دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 رجب 1439هـ/15-04-2018م, 04:36 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي التطبيق الثاني من دورة أصول القراءة العلمية

التطبيق الثاني



لخّص مقاصد إحدى الرسالتين التاليتين:
1: "الرسالة التبوكية" لابن القيم.
2: رسالة "قاعدة في المحبة" لشيخ الإسلام ابن تيمية.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 شعبان 1439هـ/19-04-2018م, 08:38 AM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

الرسالة التبوكية لابن القيم:
.قال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله}المائدة
-اشتمال الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم:
-دلت الآية على الواجب الذي بين العبد وبين الخلق والواجب الذي بينه وبين الحق تعالى :
أ- الواجب في مابينه وبين الحق:بإيثار طاعته وتجنب معصيته {واتقوا الله}
ب- واجب في ما بينه وبين الخلق:بأن تكون مخالطته للناس تعاونا على البر والتقوى علما وعملا{وتعاونوا على البر والتقوى}
فالمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم التعاون على البر والتقوى؛ فيعين كلّ واحد صاحبه على ذلك علما وعملا. فإنّ العبد وحده لا يستقلّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه، فاقتضت حكمة الربّ سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعض، معينًا بعضه لبعض
-لايتم الواجب الأول إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية
-لا يتمّ الواجب الثانى إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر
وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر :"كن مع الحقّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا"

قاعدة جليلة :في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة عند الاقتران والافتراق:
- معنى البر والتقوى إذا اجتمعا وإذا افترقا..
-أولا :إذا افترقا:
إذا افترقا كان كل منهما داخل في مسمى الآخر متضمن له

-حقيقة البر : هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام.
ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب.ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ، و{كرام بررة}، والأبرار.

وقد بينت الآية معنى البر في قوله تعالى :
{ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.
-أخبر سبحانه وتعالى أن البر هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وهى أصول الإيمان الخمسة وهى قوام الدين
-وأنه الشرائع الظاهرة أيضا من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإخراج النفقات الواجبة والمسنحبة
-وأنه الأعمال القلبية التى هى حقيقة الإيمان كالصبر والوفاء بالعهد
- بر القلب :أكثر ما يعبر عن البر ببر القلب وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته وهو سبب طمأنينة القلب وانشراح الصدر وقوته كما جاء في حديث النواس بن سمعان {البر ما اطمأنت إليه النفس وما اطمأن إليه القلب }
-من لم يجد هذا الطعم فهو فاقد للإيمان أو ناقص وهو من القسم الذين قال الله فيهم {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ؛فهم ليسوا منافقين على الراجح وليسوا بمؤمنين قد باشرت حقيقة الإيمان قلوبهم فذاقوا طعمه
-تناول مسمى البر جميع أقسام الدين:أصول الإيمان الخمس ،والأعمال القلبية ،وحقائقه وشرائعه

حقيقة التقوى: فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده
-حد التقوى :
أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله}
-وحد الشيء مبدؤه ومنتهاه ومبدأ التقوى محض الإيمان فلايكون العمل قربة وطاعة حتى يكون الباعث عليه محض الإيمان لا العادة ولا الهوى ولاطلب محمدة ونحو ذلك ،وهذا معنى قوله على نور من الله
-وغاية التقوى ابتغاء مرضات الله وثوابه وهو الاحتساب وهذا معنى قوله ترجو ثواب الله
-وهذا المعنى يدخل فيه جميع أصول الدين وفروعه فلكل عمل مصدر وباعث عليه وله أيضا غاية يوقع العمل من أجلها وقد اجتمع ذلك في معنى التقوى والبر جزء من معنى التقوى".

ثانيا:إذا اجتمعا:
-الفرق بينهما إذا اجتمعا كالفرق بين السبب المقصود لذاته والمقصود لغيره فالبر مقصود لذاته لأنه كمال العبد وصلاحه والتقوى هى الوسيلة إلى البروالطريق الموصلة إليه
-يدل لفظ التقوى بمعناه على المراد منه فإن أصله مشتق من الوقاية والسائر في الطريق الذي يريد أن يصل إلى مبتغاه سالما فإنه يشمر ويتقي النار فالتقوى بابها دفع الضرر والبر بابه تحصيل النفع والخير والكمال ولايتم الثانى إلا بالأول
-العلم النافع في فهم دلالات الألفاظ القرآنية وحدود ما أنزل الله

-المفاسد المترتبة على الجهل بحدود ما أنزل الله:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما
-وهذا هو أكثر أسباب الاختلاف ومنشؤه.
-نظير ذلك في قوله تعالى {ولاتعاونوا على الإثم والعدوان }:
-الإثم :ما كان حرام الجنس،كالزنا وشرب الخمر
-العدوان :هو تعدى ما أباح الله ومحرم الزيادة في القدر،كنكاح الخامسة والتعدى في استيفاء القصاص
-حدود الله هى النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام
-نهاية الشىء قد تكون منه فيكون النهى عن تعديها{تلك حدود الله فلا تعتدوها}
-وقد تكون خارجة عنه فينهى عن قربانها {تلك حدود الله فلاتقربوها}

-قاعدة :معرفة دلالات الألفاظ ومايدخل فيها ومايخرج عنها
-بيان أهمية العلم بهذه القاعدة

-مراد الله من عباده الهجرة إليه وإلى رسوله:وهى فرض عين على كل أحد لا انفكاك له عنها وهى زاد المسافر إلى ربه

-الهجرة هجرتان:
-هجرة بالبدن:من بلد إلى بلد
-هجرة بالقلب إلى الله ورسوله وهى الحقيقية والمقصودة وهجرة البدن تبع لها

أولا معنى الهجرة إلى الله :الفرار إلى الله وهو عين التوحيد المطلوب
-الهجرةتتضمن " من" و "إلى":
-من محبة غير الله إلى محبته
-ومن خوف غيره ورجائه والتوكل على غيره إلى الخوف منه تعالى ورجائه والتوكل عليه
-ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له
-تحت "من"و"إلى "سر عظيم:
فالفرار منه :يتضمن توحيد الربوبية وإثبات القدر ؛فإن كل مايفر منه العبد فإنما وجد بمشيئة الله وقدره فماشاء كان ومالم يشأ لم يكن فهو فار من الله على الحقيقة
والفرار إليه يتضمن توحيد الإلهية : بإفراده بالطلب والعبودية ولوازمها من المحبة والخشية والتوكل والإنابة
-فالفار من الله إليه هو فار من قدر الله إلى رحمة الله وبره وإحسانه
-المتأمل في هذا المعنى يوجب له انقطاع القلب عن كل ماسوى الله تعالى
-أصل الهجرة الحب والبغض فالمهاجر من شىء إلى شىء لابد وأن يكون المهاجر إليه أحب من المهاجر منه فالهجرة إلى الله تتضمن هجران مايكرهه الله إلى مايحبه ويرضاه
-نفس العبد وهواه وشيطانه يدعونه إلى خلاف مايحبه الله ويرضاه وداعى الإيمان يدعوه لما يحبه الله ويرضاه
-على العبد أن يهاجر ويصارع ماابتلى به في كل وقت إلى الله ورسوله ولاينفك عن الهجرة حتى الممات
-قوة الهجرة أو ضعفها مبنى على قوة داعى المحبة أو ضعفه
-على العبد أن ينتبه لهذا النوع من الهجرة ويدرب نفسه عليه ويكثر التفكير فيه والانشغال به ففيه فلاح العبد وسعادته.
ثانيا :الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وشأنها شديد وطريقها على غير المشتاق وعر وبعيد
-حد الهجرة النبوية:
-سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى (4)
-مايضاد هذه الهجرة :لزوم الطبائع والعوائد وماتربى عليه ونشأ وخلاصته {إنا على طريقة آبائنا سالكون وبحبلهم مستمسكون} وعلتهم في ذلك ظنهم أن رأي الآباء خير لهم من آرائهم وظنونهم أوثق حدسا من ظنونهم
-ومصدر هذه الكلمة الإخلاد إلى الكسل والبطالة والاستناد في معرفة طريق النجاة والفلاح إلى غير ماجاء به الصادق المصدوق
-وهاتان الهجرتان إلى الله ورسوله مطالب بها كل عبد في الدنيا وعنها يسأل في البرزخ ويوم القيامة
قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
-وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين
والمقصود بهذا أن من أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
ومن كان هكذا مع عباد الله كان الله بكل خير إليه أسرع، وأقبل الله إليه بقلوب عباده، وفتح على قلبه أبواب العلم، ويسّره لليسرى، ومن كان بالضد فبالضدّ، {وما ربّك بظلّامٍ للعبيد (46)}.

-ومن الأدلة على وجوب اتباع الرسول وتحكيم شرعه واقتفاء أثره :قوله تعالى :
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)
-وجه الدلالة من الآية:
أقسم سبحانه بأجل مقسم به وهو نفسه أنه لايتم الإيمان إلا:
1-بتحكيم الرسول في موارد النزاع كلها في جميع أبواب الدين ودل على ذلك لفظة {ما}وهى من صيغ العموم
2-انتفاء ضيق الصدر وعدم انشراحه بحكم الرسول بل لابد من تلقيه بالرضا والقبول
3-وتسليم العبد لهذا الحكم تسليم المطيع المحب لاتسليم المقهور المكره على ذلك
-وقد أكد الله تعالى على هذا المعنى بوجوه من التأكيدات منها:
الأول :تصديرالقسم بلا النافية {فلا}وهذا معلوم عند العرب فإنهم إذا أرادوا نفي شىء صدروا جملة القسم بأداة النفي،وافتتاح المقسم عليه بأداة النفي يقوى المقسم عليه ويؤكده
الثاني:تأكيده بالقسم نفسه
الثالث:تأكيده بالمقسم به وهو نفسه سبحانه وتعالى
الرابع :تأكيده بانتفاء الحرج ووجود التسليم
الخامس:تأكيد الفعل بالمصدر
-وكل هذه التأكيدات تدل على عظم شأن اتباع الرسول وتحكيمه في جميع الأمور حتى إنه نفى الإيمان عن من لم يحكم الرسول في جميع الأمور التى يتحاكم ويختلف فيها
-ومن الأدلة على هذا المعنى أيضا:
قوله تعالى :{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}والمعنى أن الأولوية المذكورة ليست إلا للمؤمنين
وهذه الأولوية تتضمن أمورا:
-منها :أن يكون النبي أحب للعبد من نفسه التى هى أحب شىء إليه ولايحصل له الإيمان إلا بذلك
ويلزم من هذه الأولوية :أن يكون العبد محبا للرسول مطيعا منقادا متحاكما إليه راضيا بحكمه
-ومنها:أن يتجرد العبد من حكمه على نفسه ويكون الحكم للرسول على نفسه فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول
-وتثبت هذه الأولوية بأمور :
-اليقين بأن الهدى والعلم النافع لايتلقى إلا من مشكاته ولايستدل عليه إلا من طريقه ومنهاجه
-وأن يعرض قول كل أحد وفعله على ماجاء به الرسول فإن شهد له بالصحة وإلارده لبطلانه أو توقف فيه إن لم يشهد له بصحة ولاباطل
-أما من ادعى ولايته للرسول وأنه أولى به من نفسه مع إعراضه التام عن ماجاء به ودل عليه من الهدى والخير وتحاكم إلى غيره من آراء وعقولفاشتغل بتقريرها والغضب والحمية لها والتحايل من أجلها وإن لم يمكنه ذلك لقوة البرهان والحجة لجأإلى اللى والإعراض عن النصوص كما قال تعالى { ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا}
ففى هذه الآية أمر من الله بالقيام بالعدل لكل أحد وليا كان أو عدوا وأحق ماقام العبد به من القسط الأقوال والآراء والمذاهب فيتمحض للحق ولايتعصب لقول أو مذهب متبعا لهواه فيوالي من وافقه ويعادي من خالفه ؛فإن هذا مناف لما أمر الله به وبعث به رسله،وأن يكون هذا القيام بالقسط والعدل لله

وقوله {شهداء لله}:أن تكون الشهادة لله وبالحق والقسط لاشهادة زور
-وقيام العبد بالقسط على كل أحد قريبا كان أو بعيدا وليا كان أو عدوا غنيا كان أو فقيرا فيه امتحان العبد إيمانه ؛فإن إيمان العبد يمنعه أن يقوم بالحق على أعدائه دون أوليائه وعلى أقربائه دون غيرهم ويمنعه من الجنف على الأعداء أو المحاباة للأقرباء فإن العبد قد يخاف من القيام بالحق على الغنى خوفا على ماله أو على الفقير لإعدامهأو أن يكون المعنى أن يكون المانع له من القيام بالحق على الغنى رجاء غناه والنفع من ورائه وأما الفقير فإنه لايقوم عليه بالحق لأنه لايخشى منه لضعفه ولهذا قال تعالى {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما }أى الله أعلم بهما وأرحم منكم فهو ربهما ووليهما
كما قال بعض السلف: "العادل هو الذي إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحقّ
-السبب الموجب لكتمان الحق :
-الأول :اللي:وهو تحريف الحق وليه وهو نوعان لي لفظى : بزيادة لفظة، أو نقصانها، أو إبدالها بغيرها، أو ليًّا في كيفية أدائها، وإيهام السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يلوون ألسنتهم بالسّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا أحد نوعي اللّيّ.
والنوع الثاني منه: ليّ المعنى، وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وتحماله ما لم يرده، أو يسقط منه بعض ما أراد به، ونحو هذا من ليّ المعاني، فقال تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا
-والشاهد مطالب بأداء الشهادة على وجهها لايغيرها ويبدلها ولايكتمها فجعل الله تعالى اللى بمثابة التغيير والتبديل والإعراض بمثابة الكتمان لها

-ومن الأدلة على وجوب اتباع سنة الرسول والتحاكم لشرعه في جميع الأمور:
-قال تعالى: {المص (1) كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2) اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون (3)}؛ فأمر سبحانه باتباع ما أنزل على رسوله، ونهى عن اتباع غيره، فما هو إلا اتباع المنزل أو اتباع أولياء من دونه، فإنه لم يجعل بينهما واسطة، فكل من لم يتّبع الوحي فإنما اتبع الباطل واتبع أولياء من دون الله، وهذا بحمد الله ظاهر لا خفاء به.
{قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين}

ففي الآية تعلق الهداية بالطاعة فإن حصول الهداية متوقف على طاعة الله ورسوله فإذا انتفت الطاعة انتفت الهداية
-تكرار الفعل {أطيعوا}فيه سر لطيف وهو دلالته على أن ما يأمر به رسوله تجب طاعته فيه وإن لم يكن مأمورًا به بعينه في القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردةً ومقرونةً، فلا يتوهّم متوهّمٌ أن ما يأمر به الرسول إن لم يكن في القرآن وإلا فلا تجب طاعته فيه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه
-وأما طاعة أولى الأمر فإنها جاءت مقترنة بطاعة الرسول وفي ذلك سر أيضا وهو أن أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة
-واما قوله{ فردوه إلى الله والرسول }دون تكرار الجار ولم يقل: وإلى الرسول؛ فإن الردّ إلى القرآن ردٌّ إلى الله والرسول، والردّ إلى السنة ردٌّ إلى الله والرسول، فما يحكم به الله هو بعينه حكم رسوله, وما يحكم به الرسول هو بعينه حكم الله.
فإذا رددتم إلى الله ما تنازعتم فيه، يعني إلى كتابه؛ فقد رددتموه إلى الله ورسوله، وكذلك إذا رددتموه إلى رسوله فقد رددتموه إلى الله والرسول، وهذا من أسرار القرآن

-وأولي الأمر الذين تجب طاعتهم فيه قولان :العلماء والأمراء وكلاهما من أولى الأمر
فالعلماء: ولاته حفظًا، وبيانًا، وبلاغًا، وذبًّا عنه، وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكّلهم الله بذلك، فقال تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين (.
والأمراء: ولاته قيامًا، ورعايةً، وجهادًا، وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه
فدلّت هذه الآية{ فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}}.
على أن من حكّم غير الله ورسوله في موارد النزاع كان خارجًا عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر.
-اتفق السّلف والخلف على أن الردّ إلى الله هو الردّ إلى كتابه، والردّ إلى رسوله هو الردّ إليه في حياته والردّ إلى سنّته بعد وفاته.
-وقوله تعالى {ذلك خير وأحسن تأويلا}فيه دلالة أن طاعة الرسول عاقبتها الخير والفلاح في الدنيا والآخرة وبالمفهوم أن مخالفته وعصيانه سبب الشرور والآثام والآلام
-ويستفاد من ذلك أهمية معرفة سنة الرسول وما جاء به والقيام بذلك والدعوة إليه والصبر علي الأذى فيه،وهذا هو مصدر الكمال الإنسانى ومراتبهالأربعة :
الأولى: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
-وقد دلت النصوص على أن هداية الرسول بالوحي كما في قوله تعالى {وإن اهتديت فبما يوحي إلى ربي} وأن الضلال كل الضلال في ترك الهدى الذي جاء به والإعراض عنه إلى غيره من الآراء والعقول المختلفة والمضطربة وقد بين الله تعالى ذلك كما في قوله { ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا)

-حال الأتباع المشتركين في الضلالة:
-فكل من اتخذ خليلا غير الرسول فيترك ما جاء به الرسول لأجل قوله ورأيه فإنه لامحالة قائل هذه المقالة يوم لاينفع الندم وهذا هو المتخالين على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخلّة إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين}
{يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا (66) وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا}

وقال تعالى {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37) قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}
-ودلت هذه الآيات على مجموعة من العبر والفوائد منها:
ذكر الصنفين المبطلين:
أحدهما: منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها{ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا}.
والثاني: المكذّب بالحق{أو كذب بآياته}الناس إلى ذلك الباطل
-وهذان النوعان يعرضان لكل مبطل فإذا انضاف إلى ذلك دعوته
ضوعف له العذاب كما قال تعالى {ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار} ضاعف عليهم العذاب بما أضلّونا وصدّونا عن طاعة رسلك.
[قال] الله تعالى: {لكلٍّ ضعفٌ} من الاتباع والمتبوعين بحسب ضلاله وكفره

-حال الأتباع المخالفين لمتبوعيهم:

{فهم الذين ذكرهم الله بقوله تعالى {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار}
-فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى والأتباع ادعوا أنهم على طريقتهم وهم في الحقيقة مخالفون لهم ولمنهاجهم فقد اتخذوهم أولياء من دون الله وظنوا أن هذا الإتخاذ ينفعهم ولكن قال الله تعالى {وتقطعت بهم الأسباب}فأبطل الله كل الأسباب التى كانت بينهم في الدنيالغير الله فكل سبب ووسيلة ومودة وموالاة كانت في الدنيا لغير الله يقطعها الله يوم القيامة وتصير هباء منثورا ولايبقى إلا السبب الموصل بين العبد وربه ،قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}لا ينتفع منها صاحبها بشيء أصلًا؛ وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة أن يرى سعيه كلّه ضائعًا لم ينتفع منه بشيء، وهو أحوج ما كان العامل إلى عمله، وقد سعد أهل السّعي النافع بسعيهم)
-وهذا هو حظ العبد من الهجرة إلى الله وإلى رسوله ولوازمها من الحب والبغض في الله والموالاة في الله والبغض في الله وتجريد متابعة الرسول من شوائب الالتفات إلى غيره فضلا عن تقديم قول غيره عليه

-فمن جرد عبادته لله وهى العبودية المحضة التي لا وجود لها ولا تحقّق إلا بتجريد متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فقد أتى بالسبب الذي لاينقطع بصاحبه يوم يقطع الله الأسباب والعلق والوصلات التي كانت بين الخلق في الدنيا كلها,

- الأتباع السعداء نوعان :
-النوع الأول :أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}
-وهؤلاء السعداء هم الأولون :صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة لايختص بالقرن الذين أوهم فيه وإنما خصّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه
-وهذه التبعية ليست مطلقة فتحصل بمجرد النسبة والاتباع في شيء والمخالفة في غيره، ولكن تبعية] مصاحبةٌ للإحسان؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، والإحسان في المتابعة شرطٌ في حصول رضى الله عنهم وجنّاته
-واللنوع الثانى:من هؤلاء السعداء هم الذين ذكرهم الله تعالى بقوله {وآخرون منهم لما يلحقوا بهم} والمراد لم يلحقوا بهم في الزمان ومايترتب عليه من فضل الصحبة والرتبة وكلاهما من السعداء
-النوع الثانى من الأتباع السعداء وهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21).
-الإلحاق المذكور إنما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب ؛فربما وقع في الوهم أن إلحاق الذرية أيضًا حاصلٌ بهم في حكم العدل، فإذا اكتسبوا سيئاتٍ أوجبت عقوبة، كان كل عامل رهينًا بكسبه لا يتعلق بغيره منه شيء لذا قال {كل امرىء بما كسب رهين}.

-أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم:
القسم الأول : كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير
-فشبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب
-وشبّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فإذا أصابها الغيث ارتوت منه، ثمّ أنبتت من كل زوجٍ بهيجٍ.
فهذا مثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو يقبل العلم بذكائه، ويثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.

القسم الثانى: وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا
أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسّقي منها والازدراع.
وهذا مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه".وهذا القسم مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والكسب، ولكنه حافظٌ لماله، لا يحسن التصرف والتقلّب فيه.

القسم الثالث: وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً
-أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع بشيء منه.
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه، وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ الماء، وهو مثل الفقير الذي لا مال له، ولا يحسن يمسك مالًا وهذا مثل القلب الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
-فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم، منها قسمان سعيدان، وقسمٌ شقي .
-الهجرة إلى الله وإلى رسوله سفر يحتاج فيه المسافر إلى أمور:
-الزاد: العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين
-المركب: صدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به
-الطريق : هو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا
ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما:
أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم
والثاني:
أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال
-ولا يتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رخاءً في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه

-ورأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن

-كيف يكون تدبر القرآن ومثال لذلك
قال الله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قال سلامٌ قومٌ منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمينٍ (26) فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون (27)} إلى قوله: {الحكيم العليم (30)}.لك:
فقد تضمنت هذه الآيات أسرار بديعة
1.تضمنت من أنواع الثناء على إبراهيم:
قوله: {ضيف إبراهيم المكرمين} فإن في {المكرمين} قولين:
أحدهما: إكرام إبراهيم لهم؛ ففيه مدحٌ له بإكرام الضيف.
والثاني: أنهم مكرمون عند الله؛ كقوله: {بل عبادٌ مكرمون (26)}، وهو متضمن أيضًا لتعظيم خليله ومدحه؛ إذ جعل ملائكته المكرمين أضيافًا له
{فقالوا سلامًا قال سلامٌ} متضمن لمدحٍ آخر لإبراهيم حيث ردّ عليهم أحسن مما حيّوه به فتحيته بالجملة الاسمية التى تفيد الثبوت والدوام وتحيتهم بالجملة الفعلية التى تفيد التجدد والاستمرار
. قوله {فجاء بعجل سمين}فيه: خدمة ضيفه بنفسه، فإنه لم يرسل به، وإنما جاء به بنفسه.
أنه جاءهم بحيوان تام لم يأتهم ببعضه؛ ليتخيّروا من أطايب لحمه ما شاءوا
: أنه سمين ليس بمهزولٍ، وهذا من نفائس الأموال، ولد البقرة السمين، فإنهم يعجبون به، فمن كرمه هان عليه ذبحه وإحضاره.


و2-كيف جمعت آداب الضيافة وحقوقها.
قوله {فراغ إلى أهله} , والروغان: الذهاب في سرعة واختفاءٍ، وهو يتضمن المبادرة إلى إكرام الضيف، والاختفاء ترك تخجيله وألا يعرّضه للحياء
قوله: {إليهم} متضمنٌ لمدحٍ وأدبٍ آخر، وهو إحضار الطعام إلى بين أيدي الضيف، بخلاف من يهيّئ الطعام في موضع، ثم يقيم ضيفه؛ فيورده عليه.
وقوله: {قال ألا تأكلون } فيه مدحٌ وأدب آخر؛ فإنه عرض عليهم الأكل بقوله: {ألا تأكلون }، وهذه صيغة عرضٍ مؤذنة بالتلطف، بخلاف من يقول: ضعوا أيديكم في الطعام، كلوا، تقدموا، ونحو ذلك.

3-وكيف يراعى الضيف.
4.وما تضمنت من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة
-قوله: {قالوا كذلك قال ربّك} متضمن لإثبات صفة القول [له]
-بصفة الحكمة، والإنكار على من يزعم أنه خلق الخلق عبثًا أو سدىً أو باطلًا. فنفس حكمته تتضمن الشرع والقدر، والثواب والعقاب، ولهذا كان أصح القولين أن المعاد يعلم بالعقل، وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته
5-وكيف تضمنت علمًا عظيمًا من أعلام النبوة.
قال الله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} ففيه التنبيه على أن إتيان هذا إليك علمٌ من أعلام النّبوة؛ فإنه من الغيب الذي لا تعلمه أنت ولا قومك، فهل أتاك من غير إعلامنا وإرسالنا وتعريفنا أم لم يأتك إلا من قبلنا؟

6-كيف تضمنت جميع صفات الكمال، التي مردّها إلى العلم والحكمة.
قوله: {إنّه هو الحكيم العليم }متضمنٌ لإثبات صفة الحكمة والعلم اللذين هما مصدر الخلق والأمر، فجميع ما خلقه سبحانه صادرٌ عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدره عن علمه وحكمته.
والعلم والحكمة متضمنان لجميع الكمال، فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من القومية، [والقدرة]، والبقاء، والسمع، والبصر، وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التّام والحكمة تتضمن كمال الإرادة، من العدل، والرحمة، والإحسان، والجود، والبر، ووضع الأشياء مواضعها على أحسن وجوهها، ويتضمن إرسال الرسل، وإثبات الثواب والعقاب.

7-كيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحت بوقوعه.
اسمه "الحكيم"، كما هي طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحكمة، والإنكار على من يزعم أنه خلق الخلق عبثًا أو سدىً أو باطلًا. فنفس حكمته تتضمن الشرع والقدر، والثواب والعقاب، ولهذا كان أصح القولين أن المعاد يعلم بالعقل، وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته
فقد ذكر سبحانه قصة الملائكة في إرسالهم لإهلاك قوم لوط، وإرسال الحجارة المسوّمة عليهم فيه الدلالة على المعاد والثواب والعقاب؛ لوقوعه عيانًا في هذا العالم، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على صدق رسله وصحة ما أخبروا به عن ربهم
8-كيف تضمنت الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذّبة
9-وتضمنت ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما
{فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين (35) فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين}، ففرّق بين الإسلام والإيمان هنا لسرٍّ اقتضاه الكلام؛ فإن الإخراج هنا عبارة عن النجاة، فهو إخراج نجاةٍ من العذاب، ولا ريب أن هذا مختصٌّ بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرًا وباطنًا ولما كان الموجودون بالبيت من الخرجين أطلق عليهم اسم الإسلام لأن امرأة لوط كانت موجودة ببيت لوط تظهر إسلامها فلم تكن من المؤمنين الناجين
وتبين أن المسلمين مستثنين مما وقع عليه فعل الوجود، والمؤمنين غير مستثنين منهم، بل هم المخرجون الناجون
10-وتضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده، وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر
11.وتضمنت أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة، وهم المؤمنون بها، وأما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات

قوله تعالى: {وتركنا فيها آيةً للّذين يخافون العذاب الأليم}فيه دليل على أن آيات الله سبحانه وعجائبه التي فعلها في هذا العالم وأبقى آثارها دالّةً عليه وعلى صدق رسله، إنما ينتفع بها من يؤمن بالمعاد، ويخشى عذاب الله؛ كما قال تعالى في موضع آخر: {إنّ في ذلك لآيةً لمن خاف عذاب الآخرة}، وقال تعالى: {سيذّكّر من يخشى

من هو رفيق السقر في هذه الهجرة ؟
-الغالب أن الناس لايعين بعضهم بعضا في هذا السفر إلا نادرا لكثرة اللوم والاعتراض والتأنيب بالتصريح والتلميح لذا كان من التعاون على هذا السفرالإعراض وترك اللائمة والاعتراض ؛فلايتوقف العبد عن سيره منتظرا رفيقا معينا قد لايجده ولكن يسير غريبا وحيدا وهذا دليل صدق المحبة
-فمن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات، فإنهم يقطعون [عليه] طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفق له من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتّان بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم".
-فيسير بين الناس غريبًايرى ما الناس فيه، وهم لا يرون ما هو فيه، يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين:
-عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
-عين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير فيما لا يخلّ بأمرٍ ولا يعود بنقض شرعٍ، قد وسعتهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته،
واقفًا عند قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }، متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم. فلو أخذ الناس كلّهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم:
1-فإن العفو ما عفا من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم، ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه
2-وأما أمرهم بالمعروف، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به وهذا مايكون منه إلى الناس .
3-أما ما يتّقي به أذى جاهلهم؛ فالإعراض عنهم، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها
وكل شر يلحق العبد فبسبب إخلاله بهذه الثلاث أو بعضها مع القيام بها، فكل ما يحصل له من الناس فهو خيرٌ له وإن كان شرًّا في الظاهر، فإنّه متولّدٌ من القيام بالأمر [بالمعروف]، ولا يتولّد منه إلا خيرٌ وإن ورد في حالة شرٍّ وأذًى؛ كما قال تعالى: {إنّ الّذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شرًّا لكم بل هو خيرٌ لكم}،
وقال تعالى لنبيه: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه}.

وقد تضمنت هذه الآية مراعاة حق الله وحق الخلق:
-فإن أساؤوا في حقك فاعف عنهم وإن أساؤا في حق الله فاستغفر لهم واستجلب قلوبهم بمشاورتهم فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتهم وبذلهم النصيحة
-وقد أدب الله رسوله بهذه الأخلاق الجميلة ومدحه بها {وإنك لعلى خلق عظيم}

وهذه الأخلاق الحسنة لاتتم إلا بثلاثة أشياء من وفق لها فقد حصل له خير عظيم وكان من الذين سبقت لهم الحسنى سعداء الدارين المشار إليهم في حديث {مثل مابعثنى الله به من الهدى..}:
أحدها: أن يكون العود طيبًا، فأما إذا كانت الطبيعة جافيةً غليظةً يابسةً عسر عليها مزاولة ذلك علمًا وإرادةً وعملًا، بخلاف الطبيعة المنقادة اللّينة السّلسة القياد، فإنها مستعدّةٌ إنما تريد الحرث والبذر.
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى، فإن هذه أعداء الكمال، فإن لم تقو النفس على قهرها وإلا لم تزل مغلوبةً مقهورةً.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، وتنزيلها منازلها، يميز به بين الشّحم والورم، والزجاجة والجوهرة.

نختم بثمرات الهجرة إلى الله تعالى وحده :

-فلو وفّى العبد هذا المقام حقّه لرأى العجب العجيب من فضل ربّه وبرّه ولطفه ودفاعه عنه، والإقبال بقلوب عباده إليه، وإسكان الرّحمة والمحبة له في قلوبهم، ولكن نقول: ربّنا غلب علينا لؤمنا، وجهلنا وظلمنا وإساءتنا من أدلّ شيءٍ منه، فها نحن مقرّون بالتفريط والتقصير، ومن ادّعى منّا عندك وجاهةً فليس إلّا ذليلٌ حقيرٌ، فإن تكلنا إلى أنفسنا تكلنا إلى ضيعةٍ وعجز وذنب وخطيئة؛ فوا حسرتاه ووا أسفاه على رضاك! ولو غضب كل أحدٍ سواك، وعلى إيثار طاعتك ومحبتك على ما سواهما، وعلى صدق المعاملة معك

الخلاصة في ثلاث كلمات كان يتكلم بها بعض السلف:
"من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".

المقصد الكلي من الرسالة
قال المصنف رحمه الله :ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الوريقة، علم أنها من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا الذي قصد مسطّرها بكتابتها، وجعلها هديته المعجّلة السابقة إلى أصحابه ورفقائه في طلب العلم.

المقاصد الفرعية:
- المقصد من اجتماع الناس وتعاشرهم تعاونهم على البر والتقوى
-من البر والتقوى الهجرة إلى الله وإلى رسوله (شأنها وحدها وأقسامها)
-بيان حقيقة الهجرة إلى الله وإلى الرسول وهى الهجرة القلبية
-معنى الهجرة إلى الله وماتتضمنه ومايلزم منها
-جملة من النصوص الدالة على وجوب اتباع الرسول والتحاكم لشرعه وتفصيل ذلك
-أقسام الخلائق أمام دعوة النبي صلى الله عليه وسلم
-بيان حال الأتباع السعداء والأشقياء وأقسامهم
-مايحتاجه المهاجر إلى الله ورسوله في سفره
-زاد السفر العلم بالوحيين وتدبر القرآن
-نموذج على معنى التدبر وكيفيته
-رفيق السفر النافع
-كيف ينبغى لهذا المهاجر الغريب أن ينظر للناس حوله
-جماع حسن الخلق في آية الأعراف
-نصيحة بليغة فيها خلاصة ماتضمنته الرسالة

خلاصة الرسالة :
من خلال قراءتى للرسالة أرى ملخصها كمايلي:
ذكر مقدمة نافعة عن أهمية التعاون على البر والتقوى ومعنى البر ومعنى التقوى مع ذكر قاعدة جليلة في التفريق بين معانى الألفاظ الممتقاربة في القرآن وأثر ذلك في فهم معانى القرآن ودلالاته ،ثم بين رحمه الله أن من البر والتقوى بل هو عينه الهجرة إلى الله ورسوله وأنه مقتضى الشهادتين وأن هاتين الهجرتين لا انفكاك لأحد عنهما وذكر أهميتهما وضرورة الاعتناء بهما وتحقيقهما فذكر حد الهجرة إلى الله ثم استفاض في ذكر شأن الهجرة إلى الرسول وحدها واستدل على وجوب توحيد الاتباع بأدلة كثيرة وقف مع كل دليل وقفة بديعة يستنبط منه براهين الاتباع ،ثم ذكر أن الهجرة سفر وأن السفر يلزم له الزاد والمركب والطريق وربما الرفيق فنوه على كل واحد من هذه الأربع وتوقف عند الزاد الذي هو تدبر القرآن فذكر نموذج لمعنى التدبر وتوقف عند ذكر الرفيق وبين أن حال أكثر الخلق لايعين عليه ونصح بمرافقة الأموات والتحلي بالصبر وحسن معاشرة الخلق التى هى أيضا من التعاون على البر والتقوى وذكر الآية الجامعة في حسن الخلق وأشار للأسباب المعينة عليه وختم رسالته بذكر مقصدها وأنه أهداها لصحبة الخير من طلاب العلم فكأنها وصية لمهاجر أو مسافر في طريق إلى الله ورسوله والله أعلم

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 5 شعبان 1439هـ/20-04-2018م, 10:30 PM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

التطبيق الثاني
الرسالة التبوكية لابن القيم


فصل في الأمر بالتعاون على البر والتقوى
قال تعالى : (وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب)
- بعض الفوائد من الآية الكريمة (وتعاونوا على البر والتقوى)
- الواجب على المسلم إما واجب بينه وبين الله أو واجب بينه وبين الخلق
- الواجب بينه وبين الله : إيثار طاعته وتجنب معصيته ، وتمام ذلك بعزل الخلق من البين والقيام به إخلاصا ومحبة وعبودية .
- الواجب بينه وبين الخلق : هو حسن المعاشرة والمعاونة وتمام ذلك بعزل نفسه عن الوسط والقيام به لمحض النصيحة والإحسان .
- الهدف من اجتماع الناس هو التعاون على البر والتقوى علما وعملا
قاعدة في افراد واقتران الأسماء المتضمنة أوالملازمة لبعضها
- عند أفراد كل واحد منهما يدخل الأخر فيه إما تضمنا وإما لزوما
- عند اقترانهما فيكون لكل اسم معنى خاص به والفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها
الفرق بين البر والتقوى
البر لغة : من برَّ ، ورجل بار وأبرار ، فهي كلمة تدل على جميع أنواع الخير والكمال المطلوب .
التقوى لغة : هي فعلى من وقى يقي الدالة على الوقاية ، والمتقي جعل بينه وبين النار وقاية .
المعنى عند افتراق الكلمتين
البر: كلمة جامعة لجميع أنواع الخير وتشمل حقائق الدين والإيمان بالله وملائكته وكتبه ، وكذلك الشرائع الظاهرة وأعمال القلب والجوارح .
التقوى : العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا ، وترك ما نهى الله إيمانا واحتسابا .
المعنى عند اقتران الكلمتين
البر : هو المطلوب لذاته فلا صلاح للعبد إلا به
التقوى : هي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه .
- جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين إيمانا واحتسابا
السبب لجمع النبي صلى الله عليه وسلم بينها أن الإيمان هو مصدر العمل والسبب الباعث عليه ، أما الاحتساب فهو الغاية التي لأجلها يوقع العمل .
-المفاسد المستلزمة للجهل بهذه القاعدة :
1- أن يدخل في مسمى اللفظ ما ليس منه
2- أن يخرج من مسماه بعض أفراده الداخلة تحته
بعض الفوائد من قوله (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
الفرق بين الإثم والعدوان :
الإثم : هو كل ما كان حراما لجنسه
العدوان : ما حرّم الزيادة في قدره وتعدي ما أباح الله .
الفرق بينها : فرق ما بين محرم الجنس ومحرم القدر
الفرق بين تعدى حدود الله والاقتراب منها :
- الحدود هي النهايات الفاصلة بين الحلام والحرام ، فإذا دخلت في الشيء فتكون منه والنهي يكون عن تعديها ، وأما إذا لم تدخل فيكون النهي عن قربانها.
فصل في الهجرة إلى الله ورسوله
أنواع الهجرة :
- الهجرة بالجسد من بلد لبلد
- الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله ، والكلام هنا عليها .
أولا مفهوم الهجرة إلى الله
الهجرة إلى الله من لوازم قول لا إله إلا الله ، والفرار من الله إليه كما قال تعالى (ففروا إلى الله ) .
1- مفهوم الفرار إلى الله يتضمن توحيد الله وإفراده بالطلب والعبودية ولوازمها من محبة وخشية وإنابة وتوكل وغير ذلك المقتضي لتوحيد الإلهية .
2- مفهوم الفرار منه إليه : يتضمن ذلك توحيد الربوبية وإثبات القدر .
وهذان المفهومان ما عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله (أعوذ بك منك) ، وقوله (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) .
-أهمية هذين المفهومين
تصورهما يوجب للعبد انقطاع تعلق القلب بغير الله بالكلية ، وإفراده وحده بالخوف والرجاء ، وهجران كل ما يكرهه واتباع كل ما يحبه ، وكلما قوي داعي المحبة قويت الهجرة .
- أسباب الانشغال عن الهجرة الواجبة
1- الإعراض عما خلق العبد له
2- الاشتغال بما لا ينجيه غيره
3- الغشاوة على البصيرة ، وضعف المعرفة بمراتب العلوم والأعمال .

ثانيا : مفهوم الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم :
حدها : سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان ونوازل القلوب إلى الهدي المتلقي منه صلى الله عليه وسلم
حكمها : فرض على كل مسلم ، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله ، ويسأل كل عبد عن هذين الهجرتين يوم القيامة ، ويطالب بهما في الدنيا والآخرة .
الأدلة على هذه الهجرة :
أولا : تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر والتسليم لحكمه .
قال تعالى : (فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا)
من فوائد الآية الكريمة
- لا يثبت للعبد إيمان إلا بتحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في كل عمل
- تلقي حكمه بالقبول وانشراح الصدر
- الخضوع والانقياد لما حكم والتسليم له من غير قهر ولا مصابرة .
- معرفة العبد لمنزلته بمطالعة قلبه عند ورود حكم للنبي صلى الله عليه وسلم على خلاف هواه وغرضه
- معرفة العبد أن سعادته وفلاحه في التسليم لحكم النبي صلى الله عليه وسلم .
- تأكيد معنى الآية بعدة تأكيدات مما يدل على شدة الحاجة إلى هذا الأمر العظيم ، ومن هذه التأكيدات :
- التأكيد بتصدير الآية بلا النافية الداخلة على القسم
- التأكيد بنفي القسم
- التأكيد بالمقسم به وهو القسم بنفسه سبحانه
- التأكيد بانتفاء الحرج ووجوب التسليم
- تأكيد الفعل بالمصدر .

ثانيا : ما لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به من نفسه فليس من المؤمنين
قال تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
من فوائد الآية الكريمة :
- أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه الملازم له الطاعة والتسليم والانقياد والرضى بحكمه .
- أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول صلى الله عليه وسلم .
- لا تثبت الأولوية إلا بعزل كل ما سواه وتوليته في كل شيء .

ثالثا : القيام بالقسط والعدل ، والشهادة لله
قال تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا )
من فوائد الآية الكريمة :
- أحق ما قام به العبد بالقسط يكون في الأقوال والآراء والمذاهب إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره .
- الشاهد هو المخبر ، فإن أخبر بحق فهو شاهد عدل ، وإن أخبر بباطل فهو شاهد زور .
- تضمنت الآية القيام بالقسط ويكون لله
- تضمنت الآية الشهادة بالقسط ويكون لله
- قوله (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) يتضمن امتحان للعبد ليعرف منزلة الإيمان في قلبه ، فلا يدفعه حب نفسه أو الوالدين أن يترك القيام بالقسط والدخول في الباطل .
- قوله (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) تشمل معنيان : فيكون عدم القيام بالقسط إما رجاء ما عند الغني من نفع وعدم الانتفاع من الفقير ، وإما خوفا على الغني لماله ، وعلى الفقير لإعدامه فقيل لهم : فالله أولى بهما .
- النهي عن اتباع الهوى الحامل على ترك العدل
- سبب كتمان الحق هي اللي أو الإعراض
- اللي هو التحريف ويكون باللفظ أو بالمعنى
- الواجب الذي لا يتمّ الإيمان إلا به مقابلة النصوص بالتّلقّي والقبول، والإظهار لها، ودعوة الخلق إليها, فلا تقابل بالإعراض تارةً، وباللّيّ أخرى.

رابعا : طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم شرط لحصول الهداية
قال تعالى : (قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين)
من فوائد الآية الكريمة :
- طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم شرط في الهداية
- الآية نص على انتفاء الهداية عند انتفاء الطاعة
- حمّل الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغ الرسالة إليكم ولا يضره توليكم .
- حملتم الطاعة والتسليم والانقياد ، فإن قمتم بما حملتم فلكم السعادة والفلاح ، وإلا فما على الرسول إلا البلاغ .

خامسا : طاعة الله ورسوله ورد المتنازع فيه إليهما .
قال تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا)
من فوائد الآية الكريمة :
- افتتاح الآية بالنداء باسم الإيمان ليشعر أن المطلوب من موجبات الإيمان .
- الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
- إعادة الفعل (أطيعوا) واقترانه بطاعة أولي الأمر دلالة على أن ما يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم يجب طاعته فيه ، وإن لم يكن مأمورا به بعينه في القرآن ، وأما أولو الأمر فلا تجب طاعتهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
- الرد في قوله (فردوه إلى الله والرسول) يكون الرد إلى القرآن رد إلى الله والرسول ، والرد إلى السنة رد إلى الله والرسول ، فحكم الله هو بعينه حكم الرسول صلى الله عليه وسلم .
- المقصود بأولي الأمر : اختلف في ذلك ، فقيل هم العلماء ، وقيل هم الأمراء ، والصحيح : الآية تتناول الصنفين جميعا ، فالعلماء ولاة الأمر حفظا وبيانا وبلاغا ، والأمراء ولاته قياما ورعاية وجهادا وإلزاما للناس .
- وجوب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم فقط لقوله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )
- طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم ورد التنازع إليها خير في الحياة الدنيا والأخرة وسعادة في الدارين .
- مصدر الشرور في الدنيا والآخرة هي مخالفة الرسول والخروج عن طاعته .
- أسباب الكمال الإنساني : العلم بما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، والعمل به ، وبثه في الناس والدعوة إليه ، والصبر والجهاد في أدائه وتنفيذه.

سادسا : وجوب اتباع ما أنزل الله على رسوله وإلا فإنه يتبع الباطل والأولياء من دون الله .
قال تعالى : (اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون)

فصل في أنواع الأتباع والمتبوعين
أولا : الأتباع والمتبوعين من أهل الشقاء ، وهم قسمين
الأتباع والمتبوعين المشتركين معا في الضلالة
- قال تعالى : (فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37) قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)
من فوائد الآية الكريمة :
-توضح الآية أصناف المبطلين :
منشئ للباطل وواضع له وداعي إليه ، فهو كافر بالافتراء .
المكذب بالحق ، وهو كافر بجحود الحق
- إذا دعوا الناس للباطل وصدوا عن الحق استحقوا تضعيف العذاب لتضاعف الكفر والشر
- إبطال دعوة ما كانوا يوالونه ويعادونه من دون الله .
2- الاتباع المخالفون لمتبوعيهم ويزعمون أنهم تبع لهم
قال تعالى : (إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار )).
من فوائد الآية الكريمة :
- تبرؤ المتبوعون من أتباعهم الذين اتخذوهم أولياء من دون الله .
- كل من اتخذ من دون الله ورسوله وليجة فأعماله باطلة مردودة .
- لا يبقى من عمل المرء إلا حظه من العبودية المحضة والهجرة الواجبة إلى الله ورسوله .

ثانيا : الأتباع السعداء ، وهم قسمان :
1- أتباع لهم حكم الاستقلال ، قال تعالى : (والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه) ، فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة .
والتبعية فيها قولان :
- التأخر وعدم اللحاق بهم يكون في الزمان
- لم يلحقوا بهم في الفضل ولا في الزمان
والقولان متلازمان .
2 - أتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في الدنيا ، قال تعالى : (والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ)
من فوائد الآية :
- إلحاق الذرية بآبائهم في الجنة فضلا منه سبحانه
- عدم انقاص الآباء من عملهم شيئا
- الإلحاق يكون في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب .

أقسام الخلق بالنسبة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم
1- عالم معلم داع إلى الله على بصيرة : فهذا قلبه زكي ذكي يقبل العلم ويثمر بموجبه وفقهه وجوه الحكم كالأرض الزكية القابلة للماء والنبات
2- حافظ مؤد لما سمعه فيحمل إلى غيره ما يتجر به المحمول إليه ، فقلبه حافظ للعلم مؤد لما سمعه ، مثل الأرض الصلبة القابلة لثبوت الماء فيها وحفظه .
3- لم يقبل العلم ولا رفع به رأسا ، فهذا قلبه لا يقبل العلم ولا الفقه ولا الدراية ، مثل الأرض المستوي الذي لا ينبت الزرع ولا يمسك الماء .

فصل في حال المسافر إلى الله ورسوله

كيفية السفر : تكون بالتعاون باليد واللسان والقلب نصيحة ومساعدة وإرشادا وتعليما .
زاد السفر : العلم الموروث عن خاتم الأنبياء
طريقه : بذل الجهد واستفراغ الوسع عن طريق :
- لا يصبوا في الحق إلى لومة لائم
- أن تهون عليه نفسه في الله فلا يهتم بالمخاطر والأهوال
- الصبر الذي لا يتم الأمر إلا به
مركبه : اللجوء إلى الله والانقطاع إليه بكليته ، والافتقار والضراعة إليه ، وصدق التوكل عليه .
رأس مال الأمر وعموده : تدبر القرآن ، وانشغال الفكر والقلب به ليتمكن الإيمان منه .
كيفية تدبر القرآن
لا شك أن الأفهام تتفاوت في تدبر القرآن والغوص في أعماقه واستخراج درره وكنوزه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
مثال على تدبر القرآن
مواقف الناس من المسافر إلى الله
- المعارض المناقض
- اللائم بالتأنيب مصرحا ومعرضا
- الفارغ عن هذه الحركة معرضا
- من خلاك وطريقك ولم يطرح عليك شره
واجب المسافر إلى الله ورسوله نحو الناس :
أن يكون له عينان ، عين تنظر إلى الأمر والنهي فيأمرهم وينهاهم ، وعين ناظرة إلى القضاء والقدر ، فيرحمهم ويستغفر لهم ويعذرهم ، ويتقي أذى جهلهم ويعرض عنهم ويترك الانتقام لنفسه .
صفات الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى :
1- أن يكون العود طيبا ، والنفس منقادة سلسلة لينة
2- علم شاف بحقائق الأمور وتنزيلها منازلها
3- أن تكون النفس قوية غالبة لدواعي البطالة والغي .
4- توفيق الله سبحانه لهم
تلخيص الكاتب للرسالة
" من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه

المقصد الكلي للرسالة :
أهمية التعاون على البر والتقوى ، ووجوب الهجرة إلى الله ورسوله ، والصفات التي يتصف بها المسافر لله ورسوله ، وأنواع الأتباع والمتبوعين السعداء والأشقياء ومصيرهم ، وأهمية تدبر القرآن

المقاصد الفرعية
1- فصل في أهمية التعاون على البر والتقوى
-الواجب على المسلم بينه وبين الله
- الواجب على المسلم بينه وبين الناس
الهدف من اجتماع الناس
2- قاعدة في إفراد واقتران الأسماء المتضمنة أو الملازمة لبعضها
- الفرق بين البر والتقوى
المعنى عند افتراق الكلمتين
المعنى عند اقتران الكلمتين
- جمع النبي بين إيمانا واحتسابا
-المفاسد المستلزمة للجهل بهذه القاعدة
الفرق بين الإثم والعدوان
3- فصل في الهجرة إلى الله ورسوله
- أنواع الهجرة
أولا : الهجرة إلى الله سبحانه
- مفهوم الفرار إلى الله
- مفهوم الفرار منه إليه
- أسباب الانشغال عن الهجرة الواجبة
ثانيا : الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
- حدها وحكمها
- الأدلة على هذه الهجرة
4- فصل في أنواع الأتباع والمتبوعين
- الأتباع الأشقياء وأنواعهم
- الأتباع السعداء وأنواعهم
- مفهوم التبعية
5- أقسام الخلائق بالنسبة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم
6- فصل في حال المسافر إلى الله ورسوله
- كيفية التعاون على السفر
- زاد السفر
- طرق السفر
- مركب السفر
- رأس الأمر وعموده
- أهمية تدبر القرآن
- مثال على اختلاف الأفهام في تدبر القرآن
- مواقف الناس من المسافر إلى الله ورسوله
- حال المسافر إلى الله ورسوله من الناس
- صفات الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 شعبان 1439هـ/26-04-2018م, 12:10 AM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

الرسالة التبوكية لابن القيم.
قال تعالى : {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)}.
هذه الآية تضمنت على جميع مصالح العباد في رزقهم ومعاشهم ، وفيما بينهم وبين خالقهم وبين بعضهم لبعض.
-واجب مابينهم وبين الله سبحانه وتعالى ، ولايتم إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.
-وواجب مابينهم وبين الخلق ،من المعاشرة والمعاونة والصحبة ، فيكون تعاونهم على مرضاة الله وطاعته ، ولايتم إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر.
&إفراد واقتران كلمتي "البر والتقوى " وهما جماع الدين كله
-عند الإفراد.
إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر؛ لأن البرّ جزء مسمّى التقوى، وكذلك التقوى فإنه جزء مسمّى البر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند الانفراد.
-وعند الإقتران.
وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه.
&مايعبر به عن البر ، وحقيقته ومعناه ومايشمل عليه.
-معنى البر ومايضادها في اللفظ.
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد .
وفي مقابلته "الإثم"، وفي حديث النّواس بن سمعان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [له]: (جئت تسأل عن البرّ والإثم) ؛ فالإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليه
-حقيقة البر.
هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام.
-مايدخل في مسمى البر.
فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزء هذا المعنى، وأكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان [فيه] وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان، فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذاذة في القلب، فمن لم يجدها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه، وهو من القسم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}.

-خصال البر وجوامعه.
قال تعالى :( ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.
فأخبر سبحانه أن البرّ هو الإيمان به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها.
وأنه الشرائع الظاهرة: من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة.
وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه؛ من الصبر والوفاء بالعهد.
&حقيقة التقوى.
العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
& حد التقوى والباعث إليها.
لا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابدّ أن يكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب.
& المفاسد المستلزمة لعدم العلم بهما.
١/أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
٢/أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما.
ويدخل فيه :
لفظ "الخمر"؛ فإنه اسم شامل لكل مسكر، فلا يجوز إخراج بعض المسكرات منه، وينفى عنها حكمه.
وكذلك لفظ "الميسر"، وإخراج بعض أنواع القمار منه.
وكذلك لفظ "النكاح"، وإدخال ما ليس بنكاح في مسمّاه.
وكذلك لفظ "الربا"، وإخراج بعض أنواعه منه، وإدخال ما ليس بربًا فيه.
وكذلك لفظ "الظلم والعدل"، و"المعروف والمنكر.
& الحكمة من جعل الإنسان قائم بعضه ببعض.
المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم التعاون على البر والتقوى؛ فيعين كلّ واحد صاحبه على ذلك علما وعملا. فإنّ العبد وحده لا يستقلّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه، فاقتضت حكمة الربّ سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعض، معينًا بعضه لبعض.
&معنى الإثم والعدوان والفرق بينهما.
فالإثم: ما كان حراما لجنسه.
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه، فالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحوها إثم. ونكاح الخامسة، واستيفاء المجنيّ عليه أكثر من حقه، ونحوه عدوان.
والفرق بينهما فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر.
&دلالة لفظ الآيتين في حدود الله والنهي عنها.
قال تعالى :"تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229)}، وقال في موضع آخر: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}.
حدود الله نهى الله عن تعديها في آية وعن قربانها في آية اخرى ، وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فبالاعتبار الأول نهى عن تعدّيها، وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها).
&أنواع الهجرة
-الهجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها.
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها .
&النوع الأول : الهجرة إلى الله
معناه :هي الفرار إليه ، قال تعالى :" ففروا إلى الله " ، فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه.
_مايتضمنه الفرار إلى الله سبحانه.
-الفرار "من" و"إلى" إليه سبحانه يتضمن إفراده بالطلب والعبودية، ولوازمها من المحبة والخشية والإنابة والتوكل وسائر منازل العبودية، فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم .
-الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده؛ فإنه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن، وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فرّ العبد إلى الله فإنما يفرّ من شيء وجد بمشيئة الله وقدره؛ فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه.
_ارتباط الإيمان بالهجرة في غير موضع بكتاب الله
الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وداعي الإيمان يدعوه إلى مرضاة ربه، فعليه في كل وقت أن يهاجر إلى الله، ولا ينفكّ في هجرة حتى الممات)،ولهذا يقرن سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن في غير موضع؛ لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر.
&على ماذا يبنى قوة وضعف الهجرة.
فكلما كان داعي [المحبة] في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة [أقوى و] أتمّ وأكمل .
وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.
النوع الثاني :الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , معناها , وحكمها .
هي هجرة شأنها عظيم ، وطريقها وعر وبعيد ، والمقصود أن هذه الهجرة فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله.
-فحدّ هذه الهجرة:
سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى }.
&لايثبت الإيمان في قلب المؤمن ولايصدق إلا بشروط
-تحكيم شرع الله سبحانه بلسان نبيه صلوات الله وسلامه عليه
-الخضوع والتسليم له ، والرضى بما حكم وقسم له.
قال تعالى :( فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا ).
&أوجه التأكيد لهذا المعنى بقوله ( فلا وربك لايؤمنون ....).
-أولها: تصديرها بلا النافية، وليست زائدة كما يظنّ من يظنّ ذلك، وإنما دخولها لسرٍّ في القسم، وهو الإيذان بتضمّن المقسم عليه للنّفي، وهو قوله: {لا يؤمنون}.
-في كلام العرب، إذا أقسموا على نفي شيء صدروا جملة القسم بأداة نفي، مثل هذه الآية، ومثل قول الصديق - رضي الله عنه -: "لاها الله، لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله؛ فيعطيك سلبه".
وثانيها: تأكيده بنفس القسم.
وثالثها: تأكيده بالمقسم به، وهو إقسامه بنفسه لا بشيءٍ من مخلوقاته، وهو سبحانه يقسم بنفسه تارة، وبمخلوقاته تارة.
ورابعها: تأكيده بانتفاء الحرج، ووجود التسليم.
وخامسها: تأكيد الفعل بالمصدر.
-متى يعرف المؤمن منزلته من ذلك.
فلينظر في حاله، وليطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه، أو على خلاف ما قلّد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها، {بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ (14) ولو ألقى معاذيره (15)}.
&دلالة أن الرسول الكريم أولى المؤمنين من أنفسهم.
قال تعالى ( النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} .
وهذه الأولوية تتضمن أموراً:
١/أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ فلا يحصل الإيمان إلا من جعل الرسول أولى من نفسه.
٢/ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول، فلاتصرف له إلا ماتصرف به الرسول وهو أولى منه على نفسه.
-مايلزم هذه الأولوية .
كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
-وما تثبت به الأولوية.
فلا تثبت إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه، وإن لم تتبين شهادته له بصحةٍ ولا بطلانٍ جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، ووقفه حتى يتبيّن له.
قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلواوإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا ).
اشتملت هذه الآية على أسرار عظيمة :
-فأمر سبحانه بالقيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا، وأحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب.
-الشهادة بالعدل لا بالباطل ، فأمر سبحانه بقوله ( شهداء لله ) ، فتضمن أن تكون الشهادة بالقسط أيضًا، وأن تكون لله لا لغيره.
& من يقام عليه بالشهادة والقسط ويكون لله .
-القيام به على نفسه، ووالديه اللذين هما أصله، وأقربيه الذين هم أخصّ به وألصق من سائر الناس،فإنّ ما في العبد من محبته لنفسه ولوالديه وأقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، قال بعض السلف: "العادل هو الذي إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحقّ".
-القيام بالقسط وأداء الشهادة على الغني والفقير؛ أما الغنيّ فخوفًا على ماله، وأما الفقير فلإعدامه،فلا تتركوا أداء الحق والشهادة على غنيٍّ ولا فقير.
-اتباع الهوى الحامل على ترك العدل.
&الأسباب الموجبة لكتمان الحق.
-اللّيّ .
-الإعراض .
فإن الحقّ إذا ظهرت حجّته، ولم يجد من يروم دفعها طريقًا إلى دفعها، أعرض عنها وأمسك عن ذكرها، فكان شيطانًا أخرس، وتارةً يلويها أو يحرّفها.
معنى اللّيّ وأنواعه:
هو التحريف .
أنواعه:
1/ليٌّ في اللفظ، أن يلفظ بها على وجهٍ لا يستلزم الحقّ؛ إما بزيادة لفظة، أو نقصانها، أو إبدالها بغيرها، أو ليًّا في كيفية أدائها، وإيهام السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يلوون ألسنتهم بالسّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
٢/ وليٌّ في المعنى ،وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وتحماله ما لم يرده، أو يسقط منه بعض ما أراد به، ونحو هذا من ليّ المعاني.
ولما كان الشاهد مطالبًا بأداء الشهادة على وجهها، فلا يكتمها ولا يغيّرها، كان الإعراض نظير الكتمان، واللّيّ نظير تغييرها وتبديلها.
& الدليل على طاعة الرسول واتباع سنته وهديه.
قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا ) ٠
أخبر سبحانه أن الهداية إنما هي في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلّق بالشرط؛ فينتفي بانتفائه ، فالآية نصٌّ على انتفاء الهداية عند عدم طاعته، قال الزهري قال: "من الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم".
& الحكمة من افتتاح بعض الآيات بالإيمان عند الخطاب بالشرائع والأحكام.
لأن المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نودوا وخوطبوا به، ففي ذلك إشارة إلى أنكم إن كنتم مؤمنين؛ فالإيمان يقتضي منكم كذا وكذا، فإنّه من موجبات الإيمان وتمامه.
-علة فرق طاعته بطاعة رسوله بالفعل والسر اللطيف فيها.
فهي دلالة على أن ما يأمر به رسوله تجب طاعته فيه وإن لم يكن مأمورًا به بعينه في القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردةً ومقرونةً، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه".
-وقرن طاعة الرسول بطاعة أولي الأمر .
أولو الأمر لا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة".
-اقتضاء إعادة المعنى بقوله تعالى: {فردّوه إلى اللّه والرّسول}، ولم يقل إلى الرسول.
لأن الردّ إلى القرآن ردٌّ إلى الله والرسول، والردّ إلى السنة ردٌّ إلى الله والرسول، فما يحكم به الله هو بعينه حكم رسوله, وما يحكم به الرسول هو بعينه حكم الله.
فإذا رددتم إلى الله ما تنازعتم فيه، يعني إلى كتابه؛ فقد رددتموه إلى الله ورسوله، وكذلك إذا رددتموه إلى رسوله فقد رددتموه إلى الله والرسول، وهذا من أسرار القرآن.
-المقصود بولاة الأمر.
إحداهما: أنهم العلماء.
والثانية: أنهم الأمراء.
والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية. والصحيح: أنها متناولة للصنفين جميعًا؛
فالعلماء ولاته حفظًا، وبيانًا، وبلاغًا، وذبًّا عنه، وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكّلهم الله بذلك.
والأمراء ولاته قيامًا، ورعايةً، وجهادًا، وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه.
فإن العلماء والأمراء هم ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله.
-من أسباب السعادة العاجلة والآجلة.
١/طاعة الله ورسوله ،وتحكيم الله ورسوله ، فكل خير من طاعة الله ورسوله ، وكل شر من مخالفة الله ورسوله.
٢/دعوة الخلق إليه.
٣/وصبره وجهاده على تلك الدّعوة .
-ينحصر الكمال الإنسانيّ في مراتب هي :
إحداها: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
قال تعالى :(قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربّي إنّه سميعٌ قريبٌ) ، فهذا نص صريح في أن هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما حصل بالوحي، فيا عجبًا كيف يحصل الهدى لغيره من الآراء والعقول المختلفة والأقوال المضطربة؟ ولكن ،(يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا *وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا ) ٠
&حال الإخلاء (التابع والمتبوع )على خلاف طاعة الرسول .
قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين ) ، فهذا حال هذين الخليلين المتخالّين على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخلّة إلى العداوة واللعنة؛ والطرد من رحمة الله ، وآلت تلك الطاعة والموالاة إلى الندم الشديد وتمني طاعة الله ورسوله.
وقال تعالى: {افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته} ذكر الصنفين المبطلين:
أحدهما: منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها،كفره بالافتراء وإنشاء الباطل .
والثاني: المكذّب بالحق ،كفره بجحود الحق.
&حال الأتباع المخالفون لمتبوعيهم.
قال تعالى :( إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب *وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار ).
وهذه حال كل من اتّخذ من دون الله ورسوله وليجةً وأولياء، يوالي لهم ويعادي لهم، ويرضى لهم ويغضب لهم، فإن أعماله كلها باطلة، يراها يوم القيامة حسراتٍ عليه مع كثرتها وشدة تعبه فيها ونصبه.
& حال الأتباع السعداء وأنواعهم :
فالأتباع السّعداء نوعان:
النوع الأول :أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة،وقيّد سبحانه هذه التبعية بأنها تبعية [بإحسانٍ، ليست مطلقة فتحصل بمجرد النسبة والاتباع في شيء والمخالفة في غيره، ولكن تبعية] مصاحبةٌ للإحسان؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، والإحسان في المتابعة شرطٌ في حصول رضى الله عنهم وجنّاته
-والأتباع الآخرون الذين لم يلحقوا بهم هم كل من بعدهم على منهاجهم إلى يوم القيامة، فيكون التّأخّر وعدم اللّحاق بهم في الزمان ، وقيل الذين لم يلحقوا بهم في الفضل والمرتبة ، والقولان متلازمان فإنّ من بعدهم لا يلحقون بهم لا في الفضل ولا في الزمان .
&أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي الكريم وما بعثه الله به.
١/طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا،فشبّه - صلى الله عليه وسلم - القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث ،لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
٢/طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
&أقسام الأرض لقبول الغيث :
١/أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فإذا أصابها الغيث ارتوت منه، ثمّ أنبتت من كل زوجٍ بهيجٍ، فهي مثل القلب الذكي ،فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه، فهو عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.
٢/أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسّقي منها والازدراع ،مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه" ، فهوحافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتّجر به المحمول إليه ويستثمر.
٣/أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع بشيء منه ،مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه، وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ الماء، وهو مثل الفقير الذي لا مال له، ولا يحسن يمسك مالًا ، فهو الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
&النوع الثاني من الأتباع السّعداء: فهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ } ، فليست منزلتهم منزلة من لم يكن له عمل، بل وفّيناهم أجورهم، وألحقنا بهم ذرياتهم فوق ما يستحقونه من أعمالهم. ، فالإلحاق المذكور إنما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب، وهذا ونحوه من أسرار القرآن وكنوزه .
&أعظم التعاون على البرّ والتّقوى :
هو التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
-زاد هذا السّفر :
زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين، فرفقاء التخلّف البطّالون أكثر من أن يحصوا فله أسوةٌ بهم، ولن ينفعه هذا التأسي يوم الحسرة شيئًا كما قال تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون }.
-وطريقه :
فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا، ولايتم إلا بالصبر ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم؛ فإن اللوم يدرك الفارس؛ فيصرعه عن فرسه, ويجعله طريحًا في الأرض.
والثاني: أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال, فمتى خافت النّفس تأخرت وأحجمت, وأخلدت إلى الأرض.
-أما مركبه:
فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه كالإناء المثلوم المكسور الفارغ الذي لا شيء فيه، يتطلع إلى قيّمه ووليّه أن يجبره، ويلمّ شعثه، ويمدّه من فضله ويستره، فهذا الذي يرجى له أن يتولى الله هدايته، وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة، ومنازلها).
-ورأس مال الأمر وعموده :
هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه ،تمكّن حينئذٍ الإيمان من قلبه،وصار هو الآمر المطاع أمره؛ فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الريح: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب} ).
&كيف يكون تفكر و تدبر آيات الله والمثال عليه .
قال تعالى :( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قال سلامٌ قومٌ منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمينٍ (26) فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون (27)} إلى قوله: {الحكيم العليم (30)}.
افتتح الله سبحانه القصة بصيغة موضوعة للاستفهام، وليس المراد به حقيقته من الاستفهام بقول (هل) ، ففيها سر لطيف، ومعنى بديع، فتكون إما واعظاً أو مذكراً أو منبهاً .
_فتضمنت من أنواع الثناء على إبراهيم.
-وفي قوله ( المكرمين ) ، ثناءً على سيدنا إبراهيم في قولين :
أحدهما: إكرام إبراهيم لهم؛ ففيه مدحٌ له بإكرام الضيف.
والثاني: أنهم مكرمون عند الله؛ كقوله: {بل عبادٌ مكرمون }وهو متضمن أيضًا لتعظيم خليله ومدحه؛ إذ جعل ملائكته المكرمين أضيافًا له.
فعلى كلا التقديرين فيه مدح لإبراهيم.
-وقوله تعالى: {فقالوا سلامًا قال سلامٌ} متضمن لمدحٍ آخر لإبراهيم حيث ردّ عليهم أحسن مما حيّوه به ،وتحية إبراهيم لهم متضمن لجملةٍ اسميّةٍ، تقديره: سلامٌ ثابتٌ أو دائم أو مستقرٌّ عليكم، فكانت تحية إبراهيم أكمل وأحسن.
-قوله :(قومٌ منكرون )وفي هذا من حسن مخاطبة الضيف والتذمّم منه وجهان من المدح:أحدهما: أنه حذف المبتدأ، والتقدير أنتم منكرون، فتذمّم منهم، ولم يواجههم بهذا الخطاب لما فيه من بعض الاستيحاش، وهذا من محاسن الخطاب .
والثاني: قوله {قومٌ منكرون}؛ فحذف فاعل الإنكار، وهو الذي كان أنكرهم؛ولا ريب أن قوله: {منكرون }ألطف من أن يقول: أنكرتكم.
_كيف جمعت آداب الضيافة وحقوقها؟وكيف يراعى الضيف.
وقوله: {فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمين *فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون} ،متضمن وجوهاً من المدح وإكرام الضيف وآداب الضيافة وهي :
*يتضمن المبادرة إلى إكرام الضيف، والاختفاء ترك تخجيله وألا يعرّضه للحياء .
*الإشعار بأن كرامة الضيف معدّةٌ حاصلةٌ عند أهله، وأنه لا يحتاج أن يستقرض من جيرانه، ولا يذهب إلى غير أهله.
*وقوله: {فجاء بعجلٍ سمينٍ (26)} يتضمن ثلاثة أنواع من المدح:
أحدها: خدمة ضيفه بنفسه، فإنه لم يرسل به، وإنما جاء به بنفسه.
الثاني: أنه جاءهم بحيوان تام لم يأتهم ببعضه؛ ليتخيّروا من أطايب لحمه ما شاءوا.
الثالث: أنه سمين ليس بمهزولٍ، وهذا من نفائس الأموال، ولد البقرة السمين، فإنهم يعجبون به، فمن كرمه هان عليه ذبحه وإحضاره.
*إحضار الطعام إلى بين أيدي الضيف، بخلاف من يهيّئ الطعام في موضع، ثم يقيم ضيفه؛ فيورده عليهم ، بقوله (إليهم ).
*صيغة عرضٍ مؤذنة بالتلطف، بقوله (ألا تأكلون ).
_وما تضمنت من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة.
قال تعالى :{قالوا كذلك قال ربّك} متضمن لإثبات صفة القول [له].
_كيف تضمنت علمًا عظيمًا من أعلام النبوة.
قال تعالى ( هل آتاك حديث ضيف إبراهيم ) ،أن إتيان هذا إليك علمٌ من أعلام النّبوة؛ فإنه من الغيب الذي لا تعلمه أنت ولا قومك .
_وكيف تضمنت جميع صفات الكمال، التي مردّها إلى العلم والحكمة.
في قوله: {إنّه هو الحكيم العليم } متضمنٌ لإثبات صفة الحكمة والعلم اللذين هما مصدر الخلق والأمر، فجميع ما خلقه سبحانه صادرٌ عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدره عن علمه وحكمته، والعلم والحكمة متضمنان لجميع الكمال، فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من القومية، والحكمة تتضمن كمال الإرادة، من العدل، والرحمة، والإحسان وغيرها.
_وكيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحت بوقوعه.
في القرآن ، الله سبحانه يضرب لهم الأمثال المعقولة التي تدلّ على إمكان المعاد تارةً ووقوعه أخرى، فيذكر أدلة القدرة الدالة على إمكان المقدور، وأدلة الحكمة المستلزمة لوقوعه.
_وكيف تضمنت الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذّبة.
في قصة قوم لوط، وإرسال الحجارة المسوّمة عليهم، وفي هذا ما يتضمن تصديق رسله وإهلاك المكذّبين لهم، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على صدق رسله وصحة ما أخبروا به عن ربهم.
_وتضمنت ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما.
قال تعالى : {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين}، ففرّق بين الإسلام والإيمان هنا لسرٍّ اقتضاه الكلام؛ فإن الإخراج هنا عبارة عن النجاة، فهو إخراج نجاةٍ من العذاب، ولا ريب أن هذا مختصٌّ بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرًا وباطنًا.
_وتضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده، وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر.
قال تعالى: {وتركنا فيها آيةً للّذين يخافون العذاب الأليم }، فيه دليل على أن آيات الله سبحانه وعجائبه التي فعلها في هذا العالم وأبقى آثارها دالّةً عليه وعلى صدق رسله، إنما ينتفع بها من يؤمن بالمعاد، ويخشى عذاب الله.
وتضمنت أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة، وهم المؤمنون بها، وأما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات.
&من هم رفقاء السفر الذين يأنس بهم.
المطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا السفر بالإعراض، وترك اللائمة والاعتراض، إلا ما عسى أن يقع نادرًا فيكون غنيمةً باردةً لا قيمة لها.
وينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
ومن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات، فإنهم يقطعون [عليه] طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفق له من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتّان بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم".
فكمال العبد حين يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين:
عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
وعين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير فيما لا يخلّ بأمرٍ ولا يعود بنقض شرعٍ، قد وسعتهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته .
-من سمو الأخلاق وكماله.
قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }، متدبرًا لما تضمنته هذه الآية : من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم.
فلو أخذ الناس كلّهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم؛ فإن العفو ما عفا من أخلاقهم .
_ماأدب الله به رسوله من الخلق العظيم.
قال تعالى : (وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ ) ، من الآداب التي أدب الله بها رسوله.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلقه القرآن".
وهذه لا تتمّ إلا بثلاثة أشياء:
أحدها: أن يكون العود طيبًا، فأما إذا كانت الطبيعة جافيةً غليظةً يابسةً عسر عليها مزاولة ذلك علمًا وإرادةً وعملًا، بخلاف الطبيعة المنقادة اللّينة السّلسة القياد، فإنها مستعدّةٌ إنما تريد الحرث والبذر.
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى، فإن هذه أعداء الكمال، فإن لم تقو النفس على قهرها وإلا لم تزل مغلوبةً مقهورةً.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، وتنزيلها منازلها، يميز به بين الشّحم والورم،والزجاجة والجوهرة.
&من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله.
إن أول الأمر وآخره: إنما هو معاملة الله وحده، والانقطاع إليه بكلّيّه القلب، ودوام الافتقار إليه، فلو وفّى العبد هذا المقام حقّه لرأى العجب العجيب من فضل ربّه وبرّه ولطفه ودفاعه عنه، والإقبال بقلوب عباده إليه، وإسكان الرّحمة والمحبة له في قلوبهم .
&تعاهد السلف بعضهم لبعض بكلمات تكتب بماء الذهب.
"من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".
المقصد الكلي للرسالة :
أهم مايحصل به التعاون على البر والتقوى ، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله ، وأقسام الأتباع والمتبوعين ، وأهمية التدبر لآيات الله.
المقاصد الفرعية :
-فضل التعاون على البر والتقوى والحث عليه.
-إفراد وإقتران كلمتي البر والتقوى.
-معنى البر ، وحقيقته ، وخصاله.
-حقيقة التقوى ، وحدها .
-المفاسد المستلزمة لعدم العلم بالبر والتقوىومايدخل بهما .
-الحكمة من جعل الإنسان قائم بعضه ببعض.
-معنى الأثم والعدوان والفرق بينهما.
-النهي والتحذير عن حدود الله.
-أنواع الهجرة ، ومعناها .
-حال الأتباع وأقسامهم. من سعيد وشقي.
-أقسام الخلائق لدعوة النبي الكريم.
-أعظم التعاون على البر والتقوى .
-سفر الهجرة إلى الله ورسوله ، وزاده ،وطريقه ومركبه .
-كيف يكون التدبر والتفكر بآيات الله والأمثلة عليه.
-رفقاء السفر الذين يؤنس بهم.
-من أهم مايحصل به التعاون على البر والتقوى وسفر الهجرة إلى الله ورسوله.
-تعاهد السلف بعضهم لبعض.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11 شعبان 1439هـ/26-04-2018م, 03:50 AM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

مسائل الرسالة التبوكية لابن القيم

💡عناوين المسائل:

-الأمر بالتعاون على البر والتقوى .
-بيان ما تشتمله هذه الآية (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) من مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم وبين أنفسهم وما بينهم وبين ربهم.
-بيان ما يجب على الخلق فيما بينهم في المعاشرة والمخالطة والصحبة.
-المراد بالبر والتقوى منفصلين وإذا ذكرا معًا.
-جمع خصال البر في قوله (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر.....) الآية
-كيف يكون العمل طاعة وقربة.
-ذكر أمثلة مما يدخل في مسمى اللفظ مما ليس منه (الخمر ، الميسر ، النكاح ، الربا، الظلم والعدل...)
-الفرق بين الإثم والعدوان وبيان كل منهما.
-الفرق بين النهي عن تعدي الحدود والنهي عن قربانها. (تلك حدود الله فلا تعتدوها ) (تلك حدود الله فلا تقربوها)
.
-الربط بين عابر السبيل المنتقل عن دياره وبين حال العبد في الدنيا.
-حكم الهجرة إلى الله ورسوله وبيان العلاقة بينهما.
-بيان أنواع الهجرة.
-بيان المراد بهجرة القلب إلى الله ورسوله.
-معنى الفرار إلى الله ومنه إليه ولوازمه
-لوازم تصور معنى الفرار من الله والاستعاذة منه.
-العلاقةبين الهجرة والإيمان ودرجاتها في القلب.
-مقدمة في طريق الهجرة إلى رسول الله وبيان تعريفها.
-زاد الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
-طريق الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
-السبيل والمركب في طريق الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
-رأس مال الأمر وعموده دوام التفكر وتدبر آيات القرآن.
-بيان طريقة التدبر لآيات الله بضرب المثال في تدبر قصة إبراهيم عليه السلاام.
-أهمية اختيار الصاحب الصالح في الطريق إلى الله ، وبيان صفات الأصحاب.
.
-من علامات الإيمان تحكيم شرع الله في كل شيء والرضا به.
-الحكمة من افتتاح القسم بالنفي في قوله تعالى :( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
-بيان ما تتضمنه معنى الأولوية في قوله تعالى :(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
ذكر الإجماع على أن من اتضحت لديه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز له تركها لغيرها.
-الهداية معلقة بطاعة الله وطاعة رسوله (وإن تطيعوه تهتدوا)
-بيان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب على العباد تجاه ما بلغه.
-الحكمة من افتتاح الآية بنداء الإيمان في قوله (يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
-الحكمة من تكرار الأمر بالطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم وعطفها عند الأمر بطاعة أولي الأمر.
-المراد بولاة الأمر في الآية.
-وجوب رد موارد النزاع عند الناس من الدين إلى الله ورسوله ، ومن خالف ذلك فقد دعا بدعوى الجاهلية وخرج من دائرة الإيمان..
.
-الأمر بالقسط والمراد به في قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ....)
-بيان المراد بالشهادة لله في قوله (شهداء لله ) وذكر ضدها.
-بيان ما تضمنته الآية من أمور في قوله (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) وقوله (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)
-عموم الأمر بالقسط والعدل على كل أحد وفي كل أمر ، وفيه عدالة هذا الدين وعظمته.
-النهي عن اتباع الهوى الجالب لترك العدل.
-ذكر السببين الموجبين لكتمان الحق.
-أنواع اللي.
.
-السعادة العاجلة والآجلة تكون في اتباع ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى الله ورسوله عنه.
-بيان قواعد السعادة ولوازمها.
-بيان أن الهداية لا تحصل بغير الوحي.
-مصير من اهتدى بغير هدى الله في الدنيا والآخرة.
-ذكر الصنفين المخالفين لأمر الله ورسوله ، ومنشىء اختلافهم.
-بيان حال الأتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالة يوم القيامة.
-قطع الله للأسباب التي بين الخلق كلها إلا ماكان بين العبد وربه.
-ذكر النوع الأول من الأتباع السعداء وهم الذين قال الله فيهم :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ).
-معنى قوله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)
-ذكر أقسام الخلائق بالنسبة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعثه الله من الهدى ، وذكر ما يقابلها من أنواع الأرضين.
-النوع الثاني من الأتباع السعداء وهم اتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا وإنما هم مع آبائهم تبع لهم.
.
-بيان ما تضمنته الآية من قواعد مهمة في التعامل مع الناس (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ).
-كيف يصل المرء إلى حسن الخلق والتخلق بأخلاق القران.
-بيان جماع الأمر وخلاصة الرسالة (من اصلح سريرته أصلح الله له علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه)


💡المقاصد الفرعية ، وتحتها عناوين المسائل

📗#فصل في بيان جماع الخير والبر والإثم والعدوان.
-الأمر بالتعاون على البر والتقوى .
-بيان ما تشتمله هذه الآية (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) من مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم وبين أنفسهم وما بينهم وبين ربهم.
-بيان ما يجب على الخلق فيما بينهم في المعاشرة والمخالطة والصحبة.
-المراد بالبر والتقوى منفصلين وإذا ذكرا معًا.
-جمع خصال البر في قوله (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر.....) الآية
-كيف يكون العمل طاعة وقربة
-ذكر أمثلة مما يدخل في مسمى اللفظ مما ليس منه (الخمر ، الميسر ، النكاح ، الربا، الظلم والعدل...)
-الفرق بين الإثم والعدوان وبيان كل منهما.
-الفرق بين النهي عن تعدي الحدود والنهي عن قربانها. (تلك حدود الله فلا تعتدوها ) (تلك حدود الله فلا تقربوها)


📗#فصل في حال المؤمن في هذه الدنيا وبيان أنواع الهجرة والمراد بها وذكر حكمها وبيان لوازمها ، وزادها وطريقها ومركبها ورأس مالها ، وبيان المراد بالتدبر وذكر أهميته وتفاوت الناس فيه .
-الربط بين عابر السبيل المنتقل عن دياره وبين حال العبد في الدنيا.
-بيان أنواع الهجرة.
-بيان المراد بهجرة القلب إلى الله ورسوله.
-معنى الفرار إلى الله ولوازمه
-معنى الفرار من الله إليه وما يتضمن.
-لوازم تصور معنى الفرار من الله والاستعاذة منه.
-العلاقةبين الهجرة والإيمان.
-درجات الهجرة في القلب وبيان أهميتها.
-مقدمة في وصف طريق الهجرة إلى رسول الله.
-حد وتعريف الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-حكم الهجرة إلى الله ورسوله وبيان العلاقة بينهما.
-زاد الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
-طريق الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
-السبيل والمركب في طريق الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
-رأس مال الأمر وعموده دوام التفكر وتدبر آيات القرآن.
-بيان طريقة التدبر لآيات الله بضرب المثال في تدبر قصة إبراهيم عليه السلاام.
-أهمية اختيار الصاحب الصالح في الطريق إلى الله ، وبيان صفات الأصحاب.


📗#فصل فيما يتعلق بتحكيم شرع الله وعلاقة المؤمن بربه ورسوله ﷺ.
-من علامات الإيمان تحكيم شرع الله في كل شيء والرضا به.
-الحكمة من افتتاح القسم بالنفي في قوله تعالى :( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
-بيان ما تتضمنه معنى الأولوية في قوله تعالى :(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
ذكر الإجماع على أن من اتضحت لديه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز له تركها لغيرها.
-الهداية معلقة بطاعة الله وطاعة رسوله (وإن تطيعوه تهتدوا)
-بيان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب على العباد تجاه ما بلغه.
-الحكمة من افتتاح الآية بنداء الإيمان في قوله (يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
-الحكمة من تكرار الأمر بالطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم وعطفها عند الأمر بطاعة أولي الأمر.
-المراد بولاة الأمر في الآية.
-وجوب رد موارد النزاع عند الناس من الدين إلى الله ورسوله ، ومن خالف ذلك فقد دعا بدعوى الجاهلية وخرج من دائرة الإيمان.



