حذيفة بن اليمان
مقدمة:
أحاط الله نبيه الخاتم بزمرة من الرجال هم أئمة الهدى مصابيح الدجى وأعلام التقى أولي الأفهام والنهى ,سيرهم نبراس للمؤتسين ,حملوا راية الدين ونشروا العلم وبذلوا لأجل ذلك الغالي والنفيس ,فأنار الله بهم قلوباً غلفاً وأعياناً عمياً وآذاناً صماً ,ففتحوا البلاد وفتح الله لهم قلوب العباد ,وملأوا علما وعدلا وقسطا.
ومن هؤلاء الصحب الكرام حذيفة بن اليمان ,أمين سر النبي وأعلم أصحابه بالفتن وصاحب ليلة الأحزاب ,وهو من ندب عثمان لجمع الكتاب.
اسمه وكنيته:
اسمه : حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني ,اسم ابيه حسل أوحسيل
كنيته: أبو عبد الله
نشأته واسلامه:
كان والده قد أصاب دماً في قومه؛ فهرب منهم إلى يثرب، وحالف الأوس، وهم من اليمانية، فلقّبه قومه اليمان، لمحالفته إياهم؛ فلمّا قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ أسلم حذيفة ، وأرادا شهود بدر فصدهما المشركون واخذوا عليهما عهدا ألا يقاتلوا مع النبي فأمرهم لنبي أن يفيا بعهدهما ، وقد شهدا أحدا فاستشهد اليمان بها قتله المسلمون خطأً فعفا حذيفة عنهم وتصدق بدية ابيه
مناقبه:
1-أمين سر النبي:
-ذلك أن النبي كان في مسير فأدلج فنعس فقال بعض المنافقين: لودفعناه فوقع فاندقت عنقه واسترحنا منه ,فلما سمعهم حذيفة سار بينهم وبينه فلما استيقظ النبي قال: أسمعت ما قال هؤلاء قال: نعم فأنبأه النبي بأسماء المنافقين
-وكان عمر إذا قدمت جنازة يرقبه فإن صلى عليها صلى ,وإن رآه تأخر لم يصل وأناب غيره.
وذات مرة سأله عمر: أمن القوم هو؟ قال: نعم ,قال: عمر أناشدك الله أمنهم انا؟ قال: لا ولن أخبر بعدك أحد.
2-أعلم الصحابة بالفتن:
كان يسأل النبي عن الشر مخافة أن يدركه ,بينما يسأله الناس عن الخير
أخرج مسلم عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما، ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدث به»، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه)
-وسأله عمر يوما عن الفتنة التي تموج كموج الحر فقال حذيفة: إن بينك وبينها باباً مغلقا قال عمر:أيكسر أم يفتح ,قال حذيفة: بل يكسر ,فقال عمر إذاً لا يغلق أبداً ,فسأله مسروق بعدها من الباب؟ ,قال :الباب عمر.
3-صاحب ليلة الأحزاب:
ذلك أن النبي سأل أصحابه أن يقوم رجل فيأتيه بخبر القوم ويكون معه يوم القيامة ,فلم يقم أحدا وكانت ليلة شديدة البرد ,فأمر حذيفة فذهب حذيفة إليهم فوجد عندهم ريحًا شديدةً لا تُقرّ لهم شيئًا، فقام فيهم أبو سفيان بن حرب فأمر كل رجل أن ينظر لمن حوله ليتأكد أن لا أحد من جند النبي بينهم فأخذ حذيفة بيد من عن من على جانبيه وابتدرهما بالسؤال,ثم إنهما ذهلا عن سؤاله,فكان صاحب دهاء وفطنة.
4-ندب عثمان لجمع القرآن:
أفزع حذيفة أثناء فتح أرمينية اخنلاف المسلمين من أهل العراق وأهل الشام في القراءة وتكفيرهم بعضهم لبعض فلما عاد حث عثمان على جمع المصحف وقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ,ففعل عثمان رضوان الله عليهم جميعاً .
وفاته:
بقي حذيفة بالمدائن بعد أن أمره عمر عليها حتى حضرته الوفاة بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة في أول سنة 36 هـ.
وكان زاهداً ,فأمر أصحابه ألا يغالوا في كفنه قال: فإنه لن يبقى علي إلا يسيرا حتى أكسى خيرا منه أو شرا منه.
مما روي عنه في التفسير:
-أخرج ابن جرير في تفسيره: حدثنا به ابن حميد , وابن وكيع , قالا: ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال حذيفة: ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين. فقال عبد الله: وما علمك بذلك؟ فغضب حذيفة , ثم قام فتنحى , فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه , فقال: أما إن صاحبك يعلم الذي قلت , ثم قرأ {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [النساء: 146]
-وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره:
-حدثنا يحيى بن عبدك القزويني، ثنا المقرئ وسليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن جندب بن عبد الله، عن حذيفة بن اليمان قال: واستأذن جبريل في هلاكهم فأذن له فاحتمل الأرض التي كانوا عليها وأهوى بها حتى سمع أهل سماء الدنيا ضغا كلابهم وأوقد تحتهم نارا ثم قلبها بهم فسمعت امرأته الوجبة وهي معهم فالتفتت فأصابها العذاب وتبعت سفاهم بالحجارة.
- حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا خليد وسعيد، عن قتادة، عن حذيفة بن اليمان قال: يقول هؤلاء بناتي هن أطهر لكم عرض بناته عليهم تزويجا وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم إن يفي بتزويج بناته
-أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي الهمداني، قراءة، أخبرني ابن شعيب بن [ص:1485] شابور، أخبرني شيبان، أنبأ يونس بن أبي إسحاق الهمداني، عن عامر الشعبي، قال حذيفة بن اليمان: " أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} [الأعراف: 47] ، فبيان هم كذلك إذا طلع عليهم ربهم فقال لهم: قوموا فادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم
مما يستفاد من سيرته:
1-الوفاء بالعهد ولو لمشرك:
وفى حذيفة بعهده مع المشركين ألا يقاتل مع النبي لما أسروه ووالده ,فأمره النبي أن يفي بعهده معهم ويستعين الله عليهم
2-الحفاظ على السر:
فالسر أمانة وقد حفظ حذيفة سر النبي ولم يبح به لأحد حتى توفاه الله رضي الله عنه وأرضاه
3-الرحمة بالمسلمين والعفو عند المقدرة:
كان منه ذلك لما عفا عن قتلة أبيه لما قتل خطأً يوم أحد وتصدق بديته لفقراء المسلمين.
4-الحرص على عدم الوقوع في الفتن:
أدرك حذيفة رضي الله عنه أن الخير بين كل الناس يسأل عنه ويقبلون عليه,أما الشر فلا يسأل الناس عنه ,فكان يسأل النبي عنه مخافة أن يقع فيه فكان فطناً تقياً.
5-الغيرة على كتاب الله:
لما رآى حذيفة في فتح أرمنية اختلاف الناس في القرآن خاف على كتاب الله أن يختلف فيه المسلمون اختلاف اليهود والنصارى فندب عثمان لجمع المصحف رضوان الله عليهم جميعاً.
6-الزهد:
كان رضوان الله عليه حريصا ألا يغالي في كفنه وقال لن أبقى فيه إلا يسيرا حتى أكسى خيرا منه أو شرا منه.
خاتمة:
قبسات من حياة ذلك الصحابي الجليل توضح أنه ما عاش لنفسه يوما وإنما حمل هم الأمة من بعده فله الفضل على سائر الأمة في جمع القرآن ,وفي تبصرتها بما يأتي من الفتن إلى قيام الساعة والمخرج منها ومن سيرته علمنا تقصيرنا وتحركت للوفاء بالعهد والرحمة بالمسلمين وللزهد...
رضي الله عن الصحابة ،رضي الله عن حذيفة بن اليمان
وصلى الله وسلم وبارك على خير من وطأت قدماه الثرى