المجموعة الثانية: أجب على الأسئلة التالية:
س1: دلّل على مسارعة كثير من الناس إلى التصديق بالباطل، وما أسباب ذلك؟
جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض -وصفه سفيان بكفه، فحرفها وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء".
والشاهد من الحديث قوله:"فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء", فمن أجل كلمة واحدة صادقة يسارع الكثير من الناس إلى تصديق جميع ما يقال من أكاذيب, وحجتهم هذه الكلمة, ولايضع اعتبارا لمئات المرات التي كذب بها عليه, وأخبره بما لم يحصل أو سيكون.
ومن أسباب مسارعة الناس بتصديق الباطل:
- قلة العلم, والجهل, والسفه, فمن كان متمكن من العلم, وله دراية بنصوص الوحي, وفهمها كما فهمها السلف رضوان الله عليهم, لا نروج عليه الأباطيل المزخرفة بالحق.
- تلبيس الحق بالباطل, فعادة من يروج الأباطيل أن يخلط بعض الحق بباطله, حتى يروج على الناس, ولو كان ما يروجه جميعه باطل ما قبله احد, كما قال تعالى:"يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون".
س2: بيّن معنى الشفاعة واذكر أقسامها وشروطها.
الشفاعة لغة: من الشفع, وهو جعل الشيء اثنين.
واصطلاحا: هي:طلب الدعاء, وهي: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.
وهي قسمان:
1- شفاعة منفية, قد نفاها القرآن, وهي الشفاعة للكافر والمشرك، كما في قوله تعالى:"من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة"، وقوله:"فما تنفعهم شفاعة الشافعين".
2- شفاعة مثبتة: وهي الشفاعة التي أثبتها القرآن، وهي خاصة لأهل الإخلاص والموحدين.
وقد قال تعالى:"ليس لهم من دونه وليٌ ولا شفيع" فالشفيع في الحقيقة هو الله عز وجل, لذا قال:"قل لله الشفاعة جميعاً", فهي ملك له وحده سبحانه, لذلك كانت الشفاعة المثبتة في القرآن الكريم مقيدة بأمرين:
1-إذن الله للشافع أن يشفع. قال تعالى:"من ذا لذي يشفع عنده إلاّ بإذنه", وقال:"وكم من ملك في السموات لا تُغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى".
2- رضاه عن قول الشافع وعن المشفوع له, قال تعالى:"ولا يشفعون إلا لمن ارتضى", وقال:"وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى".
س3: فسّر قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ(22) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وبيّن دلالته على قطع حجج المشركين.
"قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله" الأمر في الآية للتحدي والتعجيز, فالله يقول لهم: ادعوا واسألوا واطلبوا ممن دعوتموهم وأشركتم بهم مع الله.
ثم بين الله تعالى حال المدعون من دونه, وبين فقرهم, وبين بطلان أسباب دعوتهم, فقال:
" لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض": فهم لا يملكون حتى مقدار حجم صغار النمل من ملك السموات أو ملك الأرض, فنفى الله عنهم استقلالهم بالملك مهما قل حجمه.
"وما لهم فيهما من شرك": أي: إن هؤلاء أيضا ليسوا بشركاء لله في ملك السموات والأرض, وليسوا كذلك شركاء لله في تدبير السموات والأرض, فنفى الشركة عنهم كذلك, وجاءت "من" مبالغة في تأكيد النفي, فليس هناك شرك لا قليل ولا كثير.
"وما له منهم من ظهير": أي: ما لله من هذه الأصنام التي يدعونها من دونه من وزير أو معاون يعينه في أفعاله, فيكون الله محتاجا له, فلا يرده إذا طلب, لذا قال بعدها:
"ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن اذن له": فلا يتعلق بها ويدعوها طمعا في شفاعتها, فنفى الله عنها تملكها للشفاعة, أو ابتداؤها بالشفاعة بغير إذن الرب, ولن يطالها الإذن.
فهذه الآية قطعت جذور الشرك من أصوله, لأن المشرك إنما يدعو غير الله طلبا للنفع, ولا يملك النفع إلا من اتصف بأحد هذه الصفات:
1- أن يكون مالكا استقلالا.
2- أو أن يكون شريكا لله في ملكه.
3- فإن لم يكن شريكا, فيكون معينا له في تدبير أمور ملكه.
4- أو يكون شفيعا عنده.
وقد نفى الله في الآية جميع هذه الأمور, وأثبت الشفاعة التي لا نصيب للمشركين فيها, وهي الشفاعة بإذنه, لأنه قد يظن بأن هناك من يعين الله على تدبير ملكه, فإن توجه إليه بالدعاء كان له شفيعا عند الله, كما يحصل مع ملوك الدنيا, لذلك نفى الله حصول الشفاعة بغير إذنه سبحانه.
