دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 8 ربيع الثاني 1436هـ/28-01-2015م, 09:23 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

- لله الحمد من قبل ومن بعد - المستوى الثاني

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 8 ربيع الثاني 1436هـ/28-01-2015م, 11:16 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تلخيص : تفسير سورة الملك [ من الآية (1) إلى الآية (5) ]

المسائل التفسيرية :

قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) )
معنى كلمة " تبارك " ( ك س ش )
المقصود من كلمة " الملك " ( ك س ش )
دلالة قوله تعالى " الذي بيده الملك " ( ك س ش )
دلالة قوله تعالى " وهو على كل شىء قدير " ( ك س ش )


قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)

المقصود من " الموت " ( ك س ش )
المقصود من " الحياة " ( ك س ش )
مقصد الله تبارك وتعالى من الخلق ( ك س ش )
المقصد الأصلي من الابتلاء ( ش ك )
معنى اسم الله تعالى " العزيز " ( ك س ش )
معنى اسم الله تعالى " الغفور " ( ك س ش )


قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
معنى كلمة " طباقا " ( ك س ش )
معنى كلمة " تفاوت " ( ك س ش )
معنى كلمة " فطور " ( ك س ش )
معنى كلمة " كرتين " ( ك س ش )
معنى كلمة " خاسئا " ( ك س ش )
معنى كلمة " حسير " ( ك س ش )
المقصد من الآيات ( ك س ش )


قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) )

معنى كلمة " زينا " ( ك س ش )
المقصود من " السماء الدنيا " ( ك س ش )
المقصود من " المصابيح " ( ك س ش )
مرجع الضمير في قوله تعالى { وجعلناها } ( ك )
الحكمة من خلق النجوم ( ك س ش )
الجزاء الذي أعده الله تعالى للشياطين ( ك س ش )

__________________
المسائل التفسيرية :

قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) )
معنى كلمة " تبارك " ( ك س ش )
أي: تَعَاظَمَ وتعالى، وكَثُرَ خَيْرُه، وعَمَّ إحسانُه .
المقصود من كلمة " الملك " ( ك س ش )
كل ما خلق الله تبارك وتعالى ، في العالم العلوى والسفلي ، في السماوات والأرض ، في الدنيا والآخرة .
دلالة قوله تعالى " الذي بيده الملك " ( ك س ش )
أنه هو المتصرف سبحانه بما يشاء كيفما شاء،
وهذا الأمْرُ يَعلمُه المؤمنونَ في الدنيا ويُنكِرُه الكُفَّارُ أما في الآخره فيعجزون عن ادعائه أو انكاره.
دلالة قوله تعالى " وهو على كل شىء قدير " ( ك س ش )
بيان عظمة الله تعالى و كمال قدرته التى يقدر بها على كل شىء فلا يعجزه شىء سبحانه مِن إنعامٍ وانتقامٍ، ورَفْعٍ ووَضْعٍ، وإِعطاءٍ وَمَنْعٍ ،لا يسأل عمّا يفعل لقهره وحكمته وعدله وهذا من تمام ملكه سبحانه.
قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)

المقصود من " الموت " ( ك س ش )
- انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له ( ذكره الأشقر وأشار له السعدي ووافقه بن كثيرواستدل بحديث قتادة
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ اللّه أذلّ بني آدم بالموت، وجعل الدّنيا دار حياةٍ ثمّ دار موتٍ، وجعل الآخرة دار جزاءٍ ثمّ دار بقاءٍ" ) .
- العدم الذي سبق الخلق ( ذكره بن كثير واستدل بقوله تعالى
{كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم}
المقصود من " الحياة " ( ك س ش )
الحياةُ تَعَلُّقُ الرُّوحِ بالبَدَنِ واتِّصَالُها به، فالحياةُ تَعنِي خَلْقَه إِنْسَاناً وخلْقَ الرُّوحِ فيه.( ذكره الأشقر وأشار إليه السعدي)
النشأة بعد العدم ( ذكره بن كثير )
مقصد الله تبارك وتعالى من الخلق ( ك س ش )
ابتلائهم بالشهوات المعارضة لأمره لاختبارهم أيهم أطوع لله وأحسن في العمل .
المقصد الأصلي من الابتلاء ( ش ك )
والْمَقْصِدُ الأصليُّ مِن الابتلاءِ هو ظُهورُ كمالِ إحسانِ الْمُحْسنينَ فالعبرة. ( ش )
بيان أن العبرة بخير العمل لا بكثرة العمل .
( قال محمّد بن عجلان ذكره بن كثير )
معنى اسم الله تعالى " العزيز " ( ك س ش )
الذي له العزة كلها العظيم المنيع الغالب الذي لا يغالب قهر كل شىء وانقادت له جميع المخلوقات سبحانه .
معنى اسم الله تعالى " الغفور " ( ك س ش )

الذي يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز عن المسيئين ، المقصرين ، المذنبين إذا تابوا وأنابوا فيغفر ذنوبهم مع ستر عيوبهم .

قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
معنى كلمة " طباقا " ( ك س ش )
أي طبقة بعد طبقة واحدة تلو أخرى ( ك س ش )
منفصلات بينهن خلاء ( رجحه بن كثير واستدل عليه بحديث الإسراء )
معنى كلمة " تفاوت " ( ك س ش )
كل أشكال النقص والخلل من اختلاف وتنافر وتناقص واعوجاج ( حاصل ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
معنى كلمة " فطور " ( ك س ش )
شقوق ( قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والثوري ذكره بن كثير ووافقه الأشقر )
خروق ( قاله السدي ذكره بن كثير )
نقص وخلل ( قاله قتادة ذكره ابن كثير والسعدي )
معنى كلمة " كرتين " ( ك س ش )
مرتين ( ذكره بن كثير )
مرة بعد مرة بكثرة ( س ش )

معنى كلمة " خاسئا " ( ك ش )
ذكر ابن كثير عدة معان:
ذليلًا ( قاله ابن عباس )
صاغرا ( قال مجاهد وقتادة )
ذليل صاغر ( جمعه الأشقر )

معنى كلمة " حسير " ( ك س ش )
ذكر ابن كثير عدة معنا :
كليل ( ابن عباس )
المنقطع من الإعياء ( قاله مجاهد وقتادة والسدي )
كليل منقطع ( جمعه الأشقر )
المقصد من الآيات ( ك س ش )
يدعو الله تبارك وتعالى عباده المكذبين بالنظر والتأمل في السماء وتَكرارِ ذلك والتأمُّلِ في أَرجائِها لإقامة الحجة عليهم إذَ انْتَفَى النَّقْصُ مِن كلِّ وَجهٍ، فصارَتْ حَسنةً كاملةً، مُتناسِبَةً في لَوْنِها وهَيئتِها وارتفاعِها، وما فيها مِن الشمْسِ والقمَرِ والكواكبِ النَّيِّرَاتِ الثوابِتِ مِنهنَّ والسيَّاراتِ.

قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) )

معنى كلمة " زينا " ( ك س ش )
جملناها فصارت في أحسن وأكمل وأبهج صورة .
المقصود من " السماء الدنيا " ( س )
السماء التى ترونها وتليكم .
المقصود من " المصابيح " ( ك س ش )
الكواكب والنجوم .
مرجع الضمير في قوله تعالى { وجعلناها } ( ك )
على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنّه لا يرمي بالكواكب الّتي في السّماء، بل بشهبٍ من دونها، وقد تكون مستمدّةً منها، واللّه أعلم.
الحكمة من خلق النجوم ( ك س ش )
قال قتادة: إنّما خلقت هذه النّجوم لثلاث خصالٍ: خلقها اللّه زينةً للسّماء، ورجومًا للشّياطين، وعلاماتٍ يهتدى بها، فمن تأوّل فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظّه، وأضاع نصيبه، وتكلّف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم)
الجزاء الذي أعده الله تعالى للشياطين ( ك س ش )
أعد الله تعالى للشياطينِ في الآخِرةِ بعدَ الإحراقِ في الدنيا بالشهُبِ, عذابَ النارِ لأنَّهم تَمَرَّدُوا على اللَّهِ، وأَضَلُّوا عِبادَه.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 10 ربيع الثاني 1436هـ/30-01-2015م, 01:24 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة
تلخيص : تفسير سورة الملك [ من الآية (1) إلى الآية (5) ]
أين فضل السورة؟
المسائل التفسيرية :

قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) )
معنى كلمة " تبارك " ( ك س ش )
المقصود من كلمة " الملك " ( ك س ش )
دلالة قوله تعالى " الذي بيده الملك " ( ك س ش )
دلالة قوله تعالى " وهو على كل شىء قدير " ( ك س ش )


قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)

المقصود من " الموت " ( ك س ش ) معنى الموت، لأن هذه معاني في اللغة
المقصود من " الحياة " ( ك س ش ) معنى الحياة
معنى {يبلوكم}
معنى {أحسن عملا}
مقصد الله تبارك وتعالى من الخلق ( ك س ش )
المقصد الأصلي من الابتلاء ( ش ك ) الكلام عن المقاصد يأتي بعد بيان معاني المفردات
معنى اسم الله تعالى " العزيز " ( ك س ش )
معنى اسم الله تعالى " الغفور " ( ك س ش )

فائدة من اقتران اسمه العزيز مع اسمه الغفور

قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
معنى كلمة " طباقا " ( ك س ش )
معنى كلمة " تفاوت " ( ك س ش )
معنى {فارجع البصر}
معنى كلمة " فطور " ( ك س ش )
معنى كلمة " كرتين " ( ك س ش )
المراد من قوله: {فارجع البصر كرتين}
الحكمة من تكرار الأمر بالنظر
معنى كلمة " خاسئا " ( ك س ش )
معنى كلمة " حسير " ( ك س ش )
المقصد من الآيات ( ك س ش )


قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) )
معنى كلمة " زينا " ( ك س ش )
المقصود من " السماء الدنيا " ( ك س ش )
المقصود من " المصابيح " ( ك س ش )
سبب تسمية النجوم بالمصابيح
مرجع الضمير في قوله تعالى { وجعلناها } ( ك )
معنى {رجوما}
الحكمة من خلق النجوم ( ك س ش )
سبب رمي الشياطين بالشهب
معنى {أعتدنا}
الجزاء الذي أعده الله تعالى للشياطين ( ك س ش )

__________________
المسائل التفسيرية :

قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) )
معنى كلمة " تبارك " ( ك س ش )
أي: تَعَاظَمَ وتعالى، وكَثُرَ خَيْرُه، وعَمَّ إحسانُه .من ذكر ذلك؟؟ اتفقنا أننا لا نستعمل الرموز في التلخيص بل نصرح بأسماء المفسرين.

المقصود من كلمة " الملك " ( ك س ش )
كل ما خلق الله تبارك وتعالى ، في العالم العلوى والسفلي ، في السماوات والأرض ، في الدنيا والآخرة . أحسنت، لكن هذا كلام من؟

دلالة قوله تعالى " الذي بيده الملك " ( ك س ش ) معنى أن الملك بيده سبحانه
أنه هو المتصرف سبحانه بما يشاء كيفما شاء،
وهذا الأمْرُ يَعلمُه المؤمنونَ في الدنيا ويُنكِرُه الكُفَّارُ أما في الآخره فيعجزون عن ادعائه أو انكاره.
والآية دالة على انفراده واختصاصه بملك السموات والأرض لا شريك له

دلالة قوله تعالى " وهو على كل شىء قدير " ( ك س ش ) قبل الكلام عن دلالة الآية نبين معناها أولا
بيان عظمة الله تعالى و كمال قدرته التى يقدر بها على كل شىء فلا يعجزه شىء سبحانه مِن إنعامٍ وانتقامٍ، ورَفْعٍ ووَضْعٍ، وإِعطاءٍ وَمَنْعٍ ،لا يسأل عمّا يفعل لقهره وحكمته وعدله وهذا من تمام ملكه سبحانه.
والآية دالة على قدرته المطلقة وعجز من سواه، فلا معقب لحكمه ولا راد لأمره، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون

قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)

المقصود من " الموت " ( ك س ش ) المقصود بــــ كذا وليس من، واتفقنا أن هنا معنى لغوي، فنقول معنى {الموت}
- انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له ( ذكره الأشقر وأشار له السعدي ووافقه بن كثيرواستدل بحديث قتادة
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ اللّه أذلّ بني آدم بالموت، وجعل الدّنيا دار حياةٍ ثمّ دار موتٍ، وجعل الآخرة دار جزاءٍ ثمّ دار بقاءٍ" ) . أحسنت
- العدم الذي سبق الخلق ( ذكره بن كثير واستدل بقوله تعالى
{كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم}

المقصود من " الحياة " ( ك س ش )
الحياةُ تَعَلُّقُ الرُّوحِ بالبَدَنِ واتِّصَالُها به، فالحياةُ تَعنِي خَلْقَه إِنْسَاناً وخلْقَ الرُّوحِ فيه.( ذكره الأشقر وأشار إليه السعدي)
النشأة بعد العدم ( ذكره بن كثير ) هذان القولان غير مختلفين فتأملي

مقصد الله تبارك وتعالى من الخلق ( ك س ش )
ابتلائهم بالشهوات المعارضة لأمره لاختبارهم أيهم أطوع لله وأحسن في العمل .
ثم يجازيهم يوم القيامة إحسانا للمحسنين وعقابا للمسيئين

المقصد الأصلي من الابتلاء ( ش ك )
والْمَقْصِدُ الأصليُّ مِن الابتلاءِ هو ظُهورُ كمالِ إحسانِ الْمُحْسنينَ فالعبرة. ( ش )
بيان أن العبرة بخير العمل لا بكثرة العمل .
( قال محمّد بن عجلان ذكره بن كثير )

معنى اسم الله تعالى " العزيز " ( ك س ش )
الذي له العزة كلها العظيم المنيع الغالب الذي لا يغالب قهر كل شىء وانقادت له جميع المخلوقات سبحانه .

معنى اسم الله تعالى " الغفور " ( ك س ش )

الذي يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز عن المسيئين ، المقصرين ، المذنبين إذا تابوا وأنابوا فيغفر ذنوبهم مع ستر عيوبهم .

قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
معنى كلمة " طباقا " ( ك س ش )
أي طبقة بعد طبقة واحدة تلو أخرى ( ك س ش )
منفصلات بينهن خلاء ( رجحه بن كثير واستدل عليه بحديث الإسراء ) هذا أيضا ليس قولا مختلفا عن الأول بل نجمع بينمها فنقول: هن طبقات متفاصلات واحدة فوق الأخرى ولسن طبقة واحدة متصلة
معنى كلمة " تفاوت " ( ك س ش )
كل أشكال النقص والخلل من اختلاف وتنافر وتناقص واعوجاج ( حاصل ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
معنى كلمة " فطور " ( ك س ش )
شقوق ( قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والثوري ذكره بن كثير ووافقه الأشقر )
خروق ( قاله السدي ذكره بن كثير )
نقص وخلل ( قاله قتادة ذكره ابن كثير والسعدي )
معنى كلمة " كرتين " ( ك س ش )
مرتين ( ذكره بن كثير ) هذا معناها الأصلي في اللغة
مرة بعد مرة بكثرة ( س ش ) وهذا المقصود بها، وقد وضعت لك هذه المسألة عند تصحيح المسائل، ومعناها أن الله تعالى يأمرنا بتكرار النظر مرات ومرات وليس أن نقتصر على مرتين فقط.

معنى كلمة " خاسئا " ( ك ش )
ذكر ابن كثير عدة معان:
ذليلًا ( قاله ابن عباس )
صاغرا ( قال مجاهد وقتادة )
ذليل صاغر ( جمعه الأشقر )
وكلها متفقة لا اختلاف بينها ولا تعارض

معنى كلمة " حسير " ( ك س ش )
ذكر ابن كثير عدة معنا :
كليل ( ابن عباس )
المنقطع من الإعياء ( قاله مجاهد وقتادة والسدي )
كليل منقطع ( جمعه الأشقر )
المقصد من الآيات ( ك س ش )
يدعو الله تبارك وتعالى عباده المكذبين بالنظر والتأمل في السماء وتَكرارِ ذلك والتأمُّلِ في أَرجائِها لإقامة الحجة عليهم إذَ انْتَفَى النَّقْصُ مِن كلِّ وَجهٍ، فصارَتْ حَسنةً كاملةً، مُتناسِبَةً في لَوْنِها وهَيئتِها وارتفاعِها، وما فيها مِن الشمْسِ والقمَرِ والكواكبِ النَّيِّرَاتِ الثوابِتِ مِنهنَّ والسيَّاراتِ.

قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) )

معنى كلمة " زينا " ( ك س ش )
جملناها فصارت في أحسن وأكمل وأبهج صورة .
المقصود من " السماء الدنيا " ( س )
السماء التى ترونها وتليكم .
المقصود من " المصابيح " ( ك س ش )
الكواكب والنجوم .
مرجع الضمير في قوله تعالى { وجعلناها } ( ك )
على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنّه لا يرمي بالكواكب الّتي في السّماء، بل بشهبٍ من دونها، وقد تكون مستمدّةً منها، واللّه أعلم.
الحكمة من خلق النجوم ( ك س ش )
قال قتادة: إنّما خلقت هذه النّجوم لثلاث خصالٍ: خلقها اللّه زينةً للسّماء، ورجومًا للشّياطين، وعلاماتٍ يهتدى بها، فمن تأوّل فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظّه، وأضاع نصيبه، وتكلّف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم)
الجزاء الذي أعده الله تعالى للشياطين ( ك س ش )
أعد الله تعالى للشياطينِ في الآخِرةِ بعدَ الإحراقِ في الدنيا بالشهُبِ, عذابَ النارِ لأنَّهم تَمَرَّدُوا على اللَّهِ، وأَضَلُّوا عِبادَه.
أحسنت بارك الله فيك، ونفع بك
أرجو الانتباه للارتباط بين الأقوال إن كانت متفقة أو مختلفة
يلاحظ أنك لا تسندين الأقوال في بعض المواضع
فاتتك بعض المسائل ونبه على بعضها في تصحيح قائمة المسائل في أول الملخص
وهذه قائمة بمسائل الدرس أرجو أن تفيدك:

فضل السورة
المسائل التفسيرية
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
معنى {تبارك} س ش
المراد بالاسم الموصول {الذي} ك س ش
المقصود بالملك ك س ش
معنى أن يكون الملك بيده سبحانه
مرجع الضمير {هو}
ما يفيده قوله تعالى: {وهو على كل شيء قدير}
انقسام الخلق في الإقرار بربوبية الله في الدنيا
إقرار جميع الخلق بربوبية الله وملكه في الآخرة

مقصد الآية

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}
معنى {الموت}
معنى {الحياة}
دلالة الآية على أن الموت أمر وجودي
معنى خلقه تعالى للموت والحياة
معنى {ليبلوكم}
معنى {أحسن عملا}
المطلوب في الأعمال إحسانها وليس كثرتها
المقصد من الابتلاء
دلالة الآية على البعث والجزاء
معنى {العزيز}
معنى {الغفور}
فائدة اقتران اسمه تعالى {العزيز} باسمه {الغفور}

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)}
معنى {طباقا}
معنى {تفاوت}
معنى قوله {فارجع البصر}
معنى {فطور}
دلالة الآية على كمال صنع الله وإتقانه

{ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}
معنى {كرتين}
المقصود بقوله: {كرتين}
معنى {ينقلب}
معنى {خاسئا}
معنى {حسير}
ما يفيده الأمر
بتكرار النظر
● فائدة التفكر

{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
مناسبة الآية لما قبلها
المقصود بالمصابيح
سبب تسمية النجوم والكواكب بالمصابيح
مرجع الضمير في قوله {وجعلناها}
● معنى الرجم
سبب رجم الشياطين بالشهب في الدنيا
فائدة خلق النجوم في السماء
معنى {أعتدنا}
مرجع الضمير في قوله {لهم}
● معنى {عذاب السعير}
سبب عذاب الشياطين في الآخرة

تقييم التلخيص :

أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 25 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 17 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 92 %
درجة الملخص = 5/4,63

بارك الله فيكِ ، ونفع بك .


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 16 ربيع الثاني 1436هـ/5-02-2015م, 03:01 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تلخيص سورة الحاقة[ من الآية (38) إلى الآية (52) ]

تفسير قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) )

المسائل التفسيرية :
المقسم به :
كل
ما يُبْصِرُ الخَلْقُ مِن جَميعِ الأشياءِ، وما لا يُبْصِرُونَه من الغيبيات، فدَخَلَ في ذلكَ كلُّ الخَلْقِ، بل يَدخُلُ في ذلكَ نفْسُه الْمُقَدَّسَةُ تبارك وتعالى ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
المقسم عليه :
إنّ القرآن كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
مرجع الضمير في {إنه لقول}
القرآن الكريم

المقصود ب {رسول كريم }:
فيه قولان
الأول :المرادُ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ. ( ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
الثاني : إنه لقولٌ يُبَلِّغُه رسولٌ كريمٌ. يُريدُ به جِبريلَ
( ذكره الأشقر )
والقول الأول هو الراجح ودليل ذلك :
مناسبة المعني للآيات بعده{وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهنٍ قليلا ما تذكّرون}( أشار إلية ابن كثير )
دلالة إضافة القول في الآية ودلالة معناه :
أضافه إلى الرسول دلالة على معنى التّبليغ؛ لأنّ الرّسول من شأنه أن يبلّغ عن المرسل ؛ولهذا أضافه في سورة التّكوير إلى الرّسول الملكيّ جبريل عليه السلام قال الله تعالى : {إنّه لقول رسولٍ كريمٍ ذي قوّةٍ عند ذي العرش مكينٍ مطاعٍ ثمّ أمينٍ} وهنا في سورة الحاقة أضافه للرسول البشري محمدًا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنّ كلًّا منهما مبلّغٌ عن اللّه ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه.
(ذكره ابن كثير )
معني قوله تعالى {قليلًا ما تؤمنون }
أيْ: إِيماناً قَليلاً تُؤمنونَ، وتَصديقاً يَسيراً تُصَدِّقونَ ( ذكره الأشقر )
معنى {كاهن }
ساحر ( ذكره السعدي )
معنى { قليلًا ما تذكرون }
أيْ: تَذَكُّراً قَليلاً تَتذَكَّرونَ ( ذكره الأشقر )
الدلالة العقلية على أن القرآن كلام الله تعالى
أولًا :أنْ يَنظُر المشركين في حالِ محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، ويَرْمُقوا أَوصافَه وأخلاقَه, فذلك يَدُلُّهم على أنَّه رَسولُ اللَّهِ حَقًّا، وأَنَّ ما جاءَ به تَنْزيلُ رَبِّ العالَمِينَ .
ثانيًا : أن الكلام الذي جاء به محمدًا صلى الله عليه وسلم
لا يَلِيقُ أنْ يَكُونَ قولَ البشَر، وليس فيه من صفات الشعر أو الكهانة فهي أمر آخر ، بل هو كلامٌ دالٌّ على عَظمةِ مَن تَكَلَّمَ به وجَلالةِ أَوصافِه، وكمالِ تَربِيَتِه لعِبادِه، وعُلُوِّه فوقَ عِبادِه. ( خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر )
دلالة سياق الآيات وتأثيرها في النفوس على أنه كلام الله تعالى
تلك الآيات من الأسباب الّتي جعلها اللّه تعالى مؤثّرةً في هداية عمر بن الخطّاب رضى الله عنه روى الإمام أحمد عن شريح بن عبيد اللّه : قال عمر بن الخطّاب: خرجت أتعرّض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقّة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا واللّه شاعرٌ كما قالت قريشٌ. قال: فقرأ: {إنّه لقول رسولٍ كريمٍ (40) وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون} قال: فقلت: كاهنٌ. قال فقرأ: {ولا بقول كاهنٍ قليلا ما تذكّرون (42) تنزيلٌ من ربّ العالمين (43) ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثمّ لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} إلى آخر السّورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كلّ موقعٍ. ( ذكره بن كثير )

المسائل العقدية :
في دلالة قول الله تعالى ( تنزيل من رب العالمين )
دليل علي علو الله تعالى فوق عباده .
أن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفاتة .
أن القرآن ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض .

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)
مرجع الضمير في {علينا ، لأخذنا ، لقطعنا }
على الله الخالق جل وعلا
مرجع الضمير المستتر في {تقول علينا }
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الراجح
( ذكره ابن كثير والسعدي )
وقيل جبريل عليه السلام (ذكره الأشقر )
معنى {تقول علينا }
افتري على الله تعالى فزاد في الرّسالة أو نقص منها، أو قال شيئًا من عنده فنسبه إلي الله تبارك وتعالى. ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
معنى { الأقاويل }
الكلام الكاذب

معنى { لأخذنا منه باليمين}
لانتقمنا منه
باليمين؛ لأنّها أشدّ في البطش ( ذكره بن كثير )
وقيل: لأخذنا بيده اليمين ( ذكره بن كثير والأشقر )
معنى {الوتين }
هو نياط القلب، وهو العرق المتصل بالقلب إذا انقَطَعَ ماتَ منه الإنسانُ . ( ذكره بن كثير والسعدي والأشقر )
مرجع الضمير في {منكم }
أي كل من حول الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمنين والكفار والمشركين.
المقصود من قوله تعالى {فما منكم من أحد عنه حاجزين }
أي: فما يقدر أحدٌ منكم على أن يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئًا من ذلك. ( ذكره بن كثير والسعدي والأشقر )
الإعجاز والدلالة في الآيات على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم
فلو قُدِّرَ أنَّ الرسولَ - حَاشَا وكلاَّ - تَقَوَّلَ على اللَّهِ لعَاجَلَه بالعُقوبةِ، وأَخَذَه أخْذَ عزيزٍ مُقْتَدِرٍ؛ لأنَّه حكيمٌ، على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
فحِكمتُه تَقْتَضِي أنْ لا يُهْمِلَ الكاذبَ عليه، الذي يَزعُمُ أنَّ اللَّهَ أباحَ له دِماءَ مَن خالَفَه وأموالَهم، وأنَّه هو وأَتباعُه لهم النَّجاةُ، ومَن خالَفَه فله الهَلاَكُ.
فإذَا كانَ اللَّهُ قد أَيَّدَ رسولَه بالْمُعْجِزاتِ وبَرْهَنَ على صِدْقِ ما جاءَ به بالآياتِ البَيِّنَاتِ، ونَصَرَه على أعدائِه ومَكَّنَه مِن نَوَاصِيهِم فهو أَكْبَرُ شَهَادَةٍ منه على رِسالتِه
( ذكره السعدي وأشار له ابن كثير والأشقر )
تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
مرجع الضمير في { وإنه لتذكرة }
أي: القرآنَ الكريمَ (ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
أنواع التذكرة وثمراتها
يَتذَكَّرُونَ به مَصالِحَ دِينِهم ودُنياهم، فيَعْرِفُونها ويَعْمَلُونَ عليها، يُذَكِّرُهم العقائدَ الدينيَّةَ والأخلاقَ الْمَرْضِيَّةَ، والأحكامَ الشرعيَّةَ فيَكُونونَ مِن العُلماءِ الرَّبَّانِيِّينَ والعُبَّادِ العارفِينَ والأئمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ.( ذكره السعدي )
الحكمة في اختصاص المتقين بالتذكرة
لأنهم الْمُنتفعونَ به ( ذكره الأشقر )

تفسير قوله تعالى: {
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
مرجع الضمير في قوله {وإنا}
الله تبارك وتعالى
مرجع الضمير في { منكم }
من أهل مكة وغيرهم من الكفار والمشركين

بماذا يكذبون ؟
القرآن الكريم
دلالة الآية على مجازاة المكذبين
في الآية دلالة ضمنية على تَهديدٌ ووَعِيدٌ المُكَذِّبِينَ، بأنه سيُعَاقِبُهم على تَكذيبِهم بالعُقوبةِ البَليغةِ . ( ذكره السعدي والأشقر )

قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
مرجع الضمير في { إنه }
به أقوال:
الأول : جزاء التكذيب ( ذكره بن كثير )
الثاني : القرآن الكريم ( ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
معنى الحسرة
الندامة ( ذكره ابن كثير والأشقر )
مم تكون الحسرة ومتى تتحقق ؟
بها أقوال

الأول :وإنّ التّكذيب لحسرةٌ على الكافرين يوم القيامة
( قال بن جرير وحكاه عن قتادة ذكره بن كثير )
الثاني : وإنّ القرآن والإيمان به لحسرةٌ في نفس الأمر على الكافرين في الدنيا . ( ذكره بن كثير ) أو حسرة عليهم في الآخرة لما رَأَوْا ما وَعَدَهم به، تَحَسَّروا؛ إذ لم يَهْتَدُوا به ولم يَنقادُوا لأَمْرِه ( ذكره السعدي )

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)}
مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإنه}
القرآن الكريم
معنى اليقين
هو العلْمُ الثابتُ، الذي لا يَتَزَلْزَلُ ولا يَزولُ وهو أعلى مراتب العلم ( ذكره السعدي )
معنى {حقّ اليقين}.
الخبر الصّدق الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ ولا ريب ( ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
مراتب اليقين
اليَقِينُ مَراتِبُه ثلاثةٌ، كلُّ واحدةٍ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَها:
أوَّلُها: عِلْمُ اليَقينِ، وهو العلْمُ الْمُستفادُ مِن الخَبَرِ، ثم عَيْنُ اليَقينِ، وهو العلْمُ المُدْرَكُ بحاسَّةِ البصَرِ، ثم حَقُّ اليَقِينِ، وهو العِلْمُ الْمُدْرَكُ بحاسَّةِ الذَّوْقِ والْمُباشَرَةِ.
( ذكره السعدي )
( ذكره السعدي ) سبب وصف القرآن بأنه حق اليقين
لكَونِه مِن عندِ اللهِ تبارك وتعالى ( ذكره الأشقر )
( ذكره السعدي

تفسير قوله تعالى: {
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
لمن الخطاب في الآية؟
للرسول صلى الله عليه وسلم
معنى التسبيح في الآية
أي: نَزِّهْهُ عمَّا لا يَلِيقُ بجَلالِه, وقَدِّسْهُ بذِكْرِ أوصافِ جَلالِه وجَمالِه وكَمالِه ( ذكره ابن كثير والأشقر )
مناسبة ذكر التسبيح
أي: سبح الله العظيم الّذي أنزل هذا القرآن العظيم ( ذكره ابن كثير )

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 27 ربيع الثاني 1436هـ/16-02-2015م, 02:34 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تلخيص تفسير سورة المدثر [ من الآية (18) إلى الآية (31) ]

تفسير قول الله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}

" المسائل التفسيرية "


سبب نزول الآيات ك
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
مناسبة الآية لما قبلها ك
ش
مرجع الضمير في { إنه } ك
معنى { فكر وقدر } ك س ش
بماذا فكر وقدر ك س ش
معنى { فقتل } ك ش
المقصود من التساؤل في الآية { كيف قدر } ش

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
المقصود ب { ثم نظر } ك س ش
معنى { عبس } ك س ش
معنى { بسر } ك س ش
المقصود من { أدبر واستكبر } ك س
مرجع اسم الاشارة { هذا } ك س ش
معنى { سحر يؤثر } ك س ش


تفسير قوله تعالى: {
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)

معنى { سأصليه } ك ش
المقصود من { سقر } ش
معنى الاستفهام في قوله تعالى {وما أدراك } ك
المقصود من قوله تعالى { لا تبقى ولا تذر } ك س
المقصود من قوله تعالى { لواحة للبشر } ك س ش
مرجع الضمير في { عليها } ك ش
المقصود ب { تسعة عشر } ك س ش
سبب نزول قوله تعالى { تسعة عشر } ك

تفسير قوله تعالى: {
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}

سبب نزول الآيات ك
الحكمة من جعل خزنة النار من الملائكة س ش
الحكمة من ذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
المقصود بالفتنة في الآية ك س ش
أصناف الناس في تصديقهم لذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
المقصود من قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ش س
مرجع الضمير في قوله تعالى { وما هي } ك س ش
الذكرى المراد تحقيقهامن الآيات ش س

" تلخيص أقوال المفسرين "

سبب نزول الآيات ك
نزلت في الوليد بن المغيرة المخزوميّ، أحد رؤساء قريشٍ -لعنه اللّه- رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ .
وعن عكرمة: أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن، فكأنّه رقّ له. فبلغ ذلك أبا جهل بن هشامٍ، فأتاه فقال: أي عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا. قال: لم؟ قال: يعطونكه، فإنّك أتيت محمّدًا تتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريشٌ أنّي أكثرها مالًا. قال: فقل فيه قولًا يعلم قومك أنّك منكرٌ لما قال، وأنّك كارهٌ له. قال: فماذا أقول فيه؟ فواللّه ما منكم رجلٌ أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجنّ، واللّه ما يشبه الّذي يقوله شيئًا من ذلك. واللّه إنّ لقوله الّذي يقول لحلاوةً، وإنّه ليحطّم ما تحته، وإنّه ليعلو وما يعلى. وقال: واللّه لا يرضى قومك حتّى تقول فيه. قال: فدعني حتّى أفكّر فيه. فلمّا فكّر قال: إنّ هذا سحرٌ يأثره عن غيره. رواه بن جرير ذكره بن كثير .

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
مناسبة الآية لما قبلها ك
الآيات تبين سبب الجزاء المذكور في الآية السابقة { سأرهقه صعودا } أي إنّما أرهقناه صعودًا لبعده عن الإيمان، لأنّه فكّر وقدّر .ذكره ابن كثير
مرجع الضمير في { إنه } ك ش
الوليد بن المغيرة
معنى { فكر وقدر } ك س ش
أي: تروّى ماذا يقول وهَيَّأَ الكلامَ في نفْسِه
بماذا فكر وقدر ك س ش
فكَّرَ في شأنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وكيف يقول قَولاً يُبْطِلُ به القرآن
معنى { فقتل } ك ش
أيْ: لُعِنَ وعُذِّبَ وهذا دعاء عليه
المقصود من التساؤل في الآية { كيف قدر } ش
أيْ: على أيِّ حالٍ قَدَّرَ ما قَدَّرَ مِن الكلامِ .

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
المقصود ب { ثم نظر } ك س ش
أي: أعاد النّظرة والتّروّي ذكره بن كثير
أيْ: بأيِّ شيءٍ يَدفعُ القرآنَ ويَقدَحُ فيه ذكره الأشقر
معنى { عبس } ك س ش
أي: قبض بين عينيه وقطّب ذكره ابن كثير
معنى { بسر } ك س ش
أيْ: كَلَحَ وجْهُه وتَغَيَّرَ
المقصود من { أدبر واستكبر } ك س
أي: تَوَلَّى وصرف عن الحق مستكبرًا عن الانقياد للقرآن. خلاصة ما ذكر ابن كثير والسعدي
مرجع اسم الاشارة { هذا } ك س ش
أي القرآن الكريم
معنى { سحر يؤثر } ك س ش
أي: هذا سحرٌ ينقله محمّدٌ عن غيره عمّن قبله ويحكيه عنهم .

تفسير قوله تعالى: {
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)

معنى { سأصليه } ك ش
أي: سأغمره فيها من جميع جهاته ذكره ابن كثير
المقصود من { سقر } ش
سَقَرُ مِن أسماءِ النارِ ذكره الأشقر
معنى الاستفهام في قوله تعالى {وما أدراك ما سقر } ك
تهويلٌ لأمرها وتفخيمٌ له
المقصود من قوله تعالى { لا تبقى ولا تذر } ك س
أي: لا تُبْقِي مِن الشدَّةِ ولا على الْمُعَذَّبِ شيئاً إلاَّ وبَلَغَتْهُ فتأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي
المقصود من قوله تعالى { لواحة للبشر } ك س ش
فيها قولان :
أي تَلُوحُ للناسِ جَهَنَّمُ حتى يَرَوْنَهَا عِيَانًا. ذكره الأشقر
وقيلَ: أيْ: مُغَيِّرَةٌ لوُجُوهِهم حتى تَسْوَدَّ .ذكره الأشقر والسعدي وابن كثير

مرجع الضمير في { عليها } ك ش
أي نار جهنم
المقصود ب { تسعة عشر } ك س ش
فيها قولان :
تِسعةَ عشرَ مِن الملائكةِ هم خَزَنَتُها.
وقيلَ: تِسعةَ عشرَ صِنْفاً مِن أصنافِ الملائكةِ
أي: من مقدّمي الزّبانية، عظيمٌ خلقهم، غليظٌ خلقهم. خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر
سبب نزول قوله تعالى { تسعة عشر } ك
- ( إنّ رهطًا من اليهود سألوا رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن خزنة جهنّم. فقال: اللّه ورسوله أعلم. فجاء رجلٌ فأخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل عليه ساعتئذٍ: {عليها تسعة عشر} فأخبر أصحابه ) رواه ابن أبي حاتم عن البراء ذكره ابن كثير

تفسير قوله تعالى: {
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}

سبب نزول الآيات ك
- ردٌّ على مشركي قريشٍ حين ذكر عدد الخزنة، فقال أبو جهلٍ: يا معشر قريشٍ، أما يستطيع كلّ عشرةٍ منكم لواحدٍ منهم فتغلبونهم ؟ فقال اللّه: {وما جعلنا أصحاب النّار إلا ملائكةً} ذكره ابن كثير
الحكمة من جعل خزنة النار من الملائكة س ش
وذلكَ لشِدَّتِهم وقُوَّتِهم فمَن يُطيقُ الملائكةَ ومَن يَغلبُهم، وهم أَقْوَمُ خلْقِ اللهِ بحَقِّهِ، والغضَبِ له، وأَشَدُّهم بَأْساً، وأَقواهُم بَطْشاً . خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر
الحكمة من ذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
اختبارًا منّ الله تعالى للنّاس فيضل به من يشاء ويهدي به من يشاء .خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر وابن كثير
المقصود بالفتنة في الآية ك س ش
فيها قولان :
أي : إلاَّ لعَذابِهم وعِقابِهم في الآخِرةِ، ولزيادةِ نَكَالِهم فيها، والعذابُ يُسَمَّى فِتنةً . ذكره السعدي
أو اختبارًا لهم
لنَعْلَمَ مَن يُصَدِّقُ ومَن يُكَذِّبُ. ذكره السعدي ووافقه الأشقر وابن كثير
أصناف الناس في تصديقهم لذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
- أهْلَ الكتابِ يزداد يقينهم بالحق إذا وافَقَ الخبر ما عندَهم وطابقه فيزُولَ عنهم الرَّيْبُ والشَّكُّ في القرآن .
- المنافقون والكافرون يزدادوا شك وريبة ويتعجبون في ذكر ذلك تعجب المكذب المستهزئ
.
- المؤمنون يزدادوا إيمانًا وتصديقًا بيقينهم بحكمة كلام ربهم وبتصديقه لخبر أهل الكتاب .
المقصود من قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ش س
فيها قولان

أي وخَزَنَةُ النارِ وإنْ كانوا تِسعةَ عشرَ فلهم مِن الأعوانِ والجنودِ مِن الملائكةِ ما لا يَعلمُه إلا اللهُ سُبحانَه.
ذكره الأشقر
أي إنَّه لا يَعلَمُ جُنودَ ربِّكَ مِن الملائكةِ وغيرِهم {إِلاَّ هُوَ}. وهو الراجح ذكره السعدي
مرجع الضمير في قوله تعالى { وما هي }ك س ش
أيْ: وما سَقَرُ وما ذُكِرَ مِن عَددِ خَزَنَتِها . ذكره الأشقر
الذكرى المراد تحقيقها
من الآيات ش س
نْ يَتَذَكَّرَ بها البشَرُ ما يَنفَعُهم فيَفْعَلُونَه، وما يَضُرُّهم فيَتْرُكُونَه و مَوعظةً لهم، ليَعْلَموا كمالَ قُدرةِ اللهِ، وأنه لا يَحتاجُ إلى أعوانٍ وأنصارٍ . خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 27 ربيع الثاني 1436هـ/16-02-2015م, 11:31 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة
تلخيص سورة الحاقة[ من الآية (38) إلى الآية (52) ]

تفسير قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) )
أين قائمة المسائل؟

المسائل التفسيرية :
المقسم به :
كل
ما يُبْصِرُ الخَلْقُ مِن جَميعِ الأشياءِ، وما لا يُبْصِرُونَه من الغيبيات، فدَخَلَ في ذلكَ كلُّ الخَلْقِ، بل يَدخُلُ في ذلكَ نفْسُه الْمُقَدَّسَةُ تبارك وتعالى ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
المقسم عليه :
إنّ القرآن كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
مرجع الضمير في {إنه لقول}
القرآن الكريم

المقصود ب {رسول كريم }:
فيه قولان
الأول :المرادُ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ. ( ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
الثاني : إنه لقولٌ يُبَلِّغُه رسولٌ كريمٌ. يُريدُ به جِبريلَ
( ذكره الأشقر ) المقصود بالرسول على هذا القول هو جبريل
والقول الأول هو الراجح ودليل ذلك :
مناسبة المعني للآيات بعده{وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهنٍ قليلا ما تذكّرون}( أشار إلية ابن كثير )
دلالة إضافة القول في الآية ودلالة معناه : معنى كون القرآن من قول الرسول
أضافه إلى الرسول دلالة على معنى التّبليغ؛ لأنّ الرّسول من شأنه أن يبلّغ عن المرسل ؛ولهذا أضافه في سورة التّكوير إلى الرّسول الملكيّ جبريل عليه السلام قال الله تعالى : {إنّه لقول رسولٍ كريمٍ ذي قوّةٍ عند ذي العرش مكينٍ مطاعٍ ثمّ أمينٍ} وهنا في سورة الحاقة أضافه للرسول البشري محمدًا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنّ كلًّا منهما مبلّغٌ عن اللّه ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه.
(ذكره ابن كثير )
معني قوله تعالى {قليلًا ما تؤمنون }
أيْ: إِيماناً قَليلاً تُؤمنونَ، وتَصديقاً يَسيراً تُصَدِّقونَ ( ذكره الأشقر )
معنى {كاهن }
ساحر ( ذكره السعدي )
معنى { قليلًا ما تذكرون }
أيْ: تَذَكُّراً قَليلاً تَتذَكَّرونَ ( ذكره الأشقر )
الدلالة العقلية على أن القرآن كلام الله تعالى
أولًا :أنْ يَنظُر المشركين في حالِ محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، ويَرْمُقوا أَوصافَه وأخلاقَه, فذلك يَدُلُّهم على أنَّه رَسولُ اللَّهِ حَقًّا، وأَنَّ ما جاءَ به تَنْزيلُ رَبِّ العالَمِينَ .
ثانيًا : أن الكلام الذي جاء به محمدًا صلى الله عليه وسلم
لا يَلِيقُ أنْ يَكُونَ قولَ البشَر، وليس فيه من صفات الشعر أو الكهانة فهي أمر آخر ، بل هو كلامٌ دالٌّ على عَظمةِ مَن تَكَلَّمَ به وجَلالةِ أَوصافِه، وكمالِ تَربِيَتِه لعِبادِه، وعُلُوِّه فوقَ عِبادِه. ( خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر )
دلالة سياق الآيات وتأثيرها في النفوس على أنه كلام الله تعالى هذه مسألة استطرادية فتفصل آخر الملخص
تلك الآيات من الأسباب الّتي جعلها اللّه تعالى مؤثّرةً في هداية عمر بن الخطّاب رضى الله عنه روى الإمام أحمد عن شريح بن عبيد اللّه : قال عمر بن الخطّاب: خرجت أتعرّض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقّة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا واللّه شاعرٌ كما قالت قريشٌ. قال: فقرأ: {إنّه لقول رسولٍ كريمٍ (40) وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون} قال: فقلت: كاهنٌ. قال فقرأ: {ولا بقول كاهنٍ قليلا ما تذكّرون (42) تنزيلٌ من ربّ العالمين (43) ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثمّ لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} إلى آخر السّورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كلّ موقعٍ. ( ذكره بن كثير )

المسائل العقدية :
في دلالة قول الله تعالى ( تنزيل من رب العالمين )
دليل علي علو الله تعالى فوق عباده .
أن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفاتة .
أن القرآن ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض .

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)
مرجع الضمير في {علينا ، لأخذنا ، لقطعنا }
على الله الخالق جل وعلا مرجع الضمير إذا كان واضحا مفهوما من السياق فلا داعي لإفراده بالسؤال.
مرجع الضمير المستتر في {تقول علينا }
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الراجح
( ذكره ابن كثير والسعدي )
وقيل جبريل عليه السلام (ذكره الأشقر )
معنى {تقول علينا }
افتري على الله تعالى فزاد في الرّسالة أو نقص منها، أو قال شيئًا من عنده فنسبه إلي الله تبارك وتعالى. ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
معنى { الأقاويل }
الكلام الكاذب

معنى { لأخذنا منه باليمين}
لانتقمنا منه
باليمين؛ لأنّها أشدّ في البطش ( ذكره بن كثير )
وقيل: لأخذنا بيده اليمين ( ذكره بن كثير والأشقر )
معنى {الوتين }
هو نياط القلب، وهو العرق المتصل بالقلب إذا انقَطَعَ ماتَ منه الإنسانُ . ( ذكره بن كثير والسعدي والأشقر )
مرجع الضمير في {منكم }
أي كل من حول الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمنين والكفار والمشركين.
المقصود من قوله تعالى {فما منكم من أحد عنه حاجزين }
أي: فما يقدر أحدٌ منكم على أن يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئًا من ذلك. ( ذكره بن كثير والسعدي والأشقر )
الإعجاز والدلالة في الآيات على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم
فلو قُدِّرَ أنَّ الرسولَ - حَاشَا وكلاَّ - تَقَوَّلَ على اللَّهِ لعَاجَلَه بالعُقوبةِ، وأَخَذَه أخْذَ عزيزٍ مُقْتَدِرٍ؛ لأنَّه حكيمٌ، على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
فحِكمتُه تَقْتَضِي أنْ لا يُهْمِلَ الكاذبَ عليه، الذي يَزعُمُ أنَّ اللَّهَ أباحَ له دِماءَ مَن خالَفَه وأموالَهم، وأنَّه هو وأَتباعُه لهم النَّجاةُ، ومَن خالَفَه فله الهَلاَكُ.
فإذَا كانَ اللَّهُ قد أَيَّدَ رسولَه بالْمُعْجِزاتِ وبَرْهَنَ على صِدْقِ ما جاءَ به بالآياتِ البَيِّنَاتِ، ونَصَرَه على أعدائِه ومَكَّنَه مِن نَوَاصِيهِم فهو أَكْبَرُ شَهَادَةٍ منه على رِسالتِه
( ذكره السعدي وأشار له ابن كثير والأشقر )
تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
مرجع الضمير في { وإنه لتذكرة }
أي: القرآنَ الكريمَ (ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
أنواع التذكرة وثمراتها
يَتذَكَّرُونَ به مَصالِحَ دِينِهم ودُنياهم، فيَعْرِفُونها ويَعْمَلُونَ عليها، يُذَكِّرُهم العقائدَ الدينيَّةَ والأخلاقَ الْمَرْضِيَّةَ، والأحكامَ الشرعيَّةَ فيَكُونونَ مِن العُلماءِ الرَّبَّانِيِّينَ والعُبَّادِ العارفِينَ والأئمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ.( ذكره السعدي )
الحكمة في اختصاص المتقين بالتذكرة
لأنهم الْمُنتفعونَ به ( ذكره الأشقر )

تفسير قوله تعالى: {
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
مرجع الضمير في قوله {وإنا}
الله تبارك وتعالى
مرجع الضمير في { منكم }
من أهل مكة وغيرهم من الكفار والمشركين

بماذا يكذبون ؟
القرآن الكريم
دلالة الآية على مجازاة المكذبين
في الآية دلالة ضمنية على تَهديدٌ ووَعِيدٌ المُكَذِّبِينَ، بأنه سيُعَاقِبُهم على تَكذيبِهم بالعُقوبةِ البَليغةِ . ( ذكره السعدي والأشقر )

قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
مرجع الضمير في { إنه }
به أقوال:
الأول : جزاء التكذيب ( ذكره بن كثير ) التكذيب نفسه
الثاني : القرآن الكريم ( ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
معنى الحسرة
الندامة ( ذكره ابن كثير والأشقر )
مم تكون الحسرة ومتى تتحقق ؟
بها أقوال

الأول :وإنّ التّكذيب لحسرةٌ على الكافرين يوم القيامة
( قال بن جرير وحكاه عن قتادة ذكره بن كثير )
الثاني : وإنّ القرآن والإيمان به لحسرةٌ في نفس الأمر على الكافرين في الدنيا هل قال ابن كثير: في الدنيا؟. ( ذكره بن كثير ) أو حسرة عليهم في الآخرة لما رَأَوْا ما وَعَدَهم به، تَحَسَّروا؛ إذ لم يَهْتَدُوا به ولم يَنقادُوا لأَمْرِه ( ذكره السعدي )

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)}
مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإنه}
القرآن الكريم
معنى اليقين
هو العلْمُ الثابتُ، الذي لا يَتَزَلْزَلُ ولا يَزولُ وهو أعلى مراتب العلم ( ذكره السعدي )
معنى {حقّ اليقين}.
الخبر الصّدق الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ ولا ريب ( ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر )
مراتب اليقين
اليَقِينُ مَراتِبُه ثلاثةٌ، كلُّ واحدةٍ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَها:
أوَّلُها: عِلْمُ اليَقينِ، وهو العلْمُ الْمُستفادُ مِن الخَبَرِ، ثم عَيْنُ اليَقينِ، وهو العلْمُ المُدْرَكُ بحاسَّةِ البصَرِ، ثم حَقُّ اليَقِينِ، وهو العِلْمُ الْمُدْرَكُ بحاسَّةِ الذَّوْقِ والْمُباشَرَةِ.
( ذكره السعدي )
( ذكره السعدي ) سبب وصف القرآن بأنه حق اليقين
لكَونِه مِن عندِ اللهِ تبارك وتعالى فلا يتطرق إليه شك، ولا تحوم حوله ريبة ( ذكره الأشقر )
( ذكره السعدي

تفسير قوله تعالى: {
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
لمن الخطاب في الآية؟
للرسول صلى الله عليه وسلم
معنى التسبيح في الآية
أي: نَزِّهْهُ عمَّا لا يَلِيقُ بجَلالِه, وقَدِّسْهُ بذِكْرِ أوصافِ جَلالِه وجَمالِه وكَمالِه ( ذكره ابن كثير والأشقر )
مناسبة ذكر التسبيح
أي: سبح الله العظيم الّذي أنزل هذا القرآن العظيم
تنزيه الله عما افتراه المشركون على كلامه وعلى رسوله
( ذكره ابن كثير )

ممتازة ما شاء الله
التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 30/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 20/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 19/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 99 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 14 جمادى الأولى 1436هـ/4-03-2015م, 03:07 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي


تلخيص تفسير سورة الإنسان [ من الآية (23) إلى الآية (31)


تفسيرقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْكَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَاللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّهَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًاثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَاشِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌفَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْعَذَابًا أَلِيمًا (31)}



" المسائل التفسيرية "


تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) )
المقصد من الآية ك
مناسبة الآية لما بعدها س
فائدة التوكيد في الضمائر{ إنا نحن نزلنا }ش
المقصود من{ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا}ش

دلالة الآية على أن تنزيل القرآن كان مفرقا ش
الحكمة من تنزيل القرآن - س


تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) )
مناسبة الآية لما قبلها - س ك

المخاطب بالآيات
المراد من{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ك س ش
المقصود من{ آثما } ك س ش
المقصود من{ كفورا } ك س ش

الحكمة من النهى عن طاعة العصاة والكافرين - س ك
المراد من الآثم والكفور - ش


تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) ومن اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) )
مناسبة الآية لما قبلها س
المراد من الذكر س ش
المراد من الأمر بالسجود – س
تقييد الأمر المطلق في الآية {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } س
قيام الليل من أشرف العبادات وأحبها إلى الله تعالى


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) )
مرجع الضمير في { هؤلاء } ك س ش
المقصود من { العاجلة } ك س ش
المعنى اللغوي ل {وَيَذَرُونَ} س
المقصود من{وَرَاءَهُمْ} س
المراد من { يومًا ثقيلا} ك س ك
سبب تسمية يوم القيامة ب{ ثقيلا } ش س
سمات أهل الدنيا المعرضين عن الآخرة - ك س ش

تفسير قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) )

المقصود من {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } س ش
المقصود من{وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا} ك س ش
الدليل العقلي على البعث والجزاء - س

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) )

مرجع الضمير في قوله تعالى {إنّ هذه} ك
معنى {سبيلا}ك س
المقصود من هَذِهِ التَذْكِرَةٌ - س
المراد من قوله تعالى { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } ك ش

تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) ) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) )

المراد من قوله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه} ك س ش
مناسبة ذكر صفة العلم والحكمة مع المشيئة – ك
المراد ب { رحمته } س ش
عناية الله تعالى بعباده المؤمنين - ك س



" تلخيص أقوال المفسرين"

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) )

المقصد من الآية ك
يمتن الله تعالى ويبين نعمته على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بما نزّله عليه من القرآن العظيم .


مناسبة الآية لما بعدها س
لما ذكر الله تعالى تنزيل القرآن ومعلوم ما يشمله القرآن من شرائع وجب تنفيذها أمره بالصبر على ذلك .


فائدة التوكيد في الضمائر{ إنا نحن نزلنا }ش
زيادة التأكيد على أن القرآن منزل من عند الله تبارك وتعالى وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتْ به كما يَدَّعِي الْمُشْرِكونَ .

المقصود من{ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا}ش

أيْ: فَرَّقْنَاهُ في الإنزالِ ولم نُنْزِلْه جُملةً واحدةً


دلالة الآية على أن تنزيل القرآن كان مفرقا ش
في قوله تعالى { نزلناه - تنزيلًا } دلالة على تنزيله مفرقاولم ينزل جُملةً واحدةً .


الحكمة من تنزيل القرآن - س
أن القرآن الكريم فيه الوعدُ والوَعيدُ، وبيانُ كلِّ مَا يَحْتَاجُه العِبادُ، وفيهِالأمْرُ بالقِيَامِ بأوامِرِ الله وشرائعِه أَتَمَّ القِيامِ، والأمر بالسَّعْيُ فيتَنْفِيذِها والصبر على ذلك .


تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) )
مناسبة الآية لما قبلها - س ك
لما ذكر الله تعالى إكرامه لرسوله صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن طلب منه الصبر على قضائه وقدره ، فالسعي في تنفيذ ما يشمله القرآن يحتاج منه صبر على ذلك .
المخاطب بالآيات
هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من أمته .


المراد من{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ك س ش
أي: اصْبِرْ لِحُكْمِه القَدَرِيِّ فلا تَسْخَطْهُ, ولِحُكْمِه الدينِيِّ فامْضِ عليه, ولا يَعُوقُكَ عنه عائقٌ،ومِن حُكْمِه وقَضائِه تَأخيرُ نَصْرِك إلى أجَلٍ اقْتَضَتْهُ حِكمتُه.


المقصود من{ آثما } ك س ش
أي: فاعِلاً للمَعصيةً فاجرفي أفعاله . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير
المقصود من{ كفورا }ك س ش
الكفور هو الكافر بقلبه الغالٍ في الكُفْرٍ . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير


الحكمة من النهى عن طاعة العصاة والكافرين - س ك
لأن طاعتهم لا بُدَّ أنْ تكونَ في المعاصي فهم لا يَأْمُرُونَ إلاَّ بما تَهْوَاهُ أنْفُسُهم ولأنهم يريدون أن يصدوا عن اتباع الحق والعمل بما أنزل الله .
المراد من الآثم والكفور - ش
قيل المقصود عُتبةُ بنُ رَبيعةَ والوليدُ بنُ الْمُغيرةِ؛ لأنهما قالا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ عن هذا الأمْرِ ونحن نُرْضِيكَ بالمالِ والتزويجِ .


تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) ومن اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) )

مناسبة الآية لما قبلها س
ولَمَّا كانَ الصبْرُ يُساعِدُه القيامُ بعبادةِ اللَّهِ والإكثارُ مِن ذِكْرِه، أَمَرَه اللَّهُ بذلك .
معنى {بكرةً وأصيلا} ك س ش
أي: أول النّهار وآخره.


المراد من الذكر س ش
قيل أيصَلِّ لرَبِّكَ أوَّلَ النهارِ وآخِرَه، فأوَّلُ النهارِ: صلاةُ الصبْحِ، وآخِرُه: صلاةُ العصْر . ذكره الأشقر
و المعنى شامل لأنواع العبادات فدَخَلَ في ذلك الصلواتُ المكتوباتُ ومايَتْبَعُها مِن النوافلِ والذِّكْرِ، والتسبيحِ والتهليلِ والتكبيرِ في هذهالأوقاتِ . ذكره السعدي


المراد من الأمر بالسجود - س
أي: أَكْثِرْ له مِن السجودِ، ولا يكونُ ذلك إلاَّ بالإكثارِ مِن الصلاةِ.

تقييد الأمر المطلق في الآية {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } س

} تَقَدَّمَ تَقييدُ هذا الْمُطْلَقِ بقولِه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً}الآيةَ


قيام الليل من أشرف العبادات وأحبها إلى الله تعالى
تكرار الأمر بهذه العبادة دلالة على شرفها وحب الله تعالى لها فقول الله تعالى{ومناللّيل فاسجد له وسبّحه ليلا طويلا} كقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةًلك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] وكقوله: {يا أيّهاالمزّمّل قم اللّيل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتّلالقرآن ترتيلا} [المزّمّل: 1-4
[
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) )

مرجع الضمير في { هؤلاء } ك س ش
الكفّار والْمُكَذِّبِينَ للرسول صلى الله عليه وسلم ومن أشبههم في حبّ الدّنيا والإقبال عليها ، وترك الدّار الآخرة وراء ظهورهم .
المقصود من { العاجلة } ك س ش
الدنيا
المعنى اللغوي ل {وَيَذَرُونَ}س
أي: يَتْرُكُونَ ويُهْمِلُون .
المقصود من {وَرَاءَهُمْ}س
أي: أمامَهم
المراد من { يومًا ثقيلا} ك س ك
يعني: يوم القيامة
سبب تسمية يوم القيامة ب{ ثقيلا } ش س
سُمِّيَ ثَقيلاً لِمَا فيه مِن الشدائدِ والأهوالِ والذي مِقدارُه خَمسونَ ألْفَ سنةٍ ممَّا تَعُدُّونَ.
سمات أهل الدنيا المعرضين عن الآخرة - ك س ش

أنهم يحبون الدنيا ويقبلون عليها ويعرضون عن الآخرة فهم لا يَسْتَعِدُّونَ لها ولا يَعْبَؤُونَ بها وكأنَّهم ما خُلِقُوا إلاَّ للدنيا والإقامةِ فيها . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير

تفسير قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) )

المقصود من {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } س ش
أي: أَحْكَمْنَا خِلْقَتَهُم وشددنا أوصالهم بعضا إلى بعض بالأعصابِ، والعُروقِ، والأوتارِ، والقُوَىالظاهرةِ والباطنةِ، حتى تَمَّ الْجِسمُ واسْتَكْمَلَ، وتَمَكَّنَ مِن كلِّما يُريدُه. خلاصة قول السعدي والأشقر .

المقصود من{وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا} ك س ش

هناك عدة أقوال :
الأول : وإذا شئنا بعثناهم يومالقيامة، وبدلناهم فأعدناهم خلقًا جديدًا. وهذا استدلالٌ بالبداءة علىالرّجعة . قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحد ذكره ابن كثير ووافقه السعدي
الثاني : وإذاشئنا أتينا بقومٍ آخرين غيرهم كقوله: {إن يشأ يذهبكمويأت بخلقٍ جديدٍ وما ذلك على اللّه بعزيزٍ} قاله ابن زيدٍ وابن جريرٍ ذكره بن كثير ووافقه الأشقر .


الدليل العقلي على البعث والجزاء س
اسْتَدَلَّ الله تعالى عليهم وعلى بَعثِهم بدليلٍ عَقْلِيٍّ، وهو دليلُ الابتداءِ فقالَ {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ}؛أي: أَوْجَدْنَاهم مِن العَدَمِ ،فالذي أَوْجَدَهم على هذهِ الحالةِ، قادرٌ علىأنْ يُعِيدَهم بعدَ مَوْتِهم لِجَزَائِهم، والذي نَقَلَهم في هذه الدارِإلى هذه الأطوارِ لا يَلِيقُ به أنْ يَتْرُكَهم سُدًى، لا يُؤْمَرُونَ ولايُنْهَوْنَ ولا يُثَابُونَ ولا يُعاقَبُونَ.

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) )

مرجع الضمير في قوله تعالى {إنّ هذه} ك
يعني: هذه السّورة
معنى {سبيلا}ك س
أي طريقًا ومسلكًا
المقصود من هَذِهِ التَذْكِرَةٌ - س
أي: يَتَذَكَّرُ بها المُؤْمِنُ فيَنْتَفِعُ بما فيها مِن التخويفِ والترغيبِ، فاللَّهُ يُبَيِّنُ الحقَّ والْهُدَى، ثميُخَيِّرُ الناسَ بينَ الاهتداءِ بها أو النفورِ عنها، معَ قِيامِ الْحُجَّةِ عليهم .
المراد من قوله تعالى { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } ك ش
أي: من شاء اهتدى بالقرآن بالإيمان والطاعة ، كقوله: {وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليمًا} خلاصة قول ابن كثير والأشقر

تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) ) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) )

المراد من قوله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه} ك س ش
أي: لا يقدر أحدٌ أن يهدي نفسه، ولايدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا إلا بمشيئة الله تعالى فإن مشيئة الله نافذة والأمْرُ إليه سُبحانَه ليس إليهم، والخيرُ والشرُّ بيدِه، فمَشيئةُ العبْدِ مُجَرَّدَةً لا تَأتِي بخيرٍ ولا تَدفعُ شَرًّا، إلا إنْ أَذِنَ اللهُ بذلك . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير .


مناسبة ذكر صفة العلم والحكمة مع المشيئة – ك
أن الله تعالى عليمٌ بمن يستحقّ الهداية فييسّرها له، ويقيّض لهأسبابها، ومن يستحقّ الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمةُ في هدايةِ الْمُهْتَدِي وإضلالِ الضالّ، فله الحكمة البالغة والحجّةالدّامغة سبحانه .
المراد ب { رحمته } س ش

قيل هدايته وتوفيقه لأسباب السعادة . ذكره السعدي
وقيل جنته . ذكره الأشقر
ولا تعارض بين القولين فرحمة الله بعباده المؤمنين تشمل الدنيا والآخرة .


عناية الله تعالى بعباده المؤمنين - ك س
يدخل الله تعالى من يشاء من عباده في رحمته وذلك بأنيَخْتَصُّهُ بعِنايتِه، ويُوَفِّقُه لأسبابِ السعادةِ ويَهْدِيهِ لطُرُقِها ثم يوم القيامة يدخلهم جنته .

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 24 جمادى الأولى 1436هـ/14-03-2015م, 03:30 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة
تلخيص تفسير سورة المدثر [ من الآية (18) إلى الآية (31) ]

تفسير قول الله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}

" المسائل التفسيرية "


سبب نزول الآيات ك
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
مناسبة الآية لما قبلها ك
ش
مرجع الضمير في { إنه } ك
معنى { فكر وقدر } ك س ش
بماذا فكر وقدر ك س ش
معنى { فقتل } ك ش
المقصود من التساؤل في الآية { كيف قدر } ش

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
المقصود ب { ثم نظر } ك س ش
معنى { عبس } ك س ش
معنى { بسر } ك س ش
المقصود من { أدبر واستكبر } ك س
مرجع اسم الاشارة { هذا } ك س ش
معنى { سحر يؤثر } ك س ش


تفسير قوله تعالى: {
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)

معنى { سأصليه } ك ش
المقصود من { سقر } ش
معنى الاستفهام في قوله تعالى {وما أدراك } ك
المقصود من قوله تعالى { لا تبقى ولا تذر } ك س
المقصود من قوله تعالى { لواحة للبشر } ك س ش
مرجع الضمير في { عليها } ك ش
المقصود ب { تسعة عشر } ك س ش
سبب نزول قوله تعالى { تسعة عشر } ك

تفسير قوله تعالى: {
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}

سبب نزول الآيات ك
الحكمة من جعل خزنة النار من الملائكة س ش
الحكمة من ذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
المقصود بالفتنة في الآية ك س ش
أصناف الناس في تصديقهم لذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
المقصود من قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ش س
مرجع الضمير في قوله تعالى { وما هي } ك س ش
الذكرى المراد تحقيقهامن الآيات ش س

" تلخيص أقوال المفسرين "

سبب نزول الآيات ك
نزلت في الوليد بن المغيرة المخزوميّ، أحد رؤساء قريشٍ -لعنه اللّه- رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ .
وعن عكرمة: أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن، فكأنّه رقّ له. فبلغ ذلك أبا جهل بن هشامٍ، فأتاه فقال: أي عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا. قال: لم؟ قال: يعطونكه، فإنّك أتيت محمّدًا تتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريشٌ أنّي أكثرها مالًا. قال: فقل فيه قولًا يعلم قومك أنّك منكرٌ لما قال، وأنّك كارهٌ له. قال: فماذا أقول فيه؟ فواللّه ما منكم رجلٌ أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجنّ، واللّه ما يشبه الّذي يقوله شيئًا من ذلك. واللّه إنّ لقوله الّذي يقول لحلاوةً، وإنّه ليحطّم ما تحته، وإنّه ليعلو وما يعلى. وقال: واللّه لا يرضى قومك حتّى تقول فيه. قال: فدعني حتّى أفكّر فيه. فلمّا فكّر قال: إنّ هذا سحرٌ يأثره عن غيره. رواه بن جرير ذكره بن كثير .

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
مناسبة الآية لما قبلها ك
الآيات تبين سبب الجزاء المذكور في الآية السابقة { سأرهقه صعودا } أي إنّما أرهقناه صعودًا لبعده عن الإيمان، لأنّه فكّر وقدّر .ذكره ابن كثير
مرجع الضمير في { إنه } ك ش
الوليد بن المغيرة
معنى { فكر وقدر } ك س ش
أي: تروّى ماذا يقول وهَيَّأَ الكلامَ في نفْسِه
بماذا فكر وقدر ك س ش فيم فكر وقدر؟
فكَّرَ في شأنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وكيف يقول قَولاً يُبْطِلُ به القرآن
معنى { فقتل } ك ش
أيْ: لُعِنَ وعُذِّبَ وهذا دعاء عليه
المقصود من التساؤل في الآية { كيف قدر } ش
أيْ: على أيِّ حالٍ قَدَّرَ ما قَدَّرَ مِن الكلامِ .

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
المقصود ب { ثم نظر } ك س ش
أي: أعاد النّظرة والتّروّي ذكره بن كثير
أيْ: بأيِّ شيءٍ يَدفعُ القرآنَ ويَقدَحُ فيه ذكره الأشقر ما المانع من جمع الجملتين؟
معنى { عبس } ك س ش
أي: قبض بين عينيه وقطّب ذكره ابن كثير
معنى { بسر } ك س ش
أيْ: كَلَحَ وجْهُه وتَغَيَّرَ
المقصود من { أدبر واستكبر } ك س
أي: تَوَلَّى وصرف عن الحق مستكبرًا عن الانقياد للقرآن. خلاصة ما ذكر ابن كثير والسعدي
مرجع اسم الاشارة { هذا } ك س ش
أي القرآن الكريم
معنى { سحر يؤثر } ك س ش
أي: هذا سحرٌ ينقله محمّدٌ عن غيره عمّن قبله ويحكيه عنهم .

تفسير قوله تعالى: {
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)

معنى { سأصليه } ك ش
أي: سأغمره فيها من جميع جهاته ذكره ابن كثير
المقصود من { سقر } ش المقصود بــ
سَقَرُ مِن أسماءِ النارِ ذكره الأشقر
معنى الاستفهام في قوله تعالى {وما أدراك ما سقر } ك
تهويلٌ لأمرها وتفخيمٌ له
المقصود من قوله تعالى { لا تبقى ولا تذر } ك س معنى..
أي: لا تُبْقِي مِن الشدَّةِ ولا على الْمُعَذَّبِ شيئاً إلاَّ وبَلَغَتْهُ فتأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي
المقصود من قوله تعالى { لواحة للبشر } ك س ش معنى ..
فيها قولان :
أي تَلُوحُ للناسِ جَهَنَّمُ حتى يَرَوْنَهَا عِيَانًا. ذكره الأشقر
وقيلَ: أيْ: مُغَيِّرَةٌ لوُجُوهِهم حتى تَسْوَدَّ .ذكره الأشقر والسعدي وابن كثير
وردت أقوال للسلف في تفسير الآية يحسن ذكرها
مرجع الضمير في { عليها } ك ش
أي نار جهنم
المقصود ب { تسعة عشر } ك س ش
فيها قولان :
تِسعةَ عشرَ مِن الملائكةِ هم خَزَنَتُها.
وقيلَ: تِسعةَ عشرَ صِنْفاً مِن أصنافِ الملائكةِ
أي: من مقدّمي الزّبانية، عظيمٌ خلقهم، غليظٌ خلقهم. خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر
سبب نزول قوله تعالى { تسعة عشر } ك أسباب النزول تفصل كلها أول الملخص قبل المسائل التفسيرية.
- ( إنّ رهطًا من اليهود سألوا رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن خزنة جهنّم. فقال: اللّه ورسوله أعلم. فجاء رجلٌ فأخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل عليه ساعتئذٍ: {عليها تسعة عشر} فأخبر أصحابه ) رواه ابن أبي حاتم عن البراء ذكره ابن كثير

تفسير قوله تعالى: {
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}

سبب نزول الآيات ك
أسباب النزول تفصل كلها أول الملخص قبل المسائل التفسيرية.
- ردٌّ على مشركي قريشٍ حين ذكر عدد الخزنة، فقال أبو جهلٍ: يا معشر قريشٍ، أما يستطيع كلّ عشرةٍ منكم لواحدٍ منهم فتغلبونهم ؟ فقال اللّه: {وما جعلنا أصحاب النّار إلا ملائكةً} ذكره ابن كثير
الحكمة من جعل خزنة النار من الملائكة س ش
وذلكَ لشِدَّتِهم وقُوَّتِهم فمَن يُطيقُ الملائكةَ ومَن يَغلبُهم، وهم أَقْوَمُ خلْقِ اللهِ بحَقِّهِ، والغضَبِ له، وأَشَدُّهم بَأْساً، وأَقواهُم بَطْشاً . خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر
الحكمة من ذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
اختبارًا منّ الله تعالى للنّاس فيضل به من يشاء ويهدي به من يشاء .خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر وابن كثير
المقصود بالفتنة في الآية ك س ش
فيها قولان :
أي : إلاَّ لعَذابِهم وعِقابِهم في الآخِرةِ، ولزيادةِ نَكَالِهم فيها، والعذابُ يُسَمَّى فِتنةً . ذكره السعدي
أو اختبارًا لهم
لنَعْلَمَ مَن يُصَدِّقُ ومَن يُكَذِّبُ. ذكره السعدي ووافقه الأشقر وابن كثير
أصناف الناس في تصديقهم لذكر عدة خزنة جهنم ك س ش
- أهْلَ الكتابِ يزداد يقينهم بالحق إذا وافَقَ الخبر ما عندَهم وطابقه فيزُولَ عنهم الرَّيْبُ والشَّكُّ في القرآن .
- المنافقون والكافرون يزدادوا شك وريبة ويتعجبون في ذكر ذلك تعجب المكذب المستهزئ
.
- المؤمنون يزدادوا إيمانًا وتصديقًا بيقينهم بحكمة كلام ربهم وبتصديقه لخبر أهل الكتاب .
الأولى أن تلحقي هذا الكلام بمسألته، وهي: الحكمة من جعل عدة حزنة جهنم تسعة عشر، لأن القرآن نفسه ذكر أن هذا الأمر لأجل كذا وكذا
، فنقول: الحكمة من جعل عدة الملائكة تسعة عشر
1- فتنة للذين كفروا: (ونذكر فيها القولين)
2- ليستيقن أهل الكتاب صدق القرآن:
3- زيادة لإيمان المؤمنين:
4-
إزالة للشك من قلوب المؤمنين والذين أوتوا الكتاب:
5- إظهارا لما تنطوي نفوس الكفار من الاستكبار والنفرة عن قبول الحق:
((وبالطبع كل سطر له تفسيره وتفصيله على نفس ترتيب الآية))


أيضا لم تتكلمي عن معنى قوله تعالى: {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء}

المقصود من قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ش س ما يفيده قوله تعالى: {....
فيها قولان

أي وخَزَنَةُ النارِ وإنْ كانوا تِسعةَ عشرَ فلهم مِن الأعوانِ والجنودِ مِن الملائكةِ ما لا يَعلمُه إلا اللهُ سُبحانَه.
ذكره الأشقر
أي إنَّه لا يَعلَمُ جُنودَ ربِّكَ مِن الملائكةِ وغيرِهم {إِلاَّ هُوَ}. وهو الراجح ذكره السعدي ما الفرق بين القولين ومن رجح هذا القول؟

مرجع الضمير في قوله تعالى { وما هي }ك س ش
أيْ: وما سَقَرُ وما ذُكِرَ مِن عَددِ خَزَنَتِها . ذكره الأشقر

الذكرى المراد تحقيقها
من الآيات ش س
نْ يَتَذَكَّرَ بها البشَرُ ما يَنفَعُهم فيَفْعَلُونَه، وما يَضُرُّهم فيَتْرُكُونَه و مَوعظةً لهم، ليَعْلَموا كمالَ قُدرةِ اللهِ، وأنه لا يَحتاجُ إلى أعوانٍ وأنصارٍ . خلاصة ما ذكره السعدي والأشقر

أحسنت بارك الله فيك

التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 30/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 19/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 14/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 95/100

وفقكم الله

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 6 جمادى الآخرة 1436هـ/26-03-2015م, 10:40 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة

تلخيص تفسير سورة الإنسان [ من الآية (23) إلى الآية (31)

تفسيرقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْكَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَاللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّهَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًاثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَاشِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌفَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْعَذَابًا أَلِيمًا (31)}



" المسائل التفسيرية "


تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) )
المقصد من الآية ك
مناسبة الآية لما بعدها س
فائدة التوكيد في الضمائر{ إنا نحن نزلنا }ش
المقصود من{ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا}ش
دلالة الآية على أن تنزيل القرآن كان مفرقا ش
الحكمة من تنزيل القرآن - س


تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) )
مناسبة الآية لما قبلها - س ك
المخاطب بالآيات
المراد من{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ك س ش
المقصود من{ آثما } ك س ش
المقصود من{ كفورا } ك س ش
الحكمة من النهى عن طاعة العصاة والكافرين - س ك
المراد من الآثم والكفور - ش


تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) ومن اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) )
مناسبة الآية لما قبلها س
المراد من الذكر س ش
المراد من الأمر بالسجود – س
تقييد الأمر المطلق في الآية {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } س
قيام الليل من أشرف العبادات وأحبها إلى الله تعالى


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) )
مرجع الضمير في { هؤلاء } ك س ش
المقصود من { العاجلة } ك س ش
المعنى اللغوي ل {وَيَذَرُونَ} س
المقصود من{وَرَاءَهُمْ} س
المراد من { يومًا ثقيلا} ك س ك
سبب تسمية يوم القيامة ب{ ثقيلا } ش س
سمات أهل الدنيا المعرضين عن الآخرة - ك س ش

تفسير قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) )
المقصود من {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } س ش
المقصود من{وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا} ك س ش
الدليل العقلي على البعث والجزاء - س

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) )
مرجع الضمير في قوله تعالى {إنّ هذه} ك
معنى {سبيلا}ك س
المقصود من هَذِهِ التَذْكِرَةٌ - س
المراد من قوله تعالى { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } ك ش

تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) ) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) )
المراد من قوله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه} ك س ش
مناسبة ذكر صفة العلم والحكمة مع المشيئة – ك
المراد ب { رحمته } س ش
عناية الله تعالى بعباده المؤمنين - ك س



" تلخيص أقوال المفسرين"

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) )
المقصد من الآية ك
يمتن الله تعالى ويبين نعمته على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بما نزّله عليه من القرآن العظيم .


مناسبة الآية لما بعدها س هذه المسألة تذكر في الآية التالية حينما يعرف موضوع الآية يربط بما قبله ونقول: مناسبة الآية لما قبلها، لأني الآن لا أعرف ما الآية التالية.
لما ذكر الله تعالى تنزيل القرآن ومعلوم ما يشمله القرآن من شرائع وجب تنفيذها أمره بالصبر على ذلك .


فائدة التوكيد في الضمائر{ إنا نحن نزلنا }ش
زيادة التأكيد على أن القرآن منزل من عند الله تبارك وتعالى وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتْ به كما يَدَّعِي الْمُشْرِكونَ .

المقصود من{ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا}ش
ما يفيده مجيء الفعل {نزلنا} على هذه الصيغة
أيْ: فَرَّقْنَاهُ في الإنزالِ ولم نُنْزِلْه جُملةً واحدةً


دلالة الآية على أن تنزيل القرآن كان مفرقا ش مكررة
في قوله تعالى { نزلناه - تنزيلًا } دلالة على تنزيله مفرقاولم ينزل جُملةً واحدةً .


الحكمة من تنزيل القرآن - س من مقاصد إنزال القرآن
أن القرآن الكريم فيه الوعدُ والوَعيدُ، وبيانُ كلِّ مَا يَحْتَاجُه العِبادُ، وفيهِالأمْرُ بالقِيَامِ بأوامِرِ الله وشرائعِه أَتَمَّ القِيامِ، والأمر بالسَّعْيُ فيتَنْفِيذِها والصبر على ذلك .


تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) )
مناسبة الآية لما قبلها - س ك أرأيت.. قد كررت المسألة أيضا وهذا غير مناسب.
لما ذكر الله تعالى إكرامه لرسوله صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن طلب منه الصبر على قضائه وقدره ، فالسعي في تنفيذ ما يشمله القرآن يحتاج منه صبر على ذلك .
المخاطب بالآيات كان يجب تقديم هذه المسألة في أول آية.
هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من أمته .


المراد من{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ك س ش متعلق الصبر، أو: معنى {حكم ربك}
أي: اصْبِرْ لِحُكْمِه القَدَرِيِّ فلا تَسْخَطْهُ, ولِحُكْمِه الدينِيِّ فامْضِ عليه, ولا يَعُوقُكَ عنه عائقٌ،ومِن حُكْمِه وقَضائِه تَأخيرُ نَصْرِك إلى أجَلٍ اقْتَضَتْهُ حِكمتُه.


