استخرج خمس فوائد سلوكية وبين وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)} التغابن.
- أن نسلم مخلصين لله وحده , بأن ما بصيب العباد فهو بتقدير الله وقضائه , وإن من دواعي هذا التسليم هدايته تعالى لقلوبنا .
وجه الدلالة قوله تعالى : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
- أن نثبت لله اسم العليم من الأسماء الحسنى , ونثبت له تعالى صفة العلم من صفاته العليا , فنتعبد لله بأسمائه وصفاته , وهذا كان منهج السلف الصالح أهل الستة والجماعة.
وجه الدلالة قوله تعالى : { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
- يجب علينا طاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام , بامتثال الأوامر واجتناب النواهي .
وجه الدلالة قوله تعالى : {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }.
- أن نؤمن حق الإيمان بأن لا معبود بحق إلا الله وحده , فنوحده لا شريك له , فهي كلمة الإخلاص , وعلينا غرسها في قلوب أبنائنا للنجاة في الدارين , فهذا هو توحيد العبادة.
وجه الدلالة قول تعالى : {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
- أن توقن قلوبنا أن التوكل عبادة محضة لا نصرفها إلا لله تعالى , فهو نعم الوكيل .
وجه الدلالة قول تعالى : {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
المجموعة الثانية:
1. بيّن ما يلي:
أ: الحكمة من النهي عن البيع والشراء بعد أذان الجمعة.
نهى الله تعالى عن البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ،فقال :{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.
فإن صلاة الجمعة أمرها عظيم ويجب حضورها على من تلزمه ، وتفوت بفواته , فهذه الفريضة العظيمة من آكد الفروض , لذا فإن البيع والشراء يشغل ممن تلزمه الجمعة عن تلبية النداء , و أداء الصلاة جماعة , فمن امتثل لهذا الأمر الرباني نال من خيري الدنيا والآخرة , كما قال تعالى : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}, وقد خاب وخسر الخسران الحقيقي من آثر الدنيا على الدين , و ظن أن الربح هو المكسب من البيع والشراء وقت النداء .
ب: معنى السعي لصلاة الجمعة.
قال تعالى : {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه}
يخاطب تعالى بهذه الآية عباده المؤمنين , حين النداء الثاني إذا خرج الإمام وجلس على المنبر ليوم الجمعة , أن يسعوا سعي الآخرة لا سعي الدنيا , ويهمّوا ويبادروا إلى ذكر الله تعالى وما يتضمن ذلك من خطبة وصلاة , و الانشغال بأسبابها كالاغتسال والوضوء ونحوها , فيكون جلّ اهتمامهم التهيؤ لأجلها , فالسعي إنما أُريد به القصد والعمل وشدة الاهتمام , والمضي إليها بجد، وإخلاص النية, فهو سعي القلوب الخاشعة باستحضارها مع سكينة ووقار , لا سعي الأبدان والأقدام بالإسراع في عدْوها , فهو منهي عنه , فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
-وأهمّ الآداب المستحبة وقتها..
- الاغتسال قبل الذهاب للجمعة : فقد قال عليه الصلاة والسلام : "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" , "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".
- التجمل بأحسن الثياب , والتطيب , والتسوك , فقد قال عليه الصلاة والسلام : "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله -إن كان عنده-ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع -إن بدا له-ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلّي، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى".
- التبكير لها: قال عليه الصلاة والسلام : "من غسّل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكلّ خطوة أجر سنة، صيامها وقيامها".
2. حرّر القول في:
المراد بالكتاب والحكمة في قوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة}.
القول الأول : الكتاب هو القرآن , والحكمة هي السنة , وما اشتملا عليه من علوم الأوليين والآخرين , ذكره ابن كثير , والسعدي , والأشقر.
القول الثاني : الكتاب هو الخط بالقلم , والحكمة هي الفقه في الدين, قاله مالك بن أنس كما ذكره الأشقر.
3. فسّر تفسيرا وافيا قوله تعالى:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} التغابن.
لقد جاء في الآيات السابقة نداء من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يتنبهوا , فإن من بعض الأزواج والأولاد عدوا لهم , يصدونهم عن سبيل الله، ويثبطونهم عن طاعة الله ,فليحذروا من ذلك , وذُكر أن هذه الآية نـزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة، فثبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم. ولما رأوا ما فقه الذين سبقوهم للهجرة من الدين , أمرهم تعالى أن يعفوا عما سلف من أزواجهم وأولادهم , فإنهم اختبار وابتلاء ليميز الله من يمتثل أوامره , ممن يعصيه .
وسبحانه الخبير بعباده , العليم بقدراتهم وطاقاتهم , حيث يُظهر تعالى بالآية التالية مدى لطفه بهم , وسعة رحمته بحالهم وعجزهم , فقال : { {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }, فقد أمر تعالى عباده أن يتقوه , ويتحقق ذلك ببذل جهدهم ووسعهم , و لكن تقواهم هذه تتفاوت من عبد لآخر , كُلّ حسب ما آتاه الله من الاستطاعة والقدرة , فالله لا يكلفهم ما يشق عليهم فهو الرحيم بعباده, فكل واجب عجز عنه العبد يسقطُ عنه، وأنه إذا قدر على بعضِ المأمور وعجز عن بعضِه، فإِنه يأتي بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه.
وكان من أجل ما أمرهم به السمع والطاعة فقال تعالى :
{وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}: وذلك بالانقياد والإذعان لأوامره تعالى وأوامر نبيه عليه الصلاة والسلام في جميع أمورهم , والامتثال لأحكامه الشرعية , واجتناب عما نهوا وزجروا عنه.
وقد أرشدهم تعالى إلى العمل الذي يكسبهم خيري الدنيا والآخرة , فقال تعالى :
{وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} : فإن جميع أموالهم التي لاحول لهم فيها ولا قوة , إنما هي رزق من الله وحده { وهو الرزاق ذو القوة المتبن } , فأمرهم أن ينفقوا النفقات الشرعية الواجبة والمستحبة ابتغاء وجهه تعالى , وخضوعا لأمره بإحسانهم إلى الناس مما أحسن الله إليهم , وعليهم أن يجاهدوا أنفسهم بنبذ البخل من قلوبهم , حيث جبلت قلوب الناس على حب الأموال واقتنائها , ومن وفّقه الله باتقاء داء الشح , وبذل ماله في أبواب الخير الكثيرة والمتنوعة , فهو من المفلحين الذين ظفروا بخيري الدنيا والآخرة , وهذا هو الفوز الكبير , ومن كانت نفسه ضعيفة أمام الأموال شحيحة قد خسر صاحبها الدنيا والآخرة.
*وقد قال بعض المفسرين كما رواه مالك، عن زيد بن أسلم: إن هذه الآية العظيمة ناسخة للتي في (آل عمران)وهي قوله:{يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} .كما ذكره ابن كثير.
فعن سعيد بن جبير في قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} قال: لما نزلت الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل اللّه تخفيفا .على المسلمين: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} فنسخت الآية الأولى.
,.
ٍ