الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتِيِّ الْمُتَعالي كَالسَّيْلِ حَرْبٌ لِلْمَكانِ الْعالي
الشرح
داء الجبابرة وهو
(الكبر)
وقد فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع تفسير وأبينه وأوضحه فقال
.(الكبر بطر الحق، وغمط الناس)
هو ردُّ الحق، وغمط الناسوبطر الحق :
.يعني احتقارهم وازدرائهم
وقوله
(إن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عُصى الله به)
يريد فيما نعلم لأن نعلم أن أول من عصى الله عزوجل هو الشيطان حين أمره الله تبارك وتعالى
أن يسجد لآدم لكن منعه الكبرياء، أبى واستكبر وقال
"أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"
[ الإسراء: 611]
وقال
"هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"
[ الإسراء: 62]
وقال
"أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"
[ الأعراف: 12]
فقوله
(أول ذنب عُصى الله به)
يعني باعتبار ما نعلم، وإلا فإن الله تعالى قال للملائكة
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
[ البقرة: 30]
قال أهل العلم
إنما قال الملائكة ذلك لأنه كان على الأرض أمة من قبل آدم وبنيه، وكانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء
ثم ذكر أمثلة، قال :
(تطاولك على معلمك كبرياء)
التطاول يكون باللسان ويكون أيضاً بالانفعال، قد يمشي مع معلمه
وهو يتبختر، ويقول فعلت وفعلت، وكذلك أيضاً استنكارك عما يفيدك من علوم كبرياء، وهذا يقع أيضاً لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم يستنكر ولم يقبل.
وقوله :
(تقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان)
نسأل الله العافية، هذا نوع من الكبر، ألاّ
تعمل بالعلم.
وقوله
( العلم حرب للفتى المتعالي)
يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يُدرك العلم، لأن العلم حرب له،
(كالسيل حرب للمكان العالي)
صحيح؟ نعم، المكان العالي ينفض عنه السيل يميناً وشمالاً ولا
يستقر عليه .
فلا يستقيم العلم مع الكبرياء والعلووربما يسلب الانسان علمه بسبب هذا
* * *
المتن :
فَالزَمْ
– رَحِمَكَ الله-
اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ
.. وَنَحْوِ ذلكَ مِنْ آفاتِ الْعِلْمِ الْقاتِلَةِ لَهُ، الْمُذْهِبَةِ لِهَيْبَتِهِ، الْمُطْفِئَةِ لنِورِهِ، وَكُلَّما ازْدَدَتْ عِلْماً أَوْ رِفْعَةً في وِلايَةٍ، فَالزَمْ ذلكِ؛ تَحْرُزْ سَعادَةً عُظْمى، وَمَقاماً يُغْبِطُكَ عَلَيْهِ النّاسُ، وَعَنْ عَبْدِ الله بن
الإِمام الْحُجَّة الرّاوِيَةِ في الْكُتُبِ السِّتَةِ بَكْرٍ بن عَبْدِ الله الْمُزْنّي
- رَحِمَهُما الله تَعالى-
: قال
سَمِعْتُ إنْساناً يُحدِّث عَنْ أَبي، أَنَّهُ كانَ واقِفاً بِعَرَفَةَ، فَرَقَّ، فَقال:
لَوْلا أَنّي فيهمْ
:لَقُلْتُ
قَدْ غُفِرَ لَهُمْ
خَرَّجَهُ الذَّهْبِيِّ، ثُمَّ قال:
قُلْت
كَذلِكَ يَنْبَغي لِلْعَبْدِ أَنْ يُزْري عَلى نَفْسِهِ وَيَهْضُمُها
الشرح
وهذه العبارات التي تطلق عن السلف، مثل هذا يريدون به التواضع، وليسوا يريدون أنهم يُغَلِّبون جانب سوء الظن بالله عزوجل أبداً، لكنهم إذا رأوا ما هم عليه خافوا وحذروا وجرت منهم هذه الكلمات، وإلا فإن الأولى للإنسان أن يُحسن الظن بالله ولا سيما في هذا المقام، في مقام عرفة الذي هو مقام تضرع إلى الله عزوجل ومقام استغفار، ويقول مثلاً
إن الله لم ييسر لي الوصول إلى هذا المكان إلا من أجل أن يغفر لي لأني أسأله المغفرة، والله تعالى يقول :
" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"
[غافر: 60]
لكن تظهر هذه العبارات من السلف من باب التواضع وسوء الظن بالنفس لا بالله عزَّ وجل