التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ
1- التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، عن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ : ( كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ )
قال الخطيبُ في ( الجامِعِ ) : ( يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ، والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ ) اهـ .
هذا من أحسن ما قيل في آداب طالب العلم
أ- أن يتجنب اللعب والعبث , إلا ما جاءت به الشريعة , كاللعب برمحه وسيفه وفرسه , لأن ذلك يعينه على الجهاد في سبيل الله, وكذلك في الوقت الحاضر اللعب بالبنادق الصغيرة, هذا لا بأس به كذلك ،العبث هو أن يفعل فعلا لا داعي له , أو يقول قولا لا داعي له.
ب- أن يتجنب التبذل في المجالس ، بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، لا سيما عند عامة الناس فإن ذلك يذهب الهيبة من قلوب الناس، فلا يهابونك ولا يهابون العلم الذي تأتي به، أما عند أصحابك وأقرانك فالأمر أهون.
جـ- أن يتجنب ذكر الطعام والنساء في المجالس : عن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ : ( جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه)مثل أن يقول الرجل أكلت البارحة أكلا حتى ملأت البطن وما أشبه ذلك، أو يتكلم بما يتعلق بالنساء يصبح يحدث الناس بما فعل مع أهله ، فإن هذا من أشر الناس منزلة عند الله عز وجل .
2- أن يتجنب التزين بما ليس فيه : في كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ : ( وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ ) .يشمل هذا :
أ- إذا تزين الإنسان بأنه طالب علم : كلما أتته مسألة من مسائل العلم شمر عن أكمامه , وقال أنا صاحبها , هذا حلال وهذا حرام وهذا واجب وهذا فرض كفاية وهذا فرض عين وهذا يشترط فيه كذا وكذا وهذا ليس له شروط وقام يفصل ويجمل ، ولكن يأتيه طالب علم صغير , ويقول أخبرني عن كذا , فإذا بالله يفضحه ويبين أنه ليس بعالم .
ب- إذا تزين الإنسان بأنه عابد : تزين بعبادة وأظهر للناس أنه عابد ، فلا بد أن يكشفه الله عز وجل لا بد أن ينكشف ، أعاذنا الله وإياكم من الرياء .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة = وإن خالها تخفى على الناس تعلم .
ومهما يكتم الناس فالله يعلمه، وسيفضح من لا يعمل لأجله .
مسألة :
أشكل على بعض العلماء وصف النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمحدَّث , حيث قالوا أن هذا يقتضي أن عمر أفضل الصحابة, لأنه قال :((إن يكن فيكم محدثون فعمر)) .الجواب من أوجه :
أ- ما أجاب به شيخ الإسلام بن تيمية قوله :(ومع هذا فالصديق أكمل منه فإن الصديق كمل في تصديقه للنبي فلا يتلقى إلا عن النبي، والنبي معصوم، والمحدَّث كعمر يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهمه ويحدَّث به، لكن قلبه ليس معصوما؛ فعليه أن يعرض ما أُلقي عليه على ما جاء به الرسول فإن وافقه قبله، وإن خالفه رده، ولهذا قد رجع عمر عن أشياء، وكان الصحابة يناظرونه ويحتجون عليه فإذا بينت له الحجة من الكتاب والسنة رجع إليها وترك ما رآه، والصديق إنما يتلقى عن الرسول لا عن قلبه، فهو أكمل من المحدث، وليس بعد أبي بكر صديق أفضل منه، ولا بعد عمر محدَّث أفضل منه). ا.هـ
ب-من رأى تصرف أبو بكر رضي الله عنه في مواقع الشدة , يعلم أنه أقرب إلى الصواب من عمر .
ففي كتاب الصلح , الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقريش , وراجع عمر فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , وأجابه , ثم راجع أبا بكر , فأجابه بما أجابه به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم حرفا بحرف .
وفي قتال أهل الردة , وكذلك في تنفيذ جيش أسامة بن زيد , وكذلك في تثبيت الناس يوم وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم , كل هذا يدل على أن أبا بكر أصوب رأيا من عمر .
جـ-كثرة تلقي أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة ملازمته له صيفا وشتاء ، ليلا ونهارا، سفرا وإقامة لكنه لم يتفرغ ليجلس إلى الناس ليحدثهم بما رواه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .