تفسير قول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}
معنى المحافظة على الصلوات
المحافظة مفاعلة من الحفظ، وهذه الصيغة تدلّ على تكرار ومداومة على الحفظ، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)}
- وقال مالك، عن نافع، مولى عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: (إن أهمَّ أمركم عندي الصلاة، مَنْ حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومَنْ ضيّعها فهو لما سواها أضيع). رواه مالك في الموطأ، ومن طريقه عبد الرزاق في مصنفه.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مثله.
وَحِفْظ الصلاة: أداؤها في وقتها على ما سنّه النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلوّ ولا تفريط، كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وهذا يستلزم المحافظة على ما تصحّ به الصلاة من إتمام شروط صحتها وشروط أدائها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((ارجع فصلّ فإنّك لم تصل)). متفق عليه من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- وقال همام بن يحيى العوذي: حدثنا قتادة، عن حنظلة الكاتب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من حافظ على الصلوات الخمس: ركوعهن، وسجودهن، ووضوئهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة)). رواه أحمد، وفيه انقطاع، لكنه صحيح بشواهده.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز أنَّ رجلاً من بني كنانة يدعى المخدّجي، سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد، يقول: إن الوتر واجب، قال المخدّجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهنَّ شيئاً استخفافاً بحقهنَّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة». رواه مالك، وأحمد، والدارمي، وأبو داوود.
- وقال داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن فضالة، عن أبيه، قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما علمني «وحافظ على الصلوات الخمس».
قال: قلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني.
فقال: «حافظ على العصرين» وما كانت من لغتنا.
فقلت: وما العصران؟
فقال: «صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها». رواه أبو داوود، والحاكم.
- وقال أبو زهيرٍ، عن الأعمش، عن مسلمٍ أبي الضحى عن مسروقٍ، في قوله: {حافظوا على الصّلوات} قال: (المحافظة عليها: المحافظة على وقتها، وعدم السّهو عنها). رواه ابن جرير.
- وقال بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: (قوله: {حافظوا على الصّلوات} يعني: مواقيتها، ووضوئها، وتلاوة القرآن فيها، والتّكبير والرّكوع، والتّشهّد والصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فمن فعل ذلك فقد أتمّها وحافظ عليها). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال أبو سنان ضرار بن مرة، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من قرأ في ليلة مئةَ آية كُتب من القانتين، ومن حافظ على الصلوات الخمس لم يكتب من الغافلين). رواه سعيد بن منصور.
- وقال ابن عبد البر: (من لم يحافظ على أوقات الصلوات لم يحافظ على الصلوات، كما أن من لم يحافظ على كمال وضوئها وتمام ركوعها وسجودها؛ فليس بمحافظ عليها ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع).
- وقال ابن كثير: (يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟
قال: "الصلاة على وقتها".
قلت: ثم أي؟
قال: "الجهاد في سبيل الله".
قلت: ثم أي؟
قال: "بر الوالدين".
قال: "حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته لزادني").
- وقال همام بن يحيى العوذي: حدثني قتادة، عن الحسن، عن حريث بن قبيصة، قال: قدمت المدينة، فقلت: اللهم يسر لي جليسا صالحاً، قال فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الربُّ عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك)). رواه الترمذي والنسائي.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري قال: (أول ما يحاسب به العبد الصلاة المكتوبة؛ فإن أتمها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؛ فأكملت الفريضة من تطوعه؛ فإن لم تكمل الفريضة، ولم يكن له تطوع أخذ بطرفيه فقذف به في النار). رواه ابن أبي شيبة.
ورواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة عن داوود بن أبي هند به مرفوعاً، ولا يصح رفعه.
- وقال أبان بن يزيد العطار: أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن أنس بن حكيم، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة يحاسب بصلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن يحيى بن يعمر، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله عز وجل: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملوا بها فريضته؟ ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك). رواه أحمد.
فضل المحافظة على الصلوات الخمس
ومن حافظ على الصلوات الخمس فكأنما عمر يومه وليلته بعبادة الله تعالى، وذلك أن الصلوات الخمس بخمسين صلاة، وما يتبع الصلوات من الأدعية والأذكار والتلاوة أجور مضاعفة.
- وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا حماد بن سلمة عن بشر بن حرب قال: توفي ابنٌ لسالم بن عبد الله بن عمر فجعل يستثير الحصى بيده، فرفع ابن عمر، ليضرب صدره، فأخذ بيده، فقال: «لعلك حزنت» قال: لا، ولكني عبثت بالحصى قال: «يا بنيّ صل صلاة الفجر ثم انتشر، فإذا حضرت الظهر ثم انتشر» فقال ذلك في الصلوات كلها، وقال في العشاء: «صلّ ثم نم، فوالله لقد أُخبرت أنَّ الله يعجب من صلاة الجميع». رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق.
- وقال يحيى بن يحيى الليثي: حدثنا عطاف بن خالد المخزومي، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: «من حافظ على الصلوات الخمس فقد ملأ اليدين والنحر من عبادة الله». رواه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة، ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق قتيبة بن سعيد عن عطاف به ولفظه: «من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة».
- وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة في سنة اثنتين وستين ومائتين يقول: (كنت منذ سنين، نحو عشرين سنة ربما خطر ببالي تقصيري وتقصير الناس في الأعمال في النوافل والحج والصيام والجهاد؛ فكثر ذلك في قلبي؛ فرأيت ليلةً فيما يرى النائم كأنَّ آتياً أتاني فضرب يده بين كتفي فقال: (قد أكثرت من العبادة! وأيّ عبادة أفضل من الصلوات الخمس في جماعة؟!!).
معنى التعريف في الصلوات
التعريف في الصلوات فيه وجهان:
أحدهما: العهد الذهني، ويراد بها الصلوات المكتوبات.
والآخر: الجنس، ويكون الأمر بالمحافظة على الصلوات الواجبة أمر وجوب، والمحافظة على الصلوات المستحبة أمر استحباب.