ابن عباس
مقدمة:
إن الله اصطفى لصحبة نبيه خير رجال الأمة ,فهم أبر هذه الأمة قلوباً، وأغزرها علماً، وأقومها هدياً, وأرقها أفئدة ,وأعلاها همة.
-في الكتاب:
" قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى" النمل( 59)
قال ابن عباس:(أصحاب محمّدٍ اصطفاهم اللّه لنبيّه)أخرجه الطبري
-وفي السنة:
(النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ؛ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ. وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي؛ فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ. وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي؛ فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ)رواه مسلم
ومن هؤلاء الذين اصطفاهم الله لنبيه وعلت همتهم حتى عانقت السحاب بحر العلم ,حبر الأمة ,وترجمان القرآن عبدالله ابن عباس ابن عم رسول الله ,إنه فتى الكهول ذو لسان سَؤول وقلب عقول.
اسمه:
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ,ابن عم النبي وخادمه, يلتقي نسبه مع النبي عند جده عبد المطلب
لقبه :
حبر الأمة : والحِبْرُ والحَبْرُ: العالِم، ذِمِّيًّا كَانَ أَو مُسْلِمًا(ابن منظور,لسان العرب ص157)
وهذا لكثرة علمه وفقهه في الدين
ترجمان القرآن :أي عالما بتأويله وتفسيره
مولده ونشأته:
ولد في شعب بني هاشم، وهم محصورون فيه قبل الهجرة بثلاث سنين
هاجر مع أبيه إلى النبي قبل فتح مكة؛ فلقيه بالجحفة ورسول الله قادم إلى مكة بجيش الفتح
وكان قد بلغ الحلم يوم قبض النبي.
مناقبه:
1-حرصه على طلب العلم:
- كان من حرصه على العلم أن سأل خالته ميمونة بنت الحارث أمّ المؤمنين أن يبيت عندها ليلة من الليالي التي يكون رسول الله عندها ليرى عمله في الليل؛ فأذنت له، والقصّة مروّية في صحيح مسلم
-حفظ المفصل في حياة النبي وهو غلام
-فظل ملازماً للنبي ملازمة العين لأختها و ظل ينهل من معينه وفما قبض النبي , أقبل إلى البقية الباقية من علماء الصحابة وطفق يأخذ منهم ويتلقى عنهم العلم ,حتى اجتمع عليه الناس
-وكان يأتي الرجل من أصحاب النبي وهو قائل فيتوسد ردائه على بابه فتسفي الريح على وجهه التراب ولو شاء لأستأذن ولكنه أدب الطلب.
2-دعاء النبي له بالفقه في الدين:
-ذلك أنه لما بات عند خالته ميمونة ودخل النبي الخلاء وضع له ابن عباس وضَوءا فدعا له النبي بالفقه في الدين وعلم الـتأويل
-فكان من بركة دعاء النبي له أن بلغ مبلغاً من العلم على حداثة سنه لم يدركه غيره من صحابة النبي
-وكان ابن مسعود يقول عنه:( لو أدرك ابن عباس أعمارنا ما بلغ أحداً منا عشره في العلم).
3-ذو لسان سؤول:
حدث ابن عباس عن نفسه أنه كان يسأل في الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي
4-كان عابدا تقياً:
لم يكن يقول ما لا يفعل ,ولم يشغله طلب العلم عن العبادة ,بل كان يقوم الليل ويرتل القرآن ويقرأ حرفاً حرفاً ,ويكثر النشيج والنحيب ,وكان شديد التعظيم لمحارم الله.
5-تقديم عمر له في مجلسه:
فكان عمر رضي الله عنه يدنيه في مجلسه على حداثة سنه ,ويدعوه للمعضلات ,ويقول له (لقد علمت علما ما علمناه).
وفاته:
كف بصره في آخر عمره ، وتوفي بالطائف سنة 68 هـ ، وقد جاوز السبعين
مما روي عنه في التفسير:
-أبو كريبٍ، قال: حدّثنا طلقٌ يعني ابن غنّامٍ، عن ابن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} قال:( أصحاب محمّدٍ اصطفاهم اللّه لنبيّه) أخرجه الطبري
مما يستفاد من سيرته:
1-علو الهمة في طلب العلم:
على طالب العلم أن يكون ذو بصيرة ,يتحين الفرص ,لايمل من السؤال ولا يكل عن الطلب
2-التأدب في طلب العلم:
كان ابن عم رسول الله يأتي أصحاب النبي ويرقد على الأبواب طلبا للعلم ,ويقول (العلم يُؤتَى ولا يأتي)
3-العلم يعلي قدر أصحابه:
فكان عمر يدني ابن عباس على حداثة سنه في مجلس كبار الصحابة من أهل بدر,ويستشره في عظائم الأمور,وما بلغ هذا القدر إلا بعلمه
خاتمة:
بمثل سيرة ابن عباس رضي الله عنه وأمثاله من الصحب الكرام ندرك مصداق قول الله تعالى:
"اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ"( الأنعام )124
فعليهم تنزلت آيات الذكر الحكيم ,رباهم النبي على عينه,وفاض عليهم من علمه
فما عاشوا لأنفسهم يوما بل حملوا هم الدين, فبينوا السبيل ,وهدوا السائرين
فحبهم دين ,والدعاء لهم قربة ,والذب عنهم سنة
رضي الله عن الصحابة ،رضي الله عن عبدالله ابن عباس وعن أبيه
وصلى الله وسلم وبارك على خير من وطأت قدماه الثرى ,محمد النبي الهادي المجتبى