قال الله تعالى : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) [النساء : 7]
· سبب النزول:
ورد في سبب نزول الآية أقوال :
القول الأول:
-أن العرب كان منها من لا يورث النساء ولا الولدان الصغار شيئا ويقول : لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فنزلت هذه الآية . وهو قول سعيد بن جبير و قتادة وعبد الرحمان ابن زيد بن اسلم.
التخريج:
قول سعيد بن جبير فقد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار
قول قتادة أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق معمر
...وأخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قول ابن زيد أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
القول الثاني:
سبب نزول الآية حادثة وقعت لأحدى النساء حيث توفي زوجها و ترك لها بنتا ؛ فأخذ عم البنت المال ومنعها من الميراث فجاءت المرأة تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية
واختلفت الرواية في تعيين المرأة و كذا في بيان عدد أولادها ؛ كما أنها اختلفت في تعيين اسم زوجها الذي توفي وكذا في عم البنت.... وهذا قول هو قول ابن عباس و جابر وعكرمه ومقاتل
قال مقاتل :" نزلت في أوس بن مالك الأنصاري ، وذلك أن أوس بن مالك الأنصاري توفي وترك امرأته أم كحة الأنصارية ، وترك ابنتين إحداهن صفية ، وترك ابنى عمه عرفطة وسويد ابنى الحارث ، فلم يعطياها ولا ولداها شيئا من الميراث "
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس:
الرواية الأولى أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة من طريق أبي الشيخ في ترجمه ابنتي أوس بن ثابت
وأخرجه أبو الشيخ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في كتاب الفرائض كما عند السيوطي
في هذه الرواية ذكر ابن عباس : أن الذي مات هو أويس بن ثابت وتركا ابنتين وابنا صغيرا فجاء ابنا عمه خالد و عُطرفة وهما عصبته فأخذا ميراثه كله ولم يذكر اسم المرأة
الرواية الثانية: أخرجها ابن أبي حاتم من طريق ابن جريرج
في هذه الرواية ذكر ابن عباس :أن المرأة أم كَحلة ؛و زوجها ثعلبة بن أويس وابنتها كلثوم وعمها سويد
قول جابر:
رواه ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ من طريق إبراهيم بن هراسة عن الثوري عن عبد الله بن عقيل عن جابر به.
وذكر جابر أن اسم المرأة أم كُجة وترك لها زوجها بنتان.
قول عكرمه
أخرجه بن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريرج
وذكر عكرمة :أن المرأة أم كُجة ؛و زوجها ثعلبة بن أويس وابنتها كلثوم وعمها سويد.
قال ابن حجر في الإصابة في في ترجمة أوس بن ثابت.:"وأما المرأة فلم يختلف في أنها أم كجّة بضم الكاف وتشديد الجيم، إلا ما حكى أبو موسى عن المستغفريّ أنه قال فيها: أمّ كحلة، بسكون المهملة بعدها لام، وإلا ما تقدّم أنها بنت كجة في روايتي ابن جريج، فيحتمل أن تكون كنيتها وافقت اسم أبيها، وأما ابنتها فيستفاد من رواية ابن جريج أنها أم كلثوم..."
· المعنى الجملي للآية: [الإجمالي]
كل من أدلى للميت بقرابة أو زوجية أو ولاء فله الحق في الميراث . الكل سواء في ذلك ولا يحق التفريق بينهما ؛ ومن فرق بينهم فأعطي أحد الورثة ومنع الأخر فقد جانب الصواب ؛ فكلهم يستوون في أصل الوراثة وَإِنْ تَفَاوَتُوا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ لان النسب لحمه واحده
· -وجه تسمية الوالد والدا
سمى الله عز وجل الأب والداً لأن الولد منه ومن الوالدة وللاشتراك جاء الفرق بينهما بالتاء.
[فاتكِ دلالة الفصل بين الرجال والنساء في الآية، نص عليها ابن كثير ضمن حكايته لقول سعيد بن جبير وقتادة، ولأن المفسرين الثلاثة لم يفصلوا كثيرًا في مسائل هذه الآية فيحسن هنا أن تستخرجي ما ترين من مسائل من الآية نفسها وأضيفيها لمسودة بحثكِ بحيث يمكنكِ الرجوع إليها بعد ذلك وتحريرها من تفاسير أخرى]
· إعراب { نصيباً }
[في قوله تعالى:{ نصيبًا مفروضًا}]
-قيل نصب على الحال وهو قول الزجاج والمكي كما عند ابن عطية.
