وَإِنْ كَانَ مُفْلِسَاً وَلَمْ يَكُنْ رِضِيَ رَجَعَ بِهِ وَمَنْ أُحِيلَ بِثَمَنِ مَبِيعٍ، أَوْ أُحِيلَ بِهِ عَلَيْهِ فَبَانَ البَيْعُ بَاطِلاً فلا حَوَالَةَ، وإذا فُسِخَ البيعُ لم تَبْطُلْ. ولَهُمَا أَنْ يُحِيلا.
قوله: «وإن كان مفلساً» أي: المحال عليه.
قوله: «ولم يكن» أي: المحتال.
قوله: «رضي» أي: بالحوالة عليه.
قوله: «رجع به» أي: بما أحيل به.
مثال ذلك: أحلت فلاناً على زيد ثم تبين أنه مفلس، فإنه يرجع بذلك؛ لأن صاحبه كان مفلساً، لكن إن رضي المحتال، وتبين أن المحال عليه مفلس، فإنه لا يرجع، وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
الحال الأولى: ألا يكون المحتال رضي، بأن قال المحيل للمحتال: أحلتك على فلان وهو مفلس ليس عنده دراهم، فقال: لا أقبل، فهنا يرجع قولاً واحداً، ولا خلاف في ذلك؛ لأنه يشترط للمحتال على غير مليء أن يكون راضياً، وهنا لم يرض، فيرجع بلا خلاف.
الحال الثانية: أن يعلم أنه مفلس ويرضى بذلك، فهنا لا يرجع بلا خلاف؛ لأنه رضي به فلا يرجع.
الحال الثالثة: أن يرضى وهو لا يعلم بحاله ثم يتبين أنه مفلس، فعلى كلام المؤلف لا يرجع؛ لأنه قيد ذلك بما إذا لم يكن رضي، وهذا الرجل رضي.
فإن قال المحتال: أنا رضيت، أحسب أن فلاناً غني، فلما تبين أنه مفلس أريد أن أرجع إلى الذي أحالني، وآخذ حقي منه؟
قلنا: لا رجوع لك؛ لأنك فرطت، فلماذا لم تشترط الملاءة حين أحالك، وأنت لا تدري عن صاحبك المحال عليه؟
فيقال: ما دمت أنك لم تشترطها فأنت الذي فرطت فلا رجوع لك.
فالأحوال إذن ثلاث :
حالتان لا خلاف فيهما، وحالة فيها التفصيل.
الأولى: إذا كان يعلم أنه مفلس ورضي، فلا رجوع، قولاً واحداً.
الثانية: إذا كان لم يرض، والمحال عليه مفلس، فيرجع بكل حال.
الثالثة: إذا كان رضي، ولم يعلم عن حال المحال عليه، ثم تبين أنه مفلس فيقول المؤلف: إنه لا يرجع؛ لأنه مفرط، فلماذا لم يشترط أن يكون المحال عليه مليّاً حين كان يجهل حاله؟
وقيل: إنه يرجع في هذه الحال؛ لأن كثيراً من الناس قد يستحي أن يستفصل أو يشترط عند الحوالة، ويحسن الظن بالمحيل والمحال عليه ويسكت، فإذا تبين أنه مفلس فإنه يرجع، ولا سيما إذا غلب على ظننا أن المحيل قد غرَّه، وهو يعلم أنه مفلس ولم يخبره، فهنا يتوجه القول بالرجوع.
كذلك ـ أيضاً ـ لو كانت حال المحال عليه جيدة، وكان غنيّاً بالأمس، وقَبِلَ المحتال الحوالة دون اشتراط الملاءة، بناءً على حال المحال عليه، وأنه غني، ثم تبين أن المحال عليه قد أصيب بجائحة، وأنه لا يمكن الاستيفاء منه، فحينئذٍ يتوجه القول بأنه يرجع؛ لأن المحتال إنما قبل بناءً على ما كان من حال المحال عليه.
فتبين الآن ما ذهب إليه المؤلف، والراجح فيه تفصيل، وهو أننا إذا علمنا أن المحيل قد غر المحتال بحيث يكون عالماً بإفلاس المحال عليه ولم يخبره، أو كان المحتال قد بنى على حال المحال عليه من قبل، حيث كان غنيّاً ثم اجتيح ماله فإن له أن يرجع، وإلا فإن ما ذهب إليه المؤلف وجيه؛ لأن المحتَال مفرِّط، إذ كان يلزمه أن يسأل ويبحث عن المحال عليه، أو على الأقل أن يشترط عند التحويل أن يكون مليّاً.
قوله: «ومن أحيل بثمن مبيع، أو أحيل به عليه فبان البيع باطلاً فلا حوالة، وإذا فسخ البيع لم تبطل» الصورة الأولى عندنا بائع ومشترٍ ومحال عليه، ثلاثة، فالذي يُحال بثمن المبيع البائع، يعني أن المشتري أحال البائع على مدين له فَقَبِل الحوالة، ولكن تبين أن البيع باطل، فالحوالة باطلة؛ وذلك لأن المبني على باطل يكون باطلاً.
مثال ذلك: عبد الرحمن اشترى من الطاهر كتاباً بعشرة ريالات، فأحال عبدُ الرحمن الطاهرَ على سامي، لأنه كان مديناً له، فتبين بطلان البيع لكون الكتاب وقفاً والوقف لا يباع، فهنا تبطل الحوالة والبائع يرجع على المشتري بالمبيع، وهو هنا الطاهر فيأخذ كتابه وتنتهي المسألة.
ولكن إذا فسخ البيع فإنها لا تبطل، مثلاً لما اشترى عبد الرحمن الكتاب من الطاهر وجد فيه عيباً، فرده لعيبه، فهذا فسخ للعقد فالحوالة لا تبطل، وللطاهر أن يطالب سامياً بالثمن؛ لأنه أحيل عليه به، فله أن يطالبه، ولكنه إذا قبضه يرده إلى المشتري وهو عبد الرحمن؛ لأنه فسخ العقد.
إذاً إن كانت الحوالة مبنية على باطل فهي باطلة، وإن كانت مبنية على صحيح ولكن فُسخ، فالحوالة صحيحة ولا تبطل.
فإن طالب الطاهر ـ الذي هو البائع ـ المحال عليه ـ وهو سامي ـ بالثمن، فقال سامي: ما دام البيع قد فسخ فلا حق لك، أنا أعطي ديني الذي عليَّ لصاحبي فهل يملك ذلك؟ لا يملك هذا؛ لأن المفروض أن الذي يسلم الثمن بعد الفسخ هو البائع، وهو سيقول: إن البيع لما فسخ فإن المشتري سوف يطالبني، فأعطني الدراهم التي أُحلت بها عليك وأنا أسلمها للمشتري.
وقوله: «أو أحيل به عليه» هذه هي الصورة الثانية، أي: أحيل بثمن المبيع على شخص، أي أن البائع أحال شخصاً يأخذ الثمن من المشتري، يعني عكس الصورة الأولى، مثلاً الطاهر باع كتاباً لعبد الرحمن، وسامي يطلب الطاهرَ ديناً له عليه فأحال الطاهرُ سامياً على عبد الرحمن.
فللمسألة صورتان، تارة يحيل المشتري البائعَ على مدين له، وتارة يحيل البائعُ مدينَه على المشتري.
قوله: «ولهما أن يحيلا» يعني للمشتري في الأولى، وللبائع في الثانية.
ففي المثال الأول عبد الرحمن اشترى من الطاهر كتاباً بعشرة ريالات وأحال الطاهرَ على سامي بالعشرة، فثبتت العشرة التي في ذمة سامي للطاهر، فللطاهر لما فسخ البيع أن يحيل المشتري ـ عبد الرحمن ـ على سامي؛ لأن عبد الرحمن لا يملك مطالبة سامي؛ لأن الحق انتقل إلى البائع ـ الذي هو الطاهر ـ فللبائع أن يحيل عبد الرحمن على سامي.
فالطاهر الآن صار مديناً للمشتري ـ عبد الرحمن ـ فأحاله على مدينه ـ سامي، وسامي كان مديناً لعبد الرحمن ـ المشتري؛ ثم صار مديناً للبائع ـ الطاهر ـ فأحال البائع بدينه عليه.
وفي المسألة الثانية: [المثال الثاني] بالعكس، البائع أحال مدينه على المشتري.
مثال ذلك: اشترى عبد الرحمن من الطاهر كتاباً بعشرة ريالات، فثبت في ذمة عبد الرحمن للطاهر عشرة ريالات، كان سامي يطلب الطاهر عشرة ريالات، فقال له الطاهر: أحلتك على عبد الرحمن ـ المشتري ـ فإذا فسخ البيع، فإن سامياً سوف يستلم من المشتري ـ عبد الرحمن ـ وهنا سوف يحيل المشتري ـ عبد الرحمن ـ سامياً على البائع ـ الطاهر ـ.
[1] سبق تخريجه ص(91).