المقصود من{ آثما } ك س ش معنى ....
أي: فاعِلاً للمَعصيةً فاجرفي أفعاله . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير
المقصود من{ كفورا }ك س ش معنى ....
الكفور هو الكافر بقلبه الغالٍ (المعرف بالألف واللام لا ينون) في الكُفْرٍ . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير

الحكمة من النهى عن طاعة العصاة والكافرين - س ك
لأن طاعتهم لا بُدَّ أنْ تكونَ في المعاصي فهم لا يَأْمُرُونَ إلاَّ بما تَهْوَاهُ أنْفُسُهم ولأنهم يريدون أن يصدوا عن اتباع الحق والعمل بما أنزل الله .
المراد من الآثم والكفور - ش
قيل المقصود عُتبةُ بنُ رَبيعةَ والوليدُ بنُ الْمُغيرةِ؛ لأنهما قالا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ عن هذا الأمْرِ ونحن نُرْضِيكَ بالمالِ والتزويجِ .
هذا سبب نزول يفصل أول الملخص.


تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) ومن اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) )
مناسبة الآية لما قبلها س
ولَمَّا كانَ الصبْرُ يُساعِدُه القيامُ بعبادةِ اللَّهِ والإكثارُ مِن ذِكْرِه، أَمَرَه اللَّهُ بذلك .
معنى {بكرةً وأصيلا} ك س ش
أي: أول النّهار وآخره.

المراد من الذكر س ش يجب تقديم هذه المسألة عن السابقة كما هي في الآية.
قيل أي صَلِّ لرَبِّكَ أوَّلَ النهارِ وآخِرَه، فأوَّلُ النهارِ: صلاةُ الصبْحِ، وآخِرُه: صلاةُ العصْر . ذكره الأشقر
و المعنى شامل لأنواع العبادات فدَخَلَ في ذلك الصلواتُ المكتوباتُ ومايَتْبَعُها مِن النوافلِ والذِّكْرِ، والتسبيحِ والتهليلِ والتكبيرِ في هذهالأوقاتِ . ذكره السعدي


المراد من الأمر بالسجود - س
أي: أَكْثِرْ له مِن السجودِ، ولا يكونُ ذلك إلاَّ بالإكثارِ مِن الصلاةِ. الإكثار من السجود لا يفهم من قوله تعالى: {فاسجد له} وإنما يفهم من قوله: {ليلا طويلا} ويمكنك التعبير عن المسألة بــ : معنى الآية.

تقييد الأمر المطلق في الآية {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } س
} تَقَدَّمَ تَقييدُ هذا الْمُطْلَقِ بقولِه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً}الآيةَ


قيام الليل من أشرف العبادات وأحبها إلى الله تعالى
تكرار الأمر بهذه العبادة دلالة على شرفها وحب الله تعالى لها فقول الله تعالى{ومناللّيل فاسجد له وسبّحه ليلا طويلا} كقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةًلك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] وكقوله: {يا أيّهاالمزّمّل قم اللّيل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتّلالقرآن ترتيلا} [المزّمّل: 1-4
[
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) )
مرجع الضمير في { هؤلاء } ك س ش مرجع اسم الإشارة.
الكفّار والْمُكَذِّبِينَ للرسول صلى الله عليه وسلم ومن أشبههم في حبّ الدّنيا والإقبال عليها ، وترك الدّار الآخرة وراء ظهورهم .
المقصود من { العاجلة } ك س ش المقصود بــ
الدنيا
المعنى اللغوي ل {وَيَذَرُونَ}س
أي: يَتْرُكُونَ ويُهْمِلُون .
المقصود من {وَرَاءَهُمْ}س
أي: أمامَهم
المراد من { يومًا ثقيلا} ك س ك
يعني: يوم القيامة
سبب تسمية يوم القيامة ب{ ثقيلا } ش س
سُمِّيَ ثَقيلاً لِمَا فيه مِن الشدائدِ والأهوالِ والذي مِقدارُه خَمسونَ ألْفَ سنةٍ ممَّا تَعُدُّونَ.
سمات أهل الدنيا المعرضين عن الآخرة - ك س ش
أنهم يحبون الدنيا ويقبلون عليها ويعرضون عن الآخرة فهم لا يَسْتَعِدُّونَ لها ولا يَعْبَؤُونَ بها وكأنَّهم ما خُلِقُوا إلاَّ للدنيا والإقامةِ فيها . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير

تفسير قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) )
المقصود من {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } س ش معنى {شددنا أسرهم} وقبلها مسألة: معنى {خلقناهم}
أي: أَحْكَمْنَا خِلْقَتَهُم وشددنا أوصالهم بعضا إلى بعض بالأعصابِ، والعُروقِ، والأوتارِ، والقُوَىالظاهرةِ والباطنةِ، حتى تَمَّ الْجِسمُ واسْتَكْمَلَ، وتَمَكَّنَ مِن كلِّما يُريدُه. خلاصة قول السعدي والأشقر .

المقصود من{وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا} ك س ش معنى ...
هناك عدة أقوال : بل قولان
الأول : وإذا شئنا بعثناهم يومالقيامة، وبدلناهم فأعدناهم خلقًا جديدًا. وهذا استدلالٌ بالبداءة علىالرّجعة . قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحد ذكره ابن كثير ووافقه السعدي الاستدلال بالبداءة على الرجعة ليس من هذا القول وإنما من الآية ككل، ويفصل في مسألة مستقلة تحت عنوان: دلالة الآية على البعث.
الثاني : وإذاشئنا أتينا بقومٍ آخرين غيرهم أطوع لله منهم وذلك في الدنيا، كقوله: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ وما ذلك على اللّه بعزيزٍ} قاله ابن زيدٍ وابن جريرٍ ذكره بن كثير ووافقه الأشقر .


الدليل العقلي على البعث والجزاء س نعم هذه المسألة التي قصدت قبل قليل.
اسْتَدَلَّ الله تعالى عليهم وعلى بَعثِهم بدليلٍ عَقْلِيٍّ، وهو دليلُ الابتداءِ فقالَ {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ}؛أي: أَوْجَدْنَاهم مِن العَدَمِ ،فالذي أَوْجَدَهم على هذهِ الحالةِ، قادرٌ على أنْ يُعِيدَهم بعدَ مَوْتِهم لِجَزَائِهم، والذي نَقَلَهم في هذه الدارِإلى هذه الأطوارِ لا يَلِيقُ به أنْ يَتْرُكَهم سُدًى، لا يُؤْمَرُونَ ولايُنْهَوْنَ ولا يُثَابُونَ ولا يُعاقَبُونَ.

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) )
مرجع الضمير في قوله تعالى {إنّ هذه} ك مرجع اسم الإشارة
يعني: هذه السّورة
معنى {سبيلا}ك س
أي طريقًا ومسلكًا
المقصود من هَذِهِ التَذْكِرَةٌ - س
أي: يَتَذَكَّرُ بها المُؤْمِنُ فيَنْتَفِعُ بما فيها مِن التخويفِ والترغيبِ، فاللَّهُ يُبَيِّنُ الحقَّ والْهُدَى، ثميُخَيِّرُ الناسَ بينَ الاهتداءِ بها أو النفورِ عنها، معَ قِيامِ الْحُجَّةِ عليهم .
المراد من قوله تعالى { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } ك ش معنى الآية، أو: المقصود بالسبيل، أو: كيف يُتخذ السبيل إلى الله؟
أي: من شاء اهتدى بالقرآن بالإيمان والطاعة ، كقوله: {وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليمًا} خلاصة قول ابن كثير والأشقر

تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) ) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) )
المراد من قوله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه} ك س ش معنى الآية، أو نقول: دلالة الآية على أن للعبد مشيئة لكنها لا تخرج عن مشيئة الله.
أي: لا يقدر أحدٌ أن يهدي نفسه، ولايدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا إلا بمشيئة الله تعالى فإن مشيئة الله نافذة والأمْرُ إليه سُبحانَه ليس إليهم، والخيرُ والشرُّ بيدِه، فمَشيئةُ العبْدِ مُجَرَّدَةً لا تَأتِي بخيرٍ ولا تَدفعُ شَرًّا، إلا إنْ أَذِنَ اللهُ بذلك . خلاصة قول السعدي والأشقر وابن كثير .


مناسبة ذكر صفة العلم والحكمة مع المشيئة – ك
أن الله تعالى عليمٌ بمن يستحقّ الهداية فييسّرها له، ويقيّض لهأسبابها، ومن يستحقّ الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمةُ في هدايةِ الْمُهْتَدِي وإضلالِ الضالّ، فله الحكمة البالغة والحجّةالدّامغة سبحانه .
المراد ب { رحمته } س ش معنى الدخول في الرحمة

قيل هدايته وتوفيقه لأسباب السعادة . ذكره السعدي
وقيل جنته . ذكره الأشقر
ولا تعارض بين القولين فرحمة الله بعباده المؤمنين تشمل الدنيا والآخرة . ولا تعارض لأن الجنة هي منتهى رحمة الله.


عناية الله تعالى بعباده المؤمنين - ك س
يدخل الله تعالى من يشاء من عباده في رحمته وذلك بأنيَخْتَصُّهُ بعِنايتِه، ويُوَفِّقُه لأسبابِ السعادةِ ويَهْدِيهِ لطُرُقِها ثم يوم القيامة يدخلهم جنته . هذا هو جمع القولين السابقين في معنى الدخول في الرحمة وليس مسألة جديدة.



أحسنت، بارك الله فيك
ونأمل مزيد عناية بصياغة عناوين المسائل
التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 30/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 18/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 11/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 91 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 26 جمادى الآخرة 1436هـ/15-04-2015م, 08:59 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تلخيص تفسير صدر سورة العنكبوت من كتاب الفوائد لابن القيم

المقصد من الرسالة :

بيان سنة الله تعالى في ابتلاء عباده المؤمنين والحكمة من ذلك .

أصناف الناس في إجابة الرسل :

الصنف الأول :
أن يقول آمنا بالله ورسله .
سنة الله تعالى في ذلك :
أن يبتليه ويختبره

مادة الابتلاء :

معاداة أهل الكفر له وإيذائه ، وابتلاؤه بما يؤلمه .
الحكمة من هذا :
ليبيبن الله تعالى الصادق من الكاذب .
العاقبة :
يحصل للمؤمن الألم في بد من الدّنيا ابتداء ثمّ تكون له العاقبة في الآخرة والنعيم الدائم .

- الصنف الثاني :
أن لا يقول: آمنا ويكذب بالرسل و يستمر على عمل السّيّئات.

سنة الله تعالى في ذلك :
أن يرسل الرّسل إلى الخلق، فيكذبهم النّاس ويؤذونهم، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ}، وقال تعالى: {كذلك ما أتى الّذين من قبلهم من رسولٍ إلّا قالوا ساحرٌ أو مجنون}، وقال تعالى: {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك}.
فلا يحسب الكافر أنه يسبق الرب لتجربته فإنَّ أحدا لن يعجز الله تعالى .
الحكمة من هذا :
إقامة الحجة على الكافرين بكفرهم وتكذيبهم للرسل .
العاقبة :
الكافر تحصل له النّعمة ابتداء، ثمّ يصير في الألم وتلزمه عقوبة أعظم وأدوم في الآخره .

أصناف الناس في الابتلاء :
الصنف الأول :
منهم من يصبر ويتحمل الأذي والألم ويكون من الشاكرين فينال بهذا التمكين والعاقبة الحسنة

ودليل ذلك : سأل رجل الشّافعي، فقال يا أبا عبد الله: أيّما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلي؟
فقال الشّافعي: (لا يمكّن حتّى يبتلى)
فإن الله ابتلي نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلمّا صبروا مكّنهم

الصنف الثاني :
صنف لا يصبر ولا يثبت
بل يطيش بجهله وسرعة تقلب قلبه وخوفه بطش الناس وآذاهم فيوافق الكافرين ويطاوعهم ثمّ قد يتسلطون هم أنفسهم عليه فيهينونه ويعاقبونه أضعاف ما كان يخافهم من البداية .
أمثلة لأنواع الابتلاء :
الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع النّاس والنّاس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه، كقوم يريدون الفواحش والظّلم ولهم أقوال باطلة في الدّين، أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وهم في مكان مشترك كدار جامعة أو رباط أو قرية فيها غيرهم وهم لا يتمكنون ممّا يريدون إلّا بموافقة ألئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم فيؤذونهم لينالوا ذلك.

الواجب في مواجهة ذلك :
- من هداه الله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثمّ تكون له العاقبة في الدّنيا والآخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع من آذاهم وعاداهم؛ مثل المهاجرين في هذه الأمة، ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها.
- وقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقة وإبطان المخالفة كالمكره على الكفر .
- وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه، وإلّا عذب بغيرهم؛
كما في حديث عائشة الّذي بعثت به إلى معاوية -ويروى موقوفا ومرفوعًا-: (من أرضى الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس) وفي لفظ: (رضي الله عنه وأرضى عنه النّاس ومن أرضى النّاس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا)، وفي لفظ: (عاد حامده من النّاس ذامّا).
إذ المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي النّاس فلا خلاص لأحد ممّا يؤذيه البتّة.


دلائل حكمة الله تعالى من ابتلاء المؤمنين :

- لا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه؛ فهو محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا، قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملاً}، وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}، وقال تعالى: {فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.

- ليبين الصادق من الكاذب قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين} آل عمران و في البقرة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ}.

- أن النّفس لا تزكو وتصلح حتّى تمحص بالبلاء كالذهب الّذي لا يخلص جيده من رديئه حتّى يفتن في كير الامتحان .

فوائد :
النّفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شرّ يحصل للعبد؛ فلا يحصل له شرّ إلّا منها قال تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}، وقال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم}، وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثيرٍ}، وقال تعالى: {ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال} وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنّهم ظلموا أنفسهم؛ فهم الظّالمون لا المظلومون .

وقد عرف ذلك :
أبواهم : {
قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}
والسّلف كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود: (أقول فيها برأبي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشّيطان والله ورسوله بريئان منه).
وفي الحديث الإلهي حديث أبي ذر الّذي يرويه الرّسول عن ربه عز وجل: (يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلّا نفسه).
وفي الحديث الصّحيح حديث سيد الاستغفار: (أن يقول العبد اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شرّ ما صنعت وأبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنّة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنّة).
وفي حديث أبي بكر الصّديق من طريق أبي هريرة وعبد الله بن عمرو: أن رسول الله علّمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه: (اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا اله إلّا أنت أعوذ بك من شرّ نفسي وشر الشّيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم؛ قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك).
وكان النّبي يقول في خطبته: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا).
خطر الجهل :

قال النّبي: (إنّي آخذ بحجزكم عن النّار وأنتم تهافتون تهافت الفراش)؛ شبَّههم بالفراش لجهله وخفة حركته، وهي صغيرة النّفس فإنّها جاهلة سريعة الحركة.
وفي الحديث: (مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة)، وفي حديث آخر: (للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا) ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الجهل، ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفّه؛ قال عن فرعون: إنّه استخف قومه فأطاعوه، وقال تعالى: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}؛ فإن الخفيف لا يثبت بل يطيش،
فائدة اليقين :
صاحب اليقين ثابت يقال: أيقن إذا كان مستقرًّا، واليقين: استقرار الإيمان في القلب علما وعملا؛ فقد يكون علم العبد جيدا، لكن نفسه لا تصبر عند المصائب، بل تطيش.
قال الحسن البصريّ: (إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته؛ فإذا رأيت بصيرًا صابرًا فذاك).
قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 1 شعبان 1436هـ/19-05-2015م, 10:59 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:

قال الله تبارك وتعالى { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص 83

جاءت تلك الآية عقب ذكر الله تعالى قصة قارون وما آتاه الله من نعيم الدنيا وما ختم له فيها بخسف داره وملكه وسلطانه و((في)) الآخرة أشد عذابًا وأبقى نسأل الله العافية .
وابتدىء الكلام باسم الإشارة لتشويق السامع لمعرفة المشار إليه .
والدار الآخرة هي الجنة التى قال الله تبارك وتعالى في وصفها في الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). وفي بعض رواياته: (ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل).

والدار هي محل السكنى ووصفت بالآخرة لأنها الدائمة التى لا دار بعدها وقد ذكرت الجنة هنا بهذا الاسم لمناسبة ذكر دار قارون التى خسف الله بها الأرض لمقابلة تلك الدار الزائلة بالدار الخالدة ،

والدنيا مهما بلغ المرء فيها من النعيم لا يساوي مثقال ذرة من نعيم الآخرة عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه و سلم : لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء .وقال الله تبارك وتعالى {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

فتأمل نعيم الدنيا بكل ما فيها وقدر ما يحصل المرء من لذاتها لا يساوى شيئًا مقابل نعيم الآخرة ومقابل غمسة واحدة في نار جهنم ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة واحدة ويقال له يابن آدم هل رأيت نعيمًا قط ؟ هل رأيت خيرًا قط ؟هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا والله ما رأيت نعيم قط ولا رأيت خير قط
أنساه شقاء العذاب كل نعيم ورخاء ولذلك فسيتمنى الكافر أن ينجو من عذاب النار ولو قدم لله ملء الأرض ذهباً كما قال الله تبارك وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ }[آل عمران:91]

تلك الدار الآخرة ، الجنة ، منتهى النعيم الذي لا يفنى ، يجعلها الله تعالى لمن ؟

{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا }

والعلو في الأرض هو التكبر عن الحق وعلى الخلق وهو الطغيان في الأعمال وقال الكلبي، ومقاتل: استكباراً عن الإيمان، وقال عطاء: علواً أي استطالة على الناس وتهاوناً بهم. وقال الحسن: لم يطلبوا الشرف والعز عند ذي سلطان.

والكبر من الأخلاق الرذيلة التى يبغضها الله تبارك وتعالى قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.(لقمان

) وكذا قوله تعالى { لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} النحل

والكبر سبب طرد ابليس من رحمة ربه قال الله تعالى{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ }الأعراف

ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر كما ذكر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أصل كل الشرور وسبب كل طغيان وفي مقابله التواضع والخضوع للحق وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله وزاده عزًا وشرفا وما تكبر عبد إلا أعقبه الله ذلًا وهوانًا

وكيف يتكبر من عرف أصل خلقته وعلم فقره وضعفه مقابل غنى ربه خالقه وكيف يتكبر من علم تقلب الأيام والأحوال وأن كل ذلك بيد الملك { قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

والفساد )) والفساد : ضد الصلاح ، وهو كل فعل مذموم في الشريعة أو لدى أهل العقول الراجحة و قال الكلبي: هو الدعاء إلى عبادة غير الله. وقال عكرمة: أخذ أموال الناس بغير حق. وقال ابن جريج ومقاتل والثوري: العمل بالمعاصي وقيل هوقتل الأنبياء والمؤمنين وانتهاك حرمتهم .ولا خلاف في تلك المعاني فكلها يكمل بعضها بعضا وهي أمثلة لأنواع العمل بالفساد في الأرض

ومعنى{ لا يريدون }كناية عن أنهم لا يفعلون ،فهم ليس لهم إرادة في ذلك فكيف إذا يعملون على الإفساد والعلو في الأرض والتكبر على الخلق ،و لزم في مقابل ذلك، أن تكون إرادتهم مصروفة إلى اللّه، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع لعباد اللّه، والانقياد للحق والعمل الصالح وهؤلاء هم المتقون الذين جعل الله العاقبة لهم .

قال الله تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

وَالْعَاقِبَةُ أي حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر

"والعاقبة للمتقين"، أي: العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب معاصيه.وقال قتادة: الجنة للمتقين. .

وفي معنى التقوى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ،والإستعداد ليوم الرحيل )).

و قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : (( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ )) (آل عمران :102)
قال :أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر.
وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات ومعنى ذكره فلا ينسي ذكر العبد بقلبه لأوامرالله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها .

وقال طلق بن حبيب رحمه الله :التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) فلا! تحقرن شيئامن الخير أن تفعله ولا شيئا من الشر أن تتقيه.


ولهذا علم من هذا الحصر في الآية الكريمة، أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد، ليس لهم في الدار الآخرة، نصيب فليتأمل عباد الله تلك المعان ولينظر كل منا في قلبه وإراداته وما يحب وما يطمع
فقد يبدو من مظهرك وسعيك يا طالب العلم أنك تريد الدار الآخرة ولكن قلبك يريد بهذا العلم الظهور والتفوق على الأقران
وآخر يريد أن يكون أفضل من جاره في المال والولد وآخر يريد الجاه والسلطان وأن يسوس الناس عبيد له
ولقد علم أن الطريق إلى الله تعالى يقطع بالقلوب لا بالأبدان ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )).
فوجب على المؤمن الساع لله والدار الآخرة أن يكون همه رضا ربه ولا يكون همه الغنى والعلو في الأرض ولا يطمع في الدنيا بل يأخذ منها قدر حاجته وكفايته وأن يريد الخير بعباد الله فيحمل في قلبه حب الخير للخلق جميعًا ولا يعنى ذلك عدم السعي في الدنيا والعمل وبذل الأسباب بل كل ميسر لما خلق له وعلى المرء السعي والكسب ابتغاء رضوان الله وابتغاء الإنفاق في سبل الخيرات وفي هذا فليتنافس المتنافسون .
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين
________________________________________________
تفسير القرآن العظيم ، يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ- جمهرة العلوم
معانى القرآن ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) .جمهرة العلوم
تفسير ابن كثير - برنامج آيات
تفسير السعدي - برنامج آيات
تفسير ابن عاشور - برنامج آيات
تفسير البغوي - برنامج آيات
بارك الله فيك وأحسن إليك
ومقصد الرسالة واضح جدا بارك الله فيك، وقد استوفيت مسائلها وأحسنت الاستشهاد بالآيات والأحاديث وأقوال السلف.
لكن أجد المقام يتسع لمزيد تفصيل.
فالكلام عن الجنة مثلا مختصر جدا، لا نجده يترك أثرا كبيرا في نفس القاريء أو السامع لسرعة تجاوز هذه المسألة المهمة.
والكلام عن الكبر والفساد أيضا كذلك، والواجب التفصيل في بيان ذم هاتين الخصلتين والآثار المترتبة على وجودهما في الأمة مع ضرورة الاستشهاد لذلك بما ورد عنهما في القرآن والسنة من نماذج قد جعلها الله عبرة.
ولو وقفت مع قصة قارون نفسها لكان في ذلك إثراء جيدا لرسالتك.
وفي المقابل يجب الوقوف مليا مع ضد هاتين الخصلتين وهما التواضع والإصلاح وبيان فضيلتهما في الناس، مع ضرورة التمثيل لهما بما جاء في القرآن والسنة وآثار السلف وما أكثر هذه النماذج، لأن ذم خصلة معينة يتضمن مدح ضدها والحث عليها.
فهذا فقط ما يلاحظ على الرسالة غياب الأمثلة والتي لها أكبر الأثر في إيضاح مقصد الرسالة وتأثيرها في نفس السامع.
أما الكلام على مسألة التقوى فليس شرطا أن يكون فيه توسع لأن المسألة في ذاتها كبيرة جدا، لكن يكتفى بما يتصل مباشرة بمقصد الرسالة وهو ذم الكبر والإفساد في الأرض فإن تركهما من التقوى، والله أعلم.
التقييم:
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 20 / 16
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: المواءمة ( مناسبة المسائل المذكورة للمخاطبين ) : 20 / 18
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 /10
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 10 / 10
= 90 %
وفقك الله


رد مع اقتباس
  #37  
قديم 16 شعبان 1436هـ/3-06-2015م, 01:38 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تلخيص رسالة تفسير

قوله تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء }

مقاصد الرسالة :


- إثبات الخشية للعلماء
- نفي الخشية عن غيرهم
- نفى العلم عن غير أهل الخشية
- بيان تواتر الأحاديث والآثار على إثبات ذلك


تلخيص المقاصد :


أولًا : إثبات الخشية للعلماء
قد اتفق جمهور العلماء على ذلك لأن صيغة إنما تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتفاق لأن خصوصية إن إفادة التوكيد .


ثانيًا : نفي الخشية عن غير العلماء
دلالة ذلك من صيغة " إنما " وإن " ما " هي الكافة ، فإذا دخلت " ما " الكافة على " إن " أفادت الحصر
وهذه هو الصحيح عند بعض العلماء عن جمهور الناس .


من قال بهذا القول :
القاضي وابن عقيل والحلواني والشيخ موفق الدين وفخر الدين إسماعيل بن علي
وهو قول أكثر الشافعية كأبي حامد وأبي الطيب والغزالي والهراسي
وقول طائفة من الحنفية كالجرجاني
وكثير من المتكلمين كالقاضى أبي بكر وغيره
وكثير من النحاة وقد حكاه أبو علي كما ذكر الرازي عن النحاة جملة ولكن اختلفوا في دلالتها على النفي .


اختلاف النحاة على دلالة النفي
اختلفوا على قولين :
الأول : هو بطريق المنطوق
قاله القاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المني والشيخ موفق الدين " إن دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء " وهو قول أبي حامد وأبي الطيب من الشافعية والجرجاني من الحنفية .
الثاني : هو بطريق المفهوم
قال به القاضي في قوله الآخر وابن عقيل والحلواني وهو قول كثير من الحنفية والمتكلمين
واختلفوا هل دلالتها على النفي بطريق النص أو الظاهر
وأصحاب هذا القول على قسمين :
- منهم من لا يرى كون المفهوم حجة بالكلية كالحنفية ومن وافقهم من المتكلمين
- ومنهم من يراه حجة في الجملة ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده على أنه لا مفهوم لها
وحجتهم في ذلك ورودها لغير الحصر كثير جدًا مثل قوله تعالى {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة".وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون "


القول الصحيح في دلالة " إنما "
الصحيح في ذلك أنها تدل على الحصر وأدلة ذلك :
1- أن ذلك معلوم بالضرورة من لغة العرب ومثل قوله تعالى {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}
2- أن " إن " تفيد توكيد الكلام و "ما " الزائدة تقوى هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام


3- أن "إن" المكفوفة ب " ما " استعملت في الحصر فصارت حقيقة عرفية فيه وهذا القول ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهوقولٌ حكاه غيره في المسألة.


4- وأما قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم}.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الربا في النسيئة"، و"إنّما الشهر تسع وعشرون "

فيقال: معلومٌ من كلام العرب أنّهم ينفون الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارةًلانتفاء ذاته وتارةً لانتفاء فائدته ومقصوده، ويحصرون الشيء في غيره تارةًلانحصار جميع الجنس فيه وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه، ثمّ إنهمتارة يعيدون النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغةإذا كان المقصود الحقيقيّ بالاسم منتفيا عنه ثابتًا لغيرهكقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والاٍنجيل وما أنزل إليكم مّن رّبكم}، فنفى عنهم مسمّى الشيء مع أنّه في الأصل شامل لكلّ موجودٍ من حق وباطلٍكما كان ما لا يفيد ولا منفعة فيه يؤول إلى الباطل الذي هو العدم فيصيربمنزلة المعدوم بل قد يكون أولى بالعدم من المعدم المستمر عدمه لأنه قديكون فيه ضررٌ فمن قال الكذب فلم يقل شيئًاولم يعمل ما ينفعه بل ما يضرّه لم يعمل شيئا، ولهذا لمّا سئل النبيّ - صلىالله عليه وسلم - عن الكفار فقال: "ليسوا بشيء".

ويقول أهل الحديث عن بعض الرواة المجروحين والأحاديث الواهية: "ليس بشيءٍ "إذا لم يكن مما ينتفع به في الرواية لظهور كذبه عمدًا أو خطأ، ويقال أيضًالمن خرج عن موجب الإنسانية في الأخلاق ونحوها: هذا ليس بآدميّ ولا إنسانٍوما فيه إنسانية، ومنه قول النّسوة في يوسف عليه السلام: {ما هذا بشرًا إن هذا إلاّ ملكٌ كريمٌ}.


5- أما قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، وقوله: {إنّما أًنت منذرٌ}.
ونحو ذلك، فالجواب عنه أن يقال: الحصر تارةً يكون عامًا كقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}، ونحو ذلك.
وتارةً يكون خاصًّا بما يدل عليه سياق الكلام فليس الحصر أن ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.
فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، فيه نفي تعدد الإلهيّة في حقّه سبحانه وأنّه لا إله غيره، ليس المراد أنه لا صفة له سوى وحدانية الإلهية.


فهذا وجه إفادتها الحصر في هذه الآية على القول المشهور وهو "إنما" في قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}، هي الكافة.
وأما على قول من جعلها موصولةًفتفيد الحصر من جهةٍ أخرى وهو أنّها إذا كانت موصولةً فتقدير الكلام "إنالذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضيالعموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكونالخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر،ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر.



ثالثاً: نفي العلم عن غير أهل الخشية
وذلك من جهة الحصر أيضًا وهو من حصر الثاني في الأول ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله أن يكون الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين مثل قوله تعالى: {إنّما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرّحمن بالغيب}، و{إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها خرّوا سجّدًا وسبّحوا بحمد ربّهم وهم لا يستكبرون (15) تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
قال: وكذلك الحصر في هذه الآية أعني قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}فتقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، وتقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه.



رابعًا : بيان تواتر الأحاديث والآثار على إثبات ذلك


1- أن من خشى الله وأطاعه وامتثل أمره واجتنب نواهيه فهو عالم
-عن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
- وروى الدارميّ من طريق عكرمة عن ابن عباسٍ: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}قال: "من خشي اللّه فهو عالمٌ
- عن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- ذكر ابن أبي الدنيا عن عطاءٍ الخراسانيّ في هذه الآية: "العلماء باللّه الذين يخافونه ".
- عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".


- سئل سعد بن إبراهيم -: من أفقه أهل المدينة؟
قال: "أتقاهم لربّه ".
- وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟
فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".


2- أنه لا يخشى الله إلا العلماء فمن لم يخش الله فهو جاهل ليس بعالم
- عن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً"
- عن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ.
- ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك وما علم من لم يخشك وما حكم من لم يؤمن بك.


3- سمات العلماء الذين يخشون ربهم
- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
- وعن يحيى بن جعدة، عن عليٍّ قال: "يا حملة العلم، اعملوا به فإنّما العالم منعمل بما علم فوافق علمه عمله، وسيكون أقوامٌ يحملون العلم ولا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم.
يجلسون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا،حتى إنّ الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غير ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللّه عزّ وجلّ ".


- عن مسروقٍ قال: " كفى بالمرء علمًا أن يخشى اللّه عزّ وجل وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه ".
- قال الحسن: "إنما الفقيه الزاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربّه ".
- وعن عبيد اللّه بن عمر أنّ عمر بن الخطاب سأل عبد اللّه بن سلامٍ: "من أرباب ألعلم؟
قال: الذين يعملون بما يعلمون ".


5- من عصى الله فهو جاهل
- قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".


- وعن قتادة قال: "أجمع أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على أنّ كلّ من عصى ربّهفهو جاهلٌ جهالةً، عمدًا كان أو لم يكن، وكلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ ".


- وقال مجاهدٌ: "من عمل ذنبًا من شيخأو شابٍ فهو بجهالةٍ"، وقال أيضًا: "من عصى ربّه فهو جاهلٌ حتى ينزع عنمعصيته "، وقال أيضًا: "من عمل سوءًا خطأً أو إثمًا فهو جاهلٌ حتى ينزع منه ".
وقال أيضًا هو وعطاء: "الجهالة: العمد".
رواهنّ ابن أبي حازمٍ وغيره، وقال: وروي عن قتادة، وعمرو بن مرة، والثوريّ نحو ذلك.


- -وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".


6- سبب ملازمة الخشية للعالم ونفيها عن غيره
1- أنالعلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمةوالجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيته، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية،وبهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي،وعزتي، وجلالي، وسلطاني "، ويشهد لهذا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"
2- أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك وممايترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّهواطّلاعه كلّ هذا يوجبالخشية وإنما يقع فيالمحظورات من غفل عن استحضار هذه الأمور .


3 - أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا أي ليس علم في الحقيقة و روي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم-: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".
4 - أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه لهو تفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح، فجهله بذلك هو الذي جرّأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه.


5 - أنّ كل ما علم علمًا تامًّا جازمًا بانّ فعل شيئًا يضرّه ضررًا راجحًا لم يفعله، فإنّ هذا خاصة العاقل، فإنّ نفسه تنصرف عمّا يعلم رجحان ضرره بالطبع، فإنّ اللّه جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها، فلايفعل ما يجزم بأنه يضرّها ضررًا راجحًا، ولا يقع ذلك إلا مع ضعيف العقل.
7- أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد ألبتة فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً" ولا يعرف حقيقة ذلك إلا العالم .


8- أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ منالأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ، وهذا من أعظم الجهل، والأمر بعكس باطنه، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 17 شعبان 1436هـ/4-06-2015م, 02:34 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة
تلخيص رسالة تفسير
قوله تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء }

مقاصد الرسالة :


- إثبات الخشية للعلماء
- نفي الخشية عن غيرهم
- نفى العلم عن غير أهل الخشية
- بيان تواتر الأحاديث والآثار على إثبات ذلك


تلخيص المقاصد :


أولًا : إثبات الخشية للعلماء
قد اتفق جمهور العلماء على ذلك لأن صيغة إنما تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتفاق لأن خصوصية إن إفادة التوكيد .


ثانيًا : نفي الخشية عن غير العلماء
دلالة ذلك من صيغة " إنما " وإن " ما " هي الكافة ، فإذا دخلت " ما " الكافة على " إن " أفادت الحصر
وهذه هو الصحيح عند بعض العلماء عن جمهور الناس .


من قال بهذا القول :
القاضي وابن عقيل والحلواني والشيخ موفق الدين وفخر الدين إسماعيل بن علي
وهو قول أكثر الشافعية كأبي حامد وأبي الطيب والغزالي والهراسي
وقول طائفة من الحنفية كالجرجاني
وكثير من المتكلمين كالقاضى أبي بكر وغيره
وكثير من النحاة وقد حكاه أبو علي كما ذكر الرازي عن النحاة جملة ولكن اختلفوا في دلالتها على النفي .


اختلاف النحاة على دلالة النفي
اختلفوا على قولين :
الأول : هو بطريق المنطوق
قاله القاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المني والشيخ موفق الدين " إن دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء " وهو قول أبي حامد وأبي الطيب من الشافعية والجرجاني من الحنفية .
الثاني : هو بطريق المفهوم
قال به القاضي في قوله الآخر وابن عقيل والحلواني وهو قول كثير من الحنفية والمتكلمين
واختلفوا هل دلالتها على النفي بطريق النص أو الظاهر
وأصحاب هذا القول على قسمين :
- منهم من لا يرى كون المفهوم حجة بالكلية كالحنفية ومن وافقهم من المتكلمين
- ومنهم من يراه حجة في الجملة ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده على أنه لا مفهوم لها
وحجتهم في ذلك ورودها لغير الحصر كثير جدًا مثل قوله تعالى {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة".وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون "


القول الصحيح في دلالة " إنما "
الصحيح في ذلك أنها تدل على الحصر وأدلة ذلك :
1- أن ذلك معلوم بالضرورة من لغة العرب ومثل قوله تعالى {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}
2- أن " إن " تفيد توكيد الكلام و "ما " الزائدة تقوى هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام
3- أن "إن" المكفوفة ب " ما " استعملت في الحصر فصارت حقيقة عرفية فيه وهذا القول ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهوقولٌ حكاه غيره في المسألة.
4- وأما قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم}.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الربا في النسيئة"، و"إنّما الشهر تسع وعشرون "

فيقال: معلومٌ من كلام العرب أنّهم ينفون الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارةًلانتفاء ذاته وتارةً لانتفاء فائدته ومقصوده، ويحصرون الشيء في غيره تارةًلانحصار جميع الجنس فيه وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه، ثمّ إنهمتارة يعيدون النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغةإذا كان المقصود الحقيقيّ بالاسم منتفيا عنه ثابتًا لغيرهكقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والاٍنجيل وما أنزل إليكم مّن رّبكم}، فنفى عنهم مسمّى الشيء مع أنّه في الأصل شامل لكلّ موجودٍ من حق وباطلٍكما كان ما لا يفيد ولا منفعة فيه يؤول إلى الباطل الذي هو العدم فيصيربمنزلة المعدوم بل قد يكون أولى بالعدم من المعدم المستمر عدمه لأنه قديكون فيه ضررٌ فمن قال الكذب فلم يقل شيئًاولم يعمل ما ينفعه بل ما يضرّه لم يعمل شيئا، ولهذا لمّا سئل النبيّ - صلىالله عليه وسلم - عن الكفار فقال: "ليسوا بشيء".

ويقول أهل الحديث عن بعض الرواة المجروحين والأحاديث الواهية: "ليس بشيءٍ "إذا لم يكن مما ينتفع به في الرواية لظهور كذبه عمدًا أو خطأ، ويقال أيضًالمن خرج عن موجب الإنسانية في الأخلاق ونحوها: هذا ليس بآدميّ ولا إنسانٍوما فيه إنسانية، ومنه قول النّسوة في يوسف عليه السلام: {ما هذا بشرًا إن هذا إلاّ ملكٌ كريمٌ}.


5- أما قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، وقوله: {إنّما أًنت منذرٌ}.
ونحو ذلك، فالجواب عنه أن يقال: الحصر تارةً يكون عامًا كقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}، ونحو ذلك.
وتارةً يكون خاصًّا بما يدل عليه سياق الكلام فليس الحصر أن ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.
فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، فيه نفي تعدد الإلهيّة في حقّه سبحانه وأنّه لا إله غيره، ليس المراد أنه لا صفة له سوى وحدانية الإلهية.


فهذا وجه إفادتها الحصر في هذه الآية على القول المشهور وهو "إنما" في قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}، هي الكافة.
وأما على قول من جعلها موصولةًفتفيد الحصر من جهةٍ أخرى وهو أنّها إذا كانت موصولةً فتقدير الكلام "إنالذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضيالعموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكونالخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر،ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر.



ثالثاً: نفي العلم عن غير أهل الخشية
وذلك من جهة الحصر أيضًا وهو من حصر الثاني في الأول ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله أن يكون الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين مثل قوله تعالى: {إنّما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرّحمن بالغيب}، و{إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها خرّوا سجّدًا وسبّحوا بحمد ربّهم وهم لا يستكبرون (15) تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
قال: وكذلك الحصر في هذه الآية أعني قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}فتقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، وتقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه.



رابعًا : بيان تواتر الأحاديث والآثار على إثبات ذلك


1- أن من خشى الله وأطاعه وامتثل أمره واجتنب نواهيه فهو عالم
-عن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
- وروى الدارميّ من طريق عكرمة عن ابن عباسٍ: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}قال: "من خشي اللّه فهو عالمٌ
- عن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- ذكر ابن أبي الدنيا عن عطاءٍ الخراسانيّ في هذه الآية: "العلماء باللّه الذين يخافونه ".
- عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".


- سئل سعد بن إبراهيم -: من أفقه أهل المدينة؟
قال: "أتقاهم لربّه ".
- وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟
فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".


2- أنه لا يخشى الله إلا العلماء فمن لم يخش الله فهو جاهل ليس بعالم
- عن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً"
- عن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ.
- ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك وما علم من لم يخشك وما حكم من لم يؤمن بك.


3- سمات العلماء الذين يخشون ربهم
- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
- وعن يحيى بن جعدة، عن عليٍّ قال: "يا حملة العلم، اعملوا به فإنّما العالم منعمل بما علم فوافق علمه عمله، وسيكون أقوامٌ يحملون العلم ولا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم.
يجلسون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا،حتى إنّ الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غير ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللّه عزّ وجلّ ".


