مجلس مذاكرة القسم الرابع من دورة طرق التفسير
س1: ما المراد بالبديع؟
البديع : علم لطيف يعرّف صاحبه بمحاسن الألفاظ ولطائف المعاني، وحسن دلالة تلك الألفاظ على المعاني ، وهو من العلوم التي يستعان بها على استخراج الأوجه التفسيرية؛ لكثرة أدواته العلمية وتنوّعها. و المراد به عند اطلاقه معنيان
الأول : التعبير المبتكر حسناً و سبكاً و الذي لم يُسبق إليه المتكلّم للتعبير عن المعنى المراد بأعذب الألفاظ و أدقها في أداء المعنى
الثاني : المحسنات المعنوية واللفظية و هي مجموعة الطرق و الأساليب التي يتم بها التعبير عن أدق المعاني بأجمل و أعذب الألفاظ
س2: بين فائدة معرفة تناسب الألفاظ والمعاني للمفسّر.
الألفاظ - والتي هي أوعية المعاني - تتألف من حروف و حركات و هذه الحروف و الحركات لها صفات و خواص متعددة و مختلفة كلٌ بمفرده و أيضاً في اجتماعها و تتابعها ، و من أيات الله في اللسان العربي أنَّ هناك تناسب بين صفات و خواص الحروف و بالتالي الكلمات المؤلفة منها و بين المعاني التي تؤديها ضمن سياقها في الجملة ، و إذا وقف المفسر على هذا التناسب بين اللفظ و المعنى بما يدعمه السياق ، انكشف له من الأوجه التفسيرية ما لا ينكشف لغيره و من هنا تبرز فائدة معرفة تناسب الألفاظ و المعاني للمفسر ، و من أمثلة ذلك تفسيرُ "ضيزى" في قول الله تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} ، فالضَّيز في اللغة يفسّر بالجور وبالنقص وبالاعوجاج، و المتأمل لحروف تلك اللفظة و حركاتها و بنائها الصرفي يستشعر تلك المعاني التي تعبر عن حال الواقع و لو لم يكن يعرف معنى اللفظة باللغة ، و قد جاءت تلك المعاني منتظمت بأقوال السلف في تفسيرهم لتلك الأية
س3: بيّن طرق التفسير اللغوي.
للعلماء طريقان في التفسير اللغوي:
الطريق الأول : طريق النقل عن العرب أو عن علماء اللغة المتقدّمين؛ دون الإقدام على الاجتهاد و الاستنباط و إنما يكتفون بذكر ما حفظوه أو علموه من أقوال العرب و أشعارهم و أقوال العلماء المتقدمين في معنى اللفظ أو الأسلوب اللغوي ، و قد انتهج هذا الطريق جماعة من السلف منهم يونس بن حبيب و الأصمعي
الطريق الثاني : طريق الاجتهاد فكان من علماء اللغة من يجتهد في فقه كلام العرب وأساليب تخاطبهم، فيجمع ويوازن، ويقيس ويستنتج، ويستخرج العلل، ويستنبط المعاني وأحكام الكلام، ويحفظ الشواهد وينقدها، ويقرر الحجج اللغوية ويرتّبها، ويُباحث العلماء ويناظرهم؛ حتى يقع له علم كثير بالقياس يضيفه إلى ما ثبت لديه بالسماع. و الحاصل من هذا الطريق نوعين من الأقوال ، فمنها ما هو متفقٌ و مجمعٌ عليه ؛ فهو حجّة لغوية مقبولة ، و منها ما هو مختلفٌ فيه ، و هذا يُنظر في نوع خلافهم ويُرجّح بين أقوالهم إذا لم يمكن الجمع بينها، غير أنّه ينبغي التنبّه إلى أمرين:
أحدهما: أنه ليس كلّ ما تحتمله اللفظة من المعاني يقبل في التفسير؛ ذلك أن التفسير بالاحتمال اللغوي لمعنى اللفظة إذا عارض ما هو أولى منه فإنه يُرَدّ، وردّ بعض الاحتمالات اللغوية يرجع غالباً إلى ثلاثة أسباب:
1. أن يقوم دليل من القرآن أو السنة أو الإجماع على تخصيص أحد الاحتمالات اللغوية في تفسير الآية؛ فحينئذ لا يجوز تفسير الآية بغيره من الاحتمالات وإن كانت صحيحة الإطلاق من جهة اللغة.
