متابعة المرحلة الثانية لإعداد درس التفسير.
كتابة الدرس.
حياكم الله..
بعد إتمام المرحلة الأولى -بحمد الله- وهي تلخيص المسائل التي اشتملت عليها الآيات موضوع الدرس، ثم تعبئة الأنموذج الخاصّ بخطوات الإعداد لكتابة الدرس، نتابع هنا بإذن الله كيفية كتابة الدرس وإعداده للإلقاء بما يناسب فئة المتلقّين.
وقد اقترح بعض الطلاب وضع أنموذج كامل لدرس في التفسير يقتدون به في التطبيق، فنقول إن هذا ليس محبّذا، وذلك لأن الدروس تتنوع
فالحاجة ستكون لأكثر من أنموذج بما يناسب كل نوع، ثم إنه بعد ذلك لا يكفي لأنه لا بد من فروق فردية في كثير من الأمور.
كما أننا لا نريد لكم التعوّد على طريقة نمطية محددة، بل المطلوب منكم ضبط معايير الجودة العلمية، ثم تكون لكم حرية التصرّف في حدود هذه المعايير بما يناسب كل طالب وما يناسب المقام.
لذلك فنحن نؤكّد على أهمية المرحلة الأولى وهي تلخيص الدرس تلخيصا علميا وافيا، لأنه ربما انصرفت أذهان الكثيرين عن إتقان الدرس إلى مجرّد طريقة الإلقاء وما يتعلّق بها، فنكون بذلك انصرفنا عن الأصل إلى الفرع، وذلك لأن إفادة الغير من الدرس إنما هي ثمرة ضبطه وإتقانه.
وعليه فلا يمكن أن يقبل في هذه المرحلة التقصير، ومن كان أداؤه فيها ضعيفا فعليه إكمال النقص قبل البدء في المرحلة الثانية، ومن كان أداؤه حسناً فإنه لا يجد -إن شاء الله- صعوبة إذا استعان بالله تعالى واجتهد ثم أخذ بالأنموذج، نسأل الله لكم التوفيق والسداد والقبول.
ونأتي الآن لمناقشة صورة تحضير الدرس بإذن الله، إذ تختلف كثيرا عن الملخّص المقدّم في المرحلة الأولى.
هذه الخطوات وعلى الترتيب التالي يجب أن تدرج جميعها في الدرس.
أولا: عنوان الدرس.
يراعى أن يختار عنوان الدرس بحيث يعبّر بدقّة عن القضية الرئيسة التي تناولتها الآيات موضوع الدرس، وبصياغة واضحة مشوّقة للفئة المخاطبة.
ثانياً: فئة المتلقّين.
فئة المتلقّين هي المحدّد الأساس لصورة جميع خطوات إعداد الدرس، فإذا كان ملخّص الآيات واحدا، فإن كتابة الدرس لغرض إلقائه تختلف كليّة بحسب فئة المتلقّين، وبناء عليهم تتحدّد لغة الخطاب.
ثالثاً: مقاصد الدرس.
كما ذُكر لكم من قبل فإن مقاصد الدرس يراد بها الأهداف الرئيسة التي يسعى المعلّم إلى تحقيقها من خلال تفسير الآيات، سواء أكانت أهدافا علمية بما يناسب مستوى المتلقّين أم أهدافا تربوية.
فإذا كانت فئة المخاطبين ممن لديهم خلفية علمية، فإنه قد يكون من المناسب تأصيل بعض المسائل العلمية لديهم، أما إذا كانوا من العوامّ فتناقش هذه المسائل بما يناسبهم مستوى أفهامهم.
والمعلّم الماهر هو الذي يوصل الهدف بأيسر الطرق وأقصرها دون تعقيد أو تشتيت لأذهان المخاطبين، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"، وقال علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟".
أما الأهداف التربوية فتتعلّق كما هو معلوم بمقاصد الآيات وما دلّت عليه من أنواع الهدى الذي من شأنه أن يزيد من صلة العبد بربه، وما يعينه على زكاة نفسه ونفع غيره.
رابعاً: العناصر الرئيسة للدرس.
عناصر الدرس هي الأفكار والموضوعات التي سيتناولها المعلم بالشرح والتفصيل والتي تتوجّه بالأساس لتحقيق مقاصد الدرس.
وعناصر الدرس وثيقة الصلة بمسائل الآيات التي استخلصها الطالب في التطبيق الأول، فالمسائل هي منبعها وأصلها، لكن العناصر تختلف في كونها عناوين أعمّ وأشمل، وسيكون الكلام على العنصر الواحد متضمنّا عدّة مسائل ملخّصة، كما أننا قد لا نتناول جميع المسائل إنما نختار ما نحتاجه فقط للدرس.
وأرجو أن تطالعوا عناصر دروس تفسير المعوّذتين فإنها ستقرّب لكم الصورة بإذن الله، ليظهر لكم كيف أن العنصر يتناول عدة مسائل تحته، إما أن يفصّلها المدرّس كل مسألة على حدة أو يذكرها بإيجاز واختصار بحسب ما يقتضيه المقام.
مع ضرورة الانتباه إلى أن عناصر الدرس لا يشترط أن تكون بشمولية عناصر دروس المعوّذتين لأن المخاطبين فيها هم طلاب العلم.
- دورة تفسير المعوذتين.
خامسا: طريقة إلقاء الدرس ومدّته.
إذا كان الدرس كتابياً فيبيّن الوسيلة التي سيقدّم بها الدرس: هل هو في موقع إلكتروني أو منشور ورقي أو غير ذلك، وإذا كان الدرس صوتياً فتبيّن الوسائل كذلك، وإذا كان درساً مباشراً يلتقي فيه المعلّم مع المتلّقين فيبيّن نوعه هل هو محاضرة عامة أو كلمة في مسجد أو مصلى أو غير ذلك، أو لقاء في مناسبة اجتماعية ... إلخ.
كذلك فإن الزمن المحدّد للدرس عامل مؤثّر في طريقة تناول المسائل وتنوّعها بين الإيجاز والتفصيل، لأجل التركيز على المقاصد المهمّة.
ثامناً: الوسائل المساعدة.
يذكر معدّ الدرس الوسائل المساعدة التي يعزم على الاستعانة بها في إلقاء الدرس. [أمثلة: شرائح عرض، خرائط ذهنية، ....إلخ]
- صياغة الدرس.
بعد إتمام الخطوات السابقة نأتي لصياغة الدرس.
وكما أن أسلوب الخطاب يختلف باختلاف المخاطبين، فإنه أيضا يتأثّر بطريقة الإلقاء.
فالدرس المكتوب تختلف لغته عن الدرس المسموع، والدرس الصوتي المسجّل يختلف عن الدرس المباشر الذي تتاح فيه فرصة التحاور مع المخاطبين كما تختلف لغته كثيرا عن لغة التسجيل.
وللدرس بداية وموضوع ونهاية..
- بداية الدرس.
من الأمور التي يجب أن يحرص عليها المعلم ولها أثر مهمّ في حضور أذهان المستمعين طوال الدرس أن يحسن الابتداء بمقدمة مشوّقة لما سيذكره في الدرس، قد يكون سؤالا أو قصة قصيرة لها مغزى متّصل بموضوع الدرس، ويفضل أن يكون التمهيد موجزا حتى لا يشتّت الانتباه بعيدا عن المقصود.
- عرض الدرس.
سنعرض العناصر التي حدّدناها مسبقا وعلى نفس الترتيب، ثم نتناول كل عنصر بالشرح والتفصيل والتدرّج المناسب للمقام ولفئة المخاطبين.
ويراعى أن يكون مستوى التحرير مناسبا للمخاطبين، فلا نعرض للعامّة أو الأطفال مسائل الخلاف ولا نستعمل أثناء الدرس مصطلحات علمية ولغوية صعبة، مع الاجتهاد في الجمع بين الأقوال المتفقة بصورة سهلة لا توحي بالتناقض.
ثم أخيرا نبرز الفوائد والهدايات المستخلصة من الآيات، إما أثناء شرح كل عنصر، أو في نهاية الشرح، فيختار المعلّم الأنسب للمقام.
مع التوصية بتفعيل لغة الحوار أثناء الدرس خاصّة في الدروس المباشرة، لضمان التفاعل بين المدرّس والمخاطبين ولقياس مستوى التحصيل لديهم، وذلك بطرح بعض الأسئلة من حين لآخر.
- خاتمة الدرس.
يختم المعلّم درسه بما يرغب أن يعلق في أذهان المخاطبين من المسائل والفوائد والتوصيات، وحسن ختام الدرس من الأهمية بمكان.
وكما تقرّر سابقا، فإننا نذكّر بأن على الطالب أن يستحضر وهو يعدّ الدرس أنه أول من يخاطب بالدرس، وأن إعداد الدرس إنما هو لأجل ضبط وإتقان المادة العلمية في المقام الأول، ثم تدرّبه على طرق مختلفة في عرضها وإيصالها للغير، والتعرّف على فئات المخاطبين الذي يجد في نفسه القدرة على تعليمهم ودعوتهم، فمن الدعاة من يناسبه دعوة العوامّ ويبرع في التحاور معهم وهذا فضل من الله، ومنهم من لا يناسبه إلا المتعلمين ومن لديهم خلفية علمية جيدة، ومنهم من يبرع مع فئات أخرى من المخاطبين.
أما مهارات التدريس الإضافية فسوف تحظى باهتمام أكبر في مراحل تالية بإذن الله.
وختاما..
فإننا نطمئنكم بأنكم إذا أتقنتم المرحلة الأولى، واجتهدتم في تحقيق العناصر والمعايير المذكورة للتقويم فإن أداءكم سيكون غالباً حسناً بإذن الله.
وأننا لا ندقق النظر في هذه المرحلة في اختلاف الأساليب إذا كانت المادة العلمية المقدّمة جيّدة ومفيدة.
ثم لو قدّر أن الطالب أخفق فله حق الإعادة والتكميل لأنّ المقصود التمرين وتحسين المهارات وليس مجرّد التقويم.
والعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.
ونسأل الله أن ينفع بكم وأن يجعلكم مباركين أينما كنتم.
والحمد لله رب العالمين.