نِكاحُ الشِّغارِ
الحَديثُ الثالثُ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
303- عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ.
وَالشِّغَارُ : أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُما صَدَاقٌ (122).
_________________
(122) الغَريبُ:
الشِّغارُ: بِكَسْرِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ والغَيْنِ المُعْجَمَةِ، أصْلُهُ في اللُّغَةِ الرَّفْعُ، فَأُخِذَ مِنهُ صورَةُ هذا النِّكاحِ لِرَفْعِ كُلِّ واحِدٍ مِن الوَلِيَّينِ عن مُوَلِّيَتِهِ لِصاحِبِهِ بِلا صَداقٍ، ولا نَفْعٍ يَعودُ عَلَيها.
المَعنَى الإجْمالِيُّ:
الأصْلُ في عَقْدِ النِّكاحِ أنَّهُ لا يَتِمُّ إلَّا بِصَداقٍ للمَرْأَةِ، يُقابِلُ ما تَبْذُلُهُ مِن بُضْعِها.
ولِهذا فإنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهَى عن هذا النِّكاحِ الجاهِلِيِّ، الَّذي يَظْلِمُ بهِ الأوْلِياءُ مُوَلِّيَاتِهِمْ، إذْ يُزَوِّجُونَهُنَّ بِلا صَداقٍ يَعودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِنَّ، وإنَّما يَبْذُلونَهُنَّ بِما يُرْضِي رَغَباتِهمْ وشَهَواتِهمْ، فَيُقدِّمونَهُنَّ إلى الأزْواجِ على أنْ يُزَوِّجوهُمْ مُوَلِّيَاتِهِمْ بِلا صَداقٍ.
فهذا ظُلْمٌ وتَصَرُّفٌ في أبْضاعِهِنَّ بِغَيرِ ما أنْزَلَ اللهُ, وما كانَ كذلكَ فَهُوَ مُحَرَّمٌ باطِلٌ.
ما يُؤخَذُ مِن الحَديثِ:
1- النَّهْيُ عن نِكاحِ الشِّغارِ، والنَّهْيُ يَقْتَضي الفَسادَ، فَهُوَ غَيْرُ صَحيحٍ.
2- أنَّ العِلَّةَ في تَحْرِيمِهِ وفَسادِهِ ، هُو خُلُوُّهُ مِن الصَّداقِ المُسَمَّى، ومِن صَداقِ المِثْلِ، وأشارَ إليهِ بقولِهِ : ((وَلَيْسَ بَينَهُما صَداق)).
3- وُجوبُ النُّصْحِ للمُوَلِّيَةِ, فَلا يَجوزُ تَزْوِيجُها بِغَيْرِ كُفْءٍ لِغَرَضِ الْوَلِيِّ ومَقْصِدِهِ.
4- بِما أنَّهُم جَعَلوا العِلَّةَ في إبْطالِ هذا النِّكاحِ هِيَ خُلُوَّهُ مِن الصَّداقِ، فإنَّهُ يَجوزُ أنْ يُزَوِّجَهُ مُوَلِّيَتَهُ على أنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ مُوَلِّيَتَهُ بِصَداقٍ غَيْرِ قَليلٍ، مع الكَفاءَةِ بيْنَ الزَّوجَينِ، والرِّضا مِنهُما.
5- قولُهُ : [والشِّغارُ: أنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ... إلخ ] قالَ ابْنُ حَجَرٍ : اخْتَلَفَت الرِّواياتُ عن مَالِكٍ فيمَن يُنْسَبُ إليهِ تَفْسيرُ الشِّغارِ، فالأكْثَرُ لم يَنْسِبوهُ لأحَدٍ، وبِهذا قالَ الشَّافِعيُّ ، فقدْ قالَ : لا أدْرِي التَّفْسيرَ عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو عن ابْنِ عُمَرَ، أو عن نافِعٍ، أو عن مالِكٍ، وجَعَلَهُ بَعضُهمْ مِن تَفْسيرِ نافِعٍ، ولَيْسَ خاصًّا بالابْنَةِ ، بلْ كُلِّ مُوَلِّيَةٍ.
وقالَ القُرْطُبِيُّ : تَفْسيرُ الشِّغارِ صَحيحٌ مُوافِقٌ لِما ذَكَرَ أهْلُ اللُّغَةِ، فإنْ كانَ مَرْفوعًا فَهُوَ المَقْصودُ، وإنْ كانَ مِن قولِ الصَّحابِيِّ فَمَقْبولٌ أيْضًا؛ لِأنَّهُ أعْلَمُ بالمَقالِ, وأَفْقَهُ بالحالِ.
6- أجْمَعَ العُلماءُ على تَحْرِيمِ هذا النِّكاحِ، واخْتَلَفوا في بُطْلَانِهِ, فَعِندَ أبي حَنِيفَةَ أنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ، ويُفْرَضُ لها مَهْرُ مِثْلِها.
وعِندَ الشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ أنَّ النِّكاح غَيْرُ صَحيحٍ؛ لِأنَّ النَّهْيَ يقْتَضي الفَسادَ.
وَحَكَى في الجامِعِ رِوايَةً عن الإمامِ أَحْمَدَ، بُطْلانَهُ ولَو مع صَداقٍ، اخْتارَها ((الخِرَقِيُّ)) لِعُمومِ ما رَوى الشَّيْخانِ عن, ابنِ عُمَرَ [ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ الشِّغارِ ]، وَمِثْلُهُ في مُسْلِمٍ, عن أبي هُرَيْرَةَ.
ولِأنَّ أبا دَاودَ جَعَلَ التَّفْسيرَ، وهُوَ قولُهُ: [ولَيْسَ بَينَهُما صَداقٌ]. مِن كَلامِ نافِعٍ.
واخْتارَ هذا القَولَ العَلَّامَةُ الأَثَرِيُّ :((الشَّيخُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ)) حَفِظَهُ اللهُ في رِسالَةٍ لهُ في الأنْكِحَةِ الباطِلَةِ. واللهُ أعلَمُ.