المجموعة الثالثة:
( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ).
{وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (67)
القول الأول: هو النبيذ المسكر، قاله الشعبي والسدي وجعله أهل العراق دليلا على إباحة النبيذ وذكره الماوردي في تفسيره.
التخريج: رواه ابن جرير من عدة طرق عن أبو أسامة عن مجالد وأبو روق عن الشعبي.
ومجالد ممن عرف بروايته للتفسير عن الشعبي.
ورجح هذا القول ابن كثير معللا: لما ذكر اللبن وأنه تعالى جعله شرابا للناس سائغا، ثنى بذكر ما يتخذه الناس من الأشربه ، من ثمرات النخيل والأعنبا وما كانوا يصنعون من النبيذ المسكر قبل تحريمه، ولهذا امتن عليهم فقال:{ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا } دل على إباحته شرعا قبل تحريمه.
الطبري :حدّثني داود الواسطيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال أبو روقٍ: حدّثني قال: قلتللشّعبيّ: أرأيت قوله تعالى: {تتّخذون منه سكرًا} أهو هذا السّكر الّذي تصنعهالنّبط؟ قال: " لا، هذا خمرٌ، إنّما السّكر الّذي قال اللّه تعالى ذكره: النّبيذوالخلّ، والرّزق الحسن: التّمر والزّبيب".
الطبري:حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، وأحمد بن بشيرٍ، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّقال: " السّكر: النّبيذ، والرّزق الحسن: التّمر الّذي كان يؤكل ".
الطبري: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا مندلٌ، عن أبي روقٍ، عن الشّعبيّقال: قلت له: ما {تتّخذون منه سكرًا}؟ قال: " كانوا يصنعون من النّبيذ والخلّ "،قلت: والرّزق الحسن؟ قال: " كانوا يصنعون من التّمر والزّبيب "
القول الثاني: السكر هو الخمر أو خمور الأعاجم ،وَ"السَكَرُ": ما يُسْكَرُ، هَذا هو المَشْهُورُ في اللُغَةِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الخَمْرِ. ثم نسخت بقوله : فاجتنبوه . وممن ذكر أنها منسوخة سعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي .ذكر هذا القول ابن عطية وضعفه.
ذكر عبالرزاق: عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ قَتَادَةَ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] , قَالَ: «السَّكَرُ هِيَ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ , وَنُسِخَتْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ , وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا يَنْبِذُونَ , وَيُخَلِّلُونَ وَيَأْكُلُونَ»
ذكر عبدالرزاق: عَنِ الثَّوْرِيِّ , عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ , {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] , قَالَ: «السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرِهَا , وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا حَلَّ مِنْ ثَمَرِهَا»
القول الثالث: أنَّ السَّكَرَ: الخَلُّ، بِلُغَةِ الحَبَشَةِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ الضَّحّاكُ: هو الخَلُّ، بِلُغَةِ اليَمَنِ ذكره ابن الجوزي
القول الرابع: السكر: الطعم، قاله أبو عبيدة ، يقال: هذا سكر لك، أي طعم لك. قاله أبو عبيدة و قالَ الطَبَرِيُّ: والسَكَرُ أيْضًا في كَلامِ العَرَبِ: ما يُطْعَمُ وبِهِ ،وأنْشَدَ قَوْلَ الشّاعِرِ: وجَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرا. وهذا القول رجحه الطبري وعليه أكثر المفسرون لما له من الدلالة اللغوية وممن اشتهر به من لغة العرب.
( 2 ) قول محمد بن سيرين ( {السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين ).
وردت عدة أقوال في المراد بالسابقون الأولون:
القول الأول: أنهم الذين صلّوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة.ذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير.
التخريج: رواه ابن جرير عن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أشعث عن ابن سيرين ، رواه ابن أبي حاتم أنه روي عن الشعبي في أحدى الروايات وعن الحسن وابن سيرين وقتادة ، ورواه عبدالرزاق عن معمر عن قتادة.
ابن جرير: حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب = وعن أشعث، عن ابن سيرين = في قوله: (والسابقون الأولون) ، قال: هم الذين صلوا القبلتين.
ابن أبي حاتم:حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَنْبَسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ مَوْلَى لأَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلُهُ تَعَالَى:وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ابن أبي حاتم:، وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَعَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُمُ الَّذِينَ صَلُّوا مَعَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقِبْلَتَيْنِ.
رواه عبدالرزاق عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100] , قَالَ: «الَّذِينَ صَلَّوَا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا»
القول الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان , قاله الشعبي وابن سيرين.ذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير.
رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين عن مسدد عن يحي القطان عن اسماعيل بن أبي خالد عن عامر ، ورواه ابن عطية عن عامر عن طريق علي بن الحسين
رواه ابن أبي حاتم عن عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ- وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: مِثْلُ ذَلِكَ.
ابن جرير: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن إسماعيل، عن عامر: (والسابقون الأوّلون) ، قال: من أدرك بيعة الرضوان.
ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: وحولت القبلة قبل بدر بشهرين، وقال عامر بن شراحيل الشعبي:السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ من أدرك بيعة الرضوان،
القول الثالث: أنهم أهل بدر , قاله عطاء.ذكره الماوردي وابن عطية.
رواه ابن أبي حاتم :حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثنا أَبُو الْجُمَاهِرِ ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سعيد ابن الْمُسَيِّبِ قَوْلُهُ: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا وَهُمْ أَهْلُ بَدْرٍ.
رواه ابن عطية: وقال عطاء السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ من شهد بدرا.
القول الرابع: أنهم السابقون بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى ثواب الله تعالى وحسن جزائه.ذكره الماوردي
ويحتمل خامساً: من سبق بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.ذكره الماوردي
والمقصود بالسبق السبق في الإيمان، لأن سياق الآيات قبلها في تمييز أحوال المؤمنين الخالصين، والكفار الصرحاء، والكفار المنافقين فتعين أن يراد الذين سبقوا غيرهم من صنفهم، فالسابقون من المهاجرين هم الذين سبقوا بالإيمان قبل أن يهاجر النبيء صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، والسابقون من الأنصار هم الذين سبقوا قومهم بالإيمان، وهم أهل العقبتين الأولى والثانية.
و الأقوال الثلاثة الأولى تعتبر الواو في قوله: والأنصار للجمع في وصف السبق لأنه متحد بالنسبة إلى الفريقين، وهذا يخص المهاجرين.
وقرأ الجمهور والأنصار بالخفض عطفا على المهاجرين، فيكون وصف السابقين صفة للمهاجرين والأنصار. وقرأ يعقوب والأنصار بالرفع، فيكون عطفا على وصف السابقون ويكون المقسم إلى سابقين وغيرهم خصوص المهاجرين.
( 3 ) قول عطاءبن أبي رباح: ( التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار )
الأقوال التي وردت المراد بالتفث:
القول الأول: حلق الرأس، وأخذ الشارب، ونتف الإِبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والوقوف بعرفة، رواه عطاء عن ابن عباس ومجاهد ومحمد القرظي وذكره ابن جرير.
التخريج:رواه ابن جرير عن طريق عبدالملك عن عطاء عن ابن عباس و ورواه ابن جرير عن ابن نجيح عن مجاهد.
ابن جرير: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال، في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.
ابن جرير: حدثني محمد بن عمرو؛ قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: حلق الرأس، وحلق العانة، وقصر الأظفار، وقصّ الشارب، ورمي الجمار، وقص اللحية.
القول الثاني: مناسك الحج كلها، رواه عكرمة عن ابن عباس، وهو قول ابن عمر ذكره ابن جرير.
ابن جرير:حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد، قال: ثني الأشعث، عن نافع، عن ابن عمر، قال: التفث: المناسك كلها.
القول الثالث: حلق الرأس، قول آخر لمجاهد وذكره ابن جرير.
ابن جرير:حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: هو حلق الرأس، وذكر أشياء من الحجّ قال شعبة: لا أحفظها.
ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: التفث: حلق الرأس، وتقليم الظفر.
القول الرابع: الشعر، والظفر، قاله عكرمة ذكره ابن جرير
ابن جرير: حدثنا حميد، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا خالد، عن عكرمة، قال: التفث: الشعر والظفر.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة، مثله.
وأصل التفث في اللغة الوسخ، تقول العرب للرجل تستقذره: ما أتفثك أي ما أوسخك! وأقذرك! قال أمية بن الصلت:ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثا ... وينزعوا عنهم قملا وصئبانا.
والقول الأول أصح، لأن التفث: الوسخ، والقذارة: من طول الشعر والأظفار والشعث، وقضاؤه: نقضه، إِذهابه، والحاج مغبَّر شعث لم يدَّهن، ولم يستحدَّ، فإذا قضى نسكه، وخرج من إِحرامه بالحلق، والقلم، وقص الأظفار، ولبس الثياب، ونحو ذلك، فهذا قضاء تفثه. قال الزجاج:وأهل اللغة لا يعرفون التفث إِلا من التفسير، وكأنه الخروج من الإِحرام إِلى الإِحلال.