(5)
قولُهُ في حديثِ
حُذيفةَ رضِيَ اللهُ عنْهُ: ((لا تَقُولوا)) (لا) ناهيَةٌ؛ ولهذا جُزِمَ الفعلُ بعدَها بحذفِ النونِ.
قولُهُ: ((ما شاءَ اللهُ وشاءَ فلانٌ)) والعلَّةُ في ذلكَ أنَّ الواوَ تقتضي تسويَةَ المعطوفِ بالمعطوفِ عليهِ، فيكونُ القائلُ: (ما شاءَ اللهُ وشئتَ) مسوِّيًا مشيئةَ اللهِ بمشيئةِ المخلوقِ، وهذا شركٌ، ثمَّ إن اعتقدَ أنَّ المخلوقَ أعظمُ مِنَ الخالقِ، أوْ أنَّهُ مساوٍ لهُ فهوَ شركٌ أكبرُ، وإن اعتقدَ أنَّهُ أقلُّ فهوَ شِركٌ أصغرُ.
قولُهُ: ((ولَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ)) لمَّا نَهَى عَنِ اللفظِ المحرَّمِ بيَّن اللفظَ المباحَ؛ لأنَّ (ثمَّ) للترتيبِ والتراخي، فتفيدُ أنَّ المعطوفَ أقلُّ مرتبةً مِنَ المعطوفِ عليهِ.
أمَّا بالنسبةِ لقولِهِ: (ما شاءَ اللهُ فشاء فُلان) فالحكمُ فيها أنَّها مرتبةٌ بينَ مرتبةِ (الواوِ) ومرتبةِ (ثُمَّ)، فهيَ تختلفُ عَن (ثُمَّ) بأنَّ (ثمَّ) للتراخي والفاءَ للتعقيبِ، وتُوافِقُ (ثمَّ) بأنَّها للترتيبِ، فالظاهرُ أنَّها جائزةٌ، ولكنَّ التعبيرَ بـ(ثمَّ) أَوْلَى؛ لأنَّهُ اللفظُ الذي أرْشَدَ إليهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولأنَّهُ أبينُ في إظهارِ الفرقِ بينَ الخالقِ والمخلوقِ.
هذا محرَّمٌ؛ لأنَّهُ جمعٌ بينَ اللهِ والمخلوقِ بحرفٍ يقتضي التسويَةَ، وهوَ (الواو).
ويجوزُ (باللهِ ثُمَّ بِكَ) لأنَّ (ثمَّ) تدلُّ علَى الترتيبِ والتراخي.
فإنْ قيلَ:
سبقَ أنَّ مِنَ الشركِ الاستعاذةَ بغيرِ اللهِ، وعلَى هذا يكونُ قولُهُ أعوذُ باللهِ ثُمَّ بِكَ محرَّمًا؟
أُجيبَ:
أنَّ الاستعاذةَ بمَنْ يَقْدِرُ علَى أنْ يُعِيذَكَ جائزةٌ؛
لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم في (صحيحِ مسلمٍ) وغيرِه: ((مَنْ وَجَدَ مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ)).
لكنْ لوْ قالَ: (أعوذُ باللهِ ثُمَّ بفلانٍ) وهوَ ميِّتٌ، فهذا شِركٌ أكبرُ؛ لأنَّهُ لا يقدِرُ علَى أنْ يُعيذَكَ، وأمَّا استدلالُ الإمامِ أحمدَ علَى أنَّ القرآنَ غيرُ مخلوقٍ بقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)).
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: (والاستعاذةُ لا تكونُ بمخلوقٍ، فيُحملُ كلامُهُ علَى أنَّ الاستعاذةَ بكلامٍ لا تكونُ بكلامٍ مخلوقٍ، بلْ بكلامٍ غيرِ مخلوقٍ، وهوَ كلامُ اللهِ، والكلامُ تابعٌ للمتكلِّمِ بهِ، إنْ كانَ مخلوقًا فهوَ مخلوقٌ، وإنْ كانَ غيرَ مخلوقٍ فهوَ غيرُ مخلوقٍ).
(7)
فيهِ مَسائِلُ:
الأولَى: (تفسيرُ آيَةِ البَقَرَةِ في الأندادِ) وقدْ سبقَ.
(8)
الثانيَةُ: (أنَّ الصحابَةَ يفسِّرونَ الآيَةَ النازِلَةَ في الشِّرْكِ الأكبرِ أَنَّها تَعُمُّ الأصغرَ)
لأنَّ قولَهُ تعالَى: {فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، نازلةٌ في الأكبرِ؛ لأنَّ المخاطَبَ بها هم المشركونَ، وابنُ عباسٍ فسَّرها بما يَقْتَضِي الشِّرْكَ الأصغرَ؛ لأنَّ النِّدَّ يشملُ النظيرَ المساويَ علَى سبيلِ الإطلاقِ، أوْ في بعضِ الأمورِ.
(9)
الثالثةُ: (أنَّ الحَلِفَ بغيرِ اللهُ شِرْكٌ)
لحديثِ ابنِ عمرَ رضِي اللهُ عنهما.
(10)
الرابعةُ: (أنَّهُ إذا حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ صادِقًا فهُوَ أكبرُ مِنَ اليمينِ الغَموسِ)
واليمينُ الغموسُ عندَ الحنابلةِ أنْ يَحْلِفَ باللهِ كاذبًا، وقالَ بعضُ العلماءِ -وهوَ الصحيحُ- أنْ يحلفَ باللهُ كاذبًا ليَقْتَطِعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ.
(11)
الخامسةُ: (الفرقُ بينَ (الواوِ) و(ثُمَّ) في اللفظِ)
لأنَّ (الواوَ) تقتضي المساواةَ فتكونُ شِرْكًا، و(ثمَّ) تقتضي الترتيبَ والتراخيَ فلا تكونُ شِرْكًا.
(12)
مناسبةُ هذا البابِ لكتابِ التوحيدِ:
أنَّ الاقتناعَ بالحلفِ باللهِ مِنْ تعظيمِ اللهِ؛
لأنَّ الحالِفَ أكَّدَ ما حُلِفَ عليهِ بالتعظيمِ باليمينِ، وهوَ تعظيمُ المحلوفِ بهِ، فيكونُ مِنْ تعظيمِ المحلوفِ بهِ أنْ يُصَدَّقَ ذلكَ الحالفُ، وعلَى هذا يكونُ عدمُ الاقتناعِ بالحلفِ باللهِ فيهِ شيءٌ مِنْ نقصِ تعظيمِ اللهِ، وهذا ينافي كمالَ التوحيدِ، والاقتناعُ بالحلفِ باللهِ لا يخلوْ مِنْ أمرينِ:
الأولُ:
أنْ يكونَ ذلكَ مِنَ الناحيَةِ الشرعيَّةِ،
فإنَّهُ يجبُ الرضا بالحلفِ باللهِ فيما إذا توجَّهَت اليمينُ علَى المدَّعَى عليهِ فحلفَ، فيجبُ الرضا بهذا اليمينِ بمقتضَى الحكمِ الشرعيِّ.
الثاني:
أنْ يكونَ ذلكَ مِنَ الناحيَةِ الحسيَّةِ،
فإنْ كانَ الحالفُ موضعَ صدقٍ وثقةٍ فإنَّكَ تَرْضَى بيمينِهِ، وإنْ كانَ غيرَ ذلكَ فلكَ أنْ تَرْفُضَ الرضا بيمينِهِ.
ولهذا لما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ:((تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا)).
قالوا: كَيْفَ نَرْضَى يا رَسولَ اللهِ بأَيْمَانِ اليهودِ؟
فأقرَّهُم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علَى ذلكَ
.
(13)
قولُهُ في الحديثِ: (لاتَحْلِفوا) (لا): ناهيَةٌ؛ ولهذا جُزِمَ الفعلُ بعدَها بحذفِ النونِ، و(آبائِكم) جمعُ: أبٍ، ويشمَلُ الأبَ والجدَّ وإنْ علا، فلا يجوزُ
الحلفُ بهمْ؛ لأنَّهُ شِرْكٌ وقَدْ سبقَ بيانُهُ.
قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ))هنا أمرانِ:
الأمرُ الأولُ للحالفِ:
فقدْ أُمِرَ أنْ يكونَ صادقًا،والصدقُ هوَ: الإخبارُ بما يطابِقُ الواقعَ، وضدُّهُ الكذبُ وهوَ: الإخبارُ بما يخالفُ الواقعَ فقولُهُ: ((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ)) أيْ: فليكنْ صادقًا في يمينِهِ.
وهلْ يُشترطُ أنْ يكونَ مطابقًا للواقعِ أوْ يكفي الظنُّ؟
الجوابُ:
يكفي الظنُّ،
فلَهُ أنْ يحلفَ علَى ما يغلِبُ علَى ظنِّهِ، كقولِ الرجلِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: واللهِ ما بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بيْتٍ أفْقَرُ مِنِّي، فأقرَّهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ.
الثاني للمحلوفِ لَه:
فقَدْ أُمِر أنْ يرْضَى بيمينِ الحالِفِ لَهُ،
فإذا قرَنْتَ هذينِ الأمرينِ بعضَهما ببعضٍ، فإنَّ الأمرَ الثاني يُنزَّلُ علَى ما إذا كانَ الحالفُ صادقًا؛ لأنَّ الحديثَ جَمَعَ أمرينِ: أمرًا مُوَجَّهًا للحالفِ، وأمرًا موجَّهًا للمحلوفِ لهُ، فإذا كانَ الحالفُ صادقًا وجبَ علَى المحلوفِ لهُ الرضا.
فإنْ قيلَ:
إنْ كانَ صادقًا فإنَّنا نصدِّقُهُ،
وإنْ لمْ يحلفْ؟
أجيبَ: أنَّ اليمينَ تزيدُهُ توْكيدًا.
قولُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أيْ: مَنْ لمْ يَرْضَ بالحلفِ باللهِ إذا حُلِف لَهُ فليسَ مِنَ اللهِ.
قال ا
بن قاسم في (حاشية كتاب التوحيد) ص 305: (أي الوعيد لكونه من الفعل المنافي لكمال التوحيد، لدلالته على قلة تعظيمه لجناب الربوبية، فإن القلب الممتلئ بمعرفة عظمة الله وجلاله لا يفعل ذلك) .
وهذا تبرُّؤٌ منهُ يَدُلُّ علَى أنَّ عدمَ الرضا مِنْ كبائرِ الذنوبِ، ولكنْ لا بدَّ مِنْ ملاحظةِ ما سبقَ، وقدْ أشرْنا أنَّ في حديثِ القَسامةِ دليلاً علَى أنَّهُ إذا كانَ الحالفُ غيرَ ثقةٍ فلكَ أنْ تَرْفُضَ الرضا بهِ؛ لأنَّهُ غيرُ ثقةٍ، فلوْ أنَّ أحدًا حلفَ لكَ.
وقالَ: (واللهِ إنَّ هذه الحقيبةَ مِنْ خشبٍ، وهيَ منْ جلدٍ، فيجوزُ أنْ لا تَرْضَى بهِ؛ لأنَّكَ قاطعٌ بكذبِهِ، والشَّرْعُ لا يأمرُ بشيءٍ يُخالفُ الحِسَّ والواقعَ، بلْ لا يأمرُ إلاَّ بشيءٍ يستحسِنُهُ العقلُ ويشهدُ لَهُ بالصحةِ والحُسْنِ، وإنْ كانَ العقلُ لا يُدْرِكُ أحيانًا مدَى حسنِ هذا الشيءِ الذي أمرَ بهِ الشرعُ، ولكنْ لِيُعْلَمْ علمَ اليقينِ أنَّ الشرعَ لا يأمرُ إلاَّ بما هوَ حسنٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى يقولُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فإذا اشتبهَ عليكَ حسنُ شيءٍ مِنْ أحكامِ الشرعِ فاتَّهِمْ نفسَكَ بالقصورِ أوْ بالتقصيرِ، أمَّا أنْ تتَّهِمَ الشرعَ فهذا لا يمكنُ، وما صحَّ عن اللهِ ورسولِهِ فهوَ حقٌّ وهوَ أحسنُ الأحكامِ).
(14)
فيهِ مَسائِلُ:
الأولَى:
(النَّهيُ عنِ الحَلِفِ بالآباءِ)
لقولُهُ: ((لاَ تَحْلِفُوا بآبائِكُم)) والنهيُ للتحريمِ.
(15)
الثانيَةُ: (الأمرُ للمَحْلوفِ لَهُ باللهِ أنْ يرضَى)
لقولِهِ: ((وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ)) وسبقَ التفصيلُ في ذلكَ.
(16)
الثالثةُ: (وعيدُ مَنْ لَمْ يَرْضَ)
لقولِهِ: ((وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)).
الرابعةُ :
ولم يَذْكُرْها المؤلِّفُ -: أمرُ الحالفِ أن يَصْدُقَ؛ لأنَّ الصدقَ واجبٌ في غيرِ اليمينِ، فكيفَ باليمينِ، وقدْ سبقَ أنَّ مَنْ حَلَفَ علَى يمينٍ كاذبةٍ أنَّهُ آثِمٌ، وقالَ بعضُ العلماءِ: إنَّها اليمينُ الغَمُوسُ.
وأمَّا بالنسبةِ للمحلوفِ لهُ:
هلْ يلزَمُهُ أنْ يُصَدِّقَ أمْ لا؟
المسألةُ لا تخلُو مِنْ أحوالٍ خمسةٍ:
الأولَى:
أنْ يَعْلَمَ كذبَهُ،
فلا أحدَ يقولُ: إنَّهُ يلزمُ تصديقُهُ.
الثانيَةِ:
أنْ يترجَّحَ كذبُهُ،
فكذلكَ لا يَلْزَمُ تصديقُهُ.
الثالثةِ:
أنْ يَتَسَاوَى الأمرانِ
فهذا يجبُ تصديقُهُ.
الرابعةُ:
أنْ يترجَّحَ صدقُهُ،
فيجبُ أنْ يُصَدَّقَ.
الخامسةُ:
أنْ يَعْلَمَ صدقَهُ،
فيجبُ أنْ يُصَدِّقَهُ.
وهذا في الأمورِ الحسيَّةِ، أمَّا الأمورُ الشرعيَّةُ في بابِ التحاكمِ فيجبُ أنْ يَرْضَى باليمينِ، ويلتزمَ بمقتضاها؛ لأنَّ هذا مِنْ بابِ الرضا بالحكمِ الشرعيِّ، وهوَ واجبٌ.
(17)
مناسبةُ البابِ لكتابِ التوحيدِ:
أنْ قولَ:
((ما شاءَ اللهُ وشئتَ)) مِنَ الشركِ الأكبرِ أو الأصغرِ؛ لأنَّهُ إن اعتقدَ أنَّ المعطوفَ مساوٍ للهِ فهوَ شِرْكٌ أكبرُ، وإن اعتقدَ أنَّهُ دونَهُ لكنْ أشركَ بهِ في اللفظِ فهوَ أصغرُ، وقدْ ذكَرَ بعضُ أهلِ العلمِ: أنَّ مِنْ جملةِ ضوابطِ الشركِ الأصغرِ أنَّ ما كانَ وسيلةً للأكبرِ فهوَ أصغرُ.
(18)
قولُهُ: (أنَّ يَهُوديًّا) اليهوديُّ هوَ: المنتسِبُ إلَى شريعةِ
موسَى عليهِ السلامُ، وسُمُّوا بذلكَ مِنْ قولِهِ تعالَى: {إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ} أيْ: رَجَعْنَا، أوْ لأنَّ جدَّهم اسمُهُ يَهُوذَا بنُ يعقوبَ، فتكونُ النسبةُ منْ أجلِ النسبِ، وفي الأولِ تكونُ النسبةُ مِنْ أجلِ العملِ، ولا يَبْعُدُ أنْ تكونَ مِنَ الاثنينِ جميعًا.
قولُهُ: (إِنَّكُم تُشرِكُونَ) أيْ: تَقَعونَ في الشركِ أيُّها المسلمونَ.
قولُهُ: ((ما شاءَ اللهُ وشئْتَ)) الشركُ - هنا - أنَّهُ جعلَ المعطوفَ مساويًا للمعطوفِ عليهِ، وهوَ اللهُ عزَّ وجلَّ، حيث كانَ العطفُ بالواوِ المفيدةِ للتَّسْوِيَةِ.
قولُهُ: ((والكعبةِ)) الشركُ -هنا- أنَّهُ حَلِفٌ بغيرِ اللهِ، ولمْ يُنِكِر النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما قالَ اليهوديُّ، بلْ أمَرَ بتصحيحِ هذا الكلامِ فأمرهم إذا حلفوا أنْ يقولوا: وربِّ الكعبةِ، فيكونُ القسَمُ باللهِ.
وأمَرَهم أنْ يقولوا: ((ما شاءَ اللهُ ثمَّ شئتَ)) فيكونُ الترتيبُ بـ(ثمَّ) بينَ مشيئةِ اللهِ ومشيئةِ المخلوقِ، وبذلكَ يكونُ الترتيبُ صحيحًا؛ أمَّا الأولُ فلأن الحلفَ صارَ باللهِ، وأمَّا الثاني فلأنَّهُ جُعلَ بلفظٍ يتبيَّنُ بهِ تأخُّرُ مشيئةِ العبدِ عنْ مشيئةِ اللهِ، وأنَّهُ لا مساواةَ بينَهُمَا.
(19)
قولُهُ في حديثِ ابنِ
عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رجُلاً قالَ للنبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ) الظاهرُ أنَّهُ قالَهُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تعظيمًا، وأنَّهُ جعلَ الأمرَ مُفَوَّضًا لمشيئةِ اللهِ ومشيئةِ رسولِهِ.
قولُهُ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟))الاستفهامُ للإنكارِ، وقدْ ضُمِّنَ معنَى التعجُّبِ، ومَنْ جعلَ للخالقِ ندًّا فقدْ أتَى شيئًا عجابًا.
والندُّ
هوَ: النظيرُ والمساوي؛ أيْ: أجَعَلْتَنِي للهِ مساويًا في هذا الأمرِ.
قولُهُ: (بلْ مَا شاءَ اللهُ وحْدَهُ) أرشدَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلَى ما يَقْطَعُ عنهُ الشركَ، ولمْ يرشدْهُ إلَى أنْ يقولَ: ((ما شاءَ اللهُ ثمَّ شئتَ)) حتَّى يَقْطَعَ عنه كلَّ ذريعةٍ عَنِ الشركِ وإنْ بَعُدَت.
وتعظيم النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بلفظٍ يقتضي مساواتَهُ للخالقِ شركٌ،
فإنْ كانَ يعتقدُ المساواةَ فهوَ شركٌ أكبرُ، وإنْ كانَ يعتقدُ أنَّهُ دونَ ذلكَ فهوَ أصغرُ، وإذا كانَ هذا شِرْكًا فكيفَ بمَنْ يجعلُ حقَّ الخالقِ للرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟
هذا أعظمُ؛ لأنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليسَ لهُ شيءٌ مِنْ خصائصِ الربوبيَّةِ، بلْ يَلْبَسُ الدِّرْعَ، ويحملُ السلاحَ، ويجوعُ، ويتألَّمُ، ويَمْرَضُ، ويعطشُ كبقيَّةِ الناسِ، ولكنَّ اللهَ فضَّلَهُ علَى البشرِ بما أَوْحَى إليهِ مِنْ هذا الشرعِ العظيمِ، قالَ تعالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فهوَ بشرٌ، وأكَّدَ هذهِ البشريَةَ بقولِهِ: {مِثْلُكُمْ} ثمَّ جاءَ التمييزُ بينَهُ وبينَ بقيَّةِ البشرِ بقولِهِ تعالَى: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}.
ولا شكَّ أنَّ اللهَ أعطاهُ مِنَ الأخلاقِ الفاضلةِ التي بها الكمالاتُ مِنْ كلِّ وجهٍ: أعطاهُ مِنَ الصبرِ العظيمِ، وأعطاهُ مِنَ الكرمِ ومِنَ الجودِ، لكنَّها كلَّها في حدودِ البشريَّةِ، أمَّا أنْ تَصِلَ إلَى خصائصِ الربوبيَّةِ فهذا أمرٌ لا يمكنُ، ومَن ادَّعَى ذلكَ فقْد كفرَ بمحمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكفرَ بمَنْ أرسلَهُ.
فالمهمُّ أنَّنا لا نغلُو في الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فنُنَزِّلُهُ في منزلةٍ هوَ يُنْكِرُهَا، ولا نَهْضِمُ حقَّهُ الذي يجبُ علينا، فنعطيهِ مَا يجبُ لَهُ، ونسألُ اللهَ أنْ يعينَنا علَى القيامِ بحقِّهِ، ولكننَّا لا نُنَزِّلُهُ منزلةَ الربِّ عزَّ وجلَّ.
(20)
قولُهُ في حديثِ
الطُّفَيْلِ:((رأيتُ كَأنِّي أَتَيتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ اليهودِ)) أيْ: رؤيا في المنامِ.
وقولُهُ: (كَأنَّ) اسمُها الياءُ، وجملةُ (أتَيْتَ) خبرُها.
وقولُهُ: (عَلَى نَفَرٍ) من الثلاثةِ إلَى التسعةِ، واليهودُ أتباعُ موسَى.
قولُهُ: ((لأنْتُمُ القَوْمُ)) كلمةُ مدحٍ، كقولِكَ: هؤلاءِ هم الرجالُ.
وقولُهُ: ((عُزَيْرٌ)) هوَ: رجلٌ صالحٌ ادَّعَى اليهودُ أنَّهُ ابنُ اللهِ، وهذا مِنْ كَذِبهِمْ وهوَ كفرٌ، واليهودُ لهمْ مَثَالِبُ كثيرةٌ، لكنْ خُصَّتْ هذهِ؛ لأنَّها مِنْ أعظمِهَا وأشهرِهَا عندَهُمْ.
قولُهُ: ((ما شاءَ اللهُ وشاءَ مُحَمدٌ)) هذا شِرْكٌ أصغرُ؛ لأنَّ الصحابةَ الذينَ قالُوا هذا، ولا شكَّ أنَّهم لا يعتقدونَ أنَّ مشيئةَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مساويَةٌ لمشيئةِ اللهِ، فانْتَقَدَ عليهمْ تسويَةَ مشيئةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بمشيئةِ اللهِ عزَّ وجلَّ باللفظِ، معَ عِظَمِ ما قالَهُ هؤلاء اليهودُ في حقِّ اللهِ جلَّ جلالُهُ.
قولُهُ: ((تقولونَ:المسيحُ ابنُ اللهِ))هوَ: عيسَى ابنُ مريمَ، وسُمِّيَ مسيحًا بمعنَى: ماسحٍ، فهوَ (فَعِيلٌ) بمعنَى (فاعلٍ)؛ لأنَّهُ كانَ لايَمْسَحُ ذا عاهةٍ إلاَّ بَرِئَ بإذنِ اللهِ، كالأكْمَهِ والأبْرَصِ.
والشيطانُ لَعِبَ بالنصارَى فقالُوا: (هوَ ابنُ اللهِ؛ لأنَّهُ أتَى بدونِ أبٍ) كما في القرآنِ: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} قالُوا: هوَ جزءٌ مِنَ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ أضافَهُ إليهِ، والجزءُ هوَ الابنُ.
والروحُ
: علَى الراجحِ عندَ أهلِ السُّنةِ: ذاتٌ لطيفةٌ تدخلُ الجسمَ وتَحُلُّ فيهِ، كما يَحُلُّ الماءُ في الطينِ اليابسِ، ولهذا يَقْبِضُهَا المَلَكُ عندَ الموتِ وتُكَفَّنُ ويُصْعَدُ بها، ويراها الإنسانُ عندَ موتِهِ.
فالصحيحُ
أنَّها ذاتٌ، وإنْ كانَ بعضُ الناسِ يقولونَ: إنَّها صفةٌ، وليسَ كذلكَ، بل الحياةُ صفةٌ والروحَ ذاتٌ، وقد أضافَ اللهُ رُوحَ عيسَى إليهِ، كمَا أضافَ: البيتَ والمساجدَ والناقةَ إليهِ، وما أشبَهَ ذلكَ علَى سبيلِ التشريفِ والتعظيمِ، ولا شكَّ أنَّ المضافَ إلَى اللهِ يَكْتَسِبُ شرفًا وعظمةً.
قولُهُ: ((فلَما أصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِها مَنْ أخبَرتُ)) المقصودُ بهذهِ العبارَةِ الإبهامُ، كقولِهِ تعالَى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} والإبهامُ قدْ يكونُ للتعظيمِ كما في الآيَةِ المذكورةِ، وقدْ يكونُ للتحقيرِ، حسَبَ السياقِ، وقدْ يُرادُ بهِ معنًى آخرُ.
قولُهُ: ((هلْ أَخْبَرْتَ بِها أحدًا؟)) سألَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا السؤالَ؛ لأنَّهُ لوْ قالَ: لم أُخْبِرْ أحدًا؛ فالمتوقَّعُ أنَّ الرسولَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ سيقولُ لَهُ: لا تُخْبِرْ أحدًا، هذا هوَ الظاهرُ، ثمَّ يُبَيِّنُ لهُ الحكمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، لكنْ لمَّا قالَ إنَّهُ أخبرَ بها، صارَ لا بدَّ مِنْ بيانِهَا للناسِ عمومًا؛ لأنَّ الشيءَ إذا انتشَرَ يَجِبُ أنْ يُعلَنَ عنهُ، بخلافِ ما إذا كانَ خاصًّا فهذا يُخْبَرُ بهِ مَنْ وصَلَهُ الخبرُ.
قولُهُ: ((فَحَمِدَ اللهَ))الحمدُ: وصفُ المحمودِ بالكمالِ معَ المحبةِ والتعظيمِ.
قولُهُ:
((وأثْنَى عليهِ)) أيْ: كرَّرَ ذلكَ الوصفَ.
قولُهُ: ((أَمَّا بعدُ)) سبقَ أنَّها بمعنَى: مَهْمَا يكنْ مِنْ شيءٍ بعدُ؛ أيْ: بعدَ ما ذكرتُ فكذا وكذا.
قولُهُ: ((يَمْنَعُنِي كَذا وكَذا)) أيْ: يمنعهُ الحياءُ كما في روايَةٍ أخرَى، ولكنْ ليسَ الحياءُ مِنْ إنكارِ الباطلِ، ولكنْ مِنْ أنْ يَنْهَى عنها دونَ أنْ يأمرَهُ اللهُ بذلكَ، هذا الذي يجبُ أنْ تُحمَلَ عليهِ هذه اللفظةُ إنْ كانتْ محفوظةً، أنَّ الحياءَ الذي يمنعُهُ ليسَ الحياءَ مِنَ الإنكارِ؛ لأنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَسْتَحِي مِنَ الحقِّ، ولكنَّ الحياءَ مِنْ أنْ ينكرَ شيئًا قدْ درَجَ علَى الألسنةِ، وألِفَهُ الناسُ قبلَ أنْ يؤمرَ بالإنكارِ.
مثلَ: الخمرِ، بقيَ الناسُ يشربونَها حتَّى حُرِّمَتْ في سورةِ المائدةِ، فالرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لمَّا لمْ يُؤْمَرْ بالنهيِ عنها سكتَ، ولما حصلَ التنبيهُ علَى ذلكَ بإنكارِ هؤلاءِ اليهودِ والنصارَى رأَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ لا بدَّ مِنْ إنكارِها؛ لدخولِ اللومِ علَى المسلمينَ بالنطقِ بها.
قولُهُ: ((قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)) نهاهُمْ عَنِ الممنوعِ، وبيَّنَ لهم الجائزَ.
قال في (فتح المجيد) ص499: (وهذا الحديث والذي قبله: أمرهم أن يقولوا ما شاء الله وحده. ولا ريب أن هذا أكمل في الإخلاص، وأبعد عن الشرك، من أن يقولوا: ثم شاء فلان؛ لأن فيه التصريح بالتوحيد المنافي للتنديد من كل وجه، فالبصير يختار لنفسه أعلى مراتب الكمال في مقام التوحيد والإخلاص) .
(21)
فيهِ مَسائِلُ:
الأولَى:
(مَعْرِفَةُ اليهودِ بالشِّرْكِ الأصغَرِ)
لقولِهِ: {إِنَّكُمْ لِتُشْرِكُونَ}.
(22)
الثانيَةُ: (فَهْمُ الإنسانِ إذا كَانَ لَهُ هَوًى)
أيْ: إذا كانَ لهُ هوًى فَهِمَ شيئًا، وإنْ كانَ هوَ يَرْتَكِبُ مثلَهُ أوْ أشدَّ منهُ، فاليهودُ مثلاً أنكروا علَى المسلمينَ قولَهم: ((مَا شاءَ اللهُ وشِئْتَ)) وهمْ يقولونَ أعظمَ مِنْ هذا، يقولُونَ: عزيرٌ ابنُ اللهِ، ويَصِفُون اللهَ تعالَى بالنقائِصِ والعيوبِ.
(23)
الثالثةُ: ((قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّم:
((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا)) هوَ قولُهُ: (ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ)).
وقولُهُ: ((فكيفَ بمَنْ قالَ: مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ سِواكَ..)) والبيتينِ بعدَهُ: يُشيرُ رحمَهُ اللهُ إلَى أبياتٍ للبُوصِيرِيِّ في البُرْدةِ القصيدةِ المشهورةِ يقولُ فيها:
يا
أكرمَ الـخلـقِ مـا لي مـَنْ ألوذُ بِهِ سواكَ عندَ حلولِ الحادثِ العَمَمِ
إنْلم تَكُنْ آخِذًا يومَ الـمَعادِ يدي عـفـوًا،وإلاَّ فــقـلْ يـا زَلـَّةَ الـقـَدَمِ
فـإنَّ مـِنْ جُودِكَ الدنــيا وضَرَّتَهَا ومـِنْ عـلـومـِكَ عـلمَ اللوحِ والقلمِ
وهذا غايَةُ الكفرِ والغلوِّ، فلمْ يجعلْ للهِ شيئًا، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شرَفُهُ بكونِهِ عبدَ اللهِ ورسولَهُ، لا لمجرَّدِ كونِهِ
محمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ.
(24)
الرابعةُ: (أَنَّ هَذا ليسَ مِنَ الشِّركِ الأكبرِ لقولِهِ: ((يَمْنَعُني كَذا وكَذا))
لأنَّهُ لوْ كانَ مِنَ الشركِ الأكبرِ ما منعَهُ شيءٌ مِنْ إنكارِهِ.
(25)
الخامسةُ: (أنَّ الرُّؤيا الصَّالحةَ مِنْ أقْسامِ الوَحْيِ)
تُؤخذُ مِنْ حديثِ الطُّفَيْلِ، ولقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)) وهذا موافقٌ للواقعِ بالنسبةِ للوحيِ الذي أُوحِي إلَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّ أولَ الوحيِ كانَ بالرؤيا الصالحةِ منْ ربيعٍ الأولِ إلَى رمضانَ، وهذا سِتَّةُ أشهرٍ، فإذا نَسَبْتَ هذا إلَى بقيَّةِ زمنِ الوحي كانَ جُزءًا منْ ستَّةٍ وأربعينَ جزءًا؛ لأنَّ الوحيَ كانَ ثلاثًا وعشرينَ سنةً وستَّةَ أشهرٍ مقدِّمَةً لهُ.
والرُّؤْيَا الصالِحةُ:
هيَ التي تَتَضَمَّنُ الصَّلاحَ،
وتأْتِي مُنَظَّمَةً وليستْ بأضغاثِ أحلامٍ.
أما أضغاثُ الأحلامِ
: فإنَّها مُشَوَّشةٌ غيرُ مُنَظَّمَةٍ، وذلكَ مثلُ التي قصَّها رجلٌ علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَأْسِي قدْ قُطِعَ.
وإِني جَعلتُ أشتَدُّ وراءهُ سعيًا.
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:((لاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلاَعُبِ الشَّيطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ)).
والغالبُ أنَّ الْمرائيَ المكروهةَ مِنَ الشيطانِ،
قالَ اللهُ تعالَى: {إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيُحْزِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ}، ولذلكَ أرشدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لمَنْ رأَى ما يَكْرَهُ أن يَتْفُلَ عنْ يسارِهِ، أوْ يَنْفُثَ ثلاثَ مراتٍ وأنْ يقولَ:((أَعوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيطَانِ، وَمِنْ شرِّ مَا رَأيتُ، وَأَنْ يتَحَوَّلَ إلَى الْجَانِبِ الآخَرِ وَأَنْ لاَ يُخْبِرَ أَحَدًا)) وفي روايَةٍ: (أَمَرَهُ أنْ يَتَوضَّأ وأنْ يُصلِّيَ).
(26)
السادسةُ: ((أنَّها قدْ تكونُ سببًا لِشَرْعِ بعضِ الأحكامِ))
مِنْ ذلكَ رؤيا إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنَّهُ يَذْبَحُ ابنَهُ، وهذا الحديثُ، وكذلكَ أثبتَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رؤيا عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ في الأذانِ وقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((إِنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ)) وأبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ أثبتَ رؤْيَا مَنْ رأَى ثابتَ بنَ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ، فقالَ للذي رآه: إنكم سَتَجِدُونَ دِرْعِي تحتَ بُرْمةٍ، وعندهَا فَرَسٌ يَسْتَنُّ.
فلما أصبحَ الرجلُ ذهبَ إلَى خالدِ بنِ الوليدِ وأخبرَهُ.
فذهبُوا إلَى المكانِ ورأوُا الدرعَ تحتَ البُرْمةِ عندَها الفرسُ، فنفَّذَ أبو بكرٍ وصيَّتَهُ؛ لوجودِ القرائنِ التي تدلُّ علَى صدقِهَا).
لكن لوْ دلَّتْ علَى مَا يُخَالِفُ الشريعَةَ فلا عِبْرَةَ بها، ولا يُلْتَفَتُ إليها؛ لأنَّها ليستْ رؤيا صالِحَةً.