- عن مسروقٍ قال: " كفى بالمرء علمًا أن يخشى اللّه عزّ وجل وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه ".
- قال الحسن: "إنما الفقيه الزاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربّه ".
- وعن عبيد اللّه بن عمر أنّ عمر بن الخطاب سأل عبد اللّه بن سلامٍ: "من أرباب ألعلم؟
قال: الذين يعملون بما يعلمون ".


5- من عصى الله فهو جاهل
- قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".


- وعن قتادة قال: "أجمع أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على أنّ كلّ من عصى ربّهفهو جاهلٌ جهالةً، عمدًا كان أو لم يكن، وكلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ ".


- وقال مجاهدٌ: "من عمل ذنبًا من شيخأو شابٍ فهو بجهالةٍ"، وقال أيضًا: "من عصى ربّه فهو جاهلٌ حتى ينزع عنمعصيته "، وقال أيضًا: "من عمل سوءًا خطأً أو إثمًا فهو جاهلٌ حتى ينزع منه ".
وقال أيضًا هو وعطاء: "الجهالة: العمد".
رواهنّ ابن أبي حازمٍ وغيره، وقال: وروي عن قتادة، وعمرو بن مرة، والثوريّ نحو ذلك.


- -وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".


6- سبب ملازمة الخشية للعالم ونفيها عن غيره
1- أنالعلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمةوالجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيته، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية،وبهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي،وعزتي، وجلالي، وسلطاني "، ويشهد لهذا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"
2- أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك وممايترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّهواطّلاعه كلّ هذا يوجب الخشية وإنما يقع في المحظورات من غفل عن استحضار هذه الأمور .


3 - أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا أي ليس علم في الحقيقة و روي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم-: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".
4 - أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه لهو تفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح، فجهله بذلك هو الذي جرّأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه.


5 - أنّ كل ما علم علمًا تامًّا جازمًا بانّ فعل شيئًا يضرّه ضررًا راجحًا لم يفعله، فإنّ هذا خاصة العاقل، فإنّ نفسه تنصرف عمّا يعلم رجحان ضرره بالطبع، فإنّ اللّه جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها، فلايفعل ما يجزم بأنه يضرّها ضررًا راجحًا، ولا يقع ذلك إلا مع ضعيف العقل.
7- أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد ألبتة فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً" ولا يعرف حقيقة ذلك إلا العالم .


8- أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ منالأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ، وهذا من أعظم الجهل، والأمر بعكس باطنه، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}.


أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.
وبقيت فوائد مهمّة مستفادة من هذه الرسالة، وتتصل مباشرة بمقصدها وليست بمعزل عنه، لذا لا يناسب أن نعتبرها استطرادات بل هي من مقاصد هذه الرسالة، ويمكنك مطالعتها في هذا النموذج:


تلخيص رسالة في تفسير قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}
لابن رجب الحنبلي رحمه الله.


عناصر الرسالة:

دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية.
● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية
● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم

بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.

● فوائد
• إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم

أصل العلم النافع العلم باللّه.
قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو ما كان عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.

• صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟

• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
.
• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.


تلخيص المسائل الواردة في تفسير ابن رجب رحمه الله لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.



● دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلت الآية على إثبات الخشية للعلماء من صيغة "إنما" التي تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتّفاق؛ لأنّ خصوصية "إن" إفادة التأكيد، وأمّا "ما"فالجمهور على أنّها كافةٌ.


● دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلت الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
من صيغة "إنّما" أيضا لأنّ "ما" الكافة إذا دخلت على "إنّ " أفادت الحصر وهو قول الجمهور.

- واختلفوا في دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
فقال كثيرٌ من الحنابلة، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين: إنّ دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء وهو قول أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
وذهبت طائفةٌ منهم كالقاضي في قوله الآخر وابن عقيلٍ والحلواني
إلى أنّ دلالتها على النفي بطريق المفهوم وهو قول كثيرٍ من الحنفية، والمتكلمين.
- واختلفوا أيضًا هل دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟

فقالت طائفة: إنّما تدلّ على الحصر ظاهرًا، أو يحتمل التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء وهو يشبه قول من يقول إنّ دلالتها بطريق المفهوم فإنّ أكثر دلالات المفهوم بطريق الظاهر لا النّص.
وظاهر كلام كثيرٍ من الحنابلة وغيرهم، أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص لأنّهم جعلوا "إنّما" كالمستثنى والمستثنى منه سواء وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.

● دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
دلت الآية
على نفي العلم عن غير أهل الخشية، من جهة الحصر أيضا فإنّ الحصر المعروف المطرد فهو حصر الأول في الثاني، وهو هاهنا حصر الخشية في العلماء، وأما حصر الثاني في الأول فقد ذكره الشيخ أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - وأنه قد يكون مرادًا أيضًا فيصير الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين، فيكون قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} يقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، ويقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه.

● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية
ما ورد عن السلف في تفسير الآية يوافق ما سبق من إثبات الخشية للعلماء ونفيها عن غيرهم ونفي العلم عن غير أهل الخشية.
- فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
- وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- وعن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
- وعن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ، ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك، وما علم من لم يخشك وما حكمة من لم يؤمن بك؟
- وعن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".
- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
- ومنه قول الحسن: "إنما الفقيه الزاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربّه ".
- وعن عبيد اللّه بن عمر أنّ عمر بن الخطاب سأل عبد اللّه بن سلامٍ: "من أرباب ألعلم؟قال: الذين يعملون بما يعلمون ".
- وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".
ويشهد لهذا قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون). وكذلك قوله تعالى: (إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}.
وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}.
وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ (119)}.
- قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".
- وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".

● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية.
وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن العلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمة والجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيته، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية.
ولهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي، وعزتي، وجلالي، وسلطاني ".
ويشهد له قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"
وفي "المسند" وكتاب الترمذيّ وابن ماجة من حديث أبي ذرٍّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إنّ السماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ للّه - عز وجلّ - واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزّ وجلّ ".

وقال الترمذيّ: حسنٌ غريبٌ.

الوجه الثاني: أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّه واطّلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كلّ هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور.
وإنّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشرّ، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

والشهوة وحدها، لا تستقلّ بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإنّ صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودةً في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكنّ غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على التصور التام،
ولهذا كان ذكر اللّه وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".

الوجه الثالث: أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا، وإن كان قد يصور الخبر عنه.
وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصوّر المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوبٌ أو مكروهٌ له، ولم يكذّب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغولٌ بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -:
"العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

الوجه الرابع: أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح.
فيكون جهله بذلك هو الذي جرّأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه.

الوجه الخامس: أنّ الله جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها، فلا يفعل ما يجزم بأنه يضرّها ضررًا راجحًا، لذلك لا يقدم عاقل على فعل ما يضرّه مع علمه بما فيه من الضرر إلا لظنّه أنّ منفعته راجحة إمّا بأن يجزم بأن ضرره مرجوح، أو يظنّ أن خيره راجح.

فالزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فأصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظنّ أنها تنفعهم نفعًا راجحًا، وذلك كلّه جهل إما بسيط وإمّا مركب.
ومثال هذا ما جاء في قصة آدم أنه: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.

قال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}.
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ (36) وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)}.
فالفاعل للذنب لو جزم بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله، لكنه يزين له ما فيه من اللذة التي يظنّ أنها مصلحة، ولا يجزم بوقوع عقوبته، بل يرجو العفو بحسناتٍ أو توبةٍ أو بعفو الله ونحو ذلك، وهذا كله من اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولو كان له علم كامل لعرف به رجحان ضرر السيئة، فأوجب له ذلك الخشية المانعة له من مواقعتها.

الوجه السادس: وهو أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد البتة فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك.
ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً"
.
- ما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها.
-
المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإنّ من وقع في ذنبٍ تجرّأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده ".
- إذا قدّر للمذنب أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية.
- وإن قدّر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على النّدم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة؛ من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة".
- يكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة الّتي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.

- إن قدّر أنه عفي عنه من غير توبةٍ فإن كان ذلك بسبب أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقلٌ أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.

- إن عفي عنه بغير سببٍ من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لابّد أن يلحقه عقوبات كثيرة منها:
1: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن اللّه تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21).

وقال: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)}.
2: ما يلحقه من الخجل والحياء من اللّه عز وجلّ عند عرضه عليه
وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداءً.
كما جاء في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني اللّه عزّ وجلّ العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمرّ بالحسنة، فيبيضّ لها وجهه ويسرّ بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك.
قال: فيخرّ للّه ساجدًا، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمرّ بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعمله غيره، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أتعرف يا عبدي؟
قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك؟
قال: فلا يزال حسنةٌ تقبل فيسجد، وسيئةٌ تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص اللّه قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين اللّه عز وجل ".
ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد اللّه بن سلامٍ وغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد اللّه بن عمر الثابت في "الصحيح "- حديث النجوى - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة دعا اللّه بعبده فيضع عليه كنفه فيقول: ألم تعمل يوم كذا وكذا ذنب كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا ربّ، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وغفرت ذلك لك اليوم " وهذا كلّه في حقّ من يريد اللّه أن يعفو عنه ويغفر له فما الظنّ بغيره؟

الوجه السابع: وهو أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ.
وهذا من أعظم الجهل، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك، وتفوته الحياة الطيبة، فينعكس قصده بارتكاب المعصية، فإنّ اللّه ضمن لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}،
وقال: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}
وقال في أهل الطاعة: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.

● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
فقد الخشية يسلتزم فقد العلم وذلك لأن العلم له موجب وجب ومقتضى وهو اتباعه والاهتداء به وضدّه الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه، صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل.وقد تقدّم أن الذنوب إنّما تقع عن جهالةٍ، وظهرت دلالة القرآن على ذلك وتفسير السلف له بذلك، فيلزم حينئذٍ أن ينتفي العلم ويثبت الجهل عند انتفاء فائدة العلم ومقتضاه وهو اتباعه. ومن هذا الباب قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ " وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله في معرفة الحقّ والانقياد له بأنه أصم أبكم أعمى قال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}.


بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.
العلم النافع علمان:
1: علم باللّه بجلاله وعظمته، وهو الذي فسر الآية به جماعةٌ من السلف.
2: علم بأوامر الله ونواهيه وأحكامه وشرائعه وأسرار دينه وشرعه وخلقه وقدره
.
ولا تنافي بين هذا العلم والعلم باللّه؛ فإنّهما قد يجتمعان وقد ينفرد أحدهما عن الآخر، وأكمل الأحوال اجتماعهما جميعًا وهي حالة الأنبياء - عليهم السلام - وخواصّ الصديقين ومتى اجتمعا كانت الخشية حاصلةٌ من تلك الوجوه كلها، وإن انفرد أحدهما حصل من الخشية بحسب ما حصّل من ذلك العلم، والعلماء الكمّل أولو العلم في الحقيقة الذين جمعوا الأمرين.

وقد روى الثوريّ عن أبي حيّان التميمي سعيد بن حيّان عن رجلٍ قال: كان يقال: العلماء ثلاثةٌ: "فعالمٌ باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالمٌ بأمر اللّه ليس عالمًا باللّه، وعالمٌ باللّه عالمٌ بأمر اللّه ".
فالعالم باللّه وبأوامر اللّه: الذي يخشى اللّه ويعلم الحدود والفرائض.
والعالم باللّه ليس بعالم بأمر اللّه: الذي يخشى اللّه ولا يعلم الحدود والفرائض.
والعالم بأمر اللّه ليس بعالم باللّه: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى اللّه عزّ وجلًّ.

● فوائد
إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم.
قوله تعالى: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء} يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء ولا يراد به جنس العلماء، وتقريره من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول، كما تقدّم بيانه، فحصر الخشية في العلماء يفيد أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه وتفيد أنّ من لا يخشى فليس بعالم، وحصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.
والجهة الثانية: أن المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
قال الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه -: (وفي هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ فهو عامٌّ فإنّ العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف).
ومراده بالمقتضي – العلة المقتضية - وهي التي يتوقف تأثيرها على وجود شروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ، ومراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب وهو الذي يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، كالإسلام بالنسبة إلى الحجّ.

والمانع بخلاف الشرط، وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود وهذا الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتم على قول من يجوّز تخصيص العلة وأما من لا يسمّي علةً إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجودها وجوده على كلّ حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة، والمقصود هنا أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.


أصل العلم النافع العلم باللّه.
وبأسمائه وصفاته وأفعاله من قدره، وخلقه، والتفكير في عجائب آياته المسموعة المتلوة، وآياته المشاهدة المرئية من عجائب مصنوعاته، وحكم مبتدعاته ونحو ذلك مما يوجب خشيته وإجلاله، ويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره
.
ولهذا قال طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".

وقال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو الذي عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
ويؤيد ذلك ما كان يقوله بعض الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
وما جاء
في الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفرٍ الخطميّ عن جدّه عمير بن حبيبٍ وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقص قيل: وما زيادته ونقصانه؟

قال: إذا ذكرنا اللّه ووحّدناه وسبّحناه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه ".
وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جدّدوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول اللّه؟
قال: "قولوا: لا إله إلا اللّه ".

فالمؤمن يحتاج دائمًا كلّ وقتٍ إلى تحديد إيمانه وتقوية يقينه، وطلب الزيادة في معارفه، والحذر من أسباب الشكّ والريب والشبهة، ومن هنا يعلم معنى قول النبيًّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فإنه لو كان مستحضرًا في تلك الحال لاطّلاع اللّه عليه ومقته له جمع ما توعّده اللّه به من العقاب المجمل والمفصل استحضارًا تامًّا لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه.

صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
فإنّ أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ولذلك قد يقهره هواه ويغلبه في أحدهما دون الآخر فيقلع عما لم يغلبه هواه دون ما غلبه فيه هواه، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودةً لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودةٌ، ولكنها غير تامةٍ، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعّض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشدّ من المانع من الآخر.

• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
اختلف الناس في ذلك على قولين، والقول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدّرانيّ وغيره.

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟
اختلف الناس في ذلك على قولين:فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنّه لا يجزم بذلك.
و
أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها.


• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟
ورد في "مراسيل الحسن " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد اللّه أن يستر على عبده يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه ثمّ غفرها له ".
ولهذا كان أشهر القولين أنّ هذا الحكم عامٌّ في حقّ التائب وغيره، وقد ذكره أبو سليمان الدمشقيّ عن أكثر العلماء، واحتجّوا بعموم هذه الأحاديث مع قوله تعالى: {ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا}.

وقد نقل ذلك صريحًا عن غير واحدٍ من السلف كالحسن البصريّ وبلال بن سعد - حكيم أهل الشام - كما روى ابن أبي الدنيا، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن: "أنه سئل عن الرجل يذنب ثم يتوب هل يمحى من صحيفته؟ قال: لا، دون أن يوقفه عليه ثم يسأله عنه "
ثم في رواية ابن المنادي وغيره: "ثم بكى الحسن، وقال: لو لم تبك الأحياء من ذلك المقام لكان يحقّ لنا أن نبكي فنطيل البكاء".

وذكر ابن أبي الدنيا عن بعض السلف أنه قال: "ما يمرّ عليّ أشد من الحياء من اللّه عزّ وجلّ ".
وفي الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيمٍ وغيره عن علقمة بن مرثدٍ: "أنّ الأسود بن يزيد لما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحقّ بذلك مني؟واللّه لو أتيت بالمغفرة من اللّه عزّ وجلّ، لهمّني الحياء منه مما قد صنعته، إنّ الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيًا منه ".
ومن هذا قول الفضيل بن عياضٍبالموقف: "واسوءتاه منك وإن عفوت ".

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

إن اللّه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلاً به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عمّا فيه فسادهم، وهذا هو الذي عليه المحققون من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم، كالقاضي أبي يعلى وغيره.
وإن كان بينهم في جواز وقوع خلاف ذلك عقلاً نزاعٌ مبنيّ على أن العقل هل له مدخل في التحسين والتقبيح أم لا؟
وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب على أنّ ذلك لا يجوز عقلاً أيضًا وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذٌ مردودٌ.

والصواب: أنّ ما أمر اللّه به عباده فهو عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم، فإنّ نفس الإيمان باللّه ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره؛ هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها، فلا صلاح للنفوس، ولا قرة للعيون ولا طمأنينة، ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدنيا على الحقيقة، إلا بذلك، فحاجتها إلى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إلى الطعام والشراب والنّفس، بكثيرٍ، فإنّ حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى فقد ذلك هلك وفسد، ولم يصلحه بعد ذلك شيء البتة، وكذلك ما حرّمه اللّه على عباده وهو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم، ولهذا حرّم عليهم ما يصدّهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر، وبين أنه يصدّ عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه فإنّ فيه مضرةً لعباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم، كما ذكر ذلك السلف، وإذا تبيّن هذا وعلم أنّ صلاح العباد ومنافعهم ولذاتهم في امتثال ما أمرهم الله به، واجتناب ما نهاهم اللّه عنه تبيّن أن من طلب حصول اللذة والراحة من فعل المحظور أو ترك المأمور، فهو في غاية الجهل والحمق، وتبيّن أنّ كلّ من عصى اللّه هو جاهل، كما قاله السلف ودلّ عليه القرآن كما تقدم، ولهذا قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (216)}.
وقال: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا (66) وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا (67) ولهديناهم صراطًا مستقيمًا (68)}.


فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
اختلف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه هاهنا.
1: قالت طائفة: الذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، هم الشياطين الذين يعلّمون الناس السحر، والذين قيل فيهم: {لو كانوا يعلمون} هم الناس الذين يتعلمون.
قال ابن جرير: وهذا القول خطأٌ مخالفٌ لإجماع أهل التأويل على أنّ قوله: (ولقد علموا) عائدٌ على اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان.
2: ذكر ابن جرير أنّ الذين علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود، والذين قيل فيهم: لو كانوا يعلمون، هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهال بأمر اللّه ووعده ووعيده
.
وهذا أيضًا ضعيفٌ فإنّ الضمير فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكين يقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.

3: قالت طائفة: إنما نفى عنهم العلم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته، وهو العمل بموجبه ومقضتاه، فلمّا انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهّالاً لا يعلمون، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، وهذا حكاه ابن جريرٍ وغيره، وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرا، وتقديره لو كانوا يعملون بما يعلمون.
4: قيل: إنهم علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له، أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب، وهذا حكاه الماورديّ وغيره.
وهو ضعيف أيضًا، فإنّ الضمير إن عاد إلى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة، وإن عاد إلى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} والكفر لا يخفى على أحدٍ أن صاحبه يستحقّ العقوبة، وإن عاد إليهما، وهو الظاهر، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ فقد علموا أنه يستحقّ العقوبة، لأنّ الخلاق: النصيب من الخير، فإذا علم أنه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشرّ، لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له خير أو شرّ لا يمكن انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.

5: قالت طائفة: علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له في الآخرة، لكنهم ظنّوا أنهم ينتفعون به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوّضوا به عن بوار الآخرة وشروا به أنفسهم، وجهلوا أنه في الدنيا يضرّهم أيضًا ولا ينفعهم، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنّهم إنما باعوا أنفسهم وحظّهم من الآخرة بما يضرّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم.
وهذا القول حكاه الماورديّ وغيره، وهو الصحيح، فإنّ اللّه تعالى قال: {ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم} أي هو في نفس الأمر يضرّهم ولا ينفعهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرة.

ولكنّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يقدموا عليه إلا لظنّهم أنه ينفعهم في الدنيا.
ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} أي قد تيقّنوا أنّ صاحب السحر لا حظّ له في الآخرة، وإنما يختاره لما يرجو من نفعه في الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللّه تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثواب الآخرة في الدنيا أمرٌ مذمومٌ مضر لا ينفع لو كانوا يعلمون ذلك ثم قال: {ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خير لّو كانوا يعلمون} يعني: أنهم لو اختاروا الإيمان والتقوى بدل السّحر لكان اللّه يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصل لهم في الدنيا من ثواب الإيمان والتقوى من الخير الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرّة ما هو أعظم مما يحصّلونه بالسّحر من خير الدنيا مع ما يدّخر لهم من الثواب في الآخرة.
والمقصود هنا:
أن كل من آثر معصية اللّه على طاعته ظانًّا أنه ينتفع بإيثار المعصية في الدنيا، فهو من جنس من آثر السحر - الذي ظنّ أنه ينفعه في الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتّقى وآمن لكان خيرًا له وأرجى لحصول مقاصده ومطالبه ودفع مضارّه ومكروهاته.
ويشهد كذلك أيضًا ما في "مسند البزار" عن حذيفة قال: "قام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلمّوا إليّ، فأقبلوا إليه فجلسوا"، فقال: "هذا رسول ربّ العالمين جبريل - عليه السلام. - نفث في روعي: أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء الرّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ".


• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
القول الأول: أنّها كافةٌ، وأن "ما" هي الزائدة التي تدخل على إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأن، فتكفها عن العمل، وهذا قول جمهور النحاة.
القول الثاني: أنّ "ما" مع هذه الحروف اسمٌ مبهمٌ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أنّ الجملة بعده مفسرةٌ له ومخبرٌ بها عنه، وهو قول
بعض الكوفيين، وابن درستويه.
القول الثالث: أن "ما" هنا نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه وهو قول بعض الأصوليين وأهل البيان.
وهذا باطلٌ باتفاق أهل المعرفة باللسان فإنّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
و"ما" زائدةٌ كافة لا نافيةٌ وهي الداخلة على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ، وليست في دخولها على هذه الحروف نافيةً بالاتفاق فكذلك الداخلة على إنّ وأنّ.
-
نسب القول بأنها نافيةٌ إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ".

وهذا لا يدل على أنّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفى وإنما مراده أنّهم أجروا "إنما" مجرى النفي و"إلاّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفي ولم يصرّح بأنّ النفي مستفادٌ من "ما" وحدها.
القول الرابع: أنه لا يمتنع أن يكون "ما" في هذه الآية بمعنى الذي والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.

وأطلقت "ما" على جماعة العقلاء كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}.

• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.
اختلف النحاة في ذلك على أقوال:
القول الأول: إذا دخلت "ما" الكافة على "إنّ " أفادت الحصر هذا هو الصحيح، وهو قول الجمهور.

القول الثاني: من خالف في إفادتها الحصر.
حجتهم في ذلك:
1- قالوا إنّ "إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة فيستفاد التوكيد من "إنّ " والزائد لا معنى له، وقد تفيد تقوية التوكيد كما في الباء الزائدة ونحوها، لكنها لا تحدث معنى زائدا.
2- وقالوا إن ورودها لغير الحصر كثيرٌ جدًّا كقوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة". وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون " وغير ذلك من النصوص ويقال: "إنّما العالم زيد" ومثل هذا لو أريد به الحصر لكان هذا.
وقد يقال: إن أغلب مواردها لا تكون فيها للحصر فإنّ قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا فإنّه سبحانه وتعالى له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غير توحّده بالإلهية، وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
فإنّه لم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده.
مناقشة أقوالهم:
- الصواب أن "إنما" تدلّ على الحصر في هذه الأمثلة، ودلالتها عليه معلومٌ بالاضطرار من لغة العرب، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي وغير ذلك، ولهذا يتوارد "إنّما" وحروف الشرط والاستفهام والنّفي الاستثناء كما في قوله تعالى: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون} فإنه
كقوله: {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}،
وقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ وقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}فإنه كقوله: {وما من إلهٍ إلاّ اللّه}وقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره}، ونحو ذلك، ولهذا كانت كلّها واردةً في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه.

- وأما قولهم إنّ "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا، يجاب عنه من وجوه:

أحدها: أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا.
وقد ذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر:
فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب
قال: وكذلك تحدث في "الكاف " معنى التعليل، في نحو قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) ، ولكن قد نوزع في ذلك وادّعى أنّ "الباء" و"الكاف " للسببية، وأنّ "الكاف " بمجردها تفيد التعليل.
والثاني: أن يقال: لا ريب أنّ "إنّ " تفيد توكيد الكلام، و"ما" الزائدة تقوّي هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام فتفيد ثبوت ذلك المعنى المذكور في اللفظ خاصةً ثبوتًا لا يشاركه فيه غيره واختصاصه به، وهذا من نوع التوكيد والثبوت ليس معنىً آخر مغايرًا له وهو الحصر المدّعى ثبوته بدخول "ما" يخرج عن إفادة قوّة معنى التوكيد وليس ذلك بمنكرٍ إذ المستنكر ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
الوجه الثالث: أنّ "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، وهكذا يقال في الاستثناء فإنه وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم لكن صار حقيقة عرفيةً في مناقضة المستثنى فيه، وهذا شبية بنقل اللفظ عن المعنى الخاص إلى العام إذا صار حقيقة عرفيةً فيه لقولهم "لا أشرب له شربة ماءٍ" ونحو ذلك، ولنقل الأمثال السائرة ونحوها، وهذا الجواب ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهو قولٌ حكاه غيره في المسألة.

القول الثالث:
من جعل "ما" موصولةً.
فتفيد الحصر من جهةٍ أخرى وهو أنّها إذا كانت موصولةً فتقدير الكلام "إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضي العموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى ئحصر المبتدأ في الخبر، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر
.


التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 23/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 15/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 13/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 14/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 80/100
وفقك الله


رد مع اقتباس
  #39  
قديم 24 شعبان 1436هـ/11-06-2015م, 11:09 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشيماء وهبه مشاهدة المشاركة
تلخيص تفسير صدر سورة العنكبوت من كتاب الفوائد لابن القيم

المقصد من الرسالة :

بيان سنة الله تعالى في ابتلاء عباده المؤمنين والحكمة من ذلك .

أصناف الناس في إجابة الرسل :

الصنف الأول :
أن يقول آمنا بالله ورسله .
سنة الله تعالى في ذلك :
أن يبتليه ويختبره

مادة الابتلاء :

معاداة أهل الكفر له وإيذائه ، وابتلاؤه بما يؤلمه .
الحكمة من هذا :
ليبيبن الله تعالى الصادق من الكاذب .
العاقبة :
يحصل للمؤمن الألم في بد من الدّنيا ابتداء ثمّ تكون له العاقبة في الآخرة والنعيم الدائم .

- الصنف الثاني :
أن لا يقول: آمنا ويكذب بالرسل و يستمر على عمل السّيّئات.

سنة الله تعالى في ذلك :
أن يرسل الرّسل إلى الخلق، فيكذبهم النّاس ويؤذونهم، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ}، وقال تعالى: {كذلك ما أتى الّذين من قبلهم من رسولٍ إلّا قالوا ساحرٌ أو مجنون}، وقال تعالى: {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك}.
فلا يحسب الكافر أنه يسبق الرب لتجربته فإنَّ أحدا لن يعجز الله تعالى .
الحكمة من هذا :
إقامة الحجة على الكافرين بكفرهم وتكذيبهم للرسل .
العاقبة :
الكافر تحصل له النّعمة ابتداء، ثمّ يصير في الألم وتلزمه عقوبة أعظم وأدوم في الآخره .

أصناف الناس في الابتلاء :
الصنف الأول :
منهم من يصبر ويتحمل الأذي والألم ويكون من الشاكرين فينال بهذا التمكين والعاقبة الحسنة

ودليل ذلك : سأل رجل الشّافعي، فقال يا أبا عبد الله: أيّما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلي؟
فقال الشّافعي: (لا يمكّن حتّى يبتلى)
فإن الله ابتلي نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلمّا صبروا مكّنهم

الصنف الثاني :
صنف لا يصبر ولا يثبت
بل يطيش بجهله وسرعة تقلب قلبه وخوفه بطش الناس وآذاهم (وأذاهم) فيوافق الكافرين ويطاوعهم ثمّ قد يتسلطون هم أنفسهم عليه فيهينونه ويعاقبونه أضعاف ما كان يخافهم من البداية .
أمثلة لأنواع الابتلاء :
الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع النّاس والنّاس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه، كقوم يريدون الفواحش والظّلم ولهم أقوال باطلة في الدّين، أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وهم في مكان مشترك كدار جامعة أو رباط أو قرية فيها غيرهم وهم لا يتمكنون ممّا يريدون إلّا بموافقة ألئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم فيؤذونهم لينالوا ذلك.

الواجب في مواجهة ذلك :
- من هداه الله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثمّ تكون له العاقبة في الدّنيا والآخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع من آذاهم وعاداهم؛ مثل المهاجرين في هذه الأمة، ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها.
- وقد يجوز في بعض الأمور إظهار الموافقة وإبطان المخالفة كالمكره على الكفر .
- وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه، وإلّا عذب بغيرهم؛
والواجب أن يكون معهم كما في حديث عائشة الّذي بعثت به إلى معاوية -ويروى موقوفا ومرفوعًا-: (من أرضى الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس) وفي لفظ: (رضي الله عنه وأرضى عنه النّاس ومن أرضى النّاس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا)، وفي لفظ: (عاد حامده من النّاس ذامّا).
إذ المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي النّاس فلا خلاص لأحد ممّا يؤذيه البتّة.


دلائل )) حكمة الله تعالى من (في) ابتلاء المؤمنين :
- لا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه؛ فهو محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا، قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملاً}، وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}، وقال تعالى: {فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.

- ليبين الصادق من الكاذب قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين} آل عمران و في البقرة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ}.

- أن النّفس لا تزكو وتصلح حتّى تمحص بالبلاء كالذهب الّذي لا يخلص جيده من رديئه حتّى يفتن في كير الامتحان .

فوائد :
النّفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شرّ يحصل للعبد؛ فلا يحصل له شرّ إلّا منها قال تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}، وقال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم}، وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثيرٍ}، وقال تعالى: {ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال} وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنّهم ظلموا أنفسهم؛ فهم الظّالمون لا المظلومون .

وقد عرف ذلك :
أبواهم : {
قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}
والسّلف كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود: (أقول فيها برأبي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشّيطان والله ورسوله بريئان منه).
وفي الحديث الإلهي حديث أبي ذر الّذي يرويه الرّسول عن ربه عز وجل: (يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلّا نفسه).
وفي الحديث الصّحيح حديث سيد الاستغفار: (أن يقول العبد اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شرّ ما صنعت وأبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنّة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنّة).
وفي حديث أبي بكر الصّديق من طريق أبي هريرة وعبد الله بن عمرو: أن رسول الله علّمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه: (اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا اله إلّا أنت أعوذ بك من شرّ نفسي وشر الشّيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم؛ قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك).
وكان النّبي يقول في خطبته: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا).
خطر الجهل :

قال النّبي: (إنّي آخذ بحجزكم عن النّار وأنتم تهافتون تهافت الفراش)؛ شبَّههم بالفراش لجهله وخفة حركته، وهي صغيرة النّفس فإنّها جاهلة سريعة الحركة.
وفي الحديث: (مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة)، وفي حديث آخر: (للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا) ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الجهل، ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفّه؛ قال عن فرعون: إنّه استخف قومه فأطاعوه، وقال تعالى: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}؛ فإن الخفيف لا يثبت بل يطيش،
فائدة اليقين :
صاحب اليقين ثابت يقال: أيقن إذا كان مستقرًّا، واليقين: استقرار الإيمان في القلب علما وعملا؛ فقد يكون علم العبد جيدا، لكن نفسه لا تصبر عند المصائب، بل تطيش.
قال الحسن البصريّ: (إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته؛ فإذا رأيت بصيرًا صابرًا فذاك).
قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.

أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.
ويلاحظ في العناصر الأخيرة والتي ذكرتيها كفوائد منفصلة أنها متصلة ببعضها وبالموضوع اتصالا وثيقا، وهو أن نفس العبد منشأ كل شر يحصل له وهي من حوائل نجاته وانتفاعه بالهدى، وذلك بسبب ظلمها وجهلها، وشفاؤها في أن تتحلى بالصبر واليقين.
ومسألة مهمة لم تذكريها وهي سبب هذا الظلم والطيش الذي في النفس وهو الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولذا ختم ابن تيمية رحمه الله رسالته بضرورة الاستعاذة بالله والاعتصام به في دفع شره.
ولعل هذه المسألة تظهر لك في التلخيص التالي:

تلخيص رسالة ابن تيمية رحمه الله في تفسير صدر سورة العنكبوت

قال الله تعالى:
{الم (1) أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين (3) أم حسب الّذين يعملون السّيّئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (4) من كان يرجو لقاء اللّه فإنّ أجل اللّه لآتٍ وهو السّميع العليم (5) ومن جاهد فإنّما يجاهد لنفسه إنّ اللّه لغنيٌّ عن العالمين (6) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لنكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولنجزينّهم أحسن الّذي كانوا يعملون (7) ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعلمون (8) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لندخلنّهم في الصّالحين (9) ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أو ليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10) وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11)}

عناصر الرسالة
الابتلاء سنّة الله في الأرض.
من مقاصد الابتلاء امتحان إيمان العبد.
عاقبة من كذّب بما جاءت به الرسل.

العداوة بين أهل الكفر وأهل الإيمان.
واجب العبد حيال تسلّط الظلمة عليه.
جواز إظهار الموافقة وإبطان المخالفة للظلمة في بعض الأحوال.
● الابتلاء يكون بالسراء وبالضراء.
من مقاصد البلاء تزكية النفس.
ما يعين النفس على مواجهة الابتلاء.
● منشأ شرّ النفس والسبيل إلى مدافعته.


تلخيص رسالة ابن تيمية رحمه الله في تفسير صدر سورة العنكبوت



الابتلاء سنة الله في الأرض.
- الابتلاء سنة الله الماضية في الأمم قبلنا.
قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.

وقال: {ثم إن ربك للذي هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}.
وقال: {ولقد فتنا الذين من قبلهم}.

من مقاصد الابتلاء امتحان إيمان العبد.
- يرسل الله الرسل إلى الخلق، فمن ادّعى قبول ما جاءت به الرسل لابد أن يمتحنه الله ليعلم صدقه من كذبه، فإن صدق مع الله صارت له العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
-
الابتلاء سبيل التمكين
سأل رجل الشّافعي، فقال يا أبا عبد الله: أيّما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلي؟
فقال الشّافعي: (لا يمكّن حتّى يبتلى)
فإن الله ابتلي نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلمّا صبروا مكّنهم
.
قال تعالى: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم * ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين}.

عاقبة من كذب بما جاءت به الرسل.
- من كذّب الرسل وأعرض عما جاؤوا به من الهدى حتى
لو حصلت له السلامة والنعمة في الدنيا ابتداء، فإنه لا يلبث أن يلاقي العذاب الدائم.
قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.

وقال تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون}.

العداوة بين أهل الكفر وأهل الإيمان.
- من كذّب الرسل فإنه يتسلّط عليهم بأنواع البلاء، وهذه سنّة الله في الخلق.
قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ}.
وقال تعالى: {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك}.

- من آمن بالرسل من المؤمنين يتسلّط عليه الكفّار كذلك فيعادونه ويؤذونه؛ فيبتلى بما يؤلمه.

واجب العبد حيال تسلّط الظلمة عليه.

- قد يعيش المؤمن بين قوم يفعلون الفاحشة والظلم ولا يتم لهم ما يريدون إلا بموافقة المؤمنين وإعانتهم لهم أو بسكوتهم عنهم.
- الواجب حيال فتنتهم هذه ما ورد في حديث عائشة الّذي بعثت به إلى معاوية -ويروى موقوفا ومرفوعًا-: (من أرضى الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس).
وفي لفظ: (رضي الله عنه وأرضى عنه النّاس ومن أرضى النّاس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا)، وفي لفظ: (عاد حامده من النّاس ذامّا).
- هذا يجري في من يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة، وفي من يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدّين على بدعهم.
- من هداه الله وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاهم وعداوتهم ثمّ تكون له العاقبة في الدّنيا والآخرة كما جرى للرسل وأتباعهم مع من آذاهم وعاداهم؛ مثل المهاجرين في هذه الأمة، ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتجارها وولاتها.
- من تبع الظلمة في غيهم مؤثرا بذلك السلامة فإنه لا يلبث أن ينتقل إلى العذاب الأليم.
قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين}.


جواز إظهار الموافقة وإبطان المخالفة لأهل الباطل في بعض الأحوال.
وذلك كالمكره على الكفر، قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ...}.

الابتلاء يكون بالسراء والضّرّاء.
-يكون الابتلاء بالسراء تارة، وبالضراء تارة لأن العبد محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا.
قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملاً}.
وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}.
وقال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين}، هذا في آل عمران.
وقد قال قبل ذلك في البقرة نزل أكثرها قبل آل عمران: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ}.

من مقاصد البلاء تزكية النفس.
- النّفس لا تزكو وتصلح حتّى تمحص بالبلاء كالذهب الّذي لا يخلص جيده من رديئه حتّى يفتن في كير الامتحان.
- النّفس هي العائق التي يحول بين العبد وبين ما فيه نجاته وهي منشأ كل شر يحصل للعبد إذ كانت جاهلة ظالمة فلا يحصل له شرّ إلّا منها.
قال تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}.
وقال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم}.
- ذكر الله عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنّهم ظلموا أنفسهم؛ فهم الظّالمون لا المظلومون، وأول من اعترف بذلك أبواهم : {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}،.
وقال لإبليس: {لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين}، وإبليس إنّما اتبعه الغواة منهم كما قال: {فبما أغويتني لأزيّننّ لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين إلّا عبادك منهم المخلصين}، وقال تعالى: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلّا من اتّبعك من الغاوين}؛ والغي اتّباع هوى النّفس.

وما زال السّلف معترفون بذلك كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود: (أقول فيها برأبي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشّيطان والله ورسوله بريئان منه).
وفي الحديث الإلهي حديث أبي ذر الّذي يرويه الرّسول عن ربه عز وجل: (يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلّا نفسه).
وكان النّبي يقول في خطبته: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا).

ما يعين النفس على مواجهة الابتلاء.
- نفس العبد جاهلة خفيفة ظالمة، والخفيف لا يثبت عند البلاء بل يطيش.
- قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: (إنّي آخذ بحجزكم عن النّار وأنتم تهافتون تهافت الفراش)؛ شبَّههم بالفراش لجهله وخفة حركته، وهي صغيرة النّفس فإنّها جاهلة سريعة الحركة.

وفي الحديث: (مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة).
وفي حديث آخر: (للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا).
ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر، ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفّه؛ قال عن فرعون: {فاستخف قومه فأطاعوه}، وقال تعالى: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}.
- الخفيف لا يثبت بل يطيش، وصاحب اليقين ثابت، يقال: أيقن إذا كان مستقرًّا.

- مما يعين النفس على مواجهة البلاء أن تتحلّى بالصبر واليقين.
- اليقين: استقرار الإيمان في القلب علما وعملا.
- قد يكون علم العبد جيدا، لكن نفسه لا تصبر عند المصائب، بل تطيش.

قال الحسن البصريّ: (إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته؛ فإذا رأيت بصيرًا صابرًا فذاك).
قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.

منشأ شر النفس والسبيل إلى مدافعته.
- تشبه النّفس بالنّار في سرعة حركتها وإفسادها، وغضبها وشهوتها من النّار، والشيطان من النّار.