قال الزجاج :" المعنى لهؤُلاءِ أنْصِبة على ما ذكرناها في حال الفرض"
و الغرض منه تأكيد الكلام " لأنقوله - جل ثناؤُه - (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ. . .) معناه: إنَّ ذلك مفروض لهنَّ.." ذكره الزجاج
-وقيل نصب على أنه واقعٌ موقعَ المصدر ،وقد يُعبر عنه ( منصوبٌ على المصدرِ المؤكد) والعاملُ فيه معنى ما تقَّدم ، إذ التقديرُ : عطاءً أو استحقاقاً .
قال ابن عطية :" وإنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال ، تقديره : فرضاً لذلك جاز نصبه ، كما تقول : لك عليَّ كذا وكذا حقاً واجباً ، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب ، ولكان حقه الرفع ."
قال الله تعالى :( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا) [النساء : 8]
علوم الآية:
· مقصد الآية :
إبقاء المودة والصلة والتراحم مع ذوي القربى والرحم و كذا جعل المجتمع كالحمة الواحدة وقطع كل أسباب التشتت والتقطع بينهم حتى أن الآية تحث على مراعاة النفس البشرية وتتطلعها لما عند غيرها ؛فكل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر .
[حاولي اختصار العبارة]
· النسخ في الآية:
أمر من الله عزوجل أنه إذا حضر قسمة الميراث ذوى القرابة ممن ليس بوارث وكذا المساكين واليتامى أن يُجعل لهم شيء من التركة برا بهم وصدقة عليهم و إحسانا إليهم جبرا لقلوبهم
واختلف أهل العلم هذا هل هذا الحكم نسخ أو محكم على أقوال:
أولا : الآية نسخت
إعطاء ذوى القرابة واليتامى والمساكين جزء من مال التركة كان قبل الإسلام ثم نسخ بآية المواريث و آية الوصية.
وهو قول [رواية عن ابن عباس] ابن عباس ؛عكرمة؛ أبي الشعثاء؛ القاسم بن محمد ؛عطاء الخرساني ؛ ربيعة بن أبي عبد الرحمان؛ سعيد بن المسيب؛ الضحاك؛ عامر الشعبي؛ أبي صالح؛ أبي مالك
محمد ابن شهاب الزهري زيد ابن أسلم الكلبي؛ الليث بن سعيد؛ يحي بن سلام
-عن سعيد بن المسيب أنه قال : إنها منسوخة ، كانت قبل الفرائض ، كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حَضروا القسمة ، ثم نسخ بعد ذلك ، نسختها المواريث ، فألحق الله بكل ذي حَق حقه ، وصارت الوصية من ماله ، يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء .
قال يحي بن سلام: وهو قول العامة أنها منسوخة" كما في تفسير ابن أبي زنيم
[زمنين !]
قال ابن كثير: وهذا مذهب جُمْهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم .
التخريج:
قول ابن عباس:
-رواه النحاس في ناسخه من طريق مجاهد
[عنه]
-ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي
-ورواه ابن أبي حاتم من طريق عطاء
قول عكرمة ؛ أبي الشعثاء؛ القاسم بن محمد ؛عطاء الخرساني ؛ ربيعة بن أبي عبد الرحمان. عند ابن أبي حاتم معلقا
قول سعيد بن المسيب؛ رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في السنن من طريق قتادة
وكذا رواه يحي بن لاسم كما في تفسير ابن أبي زنيم
ورواه أبو داوود في ناسخه كما عند السيوطي
ب أبي
قول الضحاك: رواه ابن جرير من طريق جويبر وعلقه ابن أبي حاتم.
قول أبي صالح: أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي وعلقه ابن أبي حاتم
قول أبي مالك : أخرجه ابن جرير من طريق سفيان عن السدى عن أبي مالك
قول زيد ابن أسلم ؛ رواه ابن وهب في جامع التفسير من طريق القاسم بن عبد الله بن عمر وعلقه ابن أبي حاتم
قول محمد ابن شهاب الزهري رواه ابن المنذر من طريق يونس وعلقه ابن أبي حاتم
قول الكلبي :علقه عبد الرزاق في تفسيره
قول الليث بن سعيد أخرجه ابن وهب في الجامع
الآية محكمة:
الآية محكمة لم يتم نسخها وهؤلاء انقسموا فرقين
-الفريق الأول:
إعطاء ذوى القرابة واليتامى والمساكين من التركة حكم باق لم ينسخ منه شيء ؛ وهو قول عبد الله بن مسعود و ابن عباس و سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي و الحسن البصري عروة ابن الزبير و يحي بن يعمر ومجاهد أبي العالية ومحمد بن سرين وعامر الشعبي مكحول الشامي وعطاء محمد ابن شهاب الزهري وهو ظاهر كلام الزجاج
عن سعيد بن جبير في قوله : { فارزقوهم منه } : يقول للورثة أعطوهم من الميراث ، وليس بشيء موقوف فيعطون قبل القسمة فيقسم الميراث .
عن الحسن البصري هي ثابة ولكن الناس بخلوا و شحوا
قال أبو إسحاق الزجاج وقد أجمعوا أن الأمر بالقسمة من الميراث للقرابة والمساكين واليتامى قَد أمِر بهما، ولم يجمعوا على نسخها، والأمر في ذلك على ما أجْمعَ عَليْه، واللَّه أعلم.
تخريج الأقوال
عن عبد الله بن مسعود مرفوعا :" من ختم عملَه ، فلم يرضخ لقرابتِه ممن لم يرِثُه ؛ ختم عملَه بمعصيةٍ . قال ابنُ مسعودٍ : اقرأوا إن شئتم وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوْا الْقُرْبَى الآيةُ. اخرجه ابن جميع في معجم الشيوخ
قال الشيخ الألباني في (الضعيفة) منكر الحديث
قول ابن عباس: أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن من طريق عكرمه عن ابن عباس : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، {وَإِذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُو القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينُ}، قَالَ: «هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ» تَابَعَهُ سَعِيدٌ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لفظ البخاري
-وأخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق مقسم عن ابن عباس
-وأخرجه سعيد ابن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس
وأخرجه عبد بن حميد وأبي داوود في ناسخه كما عند السيوطي
- عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ، وَلاَ وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ، هُمَا وَالِيَانِ، وَالٍ يَرِثُ وَذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ، وَوَالٍ لاَ يَرِثُ، فَذَاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ " لفظ البخاري
-قول سعيد بن جبير: رواه عبد الرزاق و ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي من طريق قتادة
وذكره يحي بن سلام في تفسيره كما في تفسير ابن زمنين
وأخرجه أبو داود في ناسخه كما عند السيوطي
-وأخرجه ابن جرير من طريق أبي بشر وعلقه ابن أبي حاتم
قول إبراهيم النخعي: أخرجه ابن المنذر وابن جرير من طريق مغيرة
قول الحسن البصري أخرجه ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يونس وأخرجه ابن جرير من طريق مطر وذكره يحي بن سلام كما في تفسير ابن ابي زمنين
قول عروة ابن الزبير أخرجه ابن المنذر من طريق هشام
قول و يحي بن يعمر أخرجه ابن المنذر .
قول ومجاهد أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه من طريق ابن أبي نجيح وأخرجه عبد بن حميد و أبو داوود في ناسخه كما عند السيوطي
- وقوله أبي العالية ومحمد بن سرين وعامر الشعبي مكحول الشامي وعطاء عند ابن أبي حاتم معلقا
قول محمد ابن شهاب الزهري أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والنحاس وابن حزم في المحلى عن طريق معمر عن الزهري
ثم اختلف هؤلاء هل العطية على الوجوب أم على الندب على قولين
قيل هي على الندب والحجة في كون الطلب للندب فمن تركه فلا حرج عليه لأنه ليس في الصدقات الواجبة سوى الزكاة و أنه غير مقدر ، والفرض الذي يكون لازما من المال لا بد أن يكون مقدرا . .
وقيل" لَوْ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ لَاقْتَضَى اسْتِحْقَاقًا فِي التَّرِكَةِ وَمُشَارَكَةً فِي الْمِيرَاثِ بِجِهَةٍ مَجْهُولَةٍ فَيُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ وَالتَّقَاطُعِ" ذكره ابن حجر في الفتح
وقيل بل هي للوجوب ثابتة كثبوت حق الورثة ، وعدم التقدير فيه ليس إجمالا ، بل ترك الأمر فيه إلى الورثة أو إلى القاضي أومن يتولى قسمه التركة
· المخاطب بالآية
وعلى هذا القول يكون المخاطب الآية الورثة أنفسهم
· المراد بالقسمة:
وعلى هذا القول يكون المراد بالقسمة قسمة تركة الميت (الميراث)
· .المراد أولو القربى
ذوى القرابة أي أقارب الميت مما ليس بوارث..وحسب ظاهر كلام ابن عطية هو الضعفاء منهم خاصة
· معنى أولوا:
اسم جمع لا واحد له من لفظه ؛ قال ابن عطية :" ولا يكون إلا مضافاً للإبهام الذي فيه ، وربما كان واحده من غير لفظه :_ ذو_ "
· معنى اليتيم
سمي من فقد أباه يتيما لانفراده إذ إن اليُتم في اللغة الانفراد ؛واليتيم الفرد..ابن عطية
· معنى حضر:
شهد ؛ حضور شهود
· مفهوم الشرط في قوله "إذا حضر"
ذهب ابن عطية أن ذلك لا مفهوم له ؛فلا يشترط لإعطاء الأصناف الثلاثة شيء من قسمة الميراث حضورهم بل يعطون ذلك بمجرد علمهم بالقسمة وإن غابوا عن مجلس القسمة وعلل ذلك بنظرة مقاصدية أن علة إعطاء نصيب من التركة لأولئك الأصناف هو الضعف واليتم والمسكنة حيث وجدت العلة كان العطاء قال رحمه الله :" إلا أن الصفة بالضعف واليتم والمسكنة تقضي أن ذلك هو علة الرزق ، فحيث وجدت رزقوا وإن لم يحضروا القسمة"
وذهب الإمام الشافعي أن مفهوم الشرط معتبر فليس من حضر كم لم يحضر ؛ مثل ما يقال: أكرم الضيف الذي حضر عنك ولا يقال : أكرم من لم يحضر عندك؛ قال رحمه الله :" . ولهذا أشباه وهي : أن تضيف من جاءك ، ولا تضيف من لا يقصد قصدك ولو كان محتاجا ، إلا أن تطوع ." اهـ
فالآية خصت الأمر بإعطاء جزء من الوصية من حضر لشهود القسمة من الأصناف الثلاثة؛
قال رحمه الله :" فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة . ولم يكن في الأمر ـ في الآية ـ أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر "
مرجع الضمير قوله : { فارزقوهم } وفي قوله : { لهم }
عائد على الأصناف الثلاثة .
· معنى فارزقوهم:
-أعطوهم منه ذكره الزجاج أي-أعطوهم من مال القسمة ينفقون منه؛ويسدون منه حاجاتهم.
وقيل : أطعموهم أيأن يصنع لهم طعام يأكلونه وهو قول ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين وفعلا ذلك ، ذبحا شاة من التركة
تخريج:
قول أبي عبيده أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن سيرين
وقول ابن سيرين أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يونس
· مرجع الضمير في "منه"
يرجع الضمير في قوله تعالى "فارزقهم [فارزقوهم] منه" إلى التركة يعطوا منها.
· نوع المال الذي يعطون منه
قيل الذي يعطوا منه المال المتنقل أما إذا كانت التركة العقارات فلا يعطوا منه
قال الزجاج :" قال الحسن رحمة اللَّه عليه، والنخَعِي: أدركنا الناس وهم يَقْسِمون عَلى القَرَاباتِ والمساكين. واليَتَامَى من العَين، يَعْنيانِ الوَرِقَ، والذهَبَ، فإذا قُسِمَ الوَرِق والذهب وصارت القسمةُ إلى الأرَضِين والرقيق وما أشبَهَ ذلك؛ قالوا لهم قولاً معروفاً. كانوا يقولون لهم: بورك فيكم. " اهـ
وأضاف القرطبي قيد آخر وهو أن العطية في حال سعة المال التركة و كثرته أما في حال قلته فلا يعطو منه بل يقال لهم قولا معروفا قال :" إن كان المال كثيرا ، والاعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليلا لا يقبل الرضخ "
تخريج
قول الحسن أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وذكره يحي بن سلام كما في تفسير ابن أبي زمنين
· المراد والقول المعروف :
كل ما يؤنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك . ذكره ابن عطية فحمله على العموم
فهو كل قول لا أذية فيه ولا منه ولا يخدش في الكرامة قال الزمخشري( وان يلطفوا لهم القول ، ويقولوا خذوا بارك الله عليكم ، ويعتذروا إليهم ، ويستقلوا ما أعطوهم ، ولا يستكثروه ولا يمنوا عليهم )
· مسألة لو كان الوارث صغيرا
اختلف أهل العلم لو كان الوارث صغيرا هل يعطى وليه من ماله للأصناف ثلاثة أم لا؟
قيل أن الوارث لا يحق له أن يتصرف في مال الوارث الصغير فلا يعطى للأصناف الثلاثة شيئا بل يقول لهم قولا معروفا
وقيل بل الأمر راجع لولي الوارث الصغير يعطي من مال محجوره بقدر ما يرى
لأن ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار ، فإن كانوا كباراً تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغاراً أعطى وليهم
الفريق الثاني :
الآية محكمة لكن المراد بها الوصية
أمر بالوصية لهم ؛أمر للميت أن يوصي قبل موته للأصناف الثلاثة؛ فيكون مأمورا بأن يعين لمن لا يرثه شيئا
وهو قول عائشة وابن عباس و سعيد بن المسيب ابن زيد
وقد جعلها الزجاج من المنسوخ قال :" وقال قوم: نَسَخَ الأمَرَ للمَسَاكينِ ومَنْ ذُكرَ في هذه الآية الفَرضُ في
القِسْمَةِ، وإِباحةُ الثلث للميِّتِ يجعله حيث شاءَ."
تخريج الأقوال
قول عائشة وابن عباس أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي
وأخرجه عبد بن حميد وأبو داود كما عند السيوطي
عن ابن أبي مليكة أن أسماء ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر والقاسم بن محمد أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية ، قال : فلم يدع في الدار مسكينا ، ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه ، قال : وتلا : { وإذا حضر القسمة أولوا القربى } الآية ، قال القاسم : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أصاب ، ليس ذلك له إنما ذلك للوصية ، وإنما هذه الآية في الوصية يريد الميت أن يوصي لهم .
قول سعيد بن المسيب أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق داود
قول ابن زيد أخرجه ابن وهب من طريق عبد الله بن عياش عن زيد بن أسلم قال القسمة الوصية، جعل الله للميت جزء من ماله يوصي به لمن يشاء إلى من لا يرثه.
· المخاطب بالآية
وعلى هذا القول يكون المخاطب في الآية صاحب المال إذا تيقن من قرب أجله
· المراد بالقسمة:
والمراد بالقسمة على هذا القول قسمة الوصية
************
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) [النساء : 9]
· معنى اللآم في ( وليخش)
اللام :لام الأمر الجازمة للفعل المضارع ؛ ولا يجوز إضمار هذه اللام عند سيبويه قياسا على حروف الجر إلا في ضرورة الشعر
· متعلق "وليخش"
حذف مفعول يخش لدلالة الكلام عليه.
وحسن حذفه ليعم جميع أنواع ما يصح أن يخشى ويتخوف منه
"التخويف بالله تعالى . والتخويف بالعاقبة في الدنيا ، فينظر كل متأول بحسب الأهم في نفسه " ابن عطية
· معنى الذرية
في لفظ " الذرية" لغتان : ضم الدال [الذال] وهي الأجود؛ ويجوز كسرها وقرء بها في الشواذ
-والذُرية بضم الذال منسوبة إِلى الذر، وهي فُعْلِيَّة منه.
قال الزجاج :"ويجوز أن يكون أصلها ذُرُّورَة، ولكن الراءَ أبدلت ياء وأدغمت الواو فيها"
فأما "ذّرية " بكسر الذال فذلك لأجل كسر الراء كما قالوا في عُتَي: عِتي. ذكره الزجاج
· معنى ضعافا
قال الزجاج :"وضِعَاف جمعَ ضعيف وضعيفة، كما تقول ظَريف وظِراف وخبيث وخباث. وإن قيل ضُعفاءُ جاز، تقول ضعيف وضُعفاءُ.اهـ
وقرأ حمزة وحده كلمة "ضعافا".بإمالة العين
قال أبو علي في وجهها : أن ما كان على " فعال " وكان أوله حرفا مستعليا مكسورا ، نحو ضعاف ، وقفاف ، وخفاف ؛ حسنت فيه الإمالة ، لأنه قد يصعد بالحرف المستعلي ، ثم يحدر بالكسر ، فيستحب أن لا يصعد بالتفخيم بعد التصوب بالكسر ، فيجعل الصوت على طريقة واحدة" اهـ كما عند ابن الجوزي
· جواب "لو "
خافوا جواب "لو" أي لو تركوا لخافوا ؛ ولم يقترن جواب "لو" ب اللام لأنه يجوز حذف اللام في جواب "لو"
والغالب على الفعل المثبت -غير المنفي- دخول (اللام) عليه نحو قوله سبحانه قد يتجرد منها،
وأمال حمزة وحده كلمة " خافوا "
قال ابن عطية: والداعي إلى إمالة { خافوا } الكسرة التي في الماضي في قولك : خفت ليدل عليها"اهـ
· معنى "قَوْلا سَدِيدًا"
القول السديد المصيب للحق
· المخاطب بالآية
اختلف أهل العلم ف المخاطب بالآية على أقوال:
القول الأول ::أنه خطاب للحاضرين عند الموصي . وفي معنى الآية على هذا القول قولان :
أحدهما : وليخش الذين يحضرون ميتا يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله فيمن لا يرثه ، فيفرقه ، ويترك ورثته ، كما لو كانوا هم الموصين ، لسرهم أن يحثهم من حضرهم على حفظ الأموال للأولاد ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، زيد ابن أسلم ؛ ومقاتل .
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر و ابن أبي حاتم والبهقي في سننه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم من طريق المبارك عن الحسن
قول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن دينار عنه
قول مجاهد أخرجه سعيد بن منصور وآدم كما في تفسير مجاهد وابن جرير والبيهقي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به
وأخرجه ابن المنذر من طريق بن جريج عن مجاهد به
قول الضحاك أخرجه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك به
قول قتادة : أخرجه ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة
وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن طريق معمر عن قتادة
قول السدي أخرجه ابن جرير من طريق أسبط عن السدي
قول زيد أخرجه ابن وهب في الجامع عن طريق يعقوب عن زيد بن أسلم.
والثاني : على الضد من هذا القول ، وهو أنه نهي لحاضري الموصي أن يمنعوه من الوصية لأقاربه ، وأن يأمره بإمساك ماله والتحفظ به لولده ، وهم لو كانوا من أقرباء الموصى لآثروا أن يوصي لهم ، وهو قول مقسم ، وسليمان بن المعتمر التيمي
تخريج الأقوال:
قول مقسم وأخرجه سفيان الثوري وعبد الرزاق وابن جرير من طريق حبيب ابن أبي ثابت عن مقسم
قول سليمان أخرجه ابن جرير من طريق ابنه المعتمر
والقول الثاني: أنه خطاب لأولياء اليتامى أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم ، كما يحبون أن يكون ولاة أولادهم الصغار من بعدهم في الإحسان إليهم لو ماتوا وتركوا أولادهم يتامى صغاراً ، وهو مروي عن ابن عباس . وهو قول الكلبي كما في تفسير الثعلبي وتفسير البغوي وهو اختيار ابن كثير
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس
القول الثالث: المراد به جميع الناس والمعنى أنه من خشي على ذريته من بعده ، وأحب أن يكف الله عنهم الأذى بعد موته ، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً ، وهو قول أبي بشر بن الديلمي
تخريج الأقوال:
قو أبي بشر الديلمي أخرجه ابن جرير من طريق يحي بن أبي عمرو السيباني
ترجيح:
جمع الزجاج بين القول الأول وهو أن يُقال للمحتضر قدم لنفسك و أعط فلان وفلان ويؤذي الورثة وبين القول الثاني وأن المراد بالآية ولاية اليتيم
قال رحمه الله :وكلا القولين جائر حسن"
ثم اعتبر رحمه الله أن هذا الحكم منسوخ بآية الفرائض قال: ألا أن تسميةَ الفرائض قد نَسخَ ذلك بما جعلَ من الأقسام للأولادِ وذَوِي العصبةِ.اهـ
أما ابن عطية اختار القول الأول وجمع بين تلك الحالين باعتبار أن الناس صنفان يصلح لأحدها الحال الأولي ويصلح للآخر الحال الثانية قال رحمه الله :" وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدم لنفسه ، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين ، فالمراعى إنما هو الضعف ، فيجب أن يمال معه" اهـ
أما ابن كثير فقد اختار القول الثاني وأن المراد بالآية ولاية اليتيم بدلالة السياق فإن الآية التي بعد هذه الآية تحذر من أكل أموال اليتامى
قال رحمه الله :" وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، يَتَأَيَّدُ بِمَا بَعْدَهُ مِنَ التَّهْدِيدِ فِي أَكْلِ مَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا، أَيْ: كَمَا تُحِبُّ أَنْ تُعَامَلَ ذَرِّيَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَعَامِلِ النَّاسَ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ إِذَا وَلِيتَهُمْ. ثُمَّ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَالَ يَتِيمٍ ظُلْمًا فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} اهـ
[بارك الله فيكِ، أرى - والله أعلم - أن تقدمي في مسائل هذه الآية مسألة " المخاطب بالآية " ثم معنى اللام، ومعنى يخشى ومتعلق الخشية ....
