد أن يأتي بسبعة من القراء من الأمصار التي نفدت إليها المصاحف، ولم يمكنه ذلك في البحرين واليمن لإعواز أئمة القراءة منهما، فأخذ بدلهما من الكوفة لكثرة القراء بها، وإذا كان هذا غرضه فلم يكن له بد من ذكر إمام من أهل الشام، ولم يكن فيهم من انتصب لذلك من التابعين مثل ابن عامر، فذكره.
- وقال أيضا : وقال في كتابه:

"وعلى قراءة ابن عامر أهل الشام وبلاد الجزيرة".


إجماع العوام على القراءات السبع :
- ثم قال: "فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام".
- قال: "ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه".



شأن القراء من الصحابة والتابعين ثم من بعدهم :
- وقد ذكر الإمام أبو عبيد في أول كتابه في القراءات ما يعرفك كيف كان هذا الشأن من أول الإسلام إلى آخره ما ذكره.

فذكر القراء من الصحابة على ما سبق ذكره في آخر الباب الأول، ثم قال بعد ذكر التابعين:
"فهؤلاء الذين سمينا من الصحابة والتابعين هم الذين يحكى عنهم عظم القراءة، وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث".
- قال: "ثم قام من بعدهم بالقرآن قوم، ليست لهم أسنان من ذكرنا ولا قدمهم، غير أنهم تجردوا في القراءة، فاشتدت بها عنايتهم، ولها طلبهم، حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم ويقتدون بهم فيها.


قراء الأمصار هم :
وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار، في كل مصر منهم ثلاثة رجال:

"-فكان من قراء المدينة: أبو جعفر ثم شيبة بن نصاح ثم نافع وإليه صارت قراءة أهل المدينة".
"-وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة أو أكثرهم".
"-وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب وعاصم والأعمش، ثم تلاهم حمزة رابعا، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم. وأما الكسائي فإنه يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة بعضا وترك بعضا".
"-وكان من قراء البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر. والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة، واتخذوه إماما أبو عمرو. وقد كان لهم رابعا، وهو عاصم الجحدري، غير أنه لم يرو عنه في الكثرة ما روي عن هؤلاء الثلاثة".
"-وكان من قراء الشام: عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث الذماري وثالث، قد سمي لي بالشام ونسيت اسمه، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا من التابعين".
-قال المصنف : الذي نسيه أبو عبيد، قيل: هوخليد بن سعد صاحب أبي الدرداء، وعندي أنه عطية بن قيس الكلابي أو إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر. فإن كل واحد منهما كان قارئا للجند، وكان عطية بن قيس تصلحالمصاحف على قراءته بدمشق على ما نقلناه في ترجمتهما في التاريخ.
- وقال أيضا : ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا،وتفرقوا في البلاد، وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم،فمنهم المحكم للتلاوة المعروف بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذهالأوصاف، وكثر بسبب ذلك بينهم الاختلاف، وقل الضبط، واتسع الخرق، والتبس الباطل بالحق، فميز جهابذة العلماء وذلك بتصانيفهم، وحرروه وضبطوه في تواليفهم.



الضابط في القراءة المعتبرة :
وقد قال القاضي أبو بكر الأشعري رحمهالله
:
"
1)جميع ما قرأبه قراء الأمصار مما اشتهر عنهم واستفاض نقله .
2)ولم يدخل في حكم الشذوذ.
3)ولم يقع بين القراء تناكر له.
4) ولا تخطئة لقارئه، بل رواه سائغا جائزا من همز وإدغام ومد وتشديدوحذف وإمالة، أو ترك كل ذلك، أو شيء منه، أو تقديم وتأخير.
- فإنه كله منزل من عندالله تعالى ومما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على صحته وخير بينه وبين غيره وصوبجميع القراءة به. ولو سوغنا لبعض القراء إمالة ما لم يمله الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أو غير ذلك، لسوغنا لهم مخالفة جميع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم".


الخلاصة في اختلاف القراءات :
- قال الإمام أبو بكر بن مجاهد في "كتاب السبعة
":
"
اختلف الناس في القراءات، كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين، توسعة ورحمة للمسلمين، وبعض ذلك قريب من بعض، وحملة القرآن متفاضلون في حمله ونقله الحروف، منازل في نقل حروفه".
-قال المصنف :
1) أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع من هذا على قدر ما رووا.
2)وأن ذلك المتلقن له من النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه أقرأ غيره كماسمعه.
3) ثم من بعده كذلك إلى أن اتصل بالسبعة.
مثاله : قراءة نافع "يحزن" بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا حرف الأنبياء، وقراءةابن عامر "إبراهام" بالألف في بعض السور دون بعض، ونحو ذلك مما يقال فيه: إنه جمعبين اللغتين، والله أعلم.

======================
المقصد الخامس :في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية
والشاذة الضعيفةالمروية

معرفة القراءة الصحيحة والشاذة من خلال تتبع صحة الآثار:
- قال الإمام أبو بكر بن مجاهد في "كتاب السبعة": "وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام: منها المجتمع عليه السائر المعروف، ومنها المتروك المكروه عند الناس: المعيب من أخذ به، وإن كانقد روي وحفظ، ومنها ما قد توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذاعرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله.
وربما سقط بالرواية لذلك بإصراره على لزومه وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحلال والحرام والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الروايةوالاختلاف".
- وكذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن
":
"
منها اللغة الشاذة القليلة، ومنها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنه قد قرئ به، ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غيرجائز عند من لا يبصر من العربية غير اليسير، ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلاالعالم النحرير، وبكل قد جاءت الآثار في القراءات".


تواتر القراءات التي تلقاها الناس في مكة والمدينة والبصرة والشام :
- قال: "والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا،وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين.
- اجتمعت الخاصة والعامةعلى قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذاهبه على ما روي -يعني- عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بنعبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه، قال زيد: القراءة سنة".
- قال إسماعيل القاضي: "أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف".
- وذكر عن محمد بن سيرين أنه قال
:
"
كانوا يرون أن قراءتنا هذه هي أحدثهن بالعرضة الأخيرة"، وفي رواية قال: "نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين".
- قال ابن سيرين: "فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة". أخرجه أبو عبيد وغيره.
- وعنه عن عبيدة السلماني قال: "القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هي التي يقرؤها الناس اليوم
".
وفي رواية: "القرآن الذي عرض". أخرجه ابن أبي شيبة.
- قال المصنف : وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مماروى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب
.
ونحن بهذانقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له معأنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر فيبعضها.
- وقال أيضا المصنف : وأما من يهول في عبارته قائلا: إن القراءات السبع متواترة، لـ(أن القرآن أنزل على سبعة أحرف) فخطؤه ظاهر؛ لأن الأحرف السبعة المراد بها غير القراءات السبع على ما سبق تقريره في الأبواب المتقدمة.
- وقال أيضا: فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواترفي جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغيرمتواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
رد المصنف على من ادعى التواتر في كل القراءات السبعة :
- وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهورمنها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواءالطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تسكب العبرات، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادا،إلا اليسير منها
.
وقد حققنا هذا الفصل أيضا في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين، وبالله التوفيق.


أركان القراءة الصحيحة :
- الشروط :
1) ثبوت تلك القراءة بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) ولا يلتزم فيه تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة.
3) وموافقة خط المصحف، بمعنى أنها لا تنافيه عدم المنكرين لها نقلا وتوجيها من حيث اللغة.
- قال المصنف : وهذه السنة التي أشار إليها هي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا أنه قرأه وأذن فيه على ما صح عنه: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف". فلأجل ذلك كثرالاختلاف في القراءة في زمانه صلى الله عليه وسلم وبعده إلى أن كتبت المصاحف،باتفاق من الصحابة بالمدينة على ذلك، ونفذت إلى الأمصار وأمروا باتباعها وترك ماعداها، فأخذ الناس بها، وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفها، وأبقوا ما يوافقهاصريحا كقراءة {الصراط} بالصاد، واحتمالا كقراءة {مالك} بالألف ؛ لأن المصاحف اتفقت على كتابة "ملك" فيها بغير ألف، فاحتمل أن يكون مراده كما حذفت من "الرحمن" و"إسمعيل" و"إسحق" وغير ذلك.
- فكل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحةالنقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي قراءة صحيحةمعتبرة
.
فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه الشيخ المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع وأمر بإلحاقه "بكتابالكشف عن وجوه القراءات" من تصانيفه، وقد تقدم فيما نقلناه من كلامه في الباب الرابع الذي قبل هذا الباب.
المراد بموافقة خط المصحف :
-قال المصنف :ولعل مرادهم بموافقة خط المصحف ما يرجع إلى زيادة الكلم ونقصانها.
-ثم قال : فإن فيما يروى من ذلك عن أبي بن كعبوابن مسعود رضي الله عنهما من هذا النوع شيئا كثيرا، فكتبت المصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق تفسيره.
- وقال أيضا : وأما ما يرجع إلى الهجاء وتصويرالحروف، فلا اعتبار بذلك في الرسم، فإنه مظنة الاختلاف، وأكثره اصطلاح، وقد خولف الرسم بالإجماع في مواضع من ذلك، كالصلاة والزكاة والحياة، فهي مرسومات بالواو ولم يقرأها أحد على لفظ الواو.


أصح القراءات سندا وأفصحها عربية :
وقد ذكره أيضا شيخنا أبو الحسن رحمهالله في كتابه "جمال القراء" في باب مراتب الأصول وغرائب الفصول فقال
:
"
وقد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه وقالوا: قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سنداوأفصحها في العربية، وبعدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرووالكسائي".


شروط قبول القراءة :
-وقد ذكره أيضا شيخنا أبو الحسن رحمه الله في كتابه "جمال القراء":
"وإذا اجتمع للحرف قوته في العربيةوموافقة المصحف واجتماع العامة عليه فهو المختار عند أكثرهم. وإذا قالوا: قراءةالعامة، فإنما يريدون ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة. فهو عندهم سبب قوي يوجب الاختيار. وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وسموه أيضابالعامة".
- قال المصنف : "وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق لفظه خط المصحف فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا، مفترقين أو مجتمعين، فهذا هو الأصل الذي بني عليه في ثبوت القراءات عن سبعة أو عن سبعة آلاف، فاعرفه وابن عليه".


أقسام القراءات المنسوبة إلى كل قاريء من السبعة :
فإن القراءات السبع المراد بها ماروي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق
.
فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا، ومن تصفح كتبهم في ذلك ووقف على كلامهم فيه عرف صحة ما ذكرناه.
فتنقسم إلى :
1) المجمع عليه .
2) الشاذ
سبب ركون النفس إلى ما نقل عن القراء السبعة دون غيرهم :
أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم، فوق ما ينقل عن غيرهم.
مما نسب إلي هؤلاء القراء وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم:
- الجمع بين الساكنين في تاءات البزي.
- وإدغام أبي عمرو.
- وقراءة حمزة "فما اسطاعوا".
- وتسكين من أسكن "بارئكم" و"يأمركم" ونحوه و"سبأ" و"يابني" و"مكر السيئ"".
- وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي ويصبر" و"أفئدة من الناس.
- " وقراءة "ليكة" بفتح الهاء، وهمز "سأقيها".
- وخفض "والأرحام".
- ونصب "كن فيكون".
- والفصل بين المضافين في "الأنعام"
- وغير ذلك على ما نقلناه وبيناه بعون الله تعالى وتوفيقه في شرح قصيدة الشيخ الشاطبي رحمه الله.
الرد على من يقول أن عدم البسملة بين السورتين ضعيفة :
قال المصنف :
قلت: لا، فإنه يبسمل إذا ابتدأ كلسورة، فهو يرى أن البسملة إنما رسمت في أوائل السور لذلك على أنا نقول الترجيح مع من بسمل مطلقا بين السورتين وعند الابتداء، وذلك على وفق مذهب إمامنا الشافعي رحمه الله، وفي كل ذلك مباحث حسنة ذكرناها في "كتاب البسملة الكبير"، وبالله التوفيق.


ماهو الشاذ ؟
- قال شيخنا أبو الحسن رحمهالله
:
"
الشاذ مأخوذمن قولهم: شذ الرجل يشذ ويشذ شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم.
- وقال أيضا : وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور، والذي لم تزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من الفقهاء والمحدثين وأئمة العربيةتوقير القرآن واجتناب الشاذ واتباع القراءة المشهورة ولزوم الطرق المعروفة في الصلاة وغيرها".
- وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم أو روى عن كل أحد أوروى كل ما سمع".
مثاله :
- وقال خلاد بن يزيد الباهلي: قلت ليحيى بن عبد الله بن أبي مليكة: إن نافعا حدثني عنأبيك عن عائشة أنها كانت تقرأ "إذ تلقونه" وتقول: إنما هو ولق الكذب. فقال يحيى: مايضرك أن لا تكون سمعته عن عائشة، نافع ثقة على أبي وأبي ثقة على عائشة، وما يسرني أني قرأتها هكذا، ولي كذا وكذا. قلت: ولم وأنت تزعم أنها قد قرئت؟ قال: لأنه غيرقراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان بيننا وبينه إلاالتوبة أو نضرب عنقه، نجيء به، نحن عن الأمة عن الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل. وتقولون أنتم: حدثنا فلان الأعرج عن فلان الأعمى أن ابن مسعود يقرأ ما بين اللوحين، ما أدري ما ذا، إنما هو والله ضرب العنق أوالتوبة".
- "وقال هارون: ذكرت ذلك لأبي عمرو -يعني القراءة المعزوة إلى عائشة فقال: قد سمعت هذا قبل أن تولد، ولكنا لا نأخذ به. وقال أبو عمرو في رواية أخرى: إني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة".
أول من تتبع وجه القراءات بالبصرة وألفها وتتبع الشاذ منها :
- قال أبو حاتم السجستاني: أول من تتبع بالبصرة وجوه القراءات وألفها وتتبع الشاذمنها فبحث عن إسناده هارون بن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراءفكره الناس ذلك، وقالوا: قد أساء حين ألفها، وذلك أن القراءة إنما يأخذها هارونوأمة عن أفواه الأمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء".
- "وقال الأصمعي عن هارون المذكور: وكان ثقة مأمونا، قال: وكنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف".


