مجلس مذاكرة القسم الخامس عشر من تفسير سورة البقرة :206-218.
المجموعة الثانية :
ج1:- تفسير قوله تعالى " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ....والله لا يحب الفساد" ،
يخبر الله سبحانه وتعالى في الآية " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ":- عن فئة من الناس يمشي على وجه الأرض مبالغاً في الإفساد في أمور الدنيا ، ويتعمد الإفساد في مناحيها وقصد إلقاء الضرر والسوء بالناس بقطع الطريق ،وجعل يسعى بحيله وإرادته الدوائر على الإسلام وأهله ،فيلحق الضرر بهم حقداً منه ،ورغبة في محو الإسلام وطمس نورة ، وإبعاد الناس عن هدايته وتوفيقة ، " ويهلك الحرث والنسل " :- أي : يتعمد أن يلحق الخراب والأذى بالنساء بالاعتداء عليهن وبالأولاد ونشر الفتنة والدمار ، وكذلك إحراق الزرع والثمار ،وقتل الحيونات مما يلحق الضرر بالناس وتتعطل مصالحهم الحياتية ، بسبب حجب محل النماءات من الزروع والثمار والنخيل وقطع نتاج الحيونات ، " والله لا يحب الفساد " ،أي :لا يحبه من أهل الصلاح ، أي لا يحبه دينا ، وإلا فلا يقع إلا ما يحب الله وقوعه ، والفساد واقع ، والحب لله على إرادة جزمه إيثار ،والحب من الله إنما هو لما حسن من جميع جهاته ، فالله لا يحب من كانت صفته الإفساد في الأرض وإلحاق الأذى بأهلها ، ولا يحب من يصدر منه ذلك .
ج2:- تحرير القول في قوله " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ":- ورد في المراد بالآية ثلاثة أقوال :- أولاً :- القول الأول :-
أ:- وهو قول :- الضحاك عن ابن عباس ، ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والربيع والسدي ، ومقاتل بن حيان ، وقتاده والربيع .
ب:- والقول هو أن المراد :- جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم و المعنى : الثبوت فيه ،والزيادة من التزام حدوده، ويستغرق كافة المؤمنين ،وجميع أجزاء الشرع ، فيكون ذلك من شيئين ، نحو " فأتت به قومها تحمله " ،وذكر بعض أهل اللغة : أن يكون أمرهم وهم مؤمنون أن يدخلوا في الإيمان ، أي : بأن يقيموا على الإيمان ،ويكونوا فيما يستقبلونه ،كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله ..." .
أدله هذا القول :- قراءة السلم بفتح السين وكسرها ، فقيل هما بمعنى واحد ، يقعان بالإسلام والمسالمة ، وخالف الطبري أنها للإسلام وليس للمسالمة ،لأن المؤمنين لم يقعوا قط بالانتداب للدخول بالمسالمة .
القول الثاني :وهو قول عكرمة ، وهو أن المراد بالمخاطب :من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفة وغيرهم ، لأنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل ، فأرادوا استعمال شيء من أحكام التوراة وخلطه بالإسلام ،فنزلت الآية .
فكافة على هذا الإجزاء الشرع فقط .
واعترض ابن كثير على إيراد عبدالله بن سلام مع هؤلاء وأن في ذلك نظر ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت ، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعة وبطلانه والتعويض عنه بأعياد المسلمين .
فأمرهم الله أن لا يستثنوا شيئاً مما كان في التوراة بزعمهم ، ويدخلوا في جميع شرائع الإسلام كاملة ،
واستدلوا بما رواه ابن أبي حاتم بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " قرأها بالنصب ، يعني مؤمنى أهل الكتاب ، فإنهم مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة ، فقال : ادخلوا في شريعة دين محمد كلها ،ولا تدعوا فيها شيئًا ،وحسبكم بالإيمان بالتوراة وما فيها .
وذكر الزجاج أن كلا القولين جائز ، هذا وما سبقه من القول الأول " لأن الله قد أمر بالإقامة على الإسلام " فقال “ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ".
القول الثالث :- وهو قول ابن عباس :-
وهو أن المراد :- أن الآية نزلت في أهل الكتاب والمعنى :- يا من أسلم بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة ،
فكافة على هذا الإجزاء الشرع و للمخاطبين ، على من يرى السلم الإسلام ، ومن يراها المسالمة يقول : أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية ، وكافة : أي جميعنا .
والذي يظهر أن الآية نزلت على العموم ، للجميع سواء المؤمنين بالنظر إلى الاستدامة والاستمرار فيما هم فيه من الإيمان ، أو المؤمنين من أهل الكتاب الذين كان منهم استبعاد شيء من التوراة ، فأمرهم الله أن يكفوا عن ذلك ، ويلتزموا بشريعة محمد عليه السلام ،ويكتفوا من التوراة بالإيمان منها دون شرائعها لأنه محرفة ، كما يدخل القول الثالث في الخطاب لأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بدعوتهم ابتداء للدخول بالإسلام ، بل ولكل إنسان على وجه الأرض من أهل الكتاب أو من غيرهم .
ج3:- رسالة مختصرة بالأسلوب الوعظي في تفسير قوله تعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة..." 214 ،
يخاطب الله سبحانه وتعالى عبادة المؤمنين بأن ثمن الجنة غالي ، وأنه لا بد للعبد أن يتقرب إلى الله جل وعلا - بأنواع الفرائض والنوافل ، لكي يدفع ثمن الجنة الغالي ، وهذا الأمر ديدن الأمم من قبلنا الذين صبروا وتحملوا ما جاءهم من أذى ،وصبروا إبتغاء رضوان الله ،تمسكا بالتوحيد والعقيدة الصحيحة ، حيث ورد أن الآية نزلت في غزوة الخندق و ما أصاب المسلمون من جهد وشدة خوف وبرد وضيق، وأنواع الأذى ،قال تعالى وبلغت القلوب الحناجر " ،فهل ظننتم أن تدخلوا الجنة بدون هذا ؟ ممن قبلكم مستهم الأمراض والفقر والشدة والبلاء، وحركوا بأنواع البلايا والرزايا ،وهي سنة الله التي لا تتبدل ولا تغيير " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنت الله تبديلاً" ،وشبه انزعاجهم بالزلزلة التي تكاد تهد الأرض وتدك الجبال من فظاعتها وتأثيرها على القلوب والنفوس ، وفي البخاري من حديث خباب عندما شكوا أمرهم إلى الرسول فقال :" قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفز له في الأرض ،فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ..فما يصده عن دينه" ،" حتى يقول الرسول " عندما ينتهي أمرهم من الشدة إلى حيث اضطرهم الضجر إلى أن يقول الرسول وهو أوثق الناس بنصر الله متى يأتينا " نصر الله " طلباً وتمنيًا له واستطالة لمدة الشدة والعناء ، وفيه إشارة إلى أن الوصول إلى النصر والظفر
لا يمكن الإ برفض اللذات ومكابدة المشاق ،والتوكل على الله والاستعانة به في كل المواقف ،والخوف والرجاء به سبحانه في جميع الأحوال كما قال الرسول عليه السلام: " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " ، فإن اليسر مع العسر ،قال تعالى "فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسراً" ، ثم يبشر الله سبحانه عبادة بالنصر القريب وبالفرح العاجل : "ألا إن نصر الله قريب " بعدما حصل لهم من القوارع والصوارع ما ملأ القلوب رعبًا ، وفيه إكرام وإفضال على هذه الأمة من قرب النصر , وقد كان في عهد النبي عليه السلام فتح مكة ، والبشارة قائمة لأمة محمد عليه السلام إلى قيام الساعة ، والله المستعان وعليه التكلان وحسبنا الله ونعم الوكيل ،