وتفصلي مسألة المخاطب عن مسألة المراد بالقول السديد بداية، ثم إذا أردتِ تحرير مسألة المراد بالقول السديد يمكنكِ الإحالة على مسألة المخاطب بالآية]
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء : 10]
· نزول الآية:
في نزول الآية أقوال:
أولا:نزلت في أهل الشرك الذين كانوا لا يورثون النساء والصغار ، ويأكلون أموالهم
تخريج القول:ابن زيد
أخرجه ابن جرير من طريق ابنه عبد الرحمان
وأخرجه ابن جرير من طريق بن وهب كما عند السيوطي
ثانيا:نزلت في الأوصياء الذي يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم ، وهي تتناول كل آكل وإن لم يكن وصياً وهو قول جمهور العلماء كما ذكر ابن عطية
ذكر الواحدي في أسباب النزول قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ زَيْدٍ، وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ."
ولفظ الآية عام فتعم وتشمل كل من آكل ما اليتيم ظلما وإن لم يكن وصيا ؛فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب و هذا ما ذهب إليه ابن عطية
ولما نزلت هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}..أمسك الناس أموال الأيتام فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه، وماله من ماله وشرابه من شرابه، قال: فاشتد ذلك على الناس؛ فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} ذكره ابن كثير
· القراءات: فرش "سَيَصْلَوْنَ" قرأت [قُرئت] بقراءتين
- قراءة جمهور القراء «وسيَصلون » على إسناد الفعل إليهم . ونظيره قوله تعالى :"{ {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] ، وقوله :{ لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأَشْقَى } [ الليل : 15 ] . وقوله { { اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [يس: 64]
-وقرأ ابن عامر بضم الياء و أبو بكر عن عاصم ، و «سيُصلون » بضم الياء .على ما لم يسم فاعله . أي بضمِّ الياء مبنياً للمفعول من الثلاثي .لم يضف الفعل إليهم حقيقة ؛ والمعنى يُدخلون النار ويُحرقون نظيره ، قوله : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [ المدثر : 26 ] وقوله :{ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً } [ النساء : 30 ] .
القراءتان سبعيتان صحيحتان
وقرئ في الشواذ ( وسيُصلّون ) بضم الياء وتشديد اللام ، من التصلية ، لكثرة الفعل ، أي مرّة بعد مرّة ، دليله قوله : { ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ } [ الحاقة : 31 ] .
وقرئ أيضا ( و سيُصلُون ) بضم الياء واللام مبنياً للفاعلِ من الرباعي أصلي .
· المعنى الإجمالي:
تغليظ وتخويف من الله في أمر أكل أموال اليتامى ظلم أوعد من فعل ذلك بالعذاب السعير
وهذه الآية من مثل جملة من الآيات والأحاديث المحذرة من أكل مال اليتيم.
-ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اجْتَنبوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، والسِّحْر، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، والتولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ".
· دلالة التعبير ب "يأكلون"
سمى أخذ مال اليتيم بأي وجها أكلا ؛ لأن هو الغالب والأكثر في أخذ الأموال ..وهو الغاية والقصد من الأموال ..ذكره ابن عطية
· دلالة ذكر لفظ "البطون"
والتنصيص على ذكر لفظ البطن رغم أن لفظ "يأكلون " يقتضي ذلك لقصد بيان نقصهم ، والتشنيع عليهم بضد مكارم الأخرق ، من التهافت بسبب البطن ، وهو أنقص الأسباب وألأمها حتى يدخلوا تحت الوعيد بالنار .ذكره ابن عطية
· المراد بأكل اليتامى ظلما
المراد به ما جاوز المعروف مع فقر الوصي ذكره ابن عطية.
ويفهم من تقييد ب "الظلم" أن مال اليتيم إن أُخِذَ منه على قدْرِ القيامِ له ولم يُتجاوزْ ذلك جاز. قاله الزجاج
ثم ذكر الزجاج أن الأفضل أن لا يقرب مال اليتيم إلا قرضا وإن أخذ على قدر الحاجة وعلى قدر نفعه فلا حرج عليه قال رحمه الله :" بل يستظهر فيه إن أمكن ألا يُقْرب ألبتَّةَ لشدة الوعيد فيه، بأنْ لا يْؤكل
منه إِلا قرْضاً، وإن أُخِذَ القَصْدُ وقَدْرُ الحاجةِ على قَدْر نَفْعِه فلا بأس إن شاءَ الله."
· "يأكلون في بطونهم نارا " على الحقيقة
اختلف أهل العلم في قوله تعالى "{يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا } هل هو على الحقيقة أم لا
قولان في ذلك:
-قيلالمعنى أنه لما يؤول أكلهم للأموال إلى دخولهم النار.
وقيل بل هو على الحقيقة أي أنهم يطعمون النار ، ومسندهم في لك أحاديث ، منها حديث أبي سعيد الخدري قال : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به ، قال ، رأيت أقواماً لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار ، تخرج من أسافلهم ، قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً " أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم
· معنى الصلي
والصلي هو مباشرة النار أو التسخن بقربها
ومنه قول الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها ، علم الله . . . وإني بحرِّها اليوم صال
قال ابن عطية :" "والمحترق الذي يذهبه الحرق ليس بصال إلا في بدء أمره ، وأهل جهنم لا تذهبهم فهم فيها صالون"
· معنى السعير
«والسعير » : الجمر المشتعل
· الوعد والوعيد
الأصل أن الوعد يكون في الخير ؛ والوعيد يكون في الشر هذا هو عرفهما إذا أطلقا لكن قد يخرج عن هذا الأصل في بعض الأحيان ؛ فيستعمل الوعد في الشر مطلقا كقوله تعالى " { "النار وعدها الله الذين كفروا}
· الآية من آيا ت الوعيد
هذه الآية من آيات الوعيد التي توعد الله بها عباده العاصين
· آيات الوعد و الوعيد عند أهل السنة والجماعة
ومعتقد أهل السنة أن من توعده الله بشيء من العذاب فذاك أمره إلى الله قد يناله ذلك الوعيد وقد يفغر الله له فيسقط عنه العذاب لما له من أسباب المغفرة. وأسباب المغفرة كثيرة ؛ فهو تحت المشيئة
و أما من وعده الله بشيء من الأجر والثواب فهو ملاق لا محالة فإن الله لا يخلف وعده
-فآيات الوعد في المؤمنين الطائعين ومن حازته المشيئة من العصاة ، وآيات الوعيد في المشركين ومن حازه الإنفاذ من العصاة ، والآية الحاكمة بذلك قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لما يشاء } فيها بيان أن هناك ثمة ذنب مغفورا له وآخر غير مغفور له
· آيات الوعد و الوعيد عند المعتزلة
أما المعتزلة فعندهم أن آيات الوعد كلها في التائبين والطائعين ، وآيات الوعيد في المشركين والعصاة بالكبائر. وقال بعضهم : وبالصغائر يعنى كل من توعده الله بعذاب ولم يتب فهو لاق عذابه لا محالة
فعندهم أن الله عزوجل الله يفعل ما وعد به وتوعد عليه، لا محالة؛ ولا يجوز عليه الخلف والكذب.
وهذا مبني على أصل من أصولهم الخمسة يسمى الوعد والوعيد
ولا حجة لهم في قوله تعالى قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لما يشاء } أن لمن يشاء يراد به التائبين .
لا حجة لهم في ذلك لأن " الفائدة في التفضيل كانت تنفسد ، إذ الشرك أيضاً يغفر للتائب ، وهذا قاطع بحكم قوله { لمن يشاء } بأن ثم مغفوراً له وغير مغفور ." قاله ابن عطية
· آيات الوعد و الوعيد عند المرجئة
أما المرجئة فآيات الوعد كلها فيمن اتصف بالإيمان الذي هو التصديق ، كان من كان من عاص أو طائع ، وهذا مبني على أصلهم أن الإيمان شيء واحد في القلب لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص