دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 10:27 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي

فَصْلٌ
وَيَتَعَيَّنَانِ بِقَوْلِه: هَذَا هَدْي أو أضْحِيَةٌ لاَ بِالنِّيَّةِ ...........
قوله: «ويتعينان بقوله: هذا هدي أو أضحية لا بالنية» ، أي: الهدي والأضحية بقوله: هذا هدي بالنسبة للهدي، أو أضحية بالنسبة للأضحية، فيتعينان بالقول، ولا يتعينان بالنية، ولا بالشراء، فلو اشترى شاة بنية أن يضحي بها فإنها لا تتعين ما دامت في ملكه، إن شاء باعها وإن شاء فسخ النية، وإن شاء تصدق بها، وإن شاء أهداها.
وكذلك لو اشترى شاة يريد أن تكون هدياً كهدي متعة ـ مثلاً ـ، وفي أثناء الطريق قبل أن يقول: هي هدي، أراد أن يبيعها فلا بأس، وهنا فرق بين أن يقول: هذا هدي، أو هذه أضحية على سبيل الإخبار، وبين أن يقول: هذا هدي أو أضحية على سبيل الإنشاء، ويظهر الفرق بينهما بالمثال:
رجل يجر شاة فقال له من رآه: ما هذه؟ قال: هذه شاة للأضحية، يعني أنها شاة يريد أن يضحي بها، فهذا خبر وليس بإنشاء، بخلاف ما إذا قال: هذه أضحية لله، وأنشأ أن تكون أضحية فإنها حينئذ تتعين.
وعلم من كلام المؤلف أنها لا تتعين بالفعل، أي لا يتعين الهدي، ولا الأضحية بالفعل، ولكن في هذا نظر، فإنهم نصوا على أن الهدي إذا قلده أو أشعره بنية أنه هدي، فإنه يكون هدياً، وإن لم ينطق به.
والتقليد هو أن يُقَلِّد النعال، وقطع القرب، والثياب الخَلِقة، وما أشبه ذلك في عنق البهيمة، فإنه إذا علق هذه الأشياء في عنقها فهم من رآها أنها للفقراء، وهذا كان معتاداً في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وعهد من بعده، حتى تضاءل سَوْق الهدي بين الناس، وصار لا يعرف هذا الشيء.
وأما الإشعار فهو أن يشق سنام البعير حتى يخرج الدم ويسيل على الشعر، فإن من رآه يعرف أن هذا معد للنحر.
والإشعار مع أنه سوف يتأذى به البعير، ولكن لما كان لمصلحة راجحة سمح فيه كما سمح في وسم الإبل في رقبتها أو في أذنها أو فخذها أو عضدها وما أشبه ذلك، مع أن الوسم كي بالنار، لكن للمصلحة، وأحياناً يجب وسمها إذا كان يتوقف حفظ إبل الصدقة أو خيل الجهاد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فنقول: الهدي يتعين بالقول وبالفعل مع النية.
فالقول قوله هذا هدي.
والفعل الإشعار، أو التقليد مع النية يكون هدياً بذلك. ويترتب على التعيين وعدمه مسائل ستذكر فيما بعد.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: أنه إذا اشتراه بنية الأضحية، أو بنية الهدي أنه يكون هدياً أو يكون أضحية، وأنه لا يشترط لذلك لفظ؛ لأن المقصود أن يتعين هذا أضحية أو هدياً، وهذا يحصل بالنية لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(1)]، ولكن الأظهر ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ وهو المشهور من المذهب، بدليل أن الإنسان لو اشترى عبداً ليعتقه في كفارة أو غيرها فلا يعتق، أو اشترى بيتاً ليوقفه على الفقراء أو المساكين، أو طلبة العلم، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يكون البيت وقفاً بمجرد الشراء حتى يفعل ما يختص بهذا الشيء، ولهذا قلنا في الهدي لما كان يشرع تقليده أو إشعاره: إن تقليده أو إشعاره مع النية يعتبر تعييناً.
وقوله: «لا بالنية» ، أي لا يتعين بالنية، كما لو أخرج الإنسان دراهم؛ ليتصدق بها فلا تتعين الصدقة إن شاء أمضاها، وإن شاء أبقاها؛ لأنه لم يدفعها للفقراء، فالحاصل أننا إذا سئلنا بماذا تتعين الأضحية؟ قلنا: بالقول، وبماذا يتعين الهدي؟ قلنا: بالقول وبالفعل، وإنما زاد الهدي بالفعل؛ لأن له فعلاً خاصاً وهو التقليد أو الإشعار، أما الأضحية فليس لها فعل خاص، ولهذا لا تكون أضحية إلا بالقول ولو فرض أن الناس جعلوا علامة على الأضحية، بمعنى أن الشاة إذا فعل فيها كذا وكذا فهي أضحية، فهل نقول إنه كالإشعار والتقليد؟
الجواب: نعم، وكانوا فيما سبق إذا اشتروا الضحايا ـ الغنم ـ وضعوا على رأسها الحناء أو على جنبها أو على أليتها، لكنهم لا يجعلون هذا علامة على أنها أضحية، بل علامة على أنها ملك فلان لئلا تختلط بغيرها، فهذه لا تتعين، لكن إذا كان هناك علامة معروفة عند الناس أنه إذا عُلِّمت الشاة أو البعير بهذه العلامة فهي هدي أو أضحية فإنها تتعين بذلك.

وَإِذَا تَعَيَّنت لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، ولاَ هِبَتُهَا إِلاَّ أن يُبْدِلَهَا بِخَيرٍ مِنْهَا وَيَجُزُّ صُوفَها وَنَحْوَه إِنْ كَانَ أنْفَعَ لَهَا ....
قوله: «وإذا تعينت لم يجز بيعها» ، شرع في الأحكام التي تترتب على تعيينها، فإذا تعينت لم يجز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، والعبد إذا أعتق لا يجوز بيعه فلا يجوز بيعها بأي حال من الأحوال، حتى لو ضعفت وهزلت فإنه لا يجوز له بيعها.
قوله: «ولا هبتها» ، أي: لا يجوز أن يهبها لأحد، والفرق بين البيع والهبة أن البيع بعوض، والهبة تبرع بلا عوض.
وهل يجوز أن يتصدق بها؟
الجواب: لا يجوز أن يتصدق بها، بل لا بد أن يذبحها، ثم بعد ذبحها إن شاء وهبها وتصدق بما يجب التصدق به، وإن شاء أبقاها، وإن شاء تصدق بها كلها، لكن لا بد أن يتصدق منها بجزء كما سيأتي ذكره إن شاء الله[(2)]. وينبني على ذلك وجوب ذبحها ولا بد، وعلى هذا لو أن الإنسان يقود هديه فلقي فقراء وقالوا: أعطنا إياه فأعطاهم إياه، فهل يجزئه الهدي؟
الجواب: لا يجزئه.
فإن قالوا: نذبحه لك ووكلهم بذلك فهل يجزئ.
الجواب: فيه تفصيل: إن كان يثق بهم، وأنهم سوف يذبحونه فلا بأس، ويكونون وكلاء له، أما إذا لم يثق بهم بحيث يخشى أنهم سيأخذونه ثم يذهبون فيبيعونه، فهذا لا يجزئه.
مسألة: لو قال قائل: هذا جار لي فقير وطلب مني أن أعطيه أضحيتي يذبحها ويتصدق بها، فهل الأفضل أن يُعطيه إياها أو الأفضل أن يعطيه غيرها ليضحي بها لنفسه؟
الجواب: الثاني أفضل، ويكتب لك أجر أضحيته؛ لأنك ساعدته على ذلك.
قوله: «إلا أن يبدلها بخير منها» أي: فيجوز، والإبدال نوع من البيع، لكن الغالب أن البيع يكون بنقد، ثم يشتري بدلها أضحية، لكن إذا أبدلها بخير منها مثل أن يكون عَيَّن هذه الشاة أضحية، ثم وجد مع شخص آخر شاة خيراً منها في السمن والكبر والطيب، وأراد أن يبدلها بخير منها، فإن ذلك لا بأس به؛ لأنه زاد خيراً ولم يتهم برد شيء من ملك هذه الأضحية إلى نفسه وربما يستدل لذلك بحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله، «إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: صلِّ هاهنا فأعاد عليه، قال: صلِّ هاهنا، فأعاد عليه ثالثة، فقال: شأنك إذاً» [(3)]، فدل ذلك على أن الإنسان إذا أبدل العبادة بما هو خير منها جاز ذلك، ولا بأس به، وعلى هذا فإذا أبدلها بخير منها فلا حرج: للدليل الأثري وهو قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((صلِّ هاهنا)) .
والدليل النظري: فيقال: إنه زاد خيراً منها؛ لأن هذا أفضل وأنفع للفقراء وأثمن غالباً.
وعلم من قوله: «إلا، أن يبدلها بخير منها» ، أنه لو باعها ليشتري خيراً منها فإن ذلك لا يجوز؛ لأن المؤلف استثنى مسألة واحدة وهي الإبدال، وعلى هذا فلو قال أنا أريد أن أبيعها ثم أشتري خيراً منها قلنا: لا يجوز.
وقال بعض العلماء: يجوز؛ لأن الأعمال بالنيات، وهذا الرجل باعها بنية أن يبدلها بخير منها فيكون جائزاً، كما لو أبدلها رأساً بخير منها.
ولكن الأولى سد الباب، وأن لا يتصرف فيها ببيع؛ لأنه ربما يتصرف فيها ببيع ليشتري خيراً منها، ثم لا يتيسر له أن يشتري أو يأخذه الطمع، أو ما أشبه ذلك، وعليه فلا يستثنى إلا الإبدال فقط.
قوله: «ويجز صوفها» ، هذا أيضاً مما يترتب على التعيين أنه لا يأخذ منها شيئاً لا صوفاً ولا لبناً إذا كان لها ولد يضره أخذ اللبن؛ لأنها الآن أصبحت خارجة عن ملكه.
ولو قال: أنا أريد أن أجز صوفها؛ لأنتفع به، قلنا: لا يجوز إلا إذا كان أنفع لها فلا بأس، وكيف يمكن أن يكون أنفع لها؟
الجواب: يمكن إذا كان عليها صوف كثير يؤذيها، وكان في جزه راحة لها، أو حصل فيها جرح وجز الشعر من أجل إبراز الجرح للهواء حتى ينشف ويبرد أو من أجل مداواته.
والخلاصة أنه إذا كان جز الصوف أنفع فإنه يجزه، وإن لم يكن فيه نفع ولا ضرر فلا يجوز؛ لأن المؤلف قيده بما إذا كان أنفع.
وقوله: «ونحوه إن كان أنفع لها» ، أي: نحو الصوف كالشعر والوبر، قال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}[النحل: 80] الشعر يكون للبقر والمعز، وللإبل الأوبار، وللضأن الأصواف.

وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلاَ يُعْطِي جَازِرَهَا أجرَتَه مِنْهَا، وَلاَ يَبِيعُ جِلْدَهَا، ولاَ شَيْئاً مِنْهَا، بَلْ يَنْتَفعُ بِهِ ..
وقوله: «ويتصدق به» ، أي بهذا الذي جزه، وظاهر كلام المؤلف أنه لا ينتفع به، وأنه يجب أن يتصدق به، فلو قال: أريد أن أجعله ثياباً أو أجعله حبالاً قلنا: لا يجوز، بل يجب أن تتصدق به.
وقال بعض العلماء: يجوز أن ينتفع به؛ لأنه إذا كان له أن ينتفع بالجلد كاملاً فالشعر من باب أولى، وهذا هو الصحيح أنه لا يجب عليه أن يتصدق به، لكن يجب أن يلاحظ الشرط وهو أنه لا يجزه إلا إذا كان ذلك أنفع لها، فإذا كان أنفع لها وجزه فنقول: إن شئت تصدقت به، وإن شئت وهبته وإن شئت فانتفعت به؛ لأن انتفاعك بالجلد والصوف، بل وبالشحم وباللحم والعظام جائز، ولا يلزمك أن تخرج إلا ما يصدق عليه اسم اللحم كما سيأتي.
قوله: «ولا يعطي جازرها أجرته منها، ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها بل ينتفع به» .
الجازر الذابح والناحر، فالناحر للإبل، والذابح لغيرها، وقوله: «لا يعطي جازرها أجرته منها» ؛ لحديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها، لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئاً[(4)]؛ ولأن هذا الجازر نائب عنه، وهو ملزم بأن يذبحها هو بنفسه، فإذا كان ملزماً بأن يذبحها؛ من أجل أن تكون قربة فإنه لا يمكن أن يعطي الجازر منها أجرته، وهو وكيل عنه.
وقد يقول قائل: ألستم تجيزون أن يعطى العامل على الزكاة من الزكاة، فلماذا لا يجوز أن نعطي جازر الأضحية والهدي من الهدي كما نعطي العامل على الزكاة؟
قلنا: الفرق ظاهر؛ لأن هذا الجازر وكيل عن المالك، ولهذا لو وكل الإنسان شخصاً يفرق زكاته، فإنه لا يجوز أن يعطيه من سهم العاملين عليها.
فمثلاً لو أن إنساناً أرسل إلى شخص عشرة آلاف ريال، وقال له: خذ هذه وزعها زكاة، فهذا الذي أخذ العشرة آلاف لا يجوز أن يأخذ منها شيئاً؛ لأن العامل عليها هو الذي يتولاها من قبل ولي الأمر.
وهل يجوز أن يعطيه شيئاً من الأجرة؟
الجواب: لا، يعني لو قال اذبحها لي وكانت تذبح بعشرة ريالات، وقال: أعطيك خمسة من لحمها وخمسة نقداً، فلا يجوز؛ لأنه بذلك يكون قد باع ما تقرب به إلى الله وهو اللحم؛ لأن عوض الأجرة بمنزلة عوض المبيع فيكون قد باع لحماً أخرجه لله، وهذا لا يجوز.
وهل يجوز أن يعطيه هدية أو صدقة؟
الجواب: يجوز كغيره إن كان فقيراً يعطيه صدقة، وإن كان غنياً يعطيه هدية.
وقوله: «ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها» ، فكما سبق أنه لا يبيعها إذا تعينت، فكذلك إذا ذبحت فإنها تتعين بالذبح، ويحسن أن نضيف هذا ـ أيضاً ـ إلى ما سبق من أنها تتعين بالقول، وبالفعل الدال على التعيين، وبالذبح؛ لأنها إذا ذبحت لم يعد يملك التصرف فيها.
وقوله: «ولا يبيع جلدها» بعد الذبح؛ لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: أنه حمل على فرس له في سبيل الله يعني أعطى شخصاً فرساً يجاهد عليه، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم)) [(5)]، والعلة في ذلك أنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه، ولهذا لا يجوز لمن هاجر من بلد الشرك أن يرجع إليه ليسكن فيه؛ لأنه خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع إلى ما يحب إذا كان تركه لله ـ عزّ وجل ـ، ولأن الجلد جزء من البهيمة تدخله الحياة كاللحم.
وقوله: «ولا شيئاً منها» ، أي لا يبيع شيئاً من أجزائها، ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش، أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يبيع شيئاً من ذلك ولو صرفه فيما ينتفع به، وعلى هذا يمكن أن يلغز بهذه المسألة فيقال: شيء يجوز الانتفاع به، ولا يجوز بيعه ليشتري ما ينتفع به بدله؟
الجواب: الجلد لو أراد المضحي أن يدبغه، ويجعله قِربَةً للماء يجوز، لكن لو أراد أن يبيعه ويشتري بدلاً من القربة وعاءً للماء كالترمس مثلاً فلا يجوز، كل هذا حماية لما أخرجه لله أن يرجع فيه.

وَإِنْ تَعَيَّبَتْ ذَبَحَهَا وَأجْزَأتْه إِلاَّ أن تَكُونَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبل التَّعيِين..
قوله: «وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين» ، «وإن تعيبت» الفاعل يعود على المتعيِّن من هدي أو أضحية، وهذا مما يترتب على قولنا: إنها تتعين، أنها لو تعيبت بعيب يمنع من الإجزاء فإنه يذبحها وتجزئ.
مثال ذلك: اشترى شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها، وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عينها، فإنه في هذه الحال يذبحها وتجزئه؛ لأنها لما تعينت صارت أمانة عنده كالوديعة، وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيبها بتعديه أو تفريطه، فإنه لا ضمان عليه فيذبحها وتجزئه، وربما يستدل لذلك بقصة الرجل الذي اشترى أضحية فعدا الذئب على أليتها فأكلها فأذن له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يضحي بها [(6)]، وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين، وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه.
وقوله: «وإن تعيبت ذبحها وأجزأته» ، يستثنى من ذلك ما إذا تعيبت بفعله، أو تفريطه: بأن تكون بعيراً حمل عليها ما لا تستطيع أن تحمله، ثم عثرت وانكسرت، ففي هذه الحال يضمنها بمثلها أو خير منها، وكذلك لو كان بتفريطه، كأن يترك الأضحية في مكان بارد، في ليلة شاتية، فتأثرت من البرد، ففي هذه الحال يجب عليه ضمانها بمثلها أو خير منها؛ لأنه فرط، فلتفريطه يجب عليه الضمان.
وقوله: «إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين» ، فيجب عليه البدل.
مثال ذلك: رجل عليه هدي تمتع، وهدي التمتع واجب في ذمته وليس واجباً بالتعيين، لكن هدي التطوع لا يجب عليه إلا إذا عينه فيجب عليه ذبحه، والفرق أن الواجب في الذمة قبل التعيين يطالب به الإنسان كاملاً، والواجب بالتعيين وأصله تطوع فيه هذا التفصيل الذي سبق وهو أنه لا ضمان عليه إلا أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه.
مثال الواجب في الذمة قبل التعيين: اشترى رجل هدي تمتع وعينه، ثم بعد ذلك عثر هذا الهدي وانكسر، فلا يجزئه أن يذبحه لما كان منكسراً؛ لأنه قد وجب في ذمته قبل التعيين أن يذبح هدياً لا عيب فيه، وهذا الهدي فيه عيب فليزمه أن يبدله بمثله.
مسألة: لو أنه عين هذه أضحية ثم هربت ولم يحصل عليها، فإن كانت واجبة قبل التعيين كأن يكون نذر أضحية، لزمه البدل مثلها أو خير منها؛ لأنه لم يوف بما عليه؛ وإن لم تكن واجبة قبل التعيين نظرنا إن فرط فعليه ضمان، وإن لم يفرط فلا ضمان عليه.
مثال آخر: اشترى هدياً ثم هرب ولم يمسكه وعجز عنه ـ بعد أن عينه ـ فيلزمه بدله؛ لأنه واجب في ذمته قبل التعيين، أما هدي التطوع فإنه لا يلزمه.
وإذا قلنا يجب عليه بدله فاشترى البدل وذبحه وبعد ذبحه وجد الضال الذي هرب فهل يلزمه أن يذبحه، أو يكتفي بالبدل؟
القول الراجح أنه يكتفي بالبدل؛ لأن الرجل ضمن ما هرب وأدى الواجب بدلاً عن الذي هرب، وإذا كان يجوز أن يبدلها بخير منها وهي حاضرة، فكذلك إذا كانت هاربة من باب أولى، ولكن المذهب ليس له أن يسترجع الضال إذا وجده بل يذبحه؛ قالوا: لأن هذا الضال تعين بالتعيين فيجب عليه أن يذبحه، لكن هذا التعليل عليل، هو تعين بالتعيين ولكن أقام مقامه البدل فبرئت ذمته، فإذا عاد هذا الذي ضل فإنه يعود على ملك صاحبه يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه.
وكذلك إذا نذر أن يذبح أضحية فاشترى شاة، وقال هذه أضحية للنذر ثم تعيبت بكسر أو عرج أو ما أشبه ذلك؛ فإنه يذبحها لأنه عينها ويذبح بدلها لأنها لا تجزئ، فلا بد أن يذبحها ويقضي ما وجب بالنذر، والصواب خلاف ذلك كما سبق وأنها إذا تعيبت ولو كانت واجبة في ذمته قبل التعيين فإنه يذبح بدلها خيراً منها أو مثلها وتجزئ، فالله لم يوجب على العباد عبادتين بدون سبب.
إذاً قوله: «إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين» ، هذا الاستثناء على القول الراجح لا حاجة إليه إذا ذبح بدلها.


[1] سبق تخريجه ص(70).
[2] عند قول الماتن: «وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز».
[3] سبق تخريجه ص(96).
[4] سبق تخريجه ص(204).
[5] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب هل يشتري صدقته (1490)، ومسلم في الهبة/ باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به (1620).
[6] أخرجه الإمام أحمد (3/32، 78، 76)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شيء (3146) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال البوصيري: «إسناده ضعيف».


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir