بابُ كِتَابِ القاضِي إلى القاضِي
اجْتَمَعَتِ الأُمَّةُ على قَبُولِهِ؛ أي: كتابِ القَاضِي إلى القَاضِي؛ لِدُعَاءِ الحاجةِ إليهِ، (فيُقْبَلُ كتابُ القاضِي إلى القاضِي في كُلِّ حقٍّ) لآدَمِيٍّ؛ كالقَرْضِ والبيعِ والإجارةِ, (حتَّى القَذْفِ) والطَّلاقِ والقَوَدِ والنِّكَاحِ والنَّسَبِ؛ لأنَّها حقوقُ آدَمِيٍّ لا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (لا) يُقْبَلُ (في حُدُودِ اللهِ) تعالَى؛ (كحَدِّ الزِّنَا ونَحْوِهِ)؛ كشُرْبِ الخمرِ؛ لأنَّ حقوقَ اللهِ تعالَى مَبْنِيَّةٌ على السَّتْرِ والدَّرْءِ بالشبُهَاتِ.
(ويُقْبَلُ) كِتَابُ القَاضِي (فِيمَا حَكَمَ بهِ) المُكَاتِبُ (لِيُنَفِّذَهُ) المكتوبُ إليهِ، (وإنْ كانَ) كلٌّ مِنهما (في بلدٍ واحدٍ)؛ لأنَّ حُكْمَ الحاكِمِ يَجِبُ إمضاؤُه على كلِّ حالٍ، (ولا يُقْبَلُ) كِتَابُه (فيما ثَبَتَ عندَه لِيَحْكُمَ) المكتوبُ إليه (به، إلاَّ أنْ يكونَ بينَهما مسافةُ القَصْرِ) فأكثرُ؛ لأنَّه نَقَلَ شَهَادَتَهُ إلى المكتوبِ إليه، فلم يَجْرِ معَ القُرْبِ؛ كالشَّهَادَةِ علَى الشَّهَادَةِ، (ويَجُوزُ أنْ يَكْتُبَ) كِتَابَه (إلى قاضٍ مُعَيَّنٍ، و) أنْ يَكْتُبَه (إلى كلِّ مَن يَصِلُ إليه كِتَابُه مِن قُضَاةِ المُسْلِمِينَ) مِن غيرِ تَعْيِينٍ، ويَلْزَمُ مَن وَصَلَ إليهِ, قَبُولُه؛ لأنَّه كتابُ حاكمٍ مِن وَلايتِه وَصَلَ إلى حاكمٍ، فلَزِمَه قَبُولُه؛ كما لو كَتَبَ إلى مُعَيَّنٍ.
(ولا يُقْبَلُ) كِتَابُ القاضِي (إلاَّ أنْ يُشْهِدَ بهِ القاضِي الكاتِبُ شَاهِدَيْنِ) عَدْلَيْنِ يَضْبِطَانِ معناه وما يَتَعَلَّقُ به الحُكْمُ، (فيَقْرَأَه) القاضِي الكاتِبُ (عليهما)؛ أي: على الشَّاهِدَيْنِ، (ثم يقولَ: اشْهَدَا أنَّ هذا كِتَابِي إلى فلانِ ابنِ فُلانٍ), أو إلى مَن يَصِلُ إليهِ مِن قُضَاةِ المُسلمِينَ، (ثم يَدْفَعَه إليهما)؛ أي: إلى العدليْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا بما في الكتابِ، فإذا وَصَلاَ, دَفَعَاهُ إلى المكتوبِ إليه وقَالاَ: نَشْهَدُ أنَّ هذا كِتَابُ فلانٍ إليكَ، كَتَبَه بعِلْمِهِ. والاحتياطُ خَتْمُه بعدَ أنْ يَقْرَأَهُ عليهما، ولا يُشْتَرَطُ. وإنْ أَشْهَدَهُما عليه مُدْرَجاً مختوماً, لم يَصِحَّ.