📗#وجوب الحكم بالقسط والنهي عن كل ما ينافيه وما يؤدي إلى التقصير فيه أو تركه ، وذكر السبيل المعين عليه.
-الأمر بالقسط والمراد به في قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ....)
-بيان المراد بالشهادة لله في قوله (شهداء لله ) وذكر ضدها.
-بيان ما تضمنته الآية من أمور في قوله (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) وقوله (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)
-عموم الأمر بالقسط والعدل على كل أحد وفي كل أمر ، وفيه عدالة هذا الدين وعظمته.
-النهي عن اتباع الهوى الجالب لترك العدل.
-ذكر السببين الموجبين لكتمان الحق.
-أنواع اللي.


📗#بيان أسباب السعادة والشقاء وطرقها والسبيل إليها وذكر أحوال أصحابها ومصيرهم .
-السعادة العاجلة والآجلة تكون في اتباع ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى الله ورسوله عنه.
-بيان قواعد السعادة ولوازمها.
-بيان أن الهداية لا تحصل بغير الوحي.
-مصير من اهتدى بغير هدى الله في الدنيا والآخرة.
-ذكر الصنفين المخالفين لأمر الله ورسوله ، ومنشىء اختلافهم.
-بيان حال الأتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالة يوم القيامة.
-قطع الله للأسباب التي بين الخلق كلها إلا ماكان بين العبد وربه.
-ذكر النوع الأول من الأتباع السعداء وهم الذين قال الله فيهم :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ).
-معنى قوله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)
-ذكر أقسام الخلائق بالنسبة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعثه الله من الهدى ، وذكر ما يقابلها من أنواع الأرضين.
-النوع الثاني من الأتباع السعداء وهم اتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا وإنما هم مع آبائهم تبع لهم.



📗#الخلق الحسن وخلاصة الرسالة.
-بيان ما تضمنته الآية من قواعد مهمة في التعامل مع الناس (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ).
-كيف يصل المرء إلى حسن الخلق والتخلق بأخلاق القران.
-بيان جماع الأمر وخلاصة الرسالة (من اصلح سريرته أصلح الله له علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه)



#💡المقاصد الفرعية وتحتها عناوين المسائل والتلخيص :

📗#فصل في بيان جماع الخير والبر والإثم والعدوان.

📘-الأمر بالتعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان .
قال تعالى :( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)
فمن أعظم التعاون على البر والتقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
ومن كان هكذا مع عباد الله كان الله بكل خير إليه أسرع، وأقبل الله إليه بقلوب عباده، وفتح على قلبه أبواب العلم، ويسّره لليسرى، ومن كان بالضد فبالضدّ، {وما ربّك بظلّامٍ للعبيد (46)}.

📘-بيان ما تشتمله هذه الآية (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) من مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم وبين أنفسهم وما بينهم وبين ربهم.
فإن كل عبد لا ينفك من هاتين الحالتين وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق.

📘-بيان ما يجب على الخلق فيما بينهم في المعاشرة والمخالطة والصحبة.
فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونًا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ، ولا سعادة له إلا بها وهي "البر والتقوى" اللذان هما جماع الدين كله.

📘-المراد بالبر والتقوى منفصلين وإذا ذكرا معًا.
هذه من العبارات التي إذا افترقت اجتمعت وإذا اجتمعت اختلفت ، فإن حقيقة البر هو الكمال المطلوب من العبد والمنافع التي فيه والخير، وفي مقابلته الإثم ، كما في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( جئت تسأل عن البر والإثم).
فيدخل في مسمى البر الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة ، ولا شك أن التقوى جزء هذا المعنى ، وقد جمع [الله] تعالى خصال البرّ في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.
فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس.
ئم أخبر سبحانه أن هذه خصال التقوى بعينها، فقال: {أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}، فالتقوى حقيقتها العمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله وتخاف عقابه. كما قال طلق بن حبيب. ولا ريب أن هذا من البر.
وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله :(وتعاونوا على البر والتقوى) فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها ؛ فإن البر مطلوب لذاته وأما التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البر والوسيلة إليه ، فالتقوى كالحمية والبر كالعافية والصحة .


📘-كيف يكون العمل طاعة وقربة.
إذا اجتمع فيه أصلين : الأول: الإيمان الذي مصدره العمل ، والسبب الباعث عليه.
الثاني: الاحتساب وهو الغاية التي لأجلها يوقع العمل ولها يقصد به.


📘-ذكر أمثلة مما يدخل في مسمى اللفظ مما ليس منه (الخمر ، الميسر ، النكاح ، الربا، الظلم والعدل...)
في بعض ألفاظ القرآن افتراق واجتماع ، و عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما.
والذّكيّ الفطن يتفطّن لأفراد هذه القاعدة وأمثلتها، فيرى أن كثيرا من الاختلاف أو أكثره إنما نشأ عن هذا الموضع، وتفصيل هذا لا يفي به كتاب ضخم.
ومن هذا لفظ "الخمر"؛ فإنه اسم شامل لكل مسكر، فلا يجوز إخراج بعض المسكرات منه، وينفى عنها حكمه.
وكذلك لفظ "الميسر"، وإخراج بعض أنواع القمار منه.
وكذلك لفظ "النكاح"، وإدخال ما ليس بنكاح في مسمّاه ... ونظائره أكثر من أن تحصى.

📘-الفرق بين الإثم والعدوان وبيان كل منهما.
والإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
والفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر.
فالإثم: ما كان حراما لجنسه.
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه.

📘-الفرق بين النهي عن تعدي الحدود والنهي عن قربانها. (تلك حدود الله فلا تعتدوها ) (تلك حدود الله فلا تقربوها)
وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فبالاعتبار الأول نهى عن تعدّيها، وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها.


📗#فصل في حال المؤمن في هذه الدنيا وبيان أنواع الهجرة والمراد بها وذكر حكمها وبيان لوازمها ، وزادها وطريقها ومركبها ورأس مالها ، وبيان المراد بالتدبر وذكر أهميته وتفاوت الناس فيه .

📘-حكم الهجرة إلى الله ورسوله:
فإنها فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
وعن هاتين الهجرتين يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويطالب بهما في الدنيا، فهو مطالب بهما في الدّور الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار.

📘-بيان أنواع الهجرة.
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها.
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.

📘-بيان المراد بهجرة القلب إلى الله ورسوله.
وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى":
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته.
ومن عبودية غيره إلى عبوديته.
ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجاءه إلى غير ذلك من أنواع العبودية.

📘-معنى الفرار إلى الله ومنه إليه ولوازمه
فإنّ الفرار إليه سبحانه يتضمن إفراده بالطلب والعبودية، ولوازمها من المحبة والخشية والإنابة والتوكل وسائر منازل العبودية، فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
وأما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده.
وتصوّر هذين الأمرين يوجب للعبد انقطاع تعلّق قلبه من غير الله بالكلّية خوفا ورجاء ومحبة.

📘-العلاقةبين الهجرة والإيمان ودرجاتها في القلب
يقرن سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن في غير موضع؛ لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر.
والمقصود أن الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحبّ والبغض.
فهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه.

📘-مقدمة في الهجرة إلى رسول الله وبيانها .
فسالكها غريب بين العباد، فريد بين كل حيٍّ وناد، بعيد على قرب المكان ، فحدّ هذه الهجرة: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى (4)}، فكل مسألةٍ طلعت عليها شمس رسالته وإلا فاقذف بها في بحار الظلمات، وكل شاهد عدّله هذا المزكّي الصادق وإلا فعدّه من أهل الريب والتهمات؛ فهذا هو حدّ هذه الهجرة.

📘-زاد الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه.

📘-طريق الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا.

📘-السبيل والمركب في طريق الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم.
والثاني: أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال, فمتى خافت النّفس تأخرت وأحجمت, وأخلدت إلى الأرض.
ولا يتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر.
وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه والاستعانة به.

📘-رأس مال الأمر وعموده دوام التفكر وتدبر آيات القرآن.
هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه، تمكّن حينئذٍ الإيمان من قلبه، فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الريح: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب}

📘-بيان طريقة التدبر لآيات الله بضرب المثال في تدبر قصة إبراهيم عليه السلام.

-📘أهمية اختيار الصاحب الصالح في الطريق إلى الله ، وبيان صفات الأصحاب.
ومن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات، فإنهم يقطعون [عليه] طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفق له من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتّان بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم".


📗#فصل فيما يتعلق بتحكيم شرع الله وعلاقة المؤمن بربه ورسوله ﷺ.

-📘من علامات الإيمان تحكيم شرع الله في كل شيء والرضا به.
قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فأقسم سبحانه بأجل مقسم به -وهو نفسه -عز وجل-- على أنهم لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يحكّموا رسوله في جميع موارد النزاع، فإن لفظة "ما" من صيغ العموم؛ ولم يقتصر على هذا حتى ضمّ إليه انشراح صدورهم بحكمه، حيث لا يجدوا في أنفسهم حرجا -وهو الضّيق والحصر- من حكمه، بل يتلقّوا حكمه بالانشراح، ويقابلوه بالقبول ،ثم لم يقتصر [سبحانه] على ذلك حتى ضمّ إليه قوله: {ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فذكر الفعل مؤكدًا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين، وهو الخضوع له، والانقياد لما حكم به طوعا ورضى، تسليم عبدٍ محب مطيع لمولاه وسيّده الذي هو أحبّ شيء إليه، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه، ويعلم بأنه أولى به من نفسه.


📘-الحكمة من افتتاح القسم بالنفي في قوله تعالى :( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
وإنما دخولها لسرٍّ في القسم،وهو:
1- الإيذان بتضمّن المقسم عليه للنّفي، وهو قوله: {لا يؤمنون}.وهذا منهج معروف في كلام العرب. والمقصود أن افتتاح هذا القسم بأداة النفي يقتضي تقوية المقسم عليه وتأكيده وشدة انتفائه.
2: تأكيده بنفس القسم.
3: تأكيده بالمقسم به، وهو إقسامه بنفسه لا بشيءٍ من مخلوقاته، وهو سبحانه يقسم بنفسه تارة، وبمخلوقاته تارة.
4: تأكيده بانتفاء الحرج، ووجود التسليم.
4: تأكيد الفعل بالمصدر.
وما هذا التأكيد والاعتناء إلا لشدة الحاجة إلى هذا الأمر العظيم، وأنه مما يعتنى به، ويقرّر في نفوس العباد بما هو من أبلغ أنواع التقرير.

📘-بيان ما تتضمنه معنى الأولوية في قوله تعالى :(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
وذكر الإجماع على أن من اتضحت لديه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز له تركها لغيرها.
وهذا دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين.
وهذه الأولوية تتضمن أمورًا:
منها: أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب.
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده؛ فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.


📘-الهداية معلقة بطاعة الله وطاعة رسوله (وإن تطيعوه تهتدوا)
فأخبر سبحانه أن الهداية إنما هي في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلّق بالشرط؛ فينتفي بانتفائه.

📘-بيان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب على العباد تجاه ما بلغه.
قال البخاري في "صحيحه" عن الزهري قال: "من الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم".
فإن تركتم أنتم ما حمّلتموه من الإيمان والطاعة، فعليكم لا عليه؛ فإنه لم يحمّل طاعتكم وإيمانكم، وإنما حمّل تبليغكم وأداء الرسالة إليكم، فإن تطيعوه فهو حظّكم وسعادتكم وهدايتكم، وإن لم تطيعوه فقد أدّى ما حمّل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، ليس عليه هداكم وتوفيقكم.

📘-الحكمة من افتتاح الآية بنداء الإيمان في قوله (يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
افتتح الآية بندائهم باسم الإيمان المشعر بأن المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نودوا وخوطبوا به، فإن طاعة الله ورسوله وأولي الأمر من الإيمان.

📘-الحكمة من تكرار الأمر بالطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم وعطفها عند الأمر بطاعة أولي الأمر.
للدلالة على أن ما يأمر به رسوله تجب طاعته فيه وإن لم يكن مأمورًا به بعينه في القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردةً ومقرونةً، فلا يتوهّم متوهّمٌ أن ما يأمر به الرسول إن لم يكن في القرآن وإلا فلا تجب طاعته فيه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه".
وأما أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة".
فتأمّل كيف اقتضت إعادة هذا المعنى قوله تعالى: {فردّوه إلى اللّه والرّسول}، ولم يقل: وإلى الرسول؛ فإن الردّ إلى القرآن ردٌّ إلى الله والرسول، والردّ إلى السنة ردٌّ إلى الله والرسول، فما يحكم به الله هو بعينه حكم رسوله, وما يحكم به الرسول هو بعينه حكم الله.


📘-المراد بولاة الأمر في الآية.
إحداهما: أنهم العلماء.
والثانية: أنهم الأمراء.
والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية. والصحيح: أنها متناولة للصنفين جميعًا؛ فإن العلماء والأمراء هم ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله.
فالعلماء ولاته حفظًا، وبيانًا، وبلاغًا، وذبًّا عنه، وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكّلهم الله بذلك، فقال تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين (89)}. فيا لها من وكالةٍ أوجبت طاعتهم والانتهاء إلى أمرهم، وكون الناس تبعًا لهم.
والأمراء ولاته قيامًا، ورعايةً، وجهادًا، وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه.

📘-وجوب رد موارد النزاع عند الناس من الدين إلى الله ورسوله ، ومن خالف ذلك فقد دعا بدعوى الجاهلية ، وخرج من دائرة الإيمان .
قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}.
وهذا دليل قاطعٌ على أنه يجب ردّ موارد النّزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كلّه إلى الله ورسوله، لا إلى أحدٍ غير الله ورسوله، فمن أحال الردّ على غيرهما فقد ضادّ أمر الله، ومن دعا عند النزاع إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية.
فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يردّ كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}.



📗#وجوب الحكم بالقسط والنهي عن كل ما ينافيه وما يؤدي إلى التقصير فيه أو تركه ، وذكر السبيل المعين عليه.
📘-الأمر بالقسط والمراد به في قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ....)
وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا، وأحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره.

📘-بيان المراد بالشهادة لله في قوله (شهداء لله ) وذكر ضدها.
والشاهد هو المخبر، فإن أخبر بحق فهو شاهد عدل مقبول، وإن أخبر بباطل فهو شاهد زور؛ فأمر تعالى أن نكون شهداء له مع القيام بالقسط، وهذا يتضمن أن تكون الشهادة بالقسط أيضًا، وأن تكون لله لا لغيره.

📘-بيان ما تضمنته الآية من أمور في قوله (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) وقوله (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)
أحدها: القيام بالقسط.
والثاني: أن يكون لله.
والثالث: الشهادة بالقسط.
والرابع: أن تكون لله.

📘-عموم الأمر بالقسط والعدل على كل أحد وفي كل أمر ، وفيه عدالة هذا الدين وعظمته.
فيجب بإقامة العدل والقسط على النفس والوالدين والأقرباء ،فإنّ ما في العبد من محبته لنفسه ولوالديه وأقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، [ولاسيما إذا كان الحق] لمن يبغضه ويعاديه قبلهم؛ فإنه لا يقوم به في هذه الحال إلا من كان الله ورسوله أحبّ إليه من [كل] ما سواهما.
وهذا يمتحن به العبد إيمانه؛ فيعرف منزلة الإيمان من قلبه ومحلّه منه، وعكس هذا عدل العبد في أعدائه ومن يشنؤه، وإنه لا ينبغي له أن يحمله بغضه لهم على أن يجنف عليهم.

📘-النهي عن اتباع الهوى الجالب لترك العدل.
قال تعالى: {فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا} نهاهم عن اتباع الهوى الحامل على ترك العدل.

📘-ذكر السببين الموجبين لكتمان الحق.
أحدهما: اللّيّ.
والآخر: الإعراض.
فإن الحقّ إذا ظهرت حجّته، ولم يجد من يروم دفعها طريقًا إلى دفعها، أعرض عنها وأمسك عن ذكرها، فكان شيطانًا أخرس، وتارةً يلويها أو يحرّفها. واللّيّ مثل الفتل، وهو التحريف.
ولما كان الشاهد مطالبًا بأداء الشهادة على وجهها، فلا يكتمها ولا يغيّرها، كان الإعراض نظير الكتمان، واللّيّ نظير تغييرها وتبديلها.


📘-أنواع اللي:
وهو نوعان: ليٌّ في اللفظ، وليٌّ في المعنى.
فاللّيّ في اللفظ: أن يلفظ بها على وجهٍ لا يستلزم الحقّ؛ إما بزيادة لفظة، أو نقصانها، أو إبدالها بغيرها، أو ليًّا في كيفية أدائها، وإيهام السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يلوون ألسنتهم بالسّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا أحد نوعي اللّيّ.
والنوع الثاني منه: ليّ المعنى، وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وتحماله ما لم يرده، أو يسقط منه بعض ما أراد به، ونحو هذا من ليّ المعاني، فقال تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}.

📗#بيان أسباب السعادة والشقاء وطرقها والسبيل إليها وذكر أحوال أصحابها ومصيرهم .

📘-السعادة العاجلة والآجلة تكون في اتباع ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى الله ورسوله عنه.
قال تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ [النساء: 59]
فدلّ هذا على أن طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله، هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا.
وشرّ الدنيا والآخرة يعود إلى مخالفة الرسول وما يترتب عليه، فلو أن الناس أطاعوا الرسول حق طاعته لم يكن في الأرض شرٌّ قط.

📘-بيان قواعد السعادة ولوازمها.
تكون السعادة بمعرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم - علمًا، والقيام به عملًا.
وكمال هذه السعادة بأمرين آخرين:
أحدهما: دعوة الخلق إليه.
والثاني: صبره وجهاده على تلك الدّعوة.
فانحصر الكمال الإنسانيّ في هذه المراتب الأربعة:
إحداها: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
ومن تطلّعت همّته إلى معرفة ما كان عليه الصحابة وأراد اتباعهم؛ فهذه طريقتهم حقًا.

📘-بيان أن الهداية لا تحصل بغير الوحي.
قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربّي إنّه سميعٌ قريبٌ (50)}.
فهذا نص صريح في أن هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما حصل بالوحي، فيا عجبًا كيف يحصل الهدى لغيره من الآراء والعقول؟


📘-مصير من اهتدى بغير هدى الله في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}.


📘-ذكر الصنفين المخالفين لأمر الله ورسوله ، ومنشىء اختلافهم.
قال تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37) )
ذكر الصنفين المبطلين:
أحدهما: منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها.
والثاني: المكذّب بالحق.
فالأول كفره بالافتراء وإنشاء الباطل، والثاني كفره بجحود الحق. وهذان النوعان يعرضان لكل مبطل؛ فإن انضاف إلى ذلك دعوته إلى باطله، وصدّ الناس عن الحقّ، استحقّ تضعيف العذاب؛ لتضاعف كفره وشرّه؛ ولهذا قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)}، فلما كفروا وصدّوا عباده عن سبيله عذّبهم عذابين: عذابًا بكفرهم، وعذابًا بصدّهم عن سبيله.
وحيث يذكر الكفر المجرد لا يعدّد العذاب؛ كقوله: {وللكافرين عذابٌ أليمٌ (104)}.

📘-بيان حال الأتباع والمتبوعين المخالفين لمن اتبعوهم الذين يزعمون أنهم تبع لهم، وليسوا متّبعين لطريقتهم.
هم المذكورون في قوله تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}.
فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى، وأتباعهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون أنّهم يحبونهم، وأن محبّتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم لهم، فيتبرءون منهم يوم القيامة، فإنهم اتخذوهم أولياء من دون الله، وظنوا أن هذا الاتخاذ ينفعهم.

📘-قطع الله للأسباب التي بين الخلق كلها إلا ماكان بين العبد وربه.
قال تعالى:{وتقطّعت بهم الأسباب (166)}؛ فينقطع يوم القيامة كل سببٍ ووصلةٍ ووسيلة ومودّة [وموالاة] كانت لغير الله, ولا يبقى إلا السبب الواصل بين العبد وبين ربه، وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله، وهذه هي النسبة التي بين العبد وبين ربه، وهي نسبة العبودية المحضة، وهي آخيته التي يجول ما يجول، ثم إليها مرجعه.

📘-ذكر النوع الأول من الأتباع السعداء وهم الذين قال الله فيهم :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ).
فهؤلاء هم السّعداء الذين ثبت لهم رضى الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ولا يختصّ ذلك بالقرن الذين رأوهم فقط.
وقيّد سبحانه هذه التبعية بأنها تبعية [بإحسانٍ، ليست مطلقة فتحصل بمجرد النسبة والاتباع في شيء والمخالفة في غيره، ولكن تبعية] مصاحبةٌ للإحسان؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، والإحسان في المتابعة شرطٌ في حصول رضى الله عنهم وجنّاته.

📘-معنى قوله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)
المراد هو التّأخّر وعدم اللّحاق بهم في الزمان.
وفي الآية قول آخر: إن المعنى لم يلحقوا بهم في الفضل والمرتبة، بل هم دونهم فيكون عدم اللحاق في الرتبة.
والقولان كالمتلازمين؛ فإنّ من بعدهم لا يلحقون بهم لا في الفضل ولا في الزمان، فهؤلاء الصنفان هم السّعداء.

📘-ذكر أقسام الخلائق بالنسبة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعثه الله من الهدى ، وذكر ما يقابلها من أنواع الأرضين.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
فشبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
وشبّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث؛ كما شبّه سبحانه القلوب بالأودية في قوله تعالى: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها}.

📘-النوع الثاني من الأتباع السعداء وهم اتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا وإنما هم مع آبائهم تبع لهم.
قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.
أخبر سبحانه أنه ألحق الذّرية بآبائهم في الجنة، كما أتبعهم إياهم في الإيمان, ولما كان الذّرية لا عمل لهم يستحقون به تلك الدرجات قال تعالى: {وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ}، والضمير عائد إلى الذين آمنوا؛ أي: وما نقصناهم شيئًا من عملهم، بل رفعنا ذريّتهم إلى درجاتهم، مع توفيتهم أجور أعمالهم؛ فليست منزلتهم منزلة من لم يكن له عمل، بل وفّيناهم أجورهم، وألحقنا بهم ذرياتهم. وهذا من كمال النعيم للمؤمنين.


📗#الخلق الحسن وخلاصة الرسالة.

📘-بيان ما تضمنته الآية من قواعد مهمة في التعامل مع الناس (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ).
وقد تضمنت هذه الكلمات مراعاة حقّ الله وحقّ الخلق؛ فإنهم إمّا أن يسيئوا في حقّ الله أو في حقّ رسوله؛ فإن أساءوا في حقّك فقابل ذلك بعفوك عنهم، وإن أساءوا في حقّي فاسألني أغفر لهم، واستجلب قلوبهم، واستخرج ما عندهم من الرأي بمشاورتهم، فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتهم وبذلهم النصيحة، فإذا عزمت على أمرٍ فلا استشارة بعد ذلك، بل توكّل على الله، وامض لما عزمت عليه من أمرك؛ فإن الله يحبّ المتوكلين.
فهذا وأمثاله [من الأخلاق] التي أدّب الله بها رسوله، وقال فيه: {وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ (4)}. قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلقه القرآن".

📘-كيف يصل المرء إلى حسن الخلق والتخلق بأخلاق القران.
وهذه لا تتمّ إلا بثلاثة أشياء:
أحدها: أن يكون العود طيبًا، فأما إذا كانت الطبيعة جافيةً غليظةً يابسةً عسر عليها مزاولة ذلك علمًا وإرادةً وعملًا، بخلاف الطبيعة المنقادة اللّينة السّلسة القياد، فإنها مستعدّةٌ إنما تريد الحرث والبذر.
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى، فإن هذه أعداء الكمال، فإن لم تقو النفس على قهرها وإلا لم تزل مغلوبةً مقهورةً.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، وتنزيلها منازلها، يميز به بين الشّحم والورم، والزجاجة والجوهرة.

📘-بيان جماع الأمر وخلاصة الرسالة (من اصلح سريرته أصلح الله له علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه)



#💡المقصد الكلي للرسالة : بيان جماع الخير والشر والطريق إليهما وأهمية التعاون على البر والتقوى وذكر أنواع الهجرة إلى الله ورسوله وكيفية السبيل إليها ولوازمها وزادها ورأس مالها ، و أحوال الناس في عبادة الله وأتباعهم ومآلهم وبيان أسباب السعادة والشقاء.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 شعبان 1439هـ/28-04-2018م, 11:36 AM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

بِسْم الله الرحمن الرحيم
تلخيص مقاصد الرسالة التبوكية لابن القيم رحمه الله
مسائل الرسالة :
اشتمال قوله تعالى :( وتعاونوا على البر والتقوى ) على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم
واجب العبد بينه وبين الخلق
كيفية تحققه
واجب العبد بينه وبين الناس
كيفية تحققه
أهم مايقصده العبد
فائدة اقتران البر والتقوى
حقيقة البر ومعناه وما يدخل فيه وخصائصه
معنى التقوى وحقيقتها وخصائصها
الفرق بين البر والتقوى
معنى الإثم
معنى العدوان
الفرق بين الاثم والعدوان
الحكم الشرعي في الاثم والعدوان
أعظم ما يتعاون به على البر والتقوى
عاقبة المتعاون على البر والتقوى
شروط قبول العمل
أصول الإيمان وفروعه
مفاسد الجهل بحدود الله
حكم الهجرة
أنواع الهجرة
ما تتضمنه الهجرة
معنى الهجرة إلى الله
سبب اقتران الهجرة والإيمان في القران
بيان الهجرة الحقيقة
حال المهاجر إلى الله
محاسبة النفس في حالها مع الهجرة
حد الهجرة
حكم الهجرة النبوية
كيفية استقامة طريق الهجرة
التوحيد المطلوب
لوازم العبودية
مايتضمنه القرار إلى الله
مايتضمنه القرار منه إليه
رأس مال القرار وعموده
السر في قوله (أعوذ بك منك )
* وجوب تحكيم الله ورسوله
* معرفة حال العبد من مدى تسليمه لحكم الله ورسوله
* أحوال حمل القسم في القران المصدرة بحرف نفي
* فائدة تصدر جمل القسم بحرف نفي
* النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
* ما تتضمنه الولاية
* وجوب الولاية
* لوازم الولاية
* موانع الولاية
* الأمر بالقسط والشهادة لله
* معنى القسط ووجوب القيام به على جميع الناس
* معنى الشاهد وأنواعه
* شروط الشهادة بالقسط
* النهي عن اتباع الهوى في الشهادة
* معنى قوله تعالى :( أن تعدلوا)
* السببين الموجبين لكتمان الحق
* معنى اللي في قوله تعالى ( أن تلوا)
* المراد بقوله ( أن تلووا )
* دلالالة الاية على وجوب الالتزام بأحكام الله الخبرية والطلبية
* الحجة الواجبة على الخلق اتباعها
* المراد بالهداية
* معصية الله ورسوله سبب لانتفاء الهداية
* فائدة حرف التاء في قوله ( فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ماحملتم
* فائدة الخطاب بالايمان للمؤمنين في القران
* دلالة الاية على وجوب طاعة الرسول مفردة ومستقلة
* طاعة أولياء الأمور وحدودها
* المراد بأولي الامر
* أنواع أولي الامر
* وجوب رد موارد النزاع إلى الله ورسوله
* معنى ردوه إلى الله ورسوله
* أسباب شرور العالم والاخرة وخير العالم والاخرة
* سبب نجاة العبد
* سبب كمال السعادة
* المراتب الأربعة للكمال الإنساني
* مصدر هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الوحي
* أنواع المبطلين
* حكم الاتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالة
* سبب العبودية المحضة وتحققها
* أنواع الاتباع السعداء
* كيفية الاتباع
* نوع الباء في قوله بإحسان
* جزاء المتابعة
* أنواع المتبعين
* أقسام الخلائق في الدعوة النبوية
* منازل الخلائق في الدعوة النبوية
* السفر إلى الله تعالى وطريقة ومركبه
* سبيل الركوب إليه
* الوصية بمصاحبة الابرار
الحث على الإخلاص والإصلاح لأنهما عماد الأمر كله .
المقاصد الفرعية :
بيان أن جميع مصالح العباد تتحقق في التعاون على البر والتقوى
الحث على الهجرة وبيان أنواعها وأحوالها و حقيقتها
الحث على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما يتبع ذلك من أحكام
بيان أنواع المتبعين للدعوة النبوية وأقسامهم
بيان سبيل السفر إلى الله
خلاصة الرسالة بالوصية الجامعة
المقصد الكلي من الرسالة :
قال ابن القيم رحمه الله :ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الوريقة، علم أنها من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا الذي قصد مسطّرها بكتابتها، وجعلها هديته المعجّلة السابقة إلى أصحابه ورفقائه في طلب العلم.
فالمقصد العام منها هو : الحث على التعاون على البر والتقوى والهجرة الحقيقية إلى الله تعالى والسفر إليه وبيان فضل من سلك هذا الطريق وخسران من خالفه وضل عنه.
تلخيص المقاصد الفرعية للرسالة :
1-بيان أن جميع مصالح العباد تتحقق في التعاون على البر والتقوى
ويتحقق ذلك بواجبين :
ما يجب على العبد بينه وبين الخلق:
فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصّحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي "البرّ والتقوى" اللذان هما جماع الدين كله،
وبهذا تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتّقوى، علما وعملًا.
وما يجب عليه بينه وبين الخالق:
وذلك بإيثار طاعته، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
ولا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر.
ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصاومحبةًوعبودية
ملازمة البر للتقوى ومعناهما :
إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر؛ لأن البرّ جزء مسمّى التقوى، وكذلك التقوى فإنه جزء مسمّى البر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند الانفراد.
حقيقة البر ومعناه وخصائصه :
حقيقة البرّ هو الكمال المطلوب من الشيء،ويدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، والتقوى جزء من هذا المعنى ،وأكثر ما يعبر عن البر بدر القلب ،
وفي مقابلته "الإثم"، وفي حديث النّواس بن سمعان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [له]: (جئت تسأل عن البرّ والإثم) ؛ فالإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
معنى التقوى :
وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
كما قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
أهم ما يتعاون به على البر والتقوى :
من أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً

2-الحث على الهجرة وبيان أنواعها وأحوالها و حقيقتها
أنواع الهجرة :
الهجرة هجرتان:
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد.
* والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.
* ما تتضمنه الهجرة الحقيقية :
* هي هجرة تتضمن "من" و"إلى":
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته.
ومن عبودية غيره إلى عبوديته.
ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه.
ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم : "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
ولهذا يقرن سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن في غير موضع؛ لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر.
معنى الهجرة الى الله:
القرار من الله إليه
وأما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده؛ فإنه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن، وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فرّ العبد إلى الله فإنما يفرّ من شيء وجد بمشيئة الله وقدره؛ فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه.
حكمها :
هي : فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، ولا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
أهميتها :
هي أهم شيء يقصده العبد ، ولا ينفك عنها حتى الممات.
أحوالها:
الهجرة إلى الله تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي [المحبة] في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة [أقوى و] أتمّ وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.
معنى الهجرة النبوية :
حكمها:
هذه الهجرة فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، كما أن الهجرة الأولى مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.
حدها:
حد هذه الهجرة: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى (4)}، فكل مسألةٍ طلعت عليها شمس رسالته وإلا فاقذف بها في بحار الظلمات، وكل شاهد عدّله هذا المزكّي الصادق وإلا فعدّه من أهل الريب والتهمات؛ فهذا هو حدّ هذه الهجرة.

أهمية الهجرة إلى الله ورسوله:
عن هاتين الهجرتين يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويطالب بهما في الدنيا، فهو مطالب بهما في الدّور الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار.
قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين، وقد قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فأقسم سبحانه بأجل مقسم به -وهو نفسه -عز وجل-- على أنهم لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يحكّموا رسوله في جميع موارد النزاع، وهو كل ما شجر بينهم من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين. فإن لفظة "ما" من صيغ العموم؛ فإنها موصولة تقتضي نفي الإيمان إذا لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم.
جزاء المهاجر إلى الله ورسوله:
من سلك هذه الطريقة استقام له سفر الهجرة، واستقام له علمه وعمله، وأقبلت وجوه الحقّ إليه من كلّ جهة.
3- الحث على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما يتبع ذلك من أحكام ومنها:
1-الولاية :
حكمها: هي واجبة ومن تركها فليس من المؤمنين .
ما تتضمنه :
وهذه الأولوية تتضمن أمورًا:
منها: أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا فيجب أن يكون الرسول أولى به منها، وأحبّ إليه منها؛ فبذلك يحصل له اسم الإيمان.
لوازمها:
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم
على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده؛ فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.
السبيل لثبوتها:
السبيل إلى ثبوت هذه الأولوية يكون بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه، وإن لم تتبين شهادته له بصحةٍ ولا بطلانٍ جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، ووقفه حتى يتبيّن أي الأمرين أولى به؟
القسط:
أمر سبحانه بالقيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا، وأحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته، وأمنائه بين أتباعه، ولا يستحقّ اسم الأمانة إلا من قام فيها بالعدل المحض، نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولعباده.
3-عدم اتباع الهوى :
والمقصود به الهوى الحامل على ترك العدل.
طاعة الله ورسوله :
إذا ثبت لله ولرسوله في كل مسألة من المسائل حكمٌ طلبيٌّ أو خبريٌّ، فإنه ليس لأحد أن يتخيّر لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، و ليس ذلك لمؤمن [ولا مؤمنة] أصلًا، وهذا منافٍ للإيمان.
وقد حكى الشافعي - رضي الله عنه - إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنّ من استبانت له سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد ووافقه جميع الأئمة .
ثمرة هذه الطاعة :
أخبر سبحانه أن الهداية إنما هي في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلّق بالشرط؛ فينتفي بانتفائه، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، كما يغلط فيه كثير من الناس، ويظن أنه يحتاج في تقرير الدلالة منه إلى تقرير كون المفهوم حجة، بل هذا من الأحكام التي رتّبت على شروط وعلّقت، فلا وجود لها بدون شروطها، إذ ما علّق على الشرط فهو عدم عند عدمه؛ وإلا لم يكن شرطًا له. إذا ثبت هذا فالآية نصٌّ على انتفاء الهداية عند عدم طاعته.
رد الأمر إليه عند التنازع :
قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}.
وهذا دليل قاطعٌ على أنه يجب ردّ موارد النّزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كلّه إلى الله ورسوله، لا إلى أحدٍ غير الله ورسوله، فمن أحال الردّ على غيرهما فقد ضادّ أمر الله، ومن دعا عند النزاع إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية. فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يردّ كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}، وهذا مما ذكرناه آنفًا أنّه شرطٌ ينتفي المشروط بانتفائه، فدلّ على أن من حكّم غير الله ورسوله في موارد النزاع كان خارجًا عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر.
عاقبة ترك هديه صلى الله عليه وسم :
قال تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}، وهذا دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين .
انحصار الكمال الإنساني في متابعته :
انحصر الكمال الإنسانيّ في هذه المراتب الأربعة:
إحداها: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
4-بيان أنواع الأتباع :
الأتباع المبطلين :
1-الأتباع الأشقياء وهم نوعان :
أحدهما : منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها.
والثاني: المكذّب بالحق.
فالأول كفره بالافتراء وإنشاء الباطل، والثاني كفره بجحود الحق. وهذان النوعان يعرضان لكل مبطل؛ فإن انضاف إلى ذلك دعوته إلى باطله، وصدّ الناس عن الحقّ، استحقّ تضعيف العذاب؛ لتضاعف كفره وشرّه؛ ولهذا قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)}، فلما كفروا وصدّوا عباده عن سبيله عذّبهم عذابين: عذابًا بكفرهم، وعذابًا بصدّهم عن سبيله.
حكمهم:
يقطع الله سبحانه وتعالى يوم القيامة الأسباب والعلق والوصلات التي كانت بين الخلق في الدنيا كلها, ولا يبقى إلا السبب والوصلة التي بين العبد وبين ربّه فقط، وهو سبب العبودية المحضة التي لا وجود لها ولا تحقّق إلا بتجريد متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم، وما عرفت إلا بهم, ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم، وقد قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا (23)}.
أنواع الاتباع السعداء :
فأما الأتباع السّعداء فنوعان:
أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
فهؤلاء هم السّعداء الذين ثبت لهم رضى الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ولا يختصّ ذلك بالقرن الذين رأوهم فقط، وإنما خصّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.
وأما النوع الثاني من الأتباع السّعداء: فهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.
جزاء الاتباع السعداء:
من كان هكذا مع عباد الله كان الله بكل خير إليه أسرع، وأقبل الله إليه بقلوب عباده، وفتح على قلبه أبواب العلم، ويسّره لليسرى، ومن كان بالضد فبالضدّ، {وما ربّك بظلّامٍ للعبيد . (46)}.
وقدذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته وما بعثه الله به [من الهدى] في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم، منها قسمان سعيدان، وقسمٌ شقي).
5-بيان سبيل السفر إلى الله
زاد السفر :
زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين، فرفقاء التخلّف البطّالون أكثر من أن يحصوا فله أسوةٌ بهم، ولن ينفعه هذا التأسي يوم الحسرة شيئًا كما قال تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون (39)}.
طريقه :
وأما طريقه: فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا
ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم؛ فإن اللوم يدرك الفارس؛ فيصرعه عن فرسه, ويجعله طريحًا في الأرض.
والثاني: أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال, فمتى خافت النّفس تأخرت وأحجمت, وأخلدت إلى الأرض.
ولا يتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رخاءً في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه, فبينما هو يخاف منها, إذ صارت أعظم أعوانه وخدمه, وهذا أمر لا يعرفه إلا من دخل فيه.
مركبه :
وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه كالإناء المثلوم المكسور الفارغ الذي لا شيء فيه، يتطلع إلى قيّمه ووليّه أن يجبره، ويلمّ شعثه، ويمدّه من فضله ويستره، فهذا الذي يرجى له أن يتولى الله هدايته، وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة، ومنازلها).
رأس الأمر وعموده :
رأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه، تمكّن حينئذٍ الإيمان من قلبه، وجلس على كرسيه، وصار له التصرف، وصار هو الآمر المطاع أمره؛ فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الريح: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب}
بابه :
تدبّر القرآن وتفهّمه والإشراف على عجائبه وكنوزه .
وينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
6- الوصية بالإخلاص و بإصلاح مابين العبد وخالقه والمخلوقين :
وهي: "من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 شعبان 1439هـ/28-04-2018م, 11:49 AM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

بِسْم الله الرحمن الرحيم
تلخيص مقاصد الرسالة التبوكية لابن القيم رحمه الله
مسائل الرسالة :
اشتمال قوله تعالى :( وتعاونوا على البر والتقوى ) على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم
واجب العبد بينه وبين الخلق
كيفية تحققه
واجب العبد بينه وبين الناس
كيفية تحققه
أهم مايقصده العبد
فائدة اقتران البر والتقوى
حقيقة البر ومعناه وما يدخل فيه وخصائصه
معنى التقوى وحقيقتها وخصائصها
الفرق بين البر والتقوى
معنى الإثم
معنى العدوان
الفرق بين الاثم والعدوان
الحكم الشرعي في الاثم والعدوان
أعظم ما يتعاون به على البر والتقوى
عاقبة المتعاون على البر والتقوى
شروط قبول العمل
أصول الإيمان وفروعه
مفاسد الجهل بحدود الله
حكم الهجرة
أنواع الهجرة
ما تتضمنه الهجرة
معنى الهجرة إلى الله
سبب اقتران الهجرة والإيمان في القران
بيان الهجرة الحقيقة
حال المهاجر إلى الله
محاسبة النفس في حالها مع الهجرة
حد الهجرة
حكم الهجرة النبوية
كيفية استقامة طريق الهجرة
التوحيد المطلوب
لوازم العبودية
مايتضمنه القرار إلى الله
مايتضمنه القرار منه إليه
رأس مال القرار وعموده
السر في قوله (أعوذ بك منك )
* وجوب تحكيم الله ورسوله
* معرفة حال العبد من مدى تسليمه لحكم الله ورسوله
* أحوال حمل القسم في القران المصدرة بحرف نفي
* فائدة تصدر جمل القسم بحرف نفي
* النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
* ما تتضمنه الولاية
* وجوب الولاية
* لوازم الولاية
* موانع الولاية
* الأمر بالقسط والشهادة لله
* معنى القسط ووجوب القيام به على جميع الناس
* معنى الشاهد وأنواعه
* شروط الشهادة بالقسط
* النهي عن اتباع الهوى في الشهادة
* معنى قوله تعالى :( أن تعدلوا)
* السببين الموجبين لكتمان الحق
* معنى اللي في قوله تعالى ( أن تلوا)
* المراد بقوله ( أن تلووا )
* دلالالة الاية على وجوب الالتزام بأحكام الله الخبرية والطلبية
* الحجة الواجبة على الخلق اتباعها
* المراد بالهداية
* معصية الله ورسوله سبب لانتفاء الهداية
* فائدة حرف التاء في قوله ( فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ماحملتم
* فائدة الخطاب بالايمان للمؤمنين في القران
* دلالة الاية على وجوب طاعة الرسول مفردة ومستقلة
* طاعة أولياء الأمور وحدودها
* المراد بأولي الامر
* أنواع أولي الامر
* وجوب رد موارد النزاع إلى الله ورسوله
* معنى ردوه إلى الله ورسوله
* أسباب شرور العالم والاخرة وخير العالم والاخرة
* سبب نجاة العبد
* سبب كمال السعادة
* المراتب الأربعة للكمال الإنساني
* مصدر هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الوحي
* أنواع المبطلين
* حكم الاتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالة
* سبب العبودية المحضة وتحققها
* أنواع الاتباع السعداء
* كيفية الاتباع
* نوع الباء في قوله بإحسان
* جزاء المتابعة
* أنواع المتبعين
* أقسام الخلائق في الدعوة النبوية
* منازل الخلائق في الدعوة النبوية
* السفر إلى الله تعالى وطريقة ومركبه
* سبيل الركوب إليه
* الوصية بمصاحبة الابرار
الحث على الإخلاص والإصلاح لأنهما عماد الأمر كله .
المقاصد الفرعية :
بيان أن جميع مصالح العباد تتحقق في التعاون على البر والتقوى
الحث على الهجرة وبيان أنواعها وأحوالها و حقيقتها
الحث على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما يتبع ذلك من أحكام
بيان أنواع المتبعين للدعوة النبوية وأقسامهم
بيان سبيل السفر إلى الله
خلاصة الرسالة بالوصية الجامعة
المقصد الكلي من الرسالة :
قال ابن القيم رحمه الله :ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الوريقة، علم أنها من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا الذي قصد مسطّرها بكتابتها، وجعلها هديته المعجّلة السابقة إلى أصحابه ورفقائه في طلب العلم.
فالمقصد العام منها هو : الحث على التعاون على البر والتقوى والهجرة الحقيقية إلى الله تعالى والسفر إليه وبيان فضل من سلك هذا الطريق وخسران من خالفه وضل عنه.
تلخيص المقاصد الفرعية للرسالة :
1-بيان أن جميع مصالح العباد تتحقق في التعاون على البر والتقوى
ويتحقق ذلك بواجبين :
ما يجب على العبد بينه وبين الخلق:
فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصّحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي "البرّ والتقوى" اللذان هما جماع الدين كله،
وبهذا تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتّقوى، علما وعملًا.
ما يجب عليه بينه وبين الخالق:
وذلك بإيثار طاعته، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
ولا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر.
ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصاومحبةًوعبودية
ملازمة البر للتقوى ومعناهما :
إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر؛ لأن البرّ جزء مسمّى التقوى، وكذلك التقوى فإنه جزء مسمّى البر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند الانفراد.
حقيقة البر ومعناه وخصائصه :
حقيقة البرّ هو الكمال المطلوب من الشيء،ويدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، والتقوى جزء من هذا المعنى ،وأكثر ما يعبر عن البر بدر القلب ،
وفي مقابلته "الإثم"، وفي حديث النّواس بن سمعان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [له]: (جئت تسأل عن البرّ والإثم) ؛ فالإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
معنى التقوى :
وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
كما قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
أهم ما يتعاون به على البر والتقوى :
من أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً

2-الحث على الهجرة وبيان أنواعها وأحوالها و حقيقتها
أنواع الهجرة :
الهجرة هجرتان:
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد.
* والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.
* ما تتضمنه الهجرة الحقيقية :
* هي هجرة تتضمن "من" و"إلى":
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته.
ومن عبودية غيره إلى عبوديته.
ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه.
ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم : "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
ولهذا يقرن سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن في غير موضع؛ لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر.
معنى الهجرة الى الله:
القرار من الله إليه
وأما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده؛ فإنه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن، وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فرّ العبد إلى الله فإنما يفرّ من شيء وجد بمشيئة الله وقدره؛ فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه.
حكمها :
هي : فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، ولا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
[COLOR="Black"]أهميتها[/COLOR] :
هي أهم شيء يقصده العبد ، ولا ينفك عنها حتى الممات.
أحوالها:
الهجرة إلى الله تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي [المحبة] في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة [أقوى و] أتمّ وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.
معنى الهجرة النبوية :
حكمها:
هذه الهجرة فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، كما أن الهجرة الأولى مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.
حدها:
حد هذه الهجرة: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى (4)}، فكل مسألةٍ طلعت عليها شمس رسالته وإلا فاقذف بها في بحار الظلمات، وكل شاهد عدّله هذا المزكّي الصادق وإلا فعدّه من أهل الريب والتهمات؛ فهذا هو حدّ هذه الهجرة.

أهمية الهجرة إلى الله ورسوله:
عن هاتين الهجرتين يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويطالب بهما في الدنيا، فهو مطالب بهما في الدّور الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار.
قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين، وقد قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فأقسم سبحانه بأجل مقسم به -وهو نفسه -عز وجل-- على أنهم لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يحكّموا رسوله في جميع موارد النزاع، وهو كل ما شجر بينهم من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين. فإن لفظة "ما" من صيغ العموم؛ فإنها موصولة تقتضي نفي الإيمان إذا لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم.
جزاء المهاجر إلى الله ورسوله:
من سلك هذه الطريقة استقام له سفر الهجرة، واستقام له علمه وعمله، وأقبلت وجوه الحقّ إليه من كلّ جهة.
3- الحث على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما يتبع ذلك من أحكام ومنها:
1-الولاية :

حكمها: هي واجبة ومن تركها فليس من المؤمنين .
ما تتضمنه:
وهذه الأولوية تتضمن أمورًا:
منها: أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا فيجب أن يكون الرسول أولى به منها، وأحبّ إليه منها؛ فبذلك يحصل له اسم الإيمان.
لوازمها:
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم
على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده؛ فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.
السبيل لثبوتها:
السبيل إلى ثبوت هذه الأولوية يكون بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه، وإن لم تتبين شهادته له بصحةٍ ولا بطلانٍ جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، ووقفه حتى يتبيّن أي الأمرين أولى به؟
القسط:
أمر سبحانه بالقيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا، وأحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته، وأمنائه بين أتباعه، ولا يستحقّ اسم الأمانة إلا من قام فيها بالعدل المحض، نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولعباده.
3-عدم اتباع الهوى :
والمقصود به الهوى الحامل على ترك العدل.
طاعة الله ورسوله :
إذا ثبت لله ولرسوله في كل مسألة من المسائل حكمٌ طلبيٌّ أو خبريٌّ، فإنه ليس لأحد أن يتخيّر لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، و ليس ذلك لمؤمن [ولا مؤمنة] أصلًا، وهذا منافٍ للإيمان.
وقد حكى الشافعي - رضي الله عنه - إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنّ من استبانت له سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد ووافقه جميع الأئمة .
ثمرة هذه الطاعة :
أخبر سبحانه أن الهداية إنما هي في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلّق بالشرط؛ فينتفي بانتفائه، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، كما يغلط فيه كثير من الناس، ويظن أنه يحتاج في تقرير الدلالة منه إلى تقرير كون المفهوم حجة، بل هذا من الأحكام التي رتّبت على شروط وعلّقت، فلا وجود لها بدون شروطها، إذ ما علّق على الشرط فهو عدم عند عدمه؛ وإلا لم يكن شرطًا له. إذا ثبت هذا فالآية نصٌّ على انتفاء الهداية عند عدم طاعته.
رد الأمر إليه عند التنازع :
قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}.
وهذا دليل قاطعٌ على أنه يجب ردّ موارد النّزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كلّه إلى الله ورسوله، لا إلى أحدٍ غير الله ورسوله، فمن أحال الردّ على غيرهما فقد ضادّ أمر الله، ومن دعا عند النزاع إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية. فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يردّ كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}، وهذا مما ذكرناه آنفًا أنّه شرطٌ ينتفي المشروط بانتفائه، فدلّ على أن من حكّم غير الله ورسوله في موارد النزاع كان خارجًا عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر.
عاقبة ترك هديه صلى الله عليه وسم :
قال تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}، وهذا دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين .
انحصار الكمال الإنساني في متابعته :
انحصر الكمال الإنسانيّ في هذه المراتب الأربعة:
إحداها: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
4-بيان أنواع الأتباع :
الأتباع المبطلين :
1-الأتباع الأشقياء وهم نوعان :
أحدهما : منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها.
والثاني: المكذّب بالحق.
فالأول كفره بالافتراء وإنشاء الباطل، والثاني كفره بجحود الحق. وهذان النوعان يعرضان لكل مبطل؛ فإن انضاف إلى ذلك دعوته إلى باطله، وصدّ الناس عن الحقّ، استحقّ تضعيف العذاب؛ لتضاعف كفره وشرّه؛ ولهذا قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)}، فلما كفروا وصدّوا عباده عن سبيله عذّبهم عذابين: عذابًا بكفرهم، وعذابًا بصدّهم عن سبيله.
عاقبتهم :
يقطع الله سبحانه وتعالى يوم القيامة الأسباب والعلق والوصلات التي كانت بين الخلق في الدنيا كلها, ولا يبقى إلا السبب والوصلة التي بين العبد وبين ربّه فقط، وهو سبب العبودية المحضة التي لا وجود لها ولا تحقّق إلا بتجريد متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم، وما عرفت إلا بهم, ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم، وقد قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا (23)}.
أنواع الاتباع السعداء :
فأما الأتباع السّعداء فنوعان:
أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
فهؤلاء هم السّعداء الذين ثبت لهم رضى الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ولا يختصّ ذلك بالقرن الذين رأوهم فقط، وإنما خصّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.
وأما النوع الثاني من الأتباع السّعداء: فهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.
جزاء الاتباع السعداء:
من كان هكذا مع عباد الله كان الله بكل خير إليه أسرع، وأقبل الله إليه بقلوب عباده، وفتح على قلبه أبواب العلم، ويسّره لليسرى، ومن كان بالضد فبالضدّ، {وما ربّك بظلّامٍ للعبيد . (46)}.
وقدذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته وما بعثه الله به [من الهدى] في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم، منها قسمان سعيدان، وقسمٌ شقي).
5-بيان سبيل السفر إلى الله
زاد السفر :
زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين، فرفقاء التخلّف البطّالون أكثر من أن يحصوا فله أسوةٌ بهم، ولن ينفعه هذا التأسي يوم الحسرة شيئًا كما قال تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون (39)}.
طريقه :
وأما طريقه: فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا
ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم؛ فإن اللوم يدرك الفارس؛ فيصرعه عن فرسه, ويجعله طريحًا في الأرض.
والثاني: أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال, فمتى خافت النّفس تأخرت وأحجمت, وأخلدت إلى الأرض.
ولا يتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رخاءً في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه, فبينما هو يخاف منها, إذ صارت أعظم أعوانه وخدمه, وهذا أمر لا يعرفه إلا من دخل فيه.
مركبه :
وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه كالإناء المثلوم المكسور الفارغ الذي لا شيء فيه، يتطلع إلى قيّمه ووليّه أن يجبره، ويلمّ شعثه، ويمدّه من فضله ويستره، فهذا الذي يرجى له أن يتولى الله هدايته، وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة، ومنازلها).
رأس الأمر وعموده :
رأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه، تمكّن حينئذٍ الإيمان من قلبه، وجلس على كرسيه، وصار له التصرف، وصار هو الآمر المطاع أمره؛ فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الريح: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب}
بابه :
تدبّر القرآن وتفهّمه والإشراف على عجائبه وكنوزه .
وينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
6- الوصية بالإخلاص و بإصلاح مابين العبد وخالقه والمخلوقين :
وهي: "من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 شعبان 1439هـ/28-04-2018م, 06:30 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

الرسالة التبوكية
المسائل المستخلصة من الرسالة :
- الدليل على أن المقصود من اجتماع الناس تعاونهم على البر والتقوى
- اشتمال الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم
- الواجب الذي بين العبد وبين الخلق وكيف يتم
- الواجب الذي بين العبد وبين الرب وكيف يتم
- قاعدة جليلة في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة وأهمية هذه القاعدة
- معنى البر من خلال آية البقرة
- البر على الحقيقة بر القلب وأن له ذوقا وطعما
- حقيقة التقوى وحدها
- العلم النافع في فهم دلالات الألفاظ القرآنية
- معنى كل من الإثم والعدوان
- المراد بحدود الله والفرق بين تعديها والقرب منها
- المفاسد المترتبة على الجهل بحدود ما أنزل الله
- أهمية معرفة دلالات الألفاظ وما يدخل فيها وما يشذ عنها
- مراد الله من عبادة الهجرة إليه وإلى رسوله
- الهجرة هجرتان بالبدن وبالقلب وهى المقصودة
- معنى الهجرة إلى الله وما تتضمنه
- طبيعة الهجرة إلى الرسول وحدها ومايضادها
- كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون وهما مضمون الشهادتين
- الأدلة على وجوب اتباع الرسول وتحكيم شرعه واقتفاء أثره:
دلالة آية النساءعلى أنه لايتم الإيمان إلا بتحكيم الرسول،...
لدلالة آية الأحزاب على أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وماتتضمنه هذه الأولوية ومايلوم منها وما تثبت به وما يناقضها
معنى قوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}
السبب الموجب لكتمان الحق كما دلت عليه الآية
- وجه الدلالة من آية الأعراف
- دلالة آية النور على تعلق الهداية بطاعة الله ورسوله
- دلالة آية النساء على طاعة أولى الأمر وضابطها
- من هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم
- وجوب التحاكم عند التنازع إلى حكم الله ورسوله
- مصدر الكمال الإنسانى أربعة أمور
- الأدلة على سوء عاقبة من اتبع غير سبيل الرسول
- أقسام الأتباع :أشقياء وسعداء
- الأتباع الأشقياء صنفان موافقون ومخالفون لمتبوعيهم
- العبودية المحضة لاتتم إلا بتجريد متابعة الرسول
- الأتباع السعداء صنفان :أتباع لهم حكم الاستقلال وأتباع لهم حكم الإلحاق
- أقسام الخلائق أمام دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة
- الهجرة إلى الله ورسوله سفر يحتاج فيه المسافرإلى أمور:الزاد والمركب والطريق
- الأمور المعينة له على ركوب الظهر وبلوغ الغاية
- الزاد الحقيقى ورأس المال في السفر تدبر القرآن
- نموذج على معنى التدبر كيف يكون من سورة الذاريات
- رفيق السفر في الهجرة من يكون وكيف يسير المسافر بين الناس وينظر إليهم
- دلالة آية الأعراف على جماع حسن الخلق الذي ينبغى للمهاجر أن يتحلى به مع الحق ومع الخلق
- تتم الأخلاق الحسنة بثلاثة أشياء
- ثمرات الهجرة إلى الله ورسوله
- خلاصة الرسالة في ثلاث كلمات تكلم بها أحد السلف
- ---------
- المقاصد الفرعية للرسالة:

- دلالة آية المائدة على أن المقصد من اجتماع الناس تعاونهم على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان
- مراد الله تعالى من الخلق الهجرة إليه وإلى رسوله
- الأدلة على وجوب تحكيم الرسول واتباع شرعه واقتفاء أثره وأن هذا هو مصدر الكمال الإنسانى
- عاقبة من تخلف عن تجريد متابعة الرسول وأقسام هؤلاء المتخلفين عن اتباعه
- دلالة الحديث على أحوال الناس أمام دعوة النبي وما جاء به من الهدى
- ما يحتاجه المهاجر إلى الله ورسوله في سفره من الزاد والمركب والرفيق المعين وحسن الخلق
- خلاصة الرسالة في ثلاث كلمات تكلم بها أحد السلف

- --------------------
- المقاصد الفرعية وتحتها المسائل المتفرعة عنها:
-1 دلالة آية المائدة على أن المقصد من اجتماع الناس تعاونهم على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان
- اشتمال الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم
- الواجب الذي بين العبد وبين الخلق وكيف يتم
- الواجب الذي بين العبد وبين الرب وكيف يتم
- قاعدة جليلة في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة وأهمية هذه القاعدة
- معنى البر والتقوى إذا اجتمعا وإذا افترقا
- معنى البر من خلال آية البقرة
- البر على الحقيقة بر القلب وأن له ذوقا وطعما
- حقيقة التقوى وحدها
- العلم النافع في فهم دلالات الألفاظ القرآنية والمفاسد المترتبة على الجهل بها
- معنى كل من الإثم والعدوان
- المراد بحدود الله والفرق بين تعديها والقرب منها
-2 مراد الله تعالى من الخلق الهجرة إليه وإلى رسوله
- الهجرة هجرتان بالبدن وبالقلب وهى المقصودة
- معنى الهجرة إلى الله وما تتضمنه
- طبيعة الهجرة إلى الرسول وحدها ومايضادها
- كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون وهما مضمون الشهادتين
-3 الأدلة على وجوب تحكيم الرسول واتباع شرعه واقتفاء أثره وأن هذا هو مصدر الكمال الإنسانى
دلالة آية النساءعلى أنه لايتم الإيمان إلا بتحكيم الرسول،...
دلالة آية الأحزاب على أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وماتتضمنه هذه الأولوية ومايلوم منها وما تثبت به وما يناقضها
معنى قوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}
السبب الموجب لكتمان الحق كما دلت عليه الآية
- وجه الدلالة من آية الأعراف
- دلالة آية النور على تعلق الهداية بطاعة الله ورسوله
- دلالة آية النساء على طاعة أولى الأمر وضابطها
- من هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم
- وجوب التحاكم عند التنازع إلى حكم الله ورسوله
- مصدر الكمال الإنسانى أربعة أمور
-4 عاقبة من تخلف عن تجريد متابعة الرسول وأقسام هؤلاء المتخلفين عن اتباعه
- الأدلة على سوء عاقبة من اتبع غير سبيل الرسول وأقسام هؤلاء
- الأتباع السعداء وأقسامهم
- العبودية المحضة لاتتم إلا بتجريد متابعة الرسول
-5 دلالة الحديث على أحوال الناس أمام دعوة النبي وما جاء به من الهدى
-6 ما يحتاجه المهاجر إلى الله ورسوله في سفره من الزاد والمركب والرفيق المعين وحسن الخلق وثمرات هذه الهجرة
- الهجرة إلى الله ورسوله سفر يحتاج فيه المسافرإلى أمور:الزاد والمركب والطريق
- الأمور المعينة له على ركوب الظهر وبلوغ الغاية
- الزاد الحقيقى ورأس المال في السفر تدبر القرآن
- نموذج على معنى التدبر كيف يكون من سورة الذاريات
- رفيق السفر في الهجرة من يكون وكيف يسير المسافر بين الناس وينظر إليهم
- دلالة آية الأعراف على جماع حسن الخلق الذي ينبغى للمهاجر أن يتحلى به مع الحق ومع الخلق
- تتم الأخلاق الحسنة بثلاثة أشياء
- ثمرات الهجرة إلى الله ورسوله
7-خلاصة الرسالة في ثلاث كلمات تكلم بها أحد السلف
- ---------------------------
- تلخيص مقاصد الرسالة :

- دلالة آية المائدة على أن المقصد من اجتماع الناس تعاونهم على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان
- فالمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم التعاون على البر والتقوى؛ فيعين كلّ واحد صاحبه على ذلك علما وعملا. فإنّ العبد وحده لا يستقلّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه، فاقتضت حكمة الربّ سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعض، معينًا بعضه لبعض
-دلت الآية على الواجب الذي بين العبد وبين الخلق والواجب الذي بينه وبين الحق تعالى :

أ- الواجب في مابينه وبين الحق:بإيثار طاعته وتجنب معصيته {واتقوا الله}
ب- الواجب في ما بينه وبين الخلق بأن تكون مخالطته للناس تعاونا على البر والتقوى علما وعملا{وتعاونوا على البر والتقوى}

-لايتم الواجب الأول إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية
-لا يتمّ الواجب الثانى إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر
وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر :"كن مع الحقّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا"

- قاعدة جليلة في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة وأهمية هذه القاعدة
-أولا :إذا افترقا:
إذا افترقا كان كل منهما داخل في مسمى الآخر متضمن له
-ثانيا:إذا اجتمعا:
-الفرق بينهما إذا اجتمعا كالفرق بين السبب المقصود لذاته والمقصود لغيره فالبر مقصود لذاته لأنه كمال العبد وصلاحه والتقوى هى الوسيلة إلى البروالطريق الموصلة إليه
-يدل لفظ التقوى بمعناه على المراد منه فإن أصله مشتق من الوقاية والسائر في الطريق الذي يريد أن يصل إلى مبتغاه سالما فإنه يشمر ويتقي النار فالتقوى بابها دفع الضرر والبر بابه تحصيل النفع والخير والكمال ولايتم الثانى إلا بالأول
-معنى البر من خلال آية البقرة
-أخبر سبحانه وتعالى أن البر هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وهى أصول الإيمان الخمسة وهى قوام الدين
-وأنه الشرائع الظاهرة أيضا من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإخراج النفقات الواجبة والمسنحبة
-وأنه الأعمال القلبية التى هى حقيقة الإيمان كالصبر والوفاء بالعهد
- البر على الحقيقة بر القلب وأن له ذوقا وطعما
-- بر القلب :أكثر ما يعبر عن البر ببر القلب وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته وهو سبب طمأنينة القلب وانشراح الصدر وقوته كما جاء في حديث النواس بن سمعان {البر ما اطمأنت إليه النفس وما اطمأن إليه القلب }
-من لم يجد هذا الطعم فهو فاقد للإيمان أو ناقص وهو من القسم الذين قال الله فيهم {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ؛فهم ليسوا منافقين على الراجح وليسوا بمؤمنين قد باشرت حقيقة الإيمان قلوبهم فذاقوا طعمه
-تناول مسمى البر جميع أقسام الدين:أصول الإيمان الخمس ،والأعمال القلبية ،وحقائقه وشرائعه

حقيقة التقوى وحدها
حقيقة التقوى: فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده
-حد التقوى :
أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله}
-وحد الشيء مبدؤه ومنتهاه ومبدأ التقوى محض الإيمان فلايكون العمل قربة وطاعة حتى يكون الباعث عليه محض الإيمان لا العادة ولا الهوى ولاطلب محمدة ونحو ذلك ،وهذا معنى قوله على نور من الله
-وغاية التقوى ابتغاء مرضات الله وثوابه وهو الاحتساب وهذا معنى قوله ترجو ثواب الله
-وهذا المعنى يدخل فيه جميع أصول الدين وفروعه فلكل عمل مصدر وباعث عليه وله أيضا غاية يوقع العمل من أجلها وقد اجتمع ذلك في معنى التقوى والبر جزء من معنى التقوى".

العلم النافع في فهم دلالات الألفاظ القرآنية والمفاسد المترتبة على الجهل بها
هذا بابٌ شريف ينتفع به انتفاع عظيم في فهم ألفاظ القرآن ودلالته، ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإنه هو العلم النافع، وقد ذمّ سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله. فإن عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما.
والذّكيّ الفطن يتفطّن لأفراد هذه القاعدة وأمثلتها، فيرى أن كثيرا من الاختلاف أو أكثره إنما نشأ عن هذا الموضع

-معنى كل من الإثم والعدوان
-الإثم :ما كان حرام الجنس،كالزنا وشرب الخمر
-العدوان :هو تعدى ما أباح الله ومحرم الزيادة في القدر،كنكاح الخامسة والتعدى في استيفاء القصاص
المراد بحدود الله والفرق بين تعديها والقرب منها
-حدود الله هى النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام
-نهاية الشىء قد تكون منه فيكون النهى عن تعديها{تلك حدود الله فلا تعتدوها}
-وقد تكون خارجة عنه فينهى عن قربانها {تلك حدود الله فلاتقربوها}
- مراد الله تعالى من الخلق الهجرة إليه وإلى رسوله
- لما فصلت عير السّير، واستوطن المسافر دار الغربة، وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه، أحدث له ذلك نظرا آخر؛ فأجال فكره في أهمّ ما يقطع به منازل سفره إلى الله وينفق فيه بقية عمره، فأرشده من بيده الرشد إلى أن أهمّ شيء يقصده إنما هو الهجرة إلى الله ورسوله، فإنها فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد
- الهجرة هجرتان بالبدن وبالقلب وهى المقصودة
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها.
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها

معنى الهجرة إلى الله وما تتضمنه وأصلها
:الفرار إلى الله وهو عين التوحيد المطلوب
-الهجرةتتضمن " من" و "إلى":
-من محبة غير الله إلى محبته
-ومن خوف غيره ورجائه والتوكل على غيره إلى الخوف منه تعالى ورجائه والتوكل عليه
-ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له
-تحت "من"و"إلى "سر عظيم:
فالفرار منه :يتضمن توحيد الربوبية وإثبات القدر ؛فإن كل مايفر منه العبد فإنما وجد بمشيئة الله وقدره فماشاء كان ومالم يشأ لم يكن فهو فار من الله على الحقيقة
والفرار إليه يتضمن توحيد الإلهية : بإفراده بالطلب والعبودية ولوازمها من المحبة والخشية والتوكل والإنابة
-فالفار من الله إليه هو فار من قدر الله إلى رحمة الله وبره وإحسانه
-المتأمل في هذا المعنى يوجب له انقطاع القلب عن كل ماسوى الله تعالى
-أصل الهجرة الحب والبغض فالمهاجر من شىء إلى شىء لابد وأن يكون المهاجر إليه أحب من المهاجر منه فالهجرة إلى الله تتضمن هجران مايكرهه الله إلى مايحبه ويرضاه
-نفس العبد وهواه وشيطانه يدعونه إلى خلاف مايحبه الله ويرضاه وداعى الإيمان يدعوه لما يحبه الله ويرضاه
-على العبد أن يهاجر ويصارع ماابتلى به في كل وقت إلى الله ورسوله ولاينفك عن الهجرة حتى الممات
-قوة الهجرة أو ضعفها مبنى على قوة داعى المحبة أو ضعفه
-على العبد أن ينتبه لهذا النوع من الهجرة ويدرب نفسه عليه ويكثر التفكير فيه والانشغال به ففيه فلاح العبد وسعادته
- طبيعة الهجرة إلى الرسول وحدها ومايضادها:
شأنها شديد وطريقها على غير المشتاق وعر وبعيد
- حد الهجرةإلى الرسول:
-سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى (4)
-مايضاد هذه الهجرة :لزوم الطبائع والعوائد وماتربى عليه ونشأ وخلاصته {إنا على طريقة آبائنا سالكون وبحبلهم مستمسكون} وعلتهم في ذلك ظنهم أن رأي الآباء خير لهم من آرائهم وظنونهم أوثق حدسا من ظنونهم
-ومصدر هذه الكلمة الإخلاد إلى الكسل والبطالة والاستناد في معرفة طريق النجاة والفلاح إلى غير ماجاء به الصادق المصدوق
-وهاتان الهجرتان إلى الله ورسوله مطالب بها كل عبد في الدنيا وعنها يسأل في البرزخ ويوم القيامة
كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون وهما مضمون الشهادتين:
ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
- الأدلة على وجوب تحكيم الرسول واتباع شرعه واقتفاء أثره وأن هذا هو مصدر الكمال الإنسانى
-
دلالة آية النساءعلى أنه لايتم الإيمان إلا بتحكيم الرسول،...
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)
-وجه الدلالة من الآية:
أقسم سبحانه بأجل مقسم به وهو نفسه أنه لايتم الإيمان إلا:
1-بتحكيم الرسول في موارد النزاع كلها في جميع أبواب الدين ودل على ذلك لفظة {ما}وهى من صيغ العموم
2-انتفاء ضيق الصدر وعدم انشراحه بحكم الرسول بل لابد من تلقيه بالرضا والقبول
3-وتسليم العبد لهذا الحكم تسليم المطيع المحب لاتسليم المقهور المكره على ذلك
-وقد أكد الله تعالى على هذا المعنى بوجوه من التأكيدات منها:
الأول :تصديرالقسم بلا النافية {فلا}وهذا معلوم عند العرب فإنهم إذا أرادوا نفي شىء صدروا جملة القسم بأداة النفي،وافتتاح المقسم عليه بأداة النفي يقوى المقسم عليه ويؤكده
الثاني:تأكيده بالقسم نفسه
الثالث:تأكيده بالمقسم به وهو نفسه سبحانه وتعالى
الرابع :تأكيده بانتفاء الحرج ووجود التسليم
الخامس:تأكيد الفعل بالمصدر
-وكل هذه التأكيدات تدل على عظم شأن اتباع الرسول وتحكيمه في جميع الأمور حتى إنه نفى الإيمان عن من لم يحكم الرسول في جميع الأمور التى يتحاكم ويختلف فيها
دلالة آية الأحزاب على أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وماتتضمنه هذه الأولوية ومايلوم منها وما تثبت به وما يناقضها
قوله تعالى :{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}والمعنى أن الأولوية المذكورة ليست إلا للمؤمنين
وهذه الأولوية تتضمن أمورا:
-منها :أن يكون النبي أحب للعبد من نفسه التى هى أحب شىء إليه ولايحصل له الإيمان إلا بذلك
ويلزم من هذه الأولوية :أن يكون العبد محبا للرسول مطيعا منقادا متحاكما إليه راضيا بحكمه
-ومنها:أن يتجرد العبد من حكمه على نفسه ويكون الحكم للرسول على نفسه فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول
-وتثبت هذه الأولوية بأمور :
-اليقين بأن الهدى والعلم النافع لايتلقى إلا من مشكاته ولايستدل عليه إلا من طريقه ومنهاجه
-وأن يعرض قول كل أحد وفعله على ماجاء به الرسول فإن شهد له بالصحة وإلارده لبطلانه أو توقف فيه إن لم يشهد له بصحة ولاباطل
-أما ما يناقضها:
من ادعى ولايته للرسول وأنه أولى به من نفسه مع إعراضه التام عن ماجاء به ودل عليه من الهدى والخير وتحاكم إلى غيره من آراء وعقول فاشتغل بتقريرها والغضب والحمية لها والتحايل من أجلها
معنى قوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}
قال تعالى { ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا}
ففى هذه الآية أمر من الله بالقيام بالعدل لكل أحد وليا كان أو عدوا وأحق ماقام العبد به من القسط الأقوال والآراء والمذاهب فيتمحض للحق ولايتعصب لقول أو مذهب متبعا لهواه فيوالي من وافقه ويعادي من خالفه ؛فإن هذا مناف لما أمر الله به وبعث به رسله،وأن يكون هذا القيام بالقسط والعدل لله
وقوله {شهداء لله}:أن تكون الشهادة لله وبالحق والقسط لاشهادة زور
-وقيام العبد بالقسط على كل أحد قريبا كان أو بعيدا وليا كان أو عدوا غنيا كان أو فقيرا فيه امتحان العبد إيمانه ؛فإن إيمان العبد يمنعه أن يقوم بالحق على أعدائه دون أوليائه وعلى أقربائه دون غيرهم ويمنعه من الجنف على الأعداء أو المحاباة للأقرباء فإن العبد قد يخاف من القيام بالحق على الغنى خوفا على ماله أو على الفقير لإعدامهأو أن يكون المعنى أن يكون المانع له من القيام بالحق على الغنى رجاء غناه والنفع من ورائه وأما الفقير فإنه لايقوم عليه بالحق لأنه لايخشى منه لضعفه ولهذا قال تعالى {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما }أى الله أعلم بهما وأرحم منكم فهو ربهما ووليهما
كما قال بعض السلف: "العادل هو الذي إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحقّ

السبب الموجب لكتمان الحق كما دلت عليه الآية
-السبب الموجب لكتمان الحق :
-الأول :اللي:وهو تحريف الحق وليه وهو نوعان لي لفظى : بزيادة لفظة، أو نقصانها، أو إبدالها بغيرها، أو ليًّا في كيفية أدائها، وإيهام السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يلوون ألسنتهم بالسّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا أحد نوعي اللّيّ.
والنوع الثاني منه: ليّ المعنى، وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وتحماله ما لم يرده، أو يسقط منه بعض ما أراد به، ونحو هذا من ليّ المعاني، فقال تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا
-والشاهد مطالب بأداء الشهادة على وجهها لايغيرها ويبدلها ولايكتمها فجعل الله تعالى اللى بمثابة التغيير والتبديل والإعراض بمثابة الكتمان لها
- وجه الدلالة من آية الأعراف
- مر سبحانه باتباع ما أنزل على رسوله، ونهى عن اتباع غيره، فما هو إلا اتباع المنزل أو اتباع أولياء من دونه، فإنه لم يجعل بينهما واسطة، فكل من لم يتّبع الوحي فإنما اتبع الباطل واتبع أولياء من دون الله، وهذا بحمد الله ظاهر لا خفاء به.
- دلالة آية النور على تعلق الهداية بطاعة الله ورسوله
- ففي الآية تعلق الهداية بالطاعة فإن حصول الهداية متوقف على طاعة الله ورسوله فإذا انتفت الطاعة انتفت الهداية
-تكرار الفعل {أطيعوا}فيه سر لطيف وهو دلالته على أن ما يأمر به رسوله تجب طاعته فيه وإن لم يكن مأمورًا به بعينه في القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردةً ومقرونةً، فلا يتوهّم متوهّمٌ أن ما يأمر به الرسول إن لم يكن في القرآن وإلا فلا تجب طاعته فيه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه
- دلالة آية النساء على طاعة أولى الأمر وضابطها
- أما طاعة أولى الأمر فإنها جاءت مقترنة بطاعة الرسول وفي ذلك سر أيضا وهو أن أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة
-واما قوله{ فردوه إلى الله والرسول }دون تكرار الجار ولم يقل: وإلى الرسول؛ فإن الردّ إلى القرآن ردٌّ إلى الله والرسول، والردّ إلى السنة ردٌّ إلى الله والرسول، فما يحكم به الله هو بعينه حكم رسوله, وما يحكم به الرسول هو بعينه حكم الله.
فإذا رددتم إلى الله ما تنازعتم فيه، يعني إلى كتابه؛ فقد رددتموه إلى الله ورسوله، وكذلك إذا رددتموه إلى رسوله فقد رددتموه إلى الله والرسول، وهذا من أسرار القرآن
من هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم
-وأولي الأمر الذين تجب طاعتهم فيه قولان :العلماء والأمراء وكلاهما من أولى الأمر
فالعلماء: ولاته حفظًا، وبيانًا، وبلاغًا، وذبًّا عنه، وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكّلهم الله بذلك، فقال تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين (.
والأمراء: ولاته قيامًا، ورعايةً، وجهادًا، وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه
وجوب التحاكم عند التنازع إلى حكم الله ورسوله
دلّت هذه الآية{ فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}}.
على أن من حكّم غير الله ورسوله في موارد النزاع كان خارجًا عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر.
-اتفق السّلف والخلف على أن الردّ إلى الله هو الردّ إلى كتابه، والردّ إلى رسوله هو الردّ إليه في حياته والردّ إلى سنّته بعد وفاته.
-وقوله تعالى {ذلك خير وأحسن تأويلا}فيه دلالة أن طاعة الرسول عاقبتها الخير والفلاح في الدنيا والآخرة وبالمفهوم أن مخالفته وعصيانه سبب الشرور والآثام والآلام
مصدر الكمال الإنسانى أربعة أمور
الأولى: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
-عاقبة من تخلف عن تجريد متابعة الرسول وأقسام هؤلاء المتخلفين عن اتباعه
-دلت النصوص على أن هداية الرسول بالوحي كما في قوله تعالى {وإن اهتديت فبما يوحي إلى ربي} وأن الضلال كل الضلال في ترك الهدى الذي جاء به والإعراض عنه إلى غيره من الآراء والعقول المختلفة والمضطربة وقد بين الله تعالى ذلك كما في قوله { ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا)

الأدلة على سوء عاقبة من اتبع غير سبيل الرسول
-القسم الأول :الأتباع الموافقين لمتبوعيهم في الضلالة
كل من اتخذ خليلا غير الرسول فيترك ما جاء به الرسول لأجل قوله ورأيه فإنه لامحالة قائل هذه المقالة يوم لاينفع الندم وهذا هو المتخالين على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخلّة إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين}
{يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا (66) وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا}

وقال تعالى {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتّى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (37) قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضلٍ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}
القسم الثانى: - الأتباع المخالفين لمتبوعيهم:
{فهم الذين ذكرهم الله بقوله تعالى {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار}
-فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى والأتباع ادعوا أنهم على طريقتهم وهم في الحقيقة مخالفون لهم ولمنهاجهم فقد اتخذوهم أولياء من دون الله وظنوا أن هذا الإتخاذ ينفعهم ولكن قال الله تعالى {وتقطعت بهم الأسباب}فأبطل الله كل الأسباب التى كانت بينهم في الدنيالغير الله فكل سبب ووسيلة ومودة وموالاة كانت في الدنيا لغير الله يقطعها الله يوم القيامة وتصير هباء منثورا ولايبقى إلا السبب الموصل بين العبد وربه ،قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}لا ينتفع منها صاحبها بشيء أصلًا؛ وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة أن يرى سعيه كلّه ضائعًا لم ينتفع منه بشيء، وهو أحوج ما كان العامل إلى عمله، وقد سعد أهل السّعي النافع بسعيهم)
-وهذا هو حظ العبد من الهجرة إلى الله وإلى رسوله ولوازمها من الحب والبغض في الله والموالاة في الله والبغض في الله وتجريد متابعة الرسول من شوائب الالتفات إلى غيره فضلا عن تقديم قول غيره عليه


- الأتباع السعداء نوعان :

-النوع الأول :أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}
-وهؤلاء السعداء هم الأولون :صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة لايختص بالقرن الذين أوهم فيه وإنما خصّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه
-وهذه التبعية ليست مطلقة فتحصل بمجرد النسبة والاتباع في شيء والمخالفة في غيره، ولكن تبعية] مصاحبةٌ للإحسان؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، والإحسان في المتابعة شرطٌ في حصول رضى الله عنهم وجنّاته
-واللنوع الثانى:من هؤلاء السعداء هم الذين ذكرهم الله تعالى بقوله {وآخرون منهم لما يلحقوا بهم} والمراد لم يلحقوا بهم في الزمان ومايترتب عليه من فضل الصحبة والرتبة وكلاهما من السعداء
-النوع الثانى من الأتباع السعداء وهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21).
-الإلحاق المذكور إنما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب ؛فربما وقع في الوهم أن إلحاق الذرية أيضًا حاصلٌ بهم في حكم العدل، فإذا اكتسبوا سيئاتٍ أوجبت عقوبة، كان كل عامل رهينًا بكسبه لا يتعلق بغيره منه شيء لذا قال {كل امرىء بما كسب رهين}.
-العبودية المحضة لاتتم إلا بتجريد متابعة الرسول

-دلالة الحديث على أحوال الناس أمام دعوة النبي وما جاء به من الهدى
-القسم الأول : كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير
-فشبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب
-وشبّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فإذا أصابها الغيث ارتوت منه، ثمّ أنبتت من كل زوجٍ بهيجٍ.
فهذا مثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو يقبل العلم بذكائه، ويثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.

القسم الثانى: وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا
أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسّقي منها والازدراع.
وهذا مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه".وهذا القسم مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والكسب، ولكنه حافظٌ لماله، لا يحسن التصرف والتقلّب فيه.

القسم الثالث: وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً
-أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع بشيء منه.
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه، وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ الماء، وهو مثل الفقير الذي لا مال له، ولا يحسن يمسك مالًا وهذا مثل القلب الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
-فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم، منها قسمان سعيدان، وقسمٌ شقي .
-ما يحتاجه المهاجر إلى الله ورسوله في سفره من الزاد والمركب والرفيق المعين وحسن الخلق وثمرات هذه الهجرة
-الهجرة إلى الله ورسوله سفر يحتاج فيه المسافر إلى أمور :الزاد والمركب والطريق
-
-الزاد:
العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين
-المركب: صدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به
-الطريق : هو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا
-الأمور المعينة له على ركوب الظهر وبلوغ الغاية
أحدهما:
أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم
والثاني:
أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال
-ولا يتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رخاءً في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه
- الزاد الحقيقى ورأس المال في السفر تدبر القرآن
- رأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه، تمكّن حينئذٍ الإيمان من قلبه، وجلس على كرسيه، وصار له التصرف، وصار هو الآمر المطاع أمره؛ فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الريح: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب}
- نموذج على معنى التدبر كيف يكون من سورة الذاريات
- فقد تضمنت هذه الآيات أسرار بديعة
1.تضمنت من أنواع الثناء على إبراهيم:
قوله: {ضيف إبراهيم المكرمين} فإن في {المكرمين} قولين:
أحدهما: إكرام إبراهيم لهم؛ ففيه مدحٌ له بإكرام الضيف.
والثاني: أنهم مكرمون عند الله؛ كقوله: {بل عبادٌ مكرمون (26)}، وهو متضمن أيضًا لتعظيم خليله ومدحه؛ إذ جعل ملائكته المكرمين أضيافًا له
{فقالوا سلامًا قال سلامٌ} متضمن لمدحٍ آخر لإبراهيم حيث ردّ عليهم أحسن مما حيّوه به فتحيته بالجملة الاسمية التى تفيد الثبوت والدوام وتحيتهم بالجملة الفعلية التى تفيد التجدد والاستمرار
. قوله {فجاء بعجل سمين}فيه: خدمة ضيفه بنفسه، فإنه لم يرسل به، وإنما جاء به بنفسه.
أنه جاءهم بحيوان تام لم يأتهم ببعضه؛ ليتخيّروا من أطايب لحمه ما شاءوا
: أنه سمين ليس بمهزولٍ، وهذا من نفائس الأموال، ولد البقرة السمين، فإنهم يعجبون به، فمن كرمه هان عليه ذبحه وإحضاره.
و2-كيف جمعت آداب الضيافة وحقوقها.
قوله {فراغ إلى أهله} , والروغان: الذهاب في سرعة واختفاءٍ، وهو يتضمن المبادرة إلى إكرام الضيف، والاختفاء ترك تخجيله وألا يعرّضه للحياء
قوله: {إليهم} متضمنٌ لمدحٍ وأدبٍ آخر، وهو إحضار الطعام إلى بين أيدي الضيف، بخلاف من يهيّئ الطعام في موضع، ثم يقيم ضيفه؛ فيورده عليه.
وقوله: {قال ألا تأكلون } فيه مدحٌ وأدب آخر؛ فإنه عرض عليهم الأكل بقوله: {ألا تأكلون }، وهذه صيغة عرضٍ مؤذنة بالتلطف، بخلاف من يقول: ضعوا أيديكم في الطعام، كلوا، تقدموا، ونحو ذلك.

3-وكيف يراعى الضيف.
4.وما تضمنت من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة
-قوله: {قالوا كذلك قال ربّك} متضمن لإثبات صفة القول [له]
-بصفة الحكمة، والإنكار على من يزعم أنه خلق الخلق عبثًا أو سدىً أو باطلًا. فنفس حكمته تتضمن الشرع والقدر، والثواب والعقاب، ولهذا كان أصح القولين أن المعاد يعلم بالعقل، وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته
5-وكيف تضمنت علمًا عظيمًا من أعلام النبوة.
قال الله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} ففيه التنبيه على أن إتيان هذا إليك علمٌ من أعلام النّبوة؛ فإنه من الغيب الذي لا تعلمه أنت ولا قومك، فهل أتاك من غير إعلامنا وإرسالنا وتعريفنا أم لم يأتك إلا من قبلنا؟

6-كيف تضمنت جميع صفات الكمال، التي مردّها إلى العلم والحكمة.
قوله: {إنّه هو الحكيم العليم }متضمنٌ لإثبات صفة الحكمة والعلم اللذين هما مصدر الخلق والأمر، فجميع ما خلقه سبحانه صادرٌ عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدره عن علمه وحكمته.
والعلم والحكمة متضمنان لجميع الكمال، فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من القومية، [والقدرة]، والبقاء، والسمع، والبصر، وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التّام والحكمة تتضمن كمال الإرادة، من العدل، والرحمة، والإحسان، والجود، والبر، ووضع الأشياء مواضعها على أحسن وجوهها، ويتضمن إرسال الرسل، وإثبات الثواب والعقاب.

7-كيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحت بوقوعه.
اسمه "الحكيم"، كما هي طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحكمة، والإنكار على من يزعم أنه خلق الخلق عبثًا أو سدىً أو باطلًا. فنفس حكمته تتضمن الشرع والقدر، والثواب والعقاب، ولهذا كان أصح القولين أن المعاد يعلم بالعقل، وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته
فقد ذكر سبحانه قصة الملائكة في إرسالهم لإهلاك قوم لوط، وإرسال الحجارة المسوّمة عليهم فيه الدلالة على المعاد والثواب والعقاب؛ لوقوعه عيانًا في هذا العالم، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على صدق رسله وصحة ما أخبروا به عن ربهم
8-كيف تضمنت الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذّبة
9-وتضمنت ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما
{فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين (35) فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين}، ففرّق بين الإسلام والإيمان هنا لسرٍّ اقتضاه الكلام؛ فإن الإخراج هنا عبارة عن النجاة، فهو إخراج نجاةٍ من العذاب، ولا ريب أن هذا مختصٌّ بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرًا وباطنًا ولما كان الموجودون بالبيت من الخرجين أطلق عليهم اسم الإسلام لأن امرأة لوط كانت موجودة ببيت لوط تظهر إسلامها فلم تكن من المؤمنين الناجين
وتبين أن المسلمين مستثنين مما وقع عليه فعل الوجود، والمؤمنين غير مستثنين منهم، بل هم المخرجون الناجون
10-وتضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده، وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر
11.وتضمنت أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة، وهم المؤمنون بها، وأما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات

قوله تعالى: {وتركنا فيها آيةً للّذين يخافون العذاب الأليم}فيه دليل على أن آيات الله سبحانه وعجائبه التي فعلها في هذا العالم وأبقى آثارها دالّةً عليه وعلى صدق رسله، إنما ينتفع بها من يؤمن بالمعاد، ويخشى عذاب الله؛ كما قال تعالى في موضع آخر: {إنّ في ذلك لآيةً لمن خاف عذاب الآخرة}، وقال تعالى: {سيذّكّر من يخشى }

من هو رفيق السقر في هذه الهجرة ؟ وكيف يسير المسافر بين الناس وكيف ينظر إليهم
-الغالب أن الناس لايعين بعضهم بعضا في هذا السفر إلا نادرا لكثرة اللوم والاعتراض والتأنيب بالتصريح والتلميح لذا كان من التعاون على هذا السفرالإعراض وترك اللائمة والاعتراض ؛فلايتوقف العبد عن سيره منتظرا رفيقا معينا قد لايجده ولكن يسير غريبا وحيدا وهذا دليل صدق المحبة
-فمن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات، فإنهم يقطعون [عليه] طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفق له من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتّان بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم
-فيسير بين الناس غريبًايرى ما الناس فيه، وهم لا يرون ما هو فيه، يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين:
-عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
-عين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير فيما لا يخلّ بأمرٍ ولا يعود بنقض شرعٍ، قد وسعتهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته،
،
وقال تعالى لنبيه: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه}.

وقد تضمنت هذه الآية مراعاة حق الله وحق الخلق:
-فإن أساؤوا في حقك فاعف عنهم وإن أساؤا في حق الله فاستغفر لهم واستجلب قلوبهم بمشاورتهم فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتهم وبذلهم النصيحة
-وقد أدب الله رسوله بهذه الأخلاق الجميلة ومدحه بها {وإنك لعلى خلق عظيم}
- دلالة آية الأعراف على جماع حسن الخلق الذي ينبغى للمهاجر أن يتحلى به مع الحق ومع الخلق
- قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }، متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم. فلو أخذ الناس كلّهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم:

1-فإن العفو ما عفا من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم، ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه
2-وأما أمرهم بالمعروف، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به وهذا مايكون منه إلى الناس .
3-أما ما يتّقي به أذى جاهلهم؛ فالإعراض عنهم، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها

وكل شر يلحق العبد فبسبب إخلاله بهذه الثلاث أو بعضها مع القيام بها، فكل ما يحصل له من الناس فهو خيرٌ له وإن كان شرًّا في الظاهر، فإنّه متولّدٌ من القيام بالأمر [بالمعروف]، ولا يتولّد منه إلا خيرٌ وإن ورد في حالة شرٍّ وأذًى؛ كما قال تعالى: {إنّ الّذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شرًّا لكم بل هو خيرٌ لكم}
تتم الأخلاق الحسنة بثلاثة أشياء
أحدها: أن يكون العود طيبًا، فأما إذا كانت الطبيعة جافيةً غليظةً يابسةً عسر عليها مزاولة ذلك علمًا وإرادةً وعملًا، بخلاف الطبيعة المنقادة اللّينة السّلسة القياد، فإنها مستعدّةٌ إنما تريد الحرث والبذر.
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى، فإن هذه أعداء الكمال، فإن لم تقو النفس على قهرها وإلا لم تزل مغلوبةً مقهورةً.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، وتنزيلها منازلها، يميز به بين الشّحم والورم، والزجاجة والجوهرة.
- ثمرات الهجرة إلى الله ورسوله
- -فلو وفّى العبد هذا المقام حقّه لرأى العجب العجيب من فضل ربّه وبرّه ولطفه ودفاعه عنه، والإقبال بقلوب عباده إليه، وإسكان الرّحمة والمحبة له في قلوبهم، ولكن نقول: ربّنا غلب علينا لؤمنا، وجهلنا وظلمنا وإساءتنا من أدلّ شيءٍ منه، فها نحن مقرّون بالتفريط والتقصير، ومن ادّعى منّا عندك وجاهةً فليس إلّا ذليلٌ حقيرٌ، فإن تكلنا إلى أنفسنا تكلنا إلى ضيعةٍ وعجز وذنب وخطيئة؛ فوا حسرتاه ووا أسفاه على رضاك! ولو غضب كل أحدٍ سواك، وعلى إيثار طاعتك ومحبتك على ما سواهما، وعلى صدق المعاملة معك

خلاصة الرسالة في ثلاث كلمات تكلم بها أحد السلف

- "من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".
- المقصد الكلي من الرسالة :
قال المصنف رحمه الله :ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الوريقة، علم أنها من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا الذي قصد مسطّرها بكتابتها، وجعلها هديته المعجّلة السابقة إلى أصحابه ورفقائه في طلب العلم.
-
خلاصة الرسالة :

من خلال قراءتى للرسالة أرى ملخصها كمايلي:
ذكر مقدمة نافعة عن أهمية التعاون على البر والتقوى ومعنى البر ومعنى التقوى مع ذكر قاعدة جليلة في التفريق بين معانى الألفاظ الممتقاربة في القرآن وأثر ذلك في فهم معانى القرآن ودلالاته ،ثم بين رحمه الله أن من البر والتقوى بل هو عينه الهجرة إلى الله ورسوله وأنه مقتضى الشهادتين وأن هاتين الهجرتين لا انفكاك لأحد عنهما وذكر أهميتهما وضرورة الاعتناء بهما وتحقيقهما فذكر حد الهجرة إلى الله ثم استفاض في ذكر شأن الهجرة إلى الرسول وحدها واستدل على وجوب توحيد الاتباع بأدلة كثيرة وقف مع كل دليل وقفة بديعة يستنبط منه براهين الاتباع ،ثم ذكر أن الهجرة سفر وأن السفر يلزم له الزاد والمركب والطريق وربما الرفيق فنوه على كل واحد من هذه الأربع وتوقف عند الزاد الذي هو تدبر القرآن فذكر نموذج لمعنى التدبر وتوقف عند ذكر الرفيق وبين أن حال أكثر الخلق لايعين عليه ونصح بمرافقة الأموات والتحلي بالصبر وحسن معاشرة الخلق التى هى أيضا من التعاون على البر والتقوى وذكر الآية الجامعة في حسن الخلق وأشار للأسباب المعينة عليه وختم رسالته بذكر مقصدها وأنه أهداها لصحبة الخير من طلاب العلم فكأنها وصية لمهاجر أو مسافر في طريق إلى الله ورسوله والله أعلم

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شعبان 1439هـ/1-05-2018م, 07:12 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم التطبيق الثاني من دورة أصول القراءة العلمية


نودّ التنبيه على أمر مهمّ وهو التفريق بين أنواع المسائل التي تشتمل عليها أي رسالة أو كتاب، وهي مسائل العماد ومسائل السناد ومسائل الاستطراد.
فمسائل العماد هي لبّ الرسالة، والتي يتأثّر بها مضمون الرسالة وجودة محتواها.
أما مسائل السناد فهي المسائل التي ليست مقصدا للكتاب ولكن يستعان بها على فهم مقاصده ومسائله، فهي شارحة لمسائل الرسالة الأساسية ومبيّنة لها.
فالفرق بين مسائل العماد والسناد هو الفرق بين المقصود لذاته والمقصود لغيره.
أما مسائل الاستطراد فهي لا تتعلّق بالمسائل الأساسيّة ولكن يحصل من ذكرها فوائد، وغيابها لا يؤثّر على محتوى الرسالة ومضمونها، وإن كانت في نفسها مسائل مهمّة.
لذا فإن الطالب أثناء استخلاص المسائل تكون عينه معلّقة دوما بمقاصد الرسالة ليتمكّن من انتقاء المسائل والتمييز بينها، هذا فيما يتعلّق باستخلاص المسائل.

أما ما يتعلّق بالتلخيص، فإننا بعد استخلاص المسائل وتصنيفها وتعيين المقاصد الفرعية للرسالة نبدأ في تلخيص المقاصد، فنذكر المسائل تحت كل مقصد وسناد هذه المسائل، والسناد ليس الأدلّة على المسائل فقط وإنما يشمل كل ما له علاقة بتعزيز مسائل العماد وإيضاحها، فنذكر تحت كل مسألة أدلّتها وحججها في نقاط مختصرة مركّزة، ولا ينبغي للتلخيص أن يكون طويلا محشوّا بالتفصيلات الزائدة والعبارات المكرّرة.


أولا: الرسالة التبوكية.
1:
أمل يوسف ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- المقاصد الفرعيّة كثيرة، وتأمّلي أن ثلاثة منها في معنى الهجرة إلى الرسول وواجبها، فهذه في الحقيقة مسائل تحت مقاصد فرعيّة، وليست مقاصد مستقلّة.
أما صياغتها فتحتاج إلى ضبط، فلا نقول: "دلالة آية كذا" ولا نقول: "دلالة الحديث"، ولكن نذكر النصّ، فنقول: دلالة قوله تعالى .... على كذا، ودلالة حديث .... على كذا، غير أن ابن القيّم شرح الآية شرحا تفصيليّا فالأولى أن نعبّر عن المقصد ببيان معنى الآية.
ومقاصد الرسالة الفرعيّة يمكن أن تنحصر في مقصدين:

1: مقدّمة في معنى قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتقوى}، وبيان أن المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو المعاونة على البرّ والتقوى علما وعملا.
2: بيان معنى الهجرة إلى الله ورسوله وأهميّتها وما ينبغي للمهاجر إلى ربه، وبيان أن المعاونة عليها باليد والقلب واللسان نصيحة وتعليما ومودة من أعظم التعاون على البرّ والتقوى.
والمقصد الثاني ينقسم إلى مسألتين كبيرتين أحدهما في الهجرة إلى الله والثانية في الهجرة إلى رسوله وتحت كل مسألة ما يتعلّق بها من مسائل فرعيّة.
- انتبهي لأنواع المسائل، فمثلا مسألة "المراد بحدود الله وتعدّيها والقرب منها" تعتبر فائدة استطرادية يمكن أن تلحق بسناد مسألة المراد بالعدوان،وليست مسألة أساسيّة، أيضا قول قتادة "
كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون" سناد لمسألة بيان فضل الشهادتين وأنهما فرض عين، وقيسي على ذلك.
- قلتِ: مسألة "
قاعدة جليلة في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة وأهمية هذه القاعدة" فالمتأمّل للكلام تحتها يجده في الفرق بين البرّ والتقوى إذا اجتمعا، وليس الكلام عن قاعدة عامّة، فانتبهي للعلاقة بين العنوان والتلخيص تحته.
- والملاحظ على التلخيص أنه طويل جدا، وتأمّلي عبارة "
لما فصلت عير السّير، واستوطن المسافر دار الغربة" وعبارة " شأنها شديد وطريقها على غير المشتاق وعر وبعيد" فهذا لا يناسب مقام التلخيص والاختصار وإنما يناسب مقام البسط والتفصيل.
والتصنيف الجيّد للمسائل والمقاصد ابتداء يعين على التلخيص الجيّد،
فاجتهدي دائما في ضمّ كل ما يحسن ضمّه في تصنيف واحد أو مسألة واحدة، وتأمّلي الآيات المذكورة في الرسالة تجدي أغلبها مسائل سناد تتعلّق بمسألة واحدة هي واجب الهجرة إلى الرسول، فيكفي مع ذكرها في مسائلها تلخيص يسير لمعانيها وليس تفسيرا مطوّلا كما فعلت.
وأشجّعك على مراجعة هذه الرسالة وتلخيصها ولو في وقت آخر، ويمكنك تقويمها مرة أخرى، وفقك الله.


يتبع بباقي التقويمات إن شاء الله..


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 شعبان 1439هـ/2-05-2018م, 12:25 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم التطبيق الثاني


2: هناء هلال محمد ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- بدأتِ بالتلخيص وكان الأولى كتابة المقاصد وتحتها المسائل، وطريقة التلخيص عموما جيدة بدرجة كبيرة، ويفوتك سناد بعض المسائل كمسألة دخول كل من البرّ والتقوى في الآخر تضمّنا أو لزوما، ومسألة أصناف الخلائق حيال دعوة النبي، والسناد أهمّ ما في التلخيص، فلا تحملك الرغبة في الاختصار على تركه.
مسألة "
قاعدة في افراد واقتران الأسماء المتضمنة أوالملازمة لبعضها " هي مسألة استطرادية يمكن أن تلحق بسناد مسألة الفرق بين البرّ والتقوى، فهي ليست مسألة عماد فضلا عن أن تكون مقصدا فرعيا، وما كتب تحتها هو في مسألة خاصّة وهي الفرق بين البرّ والتقوى، وليس كل الأسماء المتقاربة تكون بهذا الحكم.
وكذلك مسألة تعدي الحدود وقربانها يراجع فيها التقويم 1.

وقد تكلّم ابن القيّم -رحمه الله- عن الأتباع والمتبوعين في معرض ذمّ من لم يتّبع الرسول واتّخذ من دونه خليلا ووليّا ومتبوعا وذلك بعد أن بيّن أن اتّباعه هو واجب الهجرة إليه، وقد بيّن عاقبة الأشقياء منهم وعاقبة السعداء اللذين اتّبعوا وأطاعوا، فهي تابعة لهذه المسألة.
- يظهر لي نوعان من المقاصد الفرعيّة، ثلاثة في أول الرسالة وهم باللون الأحمر وتحتهم المسائل، وستة في آخر الرسالة باللون الأزرق والظاهر أنهم الأقرب، ولكن على كلا الحالين فالمقاصد كثيرة ويمكن ضمّها تحت مقصدين اثنين فقط، ويراجع التقويم 1.
وانتبهي لصياغة المقاصد والمسائل، فليس مناسبا أن نقول إن المقصد الأول للرسالة فصل في كذا وكذا.


3: بدرية صالح ه
بارك الله فيك ونفع بك.
قدّمتِ التلخيص على استخلاص المسائل، ونحن نستخلص المسائل والمقاصد أولا ثم نلخّص ما استخلصناه.
وتلخيصك طويل جدا، فهو يكاد يكون نسخة مطابقة للرسالة الأصل إلا أنك عنونتِ فقراتها، وليس هذا هو المراد بالتلخيص.
وقد جعلت المسائل مقاصد، وخرجت بعدد كبير جدا من المقاصد الفرعيّة، وقد أرشدنا في السابق إلى الفرق بين المقصد الفرعيّ والمسألة، كما نبّهنا إلى كيفية التفريق بين أنواع المسائل في أول التقويم.
فأرجو مراعاة الإرشادات التي نبّهنا إليها في تقويم التطبيق الأول وفي تقويم هذا التطبيق أيضا وإعادة استخلاص المسائل والمقاصد.
ولا شكّ أنك حصّلتِ فائدة كبيرة من التركيز في قراءة هذه الرسالة القيّمة وفهم مسائلها، وأرجو أن تتمّ الفائدة بتلخيصها تلخيصا جيدا.


4: تماضر ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- المقاصد الفرعيّة كثيرة ويمكن تلخيصها في مقصدين، ويراجع التقويم 1.
- كما ينتبه جيّدا إلى التفريق بين أنواع المسائل، فبهذا التفريق تختصر كثير من المسائل، وتتّضح خريطة الكتاب أو الرسالة جيّدا، ويتيسّر التلخيص كليّا، وقد أدخلتِ بعض الاستطرادات ومسائل السناد ضمن مسائل العماد، وتراجع الإرشادات أعلاه والتقويمات السابقة.
- التلخيص جيد بنسبة كبيرة، ويطول في بعض المواضع، وانتبهي لنوع العبارات المختارة، فعبارة: "
فسالكها غريب بين العباد، فريد بين كل حيٍّ وناد" لا يناسب مقام التلخيص والاختصار.


5: فاطمة الزهراء د
بارك الله فيك ونفع بك.
تجب كتابة عناوين المسائل تحت المقاصد الفرعيّة حتى يمكنني فهم تصنيفها.

والملاحظات مشتركة مع التطبيقات السابقة فيرجى مراجعة التقويمات والإرشادات أعلاه، فمن الملحوظات:
- المقاصد الفرعيّة كثيرة.
- أيضا انتبهي للفرق بين أنواع المسائل.
- التلخيص الموضوع طويل في بعض المواضع، وفيه عبارات لا تناسب مقام التلخيص.
لكن الملاحظ على التلخيص أنه ليس كل المسائل المستخلصة -بغض النظر عن صلاحيتها كمسائل عماد- لخّصت كلها بل فات الكثير منها.


رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 17 شعبان 1439هـ/2-05-2018م, 12:14 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

الرسالة التبوكية :
أولا :المقاصد الفرعية

1: مقدّمة في معنى قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتقوى}، وبيان أن المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو المعاونة على البرّ والتقوى علما وعملا.
2: بيان معنى الهجرة إلى الله ورسوله وأهميّتها وما ينبغي للمهاجر إلى ربه، وبيان أن المعاونة عليها باليد والقلب واللسان نصيحة وتعليما ومودة من أعظم التعاون على البرّ والتقوى.

المسائل المستخلصة من الرسالة تحت المقاصد الفرعية:
1-المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو المعاونة على البر والتقوى علما وعملا:
اشتمال الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم
- الواجب الذي بين العبد وبين الخلق وكيف يتم
- الواجب الذي بين العبد وبين الرب وكيف يتم
- قاعدة جليلة في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة وأهمية هذه القاعدة
-معنى البر في قوله تعالى {ليس البر أن تولوا وجوهكم }الآيةوأن البر على الحقيقة بر القلب
- حقيقة التقوى وحدها
- معنى كل من الإثم والعدوان والمراد بحدود الله والمفاسد المترتبة على الجهل بها

2-بيان معنى الهجرة إلى الله ورسوله وأهميّتها وما ينبغي للمهاجر إلى ربه، وبيان أن المعاونة عليها باليد والقلب واللسان نصيحة وتعليما ومودة من أعظم التعاون على البرّ والتقوى.

-معنى الهجرة إلى الله وما تتضمنه
-معنى الهجرة إلى الرسول ،حدها وما يناقضها وتحته مسائل:
&الأدلة القرآنية على وجوب تحكيم الرسول عند التنازع واتباع شرعه واقتفاء أثره
&أقسام الناس في اتباع الرسول إلى أشقياء وسعداء وأصناف كل قسم
&أقسام الخلق أمام دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث
&ما يحتاجه المهاجر إلى الله ورسوله في سفره من الزاد والمركب والرفيق وحقيقة الزاد ومن هو الرفيق المعين وكيف يسير المهاجر في سفره بين الناس بحسن الخلق وماهى ثمرات الهجرة إلى الله ورسوله
&ثمرات الهجرة إلى الله ورسوله وخلاصة الرسالة

تلخيص المقاصد :

1-المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو المعاونة على البر والتقوى علما وعملا:

اشتمال الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم:
-دلت الآية على الواجب الذي بين العبد وبين الخلق والواجب الذي بينه وبين الحق تعالى :
أ- الواجب في مابينه وبين الحق:بإيثار طاعته وتجنب معصيته {واتقوا الله}
ب- الواجب في ما بينه وبين الخلق بأن تكون مخالطته للناس تعاونا على البر والتقوى علما وعملا{وتعاونوا على البر والتقوى}

-لايتم الواجب الأول إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية
-لا يتمّ الواجب الثانى إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر
وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر :"كن مع الحقّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا"

- قاعدة جليلة في العلاقة بين الألفاظ المتقاربة
الألفاظ المتقاربة كالبر والتقوى والإثم والعدوان والإيمان والإسلام والفقير والمسكين وغير ذلك ؛فإنها إذا افترقت وأفرد كل اسم على حدة فإنه يدخل فيه معنى الآخر إما تضمنا وإما لزوما وإذا اقترنا كان الفرق بينهما كالفرق بين السبب المقصود لذاته والمقصود لغيره .

-معنى البر في قوله تعالى {ليس البر أن تولوا وجوهكم }الآية وأن البر على الحقيقة بر القلب:
-أخبر سبحانه وتعالى أن البر هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وهى أصول الإيمان الخمسة وهى قوام الدين
-وأنه الشرائع الظاهرة أيضا من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإخراج النفقات الواجبة والمسنحبة
-وأنه الأعمال القلبية التى هى حقيقة الإيمان كالصبر والوفاء بالعهد
-بر القلب وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته وهو سبب طمأنينة القلب وانشراح الصدر وقوته كما جاء في حديث النواس بن سمعان {البر ما اطمأنت إليه النفس وما اطمأن إليه القلب }
-من لم يجد هذا الطعم فهو فاقد للإيمان أو ناقص
- حقيقة التقوى وحدها:
فحقيقتها: العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده
-حد التقوى :
أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله}

- معنى كل من الإثم والعدوان والمراد بحدود الله والمفاسد المترتبة على الجهل بها:
-الإثم :ما كان حرام الجنس،كالزنا وشرب الخمر
-العدوان :هو تعدى ما أباح الله ومحرم الزيادة في القدر،كنكاح الخامسة والتعدى في استيفاء القصاص
-المراد بحدود الله والفرق بين تعديها والقرب منها:
حدود الله :هى النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام
ونهاية الشىء قد تكون منه فيكون النهى عن تعديها{تلك حدود الله فلا تعتدوها}وقد تكون خارجة عنه فينهى عن قربانها {تلك حدود الله فلاتقربوها}

عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما

2-بيان معنى الهجرة إلى الله ورسوله وأهميّتها وما ينبغي للمهاجر إلى ربه، وبيان أن المعاونة عليها باليد والقلب واللسان نصيحة وتعليما ومودة من أعظم التعاون على البرّ والتقوى

-الهجرة إلى الله ورسوله فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد
-أصل الهجرة الحب والبغض فالمهاجر من شىء إلى شىء لابد وأن يكون المهاجر إليه أحب من المهاجر منه فالهجرة إلى الله تتضمن هجران مايكرهه الله إلى مايحبه ويرضاه
-نفس العبد وهواه وشيطانه يدعونه إلى خلاف مايحبه الله ويرضاه وداعى الإيمان يدعوه لما يحبه الله ويرضاه
-على العبد أن يهاجر ويصارع ماابتلى به في كل وقت إلى الله ورسوله ولاينفك عن الهجرة حتى الممات

الهجرة إلى الرسول حدها وما يضادها :
-سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكامإلى الهدى الذي جاء به الرسول
-مايضاد هذه الهجرة :لزوم الطبائع والعوائد وماتربى عليه ونشأ وخلاصته {إنا على طريقة آبائنا سالكون وبحبلهم مستمسكون} وعلتهم في ذلك ظنهم أن رأي الآباء خير لهم من آرائهم وظنونهم أوثق حدسا من ظنونهم
من معانى الهجرة :وجوب تحكيم الرسول واتباع شرعه واقتفاء أثره وأن هذا هو مصدر الكمال الإنسانى والأدلة على ذلك}
معنى قوله تعالى {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا
أقسم سبحانه بأجل مقسم به وهو نفسه أنه لايتم الإيمان إلا:
1-بتحكيم الرسول في موارد النزاع كلها في جميع أبواب الدين ودل على ذلك لفظة {ما}وهى من صيغ العموم
2-انتفاء ضيق الصدر وعدم انشراحه بحكم الرسول بل لابد من تلقيه بالرضا والقبول
3-وتسليم العبد لهذا الحكم تسليم المطيع المحب لاتسليم المقهور المكره على ذلك
معنى قوله تعالى :{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}:
وهذه الأولوية تتضمن أمورا:
-منها :أن يكون النبي أحب للعبد من نفسه التى هى أحب شىء إليه ولايحصل له الإيمان إلا بذلك
ويلزم من هذه الأولوية :أن يكون العبد محبا للرسول مطيعا منقادا متحاكما إليه راضيا بحكمه
-ومنها:أن يتجرد العبد من حكمه على نفسه ويكون الحكم للرسول على نفسه فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول
-وتثبت هذه الأولوية بأمور :
-اليقين بأن الهدى والعلم النافع لايتلقى إلا من مشكاته ولايستدل عليه إلا من طريقه ومنهاجه
-وأن يعرض قول كل أحد وفعله على ماجاء به الرسول فإن شهد له بالصحة وإلارده لبطلانه أو توقف فيه إن لم يشهد له بصحة ولاباطل
-أما ما يناقضها:
الإعراض التام عن ماجاء به والتحاكم إلى غيره من الآراء والعقول والحمية لها والتحايل من أجلها
معنى قوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}:
-أمر من الله بالقيام بالعدل لكل أحد وليا كان أو عدوا والتمحض للحق وعدم التعصب لآراء أو مذاهب
قوله {شهداء لله}:أن تكون الشهادة لله وبالحق والقسط لاشهادة زور
معنى قوله تعالى {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء}
أمر سبحانه باتباع ما أنزل على رسوله، ونهى عن اتباع غيره، فما هو إلا اتباع المنزل أو اتباع أولياء من دونه، فإنه لم يجعل بينهما واسطة، فكل من لم يتّبع الوحي فإنما اتبع الباطل واتبع أولياء من دون الله
معنى قوله تعالى {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين}
في الآية تعلق الهداية بالطاعة فإن حصول الهداية متوقف على طاعة الله ورسوله فإذا انتفت الطاعة انتفت الهداية
معنى قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
طاعة أولى الأمر فإنها جاءت مقترنة بطاعة الرسول وفي ذلك سر أيضا وهو أن أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة
-وأولي الأمر الذين تجب طاعتهم فيه قولان :العلماء والأمراء وكلاهما من أولى الأمر
فالعلماء: ولاته حفظًا، وبيانًا، وبلاغًا، وذبًّا عنه، وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه، وقد وكّلهم الله بذلك، فقال تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين (.
والأمراء: ولاته قيامًا، ورعايةً، وجهادًا، وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه
-أقسام الناس في اتباع الرسول إلى أشقياء وسعداء وأصناف كل قسم:
الأتباع الأشقياء:
-القسم الأول :الأتباع الموافقين لمتبوعيهم في الضلالة
كل من اتخذ خليلا غير الرسول فيترك ما جاء به الرسول لأجل قوله ورأيه فإنه لامحالة قائل هذه المقالة يوم لاينفع الندم وهذا هو المتخالين على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخلّة إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين}
القسم الثانى: - الأتباع المخالفين لمتبوعيهم:
{هم الذين ذكرهم الله بقوله تعالى {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار}
فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى وادعى الأتباع أنهم على طريقتهم وهم في الحقيقة مخالفون لهم باتخاذهم أولياء من دون الله
فأبطل الله كل سبب ووسيلة كانت بينهم لغير الله وجعل أعمالهم هباء منثورا
- الأتباع السعداء نوعان :
-النوع الأول :أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه} وأتباع لم يلحقوا بهم في الزمان والرتبة لكن ساروا على نهجهم
-النوع الثانى من الأتباع السعداء وهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ

أحوال الناس أمام دعوة النبي وما جاء به من الهدى
-القسم الأول : كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير
فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.

القسم الثانى: وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا
وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه".وهذا القسم مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والكسب، ولكنه حافظٌ لماله، لا يحسن التصرف والتقلّب فيه.

القسم الثالث: وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً
- وهذا مثل القلب الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.

-ما يحتاجه المهاجر إلى الله ورسوله في سفره من الزاد والمركب والرفيق المعين وحسن الخلق وثمرات هذه الهجرة

الهجرة إلى الله ورسوله سفر يحتاج فيه المسافر إلى أمور :الزاد والمركب والطريق
-الزاد: العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين
-المركب: صدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به
-الطريق : هو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا
- الزاد الحقيقى ورأس المال في السفر تدبر القرآن
- رأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن
- نموذج على معنى التدبر كيف يكون من سورة الذاريات وما احتوته الآية من أسرار ولطائف

من هو رفيق السقر في هذه الهجرة ؟ وكيف يسير المسافر بين الناس وكيف ينظر إليهم

-الغالب أن الناس لايعين بعضهم بعضا في هذا السفر إلا نادرا لكثرة اللوم والاعتراض والتأنيب بالتصريح والتلميح لذا كان من التعاون على هذا السفرالإعراض وترك اللائمة والاعتراض ؛فلايتوقف العبد عن سيره منتظرا رفيقا معينا قد لايجده ولكن يسير غريبا وحيدا وهذا دليل صدق المحبة
-فمن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات، فإنهم يقطعون [عليه] طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفق له من هذه المفارقة
-فيسير بين الناس غريبًايرى ما الناس فيه، وهم لا يرون ما هو فيه، يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين:
-عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
-عين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير فيما لا يخلّ بأمرٍ ولا يعود بنقض شرعٍ

معنى قوله تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
1-فإن العفو ما عفا من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم، ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه
2-وأما أمرهم بالمعروف، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به وهذا مايكون منه إلى الناس .
3-أما ما يتّقي به أذى جاهلهم؛ فالإعراض عنهم، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها
تتم الأخلاق الحسنة بثلاثة أشياء
أحدها: أن يكون العود طيبًا، ، فإنها مستعدّةٌ إنما تريد الحرث والبذر.
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى، فإن هذه أعداء الكمال، فإن لم تقو النفس على قهرها وإلا لم تزل مغلوبةً مقهورةً.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، يميز به بين الحق والباطل.
- ثمرات الهجرة إلى الله ورسوله
-لو وفّى العبد هذا المقام حقّه لرأى العجب العجيب من فضل ربّه وبرّه ولطفه ودفاعه عنه، والإقبال بقلوب عباده إليه، وإسكان الرّحمة والمحبة له في قلوبهم
خلاصة الرسالة في ثلاث كلمات تكلم بها أحد السلف
- "من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".
- المقصد الكلي من الرسالة :
قال المصنف رحمه الله :ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الوريقة، علم أنها من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا الذي قصد مسطّرها بكتابتها، وجعلها هديته المعجّلة السابقة إلى أصحابه ورفقائه في طلب العلم

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 29 شعبان 1439هـ/14-05-2018م, 11:26 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

أمل يوسف أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وآمل منك زيادة التطبيق على تلخيص المقاصد، وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 9 رمضان 1439هـ/23-05-2018م, 01:06 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

الرسالة التبوكية لابن القيم

المرحلة الأولى: استخلاص مسائل الرسالة.

صلاح العباد لا يتم إلا بتحقيقهم للبر والتقوى
تداخل معنى البر والتقوى
تداخل خصال البر والتقوى
التلازم الحاصل بين حقيقة التقوى وحقيقة البر
فائدة ذكر كلا من البر والتقوى بالرغم من دلالة كل منهما على الآخر

الفرق بين الإثم والعدوان

أنواع الهجرة إلى الله ورسوله
حكم الهجرة
هجرة القلب يلزمها تحقيق توحيد الألوهية والربوبية
الأمن كله للعبد في الفرار من الله إليه
حد الهجرة إلى الله الطاعة والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم
لا تتحقق الطاعة والاتباع إلا بكمال المحبة لله ولرسوله
مقومات سفر الهجرة إلى الله ورسوله ( زاده، مركبه، طريقه )
استقامة سير المهاجر بتدبر القرآن والعيش مع أسراره
حال المهاجر بين الناس وما قد يلقاه منهم
خلق المهاجر إلى الله مع الخلق
الرفقة النافعة حقيقة للمهاجر

القيام بالقسط من التعاون على البر والتقوى
أحق ما يقوم له العبد بالقسط الانتصار للسنة لا للأقوال والأهواء.
القيام بالقسط على الأولياء والأعداء والفقراء والأغنياء سواء
اللي والإعراض من مظاهر عدم أداء القسط.
الإيمان يستلزم أن تكون الطاعة لله والطاعة للرسول وأولى الأمر
كل الشرور في الدنيا سببها مخالفة الرسول
الكمال الإنساني يتحقق بأربعة مراتب

أصناف أهل الضلال أهل الإثم والعدوان وعاقبتهم
حسرة الأتباع وتبرأهم ممن اتبعوهم
أعظم خسارة للعبد أن يرى ما كد فيه هباءًا منثورا
أصناف أهل السعادة أهل البر والتقوى
المتبعون بإحسان للسابقين الأولين من أهل السعادة والفلاح
فضل الله تعالى على المؤمنين وأتباعهم من ذرياتهم


المرحلة الثانية: تعيين المقاصد الفرعيّة للرسالة.

بيان دلالة اقتران ذكر البر والتقوى
صلاح العباد لا يتم إلا بتحقيقهم للبر والتقوى
تداخل معنى البر والتقوى تضمنًا ولزومًا
تداخل خصال البر والتقوى
فائدة ذكر كلا من البر والتقوى بالرغم من دلالة كل منهما على الآخر
النهي عن الإثم والعدوان نظير الأمر بالبرّ والتّقوى
الفرق بين الإثم والعدوان
أصدق وسيلة لتحقيق البر والتقوى الهجرة لله ولرسوله
أنواع الهجرة إلى الله ورسوله
حكم الهجرة
هجرة القلب يلزمها تحقيق توحيد الألوهية والربوبية
حد الهجرة إلى الله الطاعة والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم
لا تتحقق الطاعة والاتباع إلا بكمال المحبة لله ولرسوله
مقومات سفر الهجرة إلى الله ورسوله ( زاده، مركبه، طريقه )
استقامة سير المهاجر بتدبر القرآن والعيش مع أسراره
حال المهاجر بين الناس وما قد يلقاه منهم
خلق المهاجر إلى الله مع الخلق
الرفقة النافعة حقيقة للمهاجر
متعلقات القيام بالبر والتقوى
القيام بالقسط من التعاون على البر والتقوى
أحق ما يقوم له العبد بالقسط الانتصار للسنة لا للأقوال والأهواء.
القيام بالقسط على الأولياء والأعداء والفقراء والأغنياء سواء
اللي والإعراض من مظاهر عدم أداء القسط.
الإيمان يستلزم أن تكون الطاعة لله والطاعة للرسول وأولى الأمر
كل الشرور في الدنيا سببها مخالفة الرسول
الكمال الإنساني يتحقق بأربعة مراتب
أقسام الخلق في الاستجابة للوحي وعاقبتهم ومنازلهم
أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم
أصناف أهل الضلال أهل الإثم والعدوان وعاقبتهم
حسرة من اتخذ غير الوحي سبيلا
أصناف أهل السعادة أهل البر والتقوى


المرحلة الثالثة: استخراج المقصد الكلّي للرسالة.
بيان ما فيه صلاح العبد وتمام سعادته في الدنيا والآخره بالسعي لتحقيق البر والتقوى وما يلزمها من هجرة بالقلب إلى الله ورسوله ومتعلقات تلك الهجرة ودلائل صدقها وأصناف الخلق في الاستجابة للدعوة النبوية ومنازلهم وعاقبتهم.


المرحلة الرابعة: تلخيص المقاصد.

بيان دلالة اقتران ذكر البر والتقوى
صلاح العباد لا يتم إلا بتحقيقهم للبر والتقوى
ذكر ابن القيم رحمه الله أن قوله تعالى {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب } قد اشتمل على جميع مصالح العباد وما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم وأن حال العبد المريد لله لا ينفك من هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق ، فأما الواجب الذي بينه وبين الله فهو أن يؤثر طاعة الله ويتجنب معصية الله وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه} وأما الواجب الذي بينه وبين الناس هو أن تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتّقوى، علما وعملًا فيكون اجتماعه بهم ومعاشرته ومصاحبته لهم قائمة على مرضاة الله وطاعته ولا شك أن قيامه بذلك فيه السعادة له في دنياه وآخرته.
ولا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر.
ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.
فينبغي التّفطن لهذه الدّقيقة التي كلّ خلل يدخل على العبد في أداء هذين الواجبين إنما هو من عدم مراعاتها علما وعملا.
وهذاهو معنى قول الشيخ عبد القادر -قدّس الله روحه-: "كن مع الحقّ بلا خلق،ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا".

تداخل معنى البر والتقوى تضمنًا ولزومًا
قال ابن القيم: أن البر والتقوى بينهما تداخل إما تضمنًا أو لزوما وذلك عند الإفراد أو الاقتران، ذلك لأن البر جزء من مسمى التقوى والتقوى جزء من مسمى البر وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لايدخل فيه عند الانفراد.
ونظيرهذا لفظ "الإيمان والإسلام"، و"الفقيروالمسكين".
ذلك أن حقيقة البرّ هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام.
ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب،ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ، و{كرام بررة}، والأبرار.
فالبرّكلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد فيدخلفي مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزءهذا المعنى.

تداخل خصال البر والتقوى
قدجمع [الله] تعالى خصال البرّ في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبلالمشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتابوالنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابنالسّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفونبعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئكالّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}.
فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس.
ئم أخبر سبحانه أن هذه خصال التقوى بعينها، فقال: {أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
التلازم الحاصل بين حقيقة التقوى وحقيقة البر
التقوى حقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعلما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنهإيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
كماقال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تتركمعصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
فقوله: "على نور من الله" إشارة إلى الأصل الأول، وهو الإيمان الذي هو مصدر العمل، والسبب الباعث عليه.
وقوله: "ترجو ثواب الله" إشارة إلى الأصل الثاني، وهو الاحتساب، وهو الغاية التي لأجلها يوقع العمل، ولها يقصد به.
ولا ريب أن هذا جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البرّ داخل فى هذا المسمى.

فائدة ذكر كلا من البر والتقوى بالرغم من دلالة كل منهما على الآخر
أنه عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى } فتفيد الجمع بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإنالبرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه.
وأماالتقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه، ولفظها يدلّ على أنها من الوقاية؛فإنها فعلى من وقى يقي، فالوقايةمن باب دفع الضرر، والبرّ من باب تحصيل النفع، فالتقوى كالحمية، والبرّكالعافية والصحة.

النهي عن الإثم والعدوان نظير الأمر بالبرّ والتّقوى
الفرق بين الإثم والعدوان

الإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
والفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر.
فالإثم: ما كان حراما لجنسهمثل الزنا والخمر والسرقة
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منهمثل نكاح الخامسة ..
فالعدوانهو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّحدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}، وقال في موضع آخر: {تلك حدوداللّه فلا تقربوها}.
فنهى عن تعدّيها في آية، وعن قربانها في آية، وهذا لأن حدوده سبحانه هيالنهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكونمنه، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فبالاعتبار الأول نهىعن تعدّيها، وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها).

أصدق وسيلة لتحقيق البر والتقوى الهجرة لله ولرسوله
أنواع الهجرة إلى الله ورسوله
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة.
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذهالهجرة هي الهجرة الحقيقية،وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها، .

حكم الهجرة
هجرة القلب إلى الله ورسوله فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وعنهاتين الهجرتين يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويطالب بهما فيالدنيا، فهو مطالب بهما في الدّور الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودارالقرار.
قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".

وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين.
هجرة القلب يلزمها تحقيق توحيد الألوهية والربوبية
حتى يهاجر القلب إلى الله يلزمه أن يهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته.
ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه.
ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
وهذا هو بعينه معنى الفرار إليه، قال تعالى: {ففرّوا إلى اللّه}. فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه.
وهذا متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم [أجمعين].
وأماالفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما فيالكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبته مشيئة اللهوحده؛ فإنه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن، وامتنعوجوده لعدم مشيئته، فإذا فرّ العبد إلى الله فإنما يفرّ من شيء وجد بمشيئةالله وقدره؛ فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه.
وإذا علم العبد أن الذي يفرّ [منه] ويستعيذ منه إنما هو بمشيئة اللهوقدرته وخلقه، لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده؛ فتضمّن ذلك إفرادالله وحده بالخوف والحب والرجاء، ولو كان ذلك فراره مما لم يكن بمشيئة اللهولا قدرته لكان ذلك موجبا لخوفه منه، مثل من يفرّ من مخلوق آخر أقدر منه،فإنه في حال فراره من الأول إلى الآخر خائفا منه حذر أن لا يكون الثانييعيذه منه، بخلاف ما إذا كان الذي يفر إليه هو الذي قضى وقدر وشاء ما يفرّمنه؛ فإنه لا يبقى في القلب التفات إلى غيره بوجه.
حد الهجرة إلى الله الطاعة والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم
قالتعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا فيأنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}
فأقسم سبحانه بنفسه الجليلة على أنه لا يثبت إيمان للمرء حتى يحكم رسوله في جميع أمره وخاصة في مسائل النزاع في جميع أبواب الدين،ولميقتصر على هذا حتى ضمّ إليه انشراح الصدر بحكمه،

والتلسيمهو الخضوع والانقياد لما حكم به طاعة ورضا وليس قهرًا، وهذا لا يحصل إلالمن كان محب للرسول صلى الله عليه وسلم وتيقن أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه،
وقد علم أنه أولى به من نفسه كما قال تعالى {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} وهذا دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين.

وهذه الأولوية تتضمن أمورًا:
منها: أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحبإليه من غيره، ومع هذا فيجب أن يكون الرسول أولى به منها، وأحبّ إليه منها؛ فبذلك يحصل له اسم الإيمان،ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده؛فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.

مقومات سفر الهجرة إلى الله ورسوله ( زاده، مركبه، طريقه )
فأما الزاد فهوالعلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين.
وأما طريقه:فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا، وإنما كما قيل:

فخض غمرات الموت واسم إلى العلا ... لكي تدرك العزّ الرفيع الدعائم
فلا خير في نفسٍ تخاف من الرّدى ... ولا همّةٍ تصبو إلى لوم لائم

ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم.
والثاني:أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال, فمتى خافت النّفس تأخرت وأحجمت, وأخلدت إلى الأرض.
ولايتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رخاءً في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه.

وأمامركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به،والانطراح بين يديه كالإناء المثلوم المكسور الفارغ الذي لا شيء فيه، يتطلع إلى قيّمه ووليّه أن يجبره، ويلمّ شعثه، ويمدّه من فضله ويستره، فهذا الذي يرجى له أن يتولى الله هدايته، وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة، ومنازلها.

استقامة سير المهاجر بتدبر القرآن والعيش مع أسراره
قال ابن القيم : ورأسمال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر منقلبه وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه، تمكّن حينئذٍ الإيمان من قلبه، وجلس على كرسيه، وصار له التصرف، وصار هو الآمر المطاع أمره؛ فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق.
حال المهاجر بين الناس وما قد يلقاه منهم
سالكهاغريب بين العباد، فريد بين كل حيٍّ وناد، بعيد على قرب المكان، وحيد علىكثرة الجيران، مستوحش مما [به] يستأنسون، مستأنس مما به يستوحشون، مقيم إذاظعنوا، ظاعن إذا قطنوا، منفرد في طريق طلبه، لا يقرّ قراره حتى يظفربأربه، فهو الكائن معهم بجسده، البائن منهم بمقصده، نامت في طلب الهدىأعينهم وما ليل مطيه بئائم، وقعدوا عن الهجرةٍ النبوية وهو في طلبها مشمّرقائم، يعيبونه بمخالفة آرائهم، ويزرون عليه إزراء على جهالاتهم وأهوائهم؛قد رجموا فيه الظّنون، وأذكوا عليه العيون، وتربّصوا به ريب المنون. {فتربّصوا إنّا معكم متربّصون (52)}. {قال ربّ احكم بالحقّ وربّنا الرّحمنالمستعان على ما تصفون (112)}.
نحن وإيّاكم نموت ولا ... أفلح عند الحساب من ندما
والمقصود أن هذه الهجرة النبوية شأنها شديد، وطريقها على غير المشتاق وعير بعيد.
[بعيدٌ على كسلان أو ذي ملالةٍ ... وأما على المشتاق فهو قريب]
خلق المهاجر إلى الله مع الخلق
قال ابن القيم الكمال للعبد يتحقق بأن يكون سائرًا فيهم بعينين:
عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
وعينناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير فيما لا يخلّ بأمرٍ ولا يعود بنقض شرعٍ، قد وسعتهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته، واقفًا عند قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرضعن الجاهلين (199)}، متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم. فلو أخذ الناس كلّهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم؛ فإن العفو ما عفا من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم،ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه.
وأما ما يكون منه إليهم؛ فأمرهم بالمعروف، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به.
وأما ما يتّقي به أذى جاهلهم؛ فالإعراض عنهم، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها.

الرفقة النافعة حقيقة للمهاجر
من لم يجد في الأحياء رفقة فعليه بسير السلف وسير السابقون الأولون فهم خير صحبة له على هذا الطريق.
قال ابن القيم : و ينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
ومنأراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات،فإنهم يقطعون [عليه] طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفقله من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتّان بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم".

متعلقات القيام بالبر والتقوى
القيام بالقسط من التعاون على البر والتقوى
قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا}


أحق ما يقوم له العبد بالقسط الانتصار للسنة لا للأقوال والأهواء.
قال ابن القيم : أحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته، وأمنائه بين أتباعه، ولا يستحقّ اسم الأمانة إلا من قام فيها بالعدل المحض، نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولعباده.
أولئك هم الوارثون حقًا, لا من يجعل أصحابه ونحلته ومذهبه عيارًا على الحق وميزانًا له؛ يعادي من خالفه ويوالي من وافقه لمجرد موافقته ومخالفته. فأين هذا من القيام بالقسط الذي فرضه الله على كل أحد؟ وهو في هذا الباب أعظم فرضًا، وأكبر وجوبًا.


القيام بالقسط على الأولياء والأعداء والفقراء والأغنياء سواء
أمرسبحانه بأن يقام بالقسط، ويشهد به على كل أحد، ولو كان أحبّ الناس إلى العبد، فيقوم به على نفسه، ووالديه اللذين هما أصله، وأقربيه الذين هم أخصّبه وألصق من سائر الناس،فإنّ ما في العبد من محبته لنفسه ولوالديه وأقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، [ولاسيما إذا كان الحق] لمن يبغضه ويعاديه قبلهم؛ فإنه لا يقوم به في هذه الحال إلا من كان الله ورسوله أحبّ إليه من [كل] ما سواهما.
وكذلك إن كان المشهود عليه غنيًا يرجى منه النفع فيحابيه لهذا ،أو فقير لا يرجى منه شىء ولا خوف منه فيدفعه هذا لظلمه، وفي هذا امتحان لإيمان العبد ومراقبته لربه.
قال بعض السلف: "العادل هو الذي إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحقّ".
اللي والإعراض من مظاهر عدم أداء القسط.
قالتعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} ذكرسبحانه السّببين الموجبين لكتمان الحق محذرًا منهما، متوعدًا عليهما:
أحدهما: اللّي
والآخر: الإعراض.
واللي مثل الفتل، وهو التحريف. وهو نوعان: ليٌّ في اللفظ، وليٌّ في المعنى.
اللّيّفي اللفظ: أن يلفظ بها على وجهٍ لا يستلزم الحقّ؛ إما بزيادة لفظة، أونقصانها، أو إبدالها بغيرها، أو ليًّا في كيفية أدائها، وإيهام السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يلوون ألسنتهم بالسّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا أحد نوعي اللّيّ.
والنوع الثاني منه: ليّ المعنى، وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وتحماله ما لم يرده، أو يسقط منه بعض ما أراد به، ونحو هذا من ليّ المعاني.
ولماكان الشاهد مطالبًا بأداء الشهادة على وجهها، فلا يكتمها ولا يغيّرها، كان الإعراض نظير الكتمان، واللّيّ نظير تغييرها وتبديلها.

الإيمان يستلزم أن تكون الطاعة لله والطاعة للرسول وأولى الأمر
قالتعالى: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرًا أن يكونلهم الخيرة من أمرهم}؛ فدلّ هذا على أنه إذا ثبت لله ولرسوله في كل مسألة من المسائل حكمٌ طلبيٌّ أو خبريٌّ، فإنه ليس لأحد أن يتخيّر لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، وأن ذلك ليس لمؤمن [ولا مؤمنة] أصلًا، فدلّ على أن ذلك منافٍ للإيمان.
وقدحكى الشافعي - رضي الله عنه - إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنّ من استبانت له سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وقالتعالى: {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين (54)}، فأخبر سبحانه أن الهداية إنما هي في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلّق بالشرط؛ فينتفي بانتفائه، وفي ذلك نصٌّ على انتفاء الهداية عند عدم طاعته.
وقالتعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}؛ فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله. وافتتح الآية بندائهم باسم الإيمان إشارة إلى أنكم إن كنتم مؤمنين؛ فالإيمان يقتضي منكم كذا وكذا، فإنّه من موجبات الإيمان وتمامه.
كل الشرور في الدنيا سببها مخالفة الرسول
قال ابن القيم : ومنتدبّر العالم والشّرور الواقعة فيه علم أن كل شرٍّ في العالم فسببه مخالفة الرسول والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنما هو بسبب طاعة الرسول.
وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هي موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها.
فعاد شرّ الدنيا والآخرة إلى مخالفة الرسول وما يترتب عليه، فلو أن الناس أطاعوا الرسول حق طاعته لم يكن في الأرض شرٌّ قط.

وهذاكما أنه معلوم في الشّرور العامّة والمصائب الواقعة في الأرض؛ فكذلك هو في الشّر والألم والغمّ الذي يصيب العبد في نفسه، فإنما هو بسبب مخالفة الرسول، وإلّا فطاعته هي الحصن الذي من دخله فهو من الآمنين، والكهف الذي [من] لجأ إليه فهو من الناجين.

الكمال الإنساني يتحقق بأربعة مراتب
انحصر الكمال الإنسانيّ في هذه المراتب الأربعة:
إحداها: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
ومن تطلّعت همّته إلى معرفة ما كان عليه الصحابة وأراد اتباعهم؛ فهذه طريقتهم حقًا.
فإن شئت وصل القوم فاسلك طريقهم ... وقد وضحت للسالكين عيانا

أقسام الخلق في الاستجابة للوحي وعاقبتهم ومنازلهم
أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم
ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته ومابعثه الله به [من الهدى] في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طيبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبتكلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
فشبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
وشبّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث؛ كما شبّه سبحانه القلوب بالأودية في قوله تعالى: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها}.
وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث:
إحداها: أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فإذا أصابها الغيث ارتوت منه، ثمّ أنبتت من كل زوجٍ بهيجٍ.
فهذامثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو يقبل العلم بذكائه، ويثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.
والثانية: أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسّقي منها والازدراع.
وهذامثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولااستنباط، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه،وربّ حامل فقه غير فقيه".
فالأول مثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات؛ فهو يكسب بماله ما شاء،والثاني مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والكسب، ولكنه حافظٌ لماله، لا يحسن التصرف والتقلّب فيه.
والأرض الثالثة أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع بشيء منه.

فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه، وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ الماء، وهو مثل الفقير الذي لا مال له،ولا يحسن يمسك مالًا.
فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.
والثاني: حافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتّجر به المحمول إليه ويستثمر.
والثالث: لا هذا ولا هذا، فهو الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم، منها قسمان سعيدان، وقسمٌ شقي .
أصناف أهل الضلال أهل الإثم والعدوان وعاقبتهم
أعظم ضلال أن يترك الوحي ويقدم آراء وأقوال غيره ، قال تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته }
ذكر الله تعالى في تلك الآية الصنفين المبطلين:
أحدهما: منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها.
والثاني: المكذّب بالحق.
فالأول كفره بالافتراء وإنشاء الباطل، والثاني كفره بجحود الحق. وهذان النوعان يعرضان لكل مبطل؛ فإن انضاف إلى ذلك دعوته إلى باطله، وصدّ الناس عن الحقّ،استحقّ تضعيف العذاب؛ لتضاعف كفره وشرّه؛ ولهذا قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون }، فلما كفروا وصدّوا عباده عن سبيله عذّبهم عذابين: عذابًا بكفرهم،وعذابًا بصدّهم عن سبيله.
حسرة من اتخذ غير الوحي سبيلا
قالتعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}. وقال تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعتبهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}.

فهذه حال كل من اتّخذ من دون الله ورسوله وليجةً وأولياء، يوالي لهم ويعاديلهم، ويرضى لهم ويغضب لهم، فإن أعماله كلها باطلة، يراها يوم القيامة حسراتٍ عليه مع كثرتها وشدة تعبه فيها ونصبه، إذ لم يجرّد موالاته ومعاداته، ومحبته وبغضه، وانتصاره وإيثاره لله ورسوله؛ فأبطل الله -عز وجل- ذلك العمل كلّه، وقطع تلك الأسباب، وهي الوصل والموالاة التي كانت بينهم في الدنيا لغيره كما قال: {وتقطّعت بهم الأسباب (166)}؛ فينقطع يوم القيامةكل سببٍ ووصلةٍ ووسيلة ومودّة [وموالاة] كانت لغير الله, ولا يبقى إلا السبب الواصل بين العبد وبين ربه، وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله،وتجريد عبادته وحده، ولوازمها من الحبّ والبغض، والعطاء والمنع، والموالاة والمعاداة وغير ذلك من اللوازم، وتلك أعظم خسارة للعبد أن يرى ما كد فيه هباءًا منثورا.

أصناف أهل السعادة أهل البر والتقوى
الأتباع السّعداء فنوعان:
الأول: أتباعٌلهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
فهؤلاء هم السّعداء الذين ثبت لهم رضى الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ولا يختصّ ذلك بالقرن الذين رأوهم فقط، وإنما خصّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.

الثاني: هم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قالالله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.
أخبر سبحانه أنه ألحق الذّرية بآبائهم في الجنة، كما أتبعهم إياهم في الإيمان, ولما كان الذّرية لا عمل لهم يستحقون به تلك الدرجات قال تعالى: {وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ}، والضمير عائد إلى الذين آمنوا؛ أي: وما نقصناهم شيئًا من عملهم، بل رفعنا ذريّتهم إلى درجاتهم، مع توفيتهم أجور أعمالهم؛فليست منزلتهم منزلة من لم يكن له عمل، بل وفّيناهم أجورهم، وألحقنا بهم ذرياتهم فوق ما يستحقونه من أعمالهم.
ثم لما كان هذا الإلحاق في الثواب والدرجات فضلًا من الله، فربما وقع في الوهم أن إلحاق الذرية أيضًا حاصلٌ بهم في حكم العدل، فإذا اكتسبوا سيئاتٍ أوجبت عقوبة، كان كل عامل رهينًا بكسبه لا يتعلق بغيره منه شيء.
فالإلحاق المذكور إنما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب.


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 15 رمضان 1439هـ/29-05-2018م, 12:17 AM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

إعادة الرساله التبوكية :
المقاصد الفرعية في هذه الرسالة :
١/ مقدمة في معنى قوله تعالى :( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، وايضاح معناها ، والمقصد العام من اجتماع الناس وتعاونهم وتعاشرهم فيما ينفع دنياهم وآخرتهم من الأقوال والأعمال.
٢/ بيان أهمية ومعنى الهجرة إلى الله ورسوله ، وكيفيتها ، ومايلزم المسافر إلى الله ، وأن التعاون على هذه الهجرة والتناصح فيها ، من أعظم البر والتقوى.
المسائل المستخلصة من الرسالة تحت المقاصد الفرعية :
١/المقصد العام من اجتماع الناس وتعاونهم وتعاشرهم فيما ينفع دنياهم وآخرتهم من الأقوال والأعمال.
هذه الآية تضمنت على جميع مصالح العباد في رزقهم ومعاشهم ، وفيما بينهم وبين خالقهم وبين بعضهم لبعض.
-واجب مابينهم وبين الله سبحانه وتعالى وكيف يتم.
-وواجب مابينهم وبين الخلق ،من المعاشرة والمعاونة والصحبة وكيف يتم.
-قاعدة الإفراد والإقتران لكلمتي "البر والتقوى "وأهميتها
-معنى البر ومايضادها في اللفظ ، وما يدخل في مسماه.
-حقيقة التقوى ، وحدها والباعث إليها
-معنى الإثم والعدوان والفرق بينهما، والمقصود بحدود الله.

٢/ بيان أهمية ومعنى الهجرة إلى الله ورسوله ، وكيفيتها ، ومايلزم المسافر إلى الله ، وأن التعاون على هذه الهجرة والتناصح فيها ، من أعظم البر والتقوى.
&أنواع الهجرة
-الهجرة إلى الله وماتضمنته من أمور
-الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , معناها , وحدها ، ومايشترط فيها ، وتحتها مسائل هي :
-تحكيم شرع الله سبحانه بلسان نبيه صلوات الله وسلامه عليه ، والخضوع والتسليم له ، والرضى بما حكم وقسم له.
-الأدلة على طاعة الرسول واتباع سنته وهديه.
-الحكمة من افتتاح بعض الآيات بالإيمان عند الخطاب بالشرائع والأحكام.
-حال الأتباع، وأنقسامهم مابين سعيد وشقي ، وأصنافهم.
-أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي الكريم وما بعثه الله به.
-أعظم التعاون على البرّ والتّقوى ،ومايحتاجه المسافر في سفره من زاد ومركب وطريق ،ورأس مال الأمر وعموده .
التلخيص :
١/المقصد العام من اجتماع الناس وتعاونهم وتعاشرهم فيما ينفع دنياهم وآخرتهم من الأقوال والأعمال.
&هذه الآية تضمنت على جميع مصالح العباد في رزقهم ومعاشهم ، وفيما بينهم وبين خالقهم وبين بعضهم لبعض.
-واجب مابينهم وبين الله سبحانه وتعالى ، ولايتم إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.-وواجب مابينهم وبين الخلق ،من المعاشرة والمعاونة والصحبة ، فيكون تعاونهم على مرضاة الله وطاعته ، ولايتم إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر.
&قاعدة الإفراد والإقتران لكلمتي "البر والتقوى "وأهميتها
إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما ،وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره ،والغاية المقصودة لنفسها.
&معنى البر ومايضادها في اللفظ ، وحقيقته ،وما يدخل في مسماه.
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد ،وفي مقابلته "الإثم"، وهو كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليه.
فحقيقة البر ،هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير ،فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة ، وأكثر مايعبر به هو بر القلب، وهي التقوى ، وانشراح النفس ، وطمأنينة القلب ، فمن لم يجدها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه، وهو من القسم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}.
&حقيقة التقوى ،وحدها، والباعث إليها.
العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
لا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان واليقين بثواب الله ، والخوف من عقابه ، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى.
&معنى الإثم والعدوان والفرق بينهما .
الإثم : ما كان حراما لجنسه ، كالزنا والسرقة وشرب المسكرات
العدوان : ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه ، كنكاح الخامسة ، واستيفاء المجني عليه أكثر من حقه.
والفرق بينهما فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر.
&المراد بحدود الله، ودلالة التعدي والقرب منها ، والمفاسد المستلزمة لعدم العلم بهما.
حدود الله : هو المنع أو الشيء الذي تتوقف عنده ، وإن تجاوزته يقام عليك الحد.
دلالة التعدي والقرب منها:
ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، فينهى عن تعديها ،(تلك حدود الله فلاتعتدوها ) ، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله ، ( تلك حدود الله فلا تقربوها.
والمفاسد المستلزمة لعدم العلم بهما:
١/أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
٢/أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما.

2/ بيان أهمية ومعنى الهجرة إلى الله ورسوله ، وكيفيتها ، ومايلزم المسافر إلى الله ، وأن التعاون على هذه الهجرة والتناصح فيها ، من أعظم البر والتقوى.
هي هجرة شأنها عظيم ، وهي فرض على كل مسلم، مقتضاها شهادة أن محمدا رسول الله.
وطريق هذه الهجرة ،وعر وبعيد ، فعلى العبد المجاهدة والصبر ، ليصل إلى مايحبه الله ورسوله.
الهجرة تكون لمايحب الله ويرضى ، وهجر مايبغضه الله ، فهذا هو أصل الهجرة .
&أنواع الهجرة:
الهجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها.- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها .
&الهجرة إلى الله وماتضمنته من أمور
هي الفرار منه وإليه سبحانه وتعالى ، وتضمنت توحيدي الألوهية والربوبية وإثبات القدر ، فهو الواحد الأحد لامعبود سواه ، وكل شيء بمشيئته وقدره ، فهي دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
&الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , معناها , وحدها ، ومايشترط الإيمان فيها ، وتحتها مسائل هي :
معناها :هي الفرار إليه ، قال تعالى :" ففروا إلى الله " ، فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه.
وحدها :سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى }.
فشروط الإيمان بها :
-تحكيم شرع الله سبحانه بلسان نبيه صلوات الله وسلامه عليه ، والأدلة عليه .
&معنى قوله تعالى :( فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا ).
-تصدرت الآية بلا النافية لسر في القسم ، وتأكيده سبحانه بالقسم في نفسه.
-انتفاء الحرج بحكم الرسول ، والخضوع والإذعان والتسليم والرضى بما حكم و قسم. -الخضوع والتسليم له ، والرضى بما حكم وقسم له.
&قال تعالى ( النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} .
-وهذه الأولوية تتضمن أموراً:
١/أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ فلا يحصل الإيمان إلا من جعل الرسول أولى من نفسه. ٢/ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول، فلاتصرف له إلا ماتصرف به الرسول وهو أولى منه على نفسه.
-مايلزم هذه الأولوية .
كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
-وما تثبت به الأولوية.
فلا تثبت إلّا بعزل كل ما سواه،وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه، وإن لم تتبين شهادته له بصحةٍ ولا بطلانٍ جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، ووقفه حتى يتبيّن له.
&قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه )
أمر سبحانه بالقيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا ، فتكون الشهادة بالعدل لا بالباطل.
وأمر سبحانه بقوله ( شهداء لله ) ، فتضمن أن تكون الشهادة بالقسط والحق والعدل، وأن تكون لله لا لغيره.
&الأسباب الموجبة لكتمان الحق.
-اللّيّ .
-الإعراض .
&قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم )
في هذه الآية طاعة أولي الأمر جاءت مقترنة بطاعة الرسول ، فإذا انتفت الطاعة انتفى الاقتران بهم ،فأولو الأمر لا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة".
-الأقوال بأولي الأمر :
إحداهما: أنهم العلماء.
والثانية: أنهم الأمراء.
والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية، والصحيح: أنها متناولة للصنفين جميعًا؛
&-الحكمة من افتتاح بعض الآيات بالإيمان عند الخطاب بالشرائع والأحكام.
لأن المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نودوا وخوطبوا به، ففي ذلك إشارة إلى أنكم إن كنتم مؤمنين؛ فالإيمان يقتضي منكم كذا وكذا، فإنّه من موجبات الإيمان وتمامه.
&حال الأتباع، وأنقسامهم مابين سعيد وشقي ، وأصنافهم .
-الأتباع خلاف رسول الله ،(الأشقياء ) :
١/ هم المتخالّين على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخلّة إلى العداوة واللعنة؛ والطرد من رحمة الله ،قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين ).
٢/الأتباع المخالفون لمتبوعيهم.
قال تعالى :( إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب *وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار )، هذا حال من أتخذ من دون الله أولياء ، فهم مخالفون لبعض ، مبغضون لبعض ، أعمالهم باطلة ، جعلها الله لهم هشيماً تذروه الرياح.
-الأتباع السعداء.
١/ أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
٢/ هم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم ) ، وهذا الإلحاق يكون بالثواب والفضل ،وليس بالعدل والعقاب.
&أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي الكريم وما بعثه الله به.
١/طائفةٌ طيبة قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فشبه الرسول الكريم القلوب القابلة للعلم ، كالأرض القابلة للغيث ، فهذا هو العالم ،علمه وعمل به وعلمه ،فهم أفضل الناس.
٢/وطائفة كان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا ، فهذا من علم هذا العلم وعلمه ولكن لم يتفقه فيه ،وقل اجتهاده بالعمل به.
٣/ طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"، وهذا من لم يستفد من هذا العلم ،ولم يعمل به أو يعلمه ، فهذا مذموم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
&أعظم التعاون على البرّ والتّقوى ، ومايحتاجه المسافر في سفره من زاد ومركب وطريق ،ورأس مال الأمر وعموده .
فأعظمه هو التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
و زاده : العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين، كما قال تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون }.
ومركبه : صدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه .
وطريقه : هو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا، ولايتم إلا بالصبر .
ومآل الأمر وعموده ومثاله : كثرة التدبر والتفكر بآيات القرآن ، ففيها من العبر والآيات الشيء الكثير ، قال تعالى :( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ).
-سورة الذاريات وماتضمنته من آيات وأخبار وعبر ورد على أهل الأهواء والباطل.
&من هم رفقاء السفر الذين يأنس بهم.
-المطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا السفر بالإعراض، وترك اللائمة والاعتراض،وينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
-ومن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين في الناس أموات.
-فكمال العبد حين يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين:
-عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
-وعين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم الأعذار.
-معنى قوله تعالى (وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ )
هذه من الآداب التي أدب وكمل الله بها رسوله الكريم ، قالت عائشة رضي الله عنها :(كان خلقه القرآن ) ، فبهديه نقتدي ، ولا تتمّ الأخلاق الحسنة إلا بثلاثة أشياء:
١/أن يكون العود طيباً سلساً سهلاً ، فلن يتقوم إن كان جافاً وغليظاً.
٢/ أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة.
٣/ أن يكون عنده علم بحقائق الأشياء وتنزيلها وأحكامها ، فلا يكون إمعة منقاد لكل مايقال.
&تعاهد السلف بعضهم لبعض بكلمات تكتب بماء الذهب.
"من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه".
المقصد الكلي للرسالة :أهم مايحصل به التعاون على البر والتقوى ، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله ، وأقسام الأتباع والمتبوعين ، وأهمية التدبر لآيات الله ، فهي رسالة وهدية من المصنف لرفقاء السفر.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 7 شوال 1439هـ/20-06-2018م, 04:19 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

تلخيص مقاصد الرسالة التبوكية

المقاصد العامة
ما اشتمل عليه قوله (وتعاونوا على البر
حقيقة البر
معنى البر والتقوى في (وتعاونوا
المقصود لفظ الخمر
المقصود بالميسر
معن الأثم والعدوان
الفرق بين الأثم والعدوان
ما يدخل في مسمى البر
المراد ب(قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وما يدخل الأيمان في قلوبكم.)
الآية الجامعة لخصال البر
أصول الأيمان الخمسة من الآية
معنى الآية
حقيقة التقوى
المراد بالعدوان
الحكمة من ورود لفظ النهي عن قربان الحدود والاعتداء فيها.
حال العبد بينه وبين الناس
حال العبد بينه وبين ربه.
ما أرشدت اليه (واتقوا الله.)
حكم الهجرة ألى الله ورسوله
أنواع الهجرة
مبدأ الهجرة ومنتهاها.
ما يتضمنه الفرار ألى الله.
المقصود بالفرار من الله.
ما تتضمنه الهجرة ألى الله.
أصل الهجرة ألى الله.
قوة الهجرة وضعفها.
الهجرة العارضة
الهجرة الدائمة






ألفاظ يدخل فيها أو يخرج من معناها ما لا تحتمله كالخمر والنكاح والقمار.
مقتضى الهجرة ألى الله
مقتضى الهجرة ألى الرسول.
قال قتادة كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون ماذا أجبتم المسلين.
معنى فلا وربك لا يؤمنون..... تسليماً.
معنى التسليم لله.
الفرق بين علم الحب وحال الحب.
الحكمة من افتتاح القسم بأداة النفي.
ما يدل عليه قول (النبي أولى بالمؤمنين.)
ما تتضمنه كلمة أولى بالمؤمنين.)
أدعياء المحبة
معنى القسط
ما ينافي القيام بالقسط.
معنى الشاهد
معنى قوله تعالى (شهداء لله.
ما يتضمنه قوله (شهداء بالقسط وقوله (شهداء لله.
حقيقة العدل
ما قال السلف في العدل
معنى (أن يكن غنياً أو فقيرا فالله أولى بهما.
ما يتضمنه اتباع الهوى
أسباب كتمان الحق
الفرق بين اللي والأعراض
أنوالع اللي
ما دلت عليه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أذا قضى اللله وروسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أم!هم.)
معنى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا.)
معنى فأن تولوا فأنما عليه ما حمل.
الحكمة من افتتاح بعض الخطابات في الشرائع ب(يا أيها الذين آمنوا.)
متى تجب طاعة ولي الأمر.
الأقوال في (أولي الأمر.)
ما دلت عليه (فأن تنازعتم في شيء فردوه ألى الله وارسول أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر.)
معنى الرد ألى اله
معنى الرد ألى الرسول.
سبب السعادة في العاجل والآجل.
ما تكمل به السعادة
مراتب حصول السعادة للأنسان 4
ما تدل عليه (فلا يكن في صدرك حرج.
الأصناف المبطلة وسبب باطلهم.
المراد ب(قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والأنس.)
محبة وموالاة الأتباع من دون الله.
أعظم الحسرات يوم القيامة.
السابقون بأحسان وسعادتهم في الدارين.
أقسام الخلائق في قبول دعوة الهدى.
معنى (ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء.)
ما اشتملت قصة أبراهيم عليه السلام من كنوز وأسرار.
الرفيق في الطريق.
ما تضمنته (خذ العفو وأمر باعرف وأعرض عن الجاهلين.)
3 أمور يكون بها حسن الخلق.

المقصد الرئيسي السفر والهجرة ألى الله وما يحتاجه المسافر والمهاجر أر ربه من زاد ورفيق في الطريق من تعاون وعم ،وتدبر للقرآن.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 17 شوال 1439هـ/30-06-2018م, 02:28 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم..


الشيماء وهبة ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وقد اجتهدتِ في تصنيف المسائل وحصرها -بارك الله فيك- والملاحظة المهمّة تتركّز على تعيين المقاصد الفرعية، فالمقاصد الأولى التي اخترتيها لا تناسب أن تكون مقاصد فرعيّة للرسالة، بل هي مسائل فرعية تحت مقصد واحد وهو معنى قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتقوى} الآية.
أيضا لو فصلتِ المسائل المتعلّقة بمعنى الهجرة إلى الله عن المسائل المتعلّقة بمعنى الهجرة إلى الرسول لكان ذلك أيسر عليك وأقرب لترتيب مسائل الرسالة.
أما بالنسبة للتلخيص ففيه طول، وأرجو مراجعة التقويمات السابقة والتعليقات أعلاه.


بدرية صالح ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- الفرار من الله إليه داخل تحت معنى الهجرة إلى الله وليس الهجرة إلى الرسول.


شيماء طه ه
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
ولكنك اقتصرتِ على استخلاص المسائل فقط مع بيان المقصد الكلّي، ولم تعيّني المقاصد الفرعيّة، ولم تلخّصي كلام ابن القيّم في كل مقصد، فأرجو استكمال التلخيص وتصنيف المسائل المستخلصة لأجل التعرّف على المقاصد الفرعيّة، وأوصيك بقراءة الإرشادات أعلاه والاستفادة من تقويمات الزملاء قبل الإعادة، وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 25 شوال 1439هـ/8-07-2018م, 05:24 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

المقصد الكلي :
بيان جميع ما يكون به مصالح العباد وسعادتهم فيما بينهم وبين الخلق وبينهم وبين الخالق ، وبيان أهمية الهجرة إلى الله ورسوله ،وما يعينه ، وعقوبة مخالفة الله ورسوله .

المقاصد الفرعية :
- بيان أنواع واجبات العباد التي فيها جميع ممصالحهم .
- بيان أنواع الهجرة وما تتضمنه .
- بيان أهمية الهجرة إلى الله ورسوله .
- بيان ما تقتضيه الهجرة إلى الله ورسوله .
- بيان أضرار مخالفة الله ورسوله في الدنيا والآخرة.
-حال الأتباع والمتبوعين يوم القيامة .
- بيان متطلبات السفر للهجرة لله ورسوله .

المقدمة :
{وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)}.
بيان أنواع واجبات العبد التي فيها جميع مصالحهم :
أنواع واجبات العبد:
1)واجب بينه وبين ربه .
- حاله فيما بينه وبين الله تعالى: فهو إيثار طاعته، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
-ولا يتمّ إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر
2) واجب بينه وبين الخلق .
فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي "البرّ والتقوى"
فهذا حكم العبد فيما بينه وبين الناس، وهو أن تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتّقوى، علما وعملًا.
-ولا يتم له أداء هذا الواجب إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.
دلالة افراد البر والتقوى :
وهي "البرّ والتقوى" اللذان هما جماع الدين كله، وإذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر؛ لأن البرّ جزء مسمّى التقوى، وكذلك التقوى فإنه جزء مسمّى البر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند الانفراد.
حقيقة البر ومعناه وما يضاده:
حقيقة البرّ هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام.
ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب.
ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ، و{كرام بررة}، والأبرار.
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، وفي مقابلته "الإثم"، وفي حديث النّواس بن سمعان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [له]: (جئت تسأل عن البرّ والإثم) ؛ فالإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
ما يتضمنه البر:
فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزء هذا المعنى، وأكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان [فيه] وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان، فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذاذة في القلب، فمن لم يجدها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه، وهو من القسم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}.

أنواع ما يجمعه خصال البر :
-حقائق الدين وشرائعه
-والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب.
-وأصول الإيمان الخمس

حقيقة التقوى ومعناه :
وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
كما قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
الفرق بين البر بالتقوى :
فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه، كما تقدّم.
وأما التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه.
-فلفظها دالٌ على أنها من الوقاية، فإن المتّقي قد جعل بينه وبين النار وقاية، فالوقاية من باب دفع الضرر.
-والبرّ من باب تحصيل النفع .
مفاسد عدم العلم بالفرق بين البر والتقوى :
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما.
الهدف من اجتماع الناس وتعاشرهم :
التعاون على البر والتقوى؛ فيعين كلّ واحد صاحبه على ذلك علما وعملا
الفرق بين الإثم والعدوان:
والفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر.
فالإثم: ما كان حراما لجنسه.
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه.
المراد بالعدوان :
فالعدوان هو تعدّي حدود الله


بيان أهمية الهجرة إلى الله ورسوله :
-أنها أهم مطلوب على العباد :
-يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويطالب بهما في الدنيا.
- قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين.
وأما الهجرة القلبية :
-هذه الهجرة فرض على كل مسلم
- وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله.
- قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فأقسم سبحانه بأجل مقسم به -وهو نفسه -عز وجل-- على أنهم لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يحكّموا رسوله في جميع موارد النزاع، وهو كل ما شجر بينهم من مسائل النزاع.
-في طاعة الله ورسوله تحصل الهداية ، فقال تعالى: {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين (54)}.
-يجب ردّ موارد النّزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كلّه إلى الله ورسوله، لا إلى أحدٍ غير الله ورسوله.
قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}.
حكمه :
فرض عين على كل أحد في كل وقت .
بيان أنواع الهجرة وما تتضمنه :
أنواع الهجرة : هجرة الجسم وهجرة القلب
الأول : هجرة بالجسم :من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها.
الثاني : هجرة بالقلب إلى الله .

علاقة هجرة الجسم بهجرة القلب :
وهجرة الجسد تابعةٌ لها، وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى":
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته.


هجرة القلب :
وأما هذه الهجرة التي هي واجبةٌ على مدى الأنفاس [فإنه] لا يحصل [فيها] علما ولا إرادة
ما يتضمنه الهجرة القلبية :
-هذا هو بعينه معنى الفرار إليه، قال تعالى: {ففرّوا إلى اللّه}. فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه.
-الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحبّ والبغض.
دليله : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

أنواع الفرار :
الفرار إليه : الفرار إليه سبحانه يتضمن إفراده بالطلب والعبودية، وهو متضمن لتوحيد الألوهية .
الفرار منه : متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر.
ثمرات الفرار من وإلى الله :
يوجب للعبد انقطاع تعلّق قلبه من غير الله بالكلّية خوفا ورجاء ومحبة.
العامل المؤثر على الهجرة القلبية :
الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه وهجرته إلى رسوله .



بيان ما تقتضيه الهجرة إلى الله ورسوله :
ما تقتضيه الهجرة إلى الله :
القيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا، وأحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله.
قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}.
السبب في تخصيص الوالدين والأقربين بالذكر :
إنّ ما في العبد من محبته لنفسه ولوالديه وأقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، [ولاسيما إذا كان الحق] لمن يبغضه ويعاديه قبلهم؛ فإنه لا يقوم به في هذه الحال إلا من كان الله ورسوله أحبّ إليه من [كل] ما سواهما.
السبب في ذكر الغني والفقير في القيام بالقسط :
-إن يكن المشهود عليه غنيًّا ترجون وتأملون عود منفعة غناه عليكم فلا تقومون عليه، أو فقيرًا فلا ترجونه ولا تخافونه، فالله أولى بهما منكم، هو ربهما ومولاهما، وهما عبداه كما أنكم عبيده، فلا تحابوا غنيًّا لغناه، ولا تطمعوا في فقيرٍ لفقره؛ فإن الله أولى بهما منكم.
- أو يقال : أنهم ربما خافوا من القيام بالقسط وأداء الشهادة على الغني والفقير؛ أما الغنيّ فخوفًا على ماله، وأما الفقير فلإعدامه، وأنه لا شيء له؛ فتتساهل النفوس في القيام عليه بالحق.
مقتضى الهجرة إلى الرسول :
1) الانقياد والخضوع والتسليم والرضى طوعا .
قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}
- قوله: {ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فذكر الفعل مؤكدًا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين، وهو الخضوع له، والانقياد لما حكم به طوعا ورضى، وتسليمًا لا قهرا ومصابرةً.

2) تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرضا وإنشراح الصدر .
3) أن يكون الرسول أحب إليه من نفسه ،قال تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}، لا سبيل إلى ثبوت هذه الأولوية إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به.


بيان أضرار مخالفة الله ورسوله في الدنيا والآخرة :

1)السبب في شرور الدنيا والآخرة :
- ففي مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم سبب شرور الدنيا والآخرة، إنما هي الجهل بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخروج عنه.
الأمرين الذي بهما كمال السعادة :
أحدهما: دعوة الخلق إليه.
والثاني: صبره وجهاده على تلك الدّعوة.
الأمور التي ينحصر بها الكمال الإنساني :
إحداها: العلم بما جاء به الرسول.
الثانية: العمل به.
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه.
2) ضلال من يزعم أن الهداية لا تحصل بالوحي، كما قال تعالى : {قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربّي إنّه سميعٌ قريبٌ (50)}
3) فكل من لم يتّبع الوحي فإنما اتبع الباطل واتبع أولياء من دون الله، كما قال تعالى : قال تعالى: {المص (1) كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2) اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون (3)}
4) مآل تلك الخلّة إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين (67)}.
5) استحقّ تضعيف العذاب،عقوبة على الكفر والصد عن سبيل الله .
قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)}
أنواع الكفر :
1) الأول كفره بالافتراء وإنشاء الباطل.
2) الثاني كفره بجحود الحق.

أصناف المبطلين :
قال تعالى: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته.
أحدهما: منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها.
والثاني: المكذّب بالحق.


حال الأتباع والمتبوعين يوم القيامة :
حال الأتباع الأشقياء المخالفين لمتبوعيهم
فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى، وأتباعهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون أنّهم يحبونهم، وأن محبّتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم لهم، فيتبرءون منهم يوم القيامة، فإنهم اتخذوهم أولياء من دون الله، وظنوا أن هذا الاتخاذ ينفعهم.
حال الأتباع السعداء :
هؤلاء على نوعين :
النوع الأول : أتباعٌ لهم حكم الاستقلال.
وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
فهؤلاء هم السّعداء الذين ثبت لهم رضى الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ولا يختصّ ذلك بالقرن الذين رأوهم فقط.
السبب في تخصيص التابعين :
خصّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.
شرط التبعية :
قيّد سبحانه هذه التبعية بأنها تبعية [بإحسانٍ، ليست مطلقة فتحصل بمجرد النسبة والاتباع في شيء والمخالفة في غيره، ولكن تبعية] مصاحبةٌ للإحسان؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، والإحسان في المتابعة شرطٌ في حصول رضى الله عنهم وجنّاته.

النوع الثاني : أتباع المؤمنين من ذريّتهم.
الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}
السبب في الحاق الذرية :
أخبر سبحانه أنه ألحق الذّرية بآبائهم في الجنة، كما أتبعهم إياهم في الإيمان.

فالإلحاق المذكور إنما هو في الفضل والثواب لا في العدل والعقاب، وهذا ونحوه من أسرار القرآن وكنوزه، التي يختص الله بفهمها من شاء.


بيان متطلبات السفر للهجرة لله ورسوله :

زاده :
العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم
طريقه :
فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع.
لا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم؛ فإن اللوم يدرك الفارس؛ فيصرعه عن فرسه, ويجعله طريحًا في الأرض.
والثاني: أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال, فمتى خافت النّفس تأخرت وأحجمت, وأخلدت إلى الأرض.
مركبه :
فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به .

أهية التدبر في الهجرة إلى الله ورسوله :
ورأس مال الأمر وعموده:
رأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب.
مثال على تدبر القرآن :
مثاله : قوله تعالى : ({هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قال سلامٌ قومٌ منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمينٍ (26) فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون (27)} إلى قوله: {الحكيم العليم (30)}.

الأمور التي تضمنتها هذه الآية :
-تضمنت من أنواع الثناء على إبراهيم.
- جمعت آداب الضيافة وحقوقها، كيف يراعى الضيف.
-تضمنت من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة.
- تضمنت علمًا عظيمًا من أعلام النبوة.
- تضمنت جميع صفات الكمال، التي مردّها إلى العلم والحكمة.
-أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحت بوقوعه.
-تضمنت الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذّبة.
-تضمنت ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما.
-تضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده، وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر.
-تضمنت أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة، وهم المؤمنون بها، وأما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 20 ذو القعدة 1439هـ/1-08-2018م, 10:07 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

تلخيص مقاصد "الرسالة التبوكية " لابن القيم .

المقصد الكلي : بيان بما يحتاجه المهاجر إلى ربه .
🔷أولاً : المقاصد الفرعية :

🔹 المقصد الأول : بيان معنى الهجرة ومتطلبها والنتائج المترتبة عليها في الدنيا والأخرة .

🔹المقصد الثاني : بيان أهمية التعاون على البر والتقوى في صلاح العباد .

تلخيص مقاصد الرسالة .
للرسالة شأن جليل ومقصد عظيم نابع من مضمونها الذي بين فيه أن جميع الخلق في سفر إلى الله والدار الآخرة ،وبين ذلك من خلال مقصدين رئيسين بين فيهما ما يحتاجه المهاجر إلى ربه وإلى ورسوله، من زاد ومركب ومعونة ولوازم سفر تجعله يصل بسلام ولا يحصل له توقف ولا انقطاع .

🔷المسائل المستخلصة .
🔹المقصد الأول : بيان معنى الهجرة ومتطلبها والنتائج المترتبة عليها في الدنيا والأخرة .

-بيان إن الهجرة إلى الله ورسوله هي مطلوب الله من عباده ومراده منهم، لا انفكاك لأحد من وجوبها، لذا هي فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت .

-متضمن هذه الهجرة فرار القلب إلى الله محبة وعبودية وانقياداً وخوفاً ورجاءً وذلاً وانكساراً ، وليست هجرة الجسد فقط .

-الهجرة إلى رسوله سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى (إن هو إلّا وحيٌ يوحى ).

-بيان أن الخلائق مع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أقسام كما ورد ذلك الحديث "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

-مستلزم هذه الهجرة أن يكون ما يهاجر إليه أحبّ إليه مما يهاجر منه؛ فيؤثر أحبّ الأمرين إليه على الآخر، وإذا كان نفسه وهواه .

-متطلبات هذه الهجرة قائمة على ثلاثة أمور، زاد من علم لاينقطع مستمد عن خاتم الأنبياء ،مع صدق لجوء إلى الله وانقطاع إليه بالكلية وتضرع وانكسار، مع بذل الجهد واستفراغ الوسع .

-معوقات هذه الهجرة كثيرة منها ندرة الصاحب ، وقلة المعين ،وضعف النفس وغلبة الهوى ،ومن صدق في حبه سار ولو وحيدا غريباً لكنه مع هذا ناصحاً للخلق محبوبٌ بينهم يرى ما هم فيه، وهم لا يرون حاله ، يقيم لهم المعاذير، ويدلهم على سواء السبيل .

-من تدبّر العالم والشّرور الواقعة فيه،علم أن كل شرٍّ في العالم فسببه مخالفة الرسول والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنما هو بسبب طاعة الرسول وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هي من موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها.

-ثمرة من نال شرف هذه الهجرة عظيمه وعطاياه من الرب جزيلة فمن وفاها حقها رأى العجب العجيب من فضل ربّه وبرّه ولطفه ودفاعه عنه، والإقبال بقلوب عباده إليه، وإسكان الرّحمة والمحبة له في قلوبهم، وغير ذلك من فيض إنعامه وجوده .

-لتدبر كتاب الله أثر كبير في سير المهاجر إلى ربه،فمن دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، وانشغل قلبه بها وستولت على فكره مكان الخواطر زاد إيمانه وعظم يقينه واستقام له أمره .

-كثيرا ما يقرن سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن في غير موضع؛ لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر ،لأن الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحبّ والبغض .

-في يوم القيامة يقطع الله الأسباب والعلائق التي كانت بين الخلق في الدنيا كلها، ولا يبقى إلا السبب والوصلة التي بين العبد وبين ربّه فقط، وهو سبب العبودية المحضة التي لا وجود لها ولا تحقّق إلا بتجريد متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم .

🔷المقصد الثاني : بيان أهمية التعاون على البر والتقوى في صلاح العباد .
-الغرض من تصدر الرسالة بقوله تعالى :(وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) لبيان أن أعظم تعاون على البرّ والتّقوى هو التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله سواءاً كان باليد أواللسان أوالقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
-جزاء من امتثل هذا مع عباد الله، كان الله له بكل خير أسرع، وأقبل بقلوب عباده إليه ، وفتح أبواب العلم، ويسّره لليسرى .

-بيان شمول الآية لجميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بين بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين ربهم .

-معنى البر في الآية ،أكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينة وانشراح .

-حقيقة التقوى : العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده .

-حد التقوى : قال طلق بن حبيب: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله "

-بيان أن للألفاظ المتقاربة تضمنا ولزوما فإذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، كما في البر والتقوى ، لأن البرّ جزء مسمّى التقوى .

-قطع عوائد النفس والبعد عن المألوفات يحدث للعقل نظرا وللفكر عبرا وللنفس تفكرا .

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 26 ذو الحجة 1439هـ/6-09-2018م, 10:43 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

بسم الرحمن الرحيم
الرسالة التبوكية
••المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-سبب تسمية هذه الرسالة بالتبوكية :
هذه الرسالة من مؤلفات الإمام العلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله-، وقد كتبها في المحرم سنة 733 بتبوك، وأرسلها إلى أصحابه في بلاد الشام، فسمِّيت بـ"الرسالة التبوكية".
-الغرض من تأليف الرسالة وبيان أهميتها
هي هديتَه المعجَّلَة السابقةَ إلى أصحابِه ورفقائِه في طلب العلم.
ولبيان أهميتها والتشويق لقراءتها أشهد الله -وكفى بالله شهيدًا- على أنه لو وصلت لأحدٍ منهم لقَابلَها بالقبول، ولَبادَرَ إلى تفهُّمِها وتدبُّرِها ، وعَدَّها من أفضل ما أهدى صاحبٌ إلى صاحبِه، أما غيرها مما لا فائدة فيه فإن وإن تطلعت النفوسُ
إليها- ففائدتها قليلة، وهي في غاية الرَّخص لكثرة جَالِبيها، وإنما الهديةُ النافعةُ كلمةٌ من الحكمة يُهدِيها الرجلُ إلى أخيه المسلم."
الرسالة
بعدَ حمدِ اللهِ بمَحَامِدِه التي هو لها أهل ، والصلاةِ والسلام على خاتَم أنبيائِه ورُسله محمد - صلى الله عليه وسلم -
فسَّر فيها المؤلف قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
- ما اشتملت عليه هذه الآية
وقد اشتملتْ هذه الآيةُ على جميعِ مَصالح العبادِ في معاشِهم ومعادِهم،
1- فيما بينَهم في بعضِهم بعضا.
2- و فيما بينَهم وبينَ ربهم.
فحال العبد بين هذين الحالين وهذين الواجبين واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخَلْقِ.
أولاً : ما بينه وبين الخلق
(أ)من باب الأمر
فأمرهم ربهم أن تكون مخالطتهم ومعاشرتهم تعاوناً على البر والتقوى علما وعملا ، مرضاة لله وطاعة له.
- علماً : بمعرفة معنى البر والتقوى
المراد بالبر والتقوى
"البِرُّ والتقوى" : هما جماع الدين كله، وإذا أُفرِدَ الواحد منهما دخلَ فيه المسمَّى الآخر ، إما تضمنا وإمّا لزوما، ؛ ولأن البرَّ جزءُ مسمَّى التقوى،فدخولُه فيه تضمنا أظهرُ
وكذلك التقوى فإنها جزءُ مسمَّى البر، وكونُ أحدِهما لا يَدخل في الآخر عند الاقتران لا يَدل على أنه لا يَدخلُ فيه عند الانفراد.
ونظيرُ هذا لفظ "الإيمان والإسلام"، "والإيمان والعمل الصالح"، و"الفقير والمسكين"، و"الفسوق والعصيان"، و"المنكر والفاحشة"، ونظائرُهُ كثيرة.
_ معنى البرّ والتقوى ، عند افتراقهما
1- البّر
-حقيقة البرِّ :
هو الكمالُ المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخيرُ، كما يَدلُّ عليه اشتقاق هذه اللفظةِ وتصاريفها في الكلام."
"ومنه "البُرُّ" بالضم؛ لكثرة منافعِه وخيرِه بالإضافةِ إلى سائرِ الحُبوب.
ومنه رجل بارٌ، وبَرٌّ، وكِرَام بَرَرة، والأبرار .
- فالبرُّ كلمة جامعه لجميع أنواعِ الخير والكمال المطلوب من العبد.
وفي مقابلتِه "الإثْم". وفي حديث النَّواس بن سَمْعَان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [له] : "جئْتَ تَسأل عن البرِّ والإثم" .
فالإثم كلمة جامعة للشرِّ والعيوبَ التي يُذَمُّ العبدُ عليها .
فيدخل في مسمى البرِّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، و التّقوى جزءُ من هذا المعنى.
- برّ القلب :
وهو أكثر ما يعبر به عن البرّ ،وهو وجود طَعْمِ الإيمان في القلب وحَلاوته، وما يخالط ذلك من طمأنينته وسلامتِه وانشراحِه وقوته وفَرحِه بالإيمان، فإن للإيمان
فرحة وحلاوة في القلب، فمن لم يَجِدْها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه، قال الله -عز وجل- : {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} .
فهؤلاء -على أصح القولين- مسلمون غير منافقين، وليسوا بمؤمنين ، إذ لم يدخل الإيمان في قلوبهم؛ فيباشرها حقيقته.
- خصال البر
قال تعالى : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}
اشتملت هذه الآية على جميع خصال البرّ:
أولاً -أصول الإيمان ، التي لا يقوام الإيمان إلا بها ، "الإيمان به ، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر،"
ثانياً- شرائع الدين الظاهرة: إقَامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة."
ثالثاً -الأعمال القلبية ؛ من الصبر والوفاء بالعهد.
فاشتملت الآية على جميع أقسام الدين ، من أصول الإيمان الخمسة التي مقرها القلب وعمل الجوارح من صلاة وإيتاء زكاة ونفقات ،وعمل القلب من صبر ووفاء بالعهد
- خصال البر هي التقوى
قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}."
2- التقوى
- حقيقة التقوى:
العمل بطاعة الله إيمانا بالله واحتسابًا لثوابه ، فكل ما أمر به أو نهى عنه ،
كما قال طَلْق بن حَبِيب: "إذا وقعتِ الفتنةفادفعوها بالتقوى"
"قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعملَ بطاعةِ الله على نور من الله، ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصية اللهِ على نور من الله، تخاف عقاب الله"
وليكون العمل متقبلاً وقربة لله فلابد أن يبدأ به إيماناً بالله ، لا لهوى ولا محمدة وأن تكون غايته ومنهاه ثواب الله ورضاه ، وهذا هو الإحتساب
فنجد كثيرا ما يقرن بين الإيمان والإحتساب
( من صام رمضان إيمانا واحتساباً)..
فقوله : "على نورِ من الله" إشارة إلى الأصل الأول، وهو الإيمان الذي هو مصدرُ العملِ، والسببُ الباعث عليه.
وقوله: "ترجو ثوابَ الله" إشارة إلى الأصل الثاني، وهو الاحتساب، وهو الغاية التي لأجلها يعمل العملُ، ويقصده.
و هذا جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البرَّ داخل فى هذا المسمى.
$ الفرق بين البّر والتقوى إذا اقترنا
"كقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
فالفرقُ بينهما فرق بين السَّبَب والغايةِ .
فإن البرَّ مطلوب لذاتِه، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاحَ له بدونه، كما تقدَّم.
وأما التقوى فهي الطريق الموصِلة إلى البرِّ، والوسيلةُ إليه، ولفظُها دال هذا؛ فإنها فَعْلى من وَقَى يَقِيْ، وكان أصلُها وَقوَى، فقَلَبوا الواو تاء، كما قالوا: تُرَاث من الوراثة، وتُجَاه من الوجه، وتُخَمَة من الوخم ، ونظائرهُ ، فلفظُها دالٌ على أنها من الوقاية، فإن المُتَّقِيَ قد جعلَ بينه وبين النار وِقاية، فالوقايةُ من باب دفع الضرر، والبرُّ من باب تحصيلِ النفع ، فالتقوى كالحِمْيَةِ ، والبرُّ كالعافية والصحة."
2- عملاً
أي أن يقصد الناس من اجتماعهم وتعاشرهم التعاون على البر والتقوى؛ فيُعِيْن كلاً منهم الآخر على ذلك علما وعملا.فالعبد وحده لا يقدر على ذلك ولا يستقيم له الأمر بل جعل من حكمته أن يعين بعضهم البعض.
(ب) من باب النهي
نهاهم عن الإثم بعد أن أمرهم بالبر والتقوى
قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
والإثم والعدوان في جانب النهي نظيرُ البرِّ والتّقوى في جانب الأمر.
-الفرق ما بين الإثم والعدوان
الفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محَرَّمِ الجِنْس ومُحَرَّم القَدْر .
فالإثم: ما كان حراما لجنسه، أي نفس العمل حراماً
والعدوان: من التعدي والزيادة فحرم للزيادة في القدر الواجب ، وتعدي ما أباحَ الله منه.
فالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحوها إثم. ونكاح الخامسة، واستيفاءُ المجْنيِّ عليه أكثرَ من حقه، ونحوه عُدْوان.
فالعدوان هو تَعَدِّي حدود الله التي قال فيها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}. وقال : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} .
- الغاية من النهى عن تعدّيها آية، وعن قُرْبانها في آية أخرى
هذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلةُ بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابلِه ، فبالاعتبار الأول نَهَى عن تعدِّيها، وبالاعتبار الثاني نَهَى عن قربانها."
ثانياً :حالُه فيما بينَه وبينَ الله تعالى:
هو تقديم طاعته وتجنب معصيته، وهو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}.
فأرشدت الآيةُ إلى ذكرِ واجب العبدِ بينَه وبينَ الخلق، وواجبِهِ بينَه وبينَ الحقّ.
ولا يتمُّ الواجب الأول إلا بعَزلِ نفسِه من الوسطِ، والقيامِ بذلك لمحض النصيحة والإحسانِ .
قال الشيخ عبد القادر :"كنْ مع الحقّ بلا خَلْق، ومع الخلق بلا نَفْس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فُرطا" .
المقصود مما سبق مقدمة لما بعده
فإن السفر إلى الله ، يكون بالهجرة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
••أعظم التعاون على البر والتقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
فالهجرة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، أهم شيء يقصده العبد ، وهي فرض عين ، لا ينفك منها العبد في كل أحواله .
•أنواع الهجرة
-هجرة بالأبدان ، من بلد إلى بلد ، ولكن ليست هي المقصودة هنا .
- هجرة بالقلب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي المقصودة ، وهي الأصل ، وهجرة البدن تابعة لها .
-أولاً: الهجرة إلى الله
هي هجرة تتضمن "من" و"إلى"
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبة الله
ومن عبودية غير الله إلى عبودية الله
ومن خوف ورجاء وتوكل واستعانه غير الله إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به .
ومن دعاء غير الله والذل والاستكانة له إلى دعاء الله والذل والاستكانة لله وحده،
وهذا معنى الفرار إلى الله ."قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} . فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه."
-ما يتضمنه الفرار من الله و إليه
(أ)الفرار إلى الله يتضمن ، إفراده بالعبودية والطلب ، وما يتبع ذلك من المحبة و الخشية والتوكل وسائر أنواع العبودية ، وهذا يتضمن توحيد الألهية ، الذي هو دعوة الرسل أجمعين.
(ب) الفرار من الله ، يتضمن توحيد الربوبية ، وإثبات القدر ، فكل مكروه في الأرض يفر منه العبد ، إنما أوجبه الله بمشيئته ، فما شاء الله كان ووجد بمشيئته ، وما لم يشأ لم يكن ويوجد بمشيئته سبحانه.فالعبد يفر من شيء وجد بمشيئة وقدرته إلى شيء أوجده الله بمشيئته وقدرته ، فهو يفر من الله إليه.
وهذا يبين معنى قوله "قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأعوذُ بك منكَ" وقوله: "لا مَلْجَأَ ولا منجَى منك إلا إليك"
فليس شيء في الوجود ،يفر منه ويخاف منه ، إلا والله هو موجده ومبدعه ، فالفار إنما يفر مما أوجب قدر الله إلى ما تقتضيه رحمته، ولطفه وإحسانه ، فهو يفر من الله إليه.
- ثمرة فهم هذين الأصلين :
هذا يوجب قطع علائق القلب بغير الله ،محبة ورجاءا وخوفاً، فكل ما يفر منه العبد ، فالله خالقه ومقدره ،فلم يبق في قلبه خوف من غير خالقه، وهذا يتضمن إفراده بالعبادة ،فالذي فرّ إليه هو الذي قدر وأشاء ، ما فرّ منه . وهذا هو معنى ( لا منجا منك إلا إليك ) وهي معنى الهجرة إلى الله، "ولهدا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المهاجر من هَجَرَ ما نهى الله عنه"
ولهذا يقرن الحق سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن ، في موضع منه وذلك لتلازمهما واقتضاء أحدهما الآخر.
-أصل الهجرة لله :
أصلها الحب والبغض .
- ما تتضمنه الهجرة لله:
(أ)هجران ما يكرهه الله وإتيان ما يحبه ، فالمهاجر الى شيء لابد أن يكون ما هاجر إليه أحب ممن هاجر منه ، فيقدم أحب الأمرين إليه .
(ب)الهجرة لله تكون كل وقت وحين
ولأن العبد بُلي بنفسه وهواه وشيطانه ، التي تدعوه إلى خلاف ما يحبه الله ويرضاه ، ولا تزال تدعوه إلى غير مرضاة الله ، وداعي الإيمان يدعوه لمرضاة ربه ، فعليه في كل وقت وحين أن يهاجر إلى الله ولا ينفك في هجرته حتى الممات .
(ج)هذه الهجرة تقوى وتضعف حسب قوة داعي المحبة وضعفه ،
فكلما كان داعي محبة الله في قلب العبد أقوى ، كانت هجرته أقوى وأكمل ، وكلما ضعف الداعي ضعفت الهجرة ، حتى لا يشعر بها علما ولا تتحرك بها أرادته، مع أنها واجبة على مدى الأنفاس ، وما ذاك إلا أنه أعرض عما خلق له، واشتغل عما نجيه، وذلك لأنه ضعفت معرفته بمراتب العلوم والأعمال،مع أنه قد يوسع الكلام في الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ويفرع المسائل ، وهي هجرة انقطعت بالفتح وهي عارضة ، والتي مدى العمر وحتى نهاية الأجل لا يشعر بها علما ولا تتحرك لها إرادته وهمته.
ثانياً: الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما هذه فقد سفت عليها السوافي ، فلم يبق منها سوى رسومها ، وسالك طريقها غريب بين الأحياء ، وحيد في طريق طلبه، لا يقرّ له قرار حتى ينال أربه ويحصل طلبه، معهم بجسده ، بيعيد عنهم في طلبه ، يعيبونه في مخالفته آرائهم ، ويرجمونه بالظنون، ويتربصون به {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)} . {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ"
والمقصود أن هذه الهجرة النبوية شأنها شديد، وطريقها على غير المشتاق وَعِيْر بعيد."
- حدّ هذه الهجرة
عرض كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، على منبع الهُدى المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} إن وافقته ، وإلا تطرح ولا يلقى لها بال.
- حكم هذه الهجرة
فهذه الهجرة فرض على كل مسلم.
- مقتضى هذه الهجرة
هي مقتضى شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما أن الهجرة لله مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله. وعن كلا الهجرتين، مطالب بهما العبد في الدنيا ، ويسأل عنهما في يوم القيامة وفي البرزخ. أي في الدور الثلاث
قال قتادة : "كلمتان يُسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
وهاتان الكلمتان هُما مضمون الشهادتين.
-آيات تبين لوازم هذه الهجرة
الآية الأولى-"قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
- ما تشتمل عليه هذه الآية من لوازم الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم
(أ) تحكيم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع نزاعاتهم .
أقسم سبحانه بنفسه الشريفة أنه لا يثبت لهم إيمان ، حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع نزاعاتهم ، في أبواب الدين ،وهو ما شجر بينهم،ف( ما ) موصولة تفيد العموم ، فنفي الإيمان إذا لم يتم تحكيمه فيما شجر بينهم.
(ب) إنشراح صدورهم ، بحكمه ، فلا حرج وهو الحصر و الضيق ، بل رضا وانشراح وقبول للحكم .
(ج)يسلموا تسليما ، أكّد الفعل بمصدره ، ليؤكد على هذا التسليم والخضوع والإنقياد ، للحكم لا قهراً وصبراً.بل تسليم عبد محب يعلم أن سعادته وانشراحه في تسليمه إليه .
- وجوه تأكيد هذا المعنى
1- تصدير الآية ( بلا ) النافية ، وليست زائدة كما يظنُّ من يَظُنُّ ذلك، وإنما دخولها لسرٍّ في القسم، وهو: الإيذانُ بتضمُّنِ المُقْسَمِ عليه للنَّفي، وهو قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ}.وهذا يقتضي تقويةَ المُقْسَمِ عليه وتأكيده وشدةَ انتفائه.
وهذا منهج معروف في كلام العرب، إذا أقسموا على نفي شيء صدروا جملة القسم بأداة "نفي، مثل هذه الآية، ومثل قول الصديق - رضي الله عنه -: "لاَهَا الله، لا يَعْمِد إلى أَسَد من أُسْدِ الله يقاتل عن الله ورسوله؛ فيعطيك سلبه"وقوله تعالى :( لا أقسم بيوم القيامة) وغيرها من الآيات
2: تأكيدهُ بنفس القسم.
3: تأكيدهُ بالمُقْسَم به، وهو إقْسامُه بنفسه لا بشيءٍ من مخلوقاتِه.
4: تأكيدهُ بانتفاء الحرج، ووجود التسليم.
5-: تأكيد الفعل بالمصدر.
وهذا التأكيد لشدة الحاجة إلى هذا الأمر العظيم، وأنه مما يُعتنَى به، ويُقَرَّر في نفوس العباد بما هو من أبلغ أنواع التقرير.

الآية الثانية :قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} .
-دلالة الآية
هذه الآية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين.
- ما تتضمنه الأولوية من أمور :
منها: إن الأولية أصل الحب ، فعليه أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ، أحب إليه من نفس ، مع أن العبد نفسه أحب إليه من غيره ، فعليه أن يكون الرسول أولى به منها ، وأحب إليه ، ويلزم من هذه الأولوية الانقياد والطاعة و الرضى بحكمه، والتسليم لأمره.
ومنها:"أن لا يكون للعبد حُكْمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكمُ على نفسه للرسول، فهو أولى به من نفسه.
والأوليه لا تحصل لمن رضي بحكم غيره، وضي به ، وحكّم عقله وقدمه على ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم .
-السبيل لثبوت هذه الأولية وثمرتها:
لا يكون ثبوت هذه الأولوية إلّا بترك كل ما سواه، وتوليتِه صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وعَرْضِ كل ما قيل له على ما جاء به؛ فإن وافق ما جاء به أخذ به ، وإن خالفه ردَّه، وإن لم تتبينْ له شيء وقف عنده حتى يتبين له الأولى .
فمن سلك هذا الطريق استقام له سفر هجرته ، واستقام له علمه وعمله.
أما من ادعى تلك الأولوية والمحبة وهو معرض عن أقوله ، مشتغلا بأقوال غيره، راضيا بها مدافعا عنها، يعرض ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم على تلك الأقوال ، فما وافقها أخذ به، وما خالفه ، اعرض عنه ، أو تأوله .فيا عجباً من حال ومآله.
الآية الثالثة :"قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
اشتملت هذه الآية على اسرار عظيمة.
-معنى القيام بالقسط : العدل
وهذا أمر من الله بالقيام بالعدل في حق كل أحد ، عدوا كان أو ولياً، قريبا كان أو بعيداً.
-احق ما قام به العبد بالقسط ، الأقوال ، والآراء والمذاهب، لأنها متعلقه بأمر الله وخبره، فمن قام فيه بالهوى فهو مخالف لأمر الله وخيره ، ومخالف لما بعث الله به الرسل وهو القيام بالقسط.
-القيام بالقسط وظيفة خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام وأمنائه بين اتابعه.
ولا يستحقُّ اسمَ الأمانةِ إلا من قام فيها بالعدل المحض، نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولعباده.لا من يجعل أصحابه ومذهبه ميزاناً للحق.
-قال تعالى: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ}
-معنى الشاهد
هو المُخْبر، فإن أخبر بحق فهو شاهد عدل مقبول، وإن أخبر بباطل فهو شاهد زور؛
-ما يتضمنه هذان الأمران ( القيام بالقسط والشهادة لله)
يتضمن أن تكون الشهادة بالقسط أيضًا ، وأن تكون لله لا لغيره.
- ما تضمنته هذه الآية مع الآية الأخرى قوله تعالى : {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}
تتضمن عدة أمور:
1- القيام بالقسط
2-أن يكون لله
3- الشهادة بالقسط
4- أن تكون لله
قال تعالى: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}
هذا أمر منه سبحانه بأن يقام بالقسط، ويشهد به على كل أحدِ، ولو كان أحبَّ الناس إليه وأقربهم ، فيقوم به على نفسِه، ووالديه والأقربين.
- سبب تخصيص ذكر حق النفس والوالدين والأقربين
خص ذكر النفس الوالدين والأقربين لأن النفس تميل لهم لمحبتها لهم ، خاصة إذا الخصم عدواً لهم ، فلن يعدل إلا من كان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من سواهما، وهذا باب إمتحان للعبد.
وكذلك عدله في حق من يبغضه أو يعاديه ، فلا يحمله بغضه أو عداوته على ترك العدل فيه ، كما يحمله حبه للأقربين على ترك القسط والعدل ،"قال بعض السلف "العادل هو الذي إذا غَضِبَ لم يُدخِلْه غضبُه في باطل، وإذا رضي لم يُخرِجْهُ رِضاه عن الحقِّ"."
فاشتملت الآيتان على هذين الحُكْمين وهما القيام بالقسط والشهادة به على الأولياء والأعداء.
ثم قال تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}؛"
-الحكمة من ذكر الغني والفقير عند القيام بالقسط
قيل فيها معنيان:
1-أن يكون المشهود عليه غنيًّا ، فيأملوا منفعة منه ، فلا يقيموا القسط
أو فقيرًا فلا يرجون منه منفعه ولا يخافونه.
2-أو أنهم ربما خافوا من القيام بالقسط وأداء الشهادة على الغني والفقير؛ أما الغنيُّ فخوفًا على ماله، وأما الفقيرُ فلإعْدَامِه، وأنه لا شيء له؛ فتتساهلُ النفوسُ في القيام عليه بالحق
-معنى (فاللهُ أولى بهما )
أولى منكم،بهما ، هو ربهما ومولاهما،
أعلمُ بهذا، وأرحمُ بهذا؛ فلا تتركوا أداءَ الحق والشهادة على غنيٍّ ولا فقير.

قال تعالى: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}
-اتباع الهوى المنهي عنه في الآية
هو الهوى الحامل على ترك العدل.
- معنى قوله: {أَنْ تَعْدِلُوا}
قيل : ( أن تعدلوا) منصوبُ الموضع على أنه مفعول لأجلِه. وتقديره عند البصريين: كراهيةَ أن تعدلوا، أو حِذارَ أن تعدلوا؛ فيكون اتِّباعُكم الهوى كراهيةَ العدل وفرارًا منه.
وعلى قول الكوفيين التقديرُ: أن لا تَعدِلُوا.
وقول البصريين أحسن وأظهر .

-ثم قال تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
السَّببان الموجبان لكتمان الحق
أحدهما: اللَّيُّ.
والآخر: الإعراض.
سبب التحذير من هذين السببين
حذر منهما، وتوعد عليهما، لأن الحق إذا كان جلياً ظاهرة حجته ، ولم يجد ما
طريقاً لدفعه أعرض عنه وأمسك ، فهو شيطان أخرص أو يلويه ويحرفه.
معنى(الي) وأنواعه:
اللَّيُّ مثل الفَتْل، وهو التحريف.
وهو نوعان:
النوع الأول : ليٌّ في اللفظ
وهو إما أن يلفظ بها على وجهٍ لا يستلزم الحقَّ؛ إما بزيادة لفظة، أو نقصانها، أو إبدالها بغيرها.
أو ليًّا في كيفية أدائها، فيوهم السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يَلْوُوْنَ ألسنتَهم بالسَّلامِ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
والنوع الثاني : ليُّ المعنى، وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به ، وتَحْمَالُه ما لم يُرِدْه، أو يُسقط منه بعض ما أراد به، ونحو هذا من ليّ المعاني.

-مناسبة ذكر اللي والإعراض في الآية
لأن الشاهد مُطالَبًا بأداء الشهادة على وجهها، فلا يكتمها ولا يُغيّرها، كان الإعراض نظير الكتمان، واللّيُّ نظير تغييرها وتبديلها.
حكم من استبانته له سنته صلى الله عليه وسلم
لا يتم مسمى الإيمان ولا يحصل إلا بمقابلة نصوص الوحي بالقبول والتسليم والدعوة إليه لا بالإعراض واللي."قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}؛ فكل مسألة يظهر فيها أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فليس للعبد الخيرة لنفسه وإنما الإنقياد والتسليم.
وقد حكى الشافعي - رضي الله عنه - إجماعَ الصحابةِ والتابعين ومَن بعدهم على أنّ من استبانت له سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يَدَعَها لقول أحد"
فالحجة الواجب اتباعها هو قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وأقوال غيره ، هي سائغة للإتباع لا واجبه ، فضلا أت تعارض بها النصوص .
الآية الرابعة :قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54"
-ما تكون به الهداية ،ودليل ذلك :
طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها تكون الهداية لا بغيرها.
بدلالة الشرط : فإنه معلق به ينتفي بانتفائه،وليس بدلالة المفهوم كما يظن البعض أنه يحتاج في تقرير الدلالة منه إلى تقرير كون المفهوم حجة
وإنما هذا من الأحكام المعلقه بالشرط ، فلا وجود لها إذا عدم الشرط ، فإذا عدم الشرط عدم، فإذا ثبت ذلك في الآية فالآية نصٌّ على انتفاء الهداية عند عدم طاعته.
وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ }"
المراد بما حملّ وحملتم
ما حُمِّلَ أداءَ الرسالة وتبليغَها.
وحُمّلتم طاعتَه والانقيادَ له والتسليمَ؛ كما ذكر البخاري في "صحيحه" عن الزهري قال: "من الله البيان، وعلى رسولِه البلاغ، وعلينا التسليم".
-معنى الآية
أي إن توليتم وأعرضتم عما حملتموه من الإيمان والطاعة والتسليم فعليكم الإثم لا على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عليه تبليغكم الرسالة وآدائها إليكم كما أمر ، فإن اطعتم واتبعتموه فهو خير لكم به تحضون بالسعادة والهداية وما عليه صلى الله عليه وسلم هدايتكم وإنما عليه البلاغ المبين .

-الآية الخامسة:قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
-مناسبة افتتاح الآية بندائهم باسم الإيمان
ليشعر أن المأمور به من موجبات الاسم الذي نودوا به وهو الإيمان، كما يقال للعالم : ياعالم علم الناس ما ينفعهم ،ويا حاكم أحكم بين الناس بالعدل.
يشير بذلك إلى أنكم إن كنتم مؤمنين؛ فالإيمان يقتضي منكم كذا وكذا، فإنّه من موجبات الإيمان وتمامه.
-موضع هذا النوع من الخطاب : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
يقع كثير في خطاب القرآن بالشرائع،مثل:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} .
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} .
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ} ، ونظائره
- "ثم قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }
- الحكمة من التفريق بين طاعة الله ورسوله في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }
ليدل على أم ما يأمر به صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه، وإن لم يكن مذكور في القرآن ، فتجب طاعته صلى الله عليه وسلم مفرده ومقرونه ، لئلا يتوهم متوهم ، أن ما يأمر به صلى الله عليه وسلم ، إذا لم يذكر في القرآن فلا يجب يطاع فيه، "كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ رجلٌ شَبعانُ متكئٌ على أريكتِه يأتيه الأمرُ من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتابُ الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أُوتِيتُ الكتابَ ومثلَه معه".
-الحكمة من اقتران طاعة أولي الأمر ،بطاعته صلى الله عليه وسلم في قوله:(وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )
للدلالة أن أولي الأمر لا تجب طاعتهم إلا تحت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لا مفرده مستقلة "كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرءِ السَّمعُ والطاعةُ [فيما أحبَّ وكرهَ] ما لم يُؤْمَرْ بمعصيةِ الله، فإنْ أُمِرَ بمعصيةِ الله، فلا سمع ولا طاعةَ"
-ما يقتضيه إعادة معنى قوله تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، ولم يقل: وإلى الرسول.
لأن الرد إلى القرآن ، هو رد إلى الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ، والرد للسنة رد إلى الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ،
فما يحكم به الله هو حكم رسوله ، وما يحكم به رسوله صلى الله عليه وسلم ، هو حكم الله ، فإذا ردوا تنازعهم إلى القرآن ، فقد ردوه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإذا ردوه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد ردوه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .وهذا من أسرار القرآن.
- المراد بأولى الأمر عند الإمام أحمد رحمه الله
فيه روايتان عنه
"إحداهما: أنهم العلماء.
والثانية: أنهم الأمراء.
والقولان وردا عن الصحابة رضي الله عنهم في تفسير الآية
والصحيح: الآية متناولة للصنفين جميعًا؛ فإن العلماء والأمراء هم ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم .
فالعلماء ولاته ، حفظاً ، وبياناً ، وبلاغاً، وذباً ودفاعاً عنه ، وردا على من ألحد فيه فهم وكلاء عليه كما قال تعالى : {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}
فهم وكلاء عليه ، فيالها من منقبة ، توجب طاعتهم ، واتباعهم ، والإنقياد لهم.
أما الإمراء فهم ولاته ، قياماً، ورعاية، وجهاداً، و إلزام الناس به ، ورد من انحرف عنه.
فهذان الصنفان هم الناس ، وسائر النوع الإنساني تبعاً لهم .
- دلالة قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
هذا دليل قاطعٌ على أنه يَجبُ رَدُّ موارد النّزاع في كل ما تنازع فيه الناس إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا لغيره .
- مناسبة قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
هذا شرط ينتفي المشروط بانتقائه، فمن أحال الرد على غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد ضاد الله ، ومن دعا عند التنازع إلى الاحتكام الى غيرهما فقد دعا بدعوى الجاهليه.إذاً كل من رد التنازع لغير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو يكون خارج مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر ،فلا يدخل العبد الإيمان حتى يرد كل ما تنازع فيه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فهذه الآية القاصمة العاصمة بيانًا وشفاءً، فإنها قاصمة لظهور المخالفين لها، عاصمةٌ للمتمسكين بها الممتثلين لما أمرت به؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ"
-المراد بالرد إلى الله والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم
الرد إلى كتابه هو الرد إلى الله
والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، بالرد إليه في حياته ولسنته بعد وفاته.
ثم قال تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
_المشار إليه في الآية
الذي أمر به من طاعة الله ورسوله
وأولي الأمر ، ورد التنازع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
- متعلق الخيرية
خير لهم في دنياهم ومعاشهم ومعادهم وهو سعادتهم ، في الدارين.
- معنى أحسن تأويلاً : أحسن عاقبة.
- دلالة الآية على أثر طاعة الله ورسوله وتحكيم أمرهم:
تدل الآية على أن طاعة الله ورسوله وتحكيم أمرهما هما سبب السعادة في الدنيا والآخرة، فكل خير في العالم ، فإنما هو بسبب طاعة الله ورسوله ، وكا شر في العالم سببه مخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الآخرة ، فشرورها وعذابها ، بسبب مخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فعادت الشرور في الدنيا والآخرة على مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم تحكيم شرعه.
وكذلك في الشرور التي تصيب العبد ، من الآلام والهموم ، في نفسه ،هي بسبب مخالفة العبد لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلا طاعته حصن حصين من دخله كان آمن.
ما يكون به كمال السعادة :
فعُلم أن الشرور في الدنيا والآخرة هي الجهل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والخروج عنه ، ولا سعادة إلا بمعرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم ، علماً ، والقيام به عملا ، ودعوة الخلق إليه ، والصبر والإجتهاد على تلك الدعوة.
- الهدى يحصل بالوحي
قال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}
فهذا نص صريح في أن هُدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما حصل بالوحي.
فكيف يدعون أنهم يحصل لهم الهدى من الآراء والعقول المختلفة والأقوال المضطربة؟ ولكن {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}

الآية السادسة:"وقال تعالى: {المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
- في هذه الآية أمر ونهي
أمر باتباع ما أنزل على رسوله ونهي عن اتباع غيره ، ليس بينهما وسط
فإن لم يتبع ما أنزل الله على رسوله وهو الحق فهو متبع لأولياء من دونه وهو باطل

-الآية السابعة : "وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}"
- مقصود الآية
أن كل من اتبع خليلاً ، غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، يأخد بأقواله وآرائه ، من دون أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو لا محالة قائل هذه المقوله.
- الحكمة من عدم تعيين الخليل، وكنى عنه بفلان
لأن لكل متبع من دون أولياء ، فلان وفلان .. و مآل هذه الخلة إلى العداوة واللعنة ، يوم القيامة "كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ{
- حكم الأتباع وحال من اتبعوهم
(أ) حكم الأتباع الأشقياء
الأول: "حكم الأتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالة:
1- قال "تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}"
- وصف حاله من اتبع أهل الباطل
تمنوا لو أنهم أطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم .
واعترفوا باتباعهم الؤساء والكبراء ، فلا عذر لهم.
وانتهى أمرهم بالدعاء عليهم "رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}"

2-"وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}"
-في قوله تعالى: {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} ذكر الصنفينِ المبطلَيْنِ:
الأول : مُنشِىُء الباطل والفرية، وواضعُها، وداعي الناسِ إليها، فكفره بالافتراءِ وإنشاءِ الباطل
والثاني: المكذِّب بالحق، وكفره بجحود الحق وتكذيبه به.
وهذان النوعان يعرضان لكل مُبْطِل؛ فإن انضاف إلى ذلك دعوته إلى باطله، وصدُّ الناس عن الحقّ، استحقَّ تضعيفَ العذاب؛ لتضاعُفِ كفره وشرِّه؛ ولهذا قال تعالى: {الَّذِينَ "كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}"
عذبهم عذاب فوق العذاب لأنهم جمعوا أمرين ، الكفر والصد عن سبيل الله ، فاستحقوا زيادة العذاب.
أما إذا ذكر الكفر منفردا فلا يعدد العذاب (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
-"وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ}
أي ينالون ما كتب لهم في الدنيا من رزق وحياة وغيره.
{حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
( تدعون من دون الله) أي الذين تولون فيه وتعادون فيه ، وترجونهم وتخافونهم من دون الله.
{قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا}.فارقون وزالوا ، وبطلت تلك الموالاة.
{وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ}، ادخلوا في جملة هذه الأمم التي دخلت النار .
{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ} كل أمة متأخرة ضلّت بأسلافها ومن سبقها .
{رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} ضَاعِفْ عليهم العذاب بسبب أنهم أضلونا وصدونا عن سبيلك.
"قَالَ} الله تعالى: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ}"
-المراد بالكل
الأتباع والمتبوعين ، حسب ضلاهم وكفرهم .
-"{وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}
متعلق الفعل
لا تعلم كل طائفة بما في اختها من العذاب المضاعف.
-"{وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ}.
-المقصود بنفي الفضل بينهما
أولاهم تخاصم أخراهم على ضلاهم ، وتبين أنه لا فرق بينهم ولا فضل لهم عليهم ، فحالهم نفس حالهم ، جائتهم الرسل وبينوا لهم الحق، وحذروهم من ضلال من قبلهم ، ونهوهم عن اتباعهم وتقليدهم ، فلم يسمعوا تحذيرهم ، فاتبعوا اسلافهم وقلدوهم في الضلال وتركوا الحق ، فأي فضل لأخراهم على أولاهم فكلهم ضلوا ، وتركوا الحق ، باتباع من سبقهم في الضلال.{فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ(39)}.
ثانياً: حكم "الأتباع المخالفون لمتبوعيهم، العادلون عن طريقتهم، الذين يزعمون أنهم تبع لهم ، وليسوا متَّبعين لطريقتهم:
-قال "تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}"
- وصفهم المتبعين وأتباعهم
•المتبوعون كانوا على الهدى
• وأتباعُهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم ، ويدعون محبتهم وأن محبتهم لهم ستنفعهم ، وهم مخالفون لطريقتهم وسبيلهم،
-حالهم يوم القيامة
يتبرءون منهم ، لأنهم اتخذوهم أولياء من دون الله ، يوالون لهم ويعادون لهم ، ويظنون أنهم ينفعهم يوم القيامة ، فأعمالهم كلها باطلة، تكون عليه حسرات يوم القيامة، لأنهم لم يجردوا موالاتهم ومحبتهم ومعاداتهم لله ، فتتقطع هذه الأسباب يوم القيامة
- المراد بالأسباب في قوله :{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}
هي كل وصلة وسبب ووسيلة ومولاة ومودة لغير الله .
ما يبقى من الأسباب
يبقى سبباً واحد وهو السبب الواصل بين العبد وبين ربه ، وهو نصيبه من الهجرة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتجريد التوحيد والعبادة له ، وما يلزمها من الحب والبغض ، والموالاة والمعادة ، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وترك كل ما خالف ما جاء به والاعراض عنه، فهذا السبب الذي لا ينقطع بصاحبه، وهو النسبة بينه وبين ربه ومعبوده ، وهو العبودية المحضة ، وهذه النسبة هي التي تنفعه في الدور الثلاث ، الدنيا والبرزخ والقيامة.
- المراد بهذا السبب الباقي
سبب العبودية المحضة
- تحقيق هذه العبودية
لا تحقق لها إلا باتباع الرسل صوات الله وسلامه عليهم، لأن العبودية جاءت على ألسنتهم ، ولا سبيل إليها بمتابعتهم.
-مآل الأعمال التي ليست على سنة
يجعله الله هباءا منثورا لا ينتفع منها صاحبها بشيء ،وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة .
(ب) حكم الأتباع السعداء
الأتباع السعداء نوعان
النوع الأول من الأتباع السعداء، الذين اتبعوا السابقين بإحسان وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}
- المراد بهؤلاء السابقين
هم الذين رضي الله عنهم ، وهم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكل من تبعهم بأحسان إلى يوم الدين .
- المراد بالذين اتبعوهم بإحسان
ليس هذا الوصف خاص بالقرن الذين رأوا الصحابة فقط ، ولكن خُصَّ التابعون بمن رأى الصحابة تخصيصًا عُرفيًا؛ ليتميزوا به عمن بعدهم فقيل: التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط، وإنما يشمل هذا الوصف كل من سلك سبيلهم واقتفى آثارهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه .
- تقييد المتابعة لهم بتبعية بإحسان
المتابعة ليست مطلقة ، فتكون بمجرد المتابعة ولكن قيد تلك المتابعة أن تكون متابعة لهم بإحسان فالباء للمصاحبة ، متابعة يصاحبها الإحسان، فشرط الإحسان واجب لحصول رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ودخول الجنة.
- الذين اتبعوا بإحسان أقل رتبة وفضل ممن السابقين .
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} .
المراد بالأولون والآخرين
الأولون هم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
والآخرون الذين لم يلحقوا بهم هم كل من جاء من بَعْدَهم وكان على منهاجهم إلى يوم القيامة.
- المقصود بعدم اللحاق بهم
فيه قولان
1- لم يلحقوا بهم في الزمان .
2- لم يلحقوا بهم في الفضل والرتبة.
وكلا المعنيين متلازمين ، فالآخرون لم يلحقوا الأولون في الزمان ولا في الفضل والرتبة ، و الصنفان هم السعداء
-الصنف الثالث : هم الأشقياء ، الذين لم يتبعوا الهدى ولم يرفعوا به رأساً ، وهم {الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا}"
- أقسام الناس بالنسبة لدعوته صلى الله عليه وسلم .
بين النبي صلى الله عليه وسلم أصناف الناس ، في استجابتهم لدعوته فقال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثلِ غيثٍ أصابَ أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طيَّبةٌ قَبِلَتِ الماءَ؛ فأنبتتِ الكَلأَ والعُشْبَ الكثير، وكانَ منها أَجادِبُ أَمسكَتِ الماءَ؛ فسَقَى الناسُ وزَرَعُوا، وأصابَ طائفة أخرى إنما هي قِيْعَانٌ لا تُمسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلأً، فذلك مَثَلُ من فَقُهَ في دين الله، "ونَفَعَه ما بعثني الله به، ومَثلُ من لم يَرْفَعْ بذلك رأسًا, ولم يَقبلْ هُدى الله الذي أُرسِلْتُ به"
توضيح هذا المثل
(أ)شبه العلم ، بالغيث
وجه الشبة
أن كلًّا منهما سببُ الحياة، فالغيث سببُ حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
(ب)شَبَّه القلوبَ القابلةَ للعلم بالأرض القابلة للغيث؛ كما شبّه سبحانه القلوب بالأودية في قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}
(ج) كما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث، فكذلك القلوب ثلاثة بالنسبة لقبول العلم والإنتفاع به ، وهي:
إحداها: أرضٌ طيبة قابلةٌ لشرب الماء وإنبات النبات؛ فإذا أصابها الغيثُ ارتَوَتْ منه، ثمّ أنبتتْ من كل زوج بهيج.
فهذا مثل القلب الزكيّ ، الذي يقبل العلم والهدى ، فيثمر فيه تفكرا واستباطاً وعملا
فهذا هو العالم المعلم ، الداعي إلى سبيل الله ، وهو من ورثة الأنبياء.
والثانية: أرضٌ صلبة جدباء تمسك الماء فهي قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بالسَّقْي منها والزرع.
وهذا مَثَلُ القلب ، الذي يحفظ العلم كما سمعه، ولكن لا تدبر له فيه ولا استنباط ، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وَرُبَّ حامل فقه غيرُ فقيه" .
فهذا هو الحافظ للعلم الذي يؤديه لغيره كما سمعه .
فالأول مثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات؛ فهو يكسب بماله ما شاء.
والثاني مثل الغني الذي لا خِبرةَ له بوجوه الربح والكسب ، ولكنه حافظٌ لمالِه، لا يعرف يتاجر فيه.
والأرض الثالثة أرض قاعٌ؛ لا تمسك ماءً، ولا تقبل النبات ، كثر عليها الغيث أو قلّ.
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الدراية فيه
، وهذا مثل الفقير الذي لا مال له، ولا يُحسِنُ يُمسِكُ مالًا.
فهذا لا هذا ولا هذا لم يقبل هدى ، واعرض عنه ،ولم يرفع به رأساً.
فالأولان من السعداء والثالث من الأشقياء.
النوع الثاني من السعداء: أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يبلغوا بعملهم منزلة آبائهم
قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} .
-مرجع الضمير في قوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}،
يرجع إلى الآباء المؤمنين ، أي لم ننقص من ثواب عملهم شيء
فالله أخبر أنه ألحق ذرية المؤمنين بآبائهم في درجتهم في الجنة ، كما أتبعهم في الإيمان ، وإن كانت الذرية ، لا يستحقون هذه الدرجة بعملهم ، فإنه سبحانه أكرم المؤمنين ورفع ذريتهم ، ولم ينقص الآباء من أجور أعمالهم شيئاً إنما هذا من الفضل والإحسان ، لا العدل و والعقاب.
بعد أن تبين حال الاتباع السعداء واتباعهم ، وحال الاتباع الاشقياء واتباعهم ، فعلى العقل ، أن ينظر من أي فريق هو ، ولا يخلد للعادة والراحة والبطالة.
فإن كان من السعداء فليشمر إلى ماهو فوقه ، وإن كان من الأشقياء ، اجتهد وجاهد ليكون من السعداء ، قبلَ أن يقول: {يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)}
المقصود مما سبق
إن أعظم ما يتعاون عليه على البر والتقوى هو سفر الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، باليد و القلب واللسان علماً وتعليماً، وإرشاداً، ونصيحة ...
-ثمرة ذلك
من كان كذلك يسر الله إليه الخير وأقبلت إليه قلوب العباد ويسر له أبواب العلم وفهم اسراره .
ومن كان ضد ذلك فله الضد "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)}"
- زاد هذا السفر الطويل
زاده العلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا زاد سواه.
فمن لم يكن له هذا الزاد فليقعد مع البطالين ، وليتأسى بحالهم ، ولن ينفعه هذا التأسي يوم الندامة شيئًا كما قال تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
فقطعَ اللهُ سبحانه انتفاعَهم بتأسِّي بعضهم بعضًا في العذاب.
فحال الآخرة ليست كحال الدنيا ،فإن مصائب في الدنيا إذا عمّت صارت مَسْلاةً، وتأسَّى بعضُ المُصَابِين ببعض؛ كما قالت الخنساء :
فلولا كثرةُ الباكينَ حَولي ... على إخوانِهم لقَتَلْتُ نَفسي
وما يَبكُون مثلَ أخي ولكن ... أُسَلِّي النَّفسَ عنهم بالتأسِّي
فهذا الروح الحاصل من التأسي معدومٌ بين المشتركين في العذاب يومَ القيامة."
- طريق هذا السفر الطويل
بذل الجهد واستفراغ الوسع ، فلا ينال بالتمني ، ويدرك بالهوينا ، وأنما كما قال الشاعر
"فَخُضْ غَمَراتِ الموتِ وَاسْمُ إلى العُلَا ... لكي تُدرِكَ العِزَّ الرفيعَ الدعائمِ
فلا خيرَ في نفسٍ تَخافُ من الرَّدَى ... ولا هِمَّةٍ تَصْبُو إلى لَومِ لائمِ"
السبيلَ إلى إلى ركوبه يكون بأمرين:
أحدهما: أن لا يخاف في الحق لَومةِ لائم؛ فإن اللوم يُدرِكُ الفارسَ؛ فيَصْرَعُه عن فرسِه, ويَجعلُه طَرِيْحًا في الأرض.
والثاني: أن تَهُونَ عليه نفسُه في الله؛ فيقدم ولا يخاف الأهوال, فمتى خافتِ النَّفسُ تأخرتْ وأحجمتْ, وأخلدتْ إلى الأرض.
-تمام هذان الأمران بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رَخَاءً في حقه تَحمِلُه بنفسها إلى مطلوبه,
- مركبه
ومَركبه صِدقُ الإفتقار إلى الله واللجأ إليه ،وتوجه القلب بالكلية إليه وقطع كل علائقه مع صدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه،بأن يهديه إلى سواء الطريق ويكشف له ما خفي عليه وأن يعينه .
-رأس مال الأمر وعموده في ذلك
إنما هو دوام التفكر والتدبّر في آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر ويشغل القلب، وتصير معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه. فإذا اصبحت معاني القرآن مكان خواطره ، وهي مفزعه عند ذلك يتمكن الإيمان من قلبه ، ويستولى على جوارحه، فصار هو الآمر المطاع ، وهنا يتبين له الطريق ، ويتضح له السبيل ، وتراه ساكنًا وهو يُبارِي الريحَ: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}"
- كيفية تدبر القرآن وتفهُّمه والإشراف على عجائبه وكنوزه.
هل هناك بيان للقرآن ، سوى التي في كتب التفسير التي بين أيدينا؟
- نموذج يحتذى في تدبر القرآن
"قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} إلى قوله: {الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}"
- المعنى المتبادر عند قراءة هذه الآيات:
أن الملائكة دخلوا على إبراهيم أضيافاً، وقدم لهم الطعام ، ثم بشروه بغلام عليم، فعجبت امرأته من ذلك فاخبرتها الملائكة أنه كذلك قال ربك إنه هو العليم الحكيم.
- تدبر مجمل لهذه الآيات
•كم فيها من اسرار
•كم تضمنتْ من أنواع الثناء على إبراهيم؟
•وكيف جمعتْ آدابَ الضيافة وحقوقَها؟
وكيف يُراعَى الضيفُ ؟
•ما تضمنتْ من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة.
•وكيف تضمنتْ عَلَمًا عظيمًا من أعلام النبوة ؟
•وكيف تضمنتْ جميعَ صفاتِ الكمال، التي مَرَدُّها إلى العلم والحكمة؟
•وكيف أشارتْ إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحتْ بوقوعه؟"
•وكيف تضمنت الإخبارَ عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذِّبة؟"
•وتضمنتْ ذكرَ الإسلامِ والإيمانِ والفرقَ بينهما.
•تضمنتْ بقاء آيات الرب الدالة على توحيدِه، وصِدْقِ رسله، وعلى اليوم الآخر.
•وتضمنتْ أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة، وهم المؤمنون بها، وأما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات.
- تفصيل مجمل بعض هذه الآيات
قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)}
- المراد بالإستفهام في افتتاح الآية ، والسر في ذلك:
افتتحَ الله سبحانَه قصة إبراهيم بصيغة الاستفهام، ولكن ليس المراد حقيقةً الاستفهام . ولهذا قال بعض الناس: إن "هل" في مثل هذا الموضع بمعنى "قد" التي تقتضي التحقيق.
السرّ في تصدر الآية ب(هل )
إن المتكلم إذا أراد أن يخبر المخاطَبَ بأمر مهم ، يحتاج فيه إلى جمع الذهن فيه ، وإمعان النظر ، فمن أجل أن يلفت انتباهه لهذا الأمر فإنه يقدم كلامَه بأداةٍ للتبيه لتنبه سمعَه وذهنَه للخبر، فأحياناً يقدمه بـ"ألا"، وتارةً بـ"هل"، [فيقولُ: هل علمتَ ما كان من كذا وكذا ؟ إما مُذكّرًا به، وإما واعظًا له وإما منبِّهًا على عظمةِ ما يُخْبَر به, وإما مقرِّرًا له.
•إذاً السر في ذلك أن تصدر أداة التنبيه متضمن لتعظيم هذه القصص، والتنبيه على تدبرها، ومعرفة ما تضمنته.
كما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)} (2) , و {هَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} (3) , و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} (4) , و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)}"
-المعنى اللطيف في تصدر أداة التنبيه ( هل)
هو التنبيهُ على أن وصول هذا إليك عَلَمٌ من أعلام النُّبوة؛ فإن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله فلا تعلمه أنت ولا قومك، فهل أتاك من غير إعلامنا وإرسالنا وتعريفنا أم لم يأتك إلا مِنْ قِبَلِنَا؟"
وبتأملنا بهذا الإسلوب واسرارة يتبين لنا عظمه القرآن وبلاغته وفصاحته.
-"وقوله: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)}"
- معنى المكرمين ورد فيه قولان:
أحدهما: إكرام إبراهيم لهم.
والثاني: أنهم مكرمون عند الله؛ كقوله: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)}"
-ما تضمنته الآيات من الثناء على إبراهيم ومدحه.
•في القول الأول لمعنى مكرمين ،فيه مدحٌ له بإكرام الضيف.
وفي الثاني مدح أيضا له وتعظيم ، بأن جعل ملائكته المكرمين أضيافه.
•في قوله تعالى: {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} متضمن لمدحٍ آخر ، حيث ودّ عليهم تحيتهم بأحسن منها ، فردهم كان بجمله فعليه منصوبة ،"تقديره: سلَّمنا عليك سلامًا". وهي تفيد التجدد ، وإبراهيم ردّ عليهم بجملة اسميه تفيد الثبوت الاستمرار ، تقديره سلام ثابت مستقر ، فتحية إبراهيم أحسن وأكمل.
• في قوله : {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)}،
وجهان من المدح
الأول : حذف المبتدأ والتقدير ( أنتم منكرون) تذمم منهم لم يواجههم بالخطاب ، لما فيه من بعض الاستيحاش
وهذا حسن فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُواجِهُ أحدًا بما يكرهُه، بل يقول: "ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا، ويفعلون كذا"
والثاني: قوله {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}؛ فحذف فاعل الإنكار، وهو عليه السلام الذي أنكرهم؛ كما قال تعالى في موضع آخر: {نَكِرَهُمْ} (3)، ولا شك أن هذه اللفظه ( منكرون) ألطف من قول أنكرتكم .
• وفي قوله: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ "(26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} وجوهاً من المدح .
منها : "قوله {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} , والروغانُ: الذهاب في سرعة واختفاءٍ، فالسرعة تعني المبادرة والسرعة إلى إكرام الضيف، والاختفاءُ لئلا يخجله ويعرضه للحياء ، بعكس من يتثاقل في ضيافة الضيف أو يسعى في تقديم الضيافة على مرأى منه، كمن يحلّ صرة النقود أمامه ويأمر الغلام بالذهاب للسوق لشراء قرى الضيف ، فلفظةُ "راغ" تنفي هذين الأمرين.
•وفي قوله: {إِلَى أَهْلِهِ} مدحٌ آخر.
فهذا يدل ويشعر على أن قرى الضيف معدّ ، عند الأهل ، لا يحتاج فيه إلى أن يذهب لأحد لاحضاره ، أو الاستقراض لشراءه، عند نزول ضيف .
وقوله: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)} يتضمن ثلاثة أنواع من المدح:
أحدها: قيامه بخدمة ضيفه بنفسه، فإنه لم يرسل به وإنما جاء به بنفسه .
الثاني: أنه جاءهم بحيوان تام لم يأتهم ببعضه؛ ليتخيّروا من أطايب لحمه ما شاءوا.
الثالث: أنه سمين ليس بمهزولٍ، وهذا يدل على أنه من نفائس الأموال، ولدُ البقرة السمين، فإنهم يُعْجَبون به، فمن كرمه هان عليه ذَبْحُه وإحضارهُ لاضيافه.
• وقوله: {إليهم} متضمنٌ لمدحٍ وأدبٍ آخر ، وهو إحضار الطعام إلى بين أيدي الضيف، ولم يعد الطعام ويهيئه في مكان ثم يقيم اضيافه فيوردهم عليه.
•وقوله: {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} فيه مدحٌ وأدب آخر ؛ فإنه عرض عليهم الأكل بعبارة تدل وتشعر بالتلطف، والأدب ،( ألا تأكلون )،بخلاف من يقول: ضعوا أيديكم في الطعام، كلوا، تقدموا، ونحو ذلك.
•وقوله: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}
سبب خوف إبراهيم من أضيافه
لأن الضيف إذا أكل من طعام رب المنزل اطمأن إليهم ، ولكن لما رأى إبراهيم أن اضيافه لا يأكلون طعامه ، خاف أن يكونوا أضمروا شراً .
• فلما علموا منه ذلك {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ{
-الغلام العليم هو إسحاق ، لا إسماعيل ، لأن امرأته صكت وجهها وقالت عجوز عقيم ، أما إسماعيل فإمه هاجر ، وهو بكره وقد بين الله هذه القصة في سورة هود.

-وقوله: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}
ما تضمنته هذه الآية
فيها بيان ضعف عقل المرأة وعدم ثباتها؛ إذ بادرتْ إلى النُّدبةِ وصَكِّ الوجهِ عند سماعها هذا الخبر .
-وقوله: {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)}
•فيه حسن أدب المرأة عند خطاب الرجال
فقد اقتصرت في كلامه على قدر الحاجة ، فإنها حذفت المبتدأ، فلم تقل: أنا عجوز عقيم، واقتصرت على ذكر السبب الدال على عدم الولادة، لم تذكر غيره، وأما في سورة هود فذكرتِ السببَ المانعَ منها ومن إبراهيم، وصرَّحتْ بالتعجب .
-وقوله: {قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ}
تتضمن الآية اثبات صفة القول لله تعالى .
-وقوله: {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)} متضمنٌ لإثبات صفة الحكمة والعلم فهما مصدرُ الخلق والأمر.
فخلق الله جميعه ، صادر عن علمه وحكمته ، وكذلك أمره وشرعه مصدرُه عن علمه وحكمته.
-اختصاص هذه القصة بذكر هذي الاسمين:
لأن هذه القصة مما يتعجب منه الناس ، لولادة مولود من أبوين لا يولد في العادة لمثلهما ، فالزوج شيخ كبير والمرأة عجوز عقيم ، ولخفاء العلم بسبب هذا الإيلاد والحكمة من وقوع ذلك ، ختمت الآية بذاك الإسمين .( الحكيم العليم)
المتضمن لعلمه سبحانه بسبب هذا الخلق وغايته، وحكمته في وضعه موضعه من غير إخلالٍ بموجب الحكمة.
ثم ذكر سبحانه قصةَ الملائكة في إرسالهم لإهلاك قوم لوط، وإرسال الحجارة المسَوَّمَة عليهم.
ما تضمنته هذه القصة
• فيها تصديقَ رسله وإهلاكَ المكذِّبين لهم،
•الدلالة على المعاد والثواب والعقاب، ووقوعه عياناً ، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على صدق رسله وصحةِ ما أخبروا به عن ربهم.


- قال: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3)،
• السر في التفريق في الآيتين بين الإِسلام والإيمان
المراد بالإخراج :النجاة،أي النجاة من العذاب وهذا مختص بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرًا وباطنًا.
وقوله: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)}
المقصود بهذا البيت بيت لوط ، ولأن أهله مؤمنين إلا امرأته فهي مسلمة في الظاهر، في البيت من الموجودين وليست من الناجين ، لذلك اطلق عليهم بيت من المسلمين ، لأنه ليس كل من فيه مؤمن يستحق النجاة .
وقد أخبر الله سبحانه عن خيانة امرأة لوط، وخيانتُها أنّها كانت تدلُّ قومَها على أضيافِه وقَلْبُها معهم، وليست خيانةَ فاحشةٍ، فكانت من أهل البيت المسلمين ظاهرًا، وليست من المؤمنين الناجين.
بيان استشكال في الآية
- الإسلام أعم من الإيمان فكيف استثنى الأعم من الأخص في الآية ،والقاعدة تقتضي العكس؟
الجواب: الإستثناء وقع على الوجود فالمسلمين مستثنون ، مما وقع عليه فعل الوجود، والمؤمنين غير مستثنين منهم بل هم من المخرجين الناجين .
-وقوله تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)}"
-الحكمة من بقاء آثار إهلاك الأمم السابقة
لتدلل على صدق ما جاءت به الرسل .
- الذين ينتفعون بتلك الآيات والمواعظ
ينتفع بها من يؤمن بالمعاد، ويخشى عذاب الله؛ كما قال تعالى في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} ،وقال تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)} .
أما من لا يؤمن بالآخرة غايتُه أن يقول: هؤلاء قومٌ أصابَهم الدهرُ كما أصابَ غيرَهم، ولا زال الدهرُ فيه الشقاءُ والسعادة، وأما من آمن بالآخرة وأشفقَ منها، فهو الذي ينتفع بالآيات والمواعظ.
- الرفقة في هذا السفر
أنواع الرفقة التي تعرض للمسافر بهذا الطريق
(1) معارضًا ومخالفاً ، أو لائمًا بالتأنيب.
(2) معرضاً بالكلية ،تاركا للملامة والتأنيب ، وهذا قد أحسن إليك بأن تركك في طريقك ، كافاً شره عنك
كما قال القائل:
إنَّا لفي زَمَنٍ تَرْكُ القبيحِ به ... من أكثر الناسِ إحسانٌ وإجمالُ
وإذا كان هذا المعروف من الناس، فالمطلوب في هذا الزمان المعاونةُ على هذا السفر بالإعراضِ، وتركِ اللائمةِ والاعتراضِ، إلا ما عسى أن يقع نادرًا فيكون غنيمةً باردةً لا قيمةَ لها.
- حال من لم يجد الرفيق على هذا السفر
من لم يجد الرفيق فعليه أن لا يتوقفَ عن السير ، بل يَسِيرُ ولو وحيدًا غريبًا، فانفرادُ العبدِ في طريق طلبِه دليلٌ على صدقِ محبته.
- مرافقة الأموات الذين هم في هذا العالم أحياء خير من رفقة الأحياء .
لأن الأموات الذين هم في هذا العالم أحياء، يبلغ العبد بمرافقتهم إلى مقصده ومأمله .
أما الأحياء الذين هم في الناس أموات، فإنهم يقطعون عليه طريقه، فليس أضر عليه منهم ، فهم يقصرون نظره ، و همته
على التشبه بسلوكهم ومجاراتهم ، ولو دخلوا جحر ضب لأحب أن يدخل معهم
، وما أن ترقى همته من صحبتهم ، إلى من أشباحهم مفقوده ، وآثارهم موجوده ، فتعلو همته ، وترقى رقي فوق رقي ، فيصبح بين الناس غريباً وأن كان مشهورا بينهم ، يرى ما الناس فيه ولا يرون ماهو فيه .
فليس لهذا السالكِ أنفعُ من تلك المرافقة، وأوفقُ له من هذه المفارقة، فقد قال بعضُ مَن سَلَفَ : "شتَّانَ بين أقوامٍ موتى تَحْيا القلوبُ بذكرِهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموتُ القلوب بمخالطتِهم"."
- معاشرة المهاجر للخلق
يجتهد في نصحهم قد طاقته ووسعه ، و يقيم لهم المعاذير ما استطاع
يسير فيهم بعينين:
•عين ناظرة إلى الأمر والنهي
فبها يأمرهم وينهاهم ، ويؤدي لهم حقوقهم التي عليه ، ويواليهم ويعاديهم
•وعين ناظرة إلى القضاء والقدر.
فبها يَرْحَمُهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمسُ لهم المعاذيرِ فيما لا يُخِلُّ بأمرٍ
ولا يخالف شرع، وسعهم خلقه وسماحته ولينه ورحمته .
-الطريق لسياسة الناس وحسن معاشرتهم
أ• الوقوف عند قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]، وتدبرها.
ففي الآية ثلاث أمور تعين على حسن معاشرتهم وسياستهم .
أولا : أخذ العفو منهم
وهو : ما عَفَا من أخلاقهم، وسَمَحَتْ به طبائعهم، ونفوسهم ووَسِعَهم بذلُه من أموالهم وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه.
ثانياً:أمرهم بالمعروف
وهو ما يكون منه إليهم؛ بالمعروف، هو
ما تعرف العقول حسنه وتشهد به ، وهو كل ما أمر الله به.
ثالثاً: الإعراض عن الجاهلين
يتقى أذى جاهلهم ، بالإعراض عنهم ، والابتعاد عن الإنتصار للنفس والإنتقام لها.
- ثمرة القيام بهذه الثلاث أمور
من قام بهذه الثلاث أمور ، فكل أمر يَحْصُلُ له من الناس فهو خيرٌ له وإن كان ظاهره شرا ، فإن هذا الشر حاصل بسبب القيام بالأمر المعروف ، و هذا الأمر لا يتولد منه إلا خيرا و إن أوذي فيه ،كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
والعكس فكل شر حقيقي يلحقه من الناس ، لا يوجب له رفعة ومنزلة ، فسببه الإخلال بهذه الثلاث أمور أو بعضها.
ب• قال تعالى لنبيه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}
تضمنتْ هذه الآية ،إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كيفية سياسة الناس، عند تعديهم على حقه أو حقِّ اللهِ
أ- فإن اساءوا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأرشده أن يقابل ذلك بالعفو عنهم
ب- وإن أساءوا في حق الله ، فليسأل الله ان يغفر لهم .
ج- مشاورتهم واستخراج ما عندهم من رأي، فبهذا يستجلب قلوبهم ، وانقيادهم، وطاعتهم ببذلهم النصيحة عند المشاورة.
د-فإذا عزم فلا استشارة بعد ذلك ،فليتوكل على الله ، ويمضي الأمر ،الذي عزم ، فإن الله يُحِبُّ المتوكلين."
هذه الآية من الآيات التي أدب الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} (2). قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كانَ خُلُقُه القرآنَ" . ولنا التأسي به صلى الله عليه وسلم
-الطريق لتحصيل الأخلاق الكريمة
لابد من ثلاثة أشياء يتصف بها العبد ليتم له التخلق بخلق القرآن وهي:
أحدها: أن تكون طبيعته سهلة سلسة منقادة ، فإنها تكون مستعدة .
أما إذا كانت الطبيعة جافة غليظة ، عسر عليها مزاولة ذلك علما وإرادة وعملا .
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدَوَاعِي الهوى،والبطالة والكسل والدعة ، فإن هذه أعداءُ الكمالِ، الأخلاقي والسمو الروحي
فإن لم تقوى على قهرها ظلت مغلوبة مقهورة.
الثالث: علمٌ بالأمور و بحقائق الأشياء، وتنزيلُها منازِلَها، يميزُ به بين الشَّحْمِ والوَرَمِ، والزجاجة والجوهرة.
- منزلة من حقق هذه الخصال الثلاثة
مع توفيق الرب سبحانه فهو من القسم الذين سَبقَتْ لهم من ربهم الحُسْنَى، وتَمَّتْ لهم العناية.
وهؤلاء هم القسم الأوّل المذكورون في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"مَثَلُ ما بعثني اللهُ به من الهدى والعلم" الحديث.

خاتمة الرسالة:
-وأول الأمر وآخره:
هو معاملة الله وحده ، والانقطاع القلب إليه ممن كل ما سواه ، ودوام الإفتقار إليه.
-ثمرة ذلك :
لو حقق العبد هذا الأمر ، لرأى من ربه عجباً ، من الفضل والبرّ واللطف ، ومحبة العباد له وإقبال قلوبهم إليه ، ومحبتهم له ورحمتهم به.
-سبب عدم تحقيق هذا الأمر عند أكثر الناس
السبب أنها غلب عليهم لؤمهم ، وجهلهم وظلمهم وإساءتهم ، وهذه حقيقة ، فالتفريط والتقصير غلب على الحال .
فلا يدعي أحد ، أن له عند الله وجاهه ، إلا ذليل حقير .
فمن وكله الله إلى نفسه ، وكله ضَيْعَةٍ وعجز وذنب وخطيئة.
فالسعاده ، بالفوز برضاه ولو غضب كل أحد وإيثار طاعته ومحبته على ما سواهما ، وصدق المعاملة معه
فليتَكَ تَحْلُو والحياةُ مَرِيرةٌ ... وليتَكَ تَرضَى والأَنامُ غِضَابُ"
"وليتَ الذي بيني وبينَك عامرٌ ... وبيني وبين العالمين خَرابُ
إذا صَحَّ منكَ الوُدُّ فالكلُّ هَيِّنٌ ... وكلُّ الذي فوقَ الترابِ ترابُ .
- ثلاث كلمات تغني عن هذه الرسالة بطولها
هي كلمات يكتب بها بعض السلف
إلى بعض ، تكتب بماء الذهب ، وتنقش في لوح القلب ، ليقرؤها على عدد الأنفاس ، وهذا بعض ما يستحقه
وهي: "مَن أصلحَ سَرِيرتَه أصلحَ أللهُ علانيتَه، ومَن أصلح ما بينه وبين الله أصلحَ اللهُ ما بينَه وبينَ الناس، ومَن عَمِلَ لآخرتِه كفاه الله مَؤُوْنةَ دنياه".
وهذه الكلمات برهانُها وجودُها، ولِمِّيَّتُها إنِّيَّتُها، والتوفيق بيد الله، ولا إلهَ غيرُه ولا ربَّ سواه.
اعتذار المؤلف
اعتذر لأصحابه فإنها كتبها وهو بعيد عن الأصحاب والخلان فلا يجد الصاحب و لا الأنيس ، مستوحشاً بغربته،
أُقلِّبُ طَرْفِيْ لا أرى مَنْ أُحِبُّه ... وفي الحَيِّ ممن لا أُحِبُّ كثيرُ
فأحب أن يطارح أصحابه على بعدهم ويستشهد لهم بآبيات على شجنه .
يا ثاويًا بين الجَوانحِ والحَشَا ... [مِنّي] وإنْ بَعُدَتْ عَلَيَّ دِيَارُه
عطْفًا على قلبٍ يُحِبُّكَ هَائمٍ ... إن لم تَصِلْه تَقَطَّعَتْ أَعْشَارُه
وارْحَمْ كَئيبًا فيكَ يَقْضِيْ نَحْبَهُ ... أَسَفًا عليكَ ومَا انْقَضَتْ أَوْطَارُه
لا يَستفِيْقُ من الغَرامِ وكلَّما ... نَحَّوْكَ عنهُ تَهتَّكَتْ أَسْتَارُه
ثم يخبر أن كل مشجون يصرف مثل هذا على شجواه وهمه ، ليستروح به ، لكن اخبر أن القلب لن يستريح إلا إذا وضع بموضعه وعاد لمكانه
كما قيل:
إذا ما وَضَعْتَ القلبَ في غيرِ موضعٍ ... بغير إناءٍ فهو قَلْبٌ مُضَيَّعُ
- ذكر أنه شرح هذا البيت في كراس مفرد
وتحت هذا البيتِ محنًى شريفٌ جدًّا؛ قد شرحتُه في كراسةٍ مفردةٍ ، والله أعلم.
استطرادات المؤلف:
- العلم بحدود ما أنزل الله هو العلم النافع
إن فهم ألفاظ القرآن ودلالتِه، ومعرفةِ حدودِ ما أنزل الله على رسوله؛ هو العلم النافع، وقد ذمَّ سبحانَه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم .
- مفاسد عدم العلم بحدود ما أنزل الله
عدمَ العلمِ بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما : أن يدخل في مسمَّى اللفظ ما ليس منه؛ فيُحكَم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيُسَوَّى بين ما فرقَ الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مُسَمَّاه بعضُ
أفرادِه الداخلةِ تحتَه؛ فيُسْلَب عنه حكمُه؛ فيفرَّق بين ما جمعَ الله بينهما.
والذّكيُّ الفَطِنُ يَتَفَطَّن لأفراد هذه القاعدةِ وأمثلتِها ، فيَرى أن"
كثيرا من الاختلاف أو أكثرهُ إنما نَشَأَ عن هذا الموضع
أمثلة:
• لفظُ "الخمر"؛ فإنه اسم شامل لكل مُسكِر، فلا يجوز إخراجُ بعض المسكراتِ منه، ويُنفَى عنها حكمه.
•وكذلك لفظُ "الميسر"، وإخراج بعض أنواع القِمارِ منه.
•وكذلك لفظُ "النكاح"، وإدخال ما ليس بنكاح في مسمَّاه.
•وكذلك لفظ "الربا"، وإخراج بعض أنواعه منه، وإدخال ما ليس برِبًا فيه.
•وكذلك لفظُ "الظلم والعدل"، و"المعروف والمنكر"، ونظائره أكثر من أن تُحصى .
استطراد
ذكر أمثلة على جمل من القرآن مصدره بحرف النفي
نجد أن جُمَلَ القسم التي في القرآن المصدَّرة بحرف النفي، نجد المُقْسمَ عليه منفيا ومُتضمنا لنفي، ولا يَخْرُم هذا قوله : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)} (4). فإنه لما كان المقصود بهذا القسم نفي ما قاله الكفار في القرآن: من أنه"شعر، أو كهانة، أو أساطير الأولين،كيف صدّر القسم بأداة النفي، ثم أثبتَ له خلافَ ما قالوه، فتضمنت الآية معنى ليس الأمر كما يزعمون، ولكنه قرآن كريم.
ولهذا صرّح بالأمرين النفي والإثبات في مثل قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)} .
وكذلك قوله: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)} .
استطراد
- اثبات العلم والحكمة متضمن لجميع الكمال
فالعلم يتضمن: الحياة ولوازم كمالها من القومية،والقدرة، والبقاء، والسمع، والبصر، وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التَّام.
والحكمة تتضمنُ كمالَ الإرادة، من العدل، والرحمة، والإحسان، والجود، والبر، ووَضْع الأشياء مواضعَها على أحسن وجوهها، ويتضمن إرسال الرسل، وإثبات الثواب والعقاب.
كلُّ هذا يُعلَم من اسمه "الحكيم"،
- طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحكمة.
من تأمل طريقة القرآن يجدها ، يستدل على المطالب العظيمة بصفة الحكمة، فما أوجده الله ، وخلقه ، أو أمر به أو شرعه (فله الخلق والأمر )فهو عن علم و حكمة.
فينكر على من أدعى أنه خلق شيئاً عبثا أو سدى أو باطلا ، فإن حكمته تتضمن، الشرعِ والقَدَر، والثواب والعقاب.
فالله سبحانه في كتابه يضرب الأمثال المعقولة التي تَدلُّ على إمكان المعاد تارةً ووقوعه أخرى، فيذكر أدلة القدرة الدالة على إمكان المقدور ، وأدلة الحكمة المستلزمة لوقوعه.
ولهذا كان أصح القولين أن المعاد يُعلم بالعقل، وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته.
ومن تأمل أدلّة المعاد في القرآن وجدها كذلك مُغنِيةً -بحمد الله ومِنَّتِه على عبادِه- عن غيرها، كافية شافية مُوصِلةً إلى المطلوب بسرعة، متضمّنة للجواب عن الشُّبَه العارضة لكثير من الناس.
والمقصود أن مصدر الأشياء خلقًا وأمرًا على علم الرب وحكمته.


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك



رد مع اقتباس
  #20  
قديم 25 جمادى الأولى 1440هـ/31-01-2019م, 04:11 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم

هيا أبو داهوم ب+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- قدّم ابن القيّم لرسالته بمقدّمة كبيرة وجليلة في تفسير قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتقوى} فيحسن التنبيه إلى ذلك ضمن مقاصد الرسالة وعدم اختصار ذلك بعبارة عامّة لا تنبيء عن هذا المحتوى الجليل من الرسالة وهي قولك "بيان أنواع واجبات العباد التي فيها جميع ممصالحهم".
- لم تذكري المسائل تحت المقاصد الفرعية وقد اتفقنا على أنه شرط مهمّ لتكتمل صورة الرسالة وتتّضح الخريطة التي ننطلق منها للتلخيص، لأن المسائل كما تعلمنا عماد وسناد واستطراد، فلو لم تكن هذه المسائل مميّزة بالنسبة لنا ابتداء فإن ذلك سيحدث مشكلة كبيرة في التلخيص وهي تقدير أهمية كل مسألة والحيز الذي يجب أن تشغله في التلخيص.
- الكلام تحت الهجرة القلبية وأنواع الفرار هو في الهجرة إلى الله، وما بعده في الهجرة إلى رسوله، فينتبه إلى الفرق بين الهجرتين.
وقد بذلتِ جهدا مشكورا في إعادة التلخيص وقد أحسنت فيه بنسبة كبيرة، مع وجود اختصار في بعض المسائل، وأوصيك بالنظر في هذه التطبيقات المرة بعد المرة، فإن ذلك يعين على التجويد المستمر للأداء، وفقك الله.


منيرة محمد
بارك الله فيك ونفع بك.
- خالفتِ بين ترتيب المقاصد، فجعلت الأول ثانيا والثاني أولا، وابن القيّم إنما قدّم معنى التعاون على البرّ والتقوى على بيان الهجرة إلى الله ورسوله، ولم أفهم سبب هذا العكس، وهذه ملحوظة فاصلة في صحة التطبيق.
كما أنك اقتصرتِ على استخلاص بعض المسائل فقط ولم تلخّصيها أيضا، فأرجو مراجعة تقويمات الزملاء واستكمال التطبيق، وفقك الله.


مضاوي الهطلاني
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
ولكن هذا التلخيص ليس على طريقة تلخيص المقاصد، إنما هو إبراز للأفكار والمسائل التي اشتملت عليها الرسالة دون بيان الأطر التي تجمعها، وهذا ليس مقصد هذه الدورة، بل هدف هذه التطبيقات الوقوف على الفكرة الكلية للرسالة وما تحتها من أفكار فرعية استعان بها الكاتب على الوصول لهذه الفكرة أو هذا الهدف الرئيس.
فأوصيك بمراجعة الدرس الخاصّ بتلخيص المقاصد، ومراجعة تقويمات تطبيقات الزملاء.
والخطوة الأولى في الرسالة يجب أن تكون وضع قائمة بالمقاصد الفرعية وما تشمل من مسائل، لأن هذه القائمة ستكون هي الأساس للتلخيص بعد ذلك.
وأسأل الله أن ينفعك بهذا التلخيص، وأنتظر منك إفادة جديدة بصورة أخرى هي صورة تلخيص المقاصد، نفع الله بك وكتب أجرك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, التطبيق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir