المحبة الباطلة:
مما سبق تعلم أن المحبة الباطلة على نوعين: محبة شركية ومحبة بدعية
فأمّا المحبة الشركية؛ فهي محبَّة المشركين لله عز وجل؛ فإنها محبَّة قد أشركوا فيها غير الله معه ؛ كما قال الله تعالى:{ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}.
قال الزجَّاج: ({يحبّونهم كحبّ الله}أي: يسوّون بين هذه الأوثان وبين اللّه عزّ وجلّ في المحبة.
وقال بعض النحويين: يحبونهم كحبكم أنتم للّه، وهذا قول ليس بشيء، ودليل نقضه قوله:{والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه})ا.هـ.
وقال ابن القيم رحمه الله:(فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الندَّ كما يحب الله تعالى، وأنَّ المؤمن أشد حباً لله من كلّ شيء، وقال أهل النار في النار:{تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين}ومن المعلوم أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحبّ والتأله والعبادة، وإلا فلم يقل أحد قط أن الصنم أو غيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله وفي خلق السماوات والأرض وفي خلق عباده أيضاً، وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة)ا.هـ.
والله تعالى لا يرضى أن يُشرَكَ معه أحد في هذه المحبة ، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:قال الله تبارك وتعالى:((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)).
فكلّ محبة شركية يُسوَّى فيها بين الله وغيره؛ فهي محبة باطلة لا يقبلها الله عز وجل ولا يرضاها.
وهذا أصل عظيم يتبيّن به أن من يدّعي محبة الله وهو يدعو غيره إنما هو مبطل مشرك ، ولو أنشد المدائح الإلهية وأكثر من التعبير عن دعوى المحبة كما وقع في ذلك طوائف من غلاة الصوفية وأصحاب الطرق الشركية، فإنَّ دعواهم من جنس دعوى اليهود والنصارى إذ قالوا:{نحن أبناء الله وأحباؤه}حتى بلغ بهم الاغترار بدعواهم أنِ ادَّعوا أنَّ الجنة حصر عليهم لا يدخلها غيرهم ، كما قال الله تعالى عنهم:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}
وكثير من أصحاب الطرق الشركية ممن ينتسب إلى الإسلام يدَّعون أن طريقتهم هي الموصلة لله والمبلّغة لرضوانه، وأنَّ غيرهم في ضلال عن الوصول لله وإدراك رضاه، وأنهم هم أولياء الله وأحباؤه، وهم يقعون في أنواع من الشرك بالله، ويُعرضون عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون في كلامهم من التعبير عن محبة الله ما يدهش السامعين.
ويكون في هذا فتنة لهم ولتابعيهم ومن يسمعهم ؛ وينجّي الله المؤمنين الذين جعل الله لهم فرقاناً ونوراً يمشون به؛ فيعلمون أنَّ كل دعوى للمحبة لا تكون خالصة لله عز وجل لا يقبلها الله ولا يرضاها.
فإن الله تعالى لم يقبل إلا محبة من أسلم وجهه لله وهو محسن؛ فبإسلام الوجه يتحقق شرط الإخلاص، وبالإحسان يتحقق شرط المتابعة، وبذلك يكون من أهل الجنة، وبقدر رفعة درجاته في هذين الأمرين –إسلام الوجه وحسن العمل- يكون نصيبه من أجره عند ربه؛ فهي عنديّة خاصة وربوبية خاصة جعلها الله لأهل محبته الذين أسلموا له واتبعوا رسوله.
ويكون بذلك من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإنما يقع العبد في شيء من الخوف والحزن بسبب تقصيره في تحقيق الإخلاص وتجريد الاتباع، وأمَّا من كمَّل هذين المقامين فلا يتخلف عنه وعد الله أبداً؛ لأنه استمسك بالعروة الوثقى التي لا أوثق منها كما قال الله تعالى: { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)}
وأما المحبة البدعية فدليل بطلانها قول الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}؛ فلم يعتبر الله محبة المعرض المتولّي عن الطاعة والمتابعة شيئاً ، بل سماه كافراً ، وبيَّن أنه لا يحبه.
ومن تأمَّل أحوال أئمة الكفر من أصحاب الطرق الشركية البدعية الذين يدَّعون محبَّة الله وجدهم كما قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}.
فهم من أشد الناس تنفيراً عن المتابعة، وذمّا لمن يأمر باتباع الرسول، ويجتهدون في صرف أتباعهم عن الحق والهدى، ويسمون لهم الأمور بغير اسمها، ويأكلون أموال الناس بالباطل.
ومحبةُ الله تعالى عبادةٌ من أجلّ العبادات فلا يُقبل فيها إلا أن تكون على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
إلا أن البدع تنقسم إلى قسمين: بدع مكفِّرة وبدع مفسِّقة.
فأما البدع المكفرة فهي التي تشتمل على ناقضٍ من نواقض الإسلام كدعوى بعض الفرق أن بعض معظميهم يعلمون الغيب، وأنَّ لهم تصرفاً في الكون، ومِن ذلك ما يفعله عبَّاد القبور والأولياء من تقديم النذور لهم والالتجاء إليهم والتضرع إليهم واعتقاد النفع والضر فيهم.
ومن ذلك أيضاً اعتقاد بعض المريدين أن بعض معظميهم هو الدليل على الله فلا يوصَل إلى الله إلا من طريقه، ويكون في كلامهم من تعظيم هؤلاء ما لا يصلح إلا لله جل وعلا، أو ما لا يصلح إلا للرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذا ونحوه من البدع المكفرة والعياذ بالله، ولو زعموا أنهم إنما توجهوا إلى أوليائهم ليقربوهم إلى الله؛ فهم كما قال أسلافهم فيما أخبر الله عنهم بقوله:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}
فإن هذا المقصد لا يُدخلهم في الإسلام، وإنما يدخلهم في الإسلام إخلاص الدين لله تعالى كما قال الله تعالى في أول هذه الآية:{ألا لله الدين الخالص}
فالله تعالى لا يقبل ديناً يُشرك معه فيه غيره ، ويعظَّم فيه سواه، حتى يسوَّى بينه وبينه في العبادات من الدعاء والتضرع والنذر واعتقاد النفع والضر وغير ذلك من العبادات.
فأيما مدَّعٍ للمحبة وجدتَه يدعو غير الله تعالى ويلتجئ إليه ويصرف له أنواعاً من العبادات فاعلم أنه مشرك كافر ولو زعم ما زعم من محبة الله، ولو زعم أنَّ الذين يدعوهم إنما هم أولياء الله وأهل الله، وأنه إنما يدعوهم ليقربوه إلى الله زلفى، وأن الله تعالى لا يرد شفاعتهم، ويقرّب من يحبهم ويخدمهم؛ فكل ذلك من الضلالات والفتن التي فُتن بها طوائف ضلّت في هذا الباب عن الصراط المستقيم.
وأما البدع المفسّقة فهي البدع التي فيها جور عن اتباع السنة ولا تبلغ بالعبد مبلغاً يرتكب فيه ناقضاً من نواقض الإسلام ؛ فلا يدعو غير الله ولا يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وإنما قد يقع منه تخصيص لبعض الأمكنة أو الأزمنة ببعض العبادات المخصوصة ونحو ذلك، فكل ما ابتدعه في الدين فهو رد عليه لا يقبله الله منه، ولا يقبل اللهُ من العمل إلا ما كان على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن هؤلاء أخف درجة من أصحاب البدع المكفرة ؛ فإن هؤلاء يشملهم اسم الإسلام ، ويرجى لهم ما يُرجى لعصاة المسلمين من العفو والمغفرة وتنفعهم دعوات المسلمين، وتنفعهم حسناتهم فيكفر بها من سيئاتهم، وهم مع ذلك يُخشى عليهم من العذاب الأليم على ما أحدثوا من البدع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خُطبه ليبيّن للناس بياناً عاماً حتى يحفظوه ويعوه: ((إنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمَّد، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالة في النار)). رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في صحيح مسلم من حديث جابر، وروي نحوه من حديث العرباض بن سارية.
فتأمَّل هذه الكلمات ما أبينها وما أجزلها، وقد جعلها المسلمون شعاراً في خطبهم لإشهارها ومداومة التذكير بها، لعظم شأنها، ولتقوم بها الحجة على من تبلغه.
فكلُّ محبة تحمل على بدعة فهي غير مقبولة، ولا تنفع صاحبها، وإنما ينفعه اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والتقرّب إلى الله بما شرع.
وأصل ضلال أصحاب المحبة البدعية أنهم يتقربون إلى الله بما يحبون لا بما يحبه الله، ويتبعون الظن وما تهوى الأنفس.
وقد قال الله تعالى: {فاستقم كما أمرت}
وقال تعالى في الحديث القدسي:[ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه] .رواه البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا.
والعمل الخالص الحسن ينفع وإن كان قليلاً، والعمل الذي فيه شوب بدعة أو ما يقدح في الإخلاص يذهب كثير منه هباءً، ولا ينفع منه إلا ما أخلص منه صاحبه وأحسن باتباعه النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلوّ ولا تفريط.
روى البيهقي في شعب الإيمان عن جعفر الخلدي أنه قال: رأيت الجنيدَ في النوم فقلت ما فعل الله بك؟
قال:(طاحت تلك الإشارات، و غابت تلك العبارات، وفَنيت تلك العلوم، و نفدت تلك الرسوم، و ما نفعنا إلا ركعات كنَّا نركعها عند السَّحَر).
والمقصود أن المحبة الباطلة هي التي تخلَّف عنها شرطا القبول من الإخلاص والمتابعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(فلمّا صار كثيرٌ من الصوفية النسّاك المتأخرين يدّعون المحبة ولم يزنوها بميزان العلم والكتاب والسنة دخل فيها نوعٌ من الشرك واتباع الأهواء.
والله تعالى قد جعل محبته موجبةً لاتباع رسوله؛ فقال {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وهذا لأن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبه الله وليس شيءٌ يحبه الله إلا والرسول يدعو إليه، وليس شيءٌ يدعو إليه الرسول إلا والله يحبه؛ فصار محبوب الربّ ومدعوّ الرسول متلازمين، بل هذا هو هذا في ذاته وإن تنوعت الصفات.
فكل من ادَّعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول؛ فقد كذب، ليست محبته لله وحده، بل إن كان يحبّه فهي محبة شركٍ؛ فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود والنصارى محبة الله؛ فإنهم لو أخلصوا له المحبة لم يحبوا إلا ما أحب فكانوا يتبعون الرسول؛ فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس محبة المشركين.
وهكذا أهل البدع فمن قال: إنه من المريدين لله المحبين له، وهو لا يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به وتَرْكِ ما نهى عنه؛ فمحبته فيها شوبٌ من محبة المشركين واليهود والنصارى بحسب ما فيه من البدعة.
فإن البدع التي ليست مشروعةً وليست مما دعا إليه الرسول لا يحبها الله فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله فأمر بكل معروفٍ ونهى عن كل منكرٍ) ا.هـ. وهو كلام حسن متين جليل القدر.
ولشيخ الإسلام في الرد على أهل البدع الذين وقعوا في المحبة الباطلة بنوعيها وحصل بسببهم فتن عظيمة مقامات مشهورة مشكورة، وسأنتقي لكم من كلامه المتفرق في كتبه نقولاً مقتضبة تكفي في بيان ما أردتُ توضيحَه.
فمن ذلك:
1: قوله في الذين يفتنون مريديهم بما يدَّعُون من الكرامات وتظهر عليهم بعض الخوارق التي يتوصلون إليها بأنواع من الحيل والتمويه، والرياضات النفسية، والأعمال السحرية، واستخدام الجن، والإلقاءات الشيطانية، فيدَّعون بذلك أنهم أولياء الله وأن هذه كرامات لهم ودلائل على أنهم على الحق، وأنهم من أهل الله الذين يحبهم ويحبونه.
قال:(قال أهل العلم والدين - كأبي يزيد البسطامي وغيره - : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي.
وقال الشافعي : لو رأيتم صاحب بدعةٍ يطير في الهواء فلا تغتروا به؛ فأولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله كما قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وطريقهم طريق أنبياء الله المرسلين وأولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين) ا.هـ.
2 : قوله في شأن بعضهم: (عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من ثلاثةٍ في قريةٍ لا يؤذَّن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان))، فأيّ ثلاثةٍ كانوا من هؤلاء لا يؤذَّن ولا تقام فيهم الصلاة كانوا من حزب الشيطان الذين استحوذ عليهم، لا من أولياء الرحمن الذين أكرمهم، فإن كانوا عُبَّادًا زُهَّادًا ولهم جوعٌ وسهرٌ وصمتٌ وخلوةٌ كرهبان الديارات والمقيمين في الكهوف والمغارات ، كأهل جبل لبنان ، وأهل جبل الفتح الذي بأسوان وجبل ليسونٍ ومغارة الدم بجبل قاسيون وغير ذلك، من الجبال والبقاع التي قصدها كثيرٌ من العباد الجهال الضلال ، ويفعلون فيها خلواتٍ ورياضياتٍ من غير أن يؤذَّن وتقام فيهم الصلاة الخمس ، بل يتعبدون بعباداتٍ لم يشرعها الله ورسوله ، بل يعبدونه بأذواقهم ومواجيدهم ، من غير اعتبارٍ لأحوالهم بالكتاب والسنة ، ولا قصد المتابعة لرسول الله الذي قال الله فيه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} الآية .
فهؤلاء أهل البدع والضلالات من حزب الشيطان، لا من أولياء الرحمن، فمن شهد لهم بولاية الله فهو شاهد زورٍ كاذبٌ، وعن طريق الصواب ناكبٌ.
ثم إن كان قد عَرف أنَّ هؤلاء مخالفون للرسول وشهد مع ذلك أنهم من أولياء الله فهو مرتد عن دين الإسلام، إما مكذبٌ للرسول، وإما شاك فيما جاء به مرتابٌ، وإما غير منقادٍ له، بل مخالفٌ له إما جحودًا أو عنادًا أو اتباعًا لهواه ، وكل من هؤلاء كافرٌ .
وأما إن كان جاهلًا بما جاء به الرسول وهو معتقدٌ مع ذلك أنه رسول الله إلى كل أحدٍ في الأمور الباطنة والظاهرة وأنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم لكن ظن أن هذه العبادات البدعية والحقائق الشيطانية هي مما جاء بها الرسول ولم يعلم أنها من الشيطان لجهله بسنته وشريعته ومنهاجه وطريقته وحقيقته ؛ لا لقصد مخالفته ولا يرجو الهدى في غير متابعته فهذا يُبيَّن له الصواب ويُعرَّف ما به من السنة والكتاب؛ فإن تاب وأناب وإلا ألحق بالقسم الذي قبله، وكان كافرًا مرتدا، ولا تنجيه عبادته ولا زهادته من عذاب الله، كما لم ينج من ذلك الرهبان وعُبَّاد الصلبان وعُبَّاد النيران وعُبَّاد الأوثان مع كثرة من فيهم ممن له خوارق شيطانيةٌ ومكاشفاتٌ شيطانيةٌ قال تعالى:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا}.
قال سعد بن أبي وقاصٍ وغيره من السلف: نزلت في أصحاب الصوامع والديارات)ا.هـ.
3: قوله: (والذين توسعوا من الشيوخ في سماع القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصدهم [أي محبة الله]؛ ولهذا أنزل الله للمحبة محنةً يمتحن بها المحبّ فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} فلا يكون محبا لله إلا من يتبع رسوله ، وطاعة الرسول ومتابعته تحقيق العبودية.
وكثيرٌ ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته ، ويدعي من الخيالات ما لا يتّسع هذا الموضع لذكره ، حتى قد يظن أحدهم سقوط الأمر وتحليل الحرام له وغير ذلك مما فيه مخالفة شريعة الرسول وسنته وطاعته).
4: قوله في الرد على أصحاب السماع البدعي: (قولهم إن هذا السماع يحصل محبوب الله وما حصل محبوبه فهو محبوب له قول باطل، وكثير من هؤلاء أو أكثرهم حصل لهم الضلال والغواية من هذه الجهة؛ فظنوا أنَّ السماع يثير محبة الله، ومحبة الله هي أصل الإيمان الذي هو عمل القلب وبكمالها يكمل، وهي فيما يذكره أبو طالب وغيره نهاية المقامات، وربما قال بعضهم: هي المقام الذي يلتقي فيه مقدمة العامّة وساقة الخاصة، ويقول من يقول منهم: إن السماع هو من توابع المحبة، وأنهم إنما فعلوه لما يحركه من محبة الله سبحانه وتعالى إذ السماع يحرك من كل قلب ما فيه؛ فمن كان في قلبه حب الله ورسوله حرك السماع هذا الحب وما يتبع الحب من الوجد والحلاوة وغير ذلك، كما يثير من قلوب أخرى محبة الأوثان والصلبان والإخوان والخلان والأوطان والعشراء والمردان والنسوان.
ولهذا يُذكر عن طائفة من أعيانهم سماع القصائد في باب المحبة كما فعل أبو طالب.
فيقال:إنَّ ما يهيّجه هذا السماع المبتدَع ونحوه من الحبّ وحركة القلب ليس هو الذي يحبه الله ورسوله، بل اشتماله على ما لا يحبه الله وعلى ما يبغضه أكثر من اشتماله على ما يحبه ولا يبغضه، وصدُّه عما يحبه الله ونهيه عن ذلك أعظم من تحريكه لما يحبه الله، وإن كان يثير حبًّا وحركة ويظن أن ذلك يحبه الله وأنه مما يحبه الله فإنما ذلك من باب اتباع الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)ا.هـ.
5: قوله في بعض غلاتهم : (ولهذا في هؤلاء من يرى جواز قتل الأنبياء، ومنهم من يرى أنه أفضل من الأنبياء، إلى أنواع أخر، وذلك لأنه حصل لهم من الأحوال الشيطانية والنفسانية ما ظنوا أنها من كرامات الأولياء؛ فظنوا أنهم منهم؛ فكان الأمر بالعكس.
وأصل هذا أنهم تعبدوا بما تحبّه النفس، وأما العبادة بما يحبه الله ويرضاه فلا يحبّونه ولا يريدونه وحده، ويرون أنهم إذا عبدوا الله بما أمر به ورسلُه حطّ لهم عن منصب الولاية؛ فيحدثون محبة قوية وتألها وعبادة وشوقا وزهدا ولكن فيه شرك وبدعة.
ومحبة التوحيد إنما تكون لله وحده على متابعة رسوله، كما قال تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}فلهذا يكون أهل الاتباع فيهم جهاد ونية في محبتهم، يحبون لله ويبغضون له) ا.هـ.