لمجموعة الثالثة:
س1: اذكر أهمّ المؤلفات في فضائل القرآن مع بيان طرق العلماء في التأليف فيها.
ظهر التصنيف في فضائل القرآن في عصر مبكر، قائماً على تفسير الآيات الدالة على فضل القرآن، ورواية الأحاديث والآثار الواردة في ذلك، ولما بدأ عصر التدوين، صنف العلماء فيه المصنفات واستمر التأليف فيه إلى عصرنا الحالي، وذلك لما فيه من ثواب عظيم، لما يرجى فيه من نشر فضائل القرآن الذي يهدي إلى خيري الدنيا والآخرة.
سلك العلماء في التصنيف في فضائل القرآن طرقا نبين منها ما يلي:
النوع الأول: رواية الأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن بالأسانيد وضمّها إلى دواوين السنة؛ كما فعل البخاري ومسلم في صحيحيهما، وابن أبي شيبة في مصنفه، والترمذي في سننه، حيث أفردوا باباً باسم "كتاب فضائل القرآن".
النوع الثاني: تخصيص فضائل القرآن بتصنيف مستقل؛ بجمع ورواية ما ورد فيه من الأحاديث والآثار بالأسانيد؛ بدون تصنيف على الأبواب،كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلام والنسائي وابن الضريس والفريابي وأبو الفضل الرازي.
النوع الثالث: جمع ما رواه الأئمة وتصنيفه على الأبواب، وحذف الأسانيد اختصاراً ؛كما فعل ابن الأثير في "جامع الأصول"، وابن حجر في "المطالب العالية"، والغافقي في كتابه الكبير في فضائل القرآن المسمى؛ " لمحات الأنوار ونفحات الأزهار وري الظمآن لمعرفة ما ورد من الآثار في ثواب قارئ القرآن".
النوع الرابع: التصنيف المقتصر على بعض الأبواب المهمّة، وترجمتها بما يبيّن مقاصدها وفقهها، كما فعل شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب في تأليفه المختصر في ذلك.
النوع الخامس: الاقتصار على بعض مباحث فضائل القرآن، كما فعل كثير من المفسّرين في مقدّمات تفاسيرهم، فيما يفسّرون من الآيات الدالّة على فضل القرآن، وكما أفرد ابن تيمية رسالة "قاعدة في فضائل القرآن".
النوع السادس: إفراد فضائل بعض الآيات والسور بالتأليف، كما أفرد أبو محمد الخلال جزءاً في فضائل سورة الإخلاص.
النوع السابع: شرح معاني الآيات والأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن كما فعل كثير من شرّاح الأحاديث فيما يشرحون من كتبه، فمنهم من توسع ومنهم من اختصر، كما في شروحات البخاري لابن حجر وغيره.
النوع الثامن: عقد فصول في بعض الكتب لبيان بعض فضائل القرآن، كما فعل ابن تيمية في عدد من رسائله، وابن القيّم في كتاب "الفوائد"، و"طريق الهجرتين" و"مدارج السالكين"، وابن رجب، والسيوطي، وغيرهم من العلماء.
من أهمالمؤلّفات في فضائل القرآن وأشهرها:
1- "فضائل القرآن" لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، وهو من أجلّ كتب الفضائل.
2- "فضائل القرآن" لسعيد بن منصور الخراساني، وهو كتاب كبير من سننه.
3- "وكتاب فضائل القرآن" من مصنّف ابن أبي شيبة.
4- "كتاب فضائل القرآن" من صحيح البخاري.
5- "وأبواب فضائل القرآن" من صحيح مسلم.
6- "وكتاب فضائل القرآن" من جامع الترمذي.
7- "كتاب فضائل القرآن" لابن الضُّرَيس.
8- " كتاب فضائل القرآن" لأبي بكر الفريابي.
9- "كتاب فضائل القرآن" لأبي عبد الرحمن النسائي.
10-"وكتاب فضائل القرآن" للحافظ المستغفري.
11- "وكتاب فضائل القرآن وتلاوته" لأبي الفضل الرازي.
12- "وفضائل القرآن" لضياء الدين المقدسي.
