اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليلى باقيس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم
سؤالي: التفصيل في صفة القرب لله تعالى بصفاته وبذاته سبحانه وتعالى ، والعام والخاص في ذلك ، في معتقد أهل السنة.
السؤال الثاني: قوله تعالى : "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" المراد بالقرب فيه -وفي أي أنواع القرب تندرج هذه الآية- .
جزاكم الله خيرا.
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
صفة القرب لله تعالى ثابتة في الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
وقال تعالى: { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}
وقال تعالى: { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)}
وقال تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}
- وقال عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أشرف الناس على وادٍ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم». رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي به: ( إنّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)).
- وقال ضمرة بن حبيب: سمعت أبا أمامة، يقول: حدثني عمرو بن عبسة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (( أقرب ما يكون الربّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)). رواه الترمذي
فأهل السنة يقولون بما دلّت عليه هذه الآيات والأحاديث، ويثبتون صفة القرب لله تعالى كما وصف نفسه جل وعلا بذلك.
والقرب نوعان: قرب ذات وقرب صفات.
فأما قرب الصفات فتثبته عامّة الفرق المنتسبة للقبلة، وإنما أنكر بعضهم قرب الذات، وأهل السنة يثبتونه لله تعالى من غير تكييف ولا تمثيل.
وقرب الصفات هو قرب الله تعالى من عباده بعلمه وقدرته وأنه لا يخفى عليه شيء من شؤونهم، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا يعجزه شيء، وبه فُسّر قول الله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فإنّ ضمير {نحن} دالّ على العظمة، وأن الله تعالى لا يخفى عليه ما تضمره النفوس وما ينوي كلّ امرئ في قلبه، وهذا لا شكّ أنه مبلغ من القربِ أقرب من حبل الوريد، وبعض العلماء يفسّره بقربه بملائكته، لقوله تعالى بعدها: {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فحرف {إذ} ظرف يفسّر معنى القرب وحاله، والتقدير عندهم: ونحن إذ يتلقى المتلقيان أقرب إليه من حبل الوريد، والتحقيق أن قول الله تعالى: {ونحن أقرب إليه} يشمل هذا المعنى وما هو أعمّ منه، ولذلك والله تعالى أعلم تقدّم الخبر بالقرب، فهو تعالى {الباطن} الذي ليس دونه شيء، فلا يحجب علمَه حاجب، ولا يعزب عنه شيء، ولا يحول بينه وبين ذرة من خلقه حائل، فالحوائل التي تحول بين الخلق وبين رؤية بعض الأشياء إنما هي لضعف أبصارهم وعدم نفوذها، وأما الله تعالى فلا يحجب بصره وعلمه شيء؛ فهذا هو المراد بقرب الصفات، وبه فسّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته))
وقرب الذات يثبته أهل السنة لدلالة الأدلّة الكثيرة منها ما تقدم، ومنها ما صحّ من نزول الله تعالى إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، ودنوّه تعالى من عباده عشية عرفة، فهذا كلّه يحمله أهل السنة على ظاهره، ولا يكيّفونه، ولا يرون منافاته لصفة العلو والاستواء على العرش؛ فالله تعالى له العلو المطلق، بائن من خلقه، يحيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء، يعلو ولا يُعلى عليه، قريب في علوّه، عليٌّ في دنوّه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ويُقسّم القرب أيضاً إلى قرب ذاتي وقرب معنويّ، فالقرب الذاتي كما تقدّم، والقرب المعنوي هو تقريبه بعض عباده إليه، قرب منزلة ومكانة، وبه فسّر قول الله تعالى: {واسجد واقترب} وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا: ((من تقرّب إليّ شبراً تقرّبت إليه ذراعاً ))، وحديث: (( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)).
ويقابل القرب البعد والإبعاد، كما قال تعالى: {وقيل بعداً للقوم الظالمين}، وقال تعالى: {ألا إنّ عاداً كفروا ربّهم ألا بعداً لعاد قوم هود}، وقال تعالى: {ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود} ، ومنه ما فيه حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن زرارة بن أوفى، عن أبيّ بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أدرك والديه أو أحدهما، ثم دخل النار من بعد ذلك، فأبعده الله وأسحقه)). رواه أحمد.
فهذا القرب لا يطلق إلا خاصاً للمؤمنين، فإن الله تعالى لا يقرّب إلا مؤمناً يعمل الصالحات.
والعرب تفرّق بين القرب الحسي والقرب المعنوي، فيعدّون من لا ينتفع بأسباب القرب الحسي بعيداً، ويعودون الأبعد منه مسافة أقرب نفعاً ومنزلة، كما قال إبراهيم الصولي:
دنت بأناسٍ عن تناء ديارهم ... وشطّ بليلى عن دنوٍّ مزارها
وإن مقيمات بمنعرج اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها
وقال ابن الرومي يرثي ابناً له:
طواه الرَّدَى عنّي فأضحى مزاره .. بعيداً على قرب قريباً على بُعْدِ
وقال أبو الحسن التهامي في رثاء ابنه وقد وقف على قبره:
أشكو بعادك لي وأنت بموضع ... لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقّة ... من بعد تلك الخمسة الأشبار
جاورت أعدائي وجاور ربّه ... شتان بين جواره وجواري
إذا عُلم هذا فإن من أنكر تقسيم القرب إلى عام وخاص كما تقسم المعية إلى معية عامة ومعية خاصة أرادوا القرب المعنوي؛ فإن القرب المعنوي لا يكون إلا للمؤمنين.
ومن قسم القرب إلى عام وخاص فسّر القرب العام بقرب الإحاطة وقرب الصفات، والقرب الخاص بالقرب المعنوي.