دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 05:25 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي

تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي
الدرس (هنا)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 03:28 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي

تفسير سورة الكوثر تفسيرا مقاصديا:
(إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر)
هذه السورة خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسورة الضحى , وسورة الشرح . يسري عنه ربه فيها , ويعده بالخير , ويوعد أعداءه بالبتر , ويوجهه إلى طريق الشكر .
ومن ثم فهي تمثل صورة من حياة الدعوة , وحياة الداعية في أول العهد بمكة . صورة من الكيد والأذى للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوة الله التي يبشر بها ; وصورة من رعاية الله المباشرة لعبده وللقلة المؤمنة معه ; ومن تثبيت الله وتطمينه وجميل وعده لنبيه ومرهوب وعيده لشانئه .
كذلك تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان . وحقيقة الضلال والشر والكفران . . الأولى كثرة وفيض وامتداد . والثانية قلة وانحسار وانبتار . وإن ظن الغافلون غير هذا وذاك . .
ورد أن سفهاء قريش ممن كانوا يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بالكيد والمكر وإظهار السخرية والاستهزاء . ليصرفوا جمهرة الناس عن الاستماع للحق الذي جاءهم به من عند الله , من أمثال العاص ابن وائل , وعقبة بن أبي معيط , وأبي لهب , وأبي جهل , وغيرهم , كانوا يقولون عن النبي إنه أبتر . يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده . وقال أحدهم:دعوه فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره !
وكان هذا اللون من الكيد اللئيم الصغير يجد له في البيئة العربية التي تتكاثر بالأبناء صدى ووقعا . وتجد هذه الوخزة الهابطة من يهش لها من أعداء رسول الله وشانئيه , ولعلها أوجعت قلبه الشريف ومسته بالغم أيضا .
ومن ثم نزلت هذه السورة تمسح على قلبه بالروح والندى , وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد الذي اختاره له ربه ; وحقيقة الانقطاع والبتر المقدر لأعدائه . ذكره سيد قطب
(إنا أعطيناك الكوثر)
افتتح - سبحانه - الكلام بحرف التأكيد ، للاهتمام بالخبر ، وللإِشعار بأن المعطى شيء عظيم . . أي : إنا أعطيناك بفضلنا وإحساننا - أيها الرسول الكريم - الكوثر ، أي : الخير الكثير الذى من جملته هذا النهر العظيم ، والحوض المطهر . . فأبشر بذلك أنت وأمتك ، ولا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤك فى شأنك.
والكوثر صيغة من الكثرة . . وهو مطلق غير محدود . يشير إلى عكس المعنى الذي أطلقه هؤلاء السفهاء . . إنا أعطيناك ما هو كثير فائض غزير . غير ممنوع ولا مبتور . . فإذا أراد أحد أن يتتبع هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه فهو واجده حيثما نظر أو تصور .
هو واجده في النبوة . في هذا الاتصال بالحق الكبير , والوجود الكبير . الوجود الذي لا وجود غيره ولا شيء في الحقيقة سواه . وماذا فقد من وجد الله ?
وهو واجده في هذا القرآن الذي نزل عليه . وسورة واحدة منه كوثر لا نهاية لكثرته , وينبوع ثر لا نهاية لفيضه وغزارته !
وهو واجده في الملأ الأعلى الذي يصلي عليه , ويصلي على من يصلي عليه في الأرض , حيث يقترن اسمه باسم الله في الأرض والسماء .
وهو واجده في سنته الممتدة على مدار القرون , في أرجاء الأرض . وفي الملايين بعد الملايين السائرة على أثره , وملايين الملايين من الألسنة والشفاه الهاتفة باسمه , وملايين الملايين من القلوب المحبة لسيرته وذكراه إلى يوم القيامة .
وهو واجده في الخير الكثير الذي فاض على البشرية في جميع أجيالها بسببه وعن طريقه . سواء من عرفوا هذا الخير فآمنوا به , ومن لم يعرفوه ولكنه فاض عليهم فيما فاض !
وهو واجده في مظاهر شتى , محاولة إحصائها ضرب من تقليلها وتصغيرها !
إنه الكوثر , الذي لا نهاية لفيضه , ولا إحصاء لعوارفه , ولا حد لمدلوله . ومن ثم تركه النص بلا تحديد , يشمل كل ما يكثر من الخير ويزيد . . كما ذكر ذلك سيد قطب رحمه الله.
وقوله : ( فصل لربك وانحر ) أي : كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته - فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك ، فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له . كما قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ).
والفاء فى قوله - تعالى - : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد بالصلاة : المداومة عليها .

وفي مناسبة الآية لما قبلها ذكر ابن عاشور أنه: ناسب أن يكون الشكر بالازدياد مما عاداه عليه المشركون وغيرهم ممن قالوا مقالتهم الشنعاء : إنه أبتر ، فإن الصلاة لله شكر له وإغاظة للذين ينهونه عن الصلاة كما قال تعالى : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } [ العلق : 9 ، 10 ] لأنهم إنما نهَوْه عن الصلاة التي هي لوجه الله دون العبادة لأصنامهم ، وكذلك النحر لله .والعدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر في قوله : { فصل لربك } دون : فصلِّ لنا ، لما في لفظ الرب من الإِيماء إلى استحقاقه العبادة لأجل ربوبيته فضلاً عن فرط إنعامه ، وإضافة ( رب ) إلى ضمير المخاطب لقصد تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتقريبه ، وفيه تعريض بأنه يربُّه ويرأف به .

(إن شانئك هو الأبتر) ذكر ابن عاشور في معنى الأبتر في الآية أنه الذي لا خير فيه وهو رد لقول العاصي بن وائل أو غيره في حق النبي صلى الله عليه وسلم فبهذا المعنى استقام وصف العاصي أو غيره بالأبتر دون المعنى الذي عناه هو حيث لمز النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبتر ، أي لا عقب له.

فقوله تعالى : { هو الأبتر } اقتضت صيغة القصر إثبات صفة الأبتر لشانىء النبي صلى الله عليه وسلم ونفيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأبتر بمعنى الذي لا خير فيه .

ولكن لما كان وصف الأبتر في الآية جيء به لمحاكاة قول القائل : «محمد أبتر» إبطالاً لقوله ذلك ، وكانَ عرفهم في وصف الأبتر أنه الذي لا عقب له تعيّن أن يكون هذا الإِبطال ضرباً من الأسلوب الحكيم وهو تلقي السامع بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً على أن الأحقَّ غيرُ ما عناه من كلامه كقوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [ البقرة : 189 ] . وذلك بصرف مراد القائل عن الأبتر الذي هو عديم الابن الذكر إلى ما هو أجدر بالاعتبار وهو الناقص حظّ الخير ، أي ليس ينقص للمرء أنه لا ولد له لأن ذلك لا يعود على المرء بنقص في صفاته وخلائقه وعقله . وهب أنه لم يولد له البتة ، وإنما اصطلح الناس على اعتباره نقصاً لرغبتهم في الولد بناء على ما كانت عليه أحوالهم الاجتماعية من الاعتماد على الجهود البدنية فهم يبتغون الولد الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر وذلك أمر قد يعرض ، وقد لا يعرض أو لمحبة ذِكر المرء بعد موته وذلك أمر وهمي ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أغناه الله بالقناعة ، وأعزّه بالتأييد ، وقد جعل الله له لسان صدق لم يجعل مثله لأحد من خلقه ، فتمحض أن كماله الذاتي بما عَلِمه الله فيه إذ جعل فيه رسالته ، وأن كماله العرضي بأصحابه وأمته إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم .

وقد قال سيد قطب: أنه في الآية الأولى قرر -سبحانه - أن رسوله ليس أبتر بل هو صاحب الكوثر . وفي هذه الآية يرد الكيد إلى كائديه , ويؤكد - سبحانه - أن الأبتر ليس هو محمد , إنما هم شانئوه وكارهوه .

ولقد صدق فيهم وعيد الله . فقد انقطع ذكرهم وانطوى . بينما امتد ذكر محمد وعلا . ونحن نشهد اليوم مصداق هذا القول الكريم , في صورة باهرة واسعة المدى كما لم يشهدوه سامعوه الأولون !
إن الإيمان والحق والخير لا يمكن أن يكون أبتر . فهو ممتد الفروع عميق الجذور . وإنما الكفر والباطل والشر هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبر .
هذا وصلى الله على محمد ورفع ذكره عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى آله وصحبه أجمعين..

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 05:02 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

مقاصد سورة التين


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) )
أقسم سبحانه وتعالى بالتين والزيتون وهما النباتان المعروفان على قول كثير من المفسرين.
• المقصود من تخصيص التين والزيتون بالقسم :
1- التنبيه على كثرة منافعِ شجرهمَا وثمرهمَا، ولا يخفى ما في التين والزيتون من فوائد غذائية، وطبية، واستخدامات نافعة، وبركة عظيمة، وفي ذلك تشريف لهذه الثمرة، وحث على الإيمان بخالقها، وشكره.
2- الدلالة على قدرة الله، وعلمه، ودقة صنعه.
3- الامتنان على الناس بخلق هذا النبات الطيب، كثير النفع.
4- الإشارة إلى مكان هذين النباتين، ومحل كثرتهما، وهو أرض الشام محل نبوة عيسى بن مريم عليه السلام، وقيل أن التين ينبت حيث استقرت سفينة نوح عليه السلام، وأن فلسطين محل نبوة إبراهيم عليه السلام.

قال تعالى: (وَطُورِ سِينِينَ (2) )
طور سيناء، وهو جبل الطور.
• المقصود من تخصيص هذا الجبل بالقسم
أقسم الله به لأنه الجبل الذي كلم الله عنده موسى عليه السلام.

قال تعالى: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) )
يعني: مكّة.
المقصود من تخصيص مكة بالقسم.
أقسم الله بمكة، لأنها محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأحب البقاع إلى الله، وأشرفها عنده سبحانه، وقيل فيه إشارة أيضا لشريعة إبراهيم عليه السلام.

• المقصد من الأقسام الأربعة.
- أقسم تعالى بمواضع، بعث الله فيها، أولي العزم من الرسل أصحاب أعظم الشرائع الواردة للبشر، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى [الشورى: 13]}.
- في القسم تشريف للمقسم به سواء الثمرة المقسم بها أو الأماكن التي يدل عليها القسم، والتشريف لا يقتضي إحداث ما لم يشرع من عبادات.
- في ذكر هذه الشرائع العظيمة، إشارة إلى أن الإسلام جاء مصدقا لها وأنها مشاركة له في أصوله.
- ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِالْقَسَمِ الْمُؤَكَّدِ يُؤْذِنُ بِأَهَمِّيَّةِ المقسم عليه.
- إِطَالَةُ الْقَسَمِ تَشْوِيقٌ إِلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ.
• المقصد من ترتيب الأماكن المذكورة هنا
رتبها هنا الأشرف ثم الأشرف منه، وقيل أن هذه الأماكن ذكرت في آخر التوراة مرتبة بحسب الزمان.

قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) )
هذا هو المقسم عليه، أقسم الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وقد أكد سبحانه وتعالى الجملة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، وقد، دلالة على أهميته، ويشمل قوله في أحسن تقويم: الهيئة والخلقة، والفطرة، والقصد.
• مقاصد الآية
- بيان كرامة الله سبحانه للإنسان، وتكريمه له عن سائر الخلق.
- الِامْتِنَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ بِخَلْقِهِ عَلَى أَحْسَنِ خلق في جسده وفطرته .
- تأكيد القسم يدل على أن المقسم عليه أمر خفي يجب التفكر فيه لإدراكه، فمعظم الناس يتصرف تصرف من يجهل أنه خلق على الفطرة .
- تأكيد القسم يشعر بأن المخاطب منكر، ومن علامات إنكار المخاطبين إنكارهم البعث.
- خلق الإنسان بهذه الصورة السوية من أعظم الدلائل على وجود الله، وقدرته، وحكمته ووحدانيته، وعلى قدرته على البعث والجزاء.
- أقسم سبحانه بما يشير إلى مواضع أعظم الشرائع التي تدعو كلها إلى التوحيد، بأنه خلق الإنسان في أحسن تقويم ومن حسن خلقه أن خلقه على فطرة التوحيد، وفي ذلك إشارة إلى فساد ما خالف هذه الشرائع من أديان، في الأصول، بغض النظر عن الفروع.
- أقسم سبحانه بهذه الأماكن التي بعث فيها الرسل، على أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم ومن إحسانه إليه ارسال الرسل لتعريف الخلق بربهم.

قال تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) )
أقسم سبحانه بنعم عظيمة ينبغي القيامُ بشكرهاَ، ومع ذلك فأكثر الناس تركوا الشكر، وحادوا عن الطريق فردَّهمُ اللهُ في أسفلِ سافلينَ، وقد وردت عدة أقوال في معنى أسفل سافلين منها أنه يرد إلى النار، أو إلى أرذل العمر، أو أن المعنى انتكاسة الفطرة، أو أن المقصود خلق آدم عليه السلام ثم رده إلى الدنيا، وأيا كان الراجح
فمقاصد الآية هي:
- الإنذار من الكفر والضلال، وكل ما من شأنه أن يوصل إلى العذاب.
- تأكيد أن من يحيد عن الفطرة، يرد إلى أسفل سافلين.
- إقامة الحجة على منكري البعث، بما يشاهدونه من عظم قدرة الله على خلق الإنسان في أحسن تقويم ثم رده إلى الضعف والشيبة- على قول من قال أن أسفل سافلين بمعنى أرذل العمر-

قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) )
هذا استثناء من قوله: (( ثم رددناه أسفل سافلين )) يعني إلا المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنهم لا يردون إلى أسفل السافلين، ولهم أجر دائم غير مقطوع، ولا يؤذون بالمن عليهم به، على خلاف في المعنى تابع للخلاف في الآية السابقة، فإما أنهم لا يدخلون النار، أو لا يردون إلى أسفل سافلين مهما طال بهم العمر بسبب ما معهم من الإيمان، أو أنهم يبقون على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أو أنهم يردون إلى الجنة التي أخرج منها آدم عليه السلام، وأيا كان المعنى
فمقصد الآية هو:
- والترغيب بالإيمان والعمل الصالح.
- الإشارة إلى حسن جزاء من آمن بالله وعمل صالحا.

قال تعالى: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) )
انتقل الله تعالى من الكلام على وجه الغيبة، إلى الكلام على وجه المقابلة والخطاب لأن ذلك أبلغ في التوبيخ ، أي: يا أيها الإنسان ما يكذبك بعد هذا البيان بالجزاء والحساب وبما أمر الله به من الدين، وقيل أن ما بمعنى من وأن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى فمن يكذبك.
• مقصد الآية
- التعجب من حال الأنسان الذي رأى نعم الله الكثيرة ومنها ما ذكر هنا في السورة وعرف أصل خلقته وبدايتها، وعرف أنه يرد إلى أسفل سافلين، فكيف يكفر بعد ذلك ويكذب ؟!
- توبيخ من كذب بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وكذب بالبعث، بعد ما ذكر من دلالات، خاصة مع ما توحي به الآية من أنهم كانوا لا ينسبون الكذب للنبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك.
- الحث على التفكر والتدبر في أصل الخلقة والإرشاد إلى أن ذلك مما يزيد به الإيمان.
- الإشارة إلى إقامة الحجة على الكفار.

قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) )
الاستفهام للتقرير يقرر الله عز وجل أنه أحكم الحاكمين ، ويشمل ذلك تمام الحكم والحكمة .
• مقصد الآية
- أن الله الحكيم الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأوصل إليه النعم، وبلغه بالرسالات، لا يتركه سدى دون أن يؤمر، بالخير وينهى عن الشر.
- الإشارة إلى حكمة الله التي تقتضي ألا يظلم أحدا، ولذلك لا بد من يوم ينتصر فيه للمظلوم من الظالم، ويكافأ فيه المحسن، ويعاقب المسيء.
- بعث الطمأنينة في النفس تجاه حكمة الخالق في كل ما خلق وقدر.
- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله الحكيم، سيحكم بينه وبين مكذبيه، وإشارة له بأن يعرض عنهم، ولا يأبه بهم.

• المقصد العام للسورة
إثبات صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وإثبات البعث بالدلالات التالية:
- أن هذا هو ما دلت عليه الشرائع الكبار، التي جاء بها أولو العزم من الرسل.
- عظم قدرة الله سبحانه وتعالى، والتي تمثلت في عدة مواضع من السورة.
- الفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها.
- حكمة الله سبحانه، واستيلاؤه على الحكم، مما يقتضي، الانتصار للظالم من المظلوم، ومجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

ملاحظة:
اجتهدت في تحرير المقصد العام للسورة، لأني لم أجد مرجعا أفهم منه المقصد العام بشكل مباشر، وقد ذكر في التفسير الموضوعي نقلا عن نظم الدرر أن المحور العام للسورة هو إثبات القدرة الكاملة، لكني أشعر أن قوله تعالى: { فما يكذبك بعد بالدين }هو المقصود وربما استرشدت للوصول إلى هذا بقول ابن عاشور عند تفسير هذه الآية أنها: "تَفْرِيعٌ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْوِيمِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ رَدِّهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاء من الْكَلَام مُسَبَّبٌ عَنِ الْبَيَانِ الَّذِي قَبْلَ الْفَاءِ"، والله أعلم


المراجع:
- تفسير ابن عطية
- زاد المسير
- تفسير ابن كثير
- تفسير السعدي
- التحرير والتنوير
- أضواء البيان
- زبدة التفسير
- تفسير سورة التين د. عبد الله الدهش
- تفسير سورة التين د. خالد السبت

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 12:33 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

قال تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) ) الفتح

هذه السورة بشارات للنبي صلى الله عليه وسلم وطَمئنة لمن معه من المؤمنين الذين اشتد همهم وبلغ بهم الحزن مبلغه حين مُنعوا من دخول مكة وحين قضى الله تعالى بالصلح ، فأخبرهم سبحانه بأن هذا الصلح فتح ونصر لا كما رآه بعضهم هزيمة وذل فكان في هذه السورة تهدئة لقلوبهم وسكينة لها .
إنّ هذه الآيات الكريمة تؤصّل حقيقة لا مناص عنها وهي انتصار الحق على الباطل ، وأن النصر بيد الله ، وأعظم نصر حصل في تاريخ البشرية هو النصر الذي تحدثت عنه هذه السورة .
وأكد الله سبحانه هذا النصر بإنّ لما حصل من تردد بعض المسلمين أو تساؤلهم ، إذ سأل رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي رسول الله ، وفتح هو ؟ قال : " إي والذي نفس محمد بيده ، إنه لفتح "
وقد اختلف المفسرون في هذا الفتح على أقوال لكن الراجح أن هذا الفتح هو صلح الحديبية وذلك لأنه كان مقدمة لفتوح كثيرة منها فتح خيبر ثم فتح مكة .
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : «تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية» ، يريد أنكم تحملون الفتح في قوله : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } على فتح مكة ولكنه فتح بيعة الرضوان وإن كان فتح مكة هو الغالب عليه اسم الفتح .
وفي هذا بيانٌ أن للنصر مقدمات تسبقه ، وإن كانت تلك المقدمات حزينة أو مؤلمة إلاّ أنها لابدّ منها ، إذ فيها مغفرة الذنوب ورفعة الدرجات و الامتحان لاستحقاق النصر فمن آمن بقلبه وأدى أمر الله تعالى سمعاً وطاعة واستسلم لأمره ونهيه استحق نصر الله تعالى وما يعقبه من هبات وعطايا .
وهو - صلوات الله وسلامه عليه - في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، وهو أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة . ولما كان أطوع خلق الله لله ، وأكثرهم تعظيما لأوامره ونواهيه . قال حين بركت به الناقة : " حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها " فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ، قال الله له : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ) أي : في الدنيا والآخرة .
وفي هذه السورة تثبيت للمؤمنين جميعا وطمأنة لقلوبهم بقضاء الله تعالى ، وفيها الدعوة للأمل والتفاؤل وحسن ظن ، مهما رأى الإنسان أن في صروف الدهر بلايا ورزايا ، إلا أنه يوقن بربه ويعلم أن حكمة الله تعالى لا يحيط بها شيء .
وقد استخرج ابن القيم رحمه الله بدقة علمه وعمق فهمه ما لا يقل عن ثلاثين وجهاً من ثمرات هذا الصلح ، منها : إقبال الناس على الإسلام ودخولهم فيه أفواجا ، ومنها : أن المسلمين الذين كانوا في مكة مستضعفين استقروا وأمِنوا على أنفسهم ، ومنها : أن النبي اشتغل عن قريش بغيرها، بخيبر، والتي فتح الله له فيها فتحاً عظيماً وغنِم المسلمون فيها مغانم لم تكن على بالهم زادت في قوتهم ، ومنها : رجوعه صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف بدلا من ألف وأربعمائة وهذا الأمر جعل لا طاقة للكفار بقتالهم .
كما أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : ( ولا أدري ما يُفعل بي ولا بكم ) فأنـزل الله بعد هذا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ .
عن قتادة, عن أنس بن مالك, في قوله ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: نـزلت على النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مرجعه من الحديبية, وقد حيل بينهم وبين نسكهم, فنحر الهدي بالحديبية, وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن, فقال: لَقَدْ أُنـزلَتْ عَلي آيَةٌ أحَبُّ إليَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعا, فَقَرَأَ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ )... إلى قوله ( عَزِيزًا ) فقال أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك, فماذا يفعل بنا, فأنـزل الله هذه الآية بعدها لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ... إلى قوله وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا .

وفي الآية بيان عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه ، إذ قد كان الفتح لكرامة النبي صلى الله عليه وسلم على ربه تعالى فكان من علته أن يغفر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم مغفرة عامة إتماماً للكرامة فهذه مغفرة خاصة به صلى الله عليه وسلم .
و المعنى : أن الله جعل عند حصول هذا الفتح غفران جميع ما قد يؤاخذ الله على مثله رسلَه حتى لا يبقى لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يقصر به عن بلوغ نهاية الفضل بين المخلوقات . فجعل هذه المغفرة جزاء له على إتمام أعماله التي أرسل لأجلها من التبليغ والجهاد والنَصب والرغبة إلى الله ، فلما كان الفتح حاصلاً بسعيه وتسببه بتيسير الله له ذلك جعل الله جزاءه غفران ذنوبه بعظم أثر ذلك الفتح بإزاحة الشرك وعلوّ كلمة الله تعالى وتكميل النفوس وتزكيتها بالإيمان وصالح الأعمال، وكل هذا إنما يناسب فتح مكة وهذا هو ما تضمنته سورة { إذا جاء نصر الله } .
وقال الشعبي في قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال : هو فتح الحديبية ، لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبويع بيعة الرضوان ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس .
( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ) بإظهاره إياك على عدوّك, ورفعه ذكرك في الدنيا, وغفرانه ذنوبك في الآخرة ( وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) أي : ويرشدك طريقا من الدين لا اعوجاج فيه, يستقيم بك إلى رضا ربك .
و الهداية إلى الصراط المستقيم ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم من وقت بعثته ولكنها تزداد بزيادة بيان الشريعة وبسعة بلاد الإسلام وكثرة المسلمين ، فهذه الهداية متجمعة من الثبات على ما سبق هديُه إليه ، ومن الهداية إلى ما لم يسبق إليه وكل ذلك من الهداية .
وفي هذه الآيات بيان أن تمام النعمة إنما هو بالدين والهداية ، وبتحصيل رضا الله عن العبد ومغفرة ذنوبه ، وأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم وهو الدين الحق ،
كما أنها تقرّر أن العبرة بمآلات الأمور وماتصير إليه ، وأنّ الله يطمئن المؤمنين ويثبتهم على الحق ويعدهم نصره إن هم استجابوا له وآمنوا به .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 محرم 1438هـ/9-10-2016م, 03:06 AM
سها حطب سها حطب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[الروم: 30].

الدين ضرورة حياة بالنسبة للإنسان، فالدين والتوحيد هو فطرة الله ، كما قال تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] .

وقد خلق الله الناس قابلين لأحكام هذا الدين وجعل تعاليمه مناسبة لخلقتهم غير مجافية لها، غير نائين عنه ولا منكرين له، مثل إثبات الوحدانية لله لأن التوحيد هو الذي يناسب العقل والنظر الصحيح، حتى لو ترك الإنسان وتفكيره ولم يلقن اعتقادا ضالا لاهتدى إلى التوحيد بفطرته.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"؟ ثم يقول: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} .
وفي الحديث القدسي: ( إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم..) فالإشراك تبديل للفطرة.

وقوانين المعاملات في هذا الدين راجعة إلى ما تشهد به الفطرة لأن طلب المصالح من الفطرة.
وفي قوله (التي فطر الناس) تصريح بأن الله خلق الناس سالمة عقولهم مما ينافي الفطرة من الأديان الباطلة والعادات الذميمة، وأن ما يدخل عليهم من الضلالات ما هو إلا من جراء التلقي والتعود.

وقوله: {لا تبديل لخلق الله}قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها. فيكون خبرا بمعنى الطلب، كقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا} [آل عمران: 97] .
وقال آخرون: هو خبر على بابه، ومعناه: أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك، حتى إن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون الله.

و هو دين قيم معصوم عن الخطأ ومتكفل بمصالح الناس، وشاهد على الكتب السالفة تصحيحا ونسخا، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه )المائدة [48] .
فهذا الدين به قوام أمر الأمة. قال عمر بن الخطاب لمعاذ بن جبل: يا معاذ ما قوام هذه الأمة؟ قال: الإخلاص وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين، والطاعة وهي العصمة، فقال عمر: صدقت. يريد معاذ بالإخلاص التوحيد كقوله تعالى (مخلصين له الدين حنفاء) [البينة: 5] .

فالإسلام دين عام خالد مناسب لجميع العصور وصالح لجميع الأمم،بُنيت أحكامه على أصول الفطرة الإنسانية ليكون صالحا للناس كافة وللعصور عامة وقد اقتضى وصف الفطرة أن يكون الإسلام سمحا يسرا لأن السماحة واليسر مبتغى الفطرة.

والاستدراك في قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون لدفع توهم واهم يقول إذا كان هو دين الفطرة وهو القيم فكيف أعرض كثير من الناس عنه بعد تبليغه، فاستدرك ذلك بأنهم جهال لا علم عندهم، فإن كان قد بلغهم فإنهم جهلوا معانيه لإعراضهم عن التأمل، فالمجتمع الإنساني قد عاش عصورا طويلة بأوهام وعوائد ومألوفات أدخلها عليه أهل التضليل، فاختلطت عنده بالعلوم الحق، فليس لتمييزها إلا أهل الرسوخ أصحاب العلوم الصحيحة.




التفاسير المعتمدة:
المحرر الوجيز لابن عطية
زاد المسير لابن الحوزي
التفسير الكبير للرازي
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
التحرير والتنوير لابن عاشور

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 محرم 1438هـ/11-10-2016م, 02:31 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسلوب التفسير المقاصدي ل[سورة الكافرون: الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)


المقصد العام للسورة:
تقرير التوحيد وأن الإسلام واحد وحقيقته واحدة وهي الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة والخلوص من الشرك وأهله، والبراءة من الشرك وأهله هي بمنزلة التابع اللازم للعبارة الأولي والثانية، فلا يصح الإسلام من العبد بدون البراءة من الشرك وأهله، ولذلك كان نزول هذه الآية لما عرض كفار مكة على النبي صلى الله عليه وسلم الأموال والتزويج والرياسة عليهم على أن يعبد هو وهم نفس الآلهة وقيل أنهم عرضوا عليه أن يعبد آلهتهم عاماً وهم يعبدوا إلهه عاماً فنزل الرد من الله بهذه السورة التي تبين أن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الحق ودينهم هو الباطل والحق والباطل ليسوا سواء ولا يمكن أن يكونا شيء واحد.

وكل آية من هذه السورة العظيمة لها مقصد جليل تدور حوله وتبينه وتوضحه أتم بيان وسنحاول سرد مقصد كل آية من هذه الآيات وعلي الله الكريم اعتمادي وهو نعم المولي ونعم المعين:

= قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
مقصده بيان حكمهم في الإسلام وأنهم كافرون وإن كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ولكن لا يخلصون العبادة لله وحده، مؤمنين مع ذلك بأن محمد هو رسوله وهو خاتم النبين لا نبي بعده وأن ما جاء به هو كلام الله حقيقة.

= قوله تعالى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)
هذه الآية تبين نفي أن يكون ما يعبده المسلمون هو ما يعبده هؤلاء الكفار، فمن يعبد الله لا يشرك معه أحد في ربوبيته أو ألوهيته أو أسماءه الحسنى أو صفاته العلى، وهذا كله هم يخالفون فيه المسلمين فلا يكونوا عندها سواء بل بينهما فرق واختلاف.

= قوله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3)
وزاد الله في هذه الآية التأكيد على أن دين المسلمين غير ما عليه المشركين، فبين أنهم لا يعبدون ما يعبد المسلمين فهم أيضاً لا يعبدون ما يعبد المسلمون كما أن المسلمين لا يعبدون ما هم يعبدون، وهذا مما يبين شدة الاختلاف والبعد بينهما.

= قوله تعالى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)
مقصود هذه الآية نفي أن يعبد ما يعبدون في المستقبل وهذا لما كانت الآية الثانية محتملة أنه قد يعبد آلهتهم في المستقبل مع أن دخول لا على المضارع يكون غالباً في الاستقبال كما ذكره أبي السعود في تفسيره وذكر ابن عاشور أن دخولها على المضارع ينفي الاستقبال وعزاه إلى جمهور أهل العربية،
فجاءت هذه الآية لتنفي هذا الاحتمال، فلن يحصل أن يعبد آلهتهم في المستقبل كما أنه لا يعبدها الآن، وهذا اغلاق محكم لكل باب يظن هؤلاء أنهم قد يدخلون منه ويحققون ما يريدون من بقاء آلهتهم المزعومة تعبد من دون الله، فهذه الآية فيها دلالة على ثباته من براءته من آلهتهم وتأييسهم من عبادته إياها.

= قوله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5)
مقصدها بيان أنهم لا يعبدون ما يعبد المسلمون
وهذا من الغيب الذي أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أطلع نوح بقوله تعالى: "إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن"، ذكره ابن عطيه في تفسيره،
وفي تفسير أبي السعود أن هذا خاص بالرهط الذين عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم عاماً وهم يعبدوا إلهه عاماً.

= قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
هذه الآية مقصودها التأكيد على اختلاف دين المسلمين ودين المشركين، فدين المسلمين هو ما رضيه الله لهم ورضوا به وهو الإسلام، ودين المشركين هو ما رضوه هم لأنفسهم ولم يرضى عنه الله وهو الشرك،
وقد قال بعض العلماء أن هذه الآية منسوخة بآية السيف.
وقد قال أبو السعود في تفسيره لهذه السورة ختاماً لها: فتأملْ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ من سورةَ الكافرونَ فكأنَّما قرأَ ربعَ القرآنِ وتباعدتْ عنْهُ مَرَدةُ الشَّياطينِ وبرئ مِنَ الشركِ وتعافَى مِنَ الفزعِ الأكبر.


المصادر:
-تفسير ابن عطيه.
-تفسير أبي السعود.
-تفسير السعدي.
-التحرير والتنوير.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 محرم 1438هـ/20-10-2016م, 07:12 PM
هدى مخاشن هدى مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 240
افتراضي

رسالة تفسيرية مقاصدية في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..
وبعد:
بين يدينا آية من سورة عبس، وهذه السورة مكية، عدد آياتها اثنان وأربعون آية على العد الكوفي، مقصدها الأساسي؛ الإنسان والهداية، فهي تشير للأمور التي فيها رفعة الإنسان وهدايته، وإعلاء مقامه، فتتابع آياتها لـتهديه؛ فتدعوه للتخلق بأخلاق القرآن، وتحثه للهداية من خلال ذكر الآيات التي فيها نعم الله لعباده، ومن خلال عرض الآيات التي تدل على وحدانيته وقدرته، وتحثه لها من خلال تصوير الآخرة وبيان حقارة الدنيا، ومن خلال ذكر نشأة الإنسان ومصيره في الآخرة.
فهي تزكيه وتهديه وترفع حاله ومآله في العاجل والآجل إن هو اتبع الهدى ولزم أمر الله عزّ وجلّ، فبعد أن ذكر الله جل ثناؤه قصة الأعمى الذي أتى الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن بالعتاب لإعراض الرسول عنه، وذكر جحود الإنسان وكفره بربه مع كثرة نعم الله عليه، وبيّن ابتداء خلقه في قوله: {من أي شيء خلقه}،
ذكر ما يسر له من رزقه
؛ وبين له كيف يطعمه، فقال: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} والمقصود بالإنسان هنا هو الإنسان الكافر لأن الغالب في السور المكية مخاطبة الإنسان الكافر.
قال ابن عاشور: ({فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)}. إما مفرع على قوله: {لما يقض ما أمره} [عبس: 23] فيكون مما أمره الله به من النظر، وإما على قوله: {ما أكفره} [عبس: 17] فيكون هذا النظر مما يبطل ويزيل شدة كفر الإنسان، والفاء مع كونها للتفريع تفيد معنى الفصيحة، إذ التقدير: إن أراد أن يقضي ما أمره فلينظر إلى طعامه أو إن أراد نقض كفره فلينظر إلى طعامه). انتهىوالنظر في الآية هو نظر العين الذي تحصل به العبرة والانتفاع؛ ومقصوده التدبر في أحوال طعامه ومراحل أطواره ليستدل به على إيجاد الموجودات من الأرض؛ وهذا مأخوذ من تعدية فعل النظر بحرف {إلى}الذي دل على هذا المقصد
فدعاه للاعتبار ونظر القلب بالفكر، إلى مأكله ومشربه كيف قدره له ودبره فعن مجاهد في قوله: {فلَيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}وَشَرَابِهِ، قالَ: إلى مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ. وعنه قال آيَةٌ لهم،
ودعاه للتفكر إلى ما يصير هذا الطعام بعد ذلك فعن أبي قِلابَةَ قَالَ: مَكْتُوبٌ في التَّوْرَاةِ: يا ابْنَ آدَمَ انْظُرْ إِلَى مَا بَخِلْتَ بهِ إِلَى مَا صَارَ.
فبهذا يتذكر الإنسان منة الله عليه في تيسير ذلك الطعام، وإنباته له بصب الماء وشق الأرض، ليتمتع به هو وأنعامه متاعا حسنا إلى حين، وهذا الأمر في الآية يدعوه إلى إفراد الله بالقدرة والقوة والرزق والإنعام والخلق، لا كما يقول الشيوعيون والدهريون، فالذي أنبت الحبة وأخرجها من باطن الأرض على ضعفها حتى تكون نباتا مستويا على غير مثال سابق، ولا مدبر لها إلا الله، ولا موجد لها إلا هو سبحانه، جدير دون غيره بالوحدانية في العبادة وفي كل أمر، فهو المتفرد بالحكم والملك وهو الذي يصيّر العباد له يوم الدين، بعد أن فارقت أرواحهم الأجساد، وبليت، لأن من أخرج الطعام من الأرض الهامدة قادر على إنبات الأجساد البالية وخروجها للحساب بعدما تزوج بالأرواح فتعود إلى خالقها ومنشأها، وعلى هذا فيكون مقصد الآية الأساسي هو لفت العباد لإحياء الله لهم بعد موتهم كما تنبت الحبة من الأرض والاستعداد لذلك اليوم، وهذا يدعوه بتوحيد الله في كل شيء دون غيره.
قال الله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره * من أي شيء خلقه} وقال: {أفرأيتم ما تمنون*أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون*نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين*على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فب ما لا تعلمون*ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون*أفرأيتم ماتحرثون*أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون*لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون}.

هذا جهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- في الآية إعجاز علمي فبالتفكر في الطعام نجد توافق عظيم بين بعض الأطعمة وأعضاء الجسم في الشكل المخصص بزيادة منفعة لها.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 محرم 1438هـ/20-10-2016م, 08:26 PM
هدى مخاشن هدى مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 240
افتراضي

1. المراجع/
2. تفسير الطبري
3. تفسير الماوردي
4. تفسير ابن عطية
5. تفسير القرطبي
6. تفسير القرآن العظيم لابن كثير
7. تفسير البغوي
8. تفسير المراغي
9. تفسير الجلالين
10. تفسير السيوطي للآية من موقع آفاق التيسير
11. تيسير الكريم الرحمن للسعدي
12. التحرير والتنوير لابن عاشور
13. أضواء البيان لإيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي
14. زبدة التفسير للأشقر
15. رسالة تفسيرية لمساعد الطيار
16. لمسات بيانية لفاضل السمرائي

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24 محرم 1438هـ/25-10-2016م, 01:15 AM
منيرة خليفة أبوعنقة منيرة خليفة أبوعنقة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 618
افتراضي

قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) سورة البقرة

الآية قاعدة حياتية لمن وعاها ، تقوّم المجتمع ، والدستور الأجود لسلامة الناس .
ربما يتسائل البعض كيف للقتل أن يكون سبباً للحياة ؟
والجواب ظاهر في البلاد التي لا تقوم بحد القتل على القاتل بأنها يكثر فيها الجرائم ، وأما البلاد التي تقوم بحد القتل على القاتل فهي وضعت بذلك الرادع لكل من يقوم بالجرائم وعبره لكل من يبادر بالتفكير في إحداث لجرائم فلا يُرى أثر للجرائم في البلات التي تقوم بحد القتل.
وفي ذلك الأمر الإلهي حكمة عظيمة بأن يضع حاجب ضد سطو واعتداء الثائرين والمنتقمين من أولياء المقتول والقاتل فيكون حكم قضاء الدولة نافذ يسد به ثأر الثائرين .
ويُلاحظ في لفظ (حياة) أنها نكرة ولم يقل (الحياة) بصيغة المعرفة ؛ للتعظيم ففي تفيذ القصاص حياة للجميع وهو حكم رباني وسنة كونية واجبة يحل بها السلام ورضى الرب على من قام بشريعته وبه تستمر الحياة وتكون سلامة الفرد والمجتمع.
وقوله (القصاص) أعم من لفظ (القتل) لوقوع المعنى على الجناية في النفس وما دون لجزء منه ونحوه.
أما تخصيص ذوي العقول في الآية دال على أن هناك حكمة خفيه فمن ظاهر القصاص أنها جريمة إلا أنها في الحقيقة سلامة وأمن يتحتم على البلاد لاعتبار الحدود فيها وهذا لا يفهمه إلا المتعقلون الواعون لمقاصد الحياة القويمة.
والكلام الجامع لمثل هذه العبارة الموجزة الجامعة قولهم (أن القتل أنفى للقتل).
وقد أجمع أولو العلم على أن قوله - تعالى - ( وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ ) أبلغ من هذه العبارة التي نطق بها حكماء العرب ، بمقدار ما بين كلام الخالق وكلام المخلوق ، وذكروا أن الآية تفوق ما نطق به حكماء العرب من وجوه كثيرة من أهمها :
1 - أن الآية جعلت سبب الحياة القصاص وهو القتل على وجه التساوي ، أما العبارة العربية فقد جعلت سبب الحياة القتل ، ومن القتل ما يكون ظلماً ، فيكون سببا للفناء لا للحياة ، وتصحيح هذه العبارة أن يقال : القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما .
2 - أن الآية جاءت خالية من التكرار اللفظي ، فعبرت عن القتل الذي هو سبب الحياة بالقصاص . والعبارة كرر فيها لفظ القتل فمسها بهذا التكرار من القتل ما سلمت منه الآية .
3 - أن الآية جعلت القصاص سبباً للحياة التي تتوجه إليها الرغبة مباشرة ، والعبارة العربية جعلت القتل سبباً لنفي القتل الذي تترتب عليه الحياة .
4 - الآية مبنية على الإِثبات والمثل على النفي ، والإِثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان له .
5 - أن تنكير حياة في الآية يفيد تعظيماً ، فيدل على أن القصاص حياة متطاولة كما في قوله - تعالى - ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ ) ولا كذلك المثل . فإن اللام فيه للجنس ، ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء .
6 - تعريف ( القصاص ) بلام الجنس الدالة على حقيقة هذا الحكم المشتملة على الضرب والجرح والقتل - وغير ذلك ، والمثل لا يشمل ذلك .
7 - أن الآية مع أفضليتها عن المثل من حيث البلاغة والشمول واللفظ والمعنى أقل حروفاً من المثل .
هذه بعض وجوه أفضلية الآية على المثل ، وهناك وجوه أخرى ذكرها العلماء في كتبهم .

وفي النظر لعادة القرآن في ذكر الأحكام قوله : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم .. وأما هنا قال : ولكم في القصاص.. ، مما يدل على أن المرء يجب أن يعي ويقرن الحقوق بالواجبات أي أن ما يوجبه الله على الناس فهو ذاته لصالحهم .
إن القصاص حكم رباني فعلى القاتل تسليم نفسه وعلى أهل المقتول عدم الثار وانتظار حكم القضاء الشرعي في البلاد وعلى أهل القاتل التهيب ليوم قصاص المجرم واستدعاءه وعدم السعي في ستر معصية كبيرة تؤول للتعاون على الاثم وانتشار العدوان والسكوت عن القتلى والفوضى.
وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير ، فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال ، فلهم في ذلك حياة وقد جعل الله في القصاص حياة، إذا ذكره الظالم المتعدي كفّ عن القتل.
ويعم القصاص قتل الجماعة بالواحد، بأن الله تعالى قال: ولكم في القصاص ، يعني أن من علم أنه يقتل إذا قتل يكون ذلك رادعا له وزاجرا عن القتل، ولو كان الاثنان لا يقتص منهما للواحد، لكان كل من أحب أن يقتل مسلما، أخذ واحدا من أعوانه فقتله معه، فلم يكن هناك رادع عن القتل ; وبذلك تضيع حكمة القصاص من أصلها، مع أن المتمالئين على القتل يصدق على كل واحد منهم أنه قاتل، فيقتل، ويدل له أن الجماعة لو قذفوا واحدا لوجب حد القذف على جميعهم،



تفسير الطبري
التحرير والتنوير
تفسير الشنقيطي
تفسير الشعراوي
وحي القلم للرافعي
تفسير القرطبي
تفسير الوسيط للطنطاوي

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24 محرم 1438هـ/25-10-2016م, 07:37 PM
أماني مخاشن أماني مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 176
افتراضي

)واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ( 175)ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون 176 )
سأقف مستعينة بالله وقفة يسيرة مع الآية الأولى .
فقد ضرب الله في الآيات مثلا لصاحب العلم الذي لم ينتفع بعلمه ، ولم يرتفع به، وقد ذكر المفسرون في تعيينه أقوالا غالبها من الإسرائيليات التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا نطيل في ذكرها ، لأن المقام ليس لبسط ذلك .
وأما مناسبة الآية لما قبلها فإن فيها إشارة العبرة من حال أحد الذين أخذ الله عليهم العهد بالتوحيد والامتثال لأمر الله ، وأمده الله بعلم يعينه على الوفاء بما عاهد الله عليه في الفطرة ، ثم لم ينفعه ذلك كله حين لم يقدر الله له الهدى المستمر .
فالآيات الكريمة تبين أن توحيد الله تعالى هو الفطرة التي فطر الناس عليها ، فهذا الرجل ألهمه الله كراهية الشرك ، وألقى في نفسه طلب الحق ، ويسر له قراءة كتب الأنبياء ، وحبب إليه الحنيفية ، فلما انفتح له باب الهدى كابر وحسد وأعرض عن الإسلام ،فكان في ابتداء أمره على الهدى والحق ولكنه مال عن ذلك.
وفي هذا دليل على امتنان الله على خلقه ابتداءً وأنه لم يتركهم هملا ولا سدى ، وأنه آتاهم الآيات التي تسلك بهم سبيل الصراط المستقيم ، وتدلهم على وجود خالق واحد ، لا إله غيره ولارب سواه ، ومن أول تلك الآيات ما فطر الله الناس عليه من صحة المنهج والتوحيد لله ففي الحديث الذي أخرجه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا؛ كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم) فالفطرة أول الأدلة على التوحيد .
ومن تلك الآيات الأدلة النقلية وهي ما أنزله الله من الكتب بواسطة رسله عليهم السلام .
ومنها الأدلة العقلية إلى غير ذلك من الأدلة المتكاثرة المتوافرة على وحدانية الله سبحانه وتعالى
ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد .
وبالرغم من عظيم منة الله عز وجل بالعلم على هذا العبد الذي ذكر الله حاله إلا أنه تبرأ من ذلك كله وانسلخ منه ، وفي التعبير بالانسلاخ دلالة على البراءة والانفصال والبعد، كالسلخ من الثياب والجلد، وفيه دلالة بينة على أن ابتداء الغواية هي من قبل الإنسان وباختياره وإرادته
فلذلك تسلط عليه الشيطان ، فيأتي الشيطان عليه تبعا نتيجة إعراضه عن الحق واستجابته للشيطان.
فلفظة (فأتبعه) تدل على أنه لحقه وأدركه الشيطان كما قال ذلك ابن القيم ، فالشيطان دائم الوسوسة حريص على إغواء بني آدم يجري منهم مجرى الدم ، ولكنه يظفر تمام الظفر بمن أذعن له والتفت لوساوسه واتبع خطواته ولم يستعن بمولاه ، أما إذا انطلق غير ملتفت لنزغاته وخطراته مستعيذا بالله منه فإنه يسير سيرا صحيحا مستقيما .
ولا جرم أن من كانت حاله أنه انسلخ عن جميع ما يُسر له ، ولم ينتفع به عند إبان الانتفاع ، أن يكون من الغاوين ويموت على الكفر والغواية عياذا بالله من تلك الحال .

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 26 محرم 1438هـ/27-10-2016م, 05:57 AM
الصورة الرمزية أم أسامة بنت يوسف
أم أسامة بنت يوسف أم أسامة بنت يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 613
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون}

في الحديث المرفوع عن أبي بن كعب رضي الله عنه، وفيه: "ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب" رواه أبو داود وغيره، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وهذا النص النبوي يحوي إشارة لطيفة بالارتباط الوثيق بين الآية وخاتمتها، ومن تدبر خواتيم الآيات وأعمل فكره في ربطها بأولها، تفتحت له بركات إعجاز القرآن وبلاغته.
ظاهر الآية الكريمة، مقارنة بين الأرض الطيبة ذات النبت الكثير، والأرض الخبيثة السبخة التي لا تكاد تُخْرِجُ ما ينفع، وقد تضافرت الروايات عن أئمة المفسرين منذ عهد الصحابة -رضي الله عنهم- في أنها مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للمؤمن والكافر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فهذا مثل ضربه الله للمؤمن، يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثلَ الكافر كالبلدة السَّبِخة المالحة التي يخرج منها النز، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث) رواه الطبري.
فالمؤمن طيب النفس طيب القول طيب العمل طيب السريرة طيب الخُلُق والمعاشرة، ومن لوازم طيبه أن يكون شكورا، وقد أشارت الآية إلى ذلك في ختمها بقوله تعالى {لقوم يشكرون}. فما هو الشكر؟ وما علاقته بتعدي النفع؟
الشكر يكون بالقلب والقول والعمل. قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى {أليس الله بأعلم بالشاكرين}: (فأخبر سبحانه أنه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة ويشكره عليها، فإن أصل الشكر هو: الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة. فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلا بها لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضا، ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها. ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضى به وعنه لم يشكرها أيضا، ومن عرفها وعرف المنعم بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها. فلا بد في الشكر من: علم القلب، وعمل يتبع العلم وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له) وقال: (وهو -أي الشكر- مبني على ثلاثة أركان: الاعتراف بها باطنا، والتحدث بها ظاهرا، وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها. فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها).
فالشكر عبادة عظيمة جليلة، تتواطأ فيها جميع جوارح الإنسان لأدائها، قلبه ولسانه وجوارحه، وهو من دلائل محبة الله سبحانه وتعالى وبراهين تعلق العبد بربه ورحمته وشوقه لقائه.
وشكر القلب جامع لمعاني الامتنان والرضا والسكينة والخضوع والمحبة (وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه : شهودا ومحبة، وعلى جوارحه : انقيادا وطاعة.
والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها فمتى عدم منها واحدة، اختل من قواعد الشكر قاعدة. وكل من تكلم في الشكر وحدّه فكلامه إليها يرجع وعليها يدور) ابن القيم رحمه الله.
أما شكر القول: فرأسه الذكر كما قال ابن القيم رحمه الله وغيره، قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}، كذا التحدث بالنعمة والثناء بها كما سيأتي معنا -إن شاء الله-
وأما شكر العمل: فمن قوله تعالى: {اعملوا آل داود شكرا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري رحمه الله عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا». فسمى صلاته واجتهاده في قيام الليل شكرا، ومن شكر العمل الكف عن استخدام ما وهبنا الله في عصيانه، لما سُئِلَ الجنيد رحمه الله عن الشكر قال: (أن لا يعصى الله بنعمه) وقال محمد بن لوط: (الشُّكْرُ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ).
ومن شكر الهداية والعلم شكرا عمليا الحديث الذي أورده المفسرون في الآية التي هي أصل مقالنا هذا، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكانت منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت فذلك مثل من فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فَعَلم وَعَلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يَقْبَل هُدَى الله الذي أُرْسِلْتُ به» رواه البخاري ومسلم.
وهذا مظهر من مظاهر الشكر بالعمل، فقبول الهدى ثم تعليمه ونفع الناس به من شكر نعمة الوحي والإسلام والهداية والعلم، ولعله -والله تعالى أعلم- من جميل ارتباط صدر الآية بتمثيل المؤمن كالأرض الطيبة، وخاتمتها بالشكر.

والعبد يشكر الله على ما يغذوه من النعم، وهو المعنى المعلوم المشتهر {رب أوزعني أن أشكر نعمتك} {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ} {وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ}
ويشكر الله على نعمة شرائعه وأحكامه وما فيها من تدبير وحكمة ولطف ودلالة ورفع للحيرة والتيه، وقد أشير لذلك في عدد من آيات الكتاب إذ ختم الله تعالى آيات الأحكام بالشكر، كما في آية المائدة وفيها حكم اليمين وكفارتها: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وكما في آية الصيام: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وكما في آية التيمم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال ابن القيم رحمه الله: (وَأَوْلَى مَا فَرِحَ بِهِ الْعَبْدُ فَضْلُ رَبِّهِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَيُحِبُّ الْفَرَحَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الشُّكْرِ، وَمَنْ لَا يَفْرَحْ بِنِعْمَةِ الْمُنْعِمِ لَا يُعَدُّ شَكُورًا).
ويشكر العبد ربه على آياته الكونية، وما سخر للإنسان من أرض وسماء، وبحر وماء، وجبال وجَمَال، وإلى هذا المعنى كذلك أشارت آيات عديدة نحو هذه الآية التي صدرت بها رسالتي {وكذلك نصرف الآيات..} وقد كان قبلها إيراد لعدد من الآيات الكونية، ونحو قوله تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا}، وقوله جل وعز: {اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

بل يشكر العبد ربه على ذاته العلية سبحانه ذو الجلال والإكرام، يشكر الله على جميل أسمائه وجليل صفاته، يشكر الله على عفوه ورحمته وعظيم خلقه، قال الله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}

فإن قلت: كيف أشكر؟ فأول الشكر معرفة معناه واستحضار المشكور عليه، قال ابن القيم رحمه الله شارحا لكلام الهروي رحمه الله (ومعاني الشكر ثلاثة أشياء: معرفة النعمة، ثم قبول النعمة، ثم الثناء بها) قال: (أما معرفتها: فهو إحضارها في الذهن، ومشاهدتها وتمييزها. فمعرفتها: تحصيلها ذهنا، كما حصلت له خارجا. إذ كثير من الناس تحسن إليه وهو لا يدري. فلا يصح من هذا الشكر.
قوله: "ثم قبول النعمة" قبولها: هو تلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة إليها. وأن وصولها إليه بغير استحقاق منه، ولا بذل ثمن. بل يرى نفسه فيها كالطفيلي. فإن هذا شاهد بقبولها حقيقة.
قوله: "ثم الثناء بها" الثناء على المنعم، المتعلق بالنعمة نوعان: عام، وخاص. فالعام: وصفه بالجود والكرم، والبر والإحسان، وسعة العطاء، ونحو ذلك. والخاص: التحدث بنعمته، والإخبار بوصولها إليه من جهته. كما قال تعالى {وأما بنعمة ربك فحدث})
والشكر عبادة والعبادة شكر، لا يتصور أحدهما دون الآخر، قال تعالى: {وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وفي الأخرى {وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وقال: { وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ}. ولما قرن بين الشكر ونقيضه ظهر جليا عظيم مقام الشكر، قال تعالى: {وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} وقال سليمان عليه السلام، فيما ذكر عنه في القرآن: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وقال جل وعز: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} قال ابن تيمية رحمه الله: (فإن العبد يدعوه إلى عبادة الله؛ داعي الشكر وداعي العلم. فإنه يشهد نعم الله عليه وذاك داع إلى شكرها. وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها والله تعالى هو المنعم المحسن الذي ما بالعباد من نعمة فمنه وحده)
واعلم أنه كلما زاد عقل العبد زاد شكره، فإنما النفع من ذلك عائد عليه، والشكر من العبادات التي ينال العبد ثوابها وحسن الجزاء عليها في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه}، وقال جل وعز: {لئن شكرتم لأزيدنكم} بل الشكر من أكبر أسباب زوال العقوبات الدنيوية وتجاوز الله عنها ومغفرتها للعبد، قال سبحانه {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} ومع هذا، فقد قصرت العقول ودنت الهمم وكثر الكنود وقل الشكور، قال تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} فالشاكرون قليل، وشكر الشاكرين قليل، فإذا شكر العبد عمره كله ما أدى حق أصغر وأقل نعمة من نعم الله عليه وكل نعم الله كثير كبير، بل الشكر نفسه تجدد نعمة يستحق بذاته الشكر! ففي الأثر أن داود عليه السلام قال: يا رب، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي؟ فقال الله تعالى: الآن شكرتني يا داود. فسبحانك اللهم ربي، لك الحمد في سري وجهري
(لو كل جارحة مني لها لغة = تثني عليك بما أوليت من حسن
لكان ما زاد شكري إذ شكرت به = إليك أبلغ في الإحسان والمنن)

المراجع:
تفسير الطبري رحمه الله.
تفسير ابن كثير رحمه الله.
مجموع الفتاوى والفتاوى الكبرى لابن تيمية رحمه الله.
الوابل الصيب وطريق الهجرتين وعدة الصابرين ومدارج السالكين لابن القيم رحمه الله.
الشكر لابن أبي الدنيا رحمه الله.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 27 محرم 1438هـ/28-10-2016م, 06:56 PM
رزان المحمدي رزان المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 255
افتراضي

الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)

نقف مع وقفات مع بداية سورة العنكبوت إذ بدأها بخطابه إلى قوم من المؤمنين كانوا بمكة ، وكان كفار قريش يعذبونهم فكانوا يضيقون ذرعا من ذلك ، فنزلت هذه الآية مسلية لهم ، ومخبرة بأن هذه هي سيرة الله تعالى في عباده اختبارا لهم .
والحكمة من افتتاح السورة بحروف مقطعة لا يفهم معناها لأن الحكيم إذا خاطب من يكون في محل الغفلة، أو من يكون مشغول البال بشغل يشغله يقدم على الكلام المقصود سبباً غيره ليلتفت المخاطب (إليه) بسببه، ويقبل بقلبه عليه، ثم يشرع في المقصود.
لكن إذا ابتدأ بحروف لها معنى فربما ظن السامع أنه كل المقصود ولا يلتفت إليه.
ثم بعد ذلك بدأ الآية باستفهام استنكاري لمفهوم الناس للإيمان، وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان:(( أحسب الناس أن يتركوا بغير اختبار ولا ابتلاء أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ))
والمعنى: أظن الناس بعد إيجادهم أنهم متروكون بغير اختبار بمجرد قولهم: آمنّا بالله ورسله، وهم لا يمتحنون بالتكاليف الشرعية كالجهاد في سبيل الله، والهجرة من مكة إلى المدينة، وأداء الفرائض البدنية كالصلاة، والمالية كالزكاة، والتعرّض للمصائب في الأنفس والأموال، ومجاهدة أهواء النفس والشيطان، بالامتناع عن المعاصي والموبقات؟! وهذا استفهام إنكاري، معناه أن الله تعالى لا بد من أن يبتلي عباده المؤمنين، للتحقق من مدى صدق إيمانهم وقوة يقينهم. قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية مؤنسة ومعلمة أن هذه السيرة هي سيرة الله تبارك وتعالى في عباده، اختبارا للمؤمنين وقتئذ- وفي كل وقت- ليعلم الله الصادق ويرى ثواب الله تعالى له، ويعلم الكاذب ويرى عقابه إياه. وهذه الآية وإن نزلت لهذا السبب، فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، موجود حكمها بقية الدهر.
وسببها الخاص إيناس المؤمنين الأولين الذين تعرّضوا لإيذاء كفار قريش وتعذيبهم على الإسلام، فكانوا يتضايقون بذلك. لكنهم في هذا مطالبون بالصبر كمن أوذي ممن قبلهم.
وهذا ما أبانته الآية الآتية، فتالله لقد امتحنا واختبرنا المؤمنين السابقين، بل والأنبياء المتقدمين بألوان الأذى والشدة والضّرر، ليعلم الله علم ظهور وانكشاف، بأن يظهر الله علمه فيهم، ويوجد ما علمه أزلا، لا علما يسبقه جهل، لأن الله عالم بكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل، ليعلم الذين وجد منهم الصدق، والقائمين على الكذب. والتعبير بقوله: الَّذِينَ صَدَقُوا في حقّ المؤمنين، وبقوله: وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ في حقّ الكافرين، للدلالة في هؤلاء الكفرة على الثبات والدوام.
فهو يخبرهم إنما هو حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال.
وأن من حكمته أن يختبر كل من ادعى الإيمان وقال إنه مؤمن ، لكي يتميز الصادق من الكاذب ، وأنه لابد أن يبتليهم بالسراء والضراء ومجاهدة الأعداء بالقول والفعل وغيرها من الفتن التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات وفتن الشهوات
لذلك من كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
فاختبر صحة قولهم أولاً بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأحكام، و اختبرهم ثانياً بالصبر على البأساء والضراء عند الابتلاء بالمشركين في التحمل لأذاهم والتجرع لبلاياهم وغير ذلك من الأفعال.
ثم عزاهم فقال: {ولقد فتنا الذين من قبلهم} يعني الأنبياء والمؤمنين، فمنهم من نُشِرَ بِمنْشَارٍ، ومنهم من قتل، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون، فكان يسومُهُمْ سوء العذاب.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء مبينا في آيات أخر من كتاب الله ; كقوله تعالى:((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب))، وقوله:(( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين))، وقوله تعالى:(( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم))، وقوله تعالى:(( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب )) ، وقوله تعالى:(( وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور))، وقوله تعالى:(( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون))، إلى غير ذلك من الآيات، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله هنا:(( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا)).
وقد بينت السنة الثابتة أن هذا الابتلاء المذكور في هذه الآية يبتلى به المؤمنون على قدر ما عندهم من الإيمان ; كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» .


ولقد عدد الشيخ سيد قطب بعض الفتن التي يتعرض إليها المؤمن في حياته في كتابه ظلال القرآن ، فذكر منها:

- أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان.
- هناك فتنة الأهل والأحياء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه، وهو لا يملك عنهم دفعا. وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم وينادونه باسم الحب والقرابة، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك. وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير.
- وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين، تهتف لهم الدنيا، وتصفق لهم الجماهير، وتتحطم في طريقهم العوائق، وتصاغ لهم الأمجاد، وتصفو لهم الحياة. وهو مهمل منكر لا يحس به أحد، ولا يحامي عنه أحد، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا.
- وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة وهو وحده موحش عريب طريد.
- وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام. فتنة أن يجد المؤمن أمما ودولا غارقة في الرذيلة، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها، متحضرة في حياتها، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان، ويجدها غنية قوية، وهي مشاقة لله!
- وهنالك الفتنة الكبرى أكبر من هذا كله وأعنف: فتنة النفس والشهوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
· المراجع:
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
- تفسير السعدي.
- تفسير ابن عطية.
- في ظلال القرآن.
- اللباب في علوم الكتاب.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 1 صفر 1438هـ/1-11-2016م, 09:58 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تقويم التطبيق السادس

نورة الأمير: هـ
- آمل إعادة التطبيق، وكتابته بأسلوبك، بمراعاة خطواتك كتابة الرسالة التفسيرية، وسمات التفسير المقاصدي.


ضحى الحقيل: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- من مقاصد السورة الظاهرة بيان رفعة المؤمنين وعلوّ شأنهم واستقامة طريقتهم وأنهم لا يسفلون أبداً في الدنيا ولا في الآخرة ولو امتدّت أعمارهم في الدنيا فأجرهم يجري لهم غير منقوص ولا مقطوع، وهذا فيه من التأكيد على رفعة المؤمنين وعزتهم حسن عاقبتهم ما لا يخفى.
- وتضمنت السورة التحذير من التفريط في الإيمان وعمل الصالحات لأن هذا التفريط يفضي بصاحبه إلى غاية السفل وسوء العاقبة.
- الصواب في معنى (غير ممنون) أي / غير مقطوع ولا منقوص؛ لأن المَنّ في اللغة يجمع المعنيين وبه فسره السلف، وقد أطال ابن القيم في الرد على من زعم أن معنى (غير ممنون) أي لا يمنّ به عليهم؛ فردّه لغة وشرعاً وأحسن في ذلك؛ فلعلك تراجعينه.

سارة المشري: ب
- أحسنت في أوّل الرسالة، لكنك أكثرت من النقل عن ابن عاشور وغيره في بعض المواضع بعدها من غير عزو.
- الأحاديث والآثار التي تذكر في الرسالة يجب أن تعزى إلى مصادرها الأصلية.

سها حطب: د
- أكثرت من النقل عن ابن عاشور وغيره بالنص أو شبهه.

علاء عبد الفتاح: ب
- أحسنت بارك الله فيك.
- الكلام في أسباب النزول عمدته على صحة النقل، ولذلك إذا ذكرت سبب النزول فاذكر مستندك في ذلك بذكر الأثر الوارد في سبب النزول معزوا إلى مصدر أصلي.
- واصل التمرن على الأسلوب المقاصدي.

هدى مخاشن: ج
- أحسنت بارك الله فيك.
- فرقي بين إعادة صياغة كلام المفسر بالتغيير على ألفاظه، وبين كلامه وكلام غيره من المفسّرين والتعبير عما فهمتيه بعبارات من إنشائك وبأسلوبك؛ فالمطلوب هو الثاني، والأول ممنوع.


منيرة خليفة: د
- انتقاؤك لهذه النصوص يدلّ على فهم جيد لمعنى التفسير المقاصدي لكن يجب أن تكون كتابة الرسالة من إنشائك، وإذا نقلت كلام أحد من المفسّرين بألفاظه فنصي على ذلك، ولا تكثري من النقل.

أماني مخاشن: أ
- أحسنت بارك الله فيك
- واصلي التمرن على التفسير بالأسلوب المقاصدي.

أم أسامة: أ
أحسنت بارك الله فيك لكن غلب عليك الإسهاب في موضوع الشكر حتى خرجت إلى نوع من التفسير الموضوعي، وكان الأولى الحديث عن مقاصد الآية وتناسب أولها بآخرها وبيان أثر طيب القلب في صلاح الأعمال والانتفاع بالمواعظ، وأن شكر العبد لربّه من دلائل صلاح سريرته وطيب مقاصده، والتحذير من الآفات التي تضرّ بالقلب فتذهب طيبه أو تضعف، والتوقف عند وصف الخبث والنكد وبيان تنوعهما ودرجات دخولهما على القلوب وآثارهما على الأعمال؛ فهذه الأمور وثيقة الصلة بمقاصد الآية، والحديث عنها على ما أرشدت إليه الآية من التفسير المقاصدي.
وأرجو أن يكون الفرق قد اتّضح لك بين التفسير الموضوعي والتفسير المقاصدي.
ولم أدرج التفسير الموضوعي في أساليب التفسير لأن الغالب في كلام المتكلمين فيه في كثير من أنواعه خارج عن حدّ التفسير إلى الحديث عن موضوع محدد ورد ذكره في القرآن.

رزان: هـ
- كان الأولى أن تختاري آية غير المذكورة في أمثلة الدرس.
- اعتمادك على النقل ظاهر ، والواجب أن تكتبي الرسالة من إنشائك.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 2 صفر 1438هـ/2-11-2016م, 04:30 AM
ماهر القسي ماهر القسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 467
افتراضي الطالب ماهر غازي القسي

التفسير المقاصدي لقوله تعالى " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما "
المقصد العام للآية : إن الله غني عن عباده وعن عبادتهم , ولولا دعاؤهم وإيمانهم به لم يكن لهم وزن وقيمة عند الله سبحانه , ولولا هذا الإيمان لكان العباد كلهم في نار جهنم قولاً فصلا
وهذه الآية من الآيات التي ينطبق عليها قاعدة " مناسبة فواتح السور لخواتمها " حيث نجد أن السورة تبدأ بأمر ثم تختم بنفس الموضوع , وافتتحت سورة الفرقان بقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} وختمت بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} فالإنذار وبيان مهمة الرسول وأحواله هو محور السورة عمومًا ومدار الكلام في طرفيها خصوصًا.
وهو ختام يناسب موضوع السورة كلها ومساقها للتسرية عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وتعزيته عما يلاقي من عناد قومه وجحودهم، وتطاولهم عليه، وهم يعرفون مقامه ولكنهم في سبيل الإبقاء على باطلهم يعاندون ويصرون.. فما قومه؟ وما هذه البشرية كلها، لولا القلة المؤمنة التي تدعو الله. وتتضرع إليه.
كما يدعو عباد الرحمن ويتضرعون؟
من هم والأرض التي تضم البشر جميعا إن هي إلا ذرة صغيرة في فضاء الكون الهائل. والبشرية كلها إن هي إلا نوع من أنواع الأحياء الكثيرة على وجه هذه الأرض. والأمة واحدة من أمم هذه الأرض. والجيل الواحد من أمة إن هو إلا صفحة من كتاب ضخم لا يعلم عدد صفحاته إلا الله؟
وإن الإنسان مع ذلك لينتفخ وينتفخ ويحسب نفسه شيئا ويتطاول ويتطاول حتى ليتطاول على خالقه سبحانه! وهو هين هين، ضعيف ضعيف، قاصر قاصر. إلا أن يتصل بالله فيستمد منه القوة والرشاد، وعندئذ فقط يكون شيئا في ميزان الله وقد يرجح ملائكة الرحمن في هذا الميزان. فضلا من الله الذي كرم هذا " نقلا عن كتاب " في ظلال القرآن "

(مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ)
لها معانٍ عدة
- قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلت إليهم: أيّ شيء يَعُدّكم، وأيّ شيء يصنع بكم ربي؟ يقال منه: عبأت به أعبأ عبئا، " يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا: لاَ يُعْتَدُّ بِهِ " , مَجَازُهُ: أَيُّ وَزْنٍ وَأَيُّ مِقْدَارٍ لَكُمْ عِنْدَهُ،
- وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حبَّبه إلى المؤمنين.
- قُلْ مَا يَعْبَأُ بِخَلْقِكُمْ رَبِّي لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ وَطَاعَتُكُمْ إِيَّاهُ يَعْنِي إِنَّهُ خَلَقَكُمْ لِعِبَادَتِهِ، كَمَا قَالَ: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذَّارِيَاتِ-56)
- مَا يُبَالِي بِمَغْفِرَتِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَعَهُ آلِهَةً،
- مَا يَفْعَلُ بِعَذَابِكُمْ لَوْلَا شِرْكُكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ" (النِّسَاءِ-147) .
- مَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ فِي الشَّدَائِدِ، كَمَا قَالَ: "فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ" (الْعَنْكَبُوتِ-65) ، وَقَالَ: "فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ" (الْأَنْعَامِ-42) .
- مَا خَلَقْتُكُمْ وَلِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ إِلَّا أَنْ تَسْأَلُونِي فَأُعْطِيَكُمْ وَتَسْتَغْفِرُونِي فَأَغْفِرَ لَكُمْ.
ومن هذه المعاني العظيمة تتجلى لنا مقاصد كثيرة في هذه الآية وهذه المقاصد هي جزء من قواعد كلية أتى لترسيخها الدين الحنيف ومن هذه المقاصد المهمة
- الله غني عن عباده وغني عنهم بكل أمر ( عبادتهم , دعائهم ) .
- لم يخلق الله عباده مجبورين ليس لهم إرادة بل جعل لهم إرادة حرة وعلى اختياراهم سيحاسبون فلو أراد سبحانه أن يجعل خلقه كلهم مؤمنين لفعل ولكنه أرادهم مختارين إذ لو كان له بهم حاجة لخلقهم جميعا مؤمنين .
- على العبد المؤمن أن يكون دائم الصلة بالله يدعوه في كل حالاته فالعباد ليس لهم وزن عند الله لولا دعاؤهم ربهم في كل أمر وتضرعهم إليهم وتذللهم عند بابه سبحانه , وخاصة عند الشدائد والمكاره .

{لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}
- قيل دعاؤكم إِيَّاهُ لتعبدوه وتطيعوه.
- وَقِيلَ: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ،
- وَقِيلَ: لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ،
- وَقِيلَ: لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِذَا آمَنْتُمْ ظَهَرَ لَكُمْ قَدْرٌ.
مقصد الآية : أنه لولا الإيمان والدعاء لم يكن للعباد قيمة تذكر , فلولا الإيمان لكانوا كالبهائم

{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ}
- المخاطب أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، يُخَاطِبُ أَهْلَ مَكَّةَ، يَعْنِي: إِنِ اللَّهَ دَعَاكُمْ بِالرَّسُولِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ فَقَدْ كَذَّبْتُمُ الرَّسُولَ وَلَمْ تُجِيبُوهُ.
وقوله: (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) يقول تعالى ذكره لمشركي قريش قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد كذبتم أيها القوم رسولكم الذي أرسل إليكم وخالفتم أمر ربكم الذي أمر بالتمسك به لو تمسكتم به، كان يعبأ بكم ربي، فسوف يكون تكذيبكم رسول ربكم، وخلافكم أمر بارئكم، عذابًا لكم ملازما، قتلا بالسيوف وهلاكا لكم مفنيا يلحق بعضكم بعضا،
- أو هو تهديد للعباد بمعنى ( إذا كذبتم فسيكون عقابكم ملازما لكم ) .
مقصد الآية : الآية هذه تحذير وإنذار من الله لعبادهم بأن لا يتخذوا الكفر طريقا لهم , أو هي مما قص الله علينا لفي كتابه عن الكفار وعن مآلهم لكي نتعظ وتكون قصصهم عبرة لنا .

{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}
- هَذَا تَهْدِيدُهُ لَهُمْ، أَيْ: يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ لِزَامًا،
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوْتًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَلَاكًا
- وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قِتَالًا.
- التعذيب في الدنيا والآخرة لازما وواجبا لهم وعليهم فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلٍ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَاتَّصَلَ بِهِمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ، لَازِمًا لَهُمْ. عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ" (2) , فكان كفرهم وتكذيبهم مُقْتَضِيًا لِهَلَاكِكُمْ وَعَذَابِكُمْ وَدَمَارِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
- وَقِيلَ: اللِّزَامُ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ.
- يعني باللزام: الكبير الذي يتبع بعضه بعضا، ففعل الله ذلك بهم، وصدقهم وعده، وقتلهم يوم بدر بأيدي أوليائه، وألحق بعضهم ببعض، فكان ذلك العذاب اللزام.
مقصد الآية
كل هذه المعاني واردة بمن اتخذ الكفر طريقاً , فهذا كله كائن وواقع بمن كفر , فالعذاب سيكون في الدنيا والآخرة

التفاسير التي اعتمدت عليها
التحرير والتنوير
الطبري
البغوي
ابن كثير
في ظلال القرآن

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 6 صفر 1438هـ/6-11-2016م, 01:56 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تفسير سورة الكوثر تفسيرا مقاصديا:

(إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر)

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
بادئ ذي بدء نذكر موجزا عن سبب نزول السورة ومناسبتها ، لنعي مقاصدها وندركها، والسورة كما ذكر ذلك الشراح والمفسرون نزلت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسري بها عنه ربه، فقد ورد أن سفهاء قريش ممن كانوا يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بالكيد والمكر وإظهار السخرية والاستهزاء , ليصرفوا جمهرة الناس عن الاستماع للحق الذي جاءهم به من عند الله , من أمثال العاص ابن وائل , وعقبة بن أبي معيط , وأبي لهب , وأبي جهل , وغيرهم , كانوا يقولون عن النبي إنه أبتر ، يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده . وقال أحدهم: دعوه فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره !

لذا فالمقصد العام للسورة:
هو بشارة رسول الله والتسرية عنه ، وبالتالي التسرية عن غيره من الدعاة ممن اقتفوا أثره ولاقوا ما لاقاه من الأذى النفسي والجسدي، ووعدهم بالخير، ولأعدائهم بالبتر، والمقصد النهائي والذي تحول إليه الطرق قبله وتوجهها إليه ، ألا وهو الحث على الشكر لله على نعمه الدائمة وخيره المتواصل، ورده الشرور وبتره له، وذلك يكون عمليا كما يكون قلبيا، عبر الصلوات والنحر وغيرها من العبادات التي لا تجوز لأحد سوى الله. 



(إنا أعطيناك الكوثر)

افتتح - سبحانه - الكلام بحرف التأكيد ،والمقصد من ذلك هو للاهتمام بالخبر ، وللإِشعار بأن المعطى شيء عظيم . .
وذكر مفردة (أعطيناك) تحديدا تفيد عدة معاني:
أولا: أن الله ذكر أنه عطاء ، والعطاء لا يسترجع ، وهذا مما يشعر بالطمأنينة وعدم الخوف من الفقد.
ثانيا: ذكرها بصيغة الماضي ، وهذه فيها دلالة على أن الأمر صار وانتهى وليس أمرا مستقبليا، فهو إذن ثابت حدوثه لا محالة ، وهذا يفيد ما فاده الأول كذلك بالشعور بالأمان ، وعدم فقد ما أعطيه.
ثالثا: مخاطبة الرسول بصيغة التعظيم (أعطيناك) توحي بأن هذا العطاء من عظيم ، كثير الخير، فهو إذن لا يخشى منه أن يبتر هذا الخير أو يقطعه، أو أن ينتهي عطاؤه أو يقل.
وكل ذلك يوصل لمقصد عظيم، هو التذكير بأن الذي قطع عن رسول الله نسل الذكور، هو الذي أعطاه هذا الخير الكثير، لذا فما أعطاه الله لرسوله هو الخير الحقيقي وهو ارتفاع ذكره وانتشار هديه وخبره، أما انقطاع عقبه فليس بترا حقيقيا يضره ، وعلى ذلك فالأبتر من فقد الخير الكثير والكوثر الذي امتن الله به على نبيه وهو شانئ رسول الله.

-أصل الخلاف في معنى الكوثر هل هو للجنس أم للعهد؟

- فإن كان للعهد الذهني فالقول الصحيح أنه نهر في الجنّة، لدلالة الأحاديث الصحيحة على تعيين المراد به؛ كما في صحيح مسلم عن أنس قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أظهرنا في المسجد؛ إذ أغفى إغفاءةً، ثمّ رفع رأسه متبسّماً، قلنا: ما أضحكك يا رسول اللّه؟ قال: «لقد أنزلت عليّ آنفاً سورةٌ» فقرأ: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {إنّا أعطيناك الكوثر * فصلّ لربّك وانحر * إنّ شانئك هو الأبتر}». ثمّ قال: «أتدرون ما الكوثر؟». قلنا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «فإنّه نهرٌ وعدنيه ربّي عزّ وجلّ، عليه خيرٌ كثيرٌ، وهو حوضٌ ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد النّجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: ربّ، إنّه من أمّتي. فيقول: إنّك ما تدري ما أحدث بعدك».
وري عن ابن عمر وعائشة وحذيفة في ذلك أحاديث مرفوعة وموقوفة.
وقد رجّح ابن جرير هذا القول، وقال ابن حجر: لا معدل عنه.
وبالقول بالرأي الأول ، يكون مقصد الوعد بهذا النهر ، هو تعويض رسول الله تعويضا ماديا في الجنة غير منقطع ولا مبتور خلاف ما وصمه به المشركين ودعوه به، ففي هذا تسلية لرسول الله ، وعطاء دائم أخروي مقابل النقص المؤقت الدنيوي.
- وإن كان التعريف للجنس: كما قال ابن عباس، وهو أنّ المراد بالكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه في الدنيا والآخرة، ويكون النهر من جملة ذلك الخير، والنص عليه في الحديث من باب التفسير بالمثال لا على إرادة الحصر.
فعلى هذا القول، فإن المقصد ليس بعيدا عن المقصد الأول، لكنه أشمل وأعم، وقد يشمل عطاء دنيويا كما شمل العطاء الأخروي، وبهذا بيان كذلك ورسالة للدعاة من بعد رسول الله أن لا يحزنهم ما يلقونه من سب وشتم وأذى جراء دعوتهم، فبمقابل الأذى هنالك الخير الكثير والعطاء الجزيل الذي لا انقطاع له.

( فصل لربك وانحر )
أي : كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته - فأخلص لربك صلاتك ونحرك .

وفي مناسبة الآية لما قبلها ذكر ابن عاشور أنه: ناسب أن يكون الشكر بالازدياد مما عاداه عليه المشركون وغيرهم ممن قالوا مقالتهم الشنعاء : إنه أبتر ، فإن الصلاة لله شكر له وإغاظة للذين ينهونه عن الصلاة كما قال تعالى : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } [ العلق : 9 ، 10 ] لأنهم إنما نهَوْه عن الصلاة التي هي لوجه الله دون العبادة لأصنامهم ، وكذلك النحر لله .والعدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر في قوله : { فصل لربك } دون : فصلِّ لنا ، لما في لفظ الرب من الإِيماء إلى استحقاقه العبادة لأجل ربوبيته فضلاً عن فرط إنعامه ، وإضافة ( رب ) إلى ضمير المخاطب لقصد تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتقريبه ، وفيه تعريض بأنه يربُّه ويرأف به .
والمقصد من الأمر بالصلاة ، هو الأمر بالمداومة عليها، وتخصيصها بجعلها للرب، فيه تأكيد على إخلاص هذه العبادة وغيرها لله، ومحاولة تجديد النوايا في سبيل ذلك.
كذلك لعل من مقاصد ذكر الأمر بالصلاة في هذه السورة التي مناسبتها التسرية عن رسول الله، هو إخبار له ولغيره أن الصلاة هي الوسيلة المثلى ليسري المرء عن نفسه، وليطرد الهموم عن قلبه، فهي الصلة بين العبد وربه.
ولعل المقصد من الربط بين عبادتي الصلاة والنحر ، هو التنويع في ذكر العبادات، وأن هذه من أكثر العبادات التي نالها الشرك من كفار قريش، لذا خصصهما بالذكر في معرض نعت عدو الله بالأبتر، فالصلاة والنحر هما الخير الدائم، ونهر الأجور الذي لا ينقطع، لذا فإخلاصهما لله كان واجبا، لأنه هو الأهل لأن يشكر.



(إن شانئك هو الأبتر)
شانئك،أي: مبغضك. وقد ذكر ابن عاشور في معنى الأبتر في الآية أنه الذي لا خير فيه .
وعلى هذا فالمقصد هنا يكون بإعادة تعريف مفردة (الأبتر) التي اعتاد العقل الجاهلي آنذاك على ربطها بالعقب ، أما هنا فالله يصحح هذا المعنى، ويبين أن البتر والانقطاع هو انقطاع الخير وهو المعنى الأعم والأهم من انقطاع العقب، وبهذا يكون المعنى صحيحا، والواقع يؤكد صحة ما ذكره الله في هذه الآية.
كما أن في ذلك إيضاحا لمقصد مهم، ألا وهو محاولة تصحيح الفهم والمعتقد الخاطئ لدى الناس حينما يربطون الخير والقوة وغيرها من المعاني والقيم بالأشياء الحسية والمعنوية، فانقطاع المرء الحقيقي وضعفه بضعف ذكره بالخير بين الناس لا بانقطاع عقبه، وكذلك حسن خلق امرئ ومعشره هو من يجعل له مكانا بين الناس لا ماله، وهكذا دواليك ، فكل انقطاع وبتر هو ما كان انقطاعا في القيم والمبادئ والخير المعنوي ، لا الأمور المادية والحسية.

ولقد صدق فيهم وعيد الله ، فقد انقطع ذكرهم وانطوى ، بينما امتد ذكر محمد وعلا ، ونحن نشهد اليوم مصداق هذا القول الكريم ، في صورة باهرة واسعة المدى كما لم يشهدها سامعوه الأولون ! 
إن الإيمان والحق والخير لا يمكن أن يكون أبتر ، فهو ممتد الفروع عميق الجذور ، وإنما الكفر والباطل والشر هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبر . 
هذا وصلى الله على محمد ورفع ذكره عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى آله وصحبه أجمعين..

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 11 شوال 1438هـ/5-07-2017م, 07:48 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي


نورة الأمير : د+

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة.
- يُفرق بين الصياغة بأسلوبك وبين تغيير ألفاظ المفسرين والتعديل عليها ، أنتِ اجتهدتِ بقراءة التفاسير المختلفة واجتهدتِ بمعرفة مقاصد السورة ، بقي أن تصيغي ذلك بأسلوبك وتوصليه للقراء ، فإذا عضدتِ رسالتك بذكر أسباب النزول أو أحاديث تفسيرية ذكرتِ رواتها وحكمها ، وإذا اقتبستِ من كلام المفسرين - دون إطناب وبقدر الحاجة- عزوتيه لقائله.
- مثلا ذكرتِ في بداية الرسالة أن السورة نزلت بسبب قول سفهاء قريش ..... ، وهذا سبب نزول نذكر معه سنده وحكم الأثر من حيث الصحة ، وأحسب أن العبارة مقتبسة من كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب - رحمه الله - ، وهو لا يبين الأسانيد ؛ فيرجع للكتب المسندة لمعرفة أسباب النزول.
- في تفسير الآية الثانية والثالثة اقتبستِ من تفسير ابن عاشور ، ويفضل أن تفصلي بين الكلام المقتبس وكلامك ، فتضعي الكلام المقتبس بين علامتي تنصيص ويمكن وضع " .اهـ " في نهايته.


ماهر القسي :
دـ

بارك الله فيكم ونفع بكم.
- أحسنتم التعرف على مقصد الآية وربطها ببداية السورة لكن هناك بعض الملحوظات التي أضعفت الرسالة :
- يظهر النسخ بوضوح في رسالتكم ، وتكرار لأقوال التي تؤدي لمعنى واحد في المسألة الواحدة ، وهذا كما تعلمنا في تحرير المسائل التفسيرية غير مقبول ، لأننا نفرق بين خلاف التنوع وخلاف التضاد ، وإذا كان خلاف التنوع خلافًا في اللفظ دون المعنى فإنما يُعبَّر عنه بعبارة واحدة بأسلوبك.
- حتى مع الاقتباس من أقوال المفسرين ، في كثير من المواضع لم تعز هذه الأقوال لقائليها.
- الحديث عن آية واحدة ، ومع كل جملة في الآية تذكرون تحتها مقصد الآية ، وإنما المطلوب هنا بيان مناسبة أول الآية لآخرها وعلاقة هذه الجمل ببعضها ، دون الإشعار بأن كل منها وحدة منفصلة.


تنبيه :

بعض الرسائل حقها الإعادة ، لكن لطول المدة قبل التصحيح حصل تجاوز عن ذلك ، ولكن نوصي بكثرة التدرب على كتابة الرسائل التفسيرية حتى خارج نطاق المقرر لتحصيل هذه الملكة النافعة جدًا في مسيرة المفسر العلمية ، وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir