مجلس مذاكرة محاضرة خطر التعالم
السؤال الثاني: بيّن أصناف المتعالمين.
المتعالمون على أصناف ستة يتفاوت خطرهم على طالب العلم والأمة:
الصنف الأول:
متعالم قليل البضاعة في العلم، لكنه جريء الكلام في مسائله بعزو خاطئ وادعاء كاذب ونقل مبتور وتقويل للعلماء ما لم يقولوا, وقلد يصل بهم الوقاحة للكذب والتمويه وادعاء التدقيق في النقل بالجزء والصفحة وهو كاذب في ذلك معتمد على عجز في التثبت.
ومنهم من يعزو القول للعلماء الموثوقين بهتانا وزورا تقوة لما يستحسنه وأشنعهم من ينسب ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في دواوين السنة طمعا في عجز السامع في التحقق.
الصنف الثاني:
متعالم لا يتعمد الكذب والتظليل، لكنه لا يتثبت فيما ينقل، ولا يميز الصحيح من السقيم، تسرع في القول بغير علم، حرصا منه على النصيحة وهو مخطئ غير معذور، مغرر لغيره بما يظهر من صلاحه وحرصه واشتغاله بالوعظ.وقد كان السلف رحمهم الله يحذرون من القصاص الذين عمدة وعضهم القصص والعجائب والغرائب ولا يتثبتون في النقل ويخلطون المرويات ويروون بالمعنى ويضيفون في روايتهم شرحهم الخاطئ وينشرون الأحاديث الضعيفة والموضوعة والحكايات الواهية والغريبة والمشتهرة بين العامة ويزينونها بما يوقع القبول والانتباه عند السامع ويبكون في الوعظ مما يحببهم عند العامة فشكلوا خطرا عليهم وعلى الطلبة المبتدئين نسأل الله العفو والعافية.
الصنف الثالث: وهو أخطرهم.
متعالم عليم السان، جهول متمرس في فنون الكلام والجدال، له اطلاع مشوش، وتصور خاطئ وهوى مرد، وذو ذكاء ضار، ماهر في التدليس والدس، والوقوف على مواضع الفتن والشبهات والأغاليط، متبع للمتشابه تارك للمحكم، همه الإبهار والإدهاش، والتعاظم والفياش، متباه بما عنده من زخرف القول، وأظاليل الشبه، يحسب نفسه الما نحريرا، وهو جاهل بأصول العلم وقواعد الإستدلال، ومنهج أهل العلم في تحصيله، فقير في آدابه وأخلاقه، متعام في سمو مقاصده، ونبل غايته، وله خبيئة سوء الله أعلم بما يظمر.
وأهل هذا الصنف من أخطر المتعالمين؛ وأضرهم على الأمة، وأكثرهم لغطا، وأشدهم أذى، والغالب عليهم الهوى والبدعة، والتعصب لأهوائهم وبدعهم، والحقد والضغينة على أهل العلم، وترصد زلاتهم والتشهير بها فرحا، وبتجهيلهم وتقديس الفلاسفة والمتكلمين والكفار وعلومهم تغريرا بهم.
وبسبب انعدام سند العلم عندهم واستعجالهم للتصدر اخترعوا أصول عجيبة، ودعاوى باطلة، وشنعوا على مخالفهم، وضخموا أقوال موافقيهم من غير تثبت ولا حجة لاعطائها صبغة الحق .
وبسبب عجزهم عن دراسة أصول علم الحديث فيكتفي بالنقد لما يوافق هواه، ويتفاخر بجرأته ليحبوه بحرا، فيجتهد في تأصيل فتنه وتدليسه وتلبيسه لكي لا ينكشف ويدندن حوله.
ومن عجز عن دراسة مقاصد الشريعة ، اخترع لنفسه مقاصد ونسبها للشريعة وأصَل لها بشبهه.
وهكذا في باقي أبواب العلم لمن عجر عن تحصيلها من قبل هؤلاء فيتعجلون الثمرة فظلوا وأظلوا.
وأهل هذا الصنف من أكثر من تسبب في الفتن في تاريخ الأمة وإلى يومنا هذا وما أكثرهم.
ومن وسائلهم:
أ- إبهار العامة وإدهاشهم بمأمور يزعمونها من أصول الدين والمغيبة عنهم.
ب- التربص بأهل العلم والتحريش بينهم واتهامهم بالعمالة واخفاء العلم.
ج- مد الصلات مع أصحاب المال والجاه والقنوات وذوي النفوذ.
الصنف الرابع:
صنف كانت لهم بدايات مقبولة في تحصيل العلم، وحفظ الأدلة والأقوال، ودراسة بعض الكتب والمسائل،لكنه لم يصبر على الطريق وغرته فتنة الجاه والمال، فتعالم وتنمر، واختار مواضع الخلاف ومثارات الغلط، فلبس الحق بالباطل ولفت الأنظار إليه، واستعمل بعض أدوات أهل العلم وعباراتهم ليوهم السامع، فاستغله أهل البدع وأعداء السنة وصدروه ومكنوا له كل الوسائل ليشفي غيضهم في أهل السنة وعلمائها.
وأخبث هؤلاء من كان يرصد زلات وعثرات زملائه في بدايات الطلب ويعم بها الكل، ابتغاء مدح النفس.
وخلاصة القول في هذا الصنف أنهم وباء وبلاء على أهل السنة، وفتنة لطلاب العلم والعامة، ولمن يبصر بعين العلم يرى منهم اليوم الكثير.
الصنف الخامس:
صنف مشتغل بطلب العلم وتحصيله غير مكترث بما يكاد للسنة وأهلها، وله حظ من التحصيل العلمي، لكنه لا يتثبت في مسائل العلم، ولا يمنعه ورع عن الخوض فيما لا يحسن، عنده جرأة على الفتوى بغير علم وعزوف عن الرجوع للعلماء، وتكثر في الأقوال ونسبة البحوث والأقوال لنفسه تمويها، ورغبة في التصدر.
وهذا الصنف قد يغتر به المبتدئون من طلاب العلم لما يرون من اشتغالهم بالطلب، وما عليهم من مظاهر العلم والفتوى.
الصنف السادس:
صنف هم من أصحاب اختصاص في علم من العلوم؛ إذا تكلموا في فنهم أحسنوا وأجادوا، لكن ليس لديهم ورع في الكلام في ما لا يحسنون من باقي الفنون.
وهؤلاء قد يغتر بهم من يبلغه ثناء بعض أهل العلم عليهم في اختصاصهم، فيتبعهم فيما يقولون في غير ما يحسنون.
فمن نُبه منهم وانتبه، رجع إلى الحق فقد أجاد، ومن تمادى في التعالم والتكلم في غير ما يحسن فقد عرض نفسه للهوان.
وأصحاب الصنفين الأخيرين لو اقتصروا على ما يحسنون؛ ارجي لهم فضيلة العلم وحسن العاقبة، والرفعة في الدنيا والأخرة، ومن تصدر قبل أوانه عوقب بحرمانه، والظهور يقسم الظهور فما بالك بجب الظهور.
وفي الأخير نحمد الله أن جعل في كل زمن عدولا يحملون العلم ويبينون المتعالمين وعوارهم، وينفون عن العلم الجهل والجهال، فكانوا جهابذة في غير زمانهم شرفوا العلم وشرفهم، وقد قيل: الدعوة السلفية دعوة نقية تأبى أن تحمل من ليس منها فهي تلفظه ولو بعد حين.