وفي السّنن عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الغضب من الشّيطان، والشيطان من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ).
وفي الحديث الآخر: (الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه)؛ وهو غليان دم القلب لطلب الانتقام.
وفي الحديث المتّفق على صحّته: (إن الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم).
- الشيطان هو منشأ شر النفس، وقد علّمنا ربنا تبارك وتعالى كيف نتوقى شره بالاستعاذة به سبحانه والاعتصام به واللجوء إليه، فإن العبد لا سبيل لدفع شر الشيطان إلا أن يعصمه الله ويعيذه منه.
ففي الصّحيحين: أن رجلين استبّا عند النّبي وقد اشتدّ غضب أحدهما فقال النّبي: (إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم).
وقد قال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ وما يلقّاها إلّا الّذين صبروا وما يلقّاها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع العليم}.
وقال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}.
وقال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة نحن أعلم بما يصفون وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون}.
التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 27/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 19/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 14/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 92 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 24 شعبان 1436هـ/11-06-2015م, 05:41 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تفسير " لَهْوَ الْحَدِيثِ"

بسم الله ، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فقد ورد ذكر " لَهْوَ الْحَدِيثِ" بهذا اللفظ في القرآن مرة واحدة :
- في سورة لقمان {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}

وقد اختلفت عبارات السلف في تفسير قوله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} على وجهين :

الوجه الأول :
المراد بالشراء المذكور في الآية هل هو على حقيقته أو كناية عن الإرادة والاستحباب.

الوجه الثاني
:

في المراد بلهو الحديث هل يختص بالغناء فقط أم يشمل كل لهو ولعب و كل قول باطل أم هو الشرك .

وسنفصل بإذن الله تعالى الأقوال في تلك المسائل لنفهم حقيقة الخلاف بين السلف وطبيعته ونتبين المراد من قول الله تعالى
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} .


أولًا : الأقوال في سبب نزول قوله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ }

القول الأول : نزلت في النضر بن الحارث
  • قاله الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان يخرج تاجرًا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم : إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية. ( رواه الواحدي في أسباب نزول القرآن )
  • أخرج البيهقي في " شعب الإيمان " عن ابن عباس في قوله { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} يعنى باطل الحديث ، وهو النضر بن الحارث بن علقمة ، اشترى أحاديث الأعاجم وصنيعهم في دهرهم ، وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب بالقرآن ، فأعرض عنهم فلم يؤمن به . ( الدر المنثور للسيوطي )
القول الثاني : نزلت في بعض بني عبد الدار
  • قال عبد الرزاق قال معمر وبلغني أنها نزلت في بعض بني عبد الدار.

  • القول الثالث : نزلت في شراء القيان والمغنيات
  • عن أبي أمامة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تبيعوا القينات ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} إلى آخر الآية ( أخرجه ابن أبي حاتم والطبري )
  • قال مجاهد : نزلت في شراء القيان والمغنيات . ( رواه الواحدي في أسباب نزول القرآن )
  • وقال ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلًا ونهارًا . ( رواه الواحدي في أسباب نزول القرآن )
والظاهر والله أعلم أن بداية نزول الآية كانت في النضر بن الحارث، وأما قول عبد الرزاق أنها نزلت في بعض بني عبد الدار فلا ينافي ذلك لأن النضر بن الحارث من أعلام بني عبد الدار ومن كبارهم ورؤسائهم.
والظاهر أن حديث أبي أمامة هو من باب التفسير بالمثال أن الآية تشمل هذا النوع من اللهو وهو الغناء فالخلاف في أسباب النزول لا يعد خلافًا في كثير من أحواله عند السلف لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والآية تشمل كل من انطبق عليه المعنى المقصود ولذلك كان قول مجاهد وابن عباس يؤكد ذلك .

ثانيًا : أقوال الصحابة والتابعين في تفسير قول الله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} .

ذكر الطبري اختلاف أهل التأويل في ذلك على وجهين

الوجه الأول :
المراد بالشراء المذكور في الآية وفيه قولان :

القول الأول :
المقصود به الشراء المعروف بالثمن

قال ابن جرير (ت:310 هـ): فقال بعضهم: من يشتري الشراء المعروف بالثمن، ورووا بذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو ما حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن خلاد الصفار، عن عبيد الله بن زَحْر، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أُمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحِلُّ بَيْعُ المُغَنِّيَاتِ، وَلا شِرَاؤُهُنَّ، وَلا التِّجارَةُ فِيهِنَّ، وَلا أثمَانُهُنَّ، وفيهنّ نـزلت هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ) ".

- حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم أو مقسم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: شراء المغنية.

وهو ما رجحه ابن جرير الطبري وقال (وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من قال: معناه: الشراء، الذي هو بالثمن، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه.
فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الحديث؟ قيل: يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فيكون مشتريا لهو الحديث ).

القول الثاني :
أن الشراء كناية عن اختيار لهو الحديث واستحبابه ومن أدلة ذلك القول :


- قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): وتفسير السّدّيّ: {من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6]، يعني: يختار باطل الحديث على القرآن.

- قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال أما والله لعله ألا يكون أنفق فيه مالا وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.

- قال ابن جرير (ت:310 هـ):حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا ابن شوذب، عن مطر في قول الله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ )قال: اشتراؤه: استحبابه.


- قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ) :عن قتادة رضى الله عنه في قوله { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}
قال : شراؤه استحبابه وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.


وقد حكى الخلاف في مسألة دلالة لفظ ( يشترى ) الطبري ولم أقف على قول غيره من المفسرين أن بها خلاف والظاهر والله أعلم أن اللفظ يحتمل المعنيين سواء كان الشراء المعروف بالثمن أو الاختيار والاستحباب.
ويدل على ذلك ما روي عن مجاهد بن جبر:
- أخبرنا عبد الرحمن عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}
قال: هو اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير ، والاستماع إليهم وإلى مثله من الباطل . ( تفسير الإمام مجاهد )
فأشار مجاهد إلى المعنيين الشراء والاستماع وشمل كل ما يشبه الباطل ومعلوم أن الباطل من القول ومن اللهو أنواع عدة لا يمكن حصرها ولا شراؤها بالثمن .
كما أن حديث أبو أمامة كما تقدم هو من باب التفسير بالمثال وليس الحصر فلا فارق بين من يشترى مغنية وبين من حضر واستمع فكلهم ينطبق عليهم قول الله تعالى{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}


الوجه الثاني :
في المراد بقوله تعالى " لهو الحديث "


أكثر المفسرين من الصحابة والتابعين والسلف الصالح على أن المراد ب " لهو الحديث " الغناء والاستماع له
وقد تقدم إيراد أسباب نزول الآية ما يؤيد هذا القول من حديث أبي أمامة وقول ابن عباس ومجاهد ومن أدلة هذا القول أيضًا :
  • قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يزيد بن يونس بن يزيد، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ وهو يسأل عن هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله}، فقال عبد اللّه: الغناء، والّذي لا إله إلا هو، يردّدها ثلاث مراتٍ).
  • قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): عن الثوري عن عبد الكريم البصري عن مجاهد في قوله تعالى{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيثِ} قال : هو الغناء وكل لعب ولهو . ( وكذلك أخرجه ابن جرير)
  • قال ابن جرير (ت:310 هـ):حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام بن عليّ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرِمة قال:(لَهْوَ الحَدِيثِ): الغناء.
  • حدثنا الحسن بن عبد الرحيم عن جابر في قوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ)قال: هو الغناء والاستماع له .
وقد أفرد ابن جرير الطبري معنى اللهو : الطبل كقول ثالث في الخلاف وذكر هذا الدليل
حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج الأعور، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل.

والظاهر أن الطبل من المعازف والتى يشملها القول الأول أنه الغناء والاستماع له ويشمل ذلك أدواته
أيضًا .
  • قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ) :
  • عن ابن عباس رضى الله عنهما { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}قال: هو الغناء وأشباهه . ( وكذلك أخرجه ابن جرير)
  • عن عطاء الخراساني رضى الله عنه { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال : الغناء والباطل .
  • عن الحسن رضى الله عنه قال : نزلت هذه الآية { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} في الغناء والمزامير .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :قال أبو جعفر : وأبين ما قيل في الآية ما رواه عبد الكريم , عن مجاهد قال: الغناء , وكل لعب لهو .


القول الثاني :
الشرك
.


قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6]،يعني: الشّرك.
وهو كقوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} [البقرة: 175] اختاروا الضّلالة على الهدى في تفسير الحسن.


قال ابن جرير (ت:310 هـ):ذكر من قال بذلك
- حديث عن الحسين،قال: سمعت أبامعاذ، يقول: أخبرنا عبيد،قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ)يعني: الشرك.
- حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيل اللهِ بغيرِ عِلْمٍ وِيتَّخِذَها هُزُوًا ) قال: هؤلاء أهل الكفر،ألا ترى إلى قوله: { وَإِذَاتُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَاكَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } فليس هكذا أهل الإسلام ، قال: وناس يقولون: هي فيكم وليس كذلك،قال: وهوالحديث الباطل الذي كانوا يلغون فيه.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ(ت: 311هـ) :وقد قيل في تفسير هذه الآية: إن لهوالحديث ههنا: الشرك.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ):وروى علي بن الحكم , عن الضحاك : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} , قال : (الشرك) .


ثالثًا : القول الراجح .
وأما الخلاف في معنى " لهو الحديث "
فالظاهر والله أعلم أنه من اختلاف التنوع والتفسير بالمثال وهو من الخلاف الغالب على أقوال المفسرين والمعنى شامل لكل باطل ولهو يتخذه المرء دون ذكر الله .
وقد رجح ابن جرير الطبري هذا القول فقال:

" والصواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله تعالى عمّ بقوله:(لَهْوَ الحَدِيثِ)ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك ."


وقد ورد في ذم الغناء أحاديث وآثار تدل على بطلانه نذكر منها :
- قال جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي (ت: 911هـ): أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع ، والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع.
- أخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك )


- أخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك )
- وأخرج ابن أبي الدنيا عن القاسم بن محمد أنه سئل عن الغناء فقال : أنهاك عنه وأكرهه لك ، قال السائل : أحرام هو ؟ قال : انظر يابن أخي إذا مير الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء ؟

وورد كذلك أحاديث تدل على أن الغناء وانتشاره من علامات الساعة
:
- حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمر. رواه الترمذي وصححه الألباني.

- حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ليكوننّ من أمتي أقوام، يستحلّون الحِرَ والحرير، والخمر والمعازف….. ) رواه البخاري

- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه،أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا استحلّت أمتي ستاً فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القِيَان...) رواه الطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.

والظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استحلّت أمتي ستاً) أن الاستحلال له معنيان، أن يكون على وجه الاعتقاد بحلّه، أو الإكثار من فعل هذه المذكورات، وكلاهما محتملٌ في الحديث.

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة) والحديث صححه الألباني في تحريم آلات الطرب.

وهذا مشاهد في عصرنا هذا نسأل الله النجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونسأله تعالى الهداية والرشاد لأمة المسلمين كافة إنه ولي ذلك والقادر عليه ، اللهم آمين وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
__________________________________


(1) تفسير مجاهد بن جبر مجاهد بن جبر المخزومي مولاهم : 102هـ)، تحقيق: عبد الرحمن الطاهر السورتي،، مجمع البحوث الإسلامية في باكستان.
(2) الجامع في علوم القرآن ، عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ) ، جمهرة العلوم .
(3) تفسير القرآن العظيم - يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ) – جمهرة العلوم
(4) تفسير القرآن العزيز – عبد الرزاق بن همام الصنعاني(ت: 211هـ)،تحقيق: مصطفى مسلم،مكتبة الرشد.
( 5)معاني القرآن ، إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) ، جمهرة العلوم .
(6) تفسيرالقرآن العظيم،عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي(ت: 327هـ)، تحقيق: أسعد محمد الطيب،مكتبة نزار.
(7) تفسير الطبري برنامج آيات مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود
(8)معاني القرآن ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) ، جمهرة العلوم
(9) أسباب نزول القرآن ، الإمام أبي الحسن على بن أحمد الواحدي ( 468 ه ) ، تحقيق : كمال بسيوني زغلول ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ، الطبعة الأولى .
( 10) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، جلال الدين السيوطي ( 911 ه ) تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي،،مركز هجر للبحوث ، الجزء الحادي عشر .
(11) آيات الغدير، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية.
http://books.rafed.net/view.php?type=c_fbook&b_id=38&page=343
(12) إسلام ويب
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=54316

رد مع اقتباس
  #41  
قديم 11 ربيع الثاني 1437هـ/21-01-2016م, 03:24 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، الحمد لله تعالى حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه الحمد لله ملأ ما في السماوات وملأ ما في الأرض الحمد لله الذي هدانا للإسلام وهدانا للقرآن وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الحمد لله على نعمة الإيمان ونعمة فهم القرآن الحمد لله الملك القدوس السلام الحمد لله المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحانه له الأسماء الحسنى كلها نحمده ونستعين به ونستغفره ونتوب إليه من جهلنا وتقصيرنا وغفلتنا وسوء أدبنا وقسوة قلوبنا نستغفره تعالى إذ لو أنزل القرآن على جبل لتصدع من خشيته نستغفره سبحانه إذ نتلوا كتابه فنغفل بقلوبنا عن الخشوع والتذكر والتدبر نستغفره سبحانه ونسأله العفو والغفران ونطمع في كرمه وجوده وإحسانه على خلقه أن يفتح علينا أبواب الفهم والتدبر لكلامه وأن يرزقنا حسن العمل بما علمنا اللهم آمين .
أما بعد :
فهذه بعض الفوائد التدبرية والسلوكية لقوله تعالى { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

- في الآية الكريمة نهي لنا عباد الله المؤمنين أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن نكون كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فيستشعر العبد في قوله تعالى { ولا تكونوا }لطف ربنا بنا إذ يبين لنا ما نحذر منه ويدعونا تبارك وتعالى بهذا النهي إلى ما ينفعنا ويحقق لنا السعادة ويبعدنا عن الشقاوة والقرآن كله مشتمل على هذا البيان بمختلف أساليبه من ترغيب وترهيب وقصص وأمثال وسنن جرت على الأمم قبلنا تبين صراط الله المستقيم المنجي من العذاب الأليم وتبين مآل الكافرين الفاسقين الظالمين ومآل المؤمنين المتقين المحسنين فليتأمل العبد ويعتبر .

- ووجب على العبد أن يصغي ويفهم ما الذي ينهانا الله تبارك وتعالى عنه { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ } فمن هؤلاء ؟ وما صفاتهم كي نحذر من الاتصاف بها ؟
وقد وردت الآية الكريمة بعد أن قص علينا تبارك وتعالى قصة يهود بني النضير وكيف أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ديارهم وما حوى هذا من ذلة ومهانة وخزي لهم وقد كانوا قبل ذلك ممن فضلهم الله تعالى على العالمين قال الله تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
ولهذا فسر بعضهم المقصود بالقوم الذين نسوا الله هم اليهود خاصة إذ نسوا ما عاهدوا الله عليه قال الله تعالى {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم}

ووردت أيضًا الآيات الكريمة بعد ذكر المنافقين الذين أسلموا ظاهرًا ولكنهم يبطنون الكفر والعداء لأهل الإسلام فيسعون لنصرة أهل الكفر والطغيان فلحق بهم الخزي والذل وفضحهم الله تعالى وبين كذبهم بالقرآن ولذلك قيل هم المقصودون بهذا الوصف لأنهم لم يهتدوا بهدي الإسلام وجهلوا صفات الله تعالى من التوحيد والكمال وهو كنظير قوله تعالى{نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون }

- وبتأمل هذا يبدوا أن هذا النسيان إنما يكون على درجات أعلاها الكفر والعياذ بالله ومن ذلك النفاق وهو أيضًا على درجات أعلاها الكفر وأدناها الرياء فوجب على العبد أن يحذر ويستعيذ بخالقه من الكفر بعد الإيمان ومن أمراض القلوب والفتن التى يبيت فيها العبد مؤمنًا فيصبح كافرًا ويصبح مؤمنًا فيبيت كافرًا والعياذ بالله كما ذكر رسولنا الكريم ولا يعتقد العبد أنه بعيد عن ذلك نسأل الله العافية وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يدعو ربه {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ }
ودعاء نبينا عليه الصلاة والسلام ( وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا وَالمَمَاتِ )

- وهذا النهي إنما ورد بعد أمر الله تعالى عباده بالتقوى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ولهذا فسر أغلب المفسرين متعلق النسيان هنا بأنه ترك وإهمال طاعة الله تبارك وتعالى والإعراض عن ذكره والإقبال على حظوظ النفس فشمل هذا المعنى أيضًا عباد الله المؤمنين من العصاة الظالمين لأنفسهم .

وبتأمل أقوال السلف في متعلق النسيان يتبين لنا كثير من العبر ومنها :
- أن من نسيان الله جل وعلا عدم أداء حقوقه تبارك وتعالى التى أعلاها التوحيد قال سفيان : نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم .
- وأن من هذا النسيان عدم شكر الله تبارك وتعالى على نعمه ومن أصناف ذلك الكبر فيجحد العبد نعمة الله وينسب الفضل لنفسه وذكائه وعقله وقدراته أو بأن يستخدم نعم الله في معصيته أو يغفل عن ذلك الشكر بقلبه قال ابن عيسى : ( نسوا الله بترك شكره وتعظيمه) .
- ومن هذا النسيان حال العبد حين يذنب الذنب فقد نسى الذي يعلم السر وأخفي فتجرأ على ربه قال سهل بن عبد الله : نسوا الله عند الذنوب .
- ومن هذا النسيان أن ينسى العبد ربه حال الرخاء ومعلوم أن العبد يتذكر ربه حال الشدة ومن هذا ما قصه الله تبارك وتعالى علينا لنعتبر { هوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فكيف بنا نتذكر ربنا عند الشدة فلما يسبغ علينا النعم نغفل وننسى بل وقد يمتد الجحود حتى نظن أن ما آتانا هو من عند أنفسنا نسأل الله العفو والعافية .

-وأما في إظهار اسم الجلالة في قوله تعالى : { كالذين نسوا الله }دون أن يقال : نسُوهُ لاستفظاع هذا النسيان فعلق باسم الله الذي خلقهم وأرشدهم . ذكره ابن عاشور
فياله من ذنب عظيم أن ينسى العبد خالقه ومدبر أمره والذي يهديه في كل شىء يقوم به معاشه ويحقق له قضاء حاجاته وقد سخر له الكون كله وأكرمه على جميع الخلق فخلقه في أحسن تقويم وأعطاه العقل والفطرة التى من شأنها أن تستدل على وجود خالقها ومع هذا فلم يتركه هملًا بل أرسل له الرسل لتبين له طريق السعادة والشقاوة فتدله على ما ينجيه وتتوالى النعم على ابن آدم حتى إن مات أقبره فستره تبارك وتعالى ممتد حتى مماته ومع هذا فالعبد يغفل ويجحد ويفسق ويكفر نعوذ بالله من الضلال .


{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ }

- فكان جزاء وفاقا أن نسوا الله تعالى فأنساهم أنفسهم وهكذا جرى عدل الله تبارك وتعالى أن الجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا
فكيف يكون هذا الجزاء كما ذكر أغلب المفسرين بأن ينسيهم العمل لصالح لأنفسهم فيما ينفعها في دنياها وآخرتها
فخسروا الدارين ولا يغرنا في ذلك تقلب الكافرين والمنافقين والعصاة في نعم الله يتمتعون في مشارق الأرض ومغاربها فقد قال الله تبارك وتعالى عنهم { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}
وقال تعالى { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

- وهذا الجزاء أيضًا إنما يكون على درجات فبقدر غفلة العبد عن طاعة ربه بقدر ما يصيبه من ذلك ولهذا يتفاوت العباد في الدنيا والآخرة في ذلك تفاوتًا شديدًا ومثال ذلك وقوف المصلين في صف واحد لصلاة واحدة بمسجد واحد خلف إمام واحد ومع هذا فقلوبهم تتفاوت في الخشوع تفاوتًا عظيمًا فيكتب لأحدهم أجر صلاته كلها وترد على آخر صلاته فتلقى في وجهه فالفارق بين الإثنين خشوع قلب وغفلة آخر فهذا من نسيان الله جل وعلا حتى والعبد ظاهره الطاعة نسأل الله العفو والغفران.

- وبتأمل التعبير بالنسيان تحديدًا يشعر بأن ذلك كان بعد تذكر فمعلوم أن الأصل ليس جهل وبعده حدث نسيان بل الظاهر أنه كان هناك علم وتذكرة ثم حدث بعدها هذا النسيان وقد يكون هذا التعبير مقصود به أصل فطرة الإنسان كما قال الله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ }
فهذا في شأن الكافرين المتكبرين عن قبول الحق والانقياد له .
وقد يكون هذا النسيان للمؤمن فيضل وينسى بعد الإيمان .
وقد يكون لعالم قد فقه وعلم ثم ابتغى بعلمه عرض من أعراض الدنيا فنسى الله بعد تذكر .
وقد يكون بانشغال العبد بمال وولد فينسى أداء حقوق الله والأمثال كثيرة في ذلك فليحذر العبد عن الغفلة والانشغال بالدنيا والانخداع بها .
ولهذا المعنى ناسب ختام الآية الكريمة بقوله تعالى { أولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
فمعنى الفسق هو الخروج عن الطاعة فكأنهم كانوا في طاعة ثم خرجوا عنها فأصبحوا من الفاسقين نسأل الله العافية .
وفي هذا المعنى قوله تعالى عن سبأ { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ }

- وفي مقابل عقوبة الله تبارك وتعالى للذين نسوا الله كان بيان الله تبارك وتعالى جزاء الذاكرين الشاكرين المتقين المحسنين في أكثر من موضع في القرآن وفي ذلك فليتنافس التنافسون ويعتبر المعتبرون :
قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }
قال الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }

قال الله تعالى { والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }

هذا والله تعالى أعلم فما كان من توفيق فمنه وحده وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان نعوذ بالله تعالى منه ونستغفره ونتوب إليه والحمد لله رب العالمين .

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 16 شوال 1437هـ/21-07-2016م, 02:47 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

تفريغ محاضرة: المدخل لقراءة كتاب "معاني القرآن وإعرابه" للزجّاج.
للشيخ أبي مالك العوضي -حفظه الله-


قام بتفريغ المحاضرة الطالبات:
- هناء هلال محمد.
- الشيماء وهبة.
- هبة الديب.


الحمد لله رب العالمين والصلاة ، والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
معاني القرآن تعبير جميل كان العلماء رحمهم الله موفقين في اختياره ، معاني القرآن ، القرآن الذي هو محور حياة المسلمين عامّة والعلماء خاصّة ، والعمل بالقرآن هو المقصود الأعظم من إنزاله، وهذا العمل لا يمكن أن يحصل إلا بفهم معاني القرآن ، لذلك كان اهتمام العلماء بهذا الجانب واضحا ، ولذلك كثرت المؤلفات فيه ، والقرآن الكريم كتاب عربي وهذا المعنى مقرّر في القرآن نفسه في عدد كثير من الآيات ، حتى إن لبعض المعاصرين كتابا مفردا في حصر هذه الآيات والكلام عنها ، ولا خلاف بين العلماء في الجملة أن القرآن عربي ، وقد قرّر غير واحد من العلماء ذلك كالشاطبي في الموافقات ، وهذا يعني أن أول وسيلة من وسائل فهم الشريعة معرفة علوم العربية ، والناس في هذه المسألة طرفان ووسط ، فالطرف الغالي يرى أن فهم القرآن ممكن عن طريق اللغة العربية فقط ولا نحتاج معها إلى شيء آخر، والطرف الجافي يرى أننا لسنا في حاجة إلى علوم العربية في فهم القرآن ، ولذلك ترى أن بعض المعاصرين يقول أنا مفسّر متخصص في التفسير ليس لي في النحو ، أو أنا مفّسر لا علم لي بالبلاغة ، أو أنا متخصّص في التفسير لا أحتاج إلى علم الصرف وهكذا .
وأما الوسط فهو أن علوم العربية مهمّ جدا لفهم القرآن الكريم لكنها لا تكفي في ذلك بل لابد من الرجوع إلى السنة وإلى كلام السلف أيضا ، لأن علوم العربية قد تعطيك الاحتمالات الممكنة في فهم النصوص لكنها لا يلزم أن تعيّن احتمالا واحدا منها ، والسلف كانوا عربا ولم يفسروا القرآن بما يخالف العربية من كل الوجوه ، بل لابد أن يكون لكلامهم وجه في العربية يعرفه من يعرفه ويخفى على من يجهله .
فالمقصود أن علوم العربية من أهمّ العلوم التي ينبغي للمفسّر تحصيلها، وقديما كان بعض العلماء يفتي بمنع من يتكلم في القرآن وهو جاهل بالعربية ، ولكن هذه العلوم ليست في مرتبة واحدة من حيث الأهمية ، فأهمّ هذه العلوم العربية علم النحو وعلم البلاغة ، ثم يلي ذلك علم اللغة وعلم الاشتقاق ، ثم يلي ذلك علم الصرف ، وأخر ما يحتاج إليه المفسّر علم العَروض.
وجميع هذه العلوم تجدها مبثوثة في كتب معاني القرآن ، ولذلك لا يصحّ أن يُقال إن علماء اللغة عندما وضعوا هذه الكتب في معاني القرآن قد تكلموا فيما لا يحسنون ، نعم قد يقع الخطأ من بعضهم كما يقع من غيرهم ، لكن هذا قليل إذا قيس إلى ما أصابوا فيه.
وعندنا أساسان من جملة أسس انطلق منها العلماء رحمهم الله عندما تكلموا في معاني القرآن:
الأساس الأول : أن القرآن عربي وهذه قضية كلّية صحيحة لكنها تزداد جلاء وتقريرًا بالأدلّة التفصيليّة ، فنحن نعلم أن القرآن عربيّ علما إجماليا ، لكننا إذا سئلنا عن كل كلمة في القرآن هل تعرفها العرب؟ فربما لا نستطيع الجواب، ولهذا قد يشككّ السامع أو السائل في القاعدة الكلّية ، لذلك كان همّ العلماء أن يستدلّوا على كل ما في القرآن من كلام العرب .
الأساس الثاني : أن بعض الملاحدة طعن في عربية القرآن ، واستدلّ على ذلك بوجود ألفاظ أعجمية فيه ، أو وجود كلمات لا تعرفها العرب فيما يزعم ، فكان من همّ العلماء أن يجيبوا على هذه الطعون إجابات مفصّلة كما ترى ذلك واضحا في كتب ابن قتيبة وغيره .
والكتاب الذي معنا اليوم هو أحد أهمّ وأشهر الكتب في معاني القرآن ، كتاب الإمام الزجّاج رحمه الله ، معاني القرآن وإعرابه ، ويمكننا أن نقول إن هذا الكتاب يمثّل أول قمّة للنضج في هذا العلم ، ولذلك اعتنى به العلماء من بعده عناية فائقة .

والإمام الزجّاج كنيته أبو إسحاق
، واسمه إبراهيم بن السني، ولقبه الزجّاج لأنه كان يخلط الزجاج ، وقد حكى ذلك بنفسه عن نفسه قال : "كنت أخلط الزجاج فاشتهيت النحو فلزمت المبرّد لتعلّمه ، وكان لا يُعلِّم مجانا ، فقال لي : أي شيء صناعتك ، قلت : أخلط الزجاج وكسبي في كل يوم درهم ونصف ، وأريدك أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك كل يوم درهما - يعني أنه يعطيه ثلثي دخله اليومي! - وأنا أعطيك كل يوم درهما وأشرط لك أني أعطيك إيّاه أبدا إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه - يعني لا يقتصر ذلك على مدة التعليم وإنما يمتد إلى حياة الزجاج إلى وفاته .
قال فلزمته وكنت أخدمه في أموره مع ذلك وأعطيه الدرهم فينصحني في العلم حتى استقليت" ، ثم ذكر الزجاج بعد ذلك أن بعض الناس طلب من المبرّد معلما لأولادهم ، فذكره المبرّد لهم يعنى ذكر الزجّاج لهؤلاء فكان هذا سببا في تحسّن أحوال الزجّاج المالية ، ثم بعد ذلك طلب الوزير عبيد الله بن سليمان وهو وزير المعتضد طلب من المبرّد معلما لولده القاسم ، فذكر المبرّد الزجّاج له أيضا فكان هذا سبب غنى الزجّاج .
هذه نبذة سريعة عن نشأة الإمام الزجاج رحمه الله .
وأما شيوخه فقد كان وافر الحظ من الشيوخ مع أنه يبدوا أنه لم يخرج من بغداد ، فمن شيوخه إمام الكوفيين أبو العباس ثعلب ، وكان الزجاج في أول حياته يأخذ عنه وتعلم منه كثيرا ، ومن شيوخ الزجاج أيضا الإمام إسماعيل بن إسحاق المالكي القاضي صاحب كتاب أحكام القرآن ، وقد كان مع سعة علمه بالفقه واسع العلم باللغة والأدب أيضا .
ومن شيوخ الزجاج أيضا الإمام المبرد محمد بن يزيد أبو العباس وهو الذي كان صاحب الأثر الأكبر على الزجاج علميا وماليا أيضا كما سبقت الإشارة .
وأما تلاميذ الزجاج :
فمنهم ابن درستويه صاحب كتاب "تصحيح الفصيح" ، ومنهم أبو جعفر النحّاس صاحب كتاب "معاني القرآن" أيضا ، وهو ينقل عن الزجّاج كثيرا في كتابه ، ومنهم أبو القاسم الزجّاجي النحويّ المشهور صاحب كتاب "الجمل" وسُمي الزجّاجي نسبة إلى شيخه الزجّاج ، ومن تلاميذ الزجّاج أيضا الإمام أبو علي الفارسيّ النحويّ المشهور الذي وضع كتابا مفردا في نقد معاني القرآن للزجاج وسمّى كتابه "الإغفال" ، ومن تلاميذ الزجاج أيضا الإمام أبو منصور الأزهري صاحب كتاب "تهذيب اللغة" .
وأما حياة الإمام الزجاج :
فقد قيل أنه ولد سنة إحدى وأربعين ومائتين وهي السنة التي تُوفي فيها الإمام أحمد ، لكن يبدو أن هذا فيه نظر لأنهم ذكروا في ترجمته أنه عاش فوق الثمانين وأما وفاته فالمشهور أنه توفي سنة إحدى عشر وثلاثمائة ، وقيل ستة عشر وثلاثمائة ، ومن المشهور في ترجمة الزجّاج أنه كان يدعو الله في آخر حياته أن يحشره على مذهب الإمام أحمد، لكني لم أقف على أي كتاب ذكره في تراجم الحنابلة أو طبقاتهم .
وهذا ظاهر من كتابه "معاني القرآن" ، فقد تجد فيه أحيانا ذكر مذهب الإمام أبي حنيفة أو مذهب الشافعي أو مذهب الإمام مالك ، لكنه لم يذكر مذهب الإمام أحمد فيما وقفت عليه .
والمقصود أن مجرّد انتساب الزجّاج للإمام أحمد لا يجعله حنبليا ، ولا يجعل كلامه موافقا لمذهب أحمد دائما .
وأما نشأة الزجاج :
فقد نشأ نشأة كوفيّه دارسا على شيخه ثعلب كما ذكرنا ، ثم انتقل إلى المدرسة البصريّة دارسا على شيخه المبرّد ، وكلاهما -المبرد وثعلب- كانا في بغداد ، وقد درج كثير من المعاصرين على تسمية المدرسة الناشئة من اختلاط المدرستين بالمدرسة البغدادية التي لا هي كوفيّه خالصة ، ولا بصريّة خالصة ، وينسبون الزجّاج وغيره إلى هذه المدرسة ، وهذا الإطلاق فيه نظر ، لأن وجود العلماء معا في بلد واحد لا يستلزم ذهاب المدرستين ولا يستلزم نشأة مدرسة جديدة تُعد خليطا من المدرستين ، والصواب أن الزجّاج وغيره ينتمون للمدرسة البصرية لكنهم كغيرهم من العلماء قد يكون لهم اجتهادات في مسائل تخالف البصريين ولا يخفى أن العالم الذي له اجتهادات قليلة تخالف المذهب ، فإن هذا لا يخرجه عن المذهب المعروف لا سيما إذا كان ينتسب هو نفسه إليه ، ومثال ذلك الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، لا يختلف اثنان أنه بصري المذهب ومع ذلك فله مسائل كثيرة وافق فيها الكوفيين ، ومثال ذلك أيضا الإمام الفرّاء إمام الكوفيين لا يختلف اثنان في أنه كوفي ومع ذلك فله مسائل كثيرة وافق فيها البصريين .

وللزجّاج مؤلفات كثيرة ولكن أشهرها هو هذا الكتاب "معاني القرآن" ، وله كتاب بعنوان "فعلتُ وأفعلت" والمقصود بهذا العنوان الأفعال التي وردت عن العرب ثلاثية ورباعية سواء أكان ذلك باتّفاق المعنى أم لم يكن ، وله كتاب في العَروض وكتاب في تفسير أسماء الله وغير ذلك من الكتب وكثير منها لم يصلنا ، أقصد الكتب غير هذه المذكورة الكتب التى ذكرت كلها وصلت إلينا.

وأما ثقافة الزجاج فالذي يظهر من كتابه معاني القرآن أنه كان متنوّع المعارف واسع الاطّلاع ، وأما علمه بالنحو والصرف فأوضح من أن يُستدل عليه ، وقد وصفه ابن جنّي بشدة الفحص والاستنباط ، وأما علمه باللغة فكذلك واضح في أثناء كتابه ولذلك اعتنى الإمام الأزهري بنقل كلامه في تهذيب اللغة ، ولا يبعد أن يُقال إن الزجّاج هو أكثر النحويين ذكرا في كتب اللغة .
وأما ما جاء في ترجمته في بعض المواضع من أنه كان ضعيف العلم باللغة فالمقصود أنه لم يكن متوسعا في معرفة الغريب وهذا لا يضره كما لا يخفى .
وأما علمه بالبلاغة فهو واضح أيضًا في أثناء تفسيره ، ولبعض المعاصرين رسالة علمية في جهوده البلاغية ، وأما علم الزجاج بالقراءات فهو واضح أيضًا في كتابه معاني القرآن لأنه كثيرا ما يحكي القراءات ويتكلم عن صحيحها ومقبولها ومنكرها ، وقد كرر مرات كثيرة قوله بلزوم اتّباع رسم المصحف ، وعدم مخالفته ، وكرر أيضا أن القراءة المجمع عليها أولى بالاتّباع ، وبعض المعاصرين أنكر عليه ما حكاه من بعض القراءات ، ثم علّل ذلك بأنه لم يكن عالما بالقراءات ، وهذا بعيد ، ولا يصحّ أن يُجهّل العالم من أجل أخطاء يسيرة لا يخلو منها أحد ، وقد ذكر الزجّاج أنه استمد أكثر ما ذكره من القراءات من كتاب أبي عبيد في القراءات ، وكتاب أبي عبيد مفقود لذلك لا نستطيع أن نجزم بأن الخطأ من الزجّاج إن ثبت أنه خطأ .


وأما علم الزجّاج بالتفسير فقد ذكر بعض المعاصرين أنه لم يكن له عناية بالتفسير المأثور وأنه كان يفسّر القرآن بمحض اللغة، وهذا الكلام قد ينطبق على بعض العلماء الذين صنّفوا في معاني القرآن ولكنه لا ينطبق على الزجّاج، ولا تلازم بين كونه يفسّر القرآن باللغة وبين كونه كان جاهلًا بالتفسير المأثور، فقد يكون عالما به لكنه يراه مرجوحا وهذا واضح في كتابه لأنه أحيانا ينقل القول المأثور ثم يرجّح خلافه، وقد جاء كثيرًا في كتابه قوله: "وجاء في التفسير"، "وأوّل في التفسير" ونحو ذلك، والمقصود بهذه العبارة: جاء في التفاسير المأثورة عن السلف أو جاء عن المفسّرين السابقين أو نحو ذلك، ولذلك تجده أحيانا يردّ على بعض العلماء في كلامهم بقوله: "هذا كلام من لم يعرف الرواية"، فهو يردّ على من يفسّر القرآن بمحض اللغة فكيف يُقال أنه هو نفسه يفسّر القرآن بمحض اللغة؟!!

وأما علمه بالفقه فلا يظهر كثيرًا في كتابه مع أن له في معاني القرآن اشارات جيدة إلى بعض المسائل منها :
- قوله عن صلاة الخوف: "وقد اختلف الناس في صلاة الخوف زعم مالك بن أنس أنه حسب ما روي فيها إليه كذا وكذا" ثم تكلم عن تفاصيل صلاة الخوف .
- وفي مسألة أخرى قال : "ونحن نبيّن في هذه الآية ما قاله جمهور الفقهاء وما توجبه اللغة إن شاء الله"، ولذلك فهو أحيانا يتوسّع في الكلام عن بعض الآيات المتعلّقة بالأحكام الفقهية ككلامه عن قوله تعالى: { واعلموا أنما غنمتم }، وكلامه عن آية الجزية، وكلامه عن قوله تعالى: { فطلقوهن لعدتهن }.

وأما علم الزجاج بالعقيدة فأكثر ما يظهر في الكتاب في جوابه عن الاعتراضات الواردة عن الآيات وحلّه للاشكالات فيها بالجمع بين ما يظهر من التعارض الظاهري بين آيتين، وقد أنكر عليه بعض العلماء كلامه عن العقيدة في بعض الآيات كقوله في قوله تعالى: { ولو شاء لهداكم أجمعين } أي لو شاء لأنزل آية تضطر الخلق إلى الإيمان به ولكنه عز وجل يهدي من يشاء ويدعو إلى صراط مستقيم .
فقد تعقّبه ابن عطية فقال : "هذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن الله لا يخلق أفعال العباد لم يحصّله الزجّاج ووقع فيه رحمه الله عن غير قصد" .
وقال أبو حيّان تعقيبًا على كلام ابن عطية : "لم يعرف ابن عطية أن الزجاج معتزليّ ولذلك تأوّل أنه لم يحصّله وأنه وقع فيه من غير قصد" .
ولا يظهر أن الزجّاج معتزليّ كما قال أبو حيّان ، وللزجّاج نصوص كثيرة تدلّ على قوله بخلق أفعال العباد، وحتى لو افترضنا أن الزجّاج قد وافق المعتزلة في بعض المسائل فإنه قد خالفهم في كثير من المسائل، وكثيرًا ما يقول وهذا قول أهل السنة ويرجّحه .
وحتى في هذه الآية لا يظهر أن فهم ابن عطية لقوله: "تضطر" صحيح، وإنما جرى الزجّاج في هذه الكلمة على المعنى اللغوي كما جاء عن بعض السلف في هذه الآية : "لو شاء الله لأراهم أمرًا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بمعصية".

وأما علم الزجاج بالحديث فلا يظهر واضحاً في كتابه أيضًا لكن فيه نصوص قليلة تدلّ على عنايته به كقوله : "هذا هو الذي ضبطه أصحاب الحديث".
وعندما تكلم عن انشقاق القمر قال : "فقد روينا فيه أحاديث" ثم ذكر عدة أحاديث بسنده.

وأما مقدار عقل الزجاج وفهمه فيظهر واضحًا من خلال ردوده على العلماء السابقين، ويظهر أيضًا من خلال عرضه للاحتمالات الممكنة في تفسير الآية وتقديم بعضها على بعض وتلمّسه الأوجه لما لم يرجّحه من الأقوال .
فهو مثلًا يقول : "هذا القول هو الصواب أو الراجح لكن القول الآخر لا ينكر أو له وجه من الصحة"، وقد كان لكثير من اللغويين من قبل الزجّاج وبعده عناية بالقرآن الكريم ومعانيه بل لا نبعد إن قلنا إن أكثر من اشتهر من علماء اللغة إنما اشتهر بسبب كلامه عن معاني القرآن فمن هذه الكتب :
- كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن مثنى .
- وكتاب "معاني القرآن" للأخفش الأوسط سعيد بن مسعده .
- وكتاب "معاني القرآن" للفرّاء يحيى بن زياد .
فهذه الكتب وغيرها استفاد الزجّاج منها في كتابه هذا وأخذ زبدتها وأضاف إليه من استنباطاته الكثير وردّ علي ما رآه خطأ منها، وأحيانا ينصّ على الشخص المردود عليه وأحيانا لا ينصّ .

وقد صنّف الزجاج هذا الكتاب "معاني القرآن" وذكر أنه أراد منه أن يبين معانيه وإعرابه بالقصد الأول ومعرفة تفسيره بالقصد الثاني، لذلك تجد أكثر ما في الكتاب يتعلّق باللغة والنحو والصرف مع الاستفادة مما ورد عن السلف في التفسير في ترجيح هذا القول أو ذاك .

وأما طبعة الكتاب فطبعته المشهورة هي طبعة عالم الكتب، وهي طبعة سيئة مع الأسف ومليئة بالأخطاء، وسوف أضرب مثالًا أو أكثر على ما فيه من أخطاء حتى ينتبه لها ويقاس عليها غيرها:
من ذلك قول الزجاج في المجلد الأول صفحة أربعين :
"والأصل فيه -أى الاسم- كلمة "اسم" سمو على وزن حمو ( هذا الذي مكتوب في الكتاب ) وجمعه أسماء مثل قني وأقناء وحنو وأحناء"، هكذا جاء في الكتاب مضبوطًا .
والصواب والأصل فيه: سمي على وزن حمي مثل قني وأقناء وحنو وأحناء .

ومثال ذلك من الأخطاء أيضًا أن الزجّاج في المجلد الأول صفحة ثلاث وسبعين ومائتين أورد هذا الشاهد:
تنوَّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثربَ أدنى دارها نظرٌ عالي
قال الزجاج: "وهذا أكثر الرواية وقد أنشد بالكسر بغير تنوين وأما الفتح فخطأ لأن نصب الجمع وفتحه كسر".
فالمحقق ضبطها بالفتح، مع أن الزجّاج نصّ على أن الفتح خطأ وقال إن الصواب إما الكسر بالتنوين وإما بالكسر بغير تنوين.

ولبعض الأخوة الباحثين في ملتقى أهل الحديث موضوع بعنوان: " صحح نسختك من معاني القرآن للزجاج "
لكنه اكتفى بمواضع قليلة، والكتاب الأخطاء فيه لا نبعد إن قلنا بالألوف، فكثير ما تكون العبارة في الكتاب محرّفة أو مصحّفة وغير واضحة المعنى، فإذا أشكل عليك شىء من ذلك ولم يمكنك حله فيمكنك أن ترجع إلى " تهذيب اللغة" للأزهري، فلعلك تجد العبارة فيه على الصواب لأن الأزهري صحّح كثيرًا فيه من إشكالاته وكذلك يمكنك الرجوع إلى كتاب " الإغفال" لأبي علي الفارسي .
وأريد هنا أن أنبه على مسألة أراها مهمة لطالب العلم وهي العناية بالطبعات السيئة لأن كثيرًا من الكتب المهمّة التى يحتاجها إليها طالب العلم ليس لها طبعة جيدة فلو انتظرنا حتى تخرج الطبعة الجيدة فسوف يفوتنا الكثير وحتى لو طبع الكتاب طبعة جيدة فهذا لا يعنى أنها معصومة من الخطأ لأن المقصود بقولنا طبعة جيدة أنها جيدة في الجملة .

وأما الطبعات السيئة فإن تعامل طالب العلم معها يدربه على الحسّ النقدي وينمّي عنده المهارة التحقيقية لأنه سيكون مضطرًا إلى تحقيق اللفظ والمعنى والسياق في كل ما يقرأ ، ولذلك أنصح طالب العلم الذي يريد أن يقرأ هذا الكتاب -معاني القرآن- أن يطبّق هذه الطريقة عليه لأنه ملىء بالأخطاء و[...]، وليجعل من قراءته تدريبا له على المهارات التحقيقية وليدرّب نفسه على تصحيح السياق واستخراج الأخطاء ولو صفحة واحدة يوميه، ويسعدني التواصل مع من أراد ذلك عبر البريد أو عبر التويتر إن أراد المناقشة والمباحثة في ذلك .

ومن مزايا كتاب معاني القرآن للزجاج :
-حسن بيانه الذي يشبه طريقة الإمام الطبري ويشبه طريقة المبرّد، ويبدو أنه قد أخذ حسن البيان من شيخه المبرّد، ولذلك تجده يشرح المسائل العلمية شرحًا يثلج الصدور ويقرّب البعيد
- ومن مزاياه أيضًا أنه مجتهد في التعبير عن الألفاظ اللغوية بطريقة حسنة السمت ولا يعتمد في ذلك فقط على المنقول المروي، وقد ساعده على ذلك مذهبه في علم الاشتقاق وتوسّعه في هذا العلم لأنه يرى أن تصاريف المادة كلها لا بد أن ترجع إلى معنى واحد مشترك يجمع بين هذه التصاريف .

وأما ردوده على العلماء السابقين فهو يردّ على أبي عبيدة صاحب "مجاز القرآن" كثيرًا لأن أبا عبيدة كثيرًا ما كان يعتمد على محض اللغة في التفسير.
ويردّ الزجاج أيضًا أحيانًا على الفرّاء ، ولبعض المعاصرين رسالة علمية في ردود الزجّاج على الفراء ولكنه كثيرًا ما يرد عليه من غير ذكر اسمه فيقول : "قال بعض النحويين".

ويرد أيضًا الزجاج على المازني من النحويين وغيره ولا سيما في الأقوال التى يتفردون بها عن غيرهم .

وأما مصادر الزجاج في هذا الكتاب فمنها كتب معاني القرآن السابقة ومنها ما أخذه عن شيوخه كما ذكرنا وهو أحيانا ينقل عن كتاب " العين " ويقول : "وفي كتاب الخليل كذا وكذا" ، ويروى عن الخليل بسند ومن غير سند.
واستفاد أيضًا من كتاب قطرب في التفسير وهو مفقود ، ومن كتاب أبي عبيدة في القراءات وغير ذلك .

وأما نقد العلماء للزجّاج :
فلا شك أنه كثير مشهور لأن كتاب الزجّاج كان مشهورًا واعتمد عليه كثير من العلماء ومثل هذا النوع من الكتب التى تشتهر لا يمكن أن يخلو من نقد .
لكن ممن كان له عناية بنقده الإمام أبو علي الفارسي في كتابه " الإغفال " فقد جمع فيه أكثر من مائة مسألة انتقدها على الزجّاج، لكننا نلاحظ أن كثيرًا من هذه المسائل المنقودة هي مسائل خلافية وليست محض خطأ من الزجّاج .
وممن نقده أيضًا ابن جنّي في "الخصائص" وغيره من كتبه .

وممن استفاد من الزجاج : أبو جعفر النحاس، وهو تلميذ الزجّاج وله كتاب أيضًا في معاني القرآن واستفاد من شيخه فيه كثيرًا .
وممن أكثر من الاستفادة من الزجّاج الإمام أبو منصور الأزهري في كتابه " تهذيب اللغة " .
قال الأزهري : "وما وقع في كتابي له من تفسير القرآن فهو من كتابه - أي كتاب الزجّاج- ولم أتفرّغ ببغداد لسماعه منه ( يعنى عندما قرأ هذا الكتاب على الزجّاج لم يتفرغ الأزهري لسماع هذا الكتاب من الزجاج ) ووجدت النسخ التى حملت إلى خراسان غير صحيحة" ( يعنى أن بعض نسخ الكتاب حملت إلى خراسان والأزهري كان فيها ولكنه وجد نسخًا فيها تحريف فيها تصريف) فيقول: "فجمعت منها عدة نسخ مختلفة المخارج وصرفت عنايتي إلى معارضة بعضها ببعض حتى حصلت منها نسخة جيدة"، وهذا يعنى أن الأزهري سلك في كتاب الزجّاج طريقة التحقيق على منهج النصّ المختار أو النصّ الملفق ، وهي طريقة جيدة ومشهورة عند المحققين المعاصرين .
ولذلك تجد العبارة التى ينقلها الأزهري في "التهذيب" عن الزجّاج أفضل من النصّ الموجود في المطبوع، ولعل المحقّق اعتمد على بعض هذه النسخ التى وصفها الأزهري بأنها غير صحيحة .
وممن استفاد من الزجاج أيضًا الثعلبي في تفسيره ، والواحدي في تفسيره البسيط وغيره ، والبغوي في تفسيره ، وكذلك الزمخشري في الكشّاف استفاد منه كثيرًا وأحيانا يستفيد منه من غير عزو وهذا لا يلزم أن يسمى سرقه لأن كتاب الزجاج كان مشهورًا والعلماء لهم عناية به فالأخذ منه بغير عزو يشبه الأخذ بعزو.


والآن نأتي إلى الجزء المهم وهو كيف تقرأ هذا الكتاب وما أشبهه ؟
فأقول: كثيرٌ من عبارات هذا الكتاب واضحة لا لبس فيها، ويستطيع أن يفهمها الطالب المبتدئ والطالب المتوسط، لكن هناك أيضًا عبارات كثيرة في الكتاب غير واضحة، أو لا يفهمها إلا الطالب المتقدّم؛ والإشكال في هذه العبارات يأتي من جهتين:
الجهة الأولى: صعوبة المادة العلمية، لأن الزجّاج كثيرًا ما يتعرض لمسائلَ دقيقةِِ في النحو والصرف والعلل النحوية والقياس، وهذه المسائل لا يفقهها إلا من توسّع في دراسة النحو .
والسبب الثاني في صعوبة فهم هذا الكتاب: تقدّم عصر المؤلِف، واختلاف اصطلاحاته أحيانا عن المعهود عند المتأخرين.
لذلك ؛ ينبغي أن يُقرأ هذا الكتاب وأمثاله بطريقةِِ مختلفة، لأنه من الكتب الأصول التي اعتمد عليها جميع العلماء تقريبََا بعد الزجّاج، فينبغي أن يُعتنى بقراءته قراءة تدّبر وتفهّم وتأمّل للسياق.
وإذا وجد القارئ فيه إشكالًا فلا يكتفي بالنظرة السريعة وبادي الرأي، لأن بيننا وبين الزجّاج مسافة طويلة أكثر من ألف سنة ، فلا ينبغي أن نسارع إلى أول فهم يرد إلى الخاطر ،لأنه قد يكون بسبب ثقافتنا المعاصرة التي تختلف اختلافا كبيرا عن ثقافة المتقدّمين .

وإذا كان بعض العلماء الكبار يُخطِئ أحيانا في فهم مقصود الزجّاج؛ فنحن أولى بالوقوع في هذا الخطأ، لأن العلماء كثيرََا ما يختصرون العبارة اعتمادًا على فهم السامع، واعتمادًا على أنّ المعلومة معروفة، فيتكلّمون على مقدار علمهم، ويُشيرون إشارة مختصرة، ولا يُكثرون من ذكر الأمور الدالّة على المقصود، فيحتاج القارئ إلى إتقان المسألة أو الباب ومعرفته من الكتب الأخرى قبل أن يُحدّد المراد من كلامهم.

والآن نأتي إلى ذكر بعض النماذج من الكتاب للقراءة والمناقشة .
أم تريدون الأسئلة قبل ذلك ؟ إن كان هناك أسئلة .
من كان لديه سؤال فيما سبق فليتفضل..

طيب؛ سنأتي الآن إلى ذكر بعض النماذج من كتاب الزجّاج ، ونعلّق عليها تعليقا مختصرََا ،يُوضّح الإشكال إن وُجد، ومن كان لديه إشكال في العبارة المقروءة؛ فليكتبه مباشرة في أثناء القراءة.

يقول الزجّاج في المجلد الأول صفحة خمسة وثمانين بعد المائة :" وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير، لأن كتاب الله ينبغي أن يُتبيّن، ألا ترى أن الله يقول: {أفلا يتدبرون القرآن}، فحُضِضنا على التدّبر والنّظر ،ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة أو ما يوافق نقلة أهل العلم".
هذا النصّ نقله كثير من المعاصرين عن الزّجّاج، لأنه يُبيّن منهجه في هذا الكتاب،- صفحة خمسة وثمانين ومئة من المجلد الأول -.

وفي صفحة ثمانية وتسعين ومائة؛ عبارة للزّجّاج تدل على تحرّيه وهي قوله : "وإنما حكينا في هذا ما قال الناس، وليس عندنا قطع في هذا، والله عز وجل أعلم بحقيقته".
وفي صفحة إحدى ومائتين يقول :"ويُروى عن عاصم في كل مافي القرآن من (رضوان) الوجهان جميعا - يعني الضم والكسر- ، فأما ما يرويه عنه أبو عمرو، (فرضوان) بالكسر ، وأما ما يرويه أبو بكر بن عياش (فرُضوان) بالضّم ".
والسؤال الآن من المقصود بقوله: أبو عمرو؟
من يعرف فليتفضل بالجواب..
يقول الشيخ عبد العزيز الداخل: الذي يظهر أنه ابن العلاء .
ويقول الأخ ابن طاهر: أبو عمرو بن العلاء.
وهذا هو الصحيح، المقصود أبو عمرو بن العلاء مع أنه من القرّاء السبعة إلا أنه أيضا كان راوية لعاصم، ونلاحظ أن رواية حفص لم تكن معروفة عند الزجّاج، وكذلك لم تكن معروفة عند الإمام الطبري ، وإنما يذكر عن عاصم في جميع كتابه روايتين فقط : رواية أبي بكر بن عياش، ورواية أبي عمرو وهو ابن العلاء .

وفي الصفحة التي تليها؛ صفحة اثنتين ومائتين يقول الزجاج: " ومعنى (ملتهم) في اللغة: سنتهم، ومن هذا "الملَّه" أي الموضع الذي يُختبز فيه، لأنها تُؤثر في مكانها،كما يُؤثر في الطريق، وكلام العرب إذا اتفق لفظه فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض".
وهذه قاعدة وفائدة نفيسة جدا من كلام الزجّاج نقلها العلماء عنه فيما بعد، وهي تلخص لنا مذهبه في هذا العلم، فهو سابق على ابن فارس وغيره في الكلام عن علم الاشتقاق، مع أن ابن فارس لا يبدو أنه قد أخذ شيئا عن الزجّاج في كتابه "مقاييس اللغة" إلا أن مذهبه متوافق تمام التوافق مع مذهب الزجّاج.
وفي الصفحة الخامسة بعد المائتين، يقول الزجاج: " وتلك القراءة جيدة إلا أني لا أقرأ بها ولا ينبغي أن يُقرأ بها؛ لأنها خلاف المصحف".
ماذا يقصد الزّجّاج بقوله : "جيدةٌ".. تلك القراءة جيدة؟
يقول الشيخ عبد العزيز الداخل: لغة.
وتقول إحدى الأخوات: من ناحية اللغة.
وهذا هو الصحيح، يقصد أن هذه القراءة جيدة من جهة اللغة ، يعني يجوز أن تتكلم بها خارج القرآن، وهذا ينبهنا على أصل مهمّ في التعامل مع كلام العلماء؛ وهو أننا ينبغي أن لا نضرب كلام بعضهم ببعض، وإنما نحمل كلامهم في مواضع على كلامهم الذي ذكروه في مواضع أخرى، فالزجّاج في كثير من المواضع في هذا الكتاب ينبّه على أهمية اتّباع القراءة الواردة، وأن القراءة سنة، وأنها لا يُؤخذ فيها بمجرد اللغة، وأنه لا يُخرج عن المصحف.

فإذا فرضنا أننا وجدنا له موضعا يُخالف هذا، فإننا نفسّره بما يدل على كلامه الواضح، ولا نتهمه بمجرد الاحتمال، وهذه منهجيّة ينبغي اتّباعها مع كلام العلماء جميعا، وليس الزجّاج فقط.
وفي صفحة ستة عشرة ومائتين من هذا المجلد أيضا؛ يقول الزّجّاج: "ورأيت مذهب المازنيّ وغيره ردّ هذه القراءة، وكذلك ردّ {فبم تبشرون}، قال الزّجّاج: "والإقدام على رد هذه القراءة غلط، لأن نافعا رحمه الله قرأ بها، وأخبرني اسماعيل بن إسحاق أنّ نافعا رحمه الله - اقلب الصفحة - لم يقرأ بحرف إلا وأقل ما قرأ به اثنان من قرّاء المدينة ، وله وجه في العربية فلا ينبغي أن يُرد".

هذا النص يبين لنا منهجية الزجّاج في التعامل مع القراءات، وأنه لم يكن يردّ القراءات بمجرد اللغة كما يزعم كثير من المعاصرين، فهو هنا يردّ على المازنيّ ردّه لهذه القراءة، واستدل على المازنيّ بأن نافعا قد قرأ بها، يعني أن هذه القراءة ثابتة .

فأما ما ردّه وما أنكره الزجّاج من القراءات الصحيحة، فهو مبني على أنه لم يعلم أنها ثابتة، فبهذا نجمع بين الموضعين؛ وإلا كان كلام الزجّاج متناقضا، والأصل في التعامل مع كلام العلماء أن لا يُحمل على التناقض، لأن الكلام حاضر وقريب وليس بعيدا حتى يُقال أنه قد نسيه.

معذرة، نسيت أن أقول: الشيخ ابن طاهر يقول عن قوله: "كلمة جيدة" بمعنى فصيحة، وهذا صحيح.. فصيحة .


في الصفحة التاسعة والعشرين بعد المائتين يقول الزجّاج : "وأجاز المازنيّ -في أول الصفحة- أن تكون صفة أي نصبا فأجاز : "يا أيها الرجلَ أقبل" وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب ولم يُجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه عليه أحد بعده ، فهذا مطروح لمخالفته كلام العرب والقرآن وسائر الأخبار" .
وهذا الكلام يبين لنا منهجية الزجاج ومنهجية كثير من العلماء في أنهم لا يعتمدون فقط على مجرّد القياس في إثبات اللغة ولذلك أنكر على المازنيّ هذا الذي أجازه بناء على محض القياس من غير سماع ولا دلالة عليه من النصوص والأخبار ونحو ذلك .
وبهذا يعلم خطأ كثير من المعاصرين الذين ينسبون للنحويين الكلام لمجرد القياس العقلي فقط دون الاعتماد على كلام العرب .

هل لنكتفي بهذا القدر أو نذكر أمثلة أخرى؟
بعض الإخوة يطلب إعادة الكلام السابق لأنه الصوت كان فيه مشكلة ولعل الأخ الكريم يرجع إلى الدرس المسجل إن كان مسجل اللقاء
واحدى الأخوات تسأل فيما يخص القراءات الشاذة لم يتضح لي المقصود بالسؤال فيرجى توضيحه .

في صفحة اثنتين وستين بعد المائتين يقول الزجاج : "وجمع هلال أهلة لأدنى العدد وأكثره ، لأن "فعالا" يُجمع في أقل العدد على "أفعلة"، مثل مثال وأمثلة، وحمار وأحمِرة ، وإذا جاوز "أفعلة" جُمع على "فُعل" مثل حُمر ومُثل فكرهوا في التضعيف فُعل نحو هُلل وخُلل فقالوا: أهله وأخله فاقتصروا على جمع أدنى العدد كما اقتصروا في ذوات الواو والياء على ذلك نحو كِساء وأكسية ورِداء وأردية .
والسؤال الآن : ماذا يقصد الزجاج بقوله أدنى العدد؟
يقول الشيخ عبدالعزيز الداخل : المقصود جمع القلّة، وهذا صحيح ، ونستفيد من هذا مسألة في غاية الأهمية وهي كيفية التعامل مع كتب المتقدمين ، يعنى أحيانا يريد بعض الباحثين أن يبحث عن مسألة من المسائل في كتاب سيبويه أو في المقتضب للمبرّد أو نحو ذلك ولا يستطيع الوصول للمسألة التي يريد لأن المصطلح الذي يستعمله المتقدّم مختلف ، فإذا أردت أن تبحث عن مسألة جمع القلّة وبحثت بهذه الكلمة فلن تجد نتيجة لبحثك لأنهم لا يستعملون هذا المصطلح ، وإنما يستعملون مصطلحات أخرى كقولهم أدنى العدد أو أقل العدد .
فالمقصود أن دراسة كتب المتأخرين وإن كانت جيدة إلا إنها لا تكفي في معرفة مصطلحات المتقدمين .
يقول الزجّاج هنا : "وجمع "هلال" أهلّة، لأدنى العدد وأكثره" .
طيب "أهلّة" على وزن أفعلة، أفعلة هذا من أوزان جمع القلّة فكيف قال الزجّاج أنه لأدنى العدد وأكثره -يعني القلّة والكثرة- كيف ؟
احدى الأخوات تقول، تطلب ذكر رقم الآية لأنه يبدو أن الطبعة التى عندها تختلف وأنا مع الأسف لم أكتب رقم الآية يعنى يمكنكم الرجوع إليها فيما بعد وإن كان هناك إشكال في المعنى حتى من غير أن ترجعوا إلى الطبعة التى لديكم يمكنكم السؤال.
نرجع إلى كلام الزجّاج،
يقول: "جمع "هلال" أهلة لأدنى العدد وأكثره" ، كيف يكون هذا لأدني العدد وأكثره يعنى الجمع القلة والكثرة مع أن "أفعلة" من أوزان جمع القلّة فقط ؟
من يعرف الجواب فليتفضل مشكورًا ..
يقول الأخ أو الشيخ يوسف الحسّاني: المقصود أنه اُستغني به عن جمع الكثرة ، وهذا صحيح ، ولكن ما السبب في هذا الاستغناء؟ لماذا استغني به عن جمع الكثرة ؟
إحدى الأخوات تقول : أريد أمثلة لاعتراضات الزجّاج في الشواذّ [أي القراءات الشواذّ]، وقد ذكرنا مثالا الآن وجميع المواضع التى قال فيها الزجّاج: "هذا جيد في اللغة إلا أني لا أقرأ به" ، فغالبًا يدخل في الشواذ .
يمكنكم أن تبحثوا بهذا اللفظ أو ما أشبهه .

يقول الشيخ يوسف الحساني : "لثقل جمع الكثرة في التضعيف"، وهذا صحيح .
يقول الزجّاج : "فكرهوا في التضعيف فُعُل لأنه إذا أردت أن تجمع "هلال" على وزن فُعُل يكون هُلُل، وهذا فيه ثقل لتوالي اللامين ، لذلك اقتصروا على وزن أفعلة فقط ".
طيب يقول الزجاج في الصفحة الرابعة والسبعين بعد المائتين يقول : "آتنا وقف لأنه دعاء " من يفسّر هذه العبارة ؟
يقول الزجاج :
"آتنا وقف لأنه دعاء " ما المعنى المقصود للزجاج بهذا الكلام ؟
يقول أحد الأخوة معناه أنه مبني على السكون لأنه فعل أمر والإجابة تقريبًا صحيحة لأن " آتنا " ليس مبنيا على السكون ولكنها مبنية على حذف حرف العلّة فقوله: "وقف" معناه مبني على الحذف يعنى حذف الياء لأن أصلها " آتينا " .

يقول الزجّاج في الصفحة التي تليها : ""معدودات" يستعمل كثيرًا في اللغة للشيء القليل وكل عدد قلّ أو كثر فهو معدود ولكن "معدودات" أدلّ على القلّة لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء نحو دريهمات وجماعات وقد يجوز -وهو حسن كثير- أن تقع الألف والتاء للكثير ، وقد ذُكر أنه عِيب على القائل :
لنا الجَفناتُ الغُرُّ يلمعنَ بالضُّحَى ... وأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِن نَجْدَةٍ دَمَا
فقيل له: "لما قللت الجفنات ولم تقل الجفان؟"
وهذا الخبر عندي مصنوع لأن الألف والتاء قد تأتي للكثرة "
في هذا النص النفيس نلاحظ المنهج النقديّ للإمام الزجّاج في التعامل مع المسائل العلمية والأدلّة التي يوردها المختلفون فيها وكيفية الردّ والقبول لهذه الأدلّة .
فهو يقول أن الجمع السابق بالألف والتاء هو في الأصل يدلّ على القلّة ولكنه قد يستعمل للكثرة، واستدلّ بهذا على أن هذا الخبر المرويّ مصنوع ، واستدل على أصالة جمع القلّة لقولهم: "دريهمات"، دريهمات تصغير دراهم ، لو قيل لك كيف تصغّر الدراهم فكيف تقول ؟
لا يصحّ أن يصغّر على صيغته بل لا بد أن يعاد إلى مفرده ثم يصغّر ثم يجمع بالألف والتاء ، فهذا دليل واضح على أن الأصل في الجمع بالألف والتاء أنه للقلّة .
انظر كيف جمع الإمام الزجّاج بين أمرين يشبه في الظاهر أنهما متناقضان وليس كذلك ، لأن الأصل لا يستلزم بطلان خلافه ، وإنما يستلزم فقط أنه أكثر استعمالا.. قد يستلزم أنه أكثر استعمالًا.

ونضرب مثالا على مذهب الزجاج في الاشتقاق عندما فسّر كلمة (أمّة) وذكر أنها تأتي في اللغة بعدة معانٍ، منها: "الدين" ومنها "القرن من الناس" ومنها "الرجل الذي لا نظير له" ، فقال الزجّاج تعقيبا على ذلك -في الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائتين- : "وأصل هذا كله من "القصد" ، يقال أممتُ الشيء إذا قصدته ، فمعنى الأمّة في الدين أن مقصدهم مقصد واحد ، ومعنى الأمّة في الرجل المنفرد الذي لا نظير له أن قصده منفرد من قصد سائر الناس ، ومعنى الأمّة بمعنى القامة سائر مقصد الجسد فليس يخرج شيء عن هذا الباب عن معنى أممت أي قصدت"، وهذه الطريقة لو تأملنا نلاحظ أنها تقريبا مطابقة لمنهجية ابن فارس في "مقاييس اللغة" .
وفي الصفحة الثامنة والثمامنين بعد المائتين يقول الزجّاج : "وكل ما في كتاب الله عز وجل من "الكُره" فالفتح جائز فيه تقول : (الكُره والكَره) إلا هذا الحرف الذي في هذه الآية ذكر أبو عبيدة أن الناس مجموعون على ضمه" ، كذلك وقع في الكتاب (أبو عبيدة) وهذا خطأ والصواب (أبو عبيد) وهذا من الأخطاء الشائعة التى تقع كثيرًا في الكتب اختلاط أبي عبيدة بأبي عبيد ، حتى في النسخ المخطوطة يعنى قد يكون الخطأ من الأصول المخطوطة نفسها وليس من المحقّق .
ومن العبارات التي تتكرر كثيرا في كلام الزجّاج قوله : "وهذا جيد بالغ" ماذا يعني بقوله جيد بالغ ؟ ماذا يقصد الزجاج بقوله جيد بالغ ؟
تقول إحدى الأخوات: لعله قصده بجيد بالغ أي في غاية الصحة والقرب من المعنى المراد.
ويقول أحد الأخوة: المقصود أنه صحيح مرويّ.
والذي يقصده الزجاج بقوله "جيد بالغ" أي أن استعماله صحيح، لأنه يستعمل هذه العبارة ليس في موضع بعينه ولكن في قاعدة أو في تعبير أو استعمال لا يختص بآية بعينها فهو يقصد أن هذا الاستعمال أو هذا النطق أو هذا الوجه جيد بالغ في الجودة مبلغا وليس شاذّا ولا نادرا ولا قبيحا يعني ليس لغة ضعيفة ، وإن كان أحيانا يكون غيره أرجح منه يعنى لا يلزم من قوله "جيد بالغ" أن يكون أفضل من غيره .
طيب في موضع آخر يقول الزجاج -صفحة ثلاثمائة- : "ويجوز أن يكون موضع "أنْ" رفعا فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" انتهى الكلام.
أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى- أي البر والتّقى أولى- ويكون "أولى" محذوفًا، كما جاء حذف أشياء في القرآن لأن في الكلام دليلا عليها ، ولا أعلم أحدا منهم ذكر هذا المذهب، ونحن نختار ما قالوه لأنه جيد ولأن الاتّباع أحب وإن كان غيره جائزا" .
وهذا من إنصاف الزجّاج أنه يرى هذا القول قويا وسائغا ولكنه لا يختاره، يختار خلافه لأن الاتّباع أحب إليه .
ويقول الزجاج في الصفحة الخامسة بعد الثلاثمائة : ""القرء" اجتماع الدم في البدن وذلك إنما يكون في الطهر ، وقد يكون اجتماعه في الرحم -يعني هذا في الحيض- ، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء بل هو تحقيق المذهبين ".
وهذا من فوائد مذهب الزجاج في الاشتقاق وطريقته أنه يحاول الجمع بين القولين في القرء وغيره فالقرء اختلف العلماء فيه على قولين بعضهم قال معناه الحيض ، وبعضهم قال معناه الطهر، فجمع الزجّاج بين القولين بأن القرء هو الاجتماع اجتماع الدم في البدن ، هذا الاجتماع قد يكون في البدن وهذا وقت الطهر ، وقد يكون في الرحم وهذا وقت الحيض ، فلذلك أطلق لفظ القرء على الأمرين .
ومن تأمل كلام الزجّاج وطريقته المطّردة في الكتاب يستطيع أن يخرج بعشرات الأفكار للرسائل العلمية، الذين يبحثون عن أفكار للرسائل العلمية، ومع الأسف كثير منهم يبحث عن الأفكار السهلة ولا يريد أن يبذل جهدًا، يعني مثلا مسألة الاشتقاق فقط علم الاشتقاق فقط يمكن أن يوضع فيه عدة رسائل، الاشتقاق عند الزجاج ، ويمكن أن تكون الرسالة عن علم الاشتقاق عند الزجّاج وهذا في تخصص اللغويات ، ويمكن أن يكون: أثر علم الاشتقاق على التفسير عند الزجّاج وهذا في قسم التفسير ، ويمكن أن يكون علاقة علم الاشتقاق بالنحو عند الزجّاج وهذا يصلح في قسم النحو والصرف.
والمقصود أن الأفكار كثيرة جدًا ولكننا لا نقرأ .
طيب نكتفي بهذا القدر وإن كان مثل الكتاب يحتاج إلى جلسات وجلسات لأنه مليئ بالفوائد والنفائس والمواضع التي تحتاج إلى تعليق ومن كان لديه مسألة يريد أن يناقشها فأرحب بالتواصل على بريدي الإلكتروني أو على صفحتي في تويتر والبريد مكتوب على صفحتي في تويتر أيضًا وسوف أكتبه لكم الآن لمن أراد وجزاكم الله خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة .


رد مع اقتباس
  #43  
قديم 28 ذو القعدة 1437هـ/31-08-2016م, 03:04 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ( 16 ) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ( 17 ) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ( 18 ) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ( 19 ) مريم

مناسبة ذكر قصة مريم بعد قصة زكريا عليه السلام . ك س
من هي مريم ؟ ك
نشأة السيده مريم عليها السلام . ك
فضائل السيدة مريم عليها السلام . ك س
المعنى الإجمالي للآيات . س

المسائل التفسيرية

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ( 16 )

الخطاب لمن ؟ ط
لمن يذكر شأن مريم ؟ ع
معنى " اذكر لغة " المعجم
المراد بالذكر . ع
فائدة افتتاح القصة بالأمر بالذكر . ع
المراد بالكتاب . ع ط
فائدة ذكر " في الكتاب " ع
معنى " إذ " ع
معنى " انتبذت " لغة . ع ط
المراد من قوله تعالى " انتبذت من أهلها " ت م ي ز ع ك س
المراد ب " شرقيا " ص ط س
فائدة تنكير لفظ المكان. ع
فائدة تخصيص الجهة الشرقية . ع ط

{ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ( 17 )

معنى " اتخذت " ع
معنى حجاب. س
المراد بقوله تعالى " فاتخذت من دونهم حجابا " ك
صفة الحجاب الذي اتخذته مريم . ب ط
سبب احتجاب مريم عن أهلها . ز ع ط ك س
المراد بالروح . ن ع ك س
فائدة الإضافة في قوله تعالى " روحنا " ش
معنى " تمثل لها " ع
معنى " بشرا " ع ك
معنى " سويا " ع ك
المراد بقوله تعالى " بشرًا سويا " ث س
الحكمة من تمثل الرسول بالبشر. س

) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ( 18 )

معنى الاستعاذة . د
معنى اسم الله تعالى " الرحمن " د
معنى " أعوذ بالرحمن منك " س
لماذا استعاذت مريم من الملك ؟ ب و
فائدة ذكر الحروف " إني " " منك " ع
لم خصت مريم ذكر اسم الرحمن في الاستعاذة. ع
فائدة في ذكر اسم الله الرحمن. ك
معنى " إن كنت تقيا " طك س
فائدة تخصيص ذكر صفة التقوى. ق ع ك
فائدة صيغة الشرط في قولها " إن كنت تقيا " ع
مناسبة الجمع بين الاستعاذة وذكر صفة التقوى . س
الحكمة من تمثل الرسول لها بصورة أكمل الرجال. ع
دلالة الاستعاذة على عصمة مريم عليها السلام. ع ك س
دلالة الآية على مشروعية الاستعاذة حال الدفاع عن النفس. ك

{ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ( 19 ) مريم

مسائل القراءات
القراءة في { لأهب لك }ط ك

المسائل التفسيرية
إجابة الملك لمريم. ك س
معنى " رسول ربك " س
معنى الهبة لغة . ف
سبب نسبة الملك الهبة لنفسه. ط ع ش
معنى " غلامًا " ش
معنى " زكيا " ش
المراد بقوله تعالى " غلامًا زكيا " ب و
فائدة وصف الغلام بزكيا . س

المسائل الاستطرادية :
اختلاف الأقوال في نبوة مريم . ط
سبب اتخاذ النصاري المشرق قبلة . ك

خلاصة أقوال المفسرين


مناسبة ذكر قصة مريم بعد قصة زكريا عليه السلام . ك س
- ما بين القصتين مناسبة ومشابهة وتقارب في المعنى ، فقد رزق الله تعالى زكريا في حالة كبره وعقم زوجته ولدًا زكيا وهو يحيى عليه السلام ولهذا عطف بذكر قصة مريم ورزقها ولدها عيسى عليه السلام من غير أب .
- في كلتا القصتين آيات عجيبة دالة على قدرة الله تعالى وعظمته وسلطانه وأنه على ما يشاء قدير .
- في ذكر القصتين تدرج من الأنى إلى الأعلى فبدأ بقصة زكريا التى اشتملت على آيات عجيبة ثم انتقل إلى ما هو أعجب منها في قصة مريم عليها السلام . ( خلاصة ما ذكره ابن كثير والسعدي )

من هي مريم ؟ ك
هي مريم بنت عمران من سلالة داود عليه السلام وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل .

نشأة السيده مريم عليها السلام . ك
- ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران وأنها نذرتها لله محررة أي تخدم بيت المقدس وكانوا يتقربون حينها بذلك لله تعالى { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا }
- وكفلها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم وقيل هو زوج خالتها فنشأة في بني إسرائيل نشأة عظيمة .

فضائل السيدة مريم عليها السلام . ك س
- كانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل والدءوب
- ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره (كما قال تعالى في سورة آل عمران {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء.
- شرفها الله تعالى بهذه الآية العظيمة أن يوجد منها عبده ورسوله عيسىعليه السلام ، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام .
- وفي ذكر الله تعالى لقصة مريم أعظم فضيلة لها إذ تذكر في القرآن الذي يتلوه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، تذكر فيه بأحسن الذكر، وأفضل الثناء، جزاء لعملها الفاضل.

المعنى الإجمالي للآيات . س
روى إسحاق بن بشر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلهامكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت مندونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسىو كانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر. الدر المنثور للسيوطي


المسائل التفسيرية

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ( 16 )

الخطاب لمن ؟ ط
الخطاب لسيدنا محمدصلى الله عليه وسلم. ذكره ابن عطية

لمن يذكر شأن مريم ؟ ع
قال السّدّيّ: يقول: اذكر لأهل مكّة أمر مريم. ذكره بن أبي ثعلبة البصري

معنى " اذكر لغة " المعجم
يقال اذَّكّر الشَّخصُ : أي اتعظ واعتبر. معجم المعاني الجامع

المراد بالذكر . ع
التلاوة ، أي اتل خبر مريم الذي نقصه عليك .ذكره ابن عاشور

فائدة افتتاح القصة بالأمر بالذكر . ع
في افتتاح القصة بهذا زيادة اهتمام بها وتشويق للسامع أن يتعرفها ويتدبرها. ذكره ابن عاشور

المراد بالكتاب . ع ط
القرآن ، لأن هذه القصة من جملة القرآن. ذكره ابن عاشور وابن عطية

فائدة ذكر " في الكتاب " ع
وقد اختصت هذه السورة بزيادة كلمة في الكتاب بعد كلمة واذكر . وفائدة ذلك التنبيه إلى أن ذكر من أمر بذكرهم كائن بآيات القرآن وليس مجرد ذكر فضله في كلام آخر من قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - كقوله لو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي. ولم يأت مثل هذه الجملة في سورة أخرى لأنه قد حصل علم المراد في هذه السورة فعلم أنه المراد في بقية الآيات التي جاء فيها لفظ اذكر . ولعل سورة مريم هي أول سورة أتى فيها لفظ واذكر في قصص الأنبياء فإنها السورة الرابعة والأربعون في عدد نزول السور . ابن عاشور

معنى " إذ " ع
- ( إذ ) ظرف متعلق بـ ( اذكر ) باعتبار تضمنه معنى القصة والخبر ، وليس متعلقا به في ظاهر معناه لعدم صحة المعنى .
- ويجوز أن يكون ( إذ ) مجرد اسم زمان غير ظرف ويجعل بدلا من مريم ، أي اذكر زمن انتباذها مكانا شرقيا . ابن عاشور

معنى " انتبذت " لغة . ع ط
الانتباذ : الانفراد والاعتزال والتنحي ، لأن النبذ : الإبعاد والطرح ، فالانتباذ في الأصل افتعال مطاوع نبذه ، ثم أطلق على الفعل الحاصل بدون سبق فاعل له . ابن عاشور وابن عطية

المراد من قوله تعالى " انتبذت من أهلها " ت م ي ز ع ك س
ابتعدت عن أهلها واعتزلتهم وتنحت عنهم . أبو عبيدة التيمي وبن المبارك اليزيدي والزجاج و ابن عاشور وابن كثير والسعدي

المراد ب " شرقيا " ص ط س
قبل المشرق منتحيا. قاله قتادة ذكره عبد الرزاق الصنعاني
أي في جهة الشرق من مساكن أهلها . ذكره ابن عطية والسعدي

فائدة تنكير لفظ المكان. ع
ونكر المكان إبهاما له لعدم تعلق الغرض بتعيين نوعه إذ لا يفيد كمالا في المقصود من القصة . ابن عاشور

فائدة تخصيص الجهة الشرقية . ع ط
- أنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ومن حيث تطلق الأنوار، وكانت الجهات الشرقية من كل شيء أفضل من سواها، حكاه الطبري ذكره ابن عطيه

- وللتنبيه على أصل اتخاذ النصارى الشرق قبلة لصلواتهم إذ كان حمل مريم بعيسى في مكان من جهة مشرق الشمس . كما قال ابن عباس: إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت النصارىالشرق قبلة لقوله تعالى مكانا شرقيا أي أن ذلك الاستقبال ليس بأمر من الله تعالى . فذكر كون المكان شرقيا نكتة بديعة من تاريخ الشرائع مع ما فيه من مؤاخاة الفواصل . ابن عاشور

{ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ( 17 )

معنى " اتخذت " ع
جعلت شيء يحجب عن الناس. ابن عاشور
معنى حجاب. س
سترًا ومانعًا . ذكره السعدي

المراد بقوله تعالى " فاتخذت من دونهم حجابا " ك
أي استترت من أهلها وتوارت . ذكره ابن كثير

صفة الحجاب الذي اتخذته مريم . ب ط
روى محمد بن سعد عن ابن عباس قال: مكانًا أظلتها الشّمس أن يراها أحدٌ منهم ، فجعل الله لها من الشمس حجابا . ذكره الطبري في جامع البيان
كان من جدران . قاله السدي ذكره ابن عطية
كان من ثياب . ذكره ابن عطية
اتخذت مكان شرقي المحراب . قاله بعض المفسرين ذكره ابن عطية

سبب احتجاب مريم عن أهلها . ز ع ط ك س

1- إنها احتجبت لتغتسل . الزجاج وابن عاشور
2- وقيل لتمتشط . ابن عاشور
3- وقيل لحيض أصابها . قاله السدي ذكره ابن كثير
4- ذهبت تستقي من الماء . قاله محمد بن إسحاق ذكره ابن كثير
5- اتخذت لها منزلا تتعبد فيه . قاله نوف البكالي ذكره ابن كثير
وكذا قال السعدي : لتعتزل وتنفرد بعبادة ربها، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى، وذلك امتثال منها لقوله تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمينيا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين }
ورجح ابن عطية القول بأنها اعتزلت لعبادة ربها وقال : وهذا أحسن; وذلك أن مريم كانت وقفا على سدانة المتعبد وخدمته والعبادة فيه، فتنحت من الناس لذلك.

