التطبيق الثانى من تطبيقات مهارات التخريج
خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:
1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
التخريج :
· رواه عبدالرزاق فى تفسيره عن معمر عن الزهري ،عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها.
· رواه ابن جرير من عدة طرق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضى الله عنها .
· رواه ابن أبى حاتم عن هارون بن إسحاق الهمداني ، ثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن ابيه ، عن عائشة رضى الله عنها.
· أخرجه مالك في الموطأ ووكيع والشافعي في الأم وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن عائشة رضى الله عنها .
التوجيه :قال الزجاج : اللغو في كلام العرب : ما اطُّرح ولم يعقد عليه أمر ، ويسمى ما لا يعتد به ، لغوا .
قال ابن فارس : اشتقاق ذلك من قولهم لما لا يعتد به من أولاد الإبل في الدية وغيرها لغوا ، يقال منه : لغا يلغو ، وتقول : لغي بالأمر : إذا لهج به ، وقيل : إن اشتقاق اللغة منه أي : يلهج صاحبها بها .
وفي المراد باللغو أقوال :
الأول : أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف ، ثم يتبين له أنه بخلافه ، وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي عن أشياخه ، ومالك ، ومقاتل .
الثاني : أنه لا والله ، وبلى والله ، من غير قصد لعقد اليمين ، وهو قول عائشة ، وطاووس ، وعروة ، والنخعي ، والشافعي . واستدل أرباب هذا القول بقوله تعالى : { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وكسب القلب : عقده ، وقصده ، وهذان القولان منقولان عن الإمام أحمد ، روى عنه ابنه عبد الله أنه قال : اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك ، ولا كفارة . والرجل يحلف ، ولا يعقد قلبه على شيء ، فلا كفارة .
الثالث : أنه يمين الرجل ، وهو غضبان ، رواه طاووس عن ابن عباس .
الرابع : أنه حلف الرجل على معصية ، فليحنث ، وليكفر ، ولا إثم عليه . قاله سعيد بن جبير .
الخامس : أن يحلف الرجل على شيء ، ثم ينساه . قاله النخعي .
الراجح : الاقوال الواردة فيها تقارب وتباين ، والأصح هو قول عائشة رضى الله عنها ، لقوله تعالى: { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وكسب القلب : عقده ، وقصده.
2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
التخريج :
· رواه ابن جرير من عدة طرق ،عن أربدة التميمى ، عن ابن عباس .
· رواه ابن أبى حاتم عن أبى سعيد الاشج عن وكيع عن سفيان واسماعيل عن أبي إسحاق عن أربدة التميمى عن ابن عباس.
التوجيه :وَمُهَيْمِنا عَلَيْهِ: أى :أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد مصدقا للكتب قبله ، وشهيدا عليها أنها حقّ من عند الله ، أمينا عليها ، حافظا لها . وأصل الهيمنة : الحفظ والارتقاب ، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده : قد هيمن فلان عليه ، فهو يهيمن هيمنة ، وهو عليه مهيمن .
وقال الخليل : المهيمن هو الرقيب الحافظ .
ومنه قوله :
إن الكتاب مهيمن لنبينا *** والحق يعرفه ذوو الألباب
وحكاه الزجاج ، وبه فسر الزمخشري قال : ومهيمناً رقيباً على سائر الكتب ، لأنه يشهد لها بالصحة والبيان.
وقال الشاعر :
مليك على عرش السماء مهيمن *** لعزته تعنو الوجوه وتسجد
فسر بالحافظ ، وهذا في صفات الله .
واختلفوا فيه : هل هو أصلٌ بنفسه أي : ليس مبدلاً من شيء ، يقال : هَيْمَن يُهَيْمن فهو مُهَيْمِن ، كبَيْطَر يُبَيْطِر فهو مُبَيْطر قال أبو عبيدة : " لم يَجِيءْ في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعةُ ألفاظ : " مبيطِر ومُسَيْطر ومُهَيْمِن ومُحَيْمِر " وزاد أبو القاسم الزجاجي في شَرْحه لخطبة " أدب الكاتب " لفظاً خامساً وهو : " مُبَيْقِر ، اسمَ فاعل مِنْ بَيْقَر يُبَيْقِرُ أي خَرَج من أفق إلى أفق ، أو البُقَّيْرى وهي لعبةٌ معروفة للصبيان
وقد ورد فى المراد بالمهيمن أقوال :
الأول: مؤتمناً عليهرواه التميمي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، والضحاك . وقال المبرد : " مهيمن " في معنى : " مؤيمن " إلا أن الهاء بدل من الهمزة ، كما قالوا : أرقت الماء ، وهرقت ، وإياك وهياك .
وأرباب هذا القول يقولون : المعنى : أن القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب إلا أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد : ومهيمنا عليه . قال : محمد مؤتمن على القرآن . فعلى قوله ، في الكلام محذوف ، كأنه قال : وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه ، فتكون هاء " عليه " راجعة إلى القرآن . وعلى غير قول مجاهد ترجع إلى الكتب المتقدمة .
الثاني: أنه الشاهد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .
الثالث: أنه المصدق على ما أخبر عن الكتب ، وهذا قول ابن زيد ، وهو قريب من القول الأول .
الرابع: أنه الرقيب الحافظ ، قاله الخليل .
الراجح: الأقوال متقاربه وهى من باب اختلاف التنوع ، فالقرآن جعله الله مهيمناً على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف ، وهذا هو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين .
3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: (سبيل الخلاء والبول) .
التخريج :
أخرجه سعيد ابن منصور فى سننه .
رواه ابن جرير فى تفسيره من طريقان عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزّبير.
أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره .
التوجيه :
قوله سبحانه وتعالى : { وَفي أَنفُسِكُمْ } إحالة على النظر في شخص الإنسان ، وما فيه العِبَرِ ، وأمرِ النفسِ ، وحياتِهَا ، ونطقِها ، واتصالِ هذا الجزء منها بالعقل ، وهذا من التفسير بالمثال.
4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
التخريج : رواه ابن جرير عن محمود بن خداش الطالقاني ، عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن عليّ والحسن ابنا صالح جميعا ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله .
التوجيه : الاسلام هوالطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج فيه .
وما رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ضرب الله مثلا صراطًا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب ، قال : ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه . فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم » .
ورد في المراد بالصراط أقوال .
الأول : أنه كتاب الله ، رواه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أنه دين الإسلام . قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، و أبو العالية في آخرين .
الثالث : أنه الطريق الهادي إلى دين الله ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .
الرابع : أنه طريق الجنة ، نقل عن ابن عباس أيضا .
الراجح: هذه الاٌوال متقاربة وهى من خلاف التنوع ويشملها جميعاً ، وكل هذه الأقوال صحيحة ، وهي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ، واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر ، فقد اتبع الحق ، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، وهو كتاب الله وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، ولله الحمد . .
5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
التخريج :
· رواه ابن أبى حاتم عن مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ هُوَ ابن سَلَمَةَ ، عَنْ شُعَيْب بن الحُبْحَابِ ، عَنِ أنس بْنِ مَالِكٍ .
· رواه ابن جرير من طرق عن معاوية ابن قرة عن أنس ابن مالك .
التوجيه : قوله تعالى : { كشجرة خبيثة } أى : في المرارة ، مثل الحنظل ، فكما أن الحنظل أخبث الطعام ، فكذلك كلمة الكفر أخبث الدعوة ، وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر ، وليس لها بركة ولا منفعة ، فكذلك الكافر لا خير فيه ، ولا فرع له في السماء يصعد فيه عمله ، ولا أصل في الأرض ، بمنزلة الحنظلة ، يذهب بها الريح ، وكذلك الكافر ، فذلك قوله سبحانه : { كرماد اشتدت به الريح } [ إبراهيم :18 ] ، هاجت يمينا وشمالا ، مرة هاهنا ومرة هاهنا .
ورد فى المراد بقوله { كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } أقوال :
الأول : أنها الحنظلة ، رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال أنس ، ومجاهد .
الثاني : أنها الكافر ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وروى العوفي عنه أنه قال : الكافر لا يقبل عمله ، ولا يصعد إلى الله تعالى ، فليس له أصل في الأرض ثابت ، ولا فرع في السماء .
الثالث : أنها الكشوثى رواه الضحاك عن ابن عباس .
الرابع : أنه مثل ، وليست بشجرة مخلوقة ، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس .
الخامس : أنها الثوم ، روي عن ابن عباس أيضا .
الراجح : هذه الأقوال بينها تقارب ، وهذا من التفسير بالمثال ، فقد ضرب الله مثل الكافر كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، يقول : ليس لها أصل ولا فرع ، وليست لها ثمرة ، وليس فيها منفعة ، كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا يقوله ، ولم يجعل الله فيه بركة ولا منفعة .
قال ابن عطية : والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف . فالخبث هو أن تكون كالعضاة ، أو كشجر السموم أو نحوها . إذا اجتثت - أي اقتلعت ، حيث جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهاء والضعف فتقلبها أقل ريح . فالكافر يرى أن بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه ، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع وهي خبيثة الجني غير باقية .