فانقطعت كل الأسباب للمشركين, فكيف يدعون من لا يملك شيئا استقلالا ولا مشاركة, ولا هو في موضع مساعدة لمن يملك, ولا يحق له الشفاعة بغير إذن؟!
فعبادتهم باطلة لا تقوم على اساس, فكيف تنفعهم إن كانت بهذا العجز؟!
س4: بيّن أنواع الهداية مع الاستدلال وكيف تردّ بهذا البيان على من تعلّق بالصالحين.
أنواع الهداية هي:
1- هداية الدلالة والإرشاد والبيان, وهذه ثابتة لكل نبي ورسول, ومن باب أولى: ثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام, وهداية الأنبياء من أبلغ أنواع الإرشاد لاقترانها بالآيات والبراهين الدالة على صدقهم عليهم السلام, وهي المقصودة في قوله تعالى:"وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله", فهو عليه الصلاة والسلام, المبين عن الله, والدال على دينه. وهي كذلك ثابتة لكا داع إلى الله, قال تعالى:"إنما أنت منذر ولكل قوم هاد".
2- هداية التوفيق, وهذه خاصة بالله عز وجل, ولا يقدر عليها إلا هو سبحانه, وهي المذكورة في قوله تعالى:"فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء", فيعين الله من أراد هدايته إعانة خاصة على قبول الهدى ما لا يجعله لغيره, وهي المنفية عن النبي عليه الصلاة والسلام, في قوله تعالى:"إنك لا تهدي من أحببت", فالرسل إنما عليهم البلاغ, وبيان الحق, وإرشاد الناس إليه, أما إدخال الناس في الهداية, وهداية القلوب للحق, فهذا ليس لأحد من الخلق مهما علت منزلته, بل يتفرد بها الرب سبحانه.
ومن تعلق بالصالحين, إنما فعل ما فعل رجاء أن يكون لهم نفع في هدايته والشفاعة له, وجلب الخير له, ودفع الضر عنه.
فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام, وهو خاتم النبين وأفضلهم, قال عنه الرب تعالى:"إنك لا تهدي من أحببت", فنفى الله عنه قدرته على الهداية, والهداية نوع من المنافع المرجوة, وقد قال الله عنه أيضا:"ليس لك من الأمر شيء", فنفي القدرة على الهداية عن غيره من الصالحين من باب أولى .
وإن كان عليه الصلاة والسلام, لما حضرت عمه أبي طالب الوفاة, جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: فقال له:"يا عمّ قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله))" فقال له أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب؛ وأبى أن يقول: لا إله إلا الله", فلم يستطع عليه الصلاة والسلام, أن يحمل عمه على الدخول في الإسلام, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنك من الله شيئاً", فعجز غيره من باب أولى, فجميع الصالحين دون النبي عليه الصلاة والسلام, بالاتفاق, لأن الهداية الحقيقية بيد الله, فهو مقلب القلوب يقلبها كيف يشاء سبحانه, فإليه يجب أن تتوجه القلوب, وبه عليها أن تتعلق, وترجوا, وتطلب الهداية, والشفاعة, والمغفرة, لا لأحد غيره.
س5: بيّن خطر الابتداع في الدين.
- الابتداع تكذيب للقرآن, فالله يقول:"اليوم أكملت لكم دينكم", فما لم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام, دينا, فلن يكون بعده كذلك.
- الابتداع استدارك على الشارع, فكأن الشريعة ناقصة وتحتاج إلى تكميل والله تعالى يقول:"اليوم أكملت لكم دينكم".
- البدعة سبب للكفر, كما نقل عن السلف, فالانحراف فيها يبدأ غالبا يسيرا, ثم ما يلبث أن يكبر حتى يصل بصاحبه إلى الخروج من الملة, كما حصل مع قوم نوح عليه السلام, فهم بادئ الأمر صوروا صور الصالحين ولم يعبدوهم, ثم ما لبث أن عبدهم من جاء بعدهم, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:"كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
- البدعة أحب إلى إبليس من المعصية, لذلك يزينها لابن آدم قبل تزيينه المعصية, لأن المعصية يتاب منها, أما البدعة فلا, وذلك أن المبتدع يظن بأنه يتقرب إلى الله ببدعته, وأن له فيها اجرا, فكيف يتوب منها؟!
- الابتداع سبب في اندثار السنن, فكل بدعة يحدثها الإنسان, تضيع في مقابلها سنة, لأن المتعبد لله بالبدعة يزهد في السنة, وينشط في بدعته, فيتعبد لله بالبدع, وبما لا يرضى من القول والعمل, وييع الدين, ويجهله الناس, وهذا من اقبح المور.
- الابتداع في حقيقته اتهام للنبي عليه الصلاة والسلام, إما بالخيانة أو بالجهل, وحاشاه, فإما أن يكون المبتدع أعلم منه, أو يكون علي الصلاة والسلام, قد علم بهذه البدعة ولم يبلغها, وحاشاه أن يكون كذلك, وهذا كما قال الإمام مالك:"من ابتدع بدعة وزعم أنها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة".
والفطر السليمة ترد البدعة, والنجاة في اتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام, لذلك قال تعالى:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم", وقد سمى السلف هذه الاية: آية المحنة, لأنها تتطلب مخالفة الهوى, ومخالفة العقل السقيم, والاتباع لا الابتداع.
س6: ما سبب وقوع قوم نوح في الشرك؟ وهل يمكن أن يقع في ذلك بعض هذه الأمّة؟
سبب وقوع قوم نوح في الشركو هو الغلو في الصالحين, فقد جاء في تفسير قوله تعالى:"وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا", قول ابن العباس رضي الله عنهما: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت".
فبين رضي الله عنه أن محبة الصالحين حملت قوم نوح على المغالاة فيهم, فتدرج معهم الشيطان حتى أوصلهم لعبادتهم.
فهم صوروا صورهم في البداية, وزين لهم الشيطان بأن رؤية صورهم سوف تجلب لهم النشاط على العبادة, للاقتداء بهم, وهذا من اتخاذ ما ليس سببا بسبب, وهو من شرك الربوبية, فلما انقرض هؤلاء, وذهب معهم ما بقي من العلم, زين الشيطان لمن بعدهم عبادة هذه التماثيل والصور, فأشركوا بالله في ألوهيته سبحانه, فصرفوا لهم عبادات لا تكون إلا لله سبحانه, وجعلوا لها من حقوق الله الخاصة به, فهذا هو الشرك الأكبر , وهو من سوء الظن بالله، ومن تشبيه المخلوق بالخالق.
ووقوع الشرك في هذه الأمة ممكن الوقوع, بل قد وقع والله المستعان, فغلت طائفة في علي رضي الله عنه, حتى رفعته إلى مرتبة الألوهية, وحرقهم لكفرهم.
وغلت طائفة في النبي عليه الصلاة والسلام, حتى نسبت له أمورا هي من خصائص الله سبحانه وتعالى, كعلم الغيب, التصرف في الكون, كما قال البوصيري في قصيدته:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومـن علومك علم اللوح والقلم.
بل ادعوا إن الكون خلق لأجله, وإنما خلق من نوره عليه الصلاة والسلام والسلام!!!
وهذا من الغلو الذي أوصلهم للكفر الأكبر.
كذلك امتد الغلو ليشمل الغلو في الصالحين, تماما كحال قوم نوح, فاحتجوا بطلب شفاعتهم, فعكفوا على قبورهمو ودعوهم, وصرفوا لهم عبادات كالخوف والرجاء والمحبة, وكالذبح والنذر, وهذا لا يكون إلا لله تعالى.
لذلك نهى الله عنه فقال:" لا تغلوا في دينكم", وحذر عليه الصلاة والسلام, من الغلو, ونهى عنه, فقال:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله", والإطراء هو: مجاوزة الحد في المدح.
وقال:"هلك المتنطعون", وجاء عن ابن عباس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته:" القط لي حصى" فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول:" أمثال هؤلاء فارموا ثم قال يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين", فالغلو سبب للهلاك؛ هلاك العبد في دينه ودنياه.
س7: ما معنى اتّخاذ القبور مساجد؟ وما حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟
قال عليه الصلاة والسلام:"لعن الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد, يحذر ما صنعوا" متفق عليه.
والمسجد يطلق على كل موضع يصلى فيه, وإن لم يكن هناك بناء لمسجد.
واتخاذ القبور مساجد يكون بأحد هذه الصور:
الأولى: أن يسجد على القبر، فيجعل القبر مكان سجوده, فيكون المسجود له هو المقبور, وهو من أقبح الصور.
الثانية: أن يصلي إلى القبر،فيكون القبر أمامه بينه وبين القبلة, يجعله قبلة له ومعبودا, فيحصل منه من التذلل والخضوع ما لا يجوز صرفه إلا لله, وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام, عن ذلك فقال:"لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها "رواه مسلم
الثالثة:أن يتخذ القبر مسجدا، بأن يبني المسجد على القبر, فيكون مكانا للصلاة والتعبد.
أما حكم الصلاة في المسجد المبني على قبر, فهي صلاة باطلة لا تصح, لأن الصلاة في هذا المسجد تعارض قوله عليه الصلاة والسلام:"ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك", وقال:" إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد" رواه ابن حبان في صحيحه, وقال:" "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" رواه أصحاب السنن, والنهي في الحديث متوجه لبقعة ومكان الصلاة, فبطلت, لهذا لا تصح الصلاة في مسجد بني على قبر.