قوله: (وإذا اختلف الصحابة على قولين لم يجز إحداث قول ثالث عند الجمهور) مذهب الجمهور أن الصحابة رضي الله عنهم إذا اختلفوا في مسألة على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، لأن اختلافهم على قولين حصر للحق فيهما، فيكون ذلك القول خارجاً عن سبيل المؤمنين وعن الحق المحصور فيه، فيكون باطلاً، فلا يجوز إحداثه.
قوله: (وقال بعض الحنفية والظاهرية: يجوز) أي: لأن المختلفين على قولين لم يصرحوا بتحريم القول الثالث، فجاز إحداثه، ولأنهم لو عللوا بعلة أو استدلوا بدليل، فلمن بعدهم التعليل والاستدلال بغير ذلك.
مثال إحداث قول ثالث مخالف: ما حكاه ابن حزم من أن الأخ يحجب الجد، لأن الصحابة لهم قولان: أحدهما: أن الجد أب يحجب الأخ. والثاني: أنهما يرثان، فكان إجماعاً على أن للجد نصيباً في التركة.
فالقول بحجب الأخ للجد، قول ثالث، فيه خرق للإجماع السابق، وهو ضرورة توريث الجد مع الأخوة[(777)].
والأول هو الصحيح؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يمكن أن يقول علماء الأمة قولين كلاهما خطأ، والصواب قول ثالث لم يقولوه.
أما إحداث قول بالتفصيل لا يرفع ما اتفق عليه القولان فليس هذا من قبيل مسألتنا، لأن التفصيل لا يُعدُّ قولاً جديداً[(778)].
وظاهر كلام المصنف تبعاً لابن قدامة وغيره تخصيص المسألة بالصحابة، والصواب أنها عامة، كما ذكر ذلك الأصوليون، ولعل من خصَّه بالصحابة، قصد أن غيرهم من باب أولى[(779)].