2. أن يعارض الاحتمال اللغوي دليلاً صحيحاً من كتاب أو سنّة أو إجماع.
3. أن لا يلتئم الاحتمال اللغوي لمعنى اللفظة عند إفرادها مع السياق ولا مناسبة الآية ولا مقصدها.
والأمر الآخر: أن التفسير اللغوي منه ما هو محلّ إجماع، ومنه ما هو محلّ خلاف واجتهاد، وقد يقع الخطأ والاختلاف في التفسير اللغوي كما هو واقع في غيره من العلوم، لكن لا يُمكن أن يقع تعارض بين قول مجمع عليه عند أهل اللغة وبين قول متفق عليه عند السلف.
س4: ما المراد بالتفسير بالرأي المذموم؟
المراد بالتفسير بالرأي المذموم هو تفسير أهل البدع الذين يفسّرون القرآن بآرائهم المجرّدة، وبما يوافق أهواءهم ومذاهبهم. غير منضبطين بضوابط الاجتهاد و موارده و دلالاته ، و مصطلح التفسير بالرأي و تقسيمه إلى محمود و مذموم فيه نوع من الالتباس و الغموض ، و الأليق و الأقرب للدقة أن يُقال التفسير بالاجتهاد ، فما كان منه منضبطاً بضوابط الاجتهاد و موارده و دلالاته فصاحبه مأجور و إن أخطأ ، و ما كان غير ذلك فصاحبه أثم و إن أصاب
س5: تحدّث بإيجاز عن موارد الاجتهاد في التفسير.
الاجتهاد في التفسير داخل في جميع طرق التفسير غير مزايل لها، وفي كلّ طريق موارد للاجتهاد. و فيما يلي بعض موارد الاجتهاد في كل طريق من طرق التفسير
أولاً : موارد الاجتهاد في تفسير القرأن بالقرأن
أ: الاجتهاد في ثبوت أسانيد بعض القراءات التي يستفاد منها في التفسير وإن لم يكن يُقرأ بها.
ب: والاجتهاد في تفسير لفظة بلفظة أخرى
ج: والاجتهاد في بيان الإجمال وتقييد المطلق وتخصيص العام باستخراج ما يدلّ على ذلك من آيات أخرى
د: والاجتهاد في الجمع بين آيتين لاستخراج حكم شرعي
هـ: والاجتهاد في تفصيل أمر مذكور في آية بذكر ما يتعلّق به من آية أخرى ليُستعان به على بيان بعض أوجه التفسير أو الترجيح بين الأقوال المأثورة في تفسيرها.
و: والاجتهاد في الاستدلال لبعض الأقوال التفسيرية بما يقوّيها بدلالة من آية أخرى,
ز: والاجتهاد في إعلال بعض الأقوال التفسيرية المحكيّة في آية بما يبيّن ضعفها من الدلالات المستخرجة من آيات أخرى، وهو باب واسع يحتاج فيه المجتهد إلى حسن الاستحضار وقوّة الاستنباط.
ثانياً : موارد الاجتهاد في تفسير القرأن بالسنة
أ: الاجتهاد في ثبوت التفسير النبوي إسناداً ومتناً؛ بالتحقق من صحّة الإسناد، وسلامة المتن من العلّة القادحة.
ب: والاجتهاد في استخراج دلالة صحيحة بين آية وحديث نبويّ يفسّر تلك الآية أو يبيّن بعض معناها، أو يعين على معرفة تفسيرها.
ج: والاجتهاد في معرفة أسباب النزول وأحواله.
د: والاجتهاد في الاستدلال لبعض الأقوال المأثورة بما صحّ من الأحاديث.
هـ: والاجتهاد في إعلال بعض الأقوال التفسيرية بما صحّ من الأحاديث النبوية؛ فإنّ من المفسّرين من يجتهد في تفسير آية فيخرج بقول يعارض حديثاً صحيحاً وهو لا يعلم به أو عزب عنه عند اجتهاده؛ فيتعقّبه من يبيّن ذلك. وإعلال بعض الأقوال التفسيرية بما صحّ من الأحاديث النبوية باب واسع يحتاج فيه المجتهد إلى سعة الاطّلاع وحسن الاستحضار، وقوّة انتزاع الحجج من الأحاديث، وهذه أمور يتفاضل العلماء فيها تفاضلاً كبيراً، وتتفاوت مراتبهم في الاجتهاد فيها.
ومن أعظم أبواب النفع في هذا الاجتهاد الذبّ عن سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وإقامة الحجّج والبراهين على إبطال التفاسير البدعية التي شاعت وراجت، وفُتن بها من فُتن، واغترّ بها من اغتر.
ثالثاً : موارد الاجتهاد في تفسير القرأن بأقوال الصحابة
أ: الاجتهاد في معرفة أقوال الصحابة في التفسير وهو باب واسع؛ فالتفاسير المسندة لم تحط بأقوال الصحابة في التفسير؛ فيحتاج إلى النظر في دواوين السنة والأجزاء الحديثية ومحاولة استخراج ما روي عن الصحابة في التفسير، وهذا أمر يتفاوت فيه المجتهدون تفاوتاً كبيراً.
ب: و الاجتهاد في التحقق من ثبوت صحة الأسانيد المروية إلى الصحابة.
ج: و الاجتهاد في فهم أقوال الصحابة، ومعرفة مآخذها، وتخريجها على أصول التفسير، وهذا باب واسع عظيم النفع للمفسّر.
د: و الاجتهاد في التمييز بين ما يُحمل على الرفع من أقوال الصحابة وما لا يُحمل على الرفع مما أخذه بعض الصحابة عمّن قرأ كتب أهل الكتاب.
هـ: و الاجتهاد في تحرير أقوال الصحابة في نزول الآيات وتمييز ما يحمل على بيان سبب النزول مما يُحمل على التفسير.
و: و الاجتهاد في معرفة علل الأقوال الضعيفة المنسوبة إلى بعض الصحابة نصّاً أو استخراجاً.
ز: و الاجتهاد في الجمع والترجيح بين أقوال الصحابة.
ح: و الاجتهاد في تقرير مسائل الإجماع، وتصنيف مسائل الخلاف، والتمييز بين الخلاف المعتبر وغير المعتبر، وخلاف التنوّع وخلاف التضاد، والتعرّف على الأقوال وأنواعها، وجوامعها وفوارقها ومآخذها وعللها، وللاجتهاد في هذه الأبواب مجال فسيح واسع لا يحيط به علم المجتهد الفرد.
رابعاً : موارد الاجتهاد في تفسير القرأن بأقوال التابعين
هي نفس موارد الاجتهاد في تفسير القرآن بأقوال الصحابة إلا أنّ أقوال الصحابة التي تُحمل على الرفع يُحمل نظيرها في أقوال التابعين على الإرسال.
ويضاف إليها الاجتهاد في تمييز أحوال التابعين في العدالة والضبط، وتعرّف مراتبهم ودرجاتهم ليستفاد بهذا الاجتهاد في الترجيح بين أقوالهم عند التعارض.
خامساً : موارد الاجتهاد في تفسير القرأن بلغة العرب
أ: الاجتهاد في ثبوت ما يعرف بالنقل عن العرب، وتمييز صحيح الشواهد من منحولها، ومقبولها من مردودها، والاجتهاد في اكتشاف ما اعترى بعضها من اللحن والتغيير والتصحيف، وضبط الألفاظ العربية رواية ودراية، والتمييز بين لغات العرب، وتعرّف أوجه الاختلاف والتوافق بينها، ومعرفة الإعراب، وتلمّس العلل البيانية، وتوجيه القراءات، ومعرفة الاشتقاق والتصريف، والاجتهاد في تعيين معاني الحروف والمفردات والأساليب القرآنية إلى غير ذلك من الأبواب الواسعة للاجتهاد اللغوي في تفسير القرآن.
ب: الاجتهاد في الاستدلال لصحّة بعض الأقوال التفسيرية وإعلال بعضها.
ج: والاجتهاد في الجمع بين بعض الأقوال المأثورة بجامع لغوي يُعبّر عنه المجتهد عبارة حسنة تدلّ على مآخذ الأقوال المندرجة تحت تلك العبارة.
د: والاجتهاد في معرفة التخريج اللغوي لأقوال المفسّرين، وهو باب واسع للاجتهاد
س6: ما هي الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة طرق التفسير ؟
الفوائد المحصلة من دراسة دورة طرق التفسير كثيرة جدا و متنوعة و تتمحور حول عدة محاورفمنها المنهجي و منها العلمي و المعرفي و منها السلوكي و منها الوجداني و الأخلاقي و منها التأصيلي و غير ذلك من المحاور المختلفة و مقام مجلس المذاكرة هذا لا يسمح بتقصيها و حصرها و لكن سأُحاول أن أقتطف أهمها
1 - فمنها أنَّ لتفسير كتاب الله على المستوى العلمي و المعرفي طرق محددة و واضحة و منضبطة و مرتبة و هذه الطرق هي
- تفسير القرأن بالقرأن
- تفسير القرأن بالسنة
- تفسير القرأن بأقوال الصحابة
- تفسير القرأن بأقوال التابعين
- تفسير القرأن بلغة العرب
و هناك طريق أخر متداخل مع الطرق السابقة أو متفرع عنها و لا يكاد ينفك عنها و هو طريق الاجتهاد ، و لكن هذا الطريق له موارده و ضوابطه فمن أتاه من موارده و التزم بضوابطه كان مجتهداً و مأجوراً و لو أخطأ و من لم يأته من موارده و لم يلتزم بضوابطه كان متبعاً للهوى و هو آثم و إن أصاب و يكون ممن يشمله قول الله عز وجل ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
2 – و منها أنَّ لطرق التفسير الأنفة الذكر مراتب على مستوى الحجيَّة فما ثبت سنداً و نصاً بالطريقين الأول و الثاني فلا يمكن مخالفته اطلاقاً ، أما قول الصحابي فإذا لم يعلم له مخالف و لم يكن هناك قرينة تدل على خطأه فلا يمكن مخالفته أيضاً لأنَّ عدم وجود المخالف يعتبر إجماعاً و أما إن كان له مخالف و الخلاف سائغ فهذا مورد من موارد الاجتهاد في الترجيح ، و أما قول التابعي فيعامل معاملة قول الصحابي و يزيد بشرط وجود المتابع ، و أما القول في التفسير الذي مرجعه لغة العرب فيجب أن لا يخالف ما ثبت بالطرق الأربعة الأنفة الذكر حتى و إن كان له وجه في اللغة ، أما إن كان يخالف قواعد اللغة و لم يسبق إليه فهو أيضاً مردود
3 – و منها على المستوى العلمي و المعرفي أنَّ التفسير اللغوي للقرأن له أنواع كثيرة أتت الدورة على ذكر عشرة أنواع منها و هي
- بيان معاني المفردات و الأساليب القرأنية
- بيان معاني الحروف
- إعراب القرأن
- توجيه القراءات
- التفسير البياني
- الوقف و الابتداء
- التصريف
- الاشتقاق
- البديع
- تناسب الألفاظ و المعاني
و لكل نوع من هذه الأنواع مسائله التي تفيد المفسر في استنباط المعاني و الأحكام من كلام رب الأنام
4 – و منها على المستوى السلوكي ما استقر في قلبي نتيجة لهذه الدورة ، أن علم التفسير علمٌ عظيمٌ جليلٌ واسعٌ و هو علمٌ مقصود لذاته لتعلقه بمراد الله و كل العلوم خوادم له ، و لا ينبغي لمن يؤمن بالله و اليوم الأخر أن يقول شيئاً في كتاب الله بغير علم أو باتباع هوى فيالعظيم جرم من يسلك هذا السلوك ، و أما من أخلص النية و أعدَّ العدة و أتى الأمر من أبوابه و موارده فيالهناه و يالسعادته و عظيم أجره ، ذاك أنَّ تفسير كلام الله و فهمه كنز لا يعادله كنز فمن أتاه من طريقه المشروع انتفع و نفع و من سلك طريق الهوى و الابتداع ضلَّ و أضل
5 – و منها على المستوى السلوكي أيضاً أنَّ علم التفسير يحتاج إلى صبر و جلد و مثابرة و إلى تعاهد و مذاكرة ، ذاك أنَّ ثمرة التفسير يانعة نافعة
6 – و منها على المستوى المنهجي فقد بينت الدورة أنَّ للتفسير طريقان واضحا المعالم و هما طريق النقل و طريق الاجتهاد فلكل طريق أدواته و قواعده و مسائله و على من يسلك أحد الطريقين أن يحسنه و يملك أدواته و وسائله