المجموعة الأولى:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (
قيل في سبب النزول فيما روى البخاري عن ابنعباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذز المجاز أسواق الجاهلية ، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت: ليس عليكم جناح لأن تبتغوا فضلا من ربكم) في مواسم الحج
والمعنى : لا إثم عليكم أن تبتغوا من رزق الله في مواسم الحج
وعرفة موضع الموقف في الحج ، وهو العمدة في لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة.."والوقوف به واجب ، والافاضة لا تكون إلا بعد وقوف،و( أفضتم) أي : دفعتم بكثرة، وكل ما في الغة من باب الافاضة فليس يكون إلا من تفرقة لأو كثرة.
ووقت الوقوف أجمع أهل العلم على تمام حج من وقف بعرفة بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل إلا مالك، فإنه قال: لا بد أن يأخذ من الليل شيئا، وأما من ووقف بعرفة بالليل فلا خلاف بين الأمة في تمام حجه
وسميت عرفة بذا الاسم :
-لأن ابراهيم عرفها حين رآها على ما وصفت له، قاله السدي، وقال ابن عباس:سميت عرفة لأن جبريل كان يقول لا براهيم عليه السلام، هذا موضع كذا ، فيقول قد عرفت ، وقيل : سميت بذلك لأن آدم عرف بها حواء حين لقيها هناك .
وقال ابن عطية: والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماع البقاع، عرفة هي نعمان الآراك
ثم الافاضة إلى مزدلفة وهي المشعر الحرام، وقال ابن كثير: ، والمشاعر هي المعالم الظاهرة، وإنما سميت المزدلفة المشعر الحرام، لأانها داخل الحرم.
والوقوف بها :ذهب طائفة من السلف وبعض أصحاب الشافعية أنه ركن، وقيل : هو واجب يجبر بدم كما هو أحد قولي الشافعي ، وقيل : مستحب لا يجب بتركه شيء.
ثم نبه تعالى على ما أنعم عليهم به من الهداية والبيان والارشاد لهذه المشاعر وأمر بذكره وتوحيده والثناء عليه ، وقد كانوا في ضلال عن هذا الأمر وعن الهدى قبل نزول القرآن ، وقبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
2. حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى الإحصار وحكمه في قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي
الاحصار: لغة: هو أن يمنع الرجل الخوف أو المرض من التصرف، ويقال للرجل : محصورإذ حُبس
وفي اللغة أحصر بالمرض وأحصر بالعدو ، وقال ابن فارس في مقاييس اللغة: أن الاحصار يكون بالعدو و بالمرض
وقال الفراء: لو قيل للذي حبس أحصر جاز ،كأنه جعل حابسه بمنزلة المرض، والخوف الذي منعه من التصرف،وألحق في هذا عليه أهل اللغة من أنه يقال للذي يمنعه الخوف ، المرض أحصر، وللمحبوس حصر، وإنما كان ذلك هو الحق، لأن الرجل إذا امتنع من التصرف ، فقد حبس نفسه، فكأن المرض حبسه، أي جعله يحبس نفسه، وقوله ، حصرت قفلانا، إنما هو حبسته، لا أنه حبس نفسه ، ولا يجوز فيه أحصر
واختلف أهل العلم هل الحصر يختص فيمن حصره عدو فقط؟؟ أم قد يتناول غير ذلك كالمرض وماشابه؟؟
1-القول الأول:هو الحصر بالعدو فقط
قال ابن عباس: هو من أحصر بالعدو لا بالمرض، فعن ابن نجيح ومجاهد عن ابن عباس: أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء، إنما قال تعالى: ( فإذا أمنتم) فليس الأمن إلا حصرا
2-القول الثاني: الحصر بالمرض كالمحصر بالعدو
قال الفراء: هما بمعنى واحد في المرض والعدو، وقال عطاءوغيره: المحصر بالمرض كالمحصر بالعدو
3-القول الثالث: الحصر بالمرض لا بالعدو
نقل ابن عطية عن علقمة وعروة بن الزبيروغيرهما : الآية فيمن أحصر بالمرض لا بالعدو
4-القول الرابع: الحصر عام يدخل فيه كل ما يحقق شرطه بالحبس
أن الحصر لفظ عام يدخل في مفرداته العدو أو المرض أو الضلال – التيه عن الطريق- ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يارسول الله إن أريد الحج وإني شاكية، فقال: حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني، رواه مسلم
وقال ابن عطية: والصحيح أن حصر إنما هي فيما أحاط وجاور، فقد يحصر العدو والماء ونحوه، ولا يحصر المرض، وأحصر معناه جعل الشيء ذا حصر، فالمرض والماء والعدو وغير ذلك قد يكون محصرالا حاصرا، ألا ترى أن العدو كان محصرا في عام الحديبية، وفي ذلك نزلت الآية عند جمهور أهل التأويل.
وقول ابن عطية هو الراجح لأنه شمل المعنى اللغوي للفظ، وجمع بين أقوال أهل العلم والآثار الواردة.
ب: معنى قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
جاءت الآية هنا معطوفة على الآية السابقة فيما أخبر الله تعالى في أعمال الحج ، فأمر تعالى بالوقوف بعرفة، ثم الدفع إلى مزدلفة، والافاضة:هو الدفع جملة، ومنه أفاض الرجل بالكلام، وأفاض الاناء، ومزدلفة هي المشعر الحرام، وكان الأمر بالوقوف بعرفة لجميع الناس، وكانت قريشاً لا تقف معهم ، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائرالعرب يقفون بعرفات، فلما جاء الاسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ، ثم يفيض منها ، فذلك قوله / ( من حيث أفاض الناس). فكانوا يقفون في طرف الحرم عند أدنى الحل، ويقولون : نحن أهل الله في بلدته ، وقطان بيته وينبغي علينا أن نعظم الحرم ولا نعظم شيئا من الحل، كانوا يفعلون هذا مع اقرارهم أن عرفة هي موقف ابراهسم عليه السلامفلا يخرجون من الحرم إلى الحل ولا يقفون مع الناس.
فكان الأمر بالآية بالوقوف مع الناس في عرفة ثم الافاضة إلى المزدلفة مع الناس
2. بيّن ما يلي:
أ: المراد بالتهلكة في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
روي في نزول الآية عند البخاري عن حذيفة: {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} قال: نزلت في النّفقة.
روى ابن أبي حاتمٍ، عن أبي معاوية عن الأعمش، به مثله. قال: وروي عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وغيرهم
والمعنى :أنفقوا في الجهاد في سبيل اللّه، وفي كل الخير الذي أمر الله به، فهو سبيل الله وطريقه إليه ، واللفظ يتناول كل سبله؛ لأن السبيل في اللغة: الطريق، وإنما استعمل في الجهاد أكثر ؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين.
ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة: معناه: إلى الهلاك، يقال: هلك الرجل يهلك ، هلاكاً، وهلكا وتهلكة ، وتهلكة.
وتهلكة اسم، ومعناه: إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم، أي : عصيتم الله فهلكتم بالمعصية، أو هلكتم من عدوكم لأنكم لم تحاربوه
وفي مقصد الآية:.
قال حذيفة بن اليمان وابن عباس والحسن وعطاء وعكرمة وجمهور الناس: المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة، فيقول الرجل ليس عندي ما أنفق.
-وقال قوم: المعنى لا تقنطوا من التوبة،وقال سماك بن حربٍ، عن النّعمان بن بشيرٍ في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} أن يذنب الرّجل الذّنب، فيقول: لا يغفر لي، فأنزل اللّه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين} رواه ابن مردويه
وقال الحسن البصريّ: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} قال: هو البخل-
-وقال البراء بن عازب وعبيدة السلماني: الآية في الرجل يقول قد بالغت في المعاصي فلا فائدة في التوبة فينهمك بعد ذلك،
- وقال زيد بن أسلم: المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق أو الكون عالة على الناس،وقال ابن وهبٍ أيضًا: أخبرني عبد اللّه بن عيّاشٍ عن زيد بن أسلم في قول الله: {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} وذلك أنّ رجالًا كانوا يخرجون في بعوثٍ يبعثها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بغير نفقةٍ، فإمّا يقطع بهم، وإمّا كانوا عيالًا فأمرهم اللّه أن يستنفقوا ممّا رزقهم اللّه، ولا يلقوا بأيديهم إلى التّهلكة، والتّهلكة أن يهلك رجالٌ من الجوع أو العطش أو من المشي
والآية وبالنظر إلى سبب نزولها لها معنى مخصوص ثم النظر إلى المعنى العام الذي يحمله معنى التهلكة في كل ما خالف أمر الله وحاد عن طريقه.
ب: معنى الهلال واشتقاقه
ومعنى الهلال واشتقاقه
من قولهم : استهل الصبي إذا بكى حين يولد ، أو صاح، وكأن قولهم أهل القوم بالحج والعمرة،أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية، وإنما قيل له هلال ؛ لأنه حين يرى ، يهل الناس بذكره ، ويقال: أهل الهلال ، واستهل، ولا يقال: أهلّ، ويقال: أهللنا، أي : رأينا-نقله الزجاج.
وقد اختلف الناس في تسميته هلالاً، وكم ليلة يسمّى؟ ، ومتى يسمّى قمراً؟،
1- فقال بعضهم يسمى هلالاً لليلتين من الشهر، ثم لا يسمى هلالاً إلى أن يعود في الشهر التالي،
2-وقال بعضهم يسمى هلالاً ثلاث ليال، ثم يسمى قمراً،
3- وقال بعضهم : يسمى هلالاً إلى أن يحجّر ، وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة، وهو قول الأصمعي،
4-وقال بعضهم يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل، فإذا غلب ضوؤة سواد الليل ، قيل له: قمر، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة، وقال الزجاج:، وما عليه الأكثر أنه يسمى هلالاً ابن ليلتين، فإنه في الثالثة يبين ضوؤه،
وجمع هلال: أهله،لأدنى العدد وأكثره
والأهلة مواقيت لمحل الديون وانقضاء العدة وماش ابهه من مصالح العباد د، وهي مواقيت الحج يعرف بها وقته وأشهره،
عن الرّبيع، عن أبي العالية: بلغنا أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، لم خلقت الأهلّة؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس} يقول: جعلها اللّه مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم، وعدّة نسائهم، ومحلّ دينهم.
وكذا روي عن عطاء، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "جعل اللّه الأهلّة مواقيت للنّاس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإنّ غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يومًا".
ج: المراد بالتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وشروطه، وسبب تسميته بذلك.
وفي قوله تعالى: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ :
قال عبد الله بن الزبير وعلقمة وإبراهيم: الآية في المحصرين دون المخلى سبيلهم، وصورة المتمتع عند ابن الزبير أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج ثم يصل إلى البيت فيحل بعمرة ويقضي الحج من قابل، فهذا قد تمتع بما بين العمرة إلى حج القضاء، وصورة المتمتع المحصر عند غيره أن يحصر فيحل دون عمرة ويؤخرها حتى يأتي من قابل فيعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه.
وقال ابن عباس وجماعة من العلماء: الآية في المحصرين وغيرهم ممن خلي سبيله.
قال ابن كثير:إذا تمكّنتم من أداء المناسك، فمن كان منكم متمتّعًا بالعمرة إلى الحجّ، وهو يشمل من أحرم بهما، أو أحرم بالعمرة أوّلًا فلمّا فرغ منها أحرم بالحجّ وهذا هو التّمتّع الخاصّ، وهو المعروف في كلام الفقهاء. والتّمتّع العامّ يشمل القسمين، كما دلّت عليه الأحاديث الصّحاح، فإنّ من الرواة من يقول: تمتّع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وآخر يقول: قرن. ولا خلاف أنّه ساق الهدي.
وصورة المتمتع أن تجتمع فيه ستة شروط:
1- أن يكون معتمرا في أشهر الحج ، (وهو يشمل من أحرم بهما، أو أحرم بالعمرة أوّلًا فلمّا فرغ منها أحرم بالحجّ)
2-أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام،
3-أن يحل من احرامه
4-أن يكون الحل في أشهر الحج
5- ينشىء الحج في نفس العام
6- لا يرجع إلى موطنه الأصلي أوماحذاه بعدا. هذا قول مالك وأصحابه. وشرط في التمتع أن يحل في أشهر الحج لأنها مدة يملكها الحج فمن كان فيها محرما فحقه أن يصل الإحرام إلى الحج
واختلف أهل العلم في سبب التسمية:
-فقال ابن القاسم: لأنه تمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت إنشائه الحج،
- وقال غيره: سمي متمتعا لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين، وذلك أنحق العمرة أن تقصد بسفرة وحق الحج كذلك، فلما تمتع بإسقاط أحدهما ألزمه الله هديا كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد
-وقيل : اسم التمتع وحكمه إنما هو من جهة الامتع بالنساء والطيب وغير ذلك، ورد ابن عطية هذا القول وقال: فيرد عليه أنه يستغرق قوله: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ المكي وغيره على السواء في القياس، فكيف يشتد مع ذلك على الغريب الذي هو أعذر ويلزم هديا، ولا يفعل ذلك بالمكي، فيترجح بهذا النظر أن التمتع إنما هو من أجل إسقاط أحد السفرين
- وقال السدي: المتمتع هو الذي يفسخ الحج في العمرة، وذلك لا يجوز عند مالك،
-قال طاووس:: «من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى حج من عامه فهو متمتع-.
وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «من اعتمر بعد يوم النحر في بقية العام فهو متمتع»،
ورد ابن عطية القولين المنقولين هن طاووس والحسن بن أ[ي الحسن البصري وقال: وهذان قولان شاذان لم يوافقهما أحد من العلماء،
والراجح في ذلك أن سبب التسمية أنه تمتع بنسكين في سفرواحد