المجلس 7
مجلس مذاكرة القسم الثاني من سير أعلام المفسرين،
سيرة تعريفية بالمفسر الصحابي
عبدالله بن عمرو بن العاص
هو الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي يكنى بأبي محمد ،
وأمه :ريطة بنت الحجاج السهمية، كان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنه، (1) وهذا يدل أن والده تزوج وعمره ثلاث عشرة سنة ، علم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فبادر إلى الإسلام ، حيث أسلم قبل أبيه ، وهاجر الى المدينة ، لا يألوا على أحد ، طلبا لمرضاة الله سبحانه ، وتحقيقا للتوحيد ،وحرصا على الهداية والاستقامة فلم يمنعه عن ذلك شي.
حفظ القرآن الكريم ، وتدبر معانيه حتى عمر قلبه ، ونتق فكره ، وبز بخلقه ،كان طويلًا أحمر الوجه ، عظيم الساقين أصابه العمى آخر عمره ،
عاش حياته في المدينة عيشة نافعة ،اهتم خلالها بطلب الحديث وسماعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حدث وروى سبعمائة حديث ، اتفق الشيخان على سبعة أحاديث ،ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم منه علما جما ، وكان يتبع العلم بالعمل (3) ،
وكان مما ساعده على حمل الحديث وروايته أنه كان يكتب
كل مايسمعه عن رسول الله ، نعتوه وقالوا : أتكتب كل شي تسمعه ،ورسول الله بشر يتكلم في الغضب و الرضا ، فأمسك عن الكتابة ، فلما ذكر ذلك لرسول الله أومأ رسول الله بإصبعه على فيه ، وقال : اكتب ، فوالذي نفسي بيده مايخرج منه إلا حق(5)،
يعد مؤسس المدرسة العلمية والمصرية ، وكان يفتي بالفسطاط ،وعلّم خلق عظيم
،تميز رضي الله عنه وانفرد بالصحيفة الصادقة ، قال مجاهد : رأيت عند عبدالله بن عمرو صحيفة فسألته عنها ، فقال : هذه الصادقة ، فيها سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بيني وبينه فيها أحد (6)،
كان رحمه الله زاهدًا عابدا مقبلًا على العبادة ، مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى الشيخان أنه قال كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل شهر ، وأرشده المصطفى عليه السلام للتخفيف من ذلك ،وبين له الحكمة من ذلك ،فقال : فإن لزوجك عليك حق ولزورك عليك حق ولجسدك عليك حقا ، فذكر عبدالله أنه يطيق أكثر من ذلك ، فأرشده
لصيام داود ،صيام يوم وإفطار يوم ،وقراءة القرآن كل سبع ، وعدم الزيادة على ذلك ، قال عبدالله : فصرت إلى الذي قال النبي عليه السلام : فلمًا كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم (7)،
كان رحمه الله ذا قوة وجلَد على العبادة من الصوم والصلاة ، حتى أنه قصّر في حق زوجته فعضلها، فشكاه والده لرسول الله ، فسأله : أتصوم النهار وتقوم الليل ، فقلت :نعم ، قال : لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام ، وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني (8)،
فلما كبر في العمر أدرك رضي الله وأرضاه شفقة النبي الكريم عليه ،وندم بعدم قبوله رخصة النبي صلى الله عليه وسلم (9)،
وكان شديد الخشية والإشفاق من الله سبحانه ، وكان رجلا بكاءاً ، فقد روي عن عطاء أن عبدالله كان يكثر من البكاء ويغلق عليه بابه ويبكي حتى رمصت عيناه (10)،
ومن صور حرصه على التقرب إلى الله وأن يكون من أهل الجنه ، فيعمل بعملهم بما يدخله الجنه ما روى أحمد عن أنس قال :كنا جلوسا مع رسول الله فقال : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ، فمن شده حرصه على معرفة السبيل لدخول الجنه أراد أن يكتشف ذلك ، فابتكر سببًا واستأذن أن يبيت مع ذلك الرجل ، ولم ير منه زيادة عمل إلا أنه إذا تعارّ من الليل ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر ،قال عبدالله : غير أني لم أسمعه إلا يقول خيرا ، وحدث أن احتقر عمله ، فأصر أن يخبره الرجل عن سر ذلك ،فقال :غير أني لا أجد في نفسي حقدا ولا حسدا لأحد من المسلمين ،فقال عبدالله : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا نطيق ،
وقد بلغ من خلق الكرم منتهاه ، حيث خصص مائتا رحالة للضيافة ، مع تحليه بالتواضع (12) ،
وكان يقول كلامًا يكتب بماء الذهب ، ومن ذلك : من سقى مسلمًا شربه ماء، أبعده الله من جهنم شوط فرس ،(13 )
وقال : لأن أدمع دمعة من خشية الله عزوجل أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار (14) ،
كان شجاعًا بطلًا مغوارا في الجهاد ، حتى اشتهر أنه يقاتل بسيفين ، في مقدمة الصفوف
توفي رحمه الله سنة65هـ،وعمره 72سنة.
الفوائد:
1- حرص الأسبقين على الزواج المبكر ، وهذا فيه إحصان لهم ،حتى ولو كانوا في الجاهلية .
2- صغر سن الصحابي عبدالله بن عمرو لم يرده عن البحث عن الحق والهداية وتمثلها .
3- اهتمام الصحابة بالعلم وإشغال الوقت به ، والإفادة قدر الاستطاعة من مصدره ومرجعه الصحيح .
4- أهمية التوثيق والكتابة في طلب العلم لأجل التثبيت والتحقيق والثبات .
5- حرص واهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم برعيته ، وتتبعه لأحوالهم وسؤاله عنهم .
6- الحذر من الحماس الزائد والمبالغة في بعض الأمور خشية عواقبها .
7- أهمية التوازن في حياة المسلم ، بأن يعطى لمن حوله حقوقهم بلا تفريط ولا شطط .
8- حسن التوجية والإرشاد من النبي الكريم عليه السلام للصحابة ،وطول باله عليهم .
9- التوسط في الأخذ بالأمور وعدم التكلف أو المبالغة التي تخل بحقوق الآخرين .
10- الجمع بين العلم والعمل والاجتهاد في ذلك ، وتقصي مواضع الأجر والثواب .
11- فضيلة الذكر والتسبيح، وتعظيم الله لمن تعارّ في الليل .
12 - عظم مثوبة من طهر نفسه وقلبه من الحقد والغل عن إخوانه المسلمين.
13- حرص الشريعة على عدم التكلف والتنطع في العبادة أو تكليف ما لا يطاق .
14- حرص الشريعة على ترابط المجتمع المسلم ،وزيادة أوجه المحبة بينهم.
المصادر والمراجع /
1- انظر في ذلك : أسد الغابة (244/3).
2- انظر في ذلك : صفة الصفوة (655/1).
3- انظر في ذلك : سير أعلام النبلاء(80/3) .
4- انظر في ذلك : صحيح البخاري ( حديث113).
5- انظر في ذلك : صحيح أبو داود (حديث 3099) صححه الألباني.
6- انظر في ذلك :- الطبقات الكبرى (198/4) .
7- انظر في ذلك : صحيح البخاري (رقم 1975)وصحيح مسلم (حديث رقم 1159).
8- انظر في ذلك : مسند أحمد (266/13) حديث 6188.
9- انظر في ذلك : حلية الأولياء (286/1).
10- انظر في ذلك : المرجع السابق (290/1).
11- انظر في ذلك : مسند أحمد (124/20).
12- انظر في ذلك : حلية الأولياء ( 291/1).
13- انظر في ذلك : حلية الأولياء (288/1) .
14- انظر في ذلك : صفة الصفوة (658/1) .
15- انظر في ذلك : الطبقات الكبرى (203/4).