تفسير قوله تعالى : ( عَمَّ یَتَسَاۤءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِیمِ ٢ ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ مُخۡتَلِفُونَ(
بأسلوب الحجاج
يقول الله عزوجل مخاطبا نبيه مستنكرا سؤال هؤلاء المشركين المكذبين بما أنزل الله على نبيه، فيقول تبارك وتعالى عم يتساءل هؤلاء المكذبين المعرضين، يتساءلون ويجادلون حول صدق النبوة والوحي، وعدم الإقرار بالبعث ، مستنكرين حدوثه، ولا يصدقون بوقوعه، وكثيرا ما كان يثير كفار قريش هذه الشبهات كحجة لهم في عدم تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يلاحظ ذلك في خطاب الله لهؤلاء في القرآن المكي ، فمن خصائص القرآن المكي رد شبهات المشركين حول البعث والنشور ،وإقرار الإيمان باليوم الأخر، وتثبيت العقيدة وترسيخ أركان الإيمان والتي منها الإيمان باليوم الأخر.
وسورة النبأ من السور المكية التي ظهر فيها ذلك المقصد فيها جليلا.
فحجتهم الباطلة هذه تكمن في شبهة :أنه كيف يبعثهم الله بعد أن صاروا عظاما ورفاتا، وقد أدحض الله شبهتهم هذه في آيات عدة ، ويرد عليهم بالأدلة والبراهين العقلية، فقال عزوجل في سورة الإسراء
وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰمࣰا وَرُفَـٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقࣰا جَدِیدࣰا﴾
فهذه حجتهم وشبهتهم التي يريدون اثارتها دائما، ويرد الله عز وجل بأكثر من طريقة في رد تلك الشبهه، فتارة يخاطب عقولهم بتذكيرهم ببداية خلقهم، وأن الذي خلقهم من عدم قادر على بعثهم مرة أخرى.
كما قال عزوجل وجل في سورة الإسراء بالرد عليهم فقال: قُلۡ كُونُوا۟ حِجَارَةً أَوۡ حَدِیدًا ٥٠ أَوۡ خَلۡقࣰا مِّمَّا یَكۡبُرُ فِی صُدُورِكُمۡۚ فَسَیَقُولُونَ مَن یُعِیدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِی فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲۚ فَسَیُنۡغِضُونَ إِلَیۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ قَرِیبࣰا ٥١
وتارة أخري يخاطبهم بقدرة على الخلق بدليل آياته الكونية في خلق الكون بهذه الدقة والكمال.
فمن الملاحظ أن بعد استنكار الله لهم ولسؤالهم ، جاءت الآيات بعدها تكلمنا عن قدرة الله في خلق الكون
(أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَـٰدࣰا ٦ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادࣰا ٧ وَخَلَقۡنَـٰكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا ٨ وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتࣰا ٩ وَجَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ لِبَاسࣰا ١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشࣰا(
فكيف تكذبون بعد ما رأيتم من قدرته على الخلق الباهرة ، فالكون كله حولكم يحدثكم عن عظيم قدرة الله جل وعلا.
فتنوعت طرق الخطاب القرآني على هؤلاء، ورد الشبهات المثارة حول إمكانية البعث بعد الموت بأكثر من طريقة، فالله تبارك وتعالى يخاطب عقولهم ليبطل حججهم.
ويقيم الله عليهم الحجة في أنفسهم وخلقهم كما قال تبارك وتعالى في سورة الإنسان
( هل أتى على الإنسان حين لم يكن شيئا مذكورا)
فالذي خلقك من عدم قادر على إعادة خلقك مرة أخرى.
وهذه أدلة الله لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.