بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الرابعة:
س1: كيف يكون الاهتداء بالقرآن؟
الاهتداء بالقراآن ينبني على أربعة أصول:
الأصل الأول:تصديق أخباره.
ووجه الاهتداء به أنه يورث في القلب اليقين الذي يزداد به علما وهدى والدليل على ذلك:وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
الأصل الثاني:عقل أمثاله.
وعقلها أي: فقهٌ لمقاصدها واتباع الهدى الذي أرشد الله عز وجل به.
الأصل الثالث والرابع: امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ويتمثل الهدى فيه لأن الله تعالى قد أمر بما فيه كل خير ونهى عما فيه كل شر.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
س2: ما سبب تصريح أهل السنة بأنّ القرآن غير مخلوق؟
القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفاته, ومنهج أهل السنة إثبات صفات الله تعالى, وأنه يجب الإيمان بها وأنها ليست مخلوقة.
وسبب تصريح أهل السنة بأن القرآن غير مخلوق, أنه لما حصلت فتنة خلق القرأن وجب على العلماء بيان منهجهم الحق والتصريح بأنه غير مخلوق ولا يسعهم السكوت, إذ أنه من توقف فيه هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ سُمي واقفيا شاكّاً في حقيقة القرآن.
قال ابن تيمية رحمه الله: (لم يَقُلْ أحدٌ مِن السَّلَفِ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ أو قديمٌ، بل الآثارُ متواتِرةٌ عنهم بأنَّهم يقولون: القرآنُ كلامُ اللَّهِ، ولمَّا ظَهَرَ مَن قال: إنَّه مخلوقٌ، قالوا رداًّ لكلامِه: إنَّه غيرُ مخلوقٌ) ا.هـ.
س3: ما سبب إصرار الإمام أحمد على عدم الترخّص بعذر الإكراه في محنة القول بخلق القرآن.
كان إصرار الإمام أحمد على عدم الترخص بعذر الإكراه في تلك المِحنة بأمرين:
١- إنكاره على عدد من العلماء الذين قالوا بخلق القرآن بعذر الإكراه، وذلك لأنهم كانوا عين البلد وأنه كان إفساد الأمر وشدة المحنة بسببهم ولو أنهم ثبتوا لله لانقطع، ولم يُتجرأ على غيرهم.
٢- صبره على الأذى وعدم الترخص بعذر الإكراه في نفسه وذلك لأنه كان أمام أهل الحديث في عصره ورجلٌ يُقتدى به، وكان الخلق قد مدوا أعناقهم إليه لما يكون منه.
قال عليّ بن المديني: (إنّ الله عزّ وجلّ أعزّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردّة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة). رواه الخطيب البغدادي وعبد الغني المقدسي.
س4: ما معنى الوقف في القرآن؟ وما سبب وقوف بعض أهل الحديث؟
الوقف في القرآن هو قول الواقفة الذين يقولون : القرآن كلام الله ويقفون، فلا يقولون: مخلوق ولا غير مخلوق.
والواقفة على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الجهمية الذين يتستّرون بالوقف، وهم في الحقيقة يقولون بخلق القرآن.
الصنف الثاني: الذين يقفون شكّاً وتردداً، فليسوا بمؤمنين بكلام الله حقيقة لأن الإيمان يقتضي التصديق والشك ينافي التصديق.
الصنف الثالث: أهل الحديث الذين يقولون بالوقف ولا يعتقدون بأن كلام الله مخلوق.
وسبب وقوفهم أنهم رأوا بأن القول بخلق القرآن قول محدث، فهم لا يقولونه ويبقون على ما كان عليه السلف قبل ذلك؛ وهم في ذلك مخطؤون لأنه يجب تبيين الحق عند ظهور الفتنة.
س5: ما سبب محنة الإمام البخاري رحمه الله؟ وبيّن موقفه من مسألة اللفظ.
وقعت المحنة للإمام البخاري مرتين، مرة بنيسابور وأخرى ببخارى وكان لتلك المِحنة أسباب عدة:
-فأما نيسابور: فإنه لما أقام فيها الإمام البخاري حسده بعض من كان يتصدر للعلم فيه لما رأوا الناس احتفوا به.
قال مسلم ابن الحجاج: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليا ولا عالما فَعل به أهل نيسابور ما فعلوا به استقبلوه مرحلتين وثلاثة.
وحسده بذلك نَفَر من أهل العلم فقال : اختبروه في اللفظ بالقرآن فإنه يقول بذلك، فامتحنه رجل وكان رحمه الله لا يحب الحديث في هذه المسألة لما فيها من الغموض والصعوبة، فلما أصروا عليه أجابهم، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة.
ونُقلت مقالته هذه على غير وجهها لقاضي نيسابور فحملها على ظاهرها ونشرها عنه بأنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ومنع الناس من مجالسة الإمام البخاري وبدّعه، وطلب أن لا يحضر مجلسه من يحضر للإمام البخاري، واضطر الإمام البخاري لأن يخرج من نيسابور كي يريح الناس من الحديث فيه حسدا وبغضا.
- وأما بخارى: فحينما رجع إليها وهي بلده، احتفل به عامة أهل البلد ونثروا عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير، ولكن لم تمض أيام إلا وكتب محمد ابن يحيى إلى أمير بخارى كتابا يتهمه في قوله باللفظ بالقرآن فجمع الأمير الناس وقرأ عليهم الكتاب، وطلب منهم أن يتركوا مجالسته فرفضوا، وكان من قبل قد وقعت الوحشة بينهما إذ طلبه الأمير أن بحمل كتابه الجامع إليه حتى يسمع منه فرفض الطلب إكرامًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفض الناس أن لا يجالسوه طلبه أن يخرج من بخارى، واتجه لخرنتك وبقي فيها حتى توفاه الله. رحمه الله.
-وأما موقفه من مسألة اللفظ فكان لا يحب الحديث فيها ويرى أنها مسألة مشؤومة لما أوذي فيها الإمام أحمد ابن حَنْبَل وغيره من كبار العلماء،
وكانوا إذا ألحوا عليه فيها قال : القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة.
وقال أيضا: من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله.
ولقد أشكل على الناس مذهب الإمام أحمد فكان الذين يقولون بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق، والذين يقابلونهم في هذا الأمر، كلا الفريقين ينسبون أقوالهم إليه،
فرد عليهم الإمام البخاري وبين مذهبه في كتابه ، "خلق أفعال العباد" فقال: (فأما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كل لنفسه، فليس بثابت كثير من أخبارهم، وربما لم يفهموا دقة مذهبه، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق، وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنبوا أهل الكلام والخوض والتنازع إلا فيما جاء فيه العلم وبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " ا. هـ.