الأسلوب المقاصدي:
قال تعالى :
((أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))سورة الملك (22)
هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه ، أي يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه ،أي لايدري أين يسلك ولا كيف يذهب بل تائه حائر ضال ، ( أمن يمشي سويا ) :أي منتصب القامة على صراط مستقيم أي طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم طريقه مستقيم .
فالناس على قسمين :
القسم الأول :كالمنكب على وجهه لايدري في أي طريق يمشي وتائه ضال، فهو كالمشرك الذي يتوجه إلى عبادة آلهات كثيرة ، كما قال تعالى : ( أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )، وكالإنسان الضال الذي يمشي بدون هدى من الله ويتبع هواه ، كما قال تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ).
القسم الثاني : يمشي بطريقة سوية وواضحة ومستقيم في أقواله وأفعاله وأعماله وجميع أحواله ،كالمتصب القامة ، فهذا مثل الإنسان المؤمن الذي يمشي على هدى من الله متبع للكتاب والسنة ، كما قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
وقال تعالى أيضا : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
هل يمشي الكافر على وجهه يوم القيامة وكيف ؟!
الجواب ، نعم ، كما قال تعالى : ((لَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا )).
كيف يمشي الكافر على وجهه يوم القيامة ؟!
الجواب : من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففي الصحيح ، عن أنس : أن رجلا قال : يا رسول الله ، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال : " إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة " وهكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من المفسرين.
فنجد أن الجزاء من جنس العمل ، فكما كان الكافر في الدنيا يمشي مكبا على وجهه ، لايهتدي إلى الصراط المستقيم وتائه ، فالله تعالى يحشره يوم القيامة كذلك ، كما قال تعالى أيضا في موضع آخر : (( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا )).
ماهو الصراط المستقيم :
الصراط المستقيم هو نوعان :
النوع الأول : نوع حسي ، وهو المنصوب على ظهر جهنم والتي يردها المؤمن والكافر ، فالمؤمن يمشي فيها على قدر أعماله ، فمنهم من يشمي سرعة البرق ومنهم من هو بسرعة الراكب ، ومنهم من تخطفه النار بالكلاليب ، قال تعالى ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) [مريم :17].
النوع الثاني : معنوي ، وهو الذي يراد بها الطريق المستقيم الذي أنعم الله به على النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين ، كما قال تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم ) [الفاتحة 5-6].
وهو طريق الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أيضا، كما قال تعالى : قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].
جاء في حديث النَّواس بن سمعان مرفوعًا وَصفُ الصراط بأنه هو الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ضرب اللهُ مثلاً صراطًا مُستقيمًا، وعلى جنبتَي الصِّراط سُوران، فيهما أبوابٌ مُفتَّحةٌ، وعلى الأبواب ستُورٌ مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقولُ: أيُّها الناسُ، ادخُلُوا الصِّراط جميعًا، ولا تتعرَّجُوا، وداعٍ يدعُو من فوق الصِّراط، فإذا أراد يفتحُ شيئًا من تلك الأبواب؛ قال: وَيحك لا تفتحهُ؛ فإنَّك إن تفتحهُ تلِجهُ، والصِّراطُ: الإسلامُ، والسُّوران: حُدُودُ الله، والأبوابُ المُفتَّحةُ: محارمُ الله، وذلك الدَّاعي على رأس الصِّراط: كتابُ الله، والدَّاعي من فوق الصِّراط: واعظُ الله في قلب كُلِّ مُسلمٍ))، وهو حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده .
أعداء الصراط المستقيم :
1) ابليس ، كما قال تعالى : ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16].
2) شياطين الإنس ، كما قال تعالى : (( وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )) ، وكما جاء وفي الحديث : عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: " هذا سبيل الله "، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: " هذه سبل - قال يزيد: متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "، ثم قرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله) .رواه الإمام أحمد في مسنده .
طرق الإهتداء إلى الصراط المستقيم :
1) منها موافقة الكتاب والسنة والإعتصام به وترك السبل التي تدعو بخلافه ، كما قال تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )، وفي الحديث جاء وفي الحديث : عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: " هذا سبيل الله "، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: " هذه سبل - قال يزيد: متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "، ثم قرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله) .رواه الإمام أحمد في مسنده .
والدليل على أن الإعتصام بالكتاب والسنة سببا في الهداية إلى الصراط المستقيم ، في قوله تعالى : {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101]، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 66 - 68]،وكقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175]
2) ومنها الإخلاص لله و حده لاشريك له ،ملة إبراهيم حنيفا ، كما قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ، وقال أيضا : (( إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ))،وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]
3) متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛لأنه يهدي إلى الصراط المستقيم كما قال تعالى : قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾،وكقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].
نسأل الله أن يهدينا إلى الصرط المستقيم ، ويوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه .