دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 23 جمادى الأولى 1431هـ/6-05-2010م, 05:43 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

قال المصنف ـ رحمه الله ـ: (( ويدهن غباً ويكتحل وتراً )):
غباً: أي يوماً يدهن ، ويوماً لا يدهن.ودليل ذلك ما ثبت في مسند أحمد وسنن النسائي والترمذي وأبي داود بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (نهى عن الترجل إلا غباً) ([1]).
والترجل هو: تسريح الشعر مع دهنه ، فهو منهي عنه إلا يوماً بعد يوم.
ـ وهل ذلك مستحب أم لا ؟: ظاهر هذه اللفظه من المؤلف: أن ذلك مستحب ، ويدل على استحبابه ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد حسن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من كان له شعر فليكرمه) ([2])، وهذا عام في شعر الرأس وشعر اللحية.ولكنه لا يستحب إلا غباً للحديث المتقدم.
ـ فإن قيل: أو ليس المقصود إزالة شعث الرأس ، وإذا كان الأمر كذلك فلو أنه ترجل بماء ونحوه غير الدهن فهل يكون مستحباً كذلك أو لا ؟.
الجواب: الصحيح أنه يكون مستحباً كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ذكر شيخ الإسلام أنه يفعل ما هو الأصلح لبدنه ، وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا فعل فعلاً معيناً لمعنى مقصود ، وكان هذا المعنى المقصود يثبت بهذا الفعل وغيره ، فإن كل فعل يثبت فيه هذا المعنى الخاص فإنه مستحب.
وهنا: الادهان ، هل المقصود الادهان ذاته أم المقصود إكرام الرأس ؟
الجواب: أن المقصود إكرام الرأس ، فإذا ثبت إكرامه بغير الادهان بإنه يكون مستحباً كالادهان تماماً.
وقد ثبت من حديث رجل من الصحابة قال: (نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يمتشط أحدنا في كل يوم)([3]) فهذا أمر مكروه ، وذلك لأن الشارع ينهى عن كثير من الأرفاه وكثير من التنعم. وقد روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلاً من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد بمصر ثم قال له: (أما إني لم آتك زائراً ولكني سمعت أنا وأنت حديثاً من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرجوت أن يكون عندك منه علم ، فقال له: ما هو ، قال: (كذا وكذا) "إذن أخبره بهذا الحديث" قال: فمالي أراك شعثاً وأنت أمير الأرض فقال: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينهانا عن كثير من الإرفاه "أي كثير من التنعم" قال: فما لي لا أرى عليك حذاء ، فقال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمرنا أن نحتفي أحيانا) ([4]).
ـ إذن هذا الحديث يدل على كراهية كثير الإرفاه وفي أبي داود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن البذاذة من الإيمان) ([5]): أي ترك كثير من التنعم في الثوب والبدن وهو البذاذة أنه من الإيمان.
فإذن: يستحب له أن يدهن غباً ، ويكره له أن يدهن كل يوم ، ولكن إذا كان كثير الشعر بحيث يكون فيه شعث كثير جداً ، فحينئذ تزول الكراهية ، وقد روى النسائي بإسناد صحيح أن أبا قتادة الإنصاري: كان له جُمَّة "أي شعر كثير يضرب على كتفه" فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحسن إليه) ([6]) ـ وهنا عند هذه الفقرة التي ذكرها المؤلف مباحث:
[المبحث الأول]:هل السنة إتخاذ الشعر أم حلقه ؟
قال الإمام أحمد: ( إتخاذ الشعر سنة ولو قدرنا عليه لفعلنا ، ولكن له كلفة ومؤؤنه) أي يحتاج إلى كلفة من مشط وترجيل ودهان ونحو ذلك.
وأما الدليل على سنيته: فهو أنه فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له شعر يضرب على منكبه) ([7]).
وثبت في مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له شعر إلى شحمة أذنه) ([8]) يعني: كان أحياناً إلى منكبه ، وأحياناً إلى شحمة أذنه ، إذا أخذ منه في حج أو عمره.
ـ ومن أبقاه فعليه أن يكرمه فيكون له كلفة ومؤونة كما قال الإمام أحمد.
ـ أما حلق الرأس فقد أجمع العلماء على إباحته ، كما قال ذلك: ابن عبد البر رحمه الله ـ لكن هل يكره له حلقه أم لا ؟.
نص الإمام أحمد على كراهية حلقه ، وقال : (كانوا يكرهونه) أي كان السلف. وفي رواية عنه أن تركه أفضل ، فيكون حلقه غير مكروه.وقد ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صفة الخوارج أن سيماهم التحليق ، وهذا لا يقتضي التحريم ؛ لأن ليس كل تشبه محرم.
فالأظهر: أن تركه أولى إلا في حج أو عمرة.
[المبحث الثاني]: إذا اتخذ شَعْراً فهل يسدله سدلاً أم يفرقه فرقاً ؟
السدل هو أن ترسل الشعر من غير أن تفرقه ، والفرق: هو أن تجعل الشعر على صفقتين ، صفقه بيمينه وصفقه شماله ، فيظهر أصل الرأس.
والجواب: أن كلا الفعلين فعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي السدل والفرق ، لكن الأول وهو السدل قد تركه لكونه قد نسخ فعله ، فقد ثبت في الصحيحين: (كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم ـ أي يرسلونها ـ وكان المشركون ـ أي من العرب ـ يفرقون رؤوسهم وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب أن يوافق أهل الكتاب فيما لم يؤمر به ، فسدل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناصيته ثم فرق بعدُ) ([9]).وفي رواية: (ثم أمر بالفرق ففرق).وقد اتفق أهل العلم على استحباب ذلك.فإذا: فرقه فهل يجعله دؤابتين أو عقيصتين ؟
قال الإمام أحمد: ( وأبو عبيدة له عقيصتان وعثمان له عقيصتان) أي يجعله عقيصين وهذا كان فعل العرب.
إذن: والمستحب أن يفرق رأسه لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه أمر بذلك ـ ولكن اتخاذ الشعر إن كان فيه فتنة فإنه لا يجوز ذلك سداً للذريعة.
ـ هذا في شعر الرأس وإدهانه ومثل ذلك شعر اللحية ، وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإعفاء اللحية ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) ([10]). وفي الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب) ([11]). وفي مسلم: (أرخوا اللحى).
واللحية: (الشعر النابت على الخدين والذقن). كما ذكر ذلك صاحب لسان العرب وغيره.
ـ الأحاديث المتقدمة تدل على وجوب إعفائها ، وقد صرح بتحريم حلقها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، ويدل على ذلك الأحاديث السابقة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، والأصل في التشبه التحريم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين).
ـ وهل يجوز له أن يأخذ منها ما فوق القبضة ؟
ثبت ذلك من فعل ابن عمر في الحج والعمرة ، فقد روى البخاري أن ابن عمر: (كان إذا حج أو اعتمر قبض لحيته ، فما فضل أخذه) ([12]).ونص الإمام أحمد على جواز ذلك ، وكذلك نص عليه الشافعي إذا كان في حج أو عمره. وكره ذلك الحسن وقتادة.
فإذن: ذهب بعض أهل العلم إلى النهي عن ذلك ، وبعضهم ذهب إلى جوازه.
ـ أما القائلون بجوازه ، فقد استدلوا بفعل ابن عمر.
ـ وأما القائلون بالنهي عنه فاستدلوا بعمومات النصوص المتقدمة: (أرخوا اللحى) (واعفوا اللحى) وغيرها.
وكونه يأخذ شيئاً منها وإن كان فاضلاً عن القبضة ، فإن ظاهر الحديث وجوب إعفائها وهو فعل النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد ثبت في البخاري أن خباب بن الأرتّ سئل فقيل له: (أكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ في الظهر والعصر ، فقال:نعم ، فقيل له: بم كنتم تعرفون ذلك ، فقال: باضطراب لحيته.فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يثبت أنه يأخذ من لحيته شيء بل كان يدعها عرضاً وطولاً.
أما ما روى الترمذي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يأخذ من لحيته عرضاً وطولاً) ([13]) فالحديث منكر لا يصح ، قد استنكره البخاري وغيره.
ـ والأظهر من القول بالمنع منه ، وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام ، أمر بإعفائها وإرجائها وأخذ شيء منها ينافي ذلك. والعمل برواية الصحابي لا برأيه إذا خالف رأيه روايته.
فابن عمر وإن كان من رواة الأحاديث في إعفاء اللحية لكن رأيه خالف روايته ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإعفائها وتركها مطلقاً وهذا ينافي ذلك. فالأظهر هو القول بالمنع.
ـ أما الشوارب فيجب ـ على الراجح ـ قص شيء منها بإحفائها وجزها وإنهاكها ، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أحفوا الشوارب) ([14]) وفي رواية: (جزوا الشوارب) وفي رواية: (أنهكوا الشوارب)وهو أن يبالغ في قصها.
ـ وجمهور أهل العلم على سنيته ، وقد قال النووي: (متفق على استحبابه).
وقد صرح الحنابلة بتأكد سنيته.
ـ والأظهر التحريم ؛ لأن الأمر للوجوب.
ـ وأصرح منه ما في الترمذي وصححه وهو كما قال أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) ([15]).
وقد قال صاحب الفروع: (وهذه الصفة تقتضي ـ عند أصحابنا ـ التحريم) ؛ لأنه قال: (ليس منا).
وهذا هو مذهب الظاهرية ـ وهو الراجح ـ وهو أن قص الشارب وإحفاءه واجب ، ومن لم يفعله فليس منا: أي ليس على هدينا وطريقتنا. ويقتضي ذلك تحريمه وهو مذهب الظاهرية ، والأدلة الشرعية عليه.

قوله: (( ويكتحل وتَراً )):
أي يسن له أن يكتحل وتراً. ويسن أن يكون ذلك بالإثمد ، والإثمد: نوع من أنواع الكحل ، وقد ثبت في ابن ماجة بإسناد جيد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) ([16]) أي شعر العينين.
وأما الإكتحال بغيره مما هو من باب الزينة ، فإن كان للنساء فذلك جائز.
وأما للرجال فهو محل توقف ، وقد توقف فيه شيخ الإسلام. وذكر أنه يقوي جوازه فيمن كان كبير السن يبعد ذلك عن الفتنة ، بخلاف الشاب ، ومثل ذلك محل توقف ؛ لأنه زينة وهو مختص بالنساء.ومن لم يكن كبير السن وهو ليس محل فتنة فهو محل توقف. والذي ينبغي أن يكون التوقف كذلك في كبار السن ، لأن التوقف عام. إلا أن التحريم يقوي في الشاب لما في ذلك من الفتنة ، والعلم عند الله.
وقوله: (( وتراً )): استدلوا عليه بما رواه أحمد وأبو داود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) ([17]) لكن الحديث فيه جهالة ، فهو ضعيف. فعلى ذلك يكتحل بما يكون مناسباً لعينه بالإثمد من غير أن يكون ذلك محدداً بوتر ، إلا أن يكون مناسباً.

قوله: (( وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر )): أي: يجب على من أراد أن يتوضأ وكذلك من أراد الغسل أو التيمم يجب عليه أن يقول: (بسم الله) ولكن ذلك ـ أي الوجوب ـ مع الذكر ، أما إن نسي فلا حرج عليه.
ـ أما الدليل على وجوب التسمية: فهو ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ([18]). وهذا الحديث في إسناده ضعف ، لكن له شواهد كثيرة يرتقي إلى درجة الحسن.
وقد قال العيني: (روى هذا الحديث من طريق أحد عشر صحابياً) وقال ابن أبي شيبة: (ثبت لنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاله) أي من كثرة طرقه.
وقد حسنه العراقي وابن الصلاح وابن كثير وابن حجر والمنذري ، ومن المحدثين المعاصرين الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ فالحديث حسن.
ـ أما سقوط التسمية بالنسيان: فاستدلوا بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ([19]).
1ـ هذا هو مذهب الحنابلة في المشهور عندهم: أن التسمية واجبة عند الوضوء ونحوه من الغسل والتيمم مع الذكر ، فلو ترك التسمية عمداً بطل وضوؤه.
وذهب جمهور الفقهاء وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختارها بعض أصحابه أن التسمية سنة.
وأجابوا: عن الحديث بأنه ضعيف لا يثبت ، قال الإمام أحمد: (لا أعلم فيها إسناداً جيداً) أي التسمية. وكلامه ـ رحمه الله ـ إنما هو في الأسانيد بمفردها ، أي في كل إسناد بمفرده ، أما الأسانيد بمجموعها فإنها ترتقي إلى درجة الحسن.
قالوا: وإن ثبت الحديث فإن قوله: (لا وضوء) يؤول بأن (لا وضوء كامل) ، فليس وضوءاً باطلاً ، بل هو صحيح لكنه ليس بكامل بل هو ناقص لتركه السنة. وهذا القول ضعيف ؛ لأن الأصل حمل الكلام على حقيقته ، فيقال: (لا وضوء موجود) ثم (لا وضوء صحيح) وهي المرتبة الثانية ثم (لا وضوء كامل) وهي المرتبة الثالثة.
و(لا وضوء موجود): هذا لا يمكن أن يقال به ؛ لأن الوضوء قد وجد دون التسمية ، فننتقل إلى المرتبة الثانية (لا وضوء صحيح) ثم (لا وضوء كامل) ولا يجوز أن ننصرف عن مرتبة إلا إذا امتنعت المرتبة التي قبلها فنقول ـ حينئذ ـ (لا وضوء صحيح) كما هو ظاهر اللفظة أي لا وضوء صحيح شرعي.
وذهب الإمام أحمد في رواية عنه واختارها أبو الخطاب من الحنابلة والمجد بن تيمية وابن عبد القوي إلى أن التسمية فرض عند الذكر والنسيان. فلو تركها ناسياً فإن وضوءه باطل ـ وهذا هو أصح الأقوال ـ وذلك لصحة الحديث الوارد في ذلك ، وظاهره أنه لا وضوء صحيح مطلقاً سواء كان ذاكراً أو ناسياً.
ـ أما حديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ) الحديث ، فإن ذلك لا يكون في ترك الواجبات ، فإن من ترك واجباً فإنه لايزال مطالباً بفعله ، فإذا فعله برأت ذمته. ويكون ـ حينئذ ـ مغفوراً له غير آثم بسبب نسيانه ، أما كونه لا يجب عليه أن يفعل فلا.
فلوا أن رجلاً صلى بلا وضوء ناسياً ، فإنه لا يأثم لكنه يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهو معذور لنسيانه ، فلا تبرأ ذمته حتى يفعله.وهذا القول هو أرجح الأقوال ، وأن من ترك التسمية ذاكراً أو ناسياً فوضوءه باطل.فإن كان فعل ذلك في مرات سابقة فإنه لا يجب عليه الإعادة للمشقة. لكن إذا كان الوقت مازال حاضراً فإنه يعيد الوضوء والصلاة وكذلك التيمم والغسل ـ وهذا هو مذهب الظاهرية ، ( ثم رجح الشيخ وفقه الله قول الجمهور بالاستحباب).
ـ قال الإمام مالك: (حلق الشارب بدعه) ، وهذا إذا كان على وجه العبادة ـ أما إذا كان على غير وجه العبادة فإنه محرم للأمر بإحفائه ؛ ولأنه من التشبه بالأعاجم.
ـ ذهب بعض الحنابلة إلى أنه إن كانت اللحية على صورة قبيحة قد يستهزأ به من أجلها فإنه يجوز تسويتها وهذا حسن لا بأس به ، لأنه نادر ، أما إذا كان تهذيباً فإن ذلك لا يجوز.

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (( ويجب الختان ما لم يخف على نفسه )):
الختان: من أمور الفطرة ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط) ([20]). وهذه اللفظة: (من الفطرة) لا تفيد وجوباً ولا استحباباً أي بالتنصيص. وإنما تفيد أن هذا مشروع فقد يكون من الواجب وقد يكون من المستحب.
الختان: هو فعل الخاتن ، وهو ما يسمى عندنا بـ: (الطهارة): وهو قطع الجلدة فوق الحشفه.
ما حكمـه ؟.
قال المؤلف: (ويجب الختان): وظاهره مطلقاً للذكر والأنثى وهذا مذهب جمهور أهل العلم.فجمهور أهل العلم قالو: إن الختان واجب للذكر والأنثى
واستدلوا: بما ثبت في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لمن أسلم: (ألق عنك شعر الكفر ثم اختتن) ([21]) فهذا أمر والأمر ظاهره الوجوب.
ولأن في ذلك كشف عورة ، ولا يجوز كشفها إلا إذا كان الفعل واجباً.
ـ وعن الإمام أحمد رواية: أنه واجب في الرجال دون النساء.
ـ ومذهب أبي حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه سنة مطلقاً للرجال والنساء ، ودليل من قال بسنيته مطلقاً ، وهو كذلك دليل من قال بوجوبه على الرجال دون النساء: ما رواه أحمد في مسنده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء) ([22]).أما من قال بأنه سنة مطلقاً ـ أي لرجال والنساء ـ فإنه رأى أن لفظة (سُنَّة) ترادف الاستحباب.
ـ وأما من استثنى النساء عن السنية وأثبت الحكم للرجال ، فإنه رأى أن لفظة: (سُنَّه) لا تفيد الاستحباب ،وأن لفظة (مكرمة) تفيد الاستحباب.لكن الحديث ضعيف فيه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ، على أن لفظة (سُنّة) لا تفيد الوجوب ولا تفيد الاستحباب بعينه ، وإنما تدل على أن هذه طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما نريد بالاستحباب بعينه ما ينافي الوجوب فلا شك أن الأمر الذي يحكم بأنه سنة محبوب إلى صاحب الشريعة لكن هل هو واجب أم مستحب ـ يستحب من دليل آخر ـ وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم ـ في الصحيحين: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) ([23]) فالسُّنَّة هي الطريقة.
بخلاف السُّنَّة عند الأصوليين فإنها: ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام ، وهي ما ترادف المستحب والمندوب.
والقول الأول أرجحها وهو وجوب الختان مطلقاً على الرجال والنساء.وهو ميزة المسلمين عن النصاري ، فإن النصارى لا يختتنون ، بخلاف اليهود فإنهم يختتنون ، فالختان يتميز به المسلم وهو من شعار المسلمين ،كما في حديث البخاري في قول هرقل: "إني أجد ملك الختان قد ظهر).
قوله: (( ما لم يخف على نفسه )):
كأن يكون رجلاً كبيراً شيخاً هرماً ، فدخل في الإسلام فحينئذ: لا يجب عليه الختان إذا خشي على نفسه التلف ، لأن الواجب يسقط عند العجز.وعند خوف التلف ، وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار).
ـ فإن قيل: متى يكون الختان؟
فالجواب: أما وقت وجوبه فهو البلوغ ، فلا يجوز له أن يبلغ إلا وقد اختتن.
يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس: أنه سئل ، مثل من أنت حين قبض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (أنا يومئذ مختون ، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) ([24]) أي حتى يناهز البلوغ.فهذه سنة العرب ، وهو أنهم لا يختنون حتى يدرك.
ـ فإن اختتن قبل ذلك فما الحكم؟.
الجواب: سئل الإمام أحمد عن ذلك فقال: (لا أدري لم أسمع فيه شيئاً) أي لم أسمع فيه سُنَّة صحيحه فحينئذ:يبقى على الأصل، فالأصل في الأشياء الحل ما لم يثبت دليل يمنع من ذلك.
ـ أما حكم الإختتان في اليوم السابع للمولود ، ففيه روايتان عن الإمام أحمد:
الرواية الأولى: الكراهية وهو قول الحسن البصري.
قالوا: لأنه فعل اليهود ، فإنهم يختنون في اليوم السابع.
الرواية الثانية:أنه لا يكره وهو قول ابن المنذر ، وقد قال ابن المنذر: (وليس مع من منع من الختان في اليوم السابع حجة).
ـ وقد ذكر شيخ الإسلام أن إبراهيم عليه السلام خَتَنَ إسحاق في يوم سابعه فكانت سنة في بنيه أي في بني إسحاق ومنهم اليهود.
وختن إسماعيل عند بلوغه فكانت سنة في بنيه.
فإذا ثبت هذا ، فإن فعل اليهود يكون سنة إبراهيمية عن إبراهيم عليه السلام.
ـ والأظهر: أنه لا مانع من ذلك.
فإذن: لا تحديد لذلك ، فلو اختتن في اليوم الأول أو الثاني أو السابع أو العاشر أو عند ذلك فلا بأس لكن لا يجوز أن يبلغ إلا وقد اختتن ؛ لأنه حينئذ يكون مكلفاً ، والختان واجب عليه ، فلا يجوز له أن يبلغ ولم يختتن.كما أن له أثراً في الطهارة ـ فحينئذ ـ : لا يحل له أن يبلغ إلا وقد اختتن أما قبل ذلك فلا بأس ولا حرج.
ـ الثاني: من أمور الفطرة: (الإستحداد): وهو حلق العانة ، وهذا مستحب بالإتفاق كما قال ذلك النووي.
ـ الثالث: من أمور الفطرة: (قص الشارب) وقد تقدم البحث فيه.
ـ الرابع: من أمور الفطرة: (تقليم الأظافر) ، وتقليم الأظاهر مستحب بالإتفاق.
ـ وهنا مسائل في تقليم الأظاهر:
1ـ المسألة الأولى: في كيفية تقليم الأظافر: ذكر الحنابلة في المشهور عندهم أن طريقة تقليم الأظافر أن يبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم يأتي بعد ذلك البنصر ثم السبابة ثم يأتي إلى اليسرى: فيشرع بالإبهام ثم الوسطى ثم الخنصر ثم يعود إلى السبابة ثم إلى البنصر، وهذه صفة المخالفة.
ـ فإن قيل:فما الفائدة ؟.
قالوا: الفائدة من ذلك أنه لا يصاب بالرَّمَد ، فإذا فعل ذلك فإنه لا ترمد عيناه.
ـ فإن قيل: فما الدليل على ذلك ؟
فالجواب: ما ينسب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو وضع عليه أو اختلق أنه قال: (من قلم أظفاره مخالفاً لم ير رمداً) ([25]) لكن الحديث لا أصل له ، بل قال ابن القيم: (هذا من أقبح الموضوعات).
ـ فإن قيل: فما السنة في ذلك ؟
فالجواب: أن السنة: التيامن فيبدأ بيده اليمنى ثم اليسرى ، فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) ([26]) ، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
2ـ المسألة الثانية: أنهم قالوا: يستحب أن يدفن قلامة أظفاره أو ما يأخذه من شعر.
وفي ذلك حديث رواه الطبراني بإسناد ضعيف جداً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (كان يدفن أظفاره) ([27]). ونص على استحبابه ذلك ـ أي دفن الأظافر وما يأخذ من شعره ـ الإمام أحمد ، وقال: كان ابن عمر يفعله ، وقد أسنده إلى ابن عمر ، وفي بعض أسانيده العمري وهو ضعيف فإن ثبت ذلك عن ابن عمر كما ذكر ذلك الإمام أحمد واحتج به فإنه يكون مستحباً لفعل ابن عمر.وقد وردت أحاديث صريحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنها ضعيفه لا تثبت.
3ـ المسألة الثالثة: في اليوم الذي نُقَلِّمُ فيه الأظفار ، روى البغوي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كان يأخذ أظفاره وشاربه في كل جمعة) ([28]) ، لكن الحديث إسناده ضعيف جداً ، لا يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
الخامس: من أمور الفطرة: (نتف الإبط). والسنة أن ينتفه نتفاً ، فإن قدر على ذلك فإنه المتسحب ، وإن لم يقدر على ذلك فحلقه فلا حرج في ذلك ونتف الإبط مستحب باتفاق أهل العلم.
إذن: أمور الفطرة كلها مستحبه عند أهل العلم سوى الختان فإنه واجب ، وخالف في ذلك أبو حنيفة وكذلك على الراجح قص الشارب فإنه واجب خلافاً لجمهور العلماء.
ـ وقد ورد حديث في مسلم عن أنس بن مالك ، قال: (وُقِّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألاّ نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً) ([29]).
قال النووي ـ في بيان هذا الحديث ـ ومعناه: (( أنهم إذا لم يفعلوها في وقتها ـ أي مع كونها تحتاج إلى قص أو حلق أو نحوه ـ فإنهم لا يؤخرونها أكثر من أربعين يوماً ، وليس معنى ذلك الإذن في التأخير مطلقاً ، وهذا تأويل لكنه تأويل صحيح ، لذا قال بعد ذلك: (وإنما الإعتبار بطولها وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال )).
لأنه من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ،فلو أنها طالت بعد عشرة أيام ، فهل نقول إنه يتركها أربعين يوماً مع أنها تحمل الأوساخ؟ لكن المراد: أنه إذا تركها فلا ينبغي أن يتعدى أربعين.اهـ

قوله: (( ويكره القَزَع )):
القَزَع: جمع قَزْعـة ، والقزعة هي: القطعة من السحاب ، فإذا كان في السماء قطع من السحاب فيجمع على قزع.والمراد به هنا: أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه الأخر سواء كان ما يحلقه مقدم رأسه أو مؤخره أو كان مبقياً لأعلاه آخذاً لجوانبه كما يفعله الأوباش والسفل ـ كما قال ابن القيم.
ـ والدليل على النهي: ما ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (نهى عن القزع) قيل لنافع: ما القزع ؟ قال: (أن يحلق بعض رأس الصبي ويُترك بعضه) ([30]).
ـ وفي مسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم : (رأى صبياً قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: (إحلقوه كله أو اتركوه كله) ([31]).
ـ وجماهير أهل العلم على أنه مكروه.ولم أر أحداً صرح بتحريمه ، وظواهر الأدلة تحريمه. لا سيما إذا كان فيه تشبه ، فإنه يكون واضح التحريم ، وفي الحديث : (من تشبه بقوم فهو منهم).
مسألة:لو أن رجلاً لم يختن حتى مات ، فهل يختن بعد موته أم لا ؟
الجواب:أنه لا يختن باتفاق أهل العلم ؛ لأن الفائدة منه في الحياة وهذا قد مات.
ـ مناسبة ذكر النهي عن القزع في هذا الباب: أنه ذكر السواك ومناسبة أنه سُنة من سُنَن الوَضوء فذكر المسائل التي تشابهه ، فهذا من باب ذكر المسألة مع ما يناسبها ، فقد ذكر السواك وهو من أمور الفطرة كما ورد في مسلم ومسند أحمد ، فذكر ما يشابهه من أمور الفطرة ـ ومن المعلوم أن هناك مسائل قد لا تنضبط في باب معين ، فحينئذ تذكر في أبواب مختلفة عندما يذكر شيء يشابهها في الحكم معه.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الفطرة, سنن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir