اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:
تطبيقات الدرس الثاني:
3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}
ذكر في معنى الغاسق عدة معاني:
الأول: الليل. وهو قول ابن عباس, والحسن, ومحمد بن كعب.
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): تقول "غسق" "يغسق" "غسوقاً" وهي: "الظلمة".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ومن شرّ غاسق إذا وقب (3)} {غاسق} «يعنى به الليل».
قال كعب بن زهيرٍ: ظلّت تجوب يداها وهي لاهيةٌ ....... حتى إذا ذهب الإظلام والغسق).
الثاني: النهار إذا دخل في الليل. وهو قول محمد بن كعب.
عن محمدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ قالَ: «هو غروبُ الشمْسِ إذَا جاءَ الليلُ، إذَا وَجَبَ».
الثالث: كوكب الثريا. وهو قول أبو هريرة, وابن زيد.
قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قَوْلِهِ: {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ قالَ: «كانَتِ العرَبُ تَقُولُ: الغاسِقُ: سُقُوطُ الثُّرَيَّا، وكانَت الأسقَامُ والطَوَاعِينُ تَكْثُرُ عندَ وُقُوعِها، وتَرْتَفِعُ عندَ طُلُوعِها».
الرابع: القمر. وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا.
عن عائِشَةَ، أن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نَظَرَ إلى القمَرِ فقالَ: «يَا عَائِشَةُ، اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا؛ فَإِنَّ هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ».
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({غاسق إذا وقب}: «الغاسق في التفسير القمر وقالوا الليل».
قال ابن كثير: قال أصحاب القول الأول، وهو أنّه الليل إذا ولج: هذا لا ينافي قولنا؛ لأنّ القمر آية الليل، ولايوجد له سلطانٌ إلاّ فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلاّ باللّيل، فهو يرجع إلى ما قلناه، واللّه أعلم).
الخامس: الشمس إذا غربت. وهو قول الزهري.
فلفظ الغاسق دل على عدة معاني تصلح للتمثيل بها في الآية, فمعنى الغاسق: هو الليل, ويدخل فيه باقي المعاني تمثيلا, فقد جمع ابن جرير بين تلك الأقوال فقال: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، يقالُ: قد غَسَقَ الليلُ يَغْسِقُ غُسُوقاً: إذا أظلَمَ.
{إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ. ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ.
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
ذكر في معنى العصر عدة معاني:
الأول: العشي. وهو قول الحسن.
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (وقالوا: العصر العشيّ. يقال: أتيتك عصراً أي عشيّاً.
الثاني: ساعة من ساعات النهار. وهو قول ابن عباس, وقتادة.
الثالث: الدهر. وهو قول يحيى بن زياد.
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ويقال للدهر: العصر. ويقال: أقمت عنده عَصْرًا، وعُصْرًا).
قال امرؤ القيس: وهل يعمن من كان في العصر الخالي؟
الرابع: قال بعض العلماء - وذكره أبو عليٍّ -: العصر: اليوم، والعصر: الليلة، ومنه قول حميدٍ:
ولن يلبث العصران: يومٌ وليلةٌ ....... إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
الخامس: وقال بعض العلماء: العصر: بكرةٌ، والعصر عشيّةٌ، وهما الأبردان.
ذكر في معنى لفظ العصر في الآية عدة معان يحتملها اللفظ, واللفظ الجامع لها هو الدهر, وباقي المعاني من قبيل التمثيل لهذا المعنى, وجمع بينها ابن جرير فقال: والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ {وَالْعَصْرِ} اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه.
تطبيقات الدرس الثالث:
(2) الباقيات الصالحات
ذكر في معنى الباقيات الصالحات عدة معاني لا تعارض بينها, ويمكن حمل الآية عليها, ومن هذه المعاني:
1 - ذكر اللّه بالتّسبيح والتّقديس والتّهليل.
2 - الصلوات الخمس.
3 - العمل بطاعة اللّه.
4 - الكلام الطّيّب.
فكل هذه المعاني صحيحة وتدخل في معنى الباقيات الصالحات, ولم يخصص منها شيء دون شيء, فهذه الأعمال تدخل ضمن الباقيات الصالحات التي ينتفع بها المؤمن في حياته وبعد مماته, وقد جمع ابن جرير بين هذه الأقوال فقال: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، قول من قال: هنّ جميع أعمال الخير، كالّذي روي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، لأنّ ذلك كلّه من الصّالحات الّتي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويثاب، وإنّ اللّه عزّ ذكره لم يخصّص من قوله {والباقيات الصّالحات خيرٌ عند ربّك ثوابًا} بعضًا دون بعضٍ في كتاب، ولا بخبرٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}
المراد بالحبل في الآية هو: العهد من الله, والعهد من الناس, قال ابن عباس: الحبل العهد.
قال أبو جعفر: هذا استثناء ليس من الأول والمعنى ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا أنهم يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم.
والعرب تسمي العهد حبلا؛ قال الأعشى: وإذا تــجـــوزهـــا حــــبـــــال قــبــيــلـــة أخذت من الأخرى إليك حبالها
قال الزجاج: فأعلم اللّه أنهم بعد عزّ كانوا فيه يبلغون في الذلة ما لا يبلغه أهل مكة، وكانوا ذوي منعة ويسار، فأعلم اللّه أنهم يذلون أبدا إلا أن يعزوا بالذمة التي يعطونها في الإسلام. وما بعد الاستثناء، ليس من الأول أنهم أذلاء إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه.
تطبيقات الدرس الرابع:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
ذكر في لفظ "سبيل" قراءتان:
الأولى: بنصب السبيل.
الثانية: برفع السبيل.
فقراءة النصب: على أنها مفعول "لتستبين" فالسين والتاء للطلب.
فيكون المعنى: ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين.
وقراءة الرفع: على أنها فاعل «يستبين» أو «تستبين» . فالسين والتاء ليسا للطلب بل للمبالغة مثل استجاب.
فيكون المعنى: أي: لتتضح سبيلهم لك وللمؤمنين.
إشكال والجواب عنه من كلام الزجاج: فإن قال قائل: أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها كما قال عز وجلّ: {سرابيل تقيكم الحرّ} ولم يقل تقيكم البرد، لأن الساتر يستر من الحر والبرد، ولكن جرى ذكر الحرّ لأنهم كانوا في مكانهم أكثر معاناة له من البرد).
(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
ذكر في مرجع الضمير "جعلناه" قولان:
الأول: القرآن. قاله السدي.
الثاني: الإيمان. حكاه النقاش وقاله الضحاك.
فيكون المعنى على القول الأول: أي: جعلنا القرآن نورا.
وعلى القول الثاني: أي: جعلنا الإيمان نورا.
قال ابن جرير: وقال جلّ ثناؤه {ولكن جعلناه} فوحّد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنّه قصد به الخبر عن الكتاب وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحّد الهاء، لأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان.
تطبيقات الدرس الخامس:
5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
اسم الفاعل في قوله تعالى: "إن الله بالغ أمره" يدل على الثبوت والمداومة واللزوم, فالله عز وجل بالغ ما يريد بكل حال, فهو سبحانه لا يعجزه شيء, ولا يفوته مطلوب.
قال ابن جرير: وقوله: {إنّ اللّه بالغ أمره}. يقول تعالى ذكره: إنّ الله منفذٌ أمره، منمضٍ في خلقه قضاءه.
ومعنى ذلك: {إنّ اللّه بالغ أمره} بكلّ حالٍ توكّل عليه العبد أو لم يتوكّل عليه.
قال ابن كثير: أي: منفذٌ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه.
6. دلالة صيغة الجمع في قول الله تعالى: { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}
ذكر في قوله تعالى: "لفتيانه" قراءتان:
الأولى: لفتيانه. وهي جمع كثرة, فتكون مراعاة للمأمورين.
الثانية: لفتيته. وهي جمع قلة, فتكون على مراعاة المتناولين وهم الخدمة، ويكون هذا الوصف للحر والعبد.
قال الزجاج: الفتية والفتيان في هذا الموضع المماليك، وقال الثعلبي: هما لغتان جيدتان مثل الصبيان والصبية.
والله أعلم