13- وكتاب "الإجلال والتعظيم في فضائل القرآن الكريم" لِعَلَمِ الدين السخاوي، وهو جزء من كتابه الكبير "جمال القرّاء وكمال الإقراء".
14- "وكتاب لمحات الأنوار ونفحات الأزهار وري الظمآن لمعرفة ما ورد من الآثار في ثواب قارئ القرآن" لأبي القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي، وهو من أكبر الكتب المصنّفة في فضائل القرآن لكنّه لم ينقّحه فوقع فيه غثّ كثير.
15- "والوجيز في فضائل الكتاب العزيز" للقرطبي.
16- "وقاعدة في فضائل القرآن" لابن تيمية.
17- "وفضائل القرآن" لابن كثير، وهو جزء من مقدّمة تفسيره.
18- "ومورد الظمآن إلى معرفة فضائل القرآن" لابن رجب الحنبلي.
19- "وهبة الرحمن الرحيم من جنة النعيم في فضائل القرآن الكريم" لمحمد هاشم السندي
20- "وكتاب فضائل القرآن" لمحمّد بن عبد الوهاب.
21- "وموسوعة فضائل سور وآيات القرآن" لمحمد بن رزق الطرهوني.
.
س2: ما الفرق بين أسماء القرآن وصفاته؟
أسماء القرآن تضمنت صفات لها آثار، فهي ليست أعلاماً محضة موضوعة للتعريف المجرّد، وإنما هي أعلام ذات أوصاف مقصودة، ودلائل بينة.
وهي أربعة أسماء: القرآن والفرقان والكتاب والذكر، كما ذكر ابن جرير، والزجاج، وابن عطية.
وقد توسّع بعض العلماء في تعداد أسماء القرآن؛ فعدّوا صفاته من أسمائه، واشتقّوا له أسماء من بعض ما أخبر الله به عنه، وهو خطأ بيّن.
حتى أن بعضهم ذكر للقرآن مائة اسم، ومنهم الزركشي، وفي كثير منها تكلف لا يصح؛ حتى عد في أسمائه: النجوم والنعمة والثقيل والمثبت والمرتل والتفسير، ولكن أكابر العلماء يفرّقون بين الأسماء والصفات والأخبار.
أما صفات القرآن: فكثيرة جليلة جامعة لمعان عظيمة؛ فوصفه الله: بأنه علي حكيم، ومجيد وكريم، وعزيز وعظيم، ومبارك وقيم، وأنه ذكر وذكرى، وهدى وبشرى، وتذكرة وموعظة، وبصائر ورحمة، ونور وبيان، وشفاء وفرقان إلى غير ذلك من صفاته الجليلة العظيمة.
أما الأسماء المتضمنة للصفات، يصح اعتبارها أسماء، ويصح اعتبارها أوصاف؛ فتقول: إن الفرقان من أسماء القرآن، وتقول: إن الفرقان من صفات القرآن.
الفرق بين الاسم والصفة عموما:
1- الاسم: يطلق مفرد، معرف، كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} ، وقال: {تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده}، وقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} وقال: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز} فاللام هنا للعهد الذهني.
وأما الصفات: فهي ملازمة للموصوف الظاهر أو المقدّر؛ فلا تدل الصفة بمجردها على الموصوف إلا أن يكون مذكوراً ظاهراً أو معروفاً مقدّراً:
-فالظاهر: كقوله تعالى: {إنه لقرآن كريم}، {والقرآن المجيد}؛ فإذا أفردت الصفة عن الموصوف؛ فقلت: "الكريم" و"المجيد" انصرف المعنى إلى ما هو أقرب إلى الذهن.
- المعروف المقدر: نحو قوله تعالى: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} على القول بأن مرجع اسم الإشارة إلى القرآن وهو أحد القولين في هذه الآية.
2- أن الصفة غير المختصة تحتاج إلى تعريف لتتضح دلالتها على الموصوف.
أما الأسماء فقد جعلت أعلاماً على المراد.
فقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} وصف النور بما يدل على أن المراد به القرآن، ولو أفرد لفظ "النور" بدون وصفه السابق، لانصرف المعنى إلى ما هو أقرب إلى الذهن.
س3: اذكر أدلّة الصفات التالية للقرآن مع بيان معانيها بإيجاز.
أ – عظيم:
الأدلة:
فأما عظمة قدره في الدنيا فتتبين من وجوه كثيرة:
1- أنه كلام الله تعالى وهو صفة من صفاته، وعظم الكلام من عظم المتكلم.
2- إقسام الله تعالى به، ولا يقسم الله سبحانه إلا بعظيم.
3- كثرة أسمائه وأوصافه الجليلة واجتماعها فيه تدل على عظم قدره.
4- أنه حاكم على ما قبله من الكتب، وناسخ لها، ومهيمن عليها.
5- أنه فرقان بين الهدى والضلالة، والحق والباطل، فبصائره يتذكر المؤمن ويهتدي إلى الطريق المستقيم.
6- أنه يهدي للتي هي أقوم، فهو بيان لأحسن الحكم والأحكام والتشريعات التي يحتاجها المؤمن.
7- أنه مصدر الأحكام الشرعية التي بها قيام مصالح العباد، وإليها يتحاكمون في فضّ منازعاتهم وحل مشكلاتهم ومعضلاتهم.
8- أن الله خصه بأحكام في الشريعة تبين حرمته وجلالة شأنه، حتى أن صاحبه يكتسب إجلال وتقديرا من مصاحبته.
وأما عظمة قدره في الآخرة فمن دلائلها:
1- أنه يظل صاحبه يوم العرض، كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على تلاوة سورة البقرة وآل عمران.
2- وأنه شافع مشفع وماحل مصدق، فهو شاهد على المؤمنين، من اتبعه ومن أعرض عنه.
3- وأنه يحاج عن صاحبه ويشهد له.
4- وأنه يرفع صاحبه درجات كثيرة، فيقال لقارئ القرآن، اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدني، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
5- وأنه يثقل ميزان أصحابه بكثرة ما يجدون من بركة ثواب تلاوته.
وأمّا عظمة صفاته فبيانها من وجهين:
الوجه الأول: أن كلّ صفة وصف بها القرآن؛ فهو عظيم في تلك الصفة؛ فكرمه عظيم، وبركته عظيمة، ومجده عظيم، وعلوّه عظيم، ونوره عظيم، وهداه عظيم، وشفاؤه عظيم، وفرقانه عظيم إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته التي اتّصف في كلّ صفة منها بالعظمة فيها.
والوجه الثاني: أن كثرة أسمائه وصفاته العظيمة دليل آخر على عظمته
ب – قيم:
قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)}
وقوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)}
ولوصفه بالقيم ثلاثة معان:
أحدها: أنه مستقيم لا عوج فيه، ولا خلل، ولا تناقض، ولا تعارض، بل يصدّق بعضه بعضاً، ويبين بعضه بعضاً، يأتلف ولا يختلف، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
والمعنى الثاني: أنه قيّم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها، وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها.
والمعنى الثالث: أنه القيّم الذي به قَوام أمور العباد وقيام مصالحهم وشرائعهم وأحكام عباداتهم ومعاملاتهم، ويهديهم للتي هي أقوم في جميع شؤونهم.
ج – هدى:
وصف الله كتابه بأنه هدى في مواضع كثيرة من القرآن، فقال في أول سورة البقرة؛ {ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه . هدى للمتّقين}
وفيها تنبيه على تضمن القرآن للهداية التي يسألها المؤمنون وترغيب في الاهتداء به.، بعد أن ذكر سؤال الهداية في الفاتحة.
وقال: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
وقال تعالى: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
فكما أن القرآن عظيم، كذلك هدايته لشمولها جميع شؤون العباد، وفي كونها تهدي للتي هي أقوم في كلّ شأن، وهي على مرتبتين: عامة وخاصة
فالهداية العامة لجميع الناس؛ تدلهم على الحق، وعلى صراط الله المستقيم؛ فيعرفون به ما يجب عليهم وما يحرم، ففيه البشارة لمن اتبعه والنذارة لمن أعرض عنه.
كما قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)} وقال فيه: {هدى للناس}.