المراد بالروح . ن ع ك س

القول الأول :
- هو جبريل عليه السلام . قال مجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،وابن جريج ووهب بن منبه، والسدي ذكره ابن كثير وقال" وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين}الشعراء ، وكذا قال السعدي .

ومن الأدلة على أن المراد بالروح الملك :
1- أن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلا على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشرا .ابن عاشور
2- ما روى علي بن الحكم عن الضحاك قال جبريل صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأن غيره قال هو عيسى يدل على ذلك قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}وعيسى بشر. معاني القرآن للنحاس

القول الثاني :
روى أبو جعفر الرازي عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ،عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ،وهو الذي تمثل لها بشرا سويا ، أي : روح عيسى ،فحملت الذي خاطبها ، وحل في فيها . ذكره ابن كثير وأنكره فقال "وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيل"

فائدة الإضافة في قوله تعالى " روحنا " ش
إضافته إلى الله إضافة تشريف وتكريم .ذكره الشنقيطي

معنى " تمثل لها " ع
المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .ابن عاشور

معنى " بشرا " ع ك
والبشر : الإنسان . قال تعالى إني خالق بشرا من طين أي خالق آدم- عليه السلام. ابن عاشور وابن كثير

معنى " سويا " ع ك
السوي : أي التام الخلق . ابن عاشور وابن كثير

المراد بقوله تعالى " بشرًا سويا " ث س
- أي: كاملا من الرجال في صورة جميلة وهيئة حسنة، لا عيب فيه ولا نقص. ذكره السعدي
- وذكر في تفسير السدي عن قتادة قال: أرسل إليها فيما يذكر جبريل في صورة آدم. ذكره أبي ثعلبة البصري

الحكمة من تمثل الرسول بالبشر. س
- لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه. ذكره السعدي

) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ( 18 )

معنى الاستعاذة . د
الاستعاذة هي الالتجاء والاعتصام إلى من بيده العصمة من شرِّ ما يُستعاذ منه.
قال الحصين بن الحمام المري:
فعوذي بأفناء العشيرة إنما.....يعوذ الذليلُ بالعزيز ليُعصما
قال أبو منصور الأزهري: (يقال: عاذ فلان بربّه يعوذ عَوْذاً إذا لجأ إليه واعتصم به).
والعِصمة هي المنَعَة والحماية ، قال الله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}، وقال: {ما لهم من الله من عاصم}. ذكره الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله

معنى اسم الله تعالى " الرحمن " د
(الرحمن) ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء، وبناء هذا الاسم على وَزن "فَعْلان" يدلّ على معنى السعة وبلوغ الغاية، وهو اسم مختصّ بالله تعالى، لا يُسمَّىبه غيره.
قال أبو إسحاق الزجاج: (ولا يجوز أن يقال " الرحمن " إلّا للّه، وإنماكان ذلك لأن بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ألا ترى أنك إذا قلت (غضبان)، فمعناه: الممتلئ غضباً، فـ"رحمن" الّذي وسعت رحمته كل شىء، فلايجوز أن يقال لغير الله: "رحمن") .ذكره الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله

معنى " أعوذ بالرحمن منك " س
أي ألتجىء به وأعتصم برحمته أن تنالني بسوء . ذكره السعدي

لماذا استعاذت مريم من الملك ؟ ب و
- روى القاسم عن ابن جريجٍ، قوله {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا} قال: خشيت أن يكون إنّما يريدها على نفسها.جامع البيان للطبري
- روى ابن عساكر عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منكإن كنت تقيا}الدر المنثور للسيوطي
- ذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} الدر المنثور للسيوطي

فائدة ذكر الحروف " إني " " منك " ع
التأكيد على اتخاذها الله معاذًا لها منه. ابن عاشور

لم خصت مريم ذكر اسم الرحمن في الاستعاذة. ع
ذكرها صفة الرحمن دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعرا عليها. ذكره ابن عاشور

فائدة في ذكر اسم الله الرحمن. ك
يقال : إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقا وعاد إلى هيئته وقال : " إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا " .ابن كثير

معنى " إن كنت تقيا " ط ك س
- أي إن كنت تخاف الله وتعمل بتقواه . ابن كثير والسعدي
- وروي أنها تعني اسم رجل فاجر كان في ذلك الزمن في قومها، فلما رأته متسورا عليها ظنته إياه فاستعاذت بالرحمن منه، حكى هذا مكيرحمه الله وغيره عن وهب بن منبه . ذكره ابن عطية وضعفه

فائدة تخصيص ذكر صفة التقوى. ق ع ك
- روى ابن جريرعن عاصمقال : قال أبو وائل- وذكر قصة مريم- فقال : قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } ذكره ابن كثير
ذو نهية) بضم النون وسكون الهاء وفتح التحتية أي صاحب عقل وانتهاء عن فعل القبيح . القسطلاني في إرشاد الساري
- وفي هذا موعظة له وتذكير بأن عليه أن يتقي ربه. ابن عاشور

فائدة صيغة الشرط في قولها " إن كنت تقيا " ع
مجيء هذا التذكير بصيغة الشرط المؤذن بالشك في تقواه قصد لتهييج خشيته. ابن عاشور

مناسبة الجمع بين الاستعاذة وذكر صفة التقوى . س
أن مريم جمعت بين الاعتصام بربها وبين تخويفه وترهيبه وأمره بلزوم التقوى. ذكره السعدي

الحكمة من تمثل الرسول لها بصورة أكمل الرجال. ع
- للإشارة إلى كمال عصمتها إذ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ، إذ لم يكن في صورته ما يكره لأمثالها. ابن عاشور


دلالة الاستعاذة على عصمة مريم عليها السلام. ع ك س
أنه لما تبدى لها الملك في صورة أكمل وأجمل الرجال ، وهي في مكان منفرد عن الناس وبينها وبين قومها حجاب ، خافت أن يكون رجلًا تعرض لها بسوء وطمع فيها وظنت أنه يريدها على نفسها فاعتصمت بربها وقالت { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} فبادرته بالتعوذ منه قبل أن يكلمها مبادرة بالإنكار على ما توهمته من قصده الذي هو المتبادر من أمثاله في مثل تلك الحالة . خلاصة قول ابن عاشور وابن كثير والسعدي

دلالة الآية على مشروعية الاستعاذة حال الدفاع عن النفس. ك
أن مريم عليها السلام لما خافت من الملك ذكرته بالله أولًا وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل ، فهي خوفته أولا بالله عز وجل .ذكره ابن كثير

{ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ( 19 ) مريم

مسائل القراءات

القراءة في { لأهب لك }ط ك
قرأ أبو عمرو بن العلاءأحد مشهوري القراء { ليهب لك }
واختلف عن نافعرحمه الله .
وقرأ الآخرون { لأهب لك }
وكلا القراءتين له وجه حسن ، ومعنى صحيح ، وكل تستلزم الأخرى . ذكره ابن كثير
وفي مصحف عبد الله بن مسعودرضي الله عنه: "ليهب الله لك". ذكره ابن عطية

المسائل التفسيرية

إجابة الملك لمريم. ك س
لما رأى جبريل من مريم الروع والخيفة قال لها مطمئنًا : لست مما تظنين ، ولكني رسول ربك بعثني لك لأهب لك غلامًا زكيًا . ابن كثير والسعدي

معنى " رسول ربك " س
أي: إنما وظيفتي وشغلي تنفيذ رسالة ربي فيك . السعدي

معنى الهبة لغة . ف
هِبَة: بكسر الهاء وفتح الباء، مصدر وهب يهب، هبةً ووهباً، ومعناها: إيصال النفع إلى الغير بما ينفعه، سواء كان مالاً أو غير مال.الفوزان

سبب نسبة الملك الهبة لنفسه. ط ع ش
وفيها أقوال بين العلماء :
1- جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله. ذكره ابن عطية
2 - وفي إسناد الهبة إلى نفسه مجاز عقلي لأنه سبب هذه الهبة . ذكره ابن عاشور
3- أي : لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع الذي وصل إلى الفرج ، فصار بسببه حملها عيسى. ذكره الشنقيطي

معنى " غلامًا " ش
أي ولدا . ذكره الشنقيطي

معنى " زكيا " ش
الطاهر من الذنوب والمعاصي . ذكره الشنقيطي

المراد بقوله تعالى " غلامًا زكيا " ب و
- الغلام الزّكيّ: هو الطّاهر من الذّنوب وكذلك تقول العرب: غلامٌ زاكٍ وزكيٌّ . جامع البيان للطبري
- وروى ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {غلاما زكيا} قال: صالحا . الدر المنثور للسيوطي

فائدة وصف الغلام بزكيا . س
أن هذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه، فإن الزكاء يستلزم تطهيره من الخصال الذميمة، واتصافه بالخصال الحميدة. ذكره السعدي


المسائل الاستطرادية :

اختلاف الأقوال في نبوة مريم . ط
اختلف الناس في نبوة مريمفقيل:
- كانت نبية بهذا الإرسال وبالمحاورة للملك،
- وقيل: لم تكن نبية، وإنما كلمها مثال بشر، ورؤيتها لملك كما رُئي جبريلفي صفة دحية، وفي سؤاله عن الإسلام، والأول أظهر. ذكره ابن عطية

سبب اتخاذ النصاري المشرق قبلة . ك
عن ابن عباس قال : إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه ، وما صرفهم عنه إلا قول ربك {انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} قال : خرجت مريم مكانا شرقيا ، فصلوا قبل مطلع الشمس . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ذكره ابن كثير

_______________________

المراجع :

تفسير عبد الرزاق الصنعاني ، جمهرة العلوم
تفسير القرآن العظيم لابن أبي ثعلبة البصري ، جمهرة العلوم
معاني القرآن للفراء ، جمهرة العلوم
مجاز القرآن لأبو عبيدة التيمي ، جمهرة العلوم
غريب القرآن لابن المبارك اليزيدي
معاني القرآن للزجاج ، جمهرة العلوم
معاني القرآن للنحاس ، جمهرة العلوم
صحيح البخاري ، جمهرة العلوم
تغليق التعليق للعسقلاني ، جمهرة العلوم
عمدة القاري لابن موسى العيني ، جمهرة العلوم
إرشاد الساري لابن أبي بكر القسطلاني ، جمهرة العلوم
جامع البيان لابن جرير الطبري ، جمهرة العلوم
الدر المنثور للسيوطي ، جمهرة العلوم
المستدرك لابن عبد الله الحاكم النيسابوري ، جمهرة العلوم
التحرير والتنوير لابن عاشور ، المكتبة الإسلامية
تفسير ابن عطية ، المكتبة الإسلامية
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، المكتبة الإسلامية
تفسير السعدي ، المكتبة الإسلامية
أضواء البيان للشنقيطي ، المكتبة الإسلامية
معجم المعاني الجامع .
موقع فضيلة الشيخ عبد الله الفوزان

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 29 محرم 1438هـ/30-10-2016م, 12:23 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد
أخواتي وبناتي الحبيبات نتحدث اليوم عن قصة عظيمة لشخصية فتاة كان لها شأن عظيم جداً في بني إسرائيل ، وكما تعودنا فنحن نتعلم قصص القرآن لنتخذ لنا القدوة التى نقتدي بها في حياتنا ونأخذ من تلك القصص العبرة التى نعتبر بها في سلوكياتنا وفي تفاصيل حياتنا الواقعية فكما تعلمنا القرآن هو معجزة الله تعالى الخالدة المناسبة لكل العصور بلا استثناء ، ففيه ما يصلح حال جيل كل زمن وفيه ما يحصل به سعادتهم وتحقيق أهدافهم بالطريقة التى ترضي ربهم ، فقط نحتاج نتأمل في كلام ربنا حتى نستخرج منه الفوائد التى ننتفع بها وكما قال تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } فهذا القرآن العظيم نزل لنا لنتدبره ولنتعظ بما فيه والذين يفعلون ذلك هم أصحاب العقول فعلًا التى تستحق الحياة بسعادة وفلاح .

واليوم موعدنا مع قصة عظيمة لفتاة عظيمة جدًا من بني إسرائيل ، ترى هل عرفتموها ؟
نعم إنها السيدة مريم ابنة عمران عليها السلام من سلالة داود عليه السلام وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل.
، قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من أكمل النساء ( كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا : آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ) البخاري

وهي من أفضل نساء أهل الجنة ، هل تعرفون من أيضًا من أفضل نساء أهل الجنة ؟
نعم عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ )رواه الإمام أحمد
ولقد خص الله تعالى هؤلاء النساء بهذا الفضل العظيم لأنهن تميزن في عصورهن بأعمال عظيمة جدا فكان لهن الفضل الكبير على سائر النساء ، فالله تعالى يجازي أهل الإحسان بمزيد من الإحسان ونحن في زمننا هذا كلما تميزت أنت عن غيرك من فتيات جيلك بأعمال يحبها الله تعالى كلما رفع شأنك الله تعالى وفضلك عنهم بكثير من العطايا والنعم وهذا في الدنيا والآخرة .

والآن تعالوا لنتأمل قصتنا كيف نالت السيدة مريم عليها السلام تلك المكانة العظيمة حتى أكرمها الله تعالى بمعجزة سيدنا عيسى و خلد ذكرها في القرآن على مر العصور
بداية أخواتي وبناتي الحبيبات يجب أن نعلم أن لكل بناء عظيم لا بد وأن يكون له أساس عظيم فالبناء الفاقد للأساس الجيد لا بد وأن ينهار ولا يكمل ، فتعالوا نتأمل هذا البناء لقصة السيدة مريم ، كيف كانت نشأتها ؟ بل وكيف كانت ولادتها من البداية تعالوا لنقرأ كلام ربنا :
{ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا }

وامرأة عمران هي والدة السيدة مريم عليها السلام وقد نذرت لله منذ حملت ما في بطنها أن يكون مولودها خادمًا لبيت المقدس وكانت تظنه ولدًا فلما وجدتها فتاة وكأنها تعتذر لربها { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى } وكان المتعارف عليه أن من يخدم في بيت المقدس الرجال وليس النساء ولكنها مع ذلك أصرت على الوفاء بنذرها و دعت ربها أن يحفظها بل ويحفظ ذريتها أيضًا من شر الشيطان الرجيم
{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا }
وهكذا فضل الله تعالى ذي الجوود والإحسان وهكذا عطاءه الواسع من يصدق مع الله تعالى الله يصدقه فوالدة مريم صدقت مع ربها في الوفاء بنذرها فصدقها ربها بقبول عطاءها وكافأها عليه بتقبل دعاءها وكفل لها نشأت مريم نشأة حسنة وكفل لها حفظها وذريتها من شر الشيطان الرجيم فجعلها في كفالة زكريا عليه السلام وكان نبيا في بني إسرائيل فنشأت مريم في بيت المقدس متفرغة لعبادة ربها وخدمة بيته قانتة خاشعة خاضعة شاكرة لعظيم فضل ربها ونعمه عليها فأكرمها الله تعالى بالكرامات ومن ذلك كما قال تعالى {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء

ثم شرفها الله تعالى بهذه الآية العظيمة أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام ، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام.
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ( 16 ) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَارُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ( 17 ) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ( 18 ) قَالَ إِنَّمَاأَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ( 19 ) مريم
في تلك الآيات يأمر الله تعالى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يقص علينا خبر مريم عليها السلام حتى نأخذ منها العبر .

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا }
قيل أن مريم عليها السلام اتخذت مكانا شرقيًا متنحيًا أي معتزلًا عن أهلها لغرض ما واختلف المفسرون في ذلك الغرض فقال بعضهم اعتزلت أهلها لحيض أصابها فلم تشأ المكث في المسجد وقيل لتغتسل وغير ذلك
و قال السعدي : لتعتزل وتنفرد بعبادة ربها، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى، وذلك امتثال منها لقوله تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمينيا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين }
ورجح ابن عطية هذاالقول بأنها اعتزلت لعبادة ربها وقال : وهذا أحسن; وذلك أن مريم كانت وقفا على سدانة المتعبد وخدمته والعبادة فيه، فتنحت من الناس لذلك.

( 16 ) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابً}

أي فاتخذت ساترًا بينها وبين قومها ، وانظروا كيف اعتزلت مريم أهلها بكل هدوء وأدب ولطف وتواضع بصرف النظر عن مقصدها من الاعتزال وهذا ما يعبر عنه التعبير القرآني البليغ في قوله تعالى { انتبذت من أهلها } ولم يقال { نبذت أهلها } والنبذ في اللغة هو الإلقاء والطرح لقلة الإعتداد به .
فالتعبير القرآني هنا جاء ليقر أن مريم انتبذت مكان فاعتزلت فيه وليس أنها نبذت أهلها كراهية لهم .
وإذا قسنا هذا على واقعنا الحالي فسنجد كثير من فتياتنا الحبيبات قد تأخذهم الهمة العالية أن يسيئوا التعامل مع أهلهم بحجة أنهم يريدون الاعتزال للعبادة أو للمذاكرة أو غير ذلك من الأغراض فلننتبه لذلك فخلق المؤمن مع أهله من الأعمال العظيمة الأجر التى يجب أن نعتني بها .

{ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ( 1) ) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ( 18)

لما اعتزلت مريم عليها السلام أهلها أرسل الله تعالى لها جبريل في سورة بشر ولكنه لم يكن بشر عادي بل كان في صورة أكمل الرجال في أجمل صورة وأحسن هيئة فما كان من مريم إلا أنها استعاذت بربها أن يحفظها من شر ذلك الرجل.
والاستعاذة هي الالتجاء والاعتصام إلى من بيده العصمة من شرِّ ما يُستعاذ منه.
ونحن كثيرًا ما نقصر في تلك الإستعاذة مع أنها أساس الإستعانة بالله تعالى

فما لنا حيلة ولا قوة إلا بربنا جل وعلا فهو الملجأ لنا في كل شأن نخاف منه أو نخشى عاقبته وهذه الإستعاذة التلقائية من مريم دليل على قوة إستعانتها بربها ودوام ذكره في كل حال فلما تملكها الخوف تذكرت أنيسها في كل وقت تذكرت ربها الرحمن
والرحمن أيذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء، وبناء هذا الاسم على وَزن "فَعْلان" يدلّ على معنى السعة وبلوغ الغاية، وهو اسم مختصّ بالله تعالى، لا يُجوز أن يسمى به غيره.

فقالت مريم إني ألتجأ إلى الله الرحمن وأعتصم به أن تنالني بسوء وأذى وقد خشيت مريم أن يكون إنّما يريدها على نفسها
وفي تلك الإستعاذة دلالة على عصمة مريم عليها السلام
أنهلما تبدى لها الملك في صورة أكمل وأجمل الرجال ، وهي في مكان منفرد عنالناس وبينها وبين قومها حجاب ، خافت أن يكون رجلًا تعرض لها بسوء وطمع فيها وظنت أنه يريدها على نفسها فاعتصمت بربها وقالت { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} فبادرته بالتعوذ منه قبل أن يكلمها مبادرة بالإنكار على ما توهمته من قصده الذي هو المتبادر من أمثاله في مثل تلك الحالة .

ومعنى " إن كنت تقيا : أي إن كنت تخاف الله وتعمل بتقواه.
فذكرته مريم بربه وحثته على التقوى في ذلك الموقف وفي ذلك عظة كبيرة لكن أخواتي وبناتي الحبيبات في ظل ذلك الزمن في ظل تلك الفتن التى تحيط بكن من كل مكان ، أين عفة مريم الآن ؟ أين من تعتصم بربها كل ما دعاها داعي السوء ؟ أين من تتخذ ربها أنيسها وتتخذ كلام ربها جليسها وتتخذ عبادة ربها غايتها في أوقاتها الخالية ؟
يجب أن نعود لأخذ نساء أهل الجنة قدوة لنا في حياتنا فنحن نعد أنفسنا لجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ،
نحن نعد أنفسنا لنعيم خالد لا يفنى فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،
نحن نعد أنفسنا للحياة الباقية وليس لحياة فانية وشهوات زائفة وقتية تنتهي ويبقى منها الحسرة والندامة وسوء العاقبة ،
فانتبهي أمة الله لما ينفعك واحذري من سبل الشيطان ومكائده .

مريم كانت في خلوة بعيدة هن أهلها ولكنها كانت تعرف أنه لا خلوة أبدًا عن ربها فراقبته في السر والعلن واستعانت به أول ما تعرضت لما يأخذها من عفتها ويحيد بها عن صراط الله المستقيم .
ويقال : إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقا وخشية من ذكر ربه وعاد إلى هيئته وقال مطمئنًا لها : " إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا.

أي لأهب لك ولدًا مطهرًا من الذنوب والمعاصي صالحًا فكانت البشارة العظيمة لها بعيسى عليه السلام معجزة الله تعالى لها ولقومها فما يزال يذكر اسمها مقترنًا باحدى أولى العزم من الرسل عيسى بن مريم تخليدًا لعفتها وتخليدًا لعظيم شأنها تلك العابدة المتبتلة مريم عليها السلام .

فهل لنا أمة الله في قصتها عبرة وفي حالها قدوة وفي سلوكها عظة لنا ، أسأل الله تعالى لي ولكن أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم آمين وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


رد مع اقتباس
  #45  
قديم 5 صفر 1438هـ/5-11-2016م, 09:32 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي


رسالة تفسيرية في قوله تعالى { لتجدن أشد الناس ... }

بسم الله ذي الجلال بسم الله الكبير المتعال بسم الله نبدأ وبه نستعين وعليه نتوكل ومنه نستمد الفتح وإليه نرجو التوفيق والقبول والحمد لله رب العالمين نحمده تعالى على نعمة الإسلام وكفى به نعمة ، نحمده تعالى على نعمة الفرقان وكفى به نعمة ، نحمده تعالى على النبي محمدًا هاديًا وبشيرًا ونذيرا ، نحمده تعالى وتعجز الألسنة وتعجز القلوب عن أداء حق تلك النعم فنسأله تعالى العفو والصفح والغفران ، أما بعد :
فهذا كتاب الله تعالى بين أيدينا منه ننهل ما يشفي صدورنا وما نحقق به رجاءنا وبه نهتدي ونبصر ملامح الطريق ، به نعرف الحبيب والصديق وبه نعرف أعداءنا وأعداء الحق والدين ، قد أبلغ وأنذر وبين وفصل في ملامحهم وصفاتهم الظاهرة والباطنة فأين المبصرون وأين المهتدون وأين المستمسكون بحبل الله المتين ، نسأل الله تعالى البصيرة لنا و لكل عبد مسلم اللهم آمين

في رسالتنا هذه بعون الله نتعرض لفئتين من الناس ذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم في أكثر من موضع مفصلًا قصصهم مع أنبيائهم وأقوالهم وأفعالهم وصفاتهم وهم اليهود والنصارى وما ذلك إلا لنحذر منهم ونعرف قدر من عادى منهم ونبصر أشكال ضلالاتهم وطرق زيغهم عن الحق فنحذر الوقوع فيها كما نحذر حيلهم ومكرهم وما ذلك التفصيل بعجيب وقد فرض الله تعالى علينا في كل صلاة دعاء متضمن بسورة الفاتحة ما نزال نكرره في كل صلاة بل وفي كل ركعة أن يهدينا ويثبتنا على صراطه المستقيم وأن ينجينا من تلك الفئتين المغضوب عليهم وهم اليهود والضالين وهم النصارى على قول أكثر أهل العلم فنقول { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } اللهم آمين .

إذ كيف يعرف المؤمن أنه على صراط الله المستقيم حقًا إلا بمعرفة نظائره من الطرق الغير مستقيمة فيتأمل حاله وعباداته وسلوكياته ويعرضها على صفات تلك الطرق الثلاث فيتبين له مقدار اهتدائه ولزومه الصراط ومقدار زيغه عنه فيصلح ما اعوج ويلتزم صفات عباد الله المؤمنين وينجو بنفسه ويبتعد عن كل صفة ظاهرة وباطنة مشابهة لأعداء الله من كلا الفريقين .

وبالرغم من هذه القواعد الأساسية في عقيدتنا والتى هي من أسس كمال التوحيد الولاء والبراء إلا أن كثير من المسلمين للأسف وقعوا في المحذور الشرعي بمودتهم لأهل الكفر والضلال بحجج واهية ومن تلك الحجج استشهادهم بقول الله تعالى { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } المائدة

وقد فسروا الآية على إطلاقها بدون قيد ولا شرط واتخذوها حجة لمودة أهل الكفر من النصارى حتى شابهوهم في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وملبسهم ومأكلهم ومشربهم ولا حول ولا قوة إلا بالله وسنفصل بإذن الله في رسالتنا هذه تفسير تلك الآيات الكريمة مبينًة فيها بفضل الله الإشكالات والحجج والرد عليها وكذلك بيان بعض الفوائد البديعة التى لا غنى عنها لكل مسلم ومسلمة يبتغي الهداية والتوفيق والقبول من ربه جل وعلا ، والله المستعان وعليه التكلان .

قال تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ( 82 ) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83 ) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ( 84 ) المائدة

وقد تناسب ذكر تلك الآيات مع ما قبلها من ذكر أحوال اليهود والنصارى في قبول رسالات ربهم فقال الله تعالى عن اليهود وقد أخذ منهم الميثاق والعهد ولكنهم نقضوه مرة بعد أخرى فاستحقوا غضب الله عليهم ولعنته كما قال تعالى { ولقد أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

ولا يخفى على كل قارىء لكتاب الله قبائح ما فعل اليهود مع رسلهم وكيفية تلقيهم لأوامر ربهم بالعصيان وشدة كبرهم عن اتباع الحق وتماديهم في الطغيان .
كما ذكر الله تعالى حال النصارى الذين نسوا فضلوا وأضلوا كما قال تعالى { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }

فذكر الله تعالى لنا شأنهم في عهدهم مع ربهم ومقابلة رسالاته وأوامره تعالى وهداياته،
كما ذكر لنا جل وعلا مواقفهم من دعوة الإسلام المختلفة والمتفاوتة كما ذكر ابن عاشور : والتى كان فيها اليهود أشد عداوة وبغضًا كما قال تعالى {وليزيدَنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً }وقال تعالى { وإذا جاؤوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به }فعلم تلوّنهم في مضارّة المسلمين وأذاهُم . وذَكر من أحوال النصارى ما شنّع به عقيدتهم ولكنّه لم يحك عنهم ما فيه عداوتهم المسلمين .

وقد اختلف المفسرون في أسباب نزول تلك الآيات وهل نزلت في فئة محددة من النصارى آمنوا بكتاب ربهم أم هي إخبار عام من الله تعالى لنبيه ولمن بعده وقد ورد في ذلك بعض الآثار ومنها :

1- روي عن مجاهد وابن عباس أنهم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة وأنهم ثمانية من نصارى الشام كانوا في بلاد الحبشة وأتوا المدينة مع اثنين وستّين راهِباً من الحبشة مصاحبين للمسلمين الذين رجعوا من هجرتهم بالحبشة وسمعوا القرآن وأسلموا .وهم : بَحِيرا الراهب ، وإدريس ، وأشرف ، وأبرهة ، وثمامة ، وقثم ، ودريد ، وأيمن ، أي مِمَّن يحسنون العربية ليتمكّنوا من فهم القرآن عند سماعه . وهذا الوفد ورد إلى المدينة مع الذين عادوا من مهاجرة الحبشة ، سنة سبع فكانت الإشارة إليهم في هذه الآية تذكيراً بفضلهم .خلاصة ما رواه الطبري وابن عاشور

2- وقيل: إنها نـزلت في النجاشيّ ملك الحبشة وأصحابٍ له أسلموا معه. رواه الطبري والبغوي
وذلك بتفصيله في قصة المهاجرين من المؤمنين إلى الحبشة برواية ابن عباس والحوار الدائر بينهم وبين النجاشي والشاهد منه (قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال يقول: " هو عبد الله، وكلمةٌ من الله ألقاها إلى مريم، وروح منه "، ويقول في مريم: " إنها العذراء البتول ". قال: فأخذ عودًا من الأرض فقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود! فكره المشركون قوله، وتغيَّرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئًا مما أنـزل عليكم؟ قالوا: نعم! قال: اقرءوا! فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبانٌ وسائرُ النصارى، فعرفت كلَّ ما قرأوا وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق. قال الله تعالى ذكره: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول " الآية. رواه الطبري
قال ابن كثير : وهذا القول فيه نظر ; لأن هذه الآية مدنية ، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة .

3- وقال آخرون: بل هذه صفة قوم كانوا على شريعة عيسى من أهل الإيمان، فلما بعث الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به.
وورد في ذلك أثر عن قتادة أنهم أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعةٍ من الحق مما جاء به عيسى، يؤمنون به وينتهون إليه. فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، صدَّقوا به وآمنوا به، وعرفوا الذي جاء به أنه الحق، فأثنى عليهم ما تسمعون. رواه الطبري والبغوي

3- وقيل أنه لم يعرف قوم معيّنون من النصارى أسلموا في زمن الرسول . ولَعلّ اللّهَ أعلَم رسوله بفريق من النصارى آمنوا بمحمد في قلوبهم ولم يتمكّنوا من لقائه ولا من إظهار إيمانهم ولم يبلغهم من الشريعة إلاّ شيء قليل تمسّكوا به ولم يعلموا اشتراط إظهار الإيمان المسمّى بالإسلام ، وهؤلاء يشبه حالهم حالَ من لم تبلغه الدعوة ، لأنّ بلوغ الدعوة متفاوت المراتب . ولعلّ هؤلاء كان منهم من هو بأرض الحبشة أو باليمن . ولا شكّ أنّ النجاشي منهم . وقد كان بهذه الحالة أخبر عنه بذلك النّبي صلى الله عليه وسلم . ذكره ابن عاشور

والقول الراجح في ذلك كما قال ابن جرير الطبري رحمه الله : أنّ الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: " إنا نصارى "، أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقربَ الناس وِدادًا لأهل الإيمان بالله ورسوله، ولم يسمِّ لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحابُ النجاشي= ويجوز أن يكون أريد به قومٌ كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه.

والمقصود أن هذه الآية عامة في وصف كل من اتصف بالأوصاف التى بها وإن كانت نزلت في فئة محددة إلا أنها تشمل كل من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سواء قبل نزول الآية أم بعدها كما تشمل أيضًا كل من أتى بعده ونهج نهجه واتصف بما فيها فهو داخل ولاشك في تلك الآية .


قال تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }

الخطاب في الآية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وإما لكل أحد يصلح له إيذانا بأن حالهم مما لا يخفى على أحد من الناس. ذكره الألوسي
ولقد ورد الخبر بصيغة القسم { لتجدن } اعتناء ببيان تحقيق مضمونها فأكد القسم بالام وزاده توكيدًا بنون التوكيد . خلاصة ما ذكر الألوسي وابن عاشور
والوجدان هنا وِجدانٌ قلبي ، وهو من أفعال العِلم ، والعلم هنا واقع لحاصل ما تكنّه ضمائر الفريقين نحو المسلمين. ذكره ابن عاشور

فيخبرنا الله تعالى أننا في نشر دعوتنا للإسلام سنجد فئات كثيرة من الناس تواجهنا أشدهم عداوة لنا هم اليهود قبحهم الله وإن عادى غيرهم الإسلام ولكنهم الأشد في العداوة يتبعهم في ذلك المشركين بالله في كل زمان ومكان.

وقد اختلف المفسرون في كون المقصود يهود المدينة ومشركي العرب فيختص الوصف بهم دون غيرهم ولكن الراجح العموم لكل اليهود في كل زمان ومكان وكذلك العموم للمشركين في كل زمان ومكان وإن كان ظهور عدائهم للنبي وأصحابه صلى الله عليه وسلم أكثر ظهورًا حينها ولكن المتأمل يجد أنهم لم يتغيروا ولم يتوانوا لحظة في محاربتهم للإسلام وفي الصد عن دين الله بشتى ومختلف السبل .
وما يؤيد هذا الحديث المروي عن أبي هريرة رضى الله عنه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله "، وهذا أجمع عليه الكثير من المفسرين .

وقد ذكر بعض المفسرين كلام نفيس في سبب ذم اليهود ومن ذلك :

قال الألوسي : ووصفهم سبحانه بذلك لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم وانهماكهم في اتباع الهوى وقربهم إلى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء عليهم السلام والاجتراء على تكذيبهم ومناصبتهم، وقد قيل : إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان.

وقال ابن كثير : لأن كفر اليهود عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم . ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسحروه ، وألبوا عليه أشباههم من المشركين - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .

وأما عن سبب اقتران ذكر اليهود مع المشركين في عداوتهم للمسلمين فقد ألّف بين اليهود والمشركين بُغض الإسلام؛ فاليهود للحسد على مجيء النبوءة من غيرهم ، والمشركون للحسد على أن سبقهم المسلمون بالاهتداء إلى الدين الحقّ ونبذ الباطل . ذكره ابن عاشور
وقال أيضًا : وهذان طرفان في معاملة المسلمين . وبين الطرفين فِرق متفاوتة في بغض المسلمين ، مثل المجوس والصابئة وعبدة الأوثان والمعطّلة .

وفي سبب تقدم ذكر اليهود على المشركين قال الألوسي :
1- إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة كما أن في تقديمهم عليهم في قوله تعالى { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا } إيذانا بتقدمهم عليهم في الحرص.

2- وقيل : التقديم لكون الكلام السابق كان في تعديد قبائح اليهود فقدموا عليهم .

ولو تأملنا المعركة الدائرة هنا بين تلك الفئات :
الذين آمنوا : وهم الذين صدّقوا الله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من الصحابة والمهاجرين وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين شريعتهم كتاب الله القرآن معجزة الله تعالى الخالدة وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

اليهود : وهم بني إسرائيل وهو نبي الله يعقوب عليه السلام وشريعتهم التوراة وقد افترقوا على اثنتي عشرة أسباطًا أمما قد آتاهم الله تعالى العلم وفضلهم على العالمين في وقت زمانهم ولكنهم أصروا على الكبر والفسوق والعصيان وهم الفئة الأشد عداوة لأنبياء الله عامة و للمسلمين خاصة ولهذا اشتد غضب الله تعالى عليهم .

المشركين : وهم عبدة الأوثان الذين اتخذوا الأوثان آلهة يعبدونها من دون الله وذلك في كل زمان ومكان وهم أيضًا ممن يشتد عداوتهم للمسلمين وقد ذكرهم الله تعالى بقوله{ الذين أشركوا } دون المشركين للمبالغة في الذم وقيل ليكون على نمط { الذين آمنوا }. ذكره الألوسي

النصارى : وهم أتباع المسيح عيسى عليه السلام وكتابهم الإنجيل وقد سموا بالنصارى لأنهم أجابوا دعوة نبيهم كما قال تعالى { فلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ومنهم القسيسن والرهبان .

وهم بهذا الوصف الذي ذكر هم أقرب الناس مودة للذين آمنوا من أهل الملل المخالفة للإسلام .

{ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ}

وفي فائدة التعبير بقوله تعالى " الذين قالوا إنا نصارى " دون التعبير بقوله النصارى أقوال للمفسرين :
1- إشعارًا بقرب مودتهم حيث يدعون أنهم أنصار الله تعالى وأوداء أهل الحق وإن لم يظهروا اعتقاد حقية الإسلام. ذكره الألوسي

2- تعريضا بصلابة الأولين في الكفر والامتناع عن الانقياد لأن اليهود لما قيل لهم : ادخلوا الأرض المقدسة قالوا: (اذهب أنت وربك فقاتلا) والنصارى لما قيل لهم {من أنصاري إلى الله قالوا نحن أنصار الله } قاله ابن المنير . ذكره الألوسي

3- المقصود هنا تذكيرهم بمضمون هذا اللقب ليزدادوا من مودّة المسلمين فيتّبعوا دين الإسلام .ذكره ابن عاشور
وهذه النقطة الثالثة مناسبة جدًا لما بعدها من الآيات أن من وصف هؤلاء النصارى إيمانهم بالقرآن واتباعهم المؤمنين .

{ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا }

وأما المعنى اللغوي للقسيسين والرهبان :
قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم ، و الرهبان العباد أصحاب الصوامع ، واحدهم راهب . ذكره البغوي

- و القسيس صيغة مبالغة من تقسس الشيء إذا تتبعه بالليل سموا به لمبالغتهم في تتبع العلم. قاله الراغب. ذكره الألوسي

وأما فائدة تنكير " قسيسين ورهبانا "

- لإفادة الكثرة والتى تدل على مودة جنس النصارى للمؤمنين فإن اتصاف أفراد كثيرة لجنس بخصلة مظنة لاتصاف الجنس بها. ذكره الألوسي
وفي ذلك فائدة نفيسة ذكرها الألوسي : أن من اليهود أيضا قوم مهتدون لكنهم لم يكونوا في الكثرة كالذين ذكروا من النصارى ولهذا لم يتعد حكمهم إلى جنس اليهود.

و" المودة "" المفعلة "، من قول الرجل: " ودِدْت كذا أودُّه وُدًّا، ووِدًّا، ووَدًّا ومودة "، إذا أحببته. ذكره الطبري


وسنفصل بعون الله تعالى هنا في سبب مودة النصارى للمسلمين :


- قال النابغة: كان وجود القسّيسين والرهبان بين العرب سبباً في اقتراب مودّتهم من المؤمنين لما هو معروف بين العرب من حُسن أخلاق القسّيسين والرهبان وتواضعهم وتسامحهم . وكانوا منتشرين في جهات كثيرة من بلاد العرب يعمّرون الأديرة والصَوامع والبِيع ، وأكثرهم من عرب الشام الذين بلغَتْهم دعوة النصرانية على طريق الروم ، فقد عرفهم العرب بالزهد ومسالمة الناس وكثر ذلك في كلام شعرائهم كما قالوا :

لو أنَّها برزت لأشمَط راهِب ... عبدَ الإله صَرورة مُتَعَبِّد

لرَنَا لطلعتها وحسن حديثها ... ولخَالَه رَشداً وإن لَم يَرْشَد

فوجود هؤلاء فيهم وكونهم رؤساء دينهم ممّا يكون سبباً في صلاح أخلاق أهل ملّتهم. ذكره ابن عاشور .

- أن فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة ، وما ذاك إلا لما في قلوبهم ، إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال تعالى{ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} وفي كتابهم : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر . وليس القتال مشروعا في ملتهم . ذكره ابن كثير

ومع تأمل تلك الأقوال للمفسرين رحمهم الله نجد أن سبب مودة النصارى أن فيهم القسيسين والرهبان المتمسكين بشريعتهم المطبقين لها ظاهرًا وباطنا فانقطعوا للعبادة واشتغلوا بالعلم فما زالت قلوبهم نقية تقية ومازالت معاملاتهم دالة على محاسن أخلاقهم وزهدهم وورعهم ومن كان صفته كذلك فهو بلا شك أقرب مودة للمسلمين لأن دين الإسلام كله رحمة ورأفة وما دعوة الإسلام إلا لمحاسن الأخلاق وحسن المعاملات وإخلاص العبادات لله فلما يتبين لهم الحق من أدلة بينة على صدق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ويتبين لهم صدق القرآن المنزل من عند الله بالبراهين فهم بلاشك يتبعون دين الإسلام .

وذلك لأن كل الشرائع من مشكاة واحدة تدعوا في أسسها إلى توحيد الله جل وعلا وإقامة العدل كما قال الله تعالى { ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ} النحل ، وكما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ، ديننا واحد "

وقد نزل القرآن مصدقًا لما بين يديه من الكتب لا يخالفها ولكنه يزيد عليها تمامًا وكمالًا لإقامة الشريعة كما قال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم{وأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

والفروق بينها فروق تشريعية في تحريم ما أحل قبل ذلك أو تحليل ما حرم وفي كيفية تنفيذ تلك الأحكام وتتشابه أيضًا في كثير منها كما ورد في قوله تعالى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } فهذا من الأحكام التى وردت في التوراة ولكنهم يخالفوها ويحرفونها وكذلك حكم رجم الزاني المحصن وغير ذلك .

فمن كان متبع شريعته حقًا من أهل الكتاب وسمع ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك سيؤمن به ويتبعه وخاصة أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت معلومة في كل الرسالات السابقة أخبر بها كل نبي قومه ولهذا كان ذكر القسيسن والرهبان خاصة لأنهم أعلمهم بشريعتهم وأرقهم قلبًا لحسن اتباعهم لها وإنما يمنع ذلك الكبر وقد نفى الله تعالى عنهم تلك الصفة خاصة لأنها المانع الأول في اتباع الحق فقال الله تعالى عنهم { ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }

وفي ذلك المعنى بين الطبري سبب ثناء الله تعالى على النصارى فقال رحمه الله : إن الله تعالى ذكره أخبرَ عن النفر الذين أثنى عليهم من النصارى بقرب مودتهم لأهل الإيمان بالله ورسوله، أن ذلك إنما كان منهم لأن منهم أهلَ اجتهاد في العبادة، وترهُّب في الديارات والصوامع وأن منهم علماء بكتبهم وأهل تلاوة لها، فهم لا يبعدون من المؤمنين لتواضعهم للحق إذا عرفوه، ولا يستكبرون عن قبوله إذا تبيّنوه، لأنهم أهل دين واجتهاد فيه، ونصيحة لأنفسهم في ذات الله، وليسوا كاليهود الذين قد دَرِبُوا بقتل الأنبياء والرسل، ومعاندة الله في أمره ونهيه، وتحريفِ تنـزيله الذي أنـزله في كتبه.

وسنفصل في تلك الصفة للنصارى التى أثنى الله تعالى بها عليهم وكانت السبب الرئيسي لكونهم أقرب مودة للمؤمنين وهي كما قال تعالى { وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }

ومعنى الكِبْر لغة: العَظَمَة والتَّجَبُّر والتَّكَبُّر والاسْتِكْبار: التَّعَظُّم، والكِبْر بالكسر: اسم من التكبر.
معنى الكِبْر اصطلاحًا: معنى الكِبْر جاء تعريفه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال: ((الكِبْر بطر الحق، وغمط الناس))
وقال الزَّبيدي: (الكِبْر: حالةٌ يتخصَّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أَكْبَر من غيره)
وقيل الكِبْر هو: (استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له). موسوعة الأخلاق الدرر السنية

ولقد أورد ابن القيم رحمه الله في مقدمة أسباب تخلف العمل عن العلم الكلام عن تلك الصفة فقال : العلمُ بكونِ الشيءِ سبباً لمصلحةِ العبد ولذاته وسروره قد يتخلَّف عنه عملُه بمقتضاه لأسبابٍ عديدة ومنها قيامُ مانعٍ وهو إما حسدٌ أو كِبْرٌ، وذلك مانع إبليس من الإنقياد للأمر وهو داء الأولين والآخرين إلا من عصم الله.
-
وبه تخلَّفَ الإيمان عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صحَّة نبوَّتِه، ومن جرى مجراهم.
-
وهو الذي منع عبدَ الله بنَ أبيٍّ من الإيمان.
-
وبه تخلَّف الإيمانُ عن أبي جهل وسائر المشركين؛ فإنهم لم يكونوا يرتابونفي صدقه، وأنَّ الحق معه لكن حملهم الكِبْرُ والحسدُ على الكفر.
-
وبه تخلَّف الإيمانُ عن أميَّة وأضرابه ممن كان عنده علم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.انتهى


فالاستكبار مقرون بكراهية الحق لزومًا لأن النفس تأبى الانقياد لغير هواها ولما كان الحق أبلج والنفس تكره الانقياد له فلزم كراهيته ومحاربته وتشنيعه وتزيينه بالباطل ليختلط على الناس وهذا كان دأب اليهود والمشركين وهو ما منعهم من الدخول في الإسلام بالرغم من علمهم أنه الحق وأما النصارى فمن تحقق فيه تلك الصفة فمثله مثل اليهود والمشركين في كبرهم وبالتالي في عنادهم وكراهيتهم للحق وبغضهم له وأما من حقق أخلاق القسيسين والرهبان الواردة في شريعة الإنجيل وتحلى بالعلم والعبادة والتواضع فمتى تبين له الحق وفهمه انقاد له واستسلم وهؤلاء هم المقصودون بالثناء في تلك الآيات والمقصودون بالوصف أنهم أقرب مودة للمؤمنين .

وأما ما أورده بعض المفسرين كابن حبان من أقوال بأن صدر الآية {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} تقتضي عموم النصارى وأن هذا حاصل برؤية الواقع أن النصارى أقرب وأن الكلام ليس واردًا عن العقائد وإنما ورد بسبب الإنفعال للمسلمين وفسر قوله تعالى { ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا } أن من هؤلاء النصارى طائفة علماء وزهادًا متواضعين ، وسريعي استجابة للإسلام ، وكثيري بكاء عند سماع القرآن فمقصود قولهم أن عموم النصارى أكثر مودة للمسلمين وأن وصفهم بسرعة الاستجابة للإسلام قد يحدث في طائفة منهم وإن لم يحدث فلا يتنافى بقاءهم على دينهم مع كونهم أيضًا أقرب مودة للمسلمين .

وهذا الكلام فيه نظر فهو يتنافى مع تفسير الآية بأن خص الله تعالى ذكر النصارى بصفتهم " الذين قالوا إنا نصارى " أي الذين قالوا إنا نصارى للحق فلزم كونهم كذلك أن ينقادوا للحق المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أول ما يتبين لهم .

كما أنه يتنافي مع ورود اسم الإشارة بتلك الصيغة { ذلك بأن منهم } ومعناه الواضح أن هذا بسبب ما سيأتي بعده " أن منهم القسيسن والرهبان ، وأنهم لا يستكبرون ، وإذا سمعوا ... إلى آخر الآيات"

كما أن الواقع المشاهد من عداء النصارى واتحادهم مع اليهود ومحاربتهم للإسلام وأهله يثبت خلاف هذا القول ، كما يثبت خطأه أيضًا القياس العقلي للفرق بين اليهود والنصارى وسبب وصف هؤلاء بالعداء وهؤلاء بالود و سبب ختام الآية بقوله تعالى { وأنهم لا يستكبرون } ومتعلق الكبر هنا بأنهم لا يتكبرون عن الحق فإن تحقق للنصارى العلم بالأدلة والبراهين على صدق دعوة الإسلام ولم يتبعوه فهل هذا دليل تواضعهم للحق أم استكبارهم ؟ وهل بعد رفضهم الانقياد لدعوة الإسلام سيظلون يحملون الود في قلوبهم لهذا الدين وأهله أم ستتحول مشاعرهم لمحاربة الدين وأهله لإثبات أن الحق معهم هم لا مع الإسلام وما ذلك إلا بتصوير المسلمين على غير صورهم وما ذلك إلا بانتقاص الدين بإثارة الشبهات وما ذلك إلا بإثارة الفتن والتضييق على الإسلام وأهله وهذا مشاهد بعين الواقع ولا خلاف في ذلك .

وفي هذا المعنى الواضح علق كثير من المفسرين ونذكر أقوال بعضهم في تلك الشبهة :

- قال الجصاص في أحكام القرآن : ومن الجهال من يظن أن في هذه الآية مدحًا للنصارى ، وإخبارًا بأنهم خير من اليهود. وليس ذلك كذلك ، لأن ما في الآية من ذلك إنما هو صفة قوم قد آمنوا بالله وبالرسول. يدل عليه ما ذكر في نسق التلاوة ، من إخبارهم عن أنفسهم بالإيمان بالله والرسول. ومعلوم عند كل ذي فطنة صحيحة أمعن النظر في مقالتي هاتين الطائفتين ، أن مقالة النصارى أقبح وأشد استحالة ، وأظهر فسادًا من مقالة اليهود. لأن اليهود تقر بالتوحيد في الجملة ، وإن كان فيها مشبهة تنقض ما اعتقدته في الجملة من التوحيد بالتشبيه". ذكره الطبري

- وقال البغوي : هذا الخبر لم يرد به جميع النصارى لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم ، لا ولاء ، ولا كرامة لهم ، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه .

- قال سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: وليس كل من قالوا إنهم نصارى إذن داخل في ذلك الحكم كما يحاول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تمامها، إنما هذا الحكم مقصور على حالة معينة لم يدع السياق القرآني أمرها غامضاً ولا ملامحها مجهلة ولا موقفها متلبساً بموقف سواها في كثير ولا قليل.

كما قال ابن كثير رحمه الله : وهذا الصنف المذكور في الآيات من النصارى هم المذكورون أيضًا في قوله تعالى { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب } ، وهم الذين قال الله فيهم { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين }

وما يؤيد هذا القول أيضًا أن الله تعالى نهانا عن مودة اليهود والنصارى كافة فساوى تعالى بينهم في الأمر بالنهي كما قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

فكيف ينهانا الله تعالى عن مودة قوم في آية ثم يخبرنا بأنهم أقرب مودة لنا في آية أخرى فهذا قياس خاطىء ولا شك وإنما هذا الخبر كان له شروط فصلها الله تعالى وبينها أحسن البيان فقال تعالى { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ }

فتأمل تلك الصفات القلبية أنهم لا يستكبرون ، أنهم رقيقي القلوب تفيض أعينهم من الدمع إن سمعوا الحق ، أنهم سريعي الإستجابة بقولهم آمنا ، أنهم شديدي الرجاء لرحمة ربهم أن يدخلهم الجنة مع القوم الصالحين الطائعين من أمة الإسلام وأن يكتبهم مع الشاهدين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم اختصهم الله تعالى بذلك الفضل كما في قوله تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }

وانظر إلى تعجبهم لمن لا ينقاد للحق فور العلم به كما ورد في تفسير قوله تعالى{ ومالنا لا نؤمن بالله } من أقوال :

1- أنّهم يقولونه في أنفسهم عندما يخامرهم التردّد في أمر النزوع عن دينهم القديم إلى الدخول في الإسلام . وذلك التردّد يعرض للمعتقد عند الهمّ بالرجوع في اعتقاده وهو المسمّى بالنظر.

2- ويحتمل أنّهم يقولونه لمن يعارضهم من أهل ملّتهم أو من إخوانهم ويشكّكهم فيما عزموا عليه .

3- ويحتمل أنّهم يقولونه لمن يعيّرهم من اليهود أو غيرهم بأنّهم لم يتصلّبوا في دينهم . فقد قيل : إنّ اليهود عَيّروا النفر الذين أسلموا . ذكره ابن عاشور

{ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ }

فاستحقوا ثواب ربهم جل وعلا على إيمانهم وانقيادهم للحق جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وذلك جزاء المحسنين ووجه الإحسان هنا أنهم جمعوا بين القول وإخلاص القلب وخشوعه وخضوعه لربه جل وعلا فكمال الإحسان أن يحقق القلب الإخلاص وتمام الإنقياد لأوامر ربه تعالى فيتكامل الظاهر والباطن وما جزاء إحسان العباد إلا الإحسان من ربهم فهو الغني الكريم جل وعلا.

فالمتأمل لتلك الآيات الكريمة يجد أنها مقيدة بأوصاف وشروط وليست عامة وإنما يتبين تحقق الود من عدمه بتبيين الحق والدعوة بالحسنى لدين الإسلام فمن رق له وعرف فهو داخل في الآية وأما من أعرض واستكبر فهو خارج عن الوصف لا خلاف .

وفي تلك الآيات الكريمة فوائد جليلة ومنها :

1- أن فهم كلام الله تعالى لا يكون بالأهواء بل يكون بتأمل القرائن من القرآن والسنة والرجوع لأقوال السلف والتابعين لهم بإحسان .
2- أن أهل الكفر والضلال متشابهون وإن اختلفوا في المسميات وأنه لا يجوز موالاتهم ومودتهم .
3- في الآيات بيان لفضيلة العلم وأنه سبب للنجاة فالقسيس كما تبين معناه في اللغة من مبالغته في تتبع العلم وانشغاله به فكان هذا سببًا لانقياده للدين الحق .
4- أن العبادة قرينة العلم ولا علم بدون تعبد حقيقي به فإنما العلم الخشية ولهذا كان الرهبان الزهاد العباد أطوع من غيرهم عند سماع الحق .
5- أن الكبر داء خطير يحرم صاحبه نعمة اتباع الحق ويحيد به عن صراط الله المستقيم .
6- أن التواضع من شيم المخلصين الطائعين المحسنين وهو سبب للنجاة .
7 – أن من صفات المنتفعين بكلام ربهم أصحاب القلوب الخاشعة وفي ذلك عظة لأصحاب القلوب القاسية كيف يسمعون كلام ربهم وكيف يؤثر في قلوبهم ولا تتحقق الخشية إلا برقة القلب ولا يتحقق حسن الاتباع إلا بحسن السماع كما قال تعالى { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .

هذا فما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وما كان من صواب فهو من فضل الله جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين .


رد مع اقتباس
  #46  
قديم 8 صفر 1438هـ/8-11-2016م, 12:14 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

أرسلت لحاجة تنسيق في موضوع آخر ، عفوًا

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 16 صفر 1439هـ/5-11-2017م, 02:35 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

المراد بلهو الحديث

المطلوب: جمع ما يتّصل بهذه المسألة من الأحاديث والآثار وأقوال السلف، وترتيبها على التسلسل التاريخي.

الجواب:
قال عطاء بن أبي مسلم الخراساني(ت:135هـ): وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث} قَالَ: الْغِنَاءُ وَالْبَاطِلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.( جزء تفسير برِوَايَةِ الترمذي/ تحقيق:حكمت بشير ( 210/89 )

قال مسلم بن خالد الزنجي، (ت: 179هـ):{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: الغناء.( جزء تفسير برِوَايَةِ الترمذي/ تحقيق:حكمت بشير (87/58)

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يزيد بن يونس بن يزيد، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ وهو يسأل عن هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله}، فقال عبد اللّه: الغناء، والّذي لا إله إلا هو، يردّدها ثلاث مراتٍ).
(وحدثنا سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في هذه الآية: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علمٍ}، قال: هو الغناء). [الجامع في علوم القرآن: 1/66]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال أما والله لعله ألا يكون أنفق فيه مالا وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.
قال معمر وبلغني أنها نزلت في بعض بني عبد الدار).
(
عن الثوري عن عبد الكريم البصري عن مجاهد في قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال هو الغناء وكل لعب لهو). [تفسير عبد الرزاق: 2/105]

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن مجاهدٍ في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء [الآية: 6].
سفيان [الثوري] عن عبد الكريم عن مجاهدٍ قال: هو الغناء وكلّ لعبٍ لهو). [تفسير الثوري: 238]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا بكر بن مضر، عن عبيد الله بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلّموهنّ، ولا خير في تجارةٍ فيهنّ وثمنهنّ حرامٌ، وفي مثل ذلك أنزلت عليه هذه الآية {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ غريبٌ إنّما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة والقاسم ثقةٌ، وعليّ بن يزيد يضعّف في الحديث، سمعت محمّدًا يقول: القاسم ثقةٌ، وعليّ بن يزيد يضعّف). [سنن الترمذي: 5/198]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزوًا أولئك لهم عذابٌ مّهينٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} فقال بعضهم: من يشتري الشّراء المعروف بالثّمن، ورووا بذلك خبرًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو ما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن خلاّدٍ الصّفّار، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يحلّ بيع المغنّيات، ولا شراؤهنّ، ولا التّجارة فيهنّ، ولا أثمانهنّ، وفيهنّ نزلت هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن خلاّدٍ الصّفّار، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، إلاّ أنّه قال: أكل ثمنهنّ حرامٌ وقال أيضًا: وفيهنّ أنزل اللّه عليّ هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه}.
- حدّثني عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سليمان بن حيّان، عن عمرو بن قيسٍ الكلابيّ، عن أبي المهلّب، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. قال: وثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن مطّرح بن يزيد، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن عليّ بن زيدٍ، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهليّ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لا يحلّ تعليم المغنّيات، ولا بيعهنّ، ولا شراؤهنّ، وثمن حرامٍ، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} إلى آخر الآية.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الحديث، ويستحبّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ} واللّه لعلّه أن لا ينفق فيه مالاً، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضّلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ، وما يضرّ على ما ينفع.
- حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، قال: حدّثنا ابن شوذبٍ، عن مطرٍ، في قول اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: اشتراؤه: استحبابه.
وأولى التّأويلين عندي بالصّواب تأويل من قال: معناه: الشّراء، الّذي هو بالثّمن، وذلك أنّ ذلك هو أظهر معنييه.
فإن قال قائلٌ: وكيف يشتري لهو الحديث؟
قيل: يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فيكون مشتريًا لهو الحديث.
وأمّا الحديث، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو الغناء والاستماع له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ، أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ، وهو يسأل عن هذه الآية، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ} فقال عبد اللّه: الغناء، والّذي لا إله إلاّ هو، يردّدها ثلاث مرّاتٍ.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا حميدٌ الخرّاط، عن عمّارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء، أنّه سأل ابن مسعودٍ عن قول اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عليّ بن عابسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء وأشباهه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، والفضل بن الصّبّاح، قالا: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء ونحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا الحسين بن عبد الرّحمن الأنماطيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: حدّثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: هو الغناء والاستماع له، يعني قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث}.
- حدّثنا الحسن بن عبد الرّحيم، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدّثنا سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن جابرٍ، في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء والاستماع له.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، أو مقسمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: شراء المغنّية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، والمحاربيّ، عن ليثٍ، عن الحكم، عن ابن عبّاسٍ، قال: الغناء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} قال: باطل الحديث: هو الغناء ونحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن مجاهدٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ وعبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ أنّه قال في هذه الآية {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيبٍ، عن مجاهدٍ قال: الغناء.
- قال: حدّثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء، وكلّ لعبٍ لهوٌ.
- حدّثنا الحسين بن عبد الرّحمن الأنماطيّ، قال: حدّثنا عليّ بن حفصٍ الهمدانيّ، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء والاستماع له وكلّ لهو.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: المغنّي والمغنّية بالمال الكثير، أو استماعٌ إليه، أو إلى مثله من الباطل.
- حدّثني يعقوب وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء، أو الغناء منه، أو الاستماع له.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن شعيب بن يسارٍ، عن عكرمة، قال: {لهو الحديث} الغناء.
- حدّثني عبيد بن إسماعيل الهبّاريّ، قال: حدّثنا عثّامٌ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن شعيب بن يسارٍ، هكذا قال عكرمة، عن عبيدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن الزّبرقان النّخعيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، وعبيد اللّه، عن أسامة، عن عكرمة، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أسامة بن زيدٍ، عن عكرمة، قال: الغناء.
وقال آخرون: عنى باللّهو: الطّبل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ الأعور، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: اللّهو: الطّبل.
وقال آخرون: عنى بلهو الحديث: الشّرك.
ذكر من قال ذلك:

- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} يعني الشّرك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزوًا} قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلى قوله: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبرًا كأن لم يسمعها كأنّ في أذنيه وقرًا} فليس هكذا أهل الإسلام، قال: وناسٌ يقولون: هي فيكم، وليس كذلك، قال: وهو الحديث الباطل الّذي كانوا يلغون فيه.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل اللّه، ممّا نهى اللّه عن استماعه أو رسوله، لأنّ اللّه تعالى عمّ بقوله {لهو الحديث} ولم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، فذلك على عمومه، حتّى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشّرك من ذلك.
وقوله: {ليضلّ عن سبيل اللّه} يقول: ليصدّ ذلك الّذي يشتري من لهو الحديث عن دين اللّه وطاعته، وما يقرّب إليه من قراءة قرآنٍ، وذكر اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {ليضلّ عن سبيل اللّه} قال: سبيل اللّه: قراءة القرآن، وذكر اللّه إذا ذكره، وهو رجلٌ من قريشٍ اشترى جاريةً مغنّيةً.
وقوله: {بغير علمٍ} يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث، جهلاً منه بما له في العاقبة عند اللّه من وزر ذلك وإثمه.
وقوله {ويتّخذها هزوًا} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (ويتّخذها)، رفعًا، عطفًا به على قوله: {يشتري} كأنّ معناه عندهم: ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ويتّخذ آيات اللّه هزوًا. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: {ويتّخذها} نصبًا عطفًا على (يضلّ)، بمعنى: ليضلّ عن سبيل اللّه، وليتّخذها هزوًا.
والصّواب من القول في ذلك: أنّهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ، فمصيبٌ الصّواب في قراءته.
والهاء والألف في قوله: {ويتّخذها} من ذكر سبيل اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ويتّخذها هزوًا} قال: سبيل اللّه.
وقال آخرون: بل ذلك من ذكر آيات الكتاب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: بحسب المرء من الضّلالة، أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ، وما يضرّ على ما ينفع.
{ويتّخذها هزوًا} يستهزئ بها ويكذّب بها. من أن يكونا من ذكر سبيل اللّه أشبه عندي لقربهما منها، وإن كان القول الآخر غير بعيدٍ من الصّواب. واتّخاذه ذلك هزوًا هو استهزاؤه به.
وقوله: {أولئك لهم عذابٌ مهينٌ} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين وصفنا أنّهم يشترون لهو الحديث ليضلّوا عن سبيل اللّه، لهم يوم القيامة عذابٌ مذلٌّ مخزٍ في نار جهنّم). [جامع البيان: 18/532-541]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال هو اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير والاستماع إليهم وإلى مثله من الباطل).
( ثنا إِبْرَاهِيمُ، نا آدَمُ، نا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا} [لقمان: 6] قَالَ «وَيَتَّخِذُ سَبِيلَ اللَّهِ هُزُوًا»
[تفسير مجاهد: 503]

قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا بكّار بن قتيبة القاضي، ثنا صفوان بن عيسى القاضي، ثنا حميدٌ الخرّاط، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} [لقمان: 6] قال: «هو واللّه الغناء» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/445]

قال
أبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت: 427هـ): قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصي، كان يتجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدّث بها قريشا ويقول لهم: إنّ محمّدا يحدّثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدّثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأعاجم والأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، وقال مجاهد: يعني شراء [القيان] والمغنّين، ووجه الكلام على هذا التأويل يشتري ذات أو ذا لهو الحديث.
أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى سنة ثلاث وثمانين، حدّثني جدّي محمد بن إسحاق بن خزيمة] عن علي بن خزيمة] عن علي بن حجرة، عن مستمغل بن ملجان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ تعليم المغنيات ولا بيعهن، وأثمانهن حرام، وفي مثل هذا نزلت هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... »
[180] (1) سنن الترمذي: 2/ 375 بتفاوت، والسنن الكبرى: 6/ 14، وكنز العمال: 4/ 39. إلى آخر الآية.
وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلّا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتّى يكون هو الذي يسكت.
وقال آخرون: معناه يستبدل ويختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن وقال: سبيل الله:
القرآن.
وقال أبو الصهباء البكري: سألت ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلّا هو يردّدها ثلاث مرّات، ومثله روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس. ابن جريج: هو الطبل. عبيد عن الضحّاك: هو الشرك. جويبر عنه: الغناء، وقال: الغناء مفسدة للمال، مسخطة للربّ مفسدة للقلب. وقال ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنّيه ليلا ونهارا. وكلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله إلى ما نهى عنه فهو لهو ومنه الغناء وغيره. وقال قتادة: هو كلّ لهو ولعب. قال عطاء: هو الترّهات والبسابس.
وقال مكحول: من اشترى جارية ضرّابة ليمسكها لغناها وضربها مقيما عليه حتّى يموت لم أصلّ عليه، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ... إلى آخر الآية.
وروى علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير والأوتار والصّلب وأمر الجاهلية، وحلف ربّي بعزّته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر متعمّدا (2) غير موجودة في المصدر. إلّا سقيته من الصديد مثلها
يوم القيامة مغفورا له أو معذّبا، ولا يسقيها صبيّا صغيرا ضعيفا مسلما إلّا سقيته مثلها من الصديد (1) في المصدر: هكذا «من الصديد مثلها» يوم القيامة مغفورا له أو معذّبا، ولا يتركها من مخافتي إلّا سقيته من حياض القدس يوم القيامة. لا يحلّ بيعهن ولا شرائهن ولا تعليمهن ولا التجارة بهن وثمنهنّ حرام» [181] (2) مسند أحمد: 5/ 268.
يعني الضوارب. وروى حمّاد عن إبراهيم قال: الغناء ينبت النفاق في القلب. وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يحرقون الدفوف.
أخبرنا عبد الله بن حامد، عن ابن شاذان، عن جيغويه، عن صالح بن محمد، عن إبراهيم ابن محمد، عن محمد بن المنكدر قال: بلغني أنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: أين الذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان؟ أدخلوهم رياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوا عبادي حمدي وثنائي وتمجيدي وأخبروهم أن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب وَيَتَّخِذَها بنصب الذال عطفا على قوله: لِيُضِلَّ وهو اختيار أبي عبيد قال:
لقربه من المنصوب، وقرأ الآخرون بالرفع نسقا على قوله: يَشْتَرِي.
( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( 7/311،310 )

قال أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ):
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ، وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ كَانَ يَتَّجِرُ فَيَأْتِي الْحِيْرَةَ وَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْعَجَمِ وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا، وَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ رُسْتُمَ وَاسْفَنْدِيَارَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (1) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (400)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي شِرَاءَ الْقِيَانِ وَالْمُغَنِّيِّينَ (2) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (400)،
وَوَجْهُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: مَنْ يَشْتَرِي [ذَاتَ لَهْوِ أَوْ] ذَا لَهْوِ الْحَدِيثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حجر، أخبرنا مشعل بْنُ مِلْحَانِ الطَّائِيُّ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يزيد، عن عبد اللَّهِ بْنِ زُحَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ المغنيات ولا يبعهن وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَامٌ"، وَفِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، وَالْآخَرُ عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، فَلَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِهِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُتُ (3) أخرجه ابن ماجه: التجارات، باب: ما لا يحل بيعه برقم: (2168) 2 / 733، والإمام أحمد: 5 / 252، والطبري: 21 / 60، وأخرجه بنحوه الترمذي: في التفسير: 9 / 54-55، وقال: (هذا حديث غريب إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُرُوجِرْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ تَمَامٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الزَّمَّارَةِ" (4) أخرجه البيهقي: 6 / 126، والخطيب في تاريخ بغداد: 7 / 369، 8 / 304 والمصنف في شرح السنة: 8 / 23
. قَالَ مَكْحُولٌ: مَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً ضَرَّابَةً لِيُمْسِكَهَا لِغِنَائِهَا وَضَرْبِهَا مُقِيمًا عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ" الْآيَةَ (5) انظر: الدر المنثور: 6 / 505 . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالُوا: "لَهْوُ الْحَدِيثِ" هُوَ الْغِنَاءُ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أَيْ: يَسْتَبْدِلُ وَيَخْتَارُ الْغِنَاءَ وَالْمَزَامِيرَ وَالْمَعَازِفَ عَلَى الْقُرْآنِ، قَالَ أَبُو الصِّبَاءِ الْبَكْرِيُّ سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (6) أخرجه الطبري: 21 / 61 .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ(1) أخرجه البيهقي: 10 / 223، وزاد السيوطي في الدر المنثور: 6 / 505 نسبته لابن أبي الدنيا ،
وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَأْخُذُونَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ يَخْرِقُونَ الدُّفُوفَ. وَقِيلَ: الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا (2) عزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 506 لابن أبي الدنيا والبيهقي.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ الطَّبْلُ (3) أخرجه الطبري: 21 / 63 )
وَعَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: هُوَ الشِّرْكُ (4) أخرجه الطبري: 21 / 63 . وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كُلُّ لَهْوٍ وَلَعِبٍ (5) وهو ما رجحه الطبري: 21 / 63) إذ قال: (عنى به كل ما كان من الحديث ملهبا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله، لأن الله تعالى عم بقوله: (لهو الحديث) ولم يخصص بعضا دون بعض فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك) .
{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَيْ: يَفْعَلُهُ عَنْ جَهْلٍ. قَالَ قَتَادَةُ: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الضَّلَالَةِ أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} أَيْ: يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا. قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَيَعْقُوبُ: {وَيَتَّخِذَهَا} بنصب الدال عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: "لِيُضِلَّ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ: "يَشْتَرِي". {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (
معالم التنزيل: ( 6/280،284،285 )

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون * ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين.
أخرج البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} يعني باطل الحديث، وهو النضر بن الحارث بن علقمة، اشترى أحاديث العجم وصنيعهم في دهرهم وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب بالقرآن فأعرض عنه فلم يؤمن به).
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: شِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابه
وبحسب الْمَرْء من الضَّلَالَة أَن يخْتَار حَدِيث الْبَاطِل على حَدِيث الْحق
وَفِي قَوْله {ويتخذها هزوا} قَالَ: يستهزىء بهَا ويكذبها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويتخذها هزوا} قَالَ: سَبِيل الله يتَّخذ السَّبِيل هزوا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: بَاطِل الحَدِيث
وَهُوَ الْغناء وَنَحْوه {ليضل عَن سَبِيل الله} قَالَ: قِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله
نزلت فِي رجل من قُرَيْش اشْترى جَارِيَة مغنية
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: أنزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث
اشْترى قينة فَكَانَ لَا يسمع بِأحد يُرِيد الإِسلام إِلَّا انْطلق بِهِ إِلَى قَيْنَته فَيَقُول: أطعميه واسقيه وغنيه هَذَا خير مِمَّا يَدْعُوك إِلَيْهِ مُحَمَّد من الصَّلَاة وَالصِّيَام وَأَن تقَاتل بَين يَدَيْهِ فَنزلت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَات وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خير فِي تِجَارَة فِيهِنَّ وَثَمَنهنَّ حرَام
فِي مثل هَذَا أنزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله حرم الْقَيْنَة وَبَيْعهَا وَثمنهَا وَتَعْلِيمهَا وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا
ثمَّ قَرَأَ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وأشباهه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث}قَالَ: هُوَ شِرَاء الْمُغنيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: الْجَوَارِي الضاربات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الصَّهْبَاء قَالَ: سَأَلت عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ - وَالله - الْغناء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير عَن شُعَيْب بن يسَار قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن {لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وكل لعب لَهو
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق حبيب بن أبي ثَابت عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وَقَالَ مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ: هُوَ لَهو الحَدِيث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: الْغناء وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} فِي الْغناء والمزامير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع وَالذكر ينْبت الإِيمان فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل.
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: إِذا ركب الرجل الدَّابَّة وَلم يسم ردفه شَيْطَان فَقَالَ: تغنه فَإِن كَانَ لَا يحسن قَالَ لَهُ: تمنه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا رفع أحد صَوته بغناء إِلَّا بعث الله إِلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ يجلسان على مَنْكِبَيْه يضربان باعقابهما على صَدره حَتَّى يمسك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الْغناء فَقَالَ: أَنهَاك عَنهُ وأكرهه لَك
قَالَ السَّائِل: احرام هُوَ قَالَ: انْظُر يَا ابْن أخي
إِذا ميز الله الْحق من الْبَاطِل فِي أَيهمَا يَجْعَل الْغناء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لعن الْمُغنِي والمغنى لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ: الْغناء رقية الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان اللَّيْثِيّ قَالَ: قَالَ يزِيد بن الْوَلِيد النَّاقِص: يَا بني أُميَّة إيَّاكُمْ والغناء فَإِنَّهُ ينقص الْحيَاء وَيزِيد فِي الشَّهْوَة ويهدم الْمُرُوءَة وَإنَّهُ لينوب عَن الْخمر وَيفْعل مَا يفعل السكر فَإِن كُنْتُم لابد فاعلين فجنبوه النِّسَاء فَإِن الْغناء دَاعِيَة الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جَعْفَر الْأمَوِي عمر بن عبد الله قَالَ: كتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ إِلَى مؤدب وِلْدِهِ: من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى سهل مَوْلَاهُ
أما بعد فَإِنِّي اخْتَرْتُك على علم مني لتأديب وِلْدِي وصرفتهم إِلَيْك عَن غَيْرك من مواليَّ وَذَوي الْخَاصَّة بِي فخذهم بالجفاء فَهُوَ أمكن لاقدامهم وَترك الصُّحْبَة فَإِن عَادَتهَا تكسب الْغَفْلَة وَكَثْرَة الضحك فَإِن كثرته تميت الْقلب وَليكن أول مَا يَعْتَقِدُونَ من أدبك بغض الملاهي الَّتِي بدؤها من الشَّيْطَان وعاقبتها سخط الرَّحْمَن فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن الثِّقَات من حَملَة الْعلم إِن حُضُور المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء العشب ولعمري ولتوقي ذَلِك بترك حُضُور تِلْكَ المواطن أيسر على ذَوي الذِّهْن من الثُّبُوت على النِّفَاق فِي قلبهن وَهُوَ حِين يفارقها لَا يعْتَقد مِمَّا سَمِعت أذنَاهُ على شَيْء ينْتَفع بِهِ وليفتح كل غُلَام مِنْهُم بجزئه من الْقُرْآن يثبت فِي قِرَاءَته فَإِذا فرغ مِنْهُ تنَاول قوسه وكنانته وَخرج إِلَى الْغَرَض حافياً فَرمى سَبْعَة ارشاق ثمَّ انْصَرف إِلَى القائلة فان ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: يَا بني قيلوا فَإِن الشَّيَاطِين لَا تقيل وَالسَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن رَافع بن حَفْص الْمدنِي قَالَ: أَربع لَا ينظر الله إلَيْهِنَّ يَوْم الْقِيَامَة
الساحرة
والنائحة
والمغنية
وَالْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة
وَقَالَ: من أدْرك ذَلِك الزَّمَان فَأولى بِهِ طول الْحزن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا قدّست أمة فِيهَا البربط
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا نهيت عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجرين
صَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَلعب وَمَزَامِير شَيْطَان وَصَوت عِنْد مُصِيبَة
خدش وُجُوه وشق جُيُوب وَرَنَّة شَيْطَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: صوتان ملعونان
مزمار عِنْد نَغمَة
وَرَنَّة عِنْد مُصِيبَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: أَخبث الْكسْب كسب الزمارة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: كنت أَسِير مَعَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي طَرِيق فَسمع زمارة رَاع فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ عدل عَن الطَّرِيق فَلم يزل يَقُول: يَا نَافِع أتسمع قلت: لَا
فَأخْرج أصبعيه من أُذُنَيْهِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} إِنَّمَا ذَلِك شِرَاء الرجل اللّعب وَالْبَاطِل
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكنى عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} فِي الْغناء وَالْبَاطِل والمزامير
وَأخرج آدم وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ اشتراؤه الْمُغنِي والمغنية بِالْمَالِ الْكثير وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهِ وَإِلَى مثله من الْبَاطِل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ رجل يَشْتَرِي جَارِيَة تغنيه لَيْلًا أَو نَهَارا
_____________________________________________________________
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
1. كتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري(ت:256هـ): لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
2. كتاب التفسير من صحيح مسلم(ت:261هـ):
لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
3. أبواب تفسير القرآن من جامع الترمذي(ت:279هـ)
تم من الجمهرة.
4. كتاب تفسير القرآن من جامع عبد الله بن وهب المصري(ت:197هـ) تم من الجمهرة.
5. كتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور الخراساني(ت:226هـ):
لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
6. كتاب تفسير القرآن من سنن النسائي الكبرى:
لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
7. كتاب التفسير من مستدرك أبي عبد الله الحاكم النيسابوري(ت:405هـ) تم من الجمهرة.
المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث
1. جامع الأصول في أحاديث الرسول: لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
2. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
3. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
4. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة:لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
5. الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: لم أفلح في العثور عليه.
6. الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي(ت:911هـ) تم من الجمهرة.
المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
1. تفسير القرآن العزيز: تم من الجمهرة.
2: وجامع البيان عن تأويل آي القرآن: تم من الجمهرة.
3. تفسير القرآن العظيم
لعبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي: الجزء المختص بالمسألة من تأليف المحقق وليس لأبي حاتم فلم أنقله ( مصدر البحث: المكتبة الشاملة)
4: الكشف والبيان عن تفسير القرآن
لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت: 427هـ): تم من المكتبة الشاملة.
5. معالم التنزيل
لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ): تم من المكتبة الشاملة.
المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها
1. تفسير سفيان الثوري(ت:161هـ) : تم من الجمهرة
2. تفسير عبد بن حميد(ت:249هـ).
3. كتاب أحكام القرآن لأبي إسحاق الجهضمي(ت:282هـ)
2. تفسير ابن المنذر النيسابوري(ت:318هـ).

المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة، ومنها:
1. تفسير عطاء بن أبي مسلم الخراساني(ت:135هـ): تم من المكتبة الشاملة.
2. تفسير نافع بن أبي نعيم(ت:169هـ)
: لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
3. تفسير مسلم بن خالد الزنجي، (ت: 179هـ):
تم من المكتبة الشاملة.
4. تفسير يحيى بن اليمان(ت:188هـ):
لم أجد فيه ما يختص بالمسألة.
5. تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني(ت:220هـ): تم من الجمهرة

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 16 صفر 1439هـ/5-11-2017م, 02:37 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

وضعته هنا لحفظه فقط لحين الانتهاء منه لصعوبة التنسيق عندي
جزاكم الله عنا خيرا

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir