بسم الله الرحمن الرحيم
تطبيق على أسلوب الحجاج
تفسير من سورة المنافقون من بداية السورة من قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * أتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)
· في هذه الآيات من سورة المنافقون يفضح المولى تبارك وتعالى المنافقين ويبين كذبهم وللفهم الصحيح لمراده تعالى لهذه الآيات يجب علينا معرفة السبب وراء نزول هذه الآيات.
· جاء في تفسير القرطبي روى البخاري عن زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي فسمعت أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا, وقال: لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, فذكرت ذلك لعمى فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه فحلفوا ما قالوا, فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني. فأصابني هم لم يصيبني مثله فجلست في بيتي فأنذل الله عز وجل: (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله: (هم اللذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله) إلى قوله: (ليخرجن الأعز منها الأذل). فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: (إن الله قد صدقك).
· ومن خلال معرفتنا لسبب نزول الآيات نجد أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكثر المسلمون في المدينة وأعتز الإسلام بها صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ليبقى جاههم وتحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فذكر الله من أوصافهم ما فضحهم به وبين به كذبهم حتى يعرفون لكي يحذر العباد منهم ويكونوا منهم على بصيرة.
· وهذه الآيات أنزلها الله لفضح المنافقين وبيان كذبهم وعلى رأسهم رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد سرد الله تعالى في هذه الآيات مجموعة من العبارات والحقائق التي فضح الله بها نفاق المنافقين وبين لرسوله ومن معه من المسلمين كم أن هؤلاء المنافقين كاذبون في دعواهم:
1. كما جاء في الآية الأولى: فقد وصفهم الله تعالى بالمنافقين وكم في هذا الوصف من التشنيع عليهم وفضح حقيقتهم التي كان يجهلها المسلمون وقت نزول هذه الآيات فقد كذبوا على رسول الله بقولهم وفعلهم ولكن كانت قلوبهم تقول الحقيقة ويعلم الله ما فيها ففضحهم لرسوله وللمسلمين فجاء بقوله تعالى (قالوا) توضيحا وبيانا وفضحا لما في قلوبهم فغدعائهم الإيمان ما هو إلا مجرد ادعاء قولي ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ولن يدخل فقد استحقوا أن لا يفتح الله قلوبهم للإيمان.
و
في هذه الآية أيضا: شهد المولى عز وجل على كذبهم ونفاقهم وهذه الشهادة من أعظم الشهادات في حق المنافقين وأكثرها بيانا لكذبهم حيث أستعمل الله فيها مجموعة من المؤكدات التي أكد الله بها كذبهم ونفاقهم فقوله تعالى (والله يشهد) وهذا أعظم المؤكدات وقوله (إن المنافقين) فإن هنا توكيدية تؤكد ما بعدها وهذا لزيادة التأكيد على كذب المنافقين ثم أكد بعد ذلك بمؤكد ثالث وهو اللام في (لكاذبون) واستعمال كل هذه المؤكدات يوضح كم يريد المولى تبارك وتعالى فضحهم وبيان حالهم من النفاق والكذب.
ومن ذلك يتضح ويظهر جليا رد المولى عز وجل على دعواهم بأنهم مسلمون وفضح لما تكنه صدورهم من الكفر والكيد للإسلام والمسلمين.
2. وفي الآية الثانية: يزيد الله في فضحهم وبيان حقيقتهم التي كانوا يخفونها فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم أنهم يستخدمون الحلف والأيمان وقاية وترسا يتترسون به وبذلك صدوا غيرهم ممن لا يعلمون بحالهم عن سبيل الله حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وأقسموا على ذلك.
3. وفي الآية الثالثة: يتضح لنا كيف زاد المولى عز وجل في فضح حقيقتهم وبيان كذبهم وادعائهم فقال:
a) آمنوا: أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ولكن هذا الإسلام لم يعبر حلوقهم فلم يسلموا بقلوبهم ولا حتى بعقولهم فقط أدعوا الإسلام ونطقوه بألسنتهم مما يؤكد كذبهم وكفرهم واستحقاقهم لما أعده الله لهم من العذاب يوم القيامة.
b) ثم كفروا: أي ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع الله عليه المؤمنين من أقوالهم التي لم يستطيعوا كتمها في صدورهم وأفعالهم التي لم يتمكنوا من كبح جماح أنفسهم للقيام بها فظهر كفرهم وفضحوا على الملأ.
c) فطبع على قلوبهم: أي ختم الله عليهم بالكفر نتيجة إصرارهم عليه فصاروا بحيث لا يصل إليهم الإيمان وكان ذلك جزاء عادلا من المولى عز وجل لهم مؤكدا على استمرار كفرهم حتى يموتوا وذلك ما جنته أنفسهم لما قاموا به من الكذب على الله ورسوله والمسلمين وما كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين حقدا وحسدا من عند أنفسهم.
ومن كل ما سبق من المؤكدات والحقائق والأدلة ما ثبت به نفاق المنافقين وكذبهم في حق الله ورسوله وكيدهم للإسلام والمسلمين وسعيهم لقتل الإسلام قبل أن ينتشر وينتمي إليه الكثير من الناس ولكن أتم الله نعمته على هذا الدين وعلى رسوله والمسلمون بأن فضح هؤلاء المنافقين وبين حقيقتهم وكذبهم فكان من الرسول والمسلمون أن أتخذوهم أعداء واحترسوا منهم كما ينبغي فلا يضرب الدين من اتجاههم مرة أخرى فاللهم أكشف لنا المنافقين وارزقنا القوة عليهم فلا يتحكموا في الدين وأهله وأنت أحكم الحاكمين.
المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310هـ)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
تفسير الطنطاوي ت (2010م)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور (1973 م)