والهداية الخاصّة للمؤمنين التي يوفّقون بها لفهم مراد الله تعالى، ولما يتقرّبون به إليه؛ فيزيدهم هدى إليه.
ومن اتخذ القرآن هاديا إلى الله تعالى أبصر به السبيل الذي يقربه إليه ويوجب له محبته ورضوانه وفضله العظيم بما أوجبه الله على نفسه من ذلك.
كما قال الله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا}
فمن اهتدى بالقرآن هداه الله، ومن تمسك به عُصم من الضلالة، فهوحبل الله الذي ذكره النبي ووصانا في خطبته في حجة الوداع، أن نتمسك به حتى لا نضل من بعده.
وقد فسّر قول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تفرّقوا} بالاعتصام بالقرآن.
وهذا القول أحد الأقوال الخمسة المأثورة عن السلف في المراد بحبل الله؛ ففسّر بالقرآن وبالتوحيد وبالجماعة وبالسنة وبعهد الله، وهي أقوال تتفق ولا تختلف، ويدلّ بعضها على صدق بعض
د- شفاء:
ورد وصف القرآن بأنه شفاء، في مواضع من القرآن؛ منها قول الله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
فوصفه الله بأنه شفاء؛ وجعل هذا الشفاء منحة خاصة للمؤمنين؛ ففيه شفاء للنفس والروح والجسد.
- ففيه شفاء لنفوسهم من عللها وأدوائها التي مرجعها إلى أمرين: الذنوب والجهل
فالذنوب تكون ثمرة اتباع الهوى، فالإنسان ظلوم جهول؛ كما قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
والجهل يجعله يفعل ما يضره ولا ينفعه؛ ويشقيه ولا يشفيه، اتباعا لهواه.
ومن أمراض النفس البشرية التي تتفاوت بحسب بعدها عن هدى الله؛ الجهل والظلم، والعجب والكبر، والشك والحيرة، والشح والبخل، والحرص والحسد، وغيرها من العلل، تشقي صاحبها وتعمي بصيرته عن الحق ويلتبس عليه، فيفسد التصور والإرادة؛ فيحصل الافتتان بفتن الشبهات؛ فيرى الباطل حقا، والحق باطلا، والمعروف منكرا، والمنكر معروفا؛ ويزداد بذلك شقاؤه وحيرته.
وبفساد الإرادة، يتعلق القلب بالشهوات حتى يجد من أليم عذابها وعظيم مصابها ما تشقى به حياته، ويظلم به فؤاده.
كل ذلك شفاؤه لا يكون إلا بالقرآن، الكتاب الذي أنزله الله شفاء للناس، شفاء يصحّ به التصور فيعرف الحق ويبصره بدلائله الظاهرة، ويتبين حسن عاقبته، ويعرف الباطل ويبصره بدلائله الظاهرة وإن هويته النفس للذة عابرة، ويتبين خطره وسوء عاقبته.
ومع صلاح البصيرة بالقرآن، يحتاج إلى تصحيح السلوك؛ ليستقيم به على ما ينفعه في جميع شؤونه، ويسلم به مما يضره ويفسد عليه ثمرات صلاحه ويضعفها.
وهذا الشفاء يتحقق للمؤمنين الذين آمنوا به واتّبعوا ما أنزل الله فيه من الهدى؛ بقدر ما حققوا من الإيمان واتباع الهدى.
- فهو رقية نافعة من العلل التي تصيب الروح، فبه يبطل السحر والحسد، وما المعوذتان إلا أعظم دليل على ذلك، وشفاء الرسول بهما عندما سحره لبيد بن الأعصم.
- وهو شفاء للجسم، فقد رقى الصحابي سيد القوم الذي لدغ، بالفاتحة وأقره النبي على ذلك.
س4: تحدّث عن بركة القرآن بإيجاز
قال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
وصف الله كتابه بأنه مبارك: والبركة هي الخير الكثير المتزايد.
وإذا كان الله سبحانه هو الذي باركه: فيتبين لنا عظمة هذه البركة وكثرتها وتنوعها، فهي بركة عظيمة لا يحيط بها علما إلا هو جل شأنه.
وتتضمن بركته في الدنيا:
1- أصل بركاته وأعظمها: ما تضمنه من بصائر، قال الله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}
وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }
والبصيرة هي أصل الهداية؛ فحاجة العبد إلى التبصر دائمة متعددة، ولذلك يزداد العبد بصيرة كلما أحسن تدبر القرآن، كما قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} ، والتذكر ثمرة التبصر.
وبركة بصائر القرآن لها أصل وأنواع؛
فأصلها: إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم.
وأما أنواعها وتفصيلاتها: فكثيرة متجددة، بحسب ما يعرض للمؤمن من شبهات وعوارض.
2- من بركات القرآن: أنه حياة للمؤمن ورفعة له؛ به تحيا القلوب، وقد وصفه الله بأنه روح لما يحصل به من الحياة الحقيقية.
قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا...}
وكلما ازداد العبد إيماناً بالقرآن وتلاوته واتباع هداه، ازداد نصيبه من بركته والحياة به حتى يكون القرآن ربيع قلبه؛ وكذلك حال صاحب القرآن، جنّته في صدره؛ يأنس به، ويتبصر به، ويحيا به، ويجد من أنواع بركاته ما تقر به عينه، وتطيب به حياته.
3- ومن بركته على النفس المؤمنة به: أنه يجلو الحزن، ويذهب الهم، وينير البصيرة، ويصلح السريرة، ويشفي ما في الصدر، فيطمئن به القلب، وتزكو به النفس، ويحصل به اليقين، ويزداد به الإيمان، ويندفع به كيد الشيطان.
4- جعل الله فيه من الشفاء الحسي والمعنوي؛ من سحر وعين ووسواس؛ فآياته رقية ناجعة يرقى بها، وشفاء للمؤمنين.
5- قارئه يثاب عليه أنواعاً من الثواب: فيثاب على الإيمان به، ويثاب على تلاوته، ويثاب على الاستماع إليه، ويثاب على تدبره، ويثاب على تعظيمه، ويثاب على حفظه، ويثاب على التفقه فيه وطلب تفسيره، ويثاب على اتباع هداه، حتى إنه ليثاب على النظر في المصحف.
6- ومن بركاته: كثرة وجوه الخير فيه؛
فهو علم لطالب العلم،
وحكمة لطالب الحكمة،
وهداية للحيران،
وتثبيت للمبتلى،
ورحمة للمؤمن،
وشفاء للمريض،
وبيان لمن يريد كشف الشبهات،
ودليل لمن يدعو إلى الله،
وحجة لمن ينتصر لدين الله؛
وهو لكل صاحب حاجة مشروعة غنية وكفاية {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون}
7- بركة ألفاظه وأساليبه؛ فألفاظه ميسرة للذكر، معجزة في النظم، حسنة بديعة، لها حلاوة في السمع، وبهجة في النفس، وتأثير في القلب، يدل اللفظ الوجيز منه على معان كثيرة مباركة.
8- بركة معانيه وكثرتها واتّساعها وعظيم دلالتها، حتى أدهش البلغاء وأعجزهم؛ وصنف العلماء الكبار في بيان معاني بعض آياته، رسائل كثيرة مفردة؛
فصنف الحافظ ابن رجب رسالة طويلة في تفسير، قول الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}،
وصنّف الحافظ ابن الجزري رسالة طويلة سماها "كفاية الألمعي في معنى قوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي}،
وصنف الحافظ السيوطي رسالة في تفسير قول الله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور...} الآية، واستخرج منها نحو مائة وعشرين وجها بلاغياً، وسمى رسالته "فتح الرب الجليل للعبد الذليل"،
وهي من دلائل كثرة معاني القرآن العظيم وبركتها واتّساعها.
·9- من بركاته: أنه لا تنقضي عجائبه ولا يحاط بمعرفته فلو درس المرء تفسيره من فاتحته إلى خاتمته لم يحط بمعانيه، فإذا درسه مرة أخرى ظهرت له معان لم تكن قد ظهرت له من قبل.
10- من بركاته على صاحبه الذي يقرؤه وهو مؤمن به: أنه يرفع شأنه، ويعلي ذكره، ويوجب له حقاً لم يكن ليناله بغير هذا القرآن، وأجل ذلك أن يكون صاحب القرآن من أهل الله وخاصته، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين))
11- ومن بركاته: فيه عز الأمة ومجدها ونصر الله لها.
12- ومن بركاته العظيمة أنه مبارك حيثما كان:
-فهو مبارك في قلب المؤمن،يهديه ويثبته، ويزداد بتلاوته إيمانا ويقينا، وطمأنينة وسكينة.
- وهو مبارك في المجلس الذي يقرأ فيه؛ وتتدارس فيه آياته؛ فتنزل على أهله السكينة، وتحفّهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، قال الرسول: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم: إلا نزلت عليهم السكينة, وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
- وهو مبارك في البيت الذي يتلى فيه، قال ابن سيرين: (البيت الّذي يقرأ فيه القرآن تحضره الملائكة، وتخرج منه الشّياطين، ويتّسع بأهله ويكثر خيره، والبيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن تحضره الشّياطين، وتخرج منه الملائكة، ويضيق بأهله ويقلّ خيره)
-وهو مبارك على الورق الذي يكتب فيه؛ فالمصحف له حرمة عظيمة، وأحكام كثيرة في الشريعة؛ فتشرع الطهارة لمسه، ويجب تعظيمه، ويحرم الاستخفاف به بل يكفر من يدنسه أو يمتهنه.
بركاته على صاحبه يوم القيامة:
1- هو أنيسه في قبره، وظله في الموقف العظيم، وقائده في عرصات القيامة، وحجيجه وشفيعه، ولا يزال به حتى يقوده إلى الجنة.
- روي عن النبي قوله:((اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)).
من أراد أن يصحبه القرآن في الآخرة فليحسن صحبته في الدنيا.
- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حَلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزاد بكل آية حسنة))
- عن ابن عمر أنه قال: (( يجيء القرآن يشفع لصاحبه، يقول: يا رب لكل عامل عمالة من عمله، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم؛ فأكرمْه. فيقال: ابسط يمينك، فيملأ من رضوان الله، ثم يقال: ابسط شمالك، فيملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة، ويحلى حلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة))
كيف تنال بركات القرآن:
ينالها من آمن به واتّبع هداه؛ كما قال الله تعالى: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
وقال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}.
س5: ما هي اقتراحاتك للطرق المناسبة لنشر فضائل القرآن في هذا العصر؟ وكيف يستفاد منها في الدعوة إلى الله تعالى؟
من أهم طرق نشر فضائل القرآن، حسن فهمه والتخلق به، كما كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن.
فنتخذه نبراسا وهاديا لنا في ما يعرض لنا في الحياة، ونتبع هديه، حتى إذا ما كنا قدوة ونموذجا متبعا، وعُرِفَ أننا نتبع القرآن، كان ذلك أفضل وسيلة للدعوة ونشر فضائل القرآن، فلا خير في داعية إلى أمر وهو معرض عنه.
كما أن الوسائل المتاحة للنشر؛ من وسائل التواضل الاجتماعي، تعين على إبراز فضائل القرآن، بعمل دورات تعريفية عن القرآن وفضائله.
لكن يجب العناية بأمرين مهمين:
أحدهما:التوثّق من صحّة ما ينشر، وأن لا يعجل بنشر شيء قبل أن يطمئن لصحته.
والثاني:مراعاة الحكمة وحسن الأسلوب في التحرير والنش، وتحري الأوقات المناسبة.
وذلك لأجل أن يكون ما ينشره صحيحاً متقناً، والله تعالى قد كتب الإحسان في كل شيء، فما بالكم بأمر الإحسان في بيان فضل كتابه العظيم.
ولا بأس من الاستعانة بالآخرين، فالناس يتفاوتون فيما يفتح الله به عليهم من قدرات وملكات:
- فمنهم من يحسن التأليف والتحرير،
- ومنهم من يحسن الترجمة،
- ومنهم من يحسن الإخراج والتصميم،
- ومنهم من يحسن النشر، ولو قام كل واحد بما يحسن؛ لأثمر ذلك - بإذن الله تعالى - دعوة مباركة طيبة إلى كتاب الله تعالى، وتعريف أمم الأرض به، وبيان محاسنه وفضائله لهم.