عدم جواز القراءة بالشاذ والسبب في ذلك :
- ثم قال الشيخ
:
"
فإن قيل: فهل في هذه الشواذ شيء تجوز القراءة به؟
"
"
قلت: لا تجوز القراءة بشيء منها لخروجهاعن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن -وهو التواتر- وإن كان موافق اللعربية وخط المصحف؛ لأنه جاء من طريق الآحاد، وإن كانت نقلته ثقات. فتلك الطريق لايثبت بها القرآن. ومنها ما نقله من لا يعتد بنقله ولا يوثق بخبره، فهذا أيضا مردود،لا تجوز القراءة به ولا يقبل، وإن وافق العربية وخط المصحف، نحو "ملك يوم الدين" بالنصب.
- قال المصنف : هذا كلام صحيح، ولكن الشاذ في ضبط ما تواتر من ذلك وما أجمع عليه.
- وقال أيضا : وقد سبق في الباب الثالث ما نقله ابن عبد البر عن مالك رحمه الله من المنع من قراءةما خالف المصحف في الصلاة، قال مالك
:
"
من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف، لم يصل وراءه".
- قال أبو عمر
:
"
وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوماشذوا لا يعرج عليهم".
- قال المصنف : وقد ذكر الإمام أبو بكر الشاشي في كتابه المسمى بالمستظهري نقلا عن القاضي الحسين وهو من كبار فقهاء الشافعية المراوزة: "إن الصلاة بالقراءة الشاذة لاتصح
".
ثم قال أبوبكر: "هذا فيما يحيل المعنى عن المشهور، فإن لم يحل صحت".
- قال شيخ الشافعية :
"والقراءة الشاذة ما نقل قرآنا من غير تواتر واستفاضة، متلقاة بالقبول من الأمة كمااشتمل عليه "المحتسب" لابن جني وغيره، وأما القراءة بالمعنى على تجوزه من غير أن ينقل قرآنا فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلا، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا، فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه ولا يخلي ذا ضلالة ولا يحل للمتمكن منذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه
".
"
وإذا شرع القارئ بقراءة فينبغي أن لا يزال يقرأ بها ما بقي للكلام تعلق بماابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع، وعذر المرض منع من بيانه بحقه، والعلم عند الله تبارك وتعالى".
- وقال شيخ المالكية رحمهالله
:
"
لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها، عالما كان بالعربية أو جاهلا. وإذا قرأبها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك
".
"
وأما تبديل "أتينا" بأعطينا و"سولت" بزينت ونحوه، فليس هذا من الشواذ، وهو أشد تحريما، والتأديب عليه أبلغ، والمنع منه أوجب
".
"
وأماالقراءة بالقراءات المختلفة في آي العشر الواحد فالأولى أن لا يفعل، نعم، إن قرأبقراءتين في موضع إحداهما مبنية على الأخرى، مثل أن يقرأ "نغفر لكم" بالنونو"خطيئاتكم" بالرفع، ومثل "إن تضل إحديهما" بالكسر "فتذكر إحديهما" بالنصب، فهذاأيضا ممتنع، وحكم المنع كما تقدم، والله أعلم".
- قال الإمام أبو طاهر عبد الواحد بنعمر بن محمد بن أبي هاشم -وهو صاحب الإمامين أبي بكر بن مجاهد وأبي جعفر الطبري- فيأول "كتاب البيان" عن اختلاف القراءة
.
"
وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا، فزعم أن كل ماصح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن، يوافق خط المصحف فقراءته به جائزة فيالصلاة وفي غيرها، فابتدع بفعله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مزلةعظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله عز وجل من الباطل ما لايأتيه من بين يديه ولا من خلفه، إذا جعل لأهل الإلحاد في دين الله عز وجل بسيئ رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض على أهل الإسلام قبوله والأخذ به كابرا عن كابروخالفا عن سالف".
- خلاصة رأي المصنف :
المنع من هذا ظاهر، وأما ما ليس كذلك فلا منع منه، فإن الجميع جائز، والتخيير فيهذا، وأكثر منه كان حاصلا بما ثبت من إنزال القرآن على سبعة أحرف توسعة على القراء،فلا ينبغي أن يضيق بالمنع من هذا ولا ضرر فيه، نعم، أكره ترداد الآية بقراءات مختلفة كما يفعله أهل زماننا في جميع القراءات لما فيه من الابتداع، ولم يرد فيه شيء عن المتقدمين. وقد بلغني كراهته عن بعض متصدري المغاربة المتأخرين، والله أعلم.
بدعة أبو شنبوذة وما حصل به :
من هو أبن شنبوذ :
هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت المقرئ المعروف بابن شنبوذ البغدادي في طبقة ابن مجاهد مقرئ مشهور.
بدعة ابن شنبوذ وتتبعه للشواذ وعقوبته :
- قال الإمام أبو طاهر عبد الواحد بنعمر بن محمد بن أبي هاشم:
"وكان أبو بكر بن مجاهد -نضر الله وجهه- نشله من بدعته المضلة باستتابته منها، وأشهد عليه بترك ما ارتكبه من الضلالةبعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، ولم تكن له حجة قوية ولاضعيفة، فاستوهب أبو بكر رحمه الله تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته".
- قال: "ثم عاود في وقتنا هذا إلى ماكان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه ظنا منه أنذلك يكون للناس دينا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما، ولن يعدو ما ضل به مجلسه؛ لأنالله عز وجل قد أعلمنا أنه حافظ كتابه من لغط الزائغين وشبهات الملحدين بقوله عزوجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ".
- قال الخطيب في "تاريخ بغداد
":
"
روى عن خلق كثير من شيوخ الشام ومصر وكان قد تخير لنفسه حروفا من شواذ القراءات تخالف الإجماع يقرأ بها. فصنف أبو بكر بن الأنباري وغيره كتبا في الردعليه".
- "وقال إسماعيل الخطبي في كتابالتاريخ: اشتهر ببغداد أمر رجل يعرف بابن شنبوذ، يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروفي خالف فيها المصحف مما يروى عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما مما كان يقرأبه قبل جمع المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويتتبع الشواذ فيقرأ بهاويجادل، حتى عظم أمره وفحش، وأنكره الناس، فوجه السلطان فقبض عليه في يوم السبت لستخلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وحمل إلى دار الوزير محمد بن علي -يعني ابن مقلة- وأحضر القضاة والفقهاء والقراء وناظره -يعني الوزير- بحضرتهم،فأقام على ما ذكر عنه ونصره واستنزله الوزير عن ذلك فأبى أن ينزل عنه أو يرجع عمايقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تزيد على المصحف وتخالفه، فأنكر ذلك جميع منحضر المجلس وأشاروا بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع فأمر بتجريده وإقامته بين الهنبازين وضربه بالدرة على قفاه، فضرب نحو العشرة ضربا شديدا، فلم يصبرواستغاث وأذعن بالرجوع والتوبة فخلي عنه وأعيدت عليه ثيابه واستتيب، وكتب عليه كتاب بتوبته وأخذ فيه خطه بالتوبة".
- في تاريخ هارون بن المأمون قال
:
"
وفي أيام الراضي ضرب ابن مقلة ابن شنبوذسبع درر لأجل قراءة أنكرت عليه ودعا عليه بقطع اليد وتشتت الشمل فقطعت يده ثم لسانه.
- في تاريخ ثابت بن سنان شرح هذه القصة فقال
:
"
بلغ الوزير أبا علي محمد بن مقلة أن رجلا -يعرف بابن شنبوذ- يغير حروفا من القرآن، فاستحضره واعتقله في داره أياما، ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن مجاهد وجماعة منأهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ ونوظر بحضرة الوزير، فأغلظ للوزير في الخطاب وللقاضي ولابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة، وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كماسافر، واستصبى القاضي، فأمر الوزير بضربه، فنصب بين الهنبازين وضرب سبع درر، فدعا -وهو يضرب- على ابن مقلة بأن تقطع يده ويشتت شمله، ثم وقف على الحروف التي قيل إنهيقرأ بها فأنكر ما كان منها شنعا".
- وقال فيما سوى ذلك: "إنه قد قرأ به قوم فاستتابوه فتاب. وقال: إنه قد رجع عما كان يقرأ به وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان رضي الله عنه وبالقراءة المتعالمة المشهورة التي يقرأ بها الناس، فكتب عليه الوزير أبو علي محضرا بما سمع من لفظه، صورته
:
"
يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: قد كنت أقرأ حروفا تخالف ما في مصحف عثمان المجمع عليه الذي اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلاوته، ثم بان لي أن ذلك خطأ، فأنا منه تائب، وعنهم قلع، وإلى الله عز وجل منه بريء؛ إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه ولا أن يقرأ بغير ما فيه
".
"
وكتب ابن شنبوذ فيه
:
يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: إن ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عز وجل وسائر منحضر على نفسي بذلك
".
"
وكتب بخطه
:
"
فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره فأمير المؤمنين -أطال الله بقاه- في حل وفيسعة من دمي، وذلك في يوم الأحد لسبع خلون من شهرربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة في مجلس الوزير أبي علي بن علي، أدام الله توفيقه".
- "وكان مما اعترف به يومئذ: "فامضواإلى ذكر الله"، "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"، "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحةغصبا"، "كالصوف المنفوش"، "تبت يدا أبي لهب وقد تب"، "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب"، "والنهار إذا تجلى والذكروالأنثى"، "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما"، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخيرويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم"، "تكن فتنة في الأرض وفساد عريض
".
"
وتحت ذلك بخط ابن مجاهد
:
"
اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضرتي وكتب ابن مجاهد بيده".
- قال المصنف : ثم مات ابن شنبوذ في صفر سنة ثمان وعشرين بعد موت ابن مجاهد بأربع سنين، وعزل ابن مقلة ونكب في سنة أربع وعشرين بعد نكبة ابن شنبوذ بسنة واحدة، فجرى عليه من الإهانةبالضرب والتعليق والمصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلى قطع يده ولسانه ونسأل الله تعالى العافية.
تعليق المصنف على عقوبة ابن شنبوذ:
وابن شنبوذ وإن كان ليس بمصيب فيما ذهب إليه ولكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، فكان الرفق به ومداراته أولى من إقامته مقام الدعار المفسدين في الأرض وإجرائه مجراهم في العقوبة، فكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا في ذلك إن شاء الله تعالى، ولكنه سبحانه وتعالى: {يفعل ما يشاء} ويبتلي من شاء بما شاء سبحانه {لا يسأل عما يفعل}، وهو تعالى أعلم وأحكم.


======================
تابع ...

المقصد السادس :في الإقبال على ماينفع من علوم القرآن
والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها

المهم والأولى في طلب القرآن هو فهمه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه :
- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همة إلا في قوة حفظه وسرعة سرده وتحرير النطق بألفاظه والبحث عن مخارج حروفه والرغبة في حسن الصوت به
.
وكل ذلك وإن كان حسنا ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم وأولى وأحرى وهو فهم معانيه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه والوقوف عند حدوده وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته، ونحن نسرد من الأخبار والآثار ما يشهد لما قلناه بالاعتبار.
الأدلة على ذلك :
- أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن" عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}، قال: يتبعونه حق إتباعه.
- وعن الشعبي في قوله تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم}، قال: أما إنه ما كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العملبه.
- وعن أبي الزاهرية: أن رجلا أتى أباالدرداء بابنه فقال: با أبا الدرداء، إن ابني هذا جمع القرآن، فقال: اللهم اغفر،إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه.
- وروي مرفوعا وموقوفا: ((اقرءواالقرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه)).
- وعن الحسن: أن أولى الناس بالقرآن مناتبعه وإن لم يكن يقرؤه.
- قال: وحدثنا حجاج عن عبد الرحمن بنأبي الزناد عن سليمان بن سحيم قال: أخبرني من رأى ابن عمر وهو يصلي ويترجح ويتمايل ويتأوه، حتى لو رآه من يجهله لقال: أصيب الرجل، وذلك لذكر النار إذا مر بقوله تعالى: {وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا}، أو شبهذلك.
- حدثنا ابن المبارك عن مسعر عن عبدالأعلى التيمي قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه: فليس بخليق أن يكون أوتي علماينفعه؛ لأن الله تبارك وتعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذايتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.
- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قامرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح،بها يقوم وبها يركع وبها يسجد: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
- وعن تميم الداري: أنه أتى المقام ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تذكر فيها الجاثية، فلما أتى على هذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه يردد {وقل رب زدني علما}، حتى أصبح.
- وعن عامر بن عبد قيس: أنه قرأ ليلةمن سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن هشام بن عروة عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "سورةالطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم}، قال: وهي في الصلاة
.
- وعن سعيدبن جبير: أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة: {واتقوا يوما ترجعون فيهإلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
}.
وعنه أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إذا السماء انفطرت} فلم يزل فيها، حتى نادى منادي السحر
.
- وعن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرهاوأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ كما تقول
.
- وسئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران،ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهماأفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا
}.
- وعن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: ترسل فيه ترسلا
.
-وحدثنا جريرعن مغيرة عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل، فإنه زين القرآن
.
-وفي كتاب ابن أبي شيبة
:
عن ابن عباس {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: بينه تبيينا. وعن مجاهد قال: بعضه في إثربعض
.
-وعن محمد بن كعب قال: لأن أقرأ {إذا زلزلت} و {القارعة}، أرددهما وأتفكر فيهما، أحب إلي من أن أهذ القرآن
.
-قال أبو عبيد: حدثنا أبو النضر عن شعبة قال: حدثني معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بنمغفل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقته أو جمله يسير،وهو يقرأ سورة الفتح -أو قال: من سورة الفتح- ثم قرأ معاوية قراءة لينة، فرجع ثمقال: لولا أخشى أن يجتمع الناس علينا، لقرأت ذلك اللحن
.
-قال: وحدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قلت لعطاء ما تقول في القراءة على الألحان؟ فقال: وما بأس بذلك، سمعت عبد الله بن عمريقول: كان داود عليه السلام يفعل كذا وكذا لشيء ذكره، يريد أن يبكي بذلك ويبكي
.
الأحاديث في تحسين الصوت بالقرآن :
ثم ذكر أبوعبيد أحاديث كثيرة في تحسين الصوت بالقرآن، ثم قال: وعلى هذا المعنى تحمل هذه الأحاديث، إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، لا الألحان المطربةالملهية.
- عن طاوس قال
:
سئلرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن صوتا بالقرآن -أو أحسن قراءة- فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
- وعنه: ((أحسن الصوت بالقرآن أخشاهم لله تعالى)).
- وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانيةوالنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم
)).
- وعن عابس الغفاري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته خصالا: بيع الحكم،والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوما يتخذون القرآن من أمير، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا بأفضلهم، إلا ليغنيهم به غناء
.
- وعن أنس: أنه سمع رجلا يقرأ بهذه الألحانالتي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه
.
- وقال شعبة: نهاني أيوب أن أحدث بهذاالحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم
)).
- قال أبو عبيد: وإنما ذكره أيوب فيما يرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الألحان المبتدعة، يعني معنى الحديث غير ذلك، وهو لما سبق
.
- وعن الحارث عن عليرضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن في الصلاة قبل العشاءالآخرة وبعدها ويغلط أصحابه
.
- وعن يحيى بن أبي كثير قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ههنا قوما يجهرون بالقراءة في صلاة النهار، فقال: ((ارموهم بالبعر
)).
- قال أبوعبيد: جلست إلى معمر بن سليمان بالرقة، وكان من خير من رأيت، وكانت له حاجة إلى بعض الملوك، فقيل له: لو أتيته فكلمته، فقال: قد أردت إتيانه، ثم ذكرت القرآن والعلم،فأكرمتهما عن ذلك.
الأحاديث الواردة في ثواب القرآن :
- حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يقرأ القرآن عند الأمر يعرض من أمر الدنيا.
- حدثنا حفص عن هشام بن عروة قال: كان إذارأى شيئا من أمر الدنيا يعجبه، قرأ: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} الآية
.
- حدثنا معاذعن عوف عن زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه.
-ورواه البيهقي في "الشعب" عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولاالجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط)).


ذم عدم العمل بالقرآن والإسراع في قراءته :
-وقال أبو بكر بن أبي شيبة
:
حدثنا أبوبكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم)).
-وعن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوسا نقرأ القرآن، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورافقال: ((اقرءوا القرآن، فيوشك أن يأتي قوم يقرءونه، يقومونه كما يقوم القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه
)).
- وفي رواية سهل بن سعد: يقومون حروفه كمايقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه
.
-وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: إياكم والهذاذين الذين يهذون القرآن ويسرعون بقراءته، فإنما مثل ذلك كمثل الأكمة التي لاأمسكت ماء ولا أنبتت كلأ
.
-وفي كتاب شيخنا "جمال القراء
":
"
قال رجل لسليم رحمه الله: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فقال سليم: يا ابن أخي، شهدت حمزة وأتاه رجل في مثل هذا، فبكى وقال: ياابن أخي، إن التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته، وهذا هوالتشديق".
- وقال أيضا : قال سفيان بن عيينة: من أعطى القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن، فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم}. وقال: {ورزق ربك خير وأبقى}، يعني القرآن
".
قال الشيخ رحمه الله: "أي ما رزقك الله من القرآن خير وأبقى مما رزقهم من الدنيا".



الأخبار والآثار الحسنة الواردة في آداب قراءة القرآن :
1)التحزين والبكاء والخشوع عند قراءة القرآن :
- وخرج أبو بكر محمد بن الحسين الآجريجزءا في حلية القارئ، جمع فيه أخبارا وآثارا حسنة، من ذلك:
- عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لمتبكوا فتباكوا
)):
-وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءواالقرآن بحزن فإنه نزل بحزن
)).
-وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحسن الناس صوتا بالقرآن من إذا سمعته يقرأ، حسبته يخشىالله عز وجل
)).
-وعنإبراهيم عن علقمة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخرالسورة.
- وعن عبد الملك بن شبيب عن رجل من ولدابن أبي ليلى قال: دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت لي: يا أبا عبدالرحمن، هكذا تقرأ سورة هود، والله إني فيها منذ ستة أشهر، وما فرغت من قراءتها, قال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس -يعني في السفر- فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن، يقرأ حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب
.
-وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعواالقرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله
.
-وقال محمد بن جحادة: قلت لأم ولد الحسن البصري: ما رأيت منه؟ فقالت: رأيته فتح المصحف، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لاتتحركان.
2)الحث على تدبر القرآن والعمل به ::

-وعن الحسن البصري قال: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان، لا علم لهم بتلاوته، ولم ينالواالأمر من أوله. قال الله عز وجل: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، أماتدبر آياته، اتباعه والعمل بعلمه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله، فما أسقط منه حرفا، وقد والله أسقطه كله ما يرىله القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس واحد،والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القراء تقول مثل هذا، لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء.
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار يحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه، وجعله رفيق السفرة الكرام البررة، وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا)).
-3)عدم التكلف في القراءة ( التجويد ) :
قال المصنف معقبا على كلام أبو حامد الغزالي :
صدق رحمه الله، ومع أن الأمر كذلك، فقد تجاوز بعض من يدعي تجويد اللفظ إلى تكلف مالا حاجة إليه، وربما أفسد ما زعم أنه مصلح له.
- قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني الحافظ المقرئ رحمه الله
:
"
التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن يوفي الحروف حقوقها من المد والهمز والتشديد والإدغام والحركة والسكون والإمالة والفتح، إن كانت كذلك من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف".
- قال: "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من القراء من الإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك".
- قال أبو بكر بن مجاهد
:
"
كان أبوعمرو سهل القراءة، غير متكلف، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل".
- وقال حمزة
:
إن لهذا التحقيق منتهى ينتهي إليه، ثم يكون قبيحا مثل البياض، له منتهى ينتهي إليه، فإذا زاد صار برصا.
- وقال رجل لحمزة: يا أبا عمارة، رأيترجلا من أصحابك همز حتى انقطع زره فقال: لم آمرهم بهذا كله.
- وقال أبو بكر بن عياش: إمامنا يهمز {مؤصدة}، فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها.
- وأنشدنا شيخنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي رحمه الله تعالى قصيدة من نظمه في علم التجويد، يقول فيها
:
لا تحسب التجويد مدا مفرطا أو مد ما لا مد فيه لوان

أو أن تشدد بعد مد همزة أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أنتفوه بهمزة مت هوعا في فر سامعها من الغثيان

للحرف ميزان، فلا تك طاغيا فيه، ولا تكم خسر الميزان
فإذاهمزت فجئ به متلطفا من غير ما بهر وغير توان
وامدد حروف المد عند مسكن أو همزة حسنا أخا إحسان
أي: مداح سنا، والقصيدة طويلة تنيف على ستين بيتا، والله تعالى يوفقنا للرشد ويكفينا شر كل أحد.

ذم التنطع في القرآن :
وقال عبد الله: إياكم والتنطع والاختلاف.
- وقال حذيفة: إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يدع واوا ولا ألفا، يلفت كما تلفت البقرة بلسانها، لا يجاوز ترقوته.
معنى المتنطعون :
قال صاحب الغريبين في الحديث: ((هلك المتنطعون...)).
"
هم المتعمقون الغالون"، قال: "ويكون الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ منالنطع، وهو الغار الأعلى".
معنى يلفته :
قال أيضا : "وفي حديث حذيفة: من أقرأ الناس منافق لا يدع منهواوا ولا ألفا يلفته بلسانه، كما تلفت البقرة الخلاء بلسانها، أي تلويه، يقال: لفته وفتله، أي لواه" والخلاء الرطب من الكلأ.




من الأسباب التي تمنع فهم القرآن والانتفاع به :
- وقال أبو حامد الغزالي في كتاب تلاوة القرآن: "أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحجب سدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن: أولها أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فلايزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لا يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة الشيطان لمن كان مطيع المثل هذا التلبيس".
- ثم قال: "وتلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ".


بيان صفات حامل القرآن :
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون،وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون،وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون
.
-وقال الفضيل بن عياض: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد من الخلق حاجة، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه".

- قال أبو حامد الغزالي في كتاب ذم الغرور:
"
اللب الأقصى هو العمل، والذي فوقه هو معرفة العمل، وهو كالقشر للعمل وكاللب بالإضافة إلى ما فوقه، والذي فوقه هو سماع الألفاظ وحفظها بطريق الرواية، وهو قشر بالإضافة إلى المعرفة ولب بالإضافة إلى ما فوقه، وما فوقه هو العلم باللغة والنحو، وفوق ذلك القشرة العليا وهو العلم بمخارج الحروف، والعارفون بهذه الدرجات كلهم مغترون إلا من اتخذ هذه الدرجات منازل، فلم يعرج عليها إلا بقدر حاجته، فتجاوز إلى ما وراءه، حتى وصل إلى باب العمل، وطالب بحقيقة العمل قلبه وجوارحه، ورجى عمره في حمل النفس عليه وتصحيح الأعمال وتصفيتها عن الشوائب والآفات، فهذا هو المقصود المخدوم من جملة علوم الشرع، وسائر العلوم خدم له ووسائل إليه وقشور له ومنازل بالإضافة إليه، وكل من لم يبلغ المقصد فقد خاب، سواء كان في المنزل القريب، أو في المنزل البعيد، وهذه العلوم لما كانت متعلقة بعلوم الشرع اغتر بها أربابها".



أصناف قراء القرآن الثلاثة :
1)صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به.
2)وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة، كثير هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله.
3) وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم واستشعروا الخوف وارتدوا الحزن، فأولئك يسقي الله بهم الغيث وينصرهم على الأعداء، والله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر"
مثال هذا الصنف :
-وعن أبي الأحوص قال: إن كان الرجل ليطرق الخباء فيسمع فيه كدوي النحل، فما لهؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".
وفي "كتاب الإحياء
":
"-
حكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال، أو خمس ليال،ولولا إني أقطع الفكر فيها، ما جاوزتها إلى غيرها".

-------------

انتهى بحمد الله وبتوفيقه تلخيص المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز

بارك الله فيكِ أختي ونفع بكِ.
- أحسنتِ استخلاص المقصد العام والمقاصد الفرعية هنا
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...56&postcount=3
- وأحسنتِ باستخلاص المسائل تحت كل مقصد.
- وبقي عليكِ بعض الملحوظات في غاية الأهمية :
1: التركيز على مقاصد الكاتب وإبرازها في عناوين المقاصد والمسائل :
مثلا ما وجه ذكر :
- تفسير { فرقناه } ، تفسير { ونزلناه تنزيلا }
وإنما المقصود هو بيان فائدة إنزال القرآن مفرقًا ؛ فكان يكفي ذكر الفائدة ثم الاستدلال بتفسير الآية ولا نطنب بذكر جميع ما ورد في تفسير الآيات.

2: ترتيب المسائل تحت كل مقصد ، إذ الغاية من ترتيب المقاصد هو إعادة ترتيب مسائل الكتاب وفق مقاصد الكاتب منه فقد يستطرد الكاتب بذكر بعض المسائل ثم يعود ليركز على مسألة مهمة وهكذا وتلخيص المقاصد يركز على المسائل المقصودة من الكتاب فقط.
مثلا :
في المقصد الأول :
ذكرتِ بعض المقاصد الخاصة بنزول القرآن في ليلة القدر ، ثم تحدثتِ عن فوائد إنزاله مفرقًا ثم نزوله مجملا إلى السماء الدنيا ، ثم عدتِ للحديث عن المقصود بإنزاله في ليلة القدر والأفضل أن نتحدث أولا عن نزول القرآن عامة ثم نبين معنى الإنزال الخاص المضاف لليللة القدر ثم نزوله مجملا إلى السماء الدنيا ثم نزوله مفرقًا على الرسول صلى الله عليه وسلم.

2: تلخيص ما ورد تحت كل مسألة :
تدربي على تلخيص ما ورد تحت كل مسألة بأسلوبك ثم اذكري الدليل على ما ذكرتِ ولا بأس بالاستشهاد بأقوال العلماء لكن من دون إطناب يحول التلخيص إلى مجرد تنظيم لمسائل الكتاب.

إذن نريد أن نبين أن تلخيص المقاصد لا يعني الاختصار الشديد الذي يقتصر به الملخص على مجرد ذكر عناوين المقاصد والمسائل الواردة تحتها ولا يعني في نفس الوقت الإطناب الشديد الذي يركز فيه الملخص على ذكر جميع ما ورد في المسألة وإن كان في ذلك تكرار لعبارات اختلفت لفظًا وتوافقت معنىً.


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 17 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 17/ 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 13 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 13 / 15
___________________
= 90 %

وفقكِ الله وسدد خطاكِ ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 30 جمادى الأولى 1436هـ/20-03-2015م, 08:16 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تلخيص مقدمة تفسير ابن عطية

المقصد العام من المقدمة :
-بيان فضل القرآن وإعجازه وفضل علم التفسير .
- إعطاء نبذة عن مراحل جمع القرآن والقراءة بالأحرف السبعة .

المقصد العام من الكتاب :
الجمع والإيجاز والتحرير في علم التفسير وترتيب المعاني .

المقاصد الفرعية :
- بيان سبب اختياره لعلم التفسير ومنهجه في الكتاب .
- بيان ما ورد في فضل القرآن وصورة الاعتصام به وفضل تفسيره والنظر في دقائق معانيه .
-- بيان ما قاله العلماء في إعجاز القرآن .
- بيان مسألة جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره .
- بيان مسألة إعراب القرآن .
- بيان ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين .
- بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ) ).
- بيان الألفاظ المعربة في القرآن .
- بيان الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى .
- بيان تفسير أسماء القرآن وذكر تفسير لفظة الآية والسورة.
============================
- بيان سبب اختياره لعلم التفسير ومنهجه في الكتاب .
سبب اختياره لعلم التفسير:
1) أراد المؤلف الاعتماد على علم من علوم الشريعة يضبط أصوله ويحكم فصوله ويلخص ما هو منه أو يؤول إليه ؛ليفيد به أهل العلم فيستندون فيه على أقواله ، ويكون لهم فيه كالحصن المشيد والذخر العتيد .
2) لشرف هذا العلم .
قال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5].
قال المفسرون أي علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيدوا العلم بالكتاب ((.

3) لأنه هو العلم الذي جعل للشرع قواما واستعمل سائر المعارف خداما منه .
4) أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى وتخليصا للنيات ونهيا عن الباطل وحضا على الصالحات.


منهج ابن عطية في الكتاب :
1) الجمع والإيجاز والتحرير في علم التفسير وترتيب المعاني .
2) عدم ذكر القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به .
3)إثبات أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم معتمدا على أقوال السلف الصالح ،والتي تتميز بسلامة مقاصد العربية وسلامة المعتقد .
4)فمتى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين ،نبه عليه وسرد التفسير في هذا التعليق بحسب رتبة ألفاظ الآية من حكم أو نحو أو لغة أو معنى أو قراءة.
5)قصد تتبع الألفاظ ، تجنبا لما وقع فيه كثير من كتب المفسرين .
6) تصنيف التفسير .
7) إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها .
8) تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ مع الإيجاز وحذف فضول القول.


- بيان ما ورد في فضل القرآن وصورة الاعتصام به وفضل تفسيره والنظر في دقائق معانيه .
فضائل القرآن الكريم في نفسه وعلى من قرأه :
1) منجاة من الفتن :
والسبب :
- - لأن فيه نبأ الأولين والآخرين :
- من حكم به عدل، وهو حكم فصل بين الناس ، من تركه تجبرا قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله .
- حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المسقيم .
- لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء .
دليله :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ،ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ،وهو حبل الله المتين ،ونوره المبين ،والذكر الحكيم، والصراط المستقيم ،هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء ،ولا يشبع منه العلماء ،ولا يمله الأتقياء ،من علم علمه سبق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
2)من قرأ منه لم يمل لأنه حجة الدهر .
الدليل : قيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل؟ فقال: لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني، كما هو حجة على أهل الدهر الأول ،فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا ،ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه ،تلقى منه في كل مرة علوما غضة وليس هذا كله في الشعر والخطب.
3 ) من قرأ من قصصه اعتبر ، فقصصه أحسن القصص .
دليله على أن من قرأه اعتبر :- قيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار
والدليل على أنه أحسن القصص : قال ابن مسعود: مل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} الآية [الزمر: 23] ثم ملوا ملة أخرى فقالوا قص علينا يا رسول الله فأنزل الله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [يوسف: 3]
3) في تلاوته أجر ، فالحرف منه عشر حسنات .
دليله :
قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف.
5)الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له فله أجران ، ومن قرأه وهو عليه خفيف فهو من السفرة الكرام البررة .
الدليل على ذلك : قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).
6) عظم منزلة قارئ القرآن .
الدليل : وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله )).
7) يشفع لصاحبه يوم القيامة .
الدليل : قال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).
8) أفضل عبادة .
الدليل : قال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
9) درجة النبوة لقارئ القرآن واقتسم ميراث النبوة .
الدليل : - قال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.
- مر أعرابي على عبد الله بن مسعود وعنده قوم يقرؤون القرآن فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال له ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم
10) من قرأه بمائة آية منه كتب من القانتين ومن قرأ بمائتي آية منه لم يكتب من الغافلين .
الدليل : حدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن )).
11) أشرف الأمة حامل القرآن .
الدليل : وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32].
12) قراءة القرآن أفضل من الصوم .
الدليل : قيل لعبد الله بن مسعود: إنك لتقل الصوم فقال إنه يشغلني عن قراءة القرآن وقراءة القرآن أحب إلي منه.
13) أدب الله القرآن .
والدليل : وقال عبد الله بن مسعود إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه وإن أدب الله القرآن .
14)القرآن من فضل الله ورحمته .
الدليل على ذلك : قال محمد بن كعب القرظي في قول تعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] قال: هو القرآن ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض العلماء في تفسير قول تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته} [يونس: 58] قال: الإسلام والقرآن.
15)قراءة القرآن سبب للغفران .
الدليل على ذلك : وذكر أبو عمرو الداني عن علي الأثرم قال: كنت أتكلم في الكسائي وأقع فيه فرأيته في النوم وعليه ثياب بيض ووجهه كالقمر فقلت يا أبا الحسن ما فعل الله بك فقال غفر لي بالقرآن.
16) هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .
الدليل على ذلك : قال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)).


فضائل تفسير القرآن :
منزلة العالم بتفسير القرآن :

- من يعرف تفسير القرآن قد أوتي الحكمة والخير الكثير :
وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.

- من يعرف التفسير يوصف بالعلم :
-ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
- وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
- أحب الخلق إلى الله :
قال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.

صور الاعتصام بالقرآن :
1- العمل بمحكمه والإيمان بمتشابه ، وإحلال حلاله وتحريم حرامه .
دليله :
وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ،إنه لن تعمى أبصاركم ،ولن تضل قلوبكم ،ولن تزل أقدامكم ،ولن تقصر أيديكم ،كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم ،فاعملوا بمحكمه ،وآمنوا بمتشابهه، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه ))..
2- التمسك به .
دليله :
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.

آداب قراءة القرآن الكريم :
1) الحث على تعلم القرآن وتدبره والعمل به .
الأدلة الورادة :
-مرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال طوبى لبطن حملك ولثديين رضعت منهما، فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.
-قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ،ويخزن الفعل ،ويرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله ،قيل له: فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :ما أخذتموه عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه ،وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.
-وقال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم فقال أقرئهم السلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة.

-قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
-روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
-قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 23، 40].

وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
-وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
-وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.
2)ذم التعجل وإقامة حروفه مع تضيع المعاني والحدود .
-الدليل : قال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
3)الحث على قراءة القرآن بخشوع .
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى )).
4)الحث على القراءة بصوت ونزول الملائكة لذلك .
-قال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم: ((فلعله قرأ سورة البقرة)) فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم قرأت سورة البقرة
.
وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير في تنزل الملائكة في
الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة.

بيان ما قاله العلماء في إعجاز القرآن .
بيان بم كان إعجاز القرآن :
اختلف الناس في إعجاز القرآن بم هو؟
1) فقال قوم: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها

2)وقال قوم: إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.

بيان أن القرآن حجة على العرب :
قامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء وفي معجزة موسى بالسحرة .

كيف نبطل قول من يقول أن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل هذا القرآن ؟
1) ترتيب اللفظة من القرآن يدل على أن نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
2)كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
3)لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم به وقال: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] قال: كل فصيح في نفسه وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله فلما تأمله وتدبره ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال: والله ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا بالجنون وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا يقدر بشر .

- بيان مسألة جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره .
مراحل جمع القرآن :
1)كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك
2) فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
3) وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت وحكى الطبري أنه إنما سقطت له في الجمع الأخير والأول أصح وهو الذي حكى البخاري إلا أنه قال فيه مع أبي خزيمة الأنصاري وقال إن في الجمع الثاني فقد زيد آية من سورة الأحزاب: {من المؤمنين رجال} [الأحزاب: 33] فوجدها مع خزيمة بن ثابت
4) بقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك
5) لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية حسبما قد ذكرناه انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.

طريقة عثمان رضي الله عنه في جمع المصحف :
- إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش .
-وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق .

كيفية ترتيب السور في المصحف :
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد، ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه.
-ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة براءة وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا أحد ما قيل في براءة .
- وظاهر الآثار أن السبع الطول ،والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام ،وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب .


- بيان مسألة إعراب القرآن :
ما ورد في فضل إعراب القرآن
:
- روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
- وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).

أهميته :
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.


- بيان ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين .
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر كل آيات القرآن :
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.

بيان حكم تفسير القرآن بالرأي المجرد والجرأة على ذلك :
- ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).

المقصود بالتفسير بالرأي المذموم :

-قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه.

بيان موقف السلف من تفسير القرآن :
1-كان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم.
-وأما السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف وألف الناس فيه كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.
2- وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.

مراتب المفسرين :
المفسرين من الصحابة :
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر .

المفسرون البارزون من التابعين :
-ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة.

-قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
-ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.

مثال على المفسرين البارزين من المتأخرين :
- محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الإسناد.
- أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول
- وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله .



- بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ) ).
بيان اختلاف العلماء على معنى الحديث والمقصود بالأحرف السبعة ورد القاضي أبو محمد :
1) القول :فذهب فريق من العلماء إلى أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي وقصدي واقرب وجئ وكاللغات التي في أف وكالحروف التي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة
الرد : وهذا قول ضعيف.
2) القول :قال ابن شهاب في كتاب مسلم: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
الرد :قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كلام محتمل.
3) القول : وقال فريق من العلماء: إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال.

الرد : وهذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا وأيضا.
الإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
4)القول :وذكر القاضي أبو بكر بن الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وائتمروا وانتهوا واعتبروا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه)).
الرد : قال القاضي أبو محمد فهذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ومنه قول تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] أي على وجه وطريقة هي ريب وشك فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.
4)القول : قال القاضي ابن الطيب: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق وغير السبعة التي هي قراءات ووسع فيها وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى.

الرد : وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.
5) القول : قال القاضي: وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه وإلا بطل معنى الحديث.

قالوا: وتعرف بعض الوجوه بمجيء الخبر به ولا نعرف بعضها إذا لم يأت به خبر.
قال: وقال قوم ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث.
6) القول : قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وقد زعم قوم أن معنى الحديث أنه نزل على سبع لغات مختلفات
الرد : وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة وقراءتهم مختلفة وخرجوا بها إلى المناكرة..

المذهب الصحيح الذي قرره القاضي أبومحمد في معنى الأحرف السبعة :
المذهب الصحيح الذي قرره آخرا من قوله ونقول في الجملة إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات ، وهو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.

-ومال كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره إلى أن معنى الحديث المذكور أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل انبث فيه من كل لغة منها وهذا القول هو المتقرر من كلام القاضي رضي الله عنه.

بيان أوجه الإختلاف في القراءة :
وجوه الاختلاف في القراءة السبعة :
1) منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل: {هن أطهرُ} وأطهرَ.
2) ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل: {ربنا باعِد} وباعَد.
3) ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل (ننشرها) و{ننشزها}.
4) ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] و(كالصوف المنفوش)
5) ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] و(طلع منضود)
6) ومنها بالتقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] و(سكرة الحق بالموت).
7) ومنها بالزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى).

حكم القراءة بأوجه القراءات المختلفة :
قال القاضي فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها.

شرط صحة القراءة بأوجه القراءات المختلفة :
-قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والشرط الذي يصح به هذا القول هو أن تروى عن النبي عليه السلام
- القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات لاسيما فيما وافق خط المصحف .

مسألة ترتيب اللغات على السبع قبائل :
- فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات حسبما تقدم
- قال ثابت بن قاسم: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة وألفافها ومنها لقيس لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعي اللغات التي نزل بها القرآن.

سبب سلامة لغة جزيرة العرب من الدخيل :
ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم .


أمثلة على لغات القبائل السبع التي أنزل بها القرآن :
1) (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
2) قال ابن عباس ما كنت أدري معنى قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89]. حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي: أحاكمك.
3) قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قول تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي فقال عمر: الله أكبر {أو يأخذهم على تخوف} أي: على تنقص لهم.
4) وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة {والنخل باسقات} [ق: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر.

حكم القراءة بالأحرف السبعة :
فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.

السبب في إباحة القراءة بالحروف السبعة :
وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي عليه السلام ليوسع بها على أمته، فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا.

سبب جمع المصاحف على قراءة واحدة :
إن هذه الروايات الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترق الصحابة في البلدان وجاء الخلف وقرأ القرآن كثير من غير العرب وقع بين أهل الشام والعراق ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري وغيره دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال: فيماذا؟ قال: في كتاب الله إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى قال عثمان رضي الله عنه: أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات وقال لهم: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".

القراءات التي تركت وسبب ترك القرءاة بها :
-وترك ما خرج عنه مما كان كتب سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة الألفة وهي المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تحرق أو تخرق.
-فأما ابن مسعود فأبى أن يزال مصحفه فترك ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة ولأنه روي أنه كتب فيه أشياء على جهة التفسير فظنها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه


بيان حكم الصلاة بالقراءات :
- مضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع.

وأما شاذ القراءات فلا يصلى به وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه.


- بيان الألفاظ المعربة في القرآن .
بيان إن كان في القرآن لفظة غير عربية :
اختلف الناس في هذه المسألة:
1) فقال أبو عبيدة وغيره: إن في كتاب الله تعالى من كل لغة
2) وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد.
مثال :
- قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل.
- ومنه قول تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة.
- وكذلك قال ابن عباس في القسورة إنها الأسد بلغة الحبشة .
الصواب :
-قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والذي أقوله: إن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب ،فلا تفهمها إلا من لسان آخر فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها، فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش .
-فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها ،وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها ،حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن .
-وقال أيضا القاضي أبو محمد : فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية ،لكن استعملتها العرب وعربتها ،فهي عربية بهذا الوجه .


- بيان الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى .
القصد إلى إيجاز العبارة :
القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ووقف الله ذرية آدم على ربوبيته بقوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] ونحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.


حكمه :
- وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء واستعملها أبو المعالي في الإرشاد.
- وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه.
رأي القاضي أبو محمد :قال القاضي أبو محمد عبد الحق وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس.

أمثلة على استعملات العرب في أشياء ذكر لله تحمل على المجاز :
1) فمن ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فاغفر فداء لك ما اقتفينا).

2)وقول أم سلمة فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.
3)ومن ذلك قولهم الله يدري كذا وكذا، والدراية إنما هي التأتي للعلم بالشيء حتى يتيسر ذلك.

4)قال أبو علي واحتج بعض أهل النظر على جواز هذا الإطلاق بقول الشاعر الجوهري:


لا همَّ لا أدري وأنت الداري
قال أبو علي: وهذا لا ثبت فيه لأنه يجوز أن يكون من غلط الإعراب.
5) قال العجاج: فارتاح ربي وأراد رحمتي.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وكذلك أقول إن الطريقة كلها عربية لا يثبت للنظر المنخول شيء منها.
6)ومن هذا الاستعمال الذي يبنى الباب عليه قول سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار يقول هذا للرامي الذي رماه وقال: خذها وأنا ابن العرقة.


- بيان تفسير أسماء القرآن وذكر تفسير لفظة الآية والسورة.
أسماء القرآن وتفسيرها :
1) القرآن : فيه قولان :
1: معنى القراءة وهو مصدر من قرأ إذا تلا : قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة وحكى أبو زيد الأنصاريوقرءا
2:بمعنى التأليف والجمع: القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] أي تأليفه.
الراجح : والقول الأول أقوى إن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا.
2) الكتاب: فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
3) الفرقان أيضا فهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
4) الذكر فسمي به لأنه:
- ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم
-وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء
- وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

تفسير معنى السورة :
-وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون سؤر وسؤرة:
1) من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب
2) من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة وكل قطعة منها سورة وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو وجمع سورة البناء سور بسكونها
3) يقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد .

معنى آية :
معناه : الآية فهي العلامة في كلام العرب ومنه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: (بآية ما أكلت معكم حيسا).

سبب تسمية الجملة التامة من القرآن بالآية :
1) فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم .
2) وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآية أي بجماعتنا.
3) علامة فصل بين ما قبلها وبين ما بعدها .


=============================================

-- تم بحمد الله وتوفيقه .

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 1 جمادى الآخرة 1436هـ/21-03-2015م, 06:39 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

الغاء التلخيص السابق لمقدمة ابن عطية .
تعديل لتلخيص مقدمة تفسير ابن عطية :

تلخيص مقدمة تفسير ابن عطية

المقصد العام من المقدمة :
-بيان فضل القرآن وإعجازه وفضل علم التفسير .
- إعطاء نبذة عن مراحل جمع القرآن وترتيبه والقراءة بالأحرف السبعة .

المقصد العام من الكتاب :
الجمع والإيجاز والتحرير في علم التفسير وترتيب المعاني .

المقاصد الفرعية :
- بيان سبب اختياره لعلم التفسير ومنهجه في الكتاب .
- بيان ما ورد في فضل القرآن وصورة الاعتصام به وفضل تفسيره والنظر في دقائق معانيه .
-- بيان ما قاله العلماء في إعجاز القرآن .
- بيان مسألة جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره .
- بيان مسألة إعراب القرآن .
- بيان ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين .
- بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ) ).
- بيان الألفاظ المعربة في القرآن .
- بيان الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى .
- بيان تفسير أسماء القرآن وذكر تفسير لفظة الآية والسورة.
============================
- بيان سبب اختياره لعلم التفسير ومنهجه في الكتاب .
سبب اختياره لعلم التفسير:
1) أراد المؤلف الاعتماد على علم من علوم الشريعة يضبط أصوله ويحكم فصوله ويلخص ما هو منه أو يؤول إليه ؛ليفيد به أهل العلم فيستندون فيه على أقواله ، ويكون لهم فيه كالحصن المشيد والذخر العتيد .
2) لشرف هذا العلم .
قال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5].
قال المفسرون أي علم معانيه والعمل بها ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيدوا العلم بالكتاب ((.

3) لأنه هو العلم الذي جعل للشرع قواما، واستعمل سائر المعارف خداما منه .
4) أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى ،وتخليصا للنيات ،ونهيا عن الباطل، وحضا على الصالحات.

منهج ابن عطية في الكتاب :
1) الجمع والإيجاز والتحرير في علم التفسير وترتيب المعاني .
2) عدم ذكر القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به .
3)إثبات أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم معتمدا على أقوال السلف الصالح ،والتي تتميز بسلامة مقاصد العربية وسلامة المعتقد .
4)فمتى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين ،نبه عليه وسرد التفسير في هذا التعليق بحسب رتبة ألفاظ الآية من حكم أو نحو أو لغة أو معنى أو قراءة.
5)قصد تتبع الألفاظ ، تجنبا لما وقع فيه كثير من كتب المفسرين .
6) تصنيف التفسير .
7) إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها .
8) تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ مع الإيجاز وحذف فضول القول.

- بيان ما ورد في فضل القرآن وصورة الاعتصام به وفضل تفسيره والنظر في دقائق معانيه .
فضائل القرآن الكريم في نفسه وعلى من قرأه :
1) منجاة من الفتن :
والسبب :
- - لأن فيه نبأ الأولين والآخرين :
- من حكم به عدل، وهو حكم فصل بين الناس ، من تركه تجبرا قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله .
- حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المسقيم .
- لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء .
دليله :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ،ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ،وهو حبل الله المتين ،ونوره المبين ،والذكر الحكيم، والصراط المستقيم ،هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء ،ولا يشبع منه العلماء ،ولا يمله الأتقياء ،من علم علمه سبق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
2)من قرأ منه لم يمل لأنه حجة الدهر .
الدليل : قيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل؟ فقال: لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني، كما هو حجة على أهل الدهر الأول ،فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا ،ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه ،تلقى منه في كل مرة علوما غضة وليس هذا كله في الشعر والخطب.
3 ) من قرأ من قصصه اعتبر ، فقصصه أحسن القصص .
دليله على أن من قرأه اعتبر :- قيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار
والدليل على أنه أحسن القصص : قال ابن مسعود: مل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} الآية [الزمر: 23] ثم ملوا ملة أخرى فقالوا قص علينا يا رسول الله فأنزل الله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [يوسف: 3]
3) في تلاوته أجر ، فالحرف منه عشر حسنات .
دليله :
قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف.
5)الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له فله أجران ، ومن قرأه وهو عليه خفيف فهو من السفرة الكرام البررة .
الدليل على ذلك : قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).
6) عظم منزلة قارئ القرآن .
الدليل : وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله )).
7) يشفع لصاحبه يوم القيامة .
الدليل : قال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).
8) أفضل عبادة .
الدليل : قال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
9) درجة النبوة لقارئ القرآن واقتسم ميراث النبوة .
الدليل : - قال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.
- مر أعرابي على عبد الله بن مسعود وعنده قوم يقرؤون القرآن فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال له ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم
10) من قرأه بمائة آية منه كتب من القانتين ومن قرأ بمائتي آية منه لم يكتب من الغافلين .
الدليل : حدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن )).
11) أشرف الأمة حامل القرآن .
الدليل : وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32].
12) قراءة القرآن أفضل من الصوم .
الدليل : قيل لعبد الله بن مسعود: إنك لتقل الصوم فقال إنه يشغلني عن قراءة القرآن وقراءة القرآن أحب إلي منه.
13) أدب الله القرآن .
والدليل : وقال عبد الله بن مسعود إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه وإن أدب الله القرآن .
14)القرآن من فضل الله ورحمته .
الدليل على ذلك : قال محمد بن كعب القرظي في قول تعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] قال: هو القرآن ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض العلماء في تفسير قول تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته} [يونس: 58] قال: الإسلام والقرآن.
15)قراءة القرآن سبب للغفران .
الدليل على ذلك : وذكر أبو عمرو الداني عن علي الأثرم قال: كنت أتكلم في الكسائي وأقع فيه فرأيته في النوم وعليه ثياب بيض ووجهه كالقمر فقلت يا أبا الحسن ما فعل الله بك فقال غفر لي بالقرآن.
16) هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .
الدليل على ذلك : قال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)).


فضائل تفسير القرآن :
منزلة العالم بتفسير القرآن :

- من يعرف تفسير القرآن قد أوتي الحكمة والخير الكثير :
وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
- من يعرف التفسير يوصف بالعلم :
-ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
- وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
- أحب الخلق إلى الله :
قال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.

صور الاعتصام بالقرآن :
1- العمل بمحكمه والإيمان بمتشابه ، وإحلال حلاله وتحريم حرامه .
دليله :
وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ،إنه لن تعمى أبصاركم ،ولن تضل قلوبكم ،ولن تزل أقدامكم ،ولن تقصر أيديكم ،كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم ،فاعملوا بمحكمه ،وآمنوا بمتشابهه، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه ))..
2- التمسك به .
دليله :
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.

آداب قراءة القرآن الكريم :
1) الحث على تعلم القرآن وتدبره والعمل به .
الأدلة الورادة :
-مرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال طوبى لبطن حملك ولثديين رضعت منهما، فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.
-قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ،ويخزن الفعل ،ويرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله ،قيل له: فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :ما أخذتموه عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه ،وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.
-وقال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم فقال أقرئهم السلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة.
-قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
-روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
-قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 23، 40].

وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
-وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
-وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.
2)ذم التعجل وإقامة حروفه مع تضيع المعاني والحدود .
-الدليل : قال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
3)الحث على قراءة القرآن بخشوع .
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى )).
4)الحث على القراءة بصوت ونزول الملائكة لذلك .
-قال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم: ((فلعله قرأ سورة البقرة)) فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم قرأت سورة البقرة
.
وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير في تنزل الملائكة في
الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة.

بيان ما قاله العلماء في إعجاز القرآن .
بيان بم كان إعجاز القرآن :
اختلف الناس في إعجاز القرآن بم هو؟
1) فقال قوم: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها

2)وقال قوم: إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.

بيان أن القرآن حجة على العرب :
قامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء وفي معجزة موسى بالسحرة .

كيف نبطل قول من يقول أن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل هذا القرآن ؟
1) ترتيب اللفظة من القرآن يدل على أن نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
2)كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
3)لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم به وقال: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] قال: كل فصيح في نفسه وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله فلما تأمله وتدبره ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال: والله ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا بالجنون وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا يقدر بشر .

- بيان مسألة جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره .
مراحل جمع القرآن :
1)كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال، وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.
2) فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة ،أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود، فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت ،فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
3) وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت وحكى الطبري أنه إنما سقطت له في الجمع الأخير والأول أصح وهو الذي حكى البخاري إلا أنه قال فيه مع أبي خزيمة الأنصاري وقال إن في الجمع الثاني فقد زيد آية من سورة الأحزاب: {من المؤمنين رجال} [الأحزاب: 33] فوجدها مع خزيمة بن ثابت
4) بقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان، وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة ،كابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ،ومصحف أبي وغير ذلك.
5) لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية ،حسبما قد ذكرناه انتدب عثمان لجمع المصحف ،وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.

طريقة عثمان رضي الله عنه في جمع المصحف :
- إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير ،وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش .
-وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ،ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق .

كيفية ترتيب السور في المصحف :
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد، ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه.
-ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة براءة ،وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ،ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا أحد ما قيل في براءة .
- وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام ،وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب .

تشكيل المصحف وتنقيطه وتحزيبه ووضع الأعشار :.
من أمر بتشكيل المصحف وبتنقيط :
1) فروي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله ،فتجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه، وألف إثر ذلك بواسط كتاب في القراءات.2
2)أسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
3)ذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
4)وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له: نصر الحروف.
من أمر بوضع الأعشار :
1)قيل أن المأمون العباسي أمر بذلك .
2) وقيل إن الحجاج فعل ذلك .
تحزيب المصحف :
الحجاج زاد على تشكيل المصحف تحزيبه ،وأمر وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك .


- بيان مسألة إعراب القرآن :
ما ورد في فضل إعراب القرآن
:
- روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
- وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).

أهميته :
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.


- بيان ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين .
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر كل آيات القرآن :
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.


أنواع جملة مغيبات القرآن : :
1)ما لم يعلمه إلا الله ، كوقت قيام الساعة ونحوه .
2)ومنها ما يستقرأ من ألفاظه ،كعدد النفخات في الصور و،كرتبة خلق السموات والأرض.
موقفنا من مغيبات القرآن وتفسير مجمل القرآن مما لا سبيل إليه :
التوقف ، كما ذكر ذلك القاضي أبو محمد .


بيان حكم تفسير القرآن بالرأي المجرد والجرأة على ذلك :
- ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).
المقصود بالتفسير بالرأي المذموم :

-قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله ،فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء ،أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول .

التفسير بالرأي المحمود :
أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر .

بيان موقف السلف من تفسير القرآن :
1-كان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن، ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم ،مع إدراكهم وتقدمهم.
-وأما السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه ،وعلى أبي صالح ؛لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ،ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف ،وألف الناس فيه كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.
2- وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه ،وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.

مراتب المفسرين :
المفسرين من الصحابة :
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر .

المفسرون البارزون من التابعين :
-ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة.

-قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
-ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم ،وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.

مثال على المفسرين البارزين من المتأخرين :
- محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير، وقرب البعيد ،وشفى في الإسناد.
- أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي ، فإن كلامهما منخول .
- وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو العباس المهدوي رحمه الله ،متقن التأليف وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله .



- بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ) ).
بيان اختلاف العلماء على معنى الحديث والمقصود بالأحرف السبعة ورد القاضي أبو محمد :
1) القول :فذهب فريق من العلماء إلى أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي وقصدي واقرب وجئ وكاللغات التي في أف وكالحروف التي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة
الرد : وهذا قول ضعيف.
2) القول :قال ابن شهاب في كتاب مسلم: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
الرد :قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كلام محتمل.
3) القول : وقال فريق من العلماء: إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى، وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال.

الرد : وهذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا وأيضا.
الإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
4)القول :وذكر القاضي أبو بكر بن الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وائتمروا وانتهوا واعتبروا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه)).
الرد : قال القاضي أبو محمد فهذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ومنه قول تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] أي على وجه وطريقة هي ريب وشك فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.
4)القول : قال القاضي ابن الطيب: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق وغير السبعة التي هي قراءات ووسع فيها وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى.

الرد : وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.
5) القول : قال القاضي: وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه وإلا بطل معنى الحديث.

قالوا: وتعرف بعض الوجوه بمجيء الخبر به ولا نعرف بعضها إذا لم يأت به خبر.
قال: وقال قوم ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث.
6) القول : قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وقد زعم قوم أن معنى الحديث أنه نزل على سبع لغات مختلفات.
الرد : وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة وقراءتهم مختلفة وخرجوا بها إلى المناكرة..

المذهب الصحيح الذي قرره القاضي أبومحمد في معنى الأحرف السبعة :
المذهب الصحيح الذي قرره آخرا من قوله ونقول في الجملة إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات ، وهو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.

-ومال كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره إلى أن معنى الحديث المذكور أنه أنزل على سبع لغات، لسبع قبائل انبث فيه من كل لغة منها ،وهذا القول هو المتقرر من كلام القاضي رضي الله عنه.

بيان أوجه الإختلاف في القراءة :
وجوه الاختلاف في القراءة السبعة :
1) منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل: {هن أطهرُ} وأطهرَ.
2) ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل: {ربنا باعِد} وباعَد.
3) ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل (ننشرها) و{ننشزها}.
4) ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] و(كالصوف المنفوش)
5) ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] و(طلع منضود)
6) ومنها بالتقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] و(سكرة الحق بالموت).
7) ومنها بالزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى).
حكم القراءة بأوجه القراءات المختلفة :
قال القاضي فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها.
شرط صحة القراءة بأوجه القراءات المختلفة :
-قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والشرط الذي يصح به هذا القول هو أن تروى عن النبي عليه السلام
- القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات لاسيما فيما وافق خط المصحف .

مسألة ترتيب اللغات على السبع قبائل :
- فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات حسبما تقدم
- قال ثابت بن قاسم: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة وألفافها ومنها لقيس لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعي اللغات التي نزل بها القرآن.

سبب سلامة لغة جزيرة العرب من الدخيل :
ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم .


أمثلة على لغات القبائل السبع التي أنزل بها القرآن :
1) (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
2) قال ابن عباس ما كنت أدري معنى قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89]. حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي: أحاكمك.
3) قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قول تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي فقال عمر: الله أكبر {أو يأخذهم على تخوف} أي: على تنقص لهم.
4) وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة {والنخل باسقات} [ق: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر.

حكم القراءة بالأحرف السبعة :
فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة ،وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز ،وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.

الخلاصة : جائز على الوجه الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بما عارضه عليه جبريل عليه السلام .
السبب في إباحة القراءة بالحروف السبعة :
وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي عليه السلام ليوسع بها على أمته، فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا.

سبب جمع المصاحف على قراءة واحدة :
إن هذه الروايات الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترق الصحابة في البلدان وجاء الخلف وقرأ القرآن كثير من غير العرب وقع بين أهل الشام والعراق ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري وغيره دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال: فيماذا؟ قال: في كتاب الله إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى قال عثمان رضي الله عنه: أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات وقال لهم: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".
الخلاصة : سبب جمعهم على قراءة واحدة هو اختلافهم وتنازعهم ،كما رأى ذلك حذيفة رضي الله عنه وغيره من الصحابة وذكروا ذلك لعثمان رضي الله عنه ؛ خشية أن يختلف المسلمون على كتابهم اختلاف اليهود والنصارى .

حل هذا الخلاف والنزاع : جمعهم على لغة قريش ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في الحديث .


القراءات التي تركت وسبب ترك القرءاة بها :

-وترك ما خرج عنه مما كان كتب سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة الألفة وهي المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تحرق أو تخرق.
-فأما ابن مسعود فأبى أن يزال مصحفه فترك ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة ولأنه روي أنه كتب فيه أشياء على جهة التفسير فظنها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه .


بيان حكم الصلاة بالقراءات :
- مضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع.

وأما شاذ القراءات فلا يصلى به وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه.


- بيان الألفاظ المعربة في القرآن .
بيان إن كان في القرآن لفظة غير عربية :
اختلف الناس في هذه المسألة:
1) فقال أبو عبيدة وغيره: إن في كتاب الله تعالى من كل لغة.
2) وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة ،وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان ،فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد.
مثال :
- قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل.
- ومنه قول تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة.
- وكذلك قال ابن عباس في القسورة إنها الأسد بلغة الحبشة .
الصواب :
-قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والذي أقوله: إن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب ،فلا تفهمها إلا من لسان آخر فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها، فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش .
-فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها ،وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها ،حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن .
-وقال أيضا القاضي أبو محمد : فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية ،لكن استعملتها العرب وعربتها ،فهي عربية بهذا الوجه .


- بيان الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى .
القصد إلى إيجاز العبارة :
القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ووقف الله ذرية آدم على ربوبيته بقوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] ونحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.


حكمه :
- وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء واستعملها أبو المعالي في الإرشاد.
- وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه.
رأي القاضي أبو محمد :قال القاضي أبو محمد عبد الحق وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس.

أمثلة على استعملات العرب في أشياء ذكر لله تحمل على المجاز :
1) فمن ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فاغفر فداء لك ما اقتفينا).

2)وقول أم سلمة فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.
3)ومن ذلك قولهم الله يدري كذا وكذا، والدراية إنما هي التأتي للعلم بالشيء حتى يتيسر ذلك.

4)قال أبو علي واحتج بعض أهل النظر على جواز هذا الإطلاق بقول الشاعر الجوهري:



لا همَّ لا أدري وأنت الداري
قال أبو علي: وهذا لا ثبت فيه لأنه يجوز أن يكون من غلط الإعراب.
5) قال العجاج: فارتاح ربي وأراد رحمتي.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وكذلك أقول إن الطريقة كلها عربية لا يثبت للنظر المنخول شيء منها.
6)ومن هذا الاستعمال الذي يبنى الباب عليه قول سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار يقول هذا للرامي الذي رماه وقال: خذها وأنا ابن العرقة.


- بيان تفسير أسماء القرآن وذكر تفسير لفظة الآية والسورة.
أسماء القرآن وتفسيرها :
1) القرآن : فيه قولان :
1: معنى القراءة وهو مصدر من قرأ إذا تلا : قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة وحكى أبو زيد الأنصاريوقرءا
2:بمعنى التأليف والجمع: القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] أي تأليفه.
الراجح : والقول الأول أقوى إن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا.
2) الكتاب: فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
3) الفرقان أيضا فهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
4) الذكر فسمي به لأنه:
- ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم
-وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء
- وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

تفسير معنى السورة :
-وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون سؤر وسؤرة:
1) من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب
2) من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة وكل قطعة منها سورة وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو وجمع سورة البناء سور بسكونها
3) يقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد .

معنى آية :
معناه : الآية فهي العلامة في كلام العرب ومنه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: (بآية ما أكلت معكم حيسا).

سبب تسمية الجملة التامة من القرآن بالآية :
1) فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم .
2) وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآية أي بجماعتنا.
3) علامة فصل بين ما قبلها وبين ما بعدها .


=============================================

-- تم بحمد الله وتوفيقه .

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 23 جمادى الآخرة 1436هـ/12-04-2015م, 09:28 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

مقصد تفسير ابن جرير الطبري
المقصد العام :
بيان معاني القرآن وشرح تأويله .
بيان الأقوال واتفاق الحجة واختلافها والصواب منها .
المقاصد الفرعية :
القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.
القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب .
القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبارالتي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن.
القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه.
بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة .
=============
تلخيص مقدمة ابن جرير :

القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

فضل البيان :
- بيان مافي الضمائر والصدور .
- تذليل الألسن ، فسهل توحيد الله وتسبيحه وقديسه .
- سهولة التحاور والتعارف والتعامل .

فضل البيان على من فضلهم به عليه من ذى البكم والمستعجم اللسان:
-قال تعالى ذكره: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18]
-فضل أهل البيان على أهل البكم والمستعجم اللسان، بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.

فضل بيان القرآن عن سائر الكلام :
-أفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
-بيان ومنطق القرآن تحدى به امرؤ قوما في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيل الشعر والفصاحة، والسجع والكهانة، على كل خطيب منهم وبليغ وشاعر منهم وفصيح.
-دلالته على صدق مقالته، وحجته على حقيقة نبوته- ما أتاهم به من البيان، والحكمة والفرقان، بلسان مثل ألسنتهم، ومنطق موافقة معانيه معاني منطقهم.
-أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عجزة، ومن القدرة عليه نقصة. فأقر جميعهم بالعجز، وأذعنوا له بالتصديق، وشهدوا على أنفسهم بالنقص.

موافقة معاني القرآن مع معاني كلام العرب :
- قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4]. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي.
دليله : فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- فبين -إذ كان موجودا في كلام العرب الإيجاز والاختصار، والاجتزاء بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبر عن الخاص في المراد بالعام الظاهر، وعن العام في المراد بالخاص الظاهر، وعن الكناية والمراد منه المصرح، وعن الصفة والمراد الموصوف، وعن الموصوف والمراد الصفة، وتقديم ما هو في المعنى مؤخر، وتأخير ما هو في المعنى مقدم، والاكتفاء ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهار ما حظه الحذف- أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كل ذلك له نظيرا، وله مثلا وشبيها.



القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم

أدلة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن :
-عن أبي موسى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [ الحديد: 28]، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة.
-عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
-عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟

قال أبو جعفر: وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم" فقد حدثونا به.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
-عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
-عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.

بيان اتفاق كثير من الكلام بلسان الأجناس المختلفة مع لسان العرب :
- وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس، وغير ذلك.

خطأ قول أن في القرآن من كل لسان ومعناه :
معناه : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به.
بيان خطأ هذا القول :
غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.

بيان حال الأحرف العربية :
- بيان التسلسل في الرد على من زعم أن الأحرف العربية إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته:
1) مطالبته بالبرهان وتوضيح الفرق :
فيقال له :ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
2) فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها، طولب -مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله- بالذي قد تقدم في بياننا.
وقيل له: ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى العرب، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى؟ ثم يقال له: أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية: هي سهلية، ولم ينكر أن تكون جبلية، أو قال: هي جبلية، ولم يدفع أن تكون سهلية، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك؟

3)فإن قال: نعم! كابر عقله. وإن قال: لا قيل له: فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل: هي فارسية، وفي القسطاس: هي رومية- نظير ذلك؟ وسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.


القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب:
-الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم.

الدلالة على نزول القرآن بلسان العرب :
1) اختلاف ألسنة العرب وتباينها ، واختلاف المنطق والكلام .
2) إخبار الله لعباده أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين .
3) تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

الأدلة من السنة :
- عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه))
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منها)).



بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب :

معنى السبعة أحرف :
-والسبعة الأحرف: هو الألسن السبعة. والأبواب السبعة من الجنة: هي المعاني التي فيها، من الأمر والنهيوالترغيب والترهيب والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل، وانتهى إلى حدودهاالمنتهي، استوجب به الجنة.
-الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني.

-والدلالة على صحة ما قلناه - من أنمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزلبسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بنمسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم، غفور رحيم.
- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع)).
- عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام.

معنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب الجنة :
- خص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
دليله :- روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).

القراءة من حرف إلى سبعة أحرف :
-كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.

فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
من الأحاديث الواردة في ذلك :
-عن أبي بن كعب، قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت! قد أحسنت! قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: ((اللهم أذهب عن أُبيٍّ الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا- ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما اقرأ القرآن على حرف. وقال الآخر: زده. قال: فقلت: زدني. قال: اقرأه على حرفين. حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ على سبعة أحرف)).
- عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أني قرأت آية، فقرأها رجل غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الرجل: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى)). قال الرجل: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد. وقال ميكائيل: استزده، قال جبريل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال ميكائيل: استزده. حتى بلغ ستة أو سبعة))
- عن زر، عن أبي، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف. ولفظ الحديث لأبي أسامة

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الإختلاف على قراءة القرآن :
الصحابة تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك منالمعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثمصوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى اللهعليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن علىسبعة أحرف)).
الدليل على ذلك :
-قال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.

ابطال قول من اختلف على القراءة بأوجه أخرى :
1)لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني .
2)وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف.
3)أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم.

أوجه الاختلاف في الأحرف السبعة :
-اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام.

وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.
أدلة ذلك :
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال)).
-عن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.
- عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي: {وأقوم} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.
-عن مجاهد: أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف.
-عن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين.
- عن مغيرة، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.
-عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميع عليم، أو عزيز حكيم، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي ذلك كتبت فهو كذلك)). ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا وكل ذلك إلي، فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
- عن أبي إسحاق، عمن سمع ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله لأتيته.
-عن عبد الله بن مسعود، قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره.
معنى قول عبد الله بن مسعود:
إنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه - وحرفه: قراءته، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل: حرف فلان، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة: حرف، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر: كلمة فلان- فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه. ومن قرأ بحرف أبي، أو بحرف زيد، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة.

العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية:
1) أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
2) اختلاف الناس في القرآن بسبب اختلاف القراءة .
3) إشفاقا من عثمان رضي الله عنه عليهم، ورأفة منه بهم، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام، والدخول في الكفر بعد الإيمان.
الأحاديث الواردة في ذلك :
إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
-عن أبي قلابة، قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين - قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال-: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما". قال أبو قلابة، فحدثني مالك أبو أنس قال: كنت فيمن يملى عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها، حتى يجيء أو يرسل إليه. فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم".
-قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أنه اجتمع لغزوة أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان، فقال: "إن الناس قد اختلفوا في القرآن، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف". قال: ففزع لذلك فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق.
- عن الشعبي، عن صعصعة أن أبا بكر أول من ورث الكلالة وجمع المصحف.


القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن:
وجوه تأويل القرآن :
1) منها ما لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته :وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه.
حكم هذا الوجه من التأويل :
هذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
دليله :
-قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
-وقال أيضا له جل ذكره: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [النحل: 64].
- وقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7].
2) منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار: وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
دليله :
- أنزل ربنا محكم كتابه فقال: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187].
- وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: ((إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم)) وما أشبه ذلك من الأخبار.
3) منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم.
مثاله :
- كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا. فالذي يعلمه ذو اللسان -الذي بلسانه نزل القرآن- من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيئاتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
4) وجه لا يعذر أحد بجهالته :
-قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
- قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.


ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي:

حكم الـتأويل بالرأي المجرد :
-ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه.
دليله : عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).

سبب خطأ التأويل بالرأي المجرد وإن أصاب :
1) لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان.
2) القائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
3) قال أبو جعفر : لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب، فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

الأحاديث الواردة في النهى عن تأويل القرآن بالرأي المجرد :
- عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله عز وجل برأيي - أو: بما لا أعلم.


ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن :

الحث على تعلم القرآن مع العمل به :
- عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن،والعمل بهن.
- عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبيصلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها منالعمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

الحض على تفسير القرآن :
- عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.

بيان أهمية معرفة تأويل القرآن :
- في حث الله عز وجلعباده على الاعتبار بما في آي القرآن منالمواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيهصلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناعربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التيأمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه .
- محال أن يقال لمن لا يفهم مايقال له ولا يعقل تأويله: "اعتبر بما لافهم لك به ولا معرفة من القيل والبيانوالكلام"- إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبلذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه جاهل.


ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمهبه
المفسرون من الصحابة :
من أمثلتهم :
1) ابن مسعود رضي الله عنه :
- عن مسلم،عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلاوأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
- عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنافيها ويفسرها عامة النهار.
2) ابن عباس رضي الله عنه :
- عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعهاالتركوالروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
- عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها،فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- ذكر أبو بكر بن عياش: الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم؛ فخطبهم،فقرأ على المنبر سورة النور، والله لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم؟ فسكت.
- سمعت الأعمش، عن شقيق، قال: شهدت ابن عباس وولى الموسم، فقرأ سورة النور علىالمنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت !
- عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

من المفسرين من التابعين :
مجاهد
- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه،فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
- عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
- عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.

المفسرون ممن تلقوا من التابعين (من السلف) :
الضحاك .
- عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بنجبيربالري، فأخذ عنه التفسير.

من القدماء من كان تفسيره مذموما :
أبي صالح ، الكلبي ، السدي .
- حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
- حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميعالبصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إنالله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عندالكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
- عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
- عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسرتفسير القوم.
- عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.


بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبارالتي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن:
الأخبار التي غلط فيها من أنكر تفسير القرآن :
1) الأخبار الواردة عن موقف الصحابة من تفسير القرآن :
- عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيابعدد، علمهن إياه جبريل.
- عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيابعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
2) احجام التابعين وتعظيمهم في القول في التفسير :
- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول فيالتفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب،ونافع.
- عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لاأقول في القرآن شيئا.
- عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عنالقرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه- يعني عكرمة.
- عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها،ولكنها الرواية عنالله تعالى.
- عن صالح -يعني ابن مسلم- قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي
- عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول فيالقرآن شيئا.
- عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزلالقرآن.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية منالقرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.

الرد على الأخبار التي يستدل بها من أنكر تفسير المفسرين :
الرد على من تأول موقف الصحابة في تأويل القرآن :
أما الخبر الذي روي عن رسولالله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدركعلمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر اللهونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل فيظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عندالله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذلك هو الآي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسرها لأصحابه بتعليم جبريلإياه، وهن لا شكآي ذوات عدد.
1) ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن اللهجل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولانبيا مرسلا ولكنهميؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
2) وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى اللهعليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناسما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمرهالله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كانالرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عنجهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليهوسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته منتأويله إلا اليسير القليل منه
.
هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة منالعلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثاروفاسدها في الدين. لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمدالزبيري.
الرد على من تأول أخبار التابعين في تأويل القرآن :
وأما الأخبار التي ذكرناها عمنذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل منأحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبضنبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكماموجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيهحكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف اللهالعلماء من عباده فيه
.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماءالسلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه،لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.


بيان خلاصة فساد قول من أنكر تفسير المفسرين ( مالم يجحب تأويله ) :
1) الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله- كان معلوماأنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلا.
2)وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلاوهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم -بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قدمنا صفته آنفا- عارفون.
3) وإذ صح ذلك فسد قولمن أنكر تفسير المفسرين -من كتاب الله وتنزيله- ما لم يحجب عن خلقه تأويله.

ضوابط التفسير :
1) أوضحهم بيانا هو الإستعانة بتأويل الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار ثابته عنه :
- إما من جهة النقل المستفيض .
- وإما من جهة نقل عدول .
- وإما من جهة الدلالة المنصوبة على صحته .
2)أوضحهم حجة هو مما كان مدركا علمه من جهة اللسان:
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
3) أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابةوالأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.


القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه:
أسماء القرآن أربعة :
1) القرآن : اختلفوا في معناها :
1: يأتي مصدرا معنى القراءة من قرأ :
قالوا :الواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا منقول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر اللهلك"، و "الكفران" من "كفرتك"، "والفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
دليل هذا القول :
-عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به
.
ومعنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيناه بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك بالقراءة.
-عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] قال: أن نقرئك فلا تنسى {فإذاقرأناه} عليك {فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه
.
قال أبو جعفر: فقد صرح هذا الخبر عن ابن عباس: أن معنى "القرآن" عنده القراءة، وإنه مصدر من قول القائل: قرأت، على ما بيناه.
2)أو يأتي مصدرا بمعنى التأليف : على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، منقول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
دليل هذا القول :
-عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
الراجح والعلة في الترجيح :
الترجيح:قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباسوقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس
.
العلة :1-لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلىالله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
2-وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازماالنبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صحما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناهلك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناهفاتبع ما ألفناه

2) الفرقان : وأما تأويل اسمه الذي هو "فرقان"، فإن تفسير أهلالتفسير جاء في ذلك بألفاظ مختلفة، هي في المعاني مؤتلفة.
أصل معنى الفرقان وسبب تسمية القرآن بذلك :
-الفرق بين الشيئين والفصلبينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعانيالمفرقة بين المحق والمبطل.
السبب في هذه التسمية :
1: لفصله -بحججهوأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل.
2:وفرقانه بينهما: بنصرهالمحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.
الأقوال الواردة في معنى الفرقان :
- عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة
.
وكذلك كان السدي يتأوله.
- وكان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج
- وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يومالفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
الجمع بين الأقوال :
-وكل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلافألفاظها- متقاربات المعاني.
-فجميع ما روينا -عمنروينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
3
) الكتاب:
أصله :هو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا.
معناه: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة.
سبب تسيته بذلك :وسمي "كتابا"، وإنما هو مكتوب .
4) الذكر:
تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين:
1: ذكر من الله جل ذكره،ذكر به عباده،أنه فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
2: أنه ذكروشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.

أسماء سور القرآن :
-السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس،في قول سعيد بن جبير.
وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها علىسائر سور القرآن.
-وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيهمائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
-وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصولالتي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
-وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكانالمئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني.
الأقوال الواردة في سبب تسميتها بذلك :
1)وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنيةالله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
2)وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميتمثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
3) قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
4)وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنهاتثنى قراءتها في كل صلاة.

تسمية سورة لسور القرآن :
تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفةوغرف".
معنى السورة :
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه.
جمع كلمة سورة :
السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور .
فخرج تقدير جمعها على تقدير جمع برة وبسرة، لأنذلك يجمع برا وبسرا. وكذلك لم يسمع في جمع سورة من القرآن سور.
معنى السورة بالهمز :
همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.

معنى آي القرآن :
آي القرآن تحتمل وجهين :
1) أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه.
2) القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.


بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة :
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحةالكتاب، وهي السبع المثاني)).
أسماء سورة الفاتحة :
1)فاتحةالكتاب : وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتهاالمصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
2)أم القرآن : وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآنغيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحةالكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أومقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما .
3)السبع المثاني:وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات،لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
دليل ذلك : عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآنالعظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمدلله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. الشك من أبي جعفر.
========
تم بحمد الله وتوفيقه .




رد مع اقتباس
  #17  
قديم 23 جمادى الآخرة 1436هـ/12-04-2015م, 10:42 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تعديل المشاركة السابقة لتخليص مقدمة تفسير ابن جرير :


تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير الطبري
المقصد العام من الكتاب :
بيان معاني القرآن وشرح تأويله .
بيان الأقوال واتفاق الحجة واختلافها والصواب منها .

المقصد العام من المقدمة :
- الحض على تعلم التفسير وبيان فضله .
-بيان أمور ومعاني مهمة معينة في تأويل القرآن وتفسيره .

المقاصد الفرعية :
القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب .
القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن.
القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه.
بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة .
=============
تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير :

القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

فضل البيان :
- بيان مافي الضمائر والصدور .
- تذليل الألسن ، فسهل توحيد الله وتسبيحه وقديسه .
- سهولة التحاور والتعارف والتعامل .

فضل البيان على من فضلهم به عليه من ذى البكم والمستعجم اللسان:
-قال تعالى ذكره: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18]
-فضل أهل البيان على أهل البكم والمستعجم اللسان، بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.

فضل بيان القرآن عن سائر الكلام :
-أفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
-بيان ومنطق القرآن تحدى به امرؤ قوما في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيل الشعر والفصاحة، والسجع والكهانة، على كل خطيب منهم وبليغ وشاعر منهم وفصيح.
-دلالته على صدق مقالته، وحجته على حقيقة نبوته- ما أتاهم به من البيان، والحكمة والفرقان، بلسان مثل ألسنتهم، ومنطق موافقة معانيه معاني منطقهم.
-أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عجزة، ومن القدرة عليه نقصة. فأقر جميعهم بالعجز، وأذعنوا له بالتصديق، وشهدوا على أنفسهم بالنقص.

موافقة معاني القرآن مع معاني كلام العرب :
- قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4]. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي.
دليله : فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- فبين -إذ كان موجودا في كلام العرب الإيجاز والاختصار، والاجتزاء بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبر عن الخاص في المراد بالعام الظاهر، وعن العام في المراد بالخاص الظاهر، وعن الكناية والمراد منه المصرح، وعن الصفة والمراد الموصوف، وعن الموصوف والمراد الصفة، وتقديم ما هو في المعنى مؤخر، وتأخير ما هو في المعنى مقدم، والاكتفاء ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهار ما حظه الحذف- أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كل ذلك له نظيرا، وله مثلا وشبيها.



القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم

أدلة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن :
-عن أبي موسى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [ الحديد: 28]، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة.
-عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
-عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟

قال أبو جعفر: وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم" فقد حدثونا به.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
-عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
-عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.

بيان اتفاق كثير من الكلام بلسان الأجناس المختلفة مع لسان العرب :
- وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس، وغير ذلك.

خطأ قول أن في القرآن من كل لسان ومعناه :
معناه : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به.
بيان خطأ هذا القول :
غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.

بيان حال الأحرف العربية :
- بيان التسلسل في الرد على من زعم أن الأحرف العربية إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته:
1) مطالبته بالبرهان وتوضيح الفرق :
فيقال له :ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
2) فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها، طولب -مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله- بالذي قد تقدم في بياننا.
وقيل له: ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى العرب، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى؟ ثم يقال له: أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية: هي سهلية، ولم ينكر أن تكون جبلية، أو قال: هي جبلية، ولم يدفع أن تكون سهلية، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك؟

3)فإن قال: نعم! كابر عقله. وإن قال: لا قيل له: فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل: هي فارسية، وفي القسطاس: هي رومية- نظير ذلك؟ وسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.


القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب:
-الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم.

الدلالة على نزول القرآن بلسان العرب :
1) اختلاف ألسنة العرب وتباينها ، واختلاف المنطق والكلام .
2) إخبار الله لعباده أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين .
3) تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

الأدلة من السنة :
- عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه))
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منها)).



بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب :

معنى السبعة أحرف :
-والسبعة الأحرف: هو الألسن السبعة. والأبواب السبعة من الجنة: هي المعاني التي فيها، من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل، وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب به الجنة.
-الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني.

-والدلالة على صحة ما قلناه - من أنمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم، غفور رحيم.
- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع)).
- عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام.

معنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب الجنة :
- خص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
دليله :- روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).

القراءة من حرف إلى سبعة أحرف :
-كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.

فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
من الأحاديث الواردة في ذلك :
-عن أبي بن كعب، قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت! قد أحسنت! قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: ((اللهم أذهب عن أُبيٍّ الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا- ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما اقرأ القرآن على حرف. وقال الآخر: زده. قال: فقلت: زدني. قال: اقرأه على حرفين. حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ على سبعة أحرف)).
- عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أني قرأت آية، فقرأها رجل غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الرجل: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى)). قال الرجل: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد. وقال ميكائيل: استزده، قال جبريل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال ميكائيل: استزده. حتى بلغ ستة أو سبعة))
- عن زر، عن أبي، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف. ولفظ الحديث لأبي أسامة

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الإختلاف على قراءة القرآن :
الصحابة تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)).
الدليل على ذلك :
-قال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.

ابطال قول من اختلف على القراءة بأوجه أخرى :
1)لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني .
2)وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف.
3)أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم.

أوجه الاختلاف في الأحرف السبعة :
-اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام.

وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.
أدلة ذلك :
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال)).
-عن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.
- عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي: {وأقوم} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.
-عن مجاهد: أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف.
-عن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين.
- عن مغيرة، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.
-عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميع عليم، أو عزيز حكيم، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي ذلك كتبت فهو كذلك)). ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا وكل ذلك إلي، فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
- عن أبي إسحاق، عمن سمع ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله لأتيته.
-عن عبد الله بن مسعود، قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره.
معنى قول عبد الله بن مسعود:
إنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه - وحرفه: قراءته، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل: حرف فلان، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة: حرف، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر: كلمة فلان- فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه. ومن قرأ بحرف أبي، أو بحرف زيد، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة.

العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية:
1) أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
2) اختلاف الناس في القرآن بسبب اختلاف القراءة .
3) إشفاقا من عثمان رضي الله عنه عليهم، ورأفة منه بهم، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام، والدخول في الكفر بعد الإيمان.
الأحاديث الواردة في ذلك :
إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
-عن أبي قلابة، قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين - قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال-: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما". قال أبو قلابة، فحدثني مالك أبو أنس قال: كنت فيمن يملى عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها، حتى يجيء أو يرسل إليه. فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم".
-قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أنه اجتمع لغزوة أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان، فقال: "إن الناس قد اختلفوا في القرآن، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف". قال: ففزع لذلك فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق.
- عن الشعبي، عن صعصعة أن أبا بكر أول من ورث الكلالة وجمع المصحف.


القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن:
وجوه تأويل القرآن :
1) منها ما لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته :وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه.
حكم هذا الوجه من التأويل :
هذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
دليله :
-قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
-وقال أيضا له جل ذكره: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [النحل: 64].
- وقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7].
2) منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار: وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
دليله :
- أنزل ربنا محكم كتابه فقال: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187].
- وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: ((إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم)) وما أشبه ذلك من الأخبار.
3) منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم.
مثاله :
- كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا. فالذي يعلمه ذو اللسان -الذي بلسانه نزل القرآن- من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيئاتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
4) وجه لا يعذر أحد بجهالته :
-قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
- قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.


ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي:

حكم الـتأويل بالرأي المجرد :
-ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه.
دليله : عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).

سبب خطأ التأويل بالرأي المجرد وإن أصاب :
1) لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان.
2) القائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
3) قال أبو جعفر : لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب، فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

الأحاديث الواردة في النهى عن تأويل القرآن بالرأي المجرد :
- عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله عز وجل برأيي - أو: بما لا أعلم.


ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن :

الحث على تعلم القرآن مع العمل به :
- عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن،والعمل بهن.
- عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

الحض على تفسير القرآن :
- عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.

بيان أهمية معرفة تأويل القرآن :
- في حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناعربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التيأمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه .
- محال أن يقال لمن لا يفهم مايقال له ولا يعقل تأويله: "اعتبر بما لافهم لك به ولا معرفة من القيل والبيان والكلام"- إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه جاهل.


ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
المفسرون من الصحابة :
من أمثلتهم :
1) ابن مسعود رضي الله عنه :
- عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلاوأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
- عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
2) ابن عباس رضي الله عنه :
- عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
- عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- ذكر أبو بكر بن عياش: الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم؛ فخطبهم، فقرأ على المنبر سورة النور، والله لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم؟ فسكت.
- سمعت الأعمش، عن شقيق، قال: شهدت ابن عباس وولى الموسم، فقرأ سورة النور على المنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت !
- عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

من المفسرين من التابعين :
مجاهد
- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
- عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
- عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.

المفسرون ممن تلقوا من التابعين (من السلف) :
الضحاك .
- عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.

من القدماء من كان تفسيره مذموما :
أبي صالح ، الكلبي ، السدي .
- حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
- حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عندالكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
- عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
- عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم.
- عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.


بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن:
الأخبار التي غلط فيها من أنكر تفسير القرآن :
1) الأخبار الواردة عن موقف الصحابة من تفسير القرآن :
- عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل.
- عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
2) احجام التابعين وتعظيمهم في القول في التفسير :
- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب،ونافع.
- عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
- عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه- يعني عكرمة.
- عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى.
- عن صالح -يعني ابن مسلم- قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي.
- عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
- عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.

الرد على الأخبار التي يستدل بها من أنكر تفسير المفسرين :
الرد على من تأول موقف الصحابة في تأويل القرآن :
أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل فيظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذلك هو الآي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شكآي ذوات عدد.
1) ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
2) وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين لناسما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه
.
هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين. لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري.
الرد على من تأول أخبار التابعين في تأويل القرآن :
وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه
.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.


بيان خلاصة فساد قول من أنكر تفسير المفسرين ( مالم يحجب تأويله ) :
1) الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله- كان معلوما أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلا.
2)وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم -بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قدمنا صفته آنفا- عارفون.
3) وإذ صح ذلك فسد قول من أنكر تفسير المفسرين -من كتاب الله وتنزيله- ما لم يحجب عن خلقه تأويله.

ضوابط التفسير :
1) أوضحهم بيانا هو الإستعانة بتأويل الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار ثابته عنه :
- إما من جهة النقل المستفيض .
- وإما من جهة نقل عدول .
- وإما من جهة الدلالة المنصوبة على صحته .
2)أوضحهم حجة هو مما كان مدركا علمه من جهة اللسان:
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
3) أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.


القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه:
أسماء القرآن أربعة :
1) القرآن : اختلفوا في معناها :
1: يأتي مصدرا معنى القراءة من قرأ :
قالوا :الواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا منقول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر الله لك"، و "الكفران" من "كفرتك"، "والفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
دليل هذا القول :
-عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به
.
ومعنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيناه بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك بالقراءة.
-عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] قال: أن نقرئك فلا تنسى {فإذا قرأناه} عليك {فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه
.
قال أبو جعفر: فقد صرح هذا الخبر عن ابن عباس: أن معنى "القرآن" عنده القراءة، وإنه مصدر من قول القائل: قرأت، على ما بيناه.
2)أو يأتي مصدرا بمعنى التأليف : على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، منقول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
دليل هذا القول :
-عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
الراجح والعلة في الترجيح :
الترجيح:قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباسوقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس
.
العلة :1-لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
2-وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازم االنبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.

2) الفرقان : وأما تأويل اسمه الذي هو "فرقان"، فإن تفسير أهلا لتفسير جاء في ذلك بألفاظ مختلفة، هي في المعاني مؤتلفة.
أصل معنى الفرقان وسبب تسمية القرآن بذلك :
-الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل.
السبب في هذه التسمية :
1: لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل.
2:وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.
الأقوال الواردة في معنى الفرقان :
- عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة
.
وكذلك كان السدي يتأوله.
- وكان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج
- وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
الجمع بين الأقوال :
-وكل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني.
-فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
3
) الكتاب:
أصله :هو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا.
معناه: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة.

4) الذكر:
تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين:
1: ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده ،أنه فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
2: أنه ذكر و شرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.

أسماء سور القرآن :
-السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، في قول سعيد بن جبير.
وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن.
-وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
-وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
-وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني.
الأقوال الواردة في سبب تسميتها بذلك :
1)وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
2)وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميت مثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
3) قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
4)وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.

تسمية سورة لسور القرآن :
تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفة وغرف".
معنى السورة :
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه.
جمع كلمة سورة :
السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور .
فخرج تقدير جمعها على تقدير جمع برة وبسرة، لأن ذلك يجمع برا وبسرا. وكذلك لم يسمع في جمع سورة من القرآن سور.
معنى السورة بالهمز :
همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.

معنى آي القرآن :
آي القرآن تحتمل وجهين :
1) أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه.
2) القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.


بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة :
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
أسماء سورة الفاتحة :
1)فاتحة الكتاب : وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
2)أم القرآن : وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما .
3)السبع المثاني: وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
دليل ذلك : عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمدلله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. الشك من أبي جعفر.
========
تم بحمد الله وتوفيقه .





رد مع اقتباس
  #18  
قديم 15 شوال 1437هـ/20-07-2016م, 12:27 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا أبوداهوم مشاهدة المشاركة
تعديل المشاركة السابقة لتخليص مقدمة تفسير ابن جرير :


تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير الطبري
المقصد العام من الكتاب :
بيان معاني القرآن وشرح تأويله .
بيان الأقوال واتفاق الحجة واختلافها والصواب منها .

المقصد العام من المقدمة :
- الحض على تعلم التفسير وبيان فضله .
-بيان أمور ومعاني مهمة معينة في تأويل القرآن وتفسيره .

المقاصد الفرعية :
القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب .
القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن.
القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه.
بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة .
=============
تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير :

القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي، وفضل بيان القرآن على سائر الكلام.

فضل البيان :
- بيان مافي الضمائر والصدور .
- تذليل الألسن ، فسهل توحيد الله وتسبيحه وقديسه .
- سهولة التحاور والتعارف والتعامل .

فضل البيان على من فضلهم به عليه من ذى البكم والمستعجم اللسان:
-قال تعالى ذكره: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18]
-فضل أهل البيان على أهل البكم والمستعجم اللسان، بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.

فضل بيان القرآن عن سائر الكلام :
-أفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
-بيان ومنطق القرآن تحدى به امرؤ قوما في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيل الشعر والفصاحة، والسجع والكهانة، على كل خطيب منهم وبليغ وشاعر منهم وفصيح.
-دلالته على صدق مقالته، وحجته على حقيقة نبوته- ما أتاهم به من البيان، والحكمة والفرقان، بلسان مثل ألسنتهم، ومنطق موافقة معانيه معاني منطقهم.
-أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عجزة، ومن القدرة عليه نقصة. فأقر جميعهم بالعجز، وأذعنوا له بالتصديق، وشهدوا على أنفسهم بالنقص.

موافقة معاني القرآن مع معاني كلام العرب :
- قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4]. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي.
دليله : فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- فبين -إذ كان موجودا في كلام العرب الإيجاز والاختصار، والاجتزاء بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبر عن الخاص في المراد بالعام الظاهر، وعن العام في المراد بالخاص الظاهر، وعن الكناية والمراد منه المصرح، وعن الصفة والمراد الموصوف، وعن الموصوف والمراد الصفة، وتقديم ما هو في المعنى مؤخر، وتأخير ما هو في المعنى مقدم، والاكتفاء ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهار ما حظه الحذف- أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كل ذلك له نظيرا، وله مثلا وشبيها.



القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم

أدلة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن :
-عن أبي موسى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [ الحديد: 28]، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة.
-عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
-عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟

قال أبو جعفر: وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم" فقد حدثونا به.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
-عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
-عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.

بيان اتفاق كثير من الكلام بلسان الأجناس المختلفة مع لسان العرب :
- وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس، وغير ذلك.

خطأ قول أن في القرآن من كل لسان ومعناه :
معناه : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به.
بيان خطأ هذا القول :
غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.

بيان حال الأحرف العربية :
- بيان التسلسل في الرد على من زعم أن الأحرف العربية إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته:
1) مطالبته بالبرهان وتوضيح الفرق :
فيقال له :ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
2) فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها، طولب -مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله- بالذي قد تقدم في بياننا.
وقيل له: ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى العرب، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى؟ ثم يقال له: أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية: هي سهلية، ولم ينكر أن تكون جبلية، أو قال: هي جبلية، ولم يدفع أن تكون سهلية، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك؟

3)فإن قال: نعم! كابر عقله. وإن قال: لا قيل له: فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل: هي فارسية، وفي القسطاس: هي رومية- نظير ذلك؟ وسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.


القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب:
-الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم.

الدلالة على نزول القرآن بلسان العرب :
1) اختلاف ألسنة العرب وتباينها ، واختلاف المنطق والكلام .
2) إخبار الله لعباده أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين .
3) تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

الأدلة من السنة :
- عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه))
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منها)).



بيان نزول القرآن على سبعة أحرف ومعنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب :

معنى السبعة أحرف :
-والسبعة الأحرف: هو الألسن السبعة. والأبواب السبعة من الجنة: هي المعاني التي فيها، من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل، وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب به الجنة.
-الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني.

-والدلالة على صحة ما قلناه - من أنمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم، غفور رحيم.
- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع)).
- عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام.

معنى حديث نزول القرآن من سبعة أبواب الجنة :
- خص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
دليله :- روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).

القراءة من حرف إلى سبعة أحرف :
-كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.

فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
من الأحاديث الواردة في ذلك :
-عن أبي بن كعب، قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت! قد أحسنت! قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: ((اللهم أذهب عن أُبيٍّ الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا- ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما اقرأ القرآن على حرف. وقال الآخر: زده. قال: فقلت: زدني. قال: اقرأه على حرفين. حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ على سبعة أحرف)).
- عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أني قرأت آية، فقرأها رجل غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الرجل: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى)). قال الرجل: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: ((بلى، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد. وقال ميكائيل: استزده، قال جبريل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال ميكائيل: استزده. حتى بلغ ستة أو سبعة))
- عن زر، عن أبي، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: ((إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاسي والعجوز))، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف. ولفظ الحديث لأبي أسامة

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الإختلاف على قراءة القرآن :
الصحابة تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)).
الدليل على ذلك :
-قال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.

ابطال قول من اختلف على القراءة بأوجه أخرى :
1)لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني .
2)وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف.
3)أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم.

أوجه الاختلاف في الأحرف السبعة :
-اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام.

وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.
أدلة ذلك :
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال)).
-عن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.
- عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي: {وأقوم} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.
-عن مجاهد: أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف.
-عن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين.
- عن مغيرة، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.
-عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميع عليم، أو عزيز حكيم، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي ذلك كتبت فهو كذلك)). ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا وكل ذلك إلي، فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
- عن أبي إسحاق، عمن سمع ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله لأتيته.
-عن عبد الله بن مسعود، قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره.
معنى قول عبد الله بن مسعود:
إنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه - وحرفه: قراءته، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل: حرف فلان، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة: حرف، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر: كلمة فلان- فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه. ومن قرأ بحرف أبي، أو بحرف زيد، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة.

العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية:
1) أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
2) اختلاف الناس في القرآن بسبب اختلاف القراءة .
3) إشفاقا من عثمان رضي الله عنه عليهم، ورأفة منه بهم، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام، والدخول في الكفر بعد الإيمان.
الأحاديث الواردة في ذلك :
إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
-عن أبي قلابة، قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين - قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال-: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما". قال أبو قلابة، فحدثني مالك أبو أنس قال: كنت فيمن يملى عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها، حتى يجيء أو يرسل إليه. فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم".
-قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أنه اجتمع لغزوة أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان، فقال: "إن الناس قد اختلفوا في القرآن، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف". قال: ففزع لذلك فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق.
- عن الشعبي، عن صعصعة أن أبا بكر أول من ورث الكلالة وجمع المصحف.


القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن:
وجوه تأويل القرآن :
1) منها ما لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته :وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه.
حكم هذا الوجه من التأويل :
هذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
دليله :
-قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
-وقال أيضا له جل ذكره: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [النحل: 64].
- وقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7].
2) منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار: وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
دليله :
- أنزل ربنا محكم كتابه فقال: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187].
- وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: ((إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم)) وما أشبه ذلك من الأخبار.
3) منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم.
مثاله :
- كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا. فالذي يعلمه ذو اللسان -الذي بلسانه نزل القرآن- من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيئاتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
4) وجه لا يعذر أحد بجهالته :
-قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
- قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.


ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي:

حكم الـتأويل بالرأي المجرد :
-ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه.
دليله : عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).

سبب خطأ التأويل بالرأي المجرد وإن أصاب :
1) لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان.
2) القائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
3) قال أبو جعفر : لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب، فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

الأحاديث الواردة في النهى عن تأويل القرآن بالرأي المجرد :
- عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
- عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله عز وجل برأيي - أو: بما لا أعلم.


ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن :

الحث على تعلم القرآن مع العمل به :
- عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن،والعمل بهن.
- عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

الحض على تفسير القرآن :
- عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.

بيان أهمية معرفة تأويل القرآن :
- في حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناعربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التيأمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه .
- محال أن يقال لمن لا يفهم مايقال له ولا يعقل تأويله: "اعتبر بما لافهم لك به ولا معرفة من القيل والبيان والكلام"- إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه جاهل.


ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
المفسرون من الصحابة :
من أمثلتهم :
1) ابن مسعود رضي الله عنه :
- عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلاوأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
- عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
2) ابن عباس رضي الله عنه :
- عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
- عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- ذكر أبو بكر بن عياش: الأعمش، قال: قال أبو وائل: ولي ابن عباس الموسم؛ فخطبهم، فقرأ على المنبر سورة النور، والله لو سمعها الترك لأسلموا. فقيل له: حدثنا به عن عاصم؟ فسكت.
- سمعت الأعمش، عن شقيق، قال: شهدت ابن عباس وولى الموسم، فقرأ سورة النور على المنبر، وفسرها، لو سمعت الروم لأسلمت !
- عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

من المفسرين من التابعين :
مجاهد
- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
- عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
- عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.

المفسرون ممن تلقوا من التابعين (من السلف) :
الضحاك .
- عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.

من القدماء من كان تفسيره مذموما :
أبي صالح ، الكلبي ، السدي .
- حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
- حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عندالكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
- عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
- عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم.
- عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.


بيان مسألة صحة تأويل القرآن وذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن:
الأخبار التي غلط فيها من أنكر تفسير القرآن :
1) الأخبار الواردة عن موقف الصحابة من تفسير القرآن :
- عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل.
- عن عائشة، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
2) احجام التابعين وتعظيمهم في القول في التفسير :
- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب،ونافع.
- عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
- عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه- يعني عكرمة.
- عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى.
- عن صالح -يعني ابن مسلم- قال: حدثني رجل، عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي.
- عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
- عن ابن المسيب: أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.
- عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
- عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
- عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
- حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.

الرد على الأخبار التي يستدل بها من أنكر تفسير المفسرين :
الرد على من تأول موقف الصحابة في تأويل القرآن :
أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل فيظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذلك هو الآي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شكآي ذوات عدد.
1) ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
2) وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين لناسما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه
.
هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين. لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري.
الرد على من تأول أخبار التابعين في تأويل القرآن :
وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه
.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.


بيان خلاصة فساد قول من أنكر تفسير المفسرين ( مالم يحجب تأويله ) :
1) الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله- كان معلوما أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آيه جاهلا.
2)وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم -بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قدمنا صفته آنفا- عارفون.
3) وإذ صح ذلك فسد قول من أنكر تفسير المفسرين -من كتاب الله وتنزيله- ما لم يحجب عن خلقه تأويله.

ضوابط التفسير :
1) أوضحهم بيانا هو الإستعانة بتأويل الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار ثابته عنه :
- إما من جهة النقل المستفيض .
- وإما من جهة نقل عدول .
- وإما من جهة الدلالة المنصوبة على صحته .
2)أوضحهم حجة هو مما كان مدركا علمه من جهة اللسان:
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
3) أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.


القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه:
أسماء القرآن أربعة :
1) القرآن : اختلفوا في معناها :
1: يأتي مصدرا معنى القراءة من قرأ :
قالوا :الواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا منقول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر الله لك"، و "الكفران" من "كفرتك"، "والفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
دليل هذا القول :
-عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به
.
ومعنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيناه بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك بالقراءة.
-عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] قال: أن نقرئك فلا تنسى {فإذا قرأناه} عليك {فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه
.
قال أبو جعفر: فقد صرح هذا الخبر عن ابن عباس: أن معنى "القرآن" عنده القراءة، وإنه مصدر من قول القائل: قرأت، على ما بيناه.
2)أو يأتي مصدرا بمعنى التأليف : على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، منقول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
دليل هذا القول :
-عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
الراجح والعلة في الترجيح :
الترجيح:قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباسوقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس
.
العلة :1-لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
2-وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازم االنبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.

2) الفرقان : وأما تأويل اسمه الذي هو "فرقان"، فإن تفسير أهلا لتفسير جاء في ذلك بألفاظ مختلفة، هي في المعاني مؤتلفة.
أصل معنى الفرقان وسبب تسمية القرآن بذلك :
-الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل.
السبب في هذه التسمية :
1: لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل.
2:وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.
الأقوال الواردة في معنى الفرقان :
- عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة
.
وكذلك كان السدي يتأوله.
- وكان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج
- وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
الجمع بين الأقوال :
-وكل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني.
-فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
3
) الكتاب:
أصله :هو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا.
معناه: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة.

4) الذكر:
تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين:
1: ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده ،أنه فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
2: أنه ذكر و شرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.

أسماء سور القرآن :
-السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، في قول سعيد بن جبير.
وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن.
-وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
-وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
-وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني.
الأقوال الواردة في سبب تسميتها بذلك :
1)وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
2)وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميت مثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
3) قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
4)وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.

تسمية سورة لسور القرآن :
تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفة وغرف".
معنى السورة :
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه.
جمع كلمة سورة :
السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور .
فخرج تقدير جمعها على تقدير جمع برة وبسرة، لأن ذلك يجمع برا وبسرا. وكذلك لم يسمع في جمع سورة من القرآن سور.
معنى السورة بالهمز :
همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.

معنى آي القرآن :
آي القرآن تحتمل وجهين :
1) أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه.
2) القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.


بيان تأويل أسماء سورة الفاتحة :
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
أسماء سورة الفاتحة :
1)فاتحة الكتاب : وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
2)أم القرآن : وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما .
3)السبع المثاني: وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
دليل ذلك : عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمدلله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. الشك من أبي جعفر.
========
تم بحمد الله وتوفيقه .
أحسنتِ وتميزتِ أختي الفاضلة.
الملحوظات :
1: لاحظتُ اعتمادكِ على عناوين الأبواب كعناوين للمقاصد الفرعية للمقدمة ، وهذا قد يفوّت عليكِ فائدة تلخيص المقاصد وأهم ما يتميز به ، إذ يُركز هذا النوع من التلخيص على مقاصد الكتاب بغض النظر عن ترتيب المؤلف لمسائله ، وتدرب الطالب على تحديد المقاصد يزيد من قوة فهمه واستنباطه.
ولعلكِ في التلخيص أعدتِ ترتيب المسائل ووددتُ لو ظهر ذلك المجهود في صياغتكِ لقائمة المقاصد الفرعية إذ تعتبر واجهة تلخيصكِ.

2: حاولي تحرير المسائل العلمية بعبارات وجيزة تبين مقصد المؤلف من ذكر هذه المسألة دون تطويل.
ومن ذلك المسائل الخلافية ، لو اتبعتِ الطريقة التي تعلمتموها في تحرير المسائل الخلافية وصغتِ الأقوال بأسلوبكِ لخرجت المسألة في سطور قليلة ومع ذلك توفينها حقًا ، مثلا :
مسألة : "هل في القرآن ألفاظ أعجمية ؟ " ، كان من الممكن اختصارها في عبارات وجيزة بأسلوبك ، وقد وردت فيها ثلاثة أقوال ضعف ابن جرير قولين ورجح الثالث ؛ فنحرر المسألة على الطريقة المعروفة :
ورد في المسألة ثلاثة أقوال :
الأول : ... واستدلوا بـ
الثاني : .... واستدلوا بـ ...
الثالث : .... واستدلوا بـ ...
ورجح بن جرير القول ... واستدل بــ ... ورد على أصحاب القول كذا بـ .... وأصحاب القول بكذا بـ ...

3: أحسنتِ تلخيص معظم الأحاديث الواردة في تلخيصكِ ، ولتمام الفائدة نذكر من رواها من الأئمة واغلب الأحاديث في تفسير ابن جرير هي من روايته فلعلكِ لاحظتِ أنه كثيرًا ما يقول : حدثني فلان عن فلان ، فحبذا لو ختمتِ الحديث ببيان من رواه مثلا : رواهُ بن جرير في مقدمة تفسيره.


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 15 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 13 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15/ 15
___________________
= 93 %
زادكِ الله علمًا وهدىً ، ووفقكِ وسددكِ.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 16 شوال 1437هـ/21-07-2016م, 02:18 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا أبوداهوم مشاهدة المشاركة
الغاء التلخيص السابق لمقدمة ابن عطية .
تعديل لتلخيص مقدمة تفسير ابن عطية :

تلخيص مقدمة تفسير ابن عطية

المقصد العام من المقدمة :
-بيان فضل القرآن وإعجازه وفضل علم التفسير .
- إعطاء نبذة عن مراحل جمع القرآن وترتيبه والقراءة بالأحرف السبعة .

المقصد العام من الكتاب :
الجمع والإيجاز والتحرير في علم التفسير وترتيب المعاني .

المقاصد الفرعية :
- بيان سبب اختياره لعلم التفسير ومنهجه في الكتاب .
- بيان ما ورد في فضل القرآن وصورة الاعتصام به وفضل تفسيره والنظر في دقائق معانيه .
-- بيان ما قاله العلماء في إعجاز القرآن .
- بيان مسألة جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره .
- بيان مسألة إعراب القرآن .
- بيان ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين .
- بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ) ).
- بيان الألفاظ المعربة في القرآن .
- بيان الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى .
- بيان تفسير أسماء القرآن وذكر تفسير لفظة الآية والسورة.
============================
- بيان سبب اختياره لعلم التفسير ومنهجه في الكتاب .
سبب اختياره لعلم التفسير:
1) أراد المؤلف الاعتماد على علم من علوم الشريعة يضبط أصوله ويحكم فصوله ويلخص ما هو منه أو يؤول إليه ؛ليفيد به أهل العلم فيستندون فيه على أقواله ، ويكون لهم فيه كالحصن المشيد والذخر العتيد .
2) لشرف هذا العلم .
قال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5].
قال المفسرون أي علم معانيه والعمل بها ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيدوا العلم بالكتاب ((.

3) لأنه هو العلم الذي جعل للشرع قواما، واستعمل سائر المعارف خداما منه .
4) أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى ،وتخليصا للنيات ،ونهيا عن الباطل، وحضا على الصالحات.

منهج ابن عطية في الكتاب :
1) الجمع والإيجاز والتحرير في علم التفسير وترتيب المعاني .
2) عدم ذكر القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به .
3)إثبات أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم معتمدا على أقوال السلف الصالح ،والتي تتميز بسلامة مقاصد العربية وسلامة المعتقد .
4)فمتى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين ،نبه عليه وسرد التفسير في هذا التعليق بحسب رتبة ألفاظ الآية من حكم أو نحو أو لغة أو معنى أو قراءة.
5)قصد تتبع الألفاظ ، تجنبا لما وقع فيه كثير من كتب المفسرين .
6) تصنيف التفسير .
7) إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها .
8) تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ مع الإيجاز وحذف فضول القول.

- بيان ما ورد في فضل القرآن وصورة الاعتصام به وفضل تفسيره والنظر في دقائق معانيه .
فضائل القرآن الكريم في نفسه وعلى من قرأه :
1) منجاة من الفتن :
والسبب :
- - لأن فيه نبأ الأولين والآخرين :
- من حكم به عدل، وهو حكم فصل بين الناس ، من تركه تجبرا قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله .
- حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المسقيم .
- لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء .
دليله :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ،ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ،وهو حبل الله المتين ،ونوره المبين ،والذكر الحكيم، والصراط المستقيم ،هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء ،ولا يشبع منه العلماء ،ولا يمله الأتقياء ،من علم علمه سبق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
2)من قرأ منه لم يمل لأنه حجة الدهر .
الدليل : قيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل؟ فقال: لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني، كما هو حجة على أهل الدهر الأول ،فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا ،ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه ،تلقى منه في كل مرة علوما غضة وليس هذا كله في الشعر والخطب.
3 ) من قرأ من قصصه اعتبر ، فقصصه أحسن القصص .
دليله على أن من قرأه اعتبر :- قيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار
والدليل على أنه أحسن القصص : قال ابن مسعود: مل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} الآية [الزمر: 23] ثم ملوا ملة أخرى فقالوا قص علينا يا رسول الله فأنزل الله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [يوسف: 3]
3) في تلاوته أجر ، فالحرف منه عشر حسنات .
دليله :
قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف.
5)الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له فله أجران ، ومن قرأه وهو عليه خفيف فهو من السفرة الكرام البررة .
الدليل على ذلك : قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).
6) عظم منزلة قارئ القرآن .
الدليل : وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله )).
7) يشفع لصاحبه يوم القيامة .
الدليل : قال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).
8) أفضل عبادة .
الدليل : قال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
9) درجة النبوة لقارئ القرآن واقتسم ميراث النبوة .
الدليل : - قال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.
- مر أعرابي على عبد الله بن مسعود وعنده قوم يقرؤون القرآن فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال له ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم
10) من قرأه بمائة آية منه كتب من القانتين ومن قرأ بمائتي آية منه لم يكتب من الغافلين .
الدليل : حدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن )).
11) أشرف الأمة حامل القرآن .
الدليل : وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32].
12) قراءة القرآن أفضل من الصوم .
الدليل : قيل لعبد الله بن مسعود: إنك لتقل الصوم فقال إنه يشغلني عن قراءة القرآن وقراءة القرآن أحب إلي منه.
13) أدب الله القرآن .
والدليل : وقال عبد الله بن مسعود إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه وإن أدب الله القرآن .
14)القرآن من فضل الله ورحمته .
الدليل على ذلك : قال محمد بن كعب القرظي في قول تعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] قال: هو القرآن ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض العلماء في تفسير قول تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته} [يونس: 58] قال: الإسلام والقرآن.
15)قراءة القرآن سبب للغفران .
الدليل على ذلك : وذكر أبو عمرو الداني عن علي الأثرم قال: كنت أتكلم في الكسائي وأقع فيه فرأيته في النوم وعليه ثياب بيض ووجهه كالقمر فقلت يا أبا الحسن ما فعل الله بك فقال غفر لي بالقرآن.
16) هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .
الدليل على ذلك : قال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)).


فضائل تفسير القرآن :
منزلة العالم بتفسير القرآن :

- من يعرف تفسير القرآن قد أوتي الحكمة والخير الكثير :
وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
- من يعرف التفسير يوصف بالعلم :
-ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
- وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
- أحب الخلق إلى الله :
قال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.

صور الاعتصام بالقرآن :
1- العمل بمحكمه والإيمان بمتشابه ، وإحلال حلاله وتحريم حرامه .
دليله :
وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ،إنه لن تعمى أبصاركم ،ولن تضل قلوبكم ،ولن تزل أقدامكم ،ولن تقصر أيديكم ،كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم ،فاعملوا بمحكمه ،وآمنوا بمتشابهه، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه ))..
2- التمسك به .
دليله :
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.

آداب قراءة القرآن الكريم :
1) الحث على تعلم القرآن وتدبره والعمل به .
الأدلة الورادة :
-مرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال طوبى لبطن حملك ولثديين رضعت منهما، فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.
-قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ،ويخزن الفعل ،ويرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله ،قيل له: فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :ما أخذتموه عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه ،وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.
-وقال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم فقال أقرئهم السلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة.
-قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
-روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
-قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 23، 40].

وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
-وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
-وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.
2)ذم التعجل وإقامة حروفه مع تضيع المعاني والحدود .
-الدليل : قال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
3)الحث على قراءة القرآن بخشوع .
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى )).
4)الحث على القراءة بصوت ونزول الملائكة لذلك .
-قال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم: ((فلعله قرأ سورة البقرة)) فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم قرأت سورة البقرة
.
وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير في تنزل الملائكة في
الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة.

بيان ما قاله العلماء في إعجاز القرآن .
بيان بم كان إعجاز القرآن :
اختلف الناس في إعجاز القرآن بم هو؟
1) فقال قوم: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها

2)وقال قوم: إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.

بيان أن القرآن حجة على العرب :
قامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء وفي معجزة موسى بالسحرة .

كيف نبطل قول من يقول أن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل هذا القرآن ؟
1) ترتيب اللفظة من القرآن يدل على أن نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
2)كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
3)لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم به وقال: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] قال: كل فصيح في نفسه وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله فلما تأمله وتدبره ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال: والله ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا بالجنون وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا يقدر بشر .

- بيان مسألة جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره .
مراحل جمع القرآن :
1)كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال، وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.
2) فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة ،أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود، فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت ،فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
3) وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت وحكى الطبري أنه إنما سقطت له في الجمع الأخير والأول أصح وهو الذي حكى البخاري إلا أنه قال فيه مع أبي خزيمة الأنصاري وقال إن في الجمع الثاني فقد زيد آية من سورة الأحزاب: {من المؤمنين رجال} [الأحزاب: 33] فوجدها مع خزيمة بن ثابت
4) بقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان، وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة ،كابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ،ومصحف أبي وغير ذلك.
5) لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية ،حسبما قد ذكرناه انتدب عثمان لجمع المصحف ،وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.

طريقة عثمان رضي الله عنه في جمع المصحف :
- إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير ،وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش .
-وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ،ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق .

كيفية ترتيب السور في المصحف :
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد، ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه.
-ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة براءة ،وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ،ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا أحد ما قيل في براءة .
- وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام ،وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب .

تشكيل المصحف وتنقيطه وتحزيبه ووضع الأعشار :.
من أمر بتشكيل المصحف وبتنقيط :
1) فروي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله ،فتجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه، وألف إثر ذلك بواسط كتاب في القراءات.2
2)أسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
3)ذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
4)وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له: نصر الحروف.
من أمر بوضع الأعشار :
1)قيل أن المأمون العباسي أمر بذلك .
2) وقيل إن الحجاج فعل ذلك .
تحزيب المصحف :
الحجاج زاد على تشكيل المصحف تحزيبه ،وأمر وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك .


- بيان مسألة إعراب القرآن :
ما ورد في فضل إعراب القرآن
:
- روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
- وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).

أهميته :
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.


- بيان ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين .
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر كل آيات القرآن :
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.


أنواع جملة مغيبات القرآن : :
1)ما لم يعلمه إلا الله ، كوقت قيام الساعة ونحوه .
2)ومنها ما يستقرأ من ألفاظه ،كعدد النفخات في الصور و،كرتبة خلق السموات والأرض.
موقفنا من مغيبات القرآن وتفسير مجمل القرآن مما لا سبيل إليه :
التوقف ، كما ذكر ذلك القاضي أبو محمد .


بيان حكم تفسير القرآن بالرأي المجرد والجرأة على ذلك :
- ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).
المقصود بالتفسير بالرأي المذموم :

-قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله ،فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء ،أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول .

التفسير بالرأي المحمود :
أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر .

بيان موقف السلف من تفسير القرآن :
1-كان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن، ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم ،مع إدراكهم وتقدمهم.
-وأما السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه ،وعلى أبي صالح ؛لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ،ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف ،وألف الناس فيه كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.
2- وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه ،وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.

مراتب المفسرين :
المفسرين من الصحابة :
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر .

المفسرون البارزون من التابعين :
-ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة.

-قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
-ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم ،وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.

مثال على المفسرين البارزين من المتأخرين :
- محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير، وقرب البعيد ،وشفى في الإسناد.
- أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي ، فإن كلامهما منخول .
- وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو العباس المهدوي رحمه الله ،متقن التأليف وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله .



- بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ) ).
بيان اختلاف العلماء على معنى الحديث والمقصود بالأحرف السبعة ورد القاضي أبو محمد :
1) القول :فذهب فريق من العلماء إلى أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي وقصدي واقرب وجئ وكاللغات التي في أف وكالحروف التي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة
الرد : وهذا قول ضعيف.
2) القول :قال ابن شهاب في كتاب مسلم: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
الرد :قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كلام محتمل.
3) القول : وقال فريق من العلماء: إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى، وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال.

الرد : وهذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا وأيضا.
الإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
4)القول :وذكر القاضي أبو بكر بن الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وائتمروا وانتهوا واعتبروا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه)).
الرد : قال القاضي أبو محمد فهذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ومنه قول تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] أي على وجه وطريقة هي ريب وشك فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.
4)القول : قال القاضي ابن الطيب: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق وغير السبعة التي هي قراءات ووسع فيها وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى.

الرد : وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.
5) القول : قال القاضي: وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه وإلا بطل معنى الحديث.

قالوا: وتعرف بعض الوجوه بمجيء الخبر به ولا نعرف بعضها إذا لم يأت به خبر.
قال: وقال قوم ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث.
6) القول : قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وقد زعم قوم أن معنى الحديث أنه نزل على سبع لغات مختلفات.
الرد : وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة وقراءتهم مختلفة وخرجوا بها إلى المناكرة..

المذهب الصحيح الذي قرره القاضي أبومحمد في معنى الأحرف السبعة :
المذهب الصحيح الذي قرره آخرا من قوله ونقول في الجملة إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات ، وهو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.

-ومال كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره إلى أن معنى الحديث المذكور أنه أنزل على سبع لغات، لسبع قبائل انبث فيه من كل لغة منها ،وهذا القول هو المتقرر من كلام القاضي رضي الله عنه.

بيان أوجه الإختلاف في القراءة :
وجوه الاختلاف في القراءة السبعة :
1) منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل: {هن أطهرُ} وأطهرَ.
2) ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل: {ربنا باعِد} وباعَد.
3) ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل (ننشرها) و{ننشزها}.
4) ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] و(كالصوف المنفوش)
5) ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] و(طلع منضود)
6) ومنها بالتقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] و(سكرة الحق بالموت).
7) ومنها بالزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى).
حكم القراءة بأوجه القراءات المختلفة :
قال القاضي فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها.
شرط صحة القراءة بأوجه القراءات المختلفة :
-قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والشرط الذي يصح به هذا القول هو أن تروى عن النبي عليه السلام
- القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات لاسيما فيما وافق خط المصحف .

مسألة ترتيب اللغات على السبع قبائل :
- فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات حسبما تقدم
- قال ثابت بن قاسم: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة وألفافها ومنها لقيس لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعي اللغات التي نزل بها القرآن.

سبب سلامة لغة جزيرة العرب من الدخيل :
ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم .


أمثلة على لغات القبائل السبع التي أنزل بها القرآن :
1) (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
2) قال ابن عباس ما كنت أدري معنى قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89]. حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي: أحاكمك.
3) قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قول تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي فقال عمر: الله أكبر {أو يأخذهم على تخوف} أي: على تنقص لهم.
4) وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة {والنخل باسقات} [ق: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر.

حكم القراءة بالأحرف السبعة :
فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة ،وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز ،وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.

الخلاصة : جائز على الوجه الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بما عارضه عليه جبريل عليه السلام .
السبب في إباحة القراءة بالحروف السبعة :
وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي عليه السلام ليوسع بها على أمته، فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا.

سبب جمع المصاحف على قراءة واحدة :
إن هذه الروايات الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترق الصحابة في البلدان وجاء الخلف وقرأ القرآن كثير من غير العرب وقع بين أهل الشام والعراق ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري وغيره دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال: فيماذا؟ قال: في كتاب الله إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى قال عثمان رضي الله عنه: أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات وقال لهم: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".
الخلاصة : سبب جمعهم على قراءة واحدة هو اختلافهم وتنازعهم ،كما رأى ذلك حذيفة رضي الله عنه وغيره من الصحابة وذكروا ذلك لعثمان رضي الله عنه ؛ خشية أن يختلف المسلمون على كتابهم اختلاف اليهود والنصارى .

حل هذا الخلاف والنزاع : جمعهم على لغة قريش ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في الحديث .


القراءات التي تركت وسبب ترك القرءاة بها :

-وترك ما خرج عنه مما كان كتب سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة الألفة وهي المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تحرق أو تخرق.
-فأما ابن مسعود فأبى أن يزال مصحفه فترك ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة ولأنه روي أنه كتب فيه أشياء على جهة التفسير فظنها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه .


بيان حكم الصلاة بالقراءات :
- مضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع.

وأما شاذ القراءات فلا يصلى به وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه.


- بيان الألفاظ المعربة في القرآن .
بيان إن كان في القرآن لفظة غير عربية :
اختلف الناس في هذه المسألة:
1) فقال أبو عبيدة وغيره: إن في كتاب الله تعالى من كل لغة.
2) وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة ،وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان ،فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد.
مثال :
- قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل.
- ومنه قول تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة.
- وكذلك قال ابن عباس في القسورة إنها الأسد بلغة الحبشة .
الصواب :
-قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والذي أقوله: إن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب ،فلا تفهمها إلا من لسان آخر فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها، فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش .
-فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها ،وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها ،حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن .
-وقال أيضا القاضي أبو محمد : فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية ،لكن استعملتها العرب وعربتها ،فهي عربية بهذا الوجه .


- بيان الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى .
القصد إلى إيجاز العبارة :
القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ووقف الله ذرية آدم على ربوبيته بقوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] ونحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.


حكمه :
- وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء واستعملها أبو المعالي في الإرشاد.
- وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه.
رأي القاضي أبو محمد :قال القاضي أبو محمد عبد الحق وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس.

أمثلة على استعملات العرب في أشياء ذكر لله تحمل على المجاز :
1) فمن ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فاغفر فداء لك ما اقتفينا).

2)وقول أم سلمة فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.
3)ومن ذلك قولهم الله يدري كذا وكذا، والدراية إنما هي التأتي للعلم بالشيء حتى يتيسر ذلك.

4)قال أبو علي واحتج بعض أهل النظر على جواز هذا الإطلاق بقول الشاعر الجوهري:



لا همَّ لا أدري وأنت الداري
قال أبو علي: وهذا لا ثبت فيه لأنه يجوز أن يكون من غلط الإعراب.
5) قال العجاج: فارتاح ربي وأراد رحمتي.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وكذلك أقول إن الطريقة كلها عربية لا يثبت للنظر المنخول شيء منها.
6)ومن هذا الاستعمال الذي يبنى الباب عليه قول سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار يقول هذا للرامي الذي رماه وقال: خذها وأنا ابن العرقة.


- بيان تفسير أسماء القرآن وذكر تفسير لفظة الآية والسورة.
أسماء القرآن وتفسيرها :
1) القرآن : فيه قولان :
1: معنى القراءة وهو مصدر من قرأ إذا تلا : قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة وحكى أبو زيد الأنصاريوقرءا
2:بمعنى التأليف والجمع: القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] أي تأليفه.
الراجح : والقول الأول أقوى إن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا.
2) الكتاب: فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
3) الفرقان أيضا فهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
4) الذكر فسمي به لأنه:
- ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم
-وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء
- وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

تفسير معنى السورة :
-وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون سؤر وسؤرة:
1) من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب
2) من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة وكل قطعة منها سورة وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو وجمع سورة البناء سور بسكونها
3) يقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد .

معنى آية :
معناه : الآية فهي العلامة في كلام العرب ومنه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: (بآية ما أكلت معكم حيسا).

سبب تسمية الجملة التامة من القرآن بالآية :
1) فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم .
2) وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآية أي بجماعتنا.
3) علامة فصل بين ما قبلها وبين ما بعدها .


=============================================

-- تم بحمد الله وتوفيقه .

بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أحسنتِ التلخيص جدًا وإليكِ بعض الملحوظات اليسيرة :
1: ما وضعتِه تحت عنوان " المقصد العام للكتاب " يصلح أن يكون تحت مقصد فرعي بعنوان : " منهج ابن عطية في تفسيره " ، وقد أحسنتِ فعل ذلك ، ولا حاجة لبيان المقصد العام لتفسير ابن عطية لأننا بصدد تلخيص مقاصد المقدمة لا الكتاب.
2: " بيان أن القرآن حجة على العرب " ، ما وضعته تحت هذه المسألة هو ما رجحه ابن عطية على أن إعجاز القرآن وقع به.
3: ما استطعتِ ، حاولي ترتيب الأدلة تحت كل مسألة ؛ فنبدأ بكتاب الله ، ثم الأصح من الأحاديث والآثار فالأصح.

تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 18 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 20 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 14 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15/ 15
___________________
= 97 %
زادكِ الله علمًا وهدىً ، ووفقكِ وسددكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir