تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)}
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: - {ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدا} يعنى به: المنافقون.
{أنّهم} تنوب عن اسم الزعم وخبره.
وقوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت} إلى الكاهن والشيطان.
ويروى أن رجلا من المنافقين نازعه رجل من اليهود، فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم، وقال المنافق: بيني وبينك الكاهن، فلم يرض اليهودي بالكاهن وصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكم لليهودي على المنافق، فقال المنافق: لا أرضى، بيني وبينك أبو بكر، فحكم أبو بكر أيضا لليهودي، فلم يرض المنافق وقال: بيني وبينك عمر فصارا إلى عمر فأخبره اليهودي بأن المنافق قد حكم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فلم يرض بحكمهما، فقال عمر للمنافق: أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر: اصبروا فإن لي حاجة أدخل فأقضيها وأخرج إليكما، فدخل وأخذ سيفه وخرج إلى المنافق فضربه بالسيف حتى قتله، فجاء أهله فشكوا عمر إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن قصته فقال عمر: إنه ردّ حكمك يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه: ((أنت الفاروق)) ). [معاني القرآن: 2/68-69]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً (61)
تقول العرب: زعم فلان كذا، في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق وتتقوى فيه شبه الإبطال، فغاية درجة الزعم إذا قوي أن يكون مظنونا، يقال: «زعم» بفتح الزاي وهو المصدر، «وزعم» بضمها وهو الاسم وكذلك زعم المنافقين أنهم مؤمنون، هو مما قويت فيه شبهة الإبطال لسوء أفعالهم، حتى صححها الخبر من الله تعالى عنهم، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعموا» وقد قال الأعشى: [المتقارب]
ونبّئت قيسا ولم أبله = كما زعموا خير أهل اليمن
فقال الممدوح: وما هو إلا الزعم وحرمه، وإذا قال سيبويه: زعم الخليل، فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به، وكان أقوى رتب «زعم» أن تبقى معها عهدة الخبر على المخبر، و «أن» معمولة ل يزعمون.
وقال عامر الشعبي وغيره: نزلت الآية في منافق اسمه بشر، خاصم رجلا من اليهود، فدعاه اليهودي إلى المسلمين لعلمه أنهم لا يرتشون، وكان هو يدعو اليهودي إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون، فاتفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة فرضياه، فنزلت هذه الآية فيهما وفي صنفيهما، «فالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل» على محمد هم المنافقون، «والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل» من قبله هم اليهود، وكل قد أمر في كتابه بالكفر بالطاغوت، والطّاغوت هنا الكاهن المذكور، فهذا تأنيب للصنفين، وقال ابن عباس: الطّاغوت هنا هو كعب بن الأشرف، وهو الذي تراضيا به، فعلى هذا إنما يؤنب صنف المنافقين وحده، وهم الذين آمنوا بما أنزل على محمد وبما أنزل من قبله بزعمهم، لأن اليهود لم يؤمروا في شرعهم بالكفر بالأحبار، وكعب منهم، وذكر النقاش: أن كعبا هذا أصله من طيئ وتهود، وقال مجاهد: نزلت في مؤمن ويهودي، وقالت فرقة: نزلت في يهوديين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان القولان بعيدان من الاستقامة على ألفاظ الآية، وقال السدي: نزلت في المنافقين من قريظة والنضير، وذلك أنهم تفاخروا بسبب تكافؤ دمائهم، إذ كانت النضير في الجاهلية تدي من قتلت، وتستقيد إذا قتلت قريظة منهم، فأبت قريظة لما جاء الإسلام، وطلبوا المنافرة، فدعا المؤمنون منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا المنافقون إلى أبي بردة الكاهن، فنزلت الآية فيهم، وحكى الزجّاج: أن المنافق المتقدم الذكر أو غيره اختصم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقضى في أمره، فخرج وقال لخصمه: لا أرضى بحكمه، فذهبا إلى أبي بكر فقضى بينهما، فقال المنافق: لا أرضى، فذهبا إلى عمر فوصفا له جميع ما فعلا، فقال لهما: اصبرا حتى أقضي حاجة في منزلي ثم أخرج فأحكم بينكما، فدخل وأخذ سيفه وخرج، فضرب المنافق حتى برد، وقال: هذا حكمي فيمن لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية، وقال الحسن: احتكم المنافقون بالقداح التي يضرب بها عند الأوثان فنزلت الآية.
ويضلّهم معناه: يتلفهم، وجاء ضلالًا على غير المصدر، تقديره: «فيضلون ضلالا»، وبعيداً عبارة عن عظم الضلال وتمكنه حتى يبعد الرجوع عنه والاهتداء معه). [المحرر الوجيز: 2/589-591]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدًا (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودًا (61) فكيف إذا أصابتهم مصيبةٌ بما قدّمت أيديهم ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا (62) أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغًا (63)}.
هذا إنكارٌ من اللّه، عزّ وجلّ، على من يدّعي الإيمان بما أنزل اللّه على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التّحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب اللّه وسنّة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنّها في رجلٍ من الأنصار ورجلٍ من اليهود تخاصما، فجعل اليهوديّ يقول: بيني وبينك محمّدٌ. وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل: في جماعةٍ من المنافقين، ممّن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكّام الجاهليّة. وقيل غير ذلك، والآية أعمّ من ذلك كلّه، فإنّها ذامّةٌ لمن عدل عن الكتاب والسّنّة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطّاغوت هاهنا؛ ولهذا قال: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت [وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/346]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا} أي: يصدّون عن، حكمك). [معاني القرآن: 2/69]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور «تعالوا» بفتح اللام، وقرأ الحسن فيما روى عنه قتادة «تعالوا» بضمة، قال أبو الفتح:
وجهها أن لام الفعل من «تعاليت» حذفت تخفيفا، وضمت اللام التي هي عين الفعل، وذلك لوقوع واو الجمع بعدها، كقولك: تقدموا وتأخروا، وهي لفظة مأخوذة من العلو، لما استعملت في دعاء الإنسان وجلبه وأشخاصه، سيقت من العلو تحسينا للأدب، كما تقول: ارتفع إلى الحق، ونحوه، ورأيت هي رؤية عين لمن صد من المنافقين مجاهرة وتصريحا، وهي رؤية قلب لمن صد منهم مكرا وتخابثا ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالتأويل عليه والقرائن الصادرة عنه، فإذا كانت رؤية عين ف يصدّون في موضع نصب على الحال، وإذا كانت رؤية قلب ف يصدّون نصب على المفعول الثاني، وصدوداً مصدر عند بعض النحاة من صد، وليس عند الخليل بمصدر منه، والمصدر عنده «صدا» وإنما ذلك لأن فعولا إنما هو مصدر للأفعال غير المتعدية. كجلس جلوسا، وقعد قعودا و «صد» فعل متعد بنفسه مرة كما قال: فصدّهم عن السّبيل [النمل: 24- العنكبوت: 38]، ومرة بحرف الجر كقوله تعالى: يصدّون عنك صدوداً وغيره، فمصدره: صد، وصدوداً اسم). [المحرر الوجيز: 2/591-592]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودًا]}.
وقوله: {يصدّون عنك صدودًا} أي: يعرضون عنك إعراضًا كالمستكبرين عن ذلك، كما قال تعالى عن المشركين: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا} [لقمان:21] هؤلاء وهؤلاء بخلاف المؤمنين، الّذين قال اللّه فيهم: {إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا [وأطعنا وأولئك هم المفلحون]} [النّور: 51] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/346]
تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدّمت أيديهم ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا} أي: فكيف تكون حالهم إذا قتل صاحبهم بما أظهر من الخيانة وردّ حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا} أي: ما أردنا بمطالبتنا بدم صاحبنا إلا إحسانا وطلبا لما يوافق الحق). [معاني القرآن: 2/69]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فكيف إذا أصابتهم مصيبةٌ بما قدّمت أيديهم ثمّ جاؤك يحلفون باللّه إن أردنا إلاّ إحساناً وتوفيقاً (62) أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً (63) وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّاباً رحيماً (64)
قالت فرقة: هي في المنافقين الذين احتكموا حسب ما تقدم، فالمعنى: فكيف بهم إذا عاقبهم الله بهذه الذنوب بنقمة منه؟ ثم حلفوا إن أردنا بالاحتكام إلى الطاغوت إلا توفيق الحكم وتقريبه، دون مر الحكم وتقصي الحق، وقالت فرقة: هي في المنافقين الذين طلبوا دم الذي قتله عمر، فالمعنى: فكيف بهم إذا أصابتهم مصيبةٌ في قتل قريبهم ومثله من نقم الله تعالى، ثم إنهم حلفوا ما أرادوا بطلب دمه إلّا إحساناً وحقا، نحا إليه الزجّاج، وموضع «كيف» نصب بفعل تقديره: فكيف تراهم ونحوه، ويصح أن يكون موضعها رفعا، تقديره: فكيف صنيعهم). [المحرر الوجيز: 2/592-593]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فكيف إذا أصابتهم مصيبةٌ بما قدّمت أيديهم ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا (62)}
ثمّ قال تعالى في ذمّ المنافقين: {فكيف إذا أصابتهم مصيبةٌ بما قدّمت أيديهم} أي: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك، {ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا} أي: يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى عداك إلّا الإحسان والتّوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقادًا منّا صحّة تلك الحكومة، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله: {فترى الّذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى [أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده] فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} [المائدة:52].
وقد قال الطّبرانيّ: حدّثنا أبو زيدٍ أحمد بن يزيد الحوطيّ، حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا صفوان بن عمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ. قال: كان أبو برزة الأسلميّ كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناسٌ من المسلمين فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك [يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت]} إلى قوله: {إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/346-347]
تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}
اللّه يعلم ما في قلوب أولئك وقلوب غيرهم، إلا أن الفائدة في ذكره ههنا الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي أولئك الذين قد علم اللّه أنهم منافقون.
والفائدة لنا هي: اعلموا أنهم منافقون.
وقوله جلّ وعزّ: {فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي: أعلمهم أنهم إن ظهر منهم ردّ لحكمك وكفر، فالقتل حقهم.
يقال قول بليغ إذا كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، ويقال أحمق بلغ وبلغ.
وفيه قولان:
1- إنّه أحمق يبلغ حيث يريد.
2- ويكون " أحمق بلغ وبلغ " قد بلغ في الحماقة.
والقول الأول: قول من يوثق بعلمه، والثاني: وجه جيد). [معاني القرآن: 2/69-70]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم تكذيب المنافقين المتقدم ذكرهم وتوعدهم، أي فهو مجازيهم بما يعلم، و «أعرض عنهم» يعني عن معاقبتهم، وعن شغل البال بهم، وعن قبول أيمانهم الكاذبة في قوله يحلفون وليس بالإعراض الذي هو القطيعة والهجر، فإن قوله: وعظهم يمنع من ذلك، وعظهم معناه بالتخويف من عذاب الله، وغيره من المواعظ، والقول البليغ اختلف فيه، فقيل: هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول، وقيل: هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق، قاله الحسن، وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم، والبلاغة: مأخوذة من بلوغ المراد بالقول، وحكي عن مجاهد أن قوله: في أنفسهم، متعلق بقوله: مصيبةٌ وهو مؤخر بمعنى التقديم، وهذا ضعيف). [المحرر الوجيز: 2/593]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم} [أي] هذا الضّرب من النّاس هم المنافقون، واللّه يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك، فإنّه لا تخفى عليه خافيةٌ، فاكتف به يا محمّد فيهم، فإنّ اللّه عالمٌ بظواهرهم وبواطنهم؛ ولهذا قال له: {فأعرض عنهم} أي: لا تعنّفهم على ما في قلوبهم {وعظهم} أي: وانههم على ما في قلوبهم من النّفاق وسرائر الشّرّ {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغًا} أي: وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلامٍ بليغٍ رادعٍ لهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/347]
* للاستزادة ينظر: هنا