دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 رمضان 1436هـ/23-06-2015م, 05:46 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي تلخيص مسائل رسالة ابن رجب

بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}
للحافظ ابن رجب الحنبلي

المسائل:

-بيان مدلولات الآية :
-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق ‘‘.
● ما تفيده صيغة إنما :
●الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":

#القول الأول:
#القول الثاني:
#القول الثالث:
#القول الرابع:
#الرد على الأقوال:
#القول الراجح.


-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
# القائلين به :
●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
#القائلين بالنفي في المفهوم :

*الموضع الثاني:
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
# الخلاصة :

تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
* القسم الأول:
*القسم الثاني:

●الرأي الصحيح في "إنما ":
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
* مثال من السنة :

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
* الرد عليهم مع التمثيل:
# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
* الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
#أنواع الحصر :
#عمل الحصر:

*مثال:
#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
*مثال:
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
*الطرف الأول:
*الطرف الثاني:
* وبجمعهما :
#الجهة الثانية:
* المراد بالمقتضي:
*المراد بالشرط:
*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
*دلالة الآية :
● من تفسير السلف لهذه الآية :
●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.




تلخيص المسائل:
-بيان مدلولات الآية :
1-إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .
2-نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.
3-نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.


-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .‘‘
● ما تفيده صيغة "إنما":
اتفق على أن صيغة "إنما " تفيد تأكيد صيغة المذكور؛لأن "إنَّ " تختص بالتأكيد.
● الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":
# القول الأول :
أنها كافة أو زائدة ؛تكف عمل إن وأخواتها ؛لأنها مختصة بالاسم فتعمل فيه ما لم تدخل عليها "ما" ،فإذا دخلت " ما " زالت اختصاصها فصارت تدخل على الجملة الاسمية والفعلية فبطل عملها ./قول الجمهور .
#القول الثاني :
أنها اسمٌ مبهمٌ ؛ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وتكون الجملة بعده مفسر له ومخبرٌ بها عنه./وهذا قول بعض الكوفيين وابن درستويه.
# القول الثالث:
أنها نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه ./ذهب إليه طائفة من الأصوليين وأهل البيان .
#القول الرابع:
قد تكون هنا بمعنى الذي - جماعة العقلاء -كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}. والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.
# الرد على الأقوال:
-ذكر ابن رجب رحمه الله بطلان هذا القول الثالث باتفاق من عدة وجوه:
1-أنَّ أهل المعرفة باللسان لأنَّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
2- أن هذا القول نسب إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي "،بحيث بيَّن أن مرادهم هو إجراء "إنما " مجرى النفي دون "ما" وحدها .
#القول الراجح:
هو قول الجمهور وهو أنَّ "ما" زائدةٌ كافة تدخل على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ.


-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
استدل عليه من صيغة "إنما" وأنّ "ما" هي الكافة التي بدخولها على إنَّ تفيد معنى الحصر .
# القائلين به :
-من الجمهور مثل كالقاضي، وابن عقيلٍ، والحلواني.والشيخ موفق الدين، وفخر الدّين إسماعيل بن علي صاحب ابن المنّي.
-ومن الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرّاسي.
- ومن الحنفية كالجرجاني.
- ومن المتكلمين كالقاضي أبي بكرٍ، وغيره.
-وكثيرٌ من النحاة ، أبو علي فيما ذكره الرازيّ عن النحاة جملةً.
●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
^^ من الجمهور:، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين.
^^ ومن الشافعية: قول أبي حامد، وأبي الطيب .
^^ومن الحنفية : الجرجاني .
#القائلين بالنفي في المفهوم :
^^ القول الآخر للقاضي ،وابن عقيلٍ والحلواني، وكثيرٍ من الحنفية والمتكلمين.
*الموضع الثاني:
دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص ؛جاعلين" إنما " كالمستثنى والمستثنى منه سواء ؛وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
أي دلالتها ظاهرا على الحصر أو التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء .
وهو أشبه بقوله بدلالة النفي عن طريق المفهوم.
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
وإنما القصد منه هو رفع الحكم إما مطلقًا أو في الاستثناء من الإثبات وحده /وهذا قول يرد عن الحنفية، وجعلوه من باب المفهوم الذي ينفونه.
# الخلاصة :
تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
- القسم الأول:
من لا يرى كون المفهوم حجّةً بالكلية كالحنفية، ومن وافقهم من المتكلمين.
-القسم الثاني:
من يراه حجةً من الجملة، ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده لأنه ليس لها مفهوم.

●الرأي الصحيح في "إنما ":
-"إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة .
- "إنَّ" تفيد التوكيد والزائد لا معنى له.
-إنّما تفيد تقوية التوكيد ؛ولا تحدث معنى آخر.
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
{إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
* مثال من السنة :
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الرّبا في النسيئة".

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
@ في قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا ؛لوجود أسماء لله تعالى كثيرة وصفات غير توحده بالألوهية .
@،وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}؛لأن الوحي لم ينحصر في ذلك فقط.
@ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" ..
وحجتهم على ذلك ؛أنه لو حصرت " إنما " فقط في معجزاته في القرآن لبطلت باقي المعجزات الأخرى للنبي صلى الله عليه وسلم .
* الرد عليهم :
أنَّ دلالة إنما للحصر معلوم بالضرورة في لغة العرب ؛كعلمهم بمعاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي.
* ومن أمثلة ذلك :
ورودها في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه، كقوله تعالى :{إنّما تجزون ما كنتم تعملون}،وقوله: {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.

# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
1-أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا، مثل
^ أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر: فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب.
^ اتصالها مع "الكاف " تفيد معنى التعليل،كقوله تعالى: (واذكروه كما هداكم).
2- استنكار ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
3-أن اللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، مثل "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه.

# الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
1- إما لانتفاء ذاته .
2-أو لانتفاء فائدته ومقصوده.
3-حصر الشيء في غيره تارةً لانحصار جميع الجنس فيه وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه.
4- إعادة النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغة إذا كان المقصود الحقيقيّ بالاسم منتفيا عنه ثابتًا لغيره كقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والاٍنجيل وما أنزل إليكم مّن رّبكم} .

#أنواع الحصر :
1- عامًا كقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} .
2- خاصًّا ؛ بما يدل عليه سياق الكلام.

#عمل الحصر:
فلا ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.
*مثال:
فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، لا يعني أنه لا صفة له سوى توحيد الألوهية ؛ ولكن نفى في حقه تعدد الألوهية .

#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :
هذا الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر،فتقدير الكلام يكون "إن الذين يخشون الله هم العلماء" ،وذلك لأن الموصول معرَّف وهو يقتضي العموم، فيلزم أن يكون الخبر عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ.

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
1-إما حصر الأول في الثاني.
2- أو حصر الثاني في الأول .
3- أو حصر من الطرفين:
*مثال:
قوله: {إنّما تنذر من اتّبع الذكر وخشي الرّحمن بالغيب} فيه الحصر من الطرفين،لأن اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب مختصة بمن قبل الإنذار ؛كما يختص قبول الإنذار والانتفاع بأهل الخشية واتباع الذكر،وأمثلة ذلك في القرآن كثيرة.
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
الحصر من الطرفين ؛فيكون حصر الأول في الثاني والثاني في الأول،أي حصر الخشية في العلماء وحصر العلماء في الخشية.

●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
أن الحصر هنا للطرفين، فيكون حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول؛ومفاده :
*الطرف الأول:
أنّ كلّ من خشي اللّه ؛فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه .
*الطرف الثاني:
حصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ.
* وبجمعهما :
ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.

#الجهة الثانية:
المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ للمحصور فيه ، وهذا ما ذكره الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه - ؛لأن العلم بالله وما جاءت به الرسل يوجب الخشية والخوف منه.

* المراد بالمقتضي:
هو ما يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع ،مثل أسباب الوعد والوعيد غيرها.

*المراد بالشرط:
هو ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب ،وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، مثل الإسلام بالنسبة إلى الحجّ،والمانع خلافه.

*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
هو بيان أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية ؛ سيكون ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.

*دلالة الآية :
أنّ خشية اللّه وما يتبعها من طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنما تصدر من عالم ؛لأنه لا يخشاه إلا عالمٌ، وعلى نفي الخشية عن غير العلماء، ونفي العلم عن غير أولي الخشية أيضًا، وأنّ من لم يخش اللّه فليس بعالم .

● من تفسير السلف لهذه الآية :
-العلم بصفات الله يورث الخوف.
عن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
-العالم بالله يخافه.
ذكر مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- خشية الله ميراث العلم ،وميراث الجها الاغترار.
عن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
-الحكمة هي الخشية :
عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".

●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.
-إن علم العبد بربه وبأسماءه وصفاته وتأمل أثرها في حياته ، وتفكره في آياته توجب له الخشية منه ، وتصده عما نهاه عنه، ويؤيد ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم :"إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"،والعكس صحيح ، فقلة العلم عن الله ،يستلزم منه قلة الخشية منه .
فمن الآثار: قول طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".
وأيضا قال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

- علمه ويقينه بما أمر الله به ونهى عنه،لأن من وراء ذلك وعد ووعيد وثواب وعقاب ، فالعالم بأمر الله متيقن بمراقبة الله له ،واطلاعه عليه ، وبملازمة الملائكة الكاتبين له،كل ذلك يوجب الخشية من الله العلي الكبير،وبالتالي سيستلزم من إعراضه عن العلم بأمر الله واتباع شهواته ،فقده للخشية من ربه،قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

-تصوره لحقيقة ما يحب ويقينه به توجبه التحرك نحوه ، وكذلك تصوره لما يخاف منه توجبه الهرب منه ، فوجهة تحركه دليل على حركة قلبه ،وإن كان عنده تصديق زلم يتحرك ،فهو منشغل بأمر آخر، فقد ورد في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

-الجهل بحقيقة الوعيد على بعض الذنوب ، وبيان درجة قبحها ،قد تجعله يتهاون في ارتكابها ،وهذا لا يلزم منه نفي الخشية تماما عنه ،لأنه قد يكون أصلها موجود لكن عدم تمام العلم، استلزم منه قلة الخشية.

-من خاصية العاقل ،بعده عن ما يترجح ضرره ، ويقع مع من يتصف بنقصان العقل،ظإذ لو تيقن السارق بإقامة عليه الحد قبل فعله لما فعله ،ولكنه يتبع الترجيح للأمور .

-لا مقارنة بين لذة الذنب ومعاناة آلآم الذنوب وطولها ،وكما قيل:"إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".

-استعجاله للذات ،ورجاءه بأسباب العفو ،فيغفل عن نتائج الذنوب وموروثاتها من الكدر والضيق وقسوة القلب وظلمته، ويفوته حلاوة الطاعة وآثارها على قلبه .

والحمدلله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 رمضان 1436هـ/23-06-2015م, 05:56 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي تنويه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذتي الكريمة :
أعتذر إليك أشد الاعتذار عن سوء أدائي في هذه الرسالة ،إلا أنني وأشهد الله قد بذلت فيها مجهود ؛ والحق يقال :
أن هذه الرسالة باختصاصها اللغوي ذات مستوى عال .

نسأل الله حسن الفهم.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 رمضان 1436هـ/5-07-2015م, 03:58 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه الديب مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذتي الكريمة :
أعتذر إليك أشد الاعتذار عن سوء أدائي في هذه الرسالة ،إلا أنني وأشهد الله قد بذلت فيها مجهود ؛ والحق يقال :
أن هذه الرسالة باختصاصها اللغوي ذات مستوى عال .

نسأل الله حسن الفهم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكر الله سعيك وبارك عملك ونسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 رمضان 1436هـ/5-07-2015م, 03:36 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه الديب مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}
للحافظ ابن رجب الحنبلي

المسائل:

-بيان مدلولات الآية :
-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق ‘‘.
● ما تفيده صيغة إنما :
●الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":

#القول الأول:
#القول الثاني:
#القول الثالث:
#القول الرابع:
#الرد على الأقوال:
#القول الراجح.


-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
# القائلين به :
●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
#القائلين بالنفي في المفهوم :

*الموضع الثاني:
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
# الخلاصة :

تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
* القسم الأول:
*القسم الثاني:

●الرأي الصحيح في "إنما ":
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
* مثال من السنة :

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
* الرد عليهم مع التمثيل:
# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
* الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
#أنواع الحصر :
#عمل الحصر:

*مثال:
#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
*مثال:
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
*الطرف الأول:
*الطرف الثاني:
* وبجمعهما :
#الجهة الثانية:
* المراد بالمقتضي:
*المراد بالشرط:
*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
*دلالة الآية :
● من تفسير السلف لهذه الآية :
●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.




تلخيص المسائل:
-بيان مدلولات الآية :
1-إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .
2-نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.
3-نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.


-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .‘‘
● ما تفيده صيغة "إنما":
اتفق على أن صيغة "إنما " تفيد تأكيد صيغة المذكور؛لأن "إنَّ " تختص بالتأكيد.
● الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":
# القول الأول :
أنها كافة أو زائدة ؛تكف عمل إن وأخواتها ؛لأنها مختصة بالاسم فتعمل فيه ما لم تدخل عليها "ما" ،فإذا دخلت " ما " زالت اختصاصها فصارت تدخل على الجملة الاسمية والفعلية فبطل عملها ./قول الجمهور .
#القول الثاني :
أنها اسمٌ مبهمٌ ؛ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وتكون الجملة بعده مفسر له ومخبرٌ بها عنه./وهذا قول بعض الكوفيين وابن درستويه.
# القول الثالث:
أنها نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه ./ذهب إليه طائفة من الأصوليين وأهل البيان .
#القول الرابع:
قد تكون هنا بمعنى الذي - جماعة العقلاء -كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}. والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.
# الرد على الأقوال:
-ذكر ابن رجب رحمه الله بطلان هذا القول الثالث باتفاق من عدة وجوه:
1-أنَّ أهل المعرفة باللسان لأنَّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
2- أن هذا القول نسب إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي "،بحيث بيَّن أن مرادهم هو إجراء "إنما " مجرى النفي دون "ما" وحدها .
#القول الراجح:
هو قول الجمهور وهو أنَّ "ما" زائدةٌ كافة تدخل على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ.

-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
استدل عليه من صيغة "إنما" وأنّ "ما" هي الكافة التي بدخولها على إنَّ تفيد معنى الحصر .
# القائلين به :
-من الجمهور (من الحنابلة) مثل كالقاضي، وابن عقيلٍ، والحلواني.والشيخ موفق الدين، وفخر الدّين إسماعيل بن علي صاحب ابن المنّي.
-ومن الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرّاسي.
- ومن الحنفية كالجرجاني.
- ومن المتكلمين كالقاضي أبي بكرٍ، وغيره.
-وكثيرٌ من النحاة ، أبو علي فيما ذكره الرازيّ عن النحاة جملةً.

(لفظ "الجمهور ليس مذهبا ينتمي إليه بعض العلماء دون البعض، وإنما يقصد به الأكثرية من أصحاب المذاهب أو الأكثرية من أهل العلم، وقول ابن رجب رحمه الله"من أصحابنا" يقصد الحنابلة، أما الأسماء التي ذكرتيها فهي أمثلة لمن قال بهذا القول من أصحاب كل مذهب)

●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
^^ من الجمهور:، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين.
^^ ومن الشافعية: قول أبي حامد، وأبي الطيب .
^^ومن الحنفية : الجرجاني .
#القائلين بالنفي في المفهوم :
^^ القول الآخر للقاضي ،وابن عقيلٍ والحلواني، وكثيرٍ من الحنفية والمتكلمين.
*الموضع الثاني:
دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص ؛جاعلين" إنما " كالمستثنى والمستثنى منه سواء ؛وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
أي دلالتها ظاهرا على الحصر أو التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء .
وهو أشبه بقوله بدلالة النفي عن طريق المفهوم.
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
وإنما القصد منه هو رفع الحكم إما مطلقًا أو في الاستثناء من الإثبات وحده /وهذا قول يرد عن الحنفية، وجعلوه من باب المفهوم الذي ينفونه.
# الخلاصة :
تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
- القسم الأول:
من لا يرى كون المفهوم حجّةً بالكلية كالحنفية، ومن وافقهم من المتكلمين.
-القسم الثاني:
من يراه حجةً من الجملة، ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده لأنه ليس لها مفهوم.

●الرأي الصحيح في "إنما ":
-"إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة .
- "إنَّ" تفيد التوكيد والزائد لا معنى له. بل قد تفيد معنى زائدا وقد ذكرتِ الرد على من قال بذلك.
-إنّما تفيد تقوية التوكيد ؛ولا تحدث معنى آخر.
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
{إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
* مثال من السنة :
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الرّبا في النسيئة".

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
@ في قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا ؛لوجود أسماء لله تعالى كثيرة وصفات غير توحده بالألوهية .
@،وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}؛لأن الوحي لم ينحصر في ذلك فقط.
@ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" ..
وحجتهم على ذلك ؛أنه لو حصرت " إنما " فقط في معجزاته في القرآن لبطلت باقي المعجزات الأخرى للنبي صلى الله عليه وسلم .
* الرد عليهم :
أنَّ دلالة إنما للحصر معلوم بالضرورة في لغة العرب ؛كعلمهم بمعاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي.
* ومن أمثلة ذلك :
ورودها في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه، كقوله تعالى :{إنّما تجزون ما كنتم تعملون}،وقوله: {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.

# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
1-أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا، مثل
^ أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر: فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب.
^ اتصالها مع "الكاف " تفيد معنى التعليل،كقوله تعالى: (واذكروه كما هداكم).
2- استنكار ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
3-أن اللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، مثل "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه.

# الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
1- إما لانتفاء ذاته .
2-أو لانتفاء فائدته ومقصوده.
3-حصر الشيء في غيره تارةً لانحصار جميع الجنس فيه وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه.
4- إعادة النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغة إذا كان المقصود الحقيقيّ بالاسم منتفيا عنه ثابتًا لغيره كقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والاٍنجيل وما أنزل إليكم مّن رّبكم} .

#أنواع الحصر :
1- عامًا كقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} .
2- خاصًّا ؛ بما يدل عليه سياق الكلام.

#عمل الحصر:
فلا ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.
*مثال:
فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، لا يعني أنه لا صفة له سوى توحيد الألوهية ؛ ولكن نفى في حقه تعدد الألوهية .

#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :
هذا الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر،فتقدير الكلام يكون "إن الذين يخشون الله هم العلماء" ،وذلك لأن الموصول معرَّف وهو يقتضي العموم، فيلزم أن يكون الخبر عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ.

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
1-إما حصر الأول في الثاني.
2- أو حصر الثاني في الأول .
3- أو حصر من الطرفين:
*مثال:
قوله: {إنّما تنذر من اتّبع الذكر وخشي الرّحمن بالغيب} فيه الحصر من الطرفين،لأن اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب مختصة بمن قبل الإنذار ؛كما يختص قبول الإنذار والانتفاع بأهل الخشية واتباع الذكر،وأمثلة ذلك في القرآن كثيرة.
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
الحصر من الطرفين ؛فيكون حصر الأول في الثاني والثاني في الأول،أي حصر الخشية في العلماء وحصر العلماء في الخشية.

●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
أن الحصر هنا للطرفين، فيكون حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول؛ومفاده :
*الطرف الأول:
أنّ كلّ من خشي اللّه ؛فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه .
*الطرف الثاني:
حصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ.
* وبجمعهما :
ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.

#الجهة الثانية:
المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ للمحصور فيه ، وهذا ما ذكره الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه - ؛لأن العلم بالله وما جاءت به الرسل يوجب الخشية والخوف منه.

* المراد بالمقتضي:
هو ما يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع ،مثل أسباب الوعد والوعيد غيرها.

*المراد بالشرط:
هو ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب ،وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، مثل الإسلام بالنسبة إلى الحجّ،والمانع خلافه.

*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
هو بيان أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية ؛ سيكون ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.

*دلالة الآية :
أنّ خشية اللّه وما يتبعها من طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنما تصدر من عالم ؛لأنه لا يخشاه إلا عالمٌ، وعلى نفي الخشية عن غير العلماء، ونفي العلم عن غير أولي الخشية أيضًا، وأنّ من لم يخش اللّه فليس بعالم .

● من تفسير السلف لهذه الآية :
-العلم بصفات الله يورث الخوف.
عن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
-العالم بالله يخافه.
ذكر مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- خشية الله ميراث العلم ،وميراث الجها الاغترار.
عن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
-الحكمة هي الخشية :
عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".

●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.
-إن علم العبد بربه وبأسماءه وصفاته وتأمل أثرها في حياته ، وتفكره في آياته توجب له الخشية منه ، وتصده عما نهاه عنه، ويؤيد ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم :"إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"،والعكس صحيح ، فقلة العلم عن الله ،يستلزم منه قلة الخشية منه .
فمن الآثار: قول طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".
وأيضا قال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

- علمه ويقينه بما أمر الله به ونهى عنه،لأن من وراء ذلك وعد ووعيد وثواب وعقاب ، فالعالم بأمر الله متيقن بمراقبة الله له ،واطلاعه عليه ، وبملازمة الملائكة الكاتبين له،كل ذلك يوجب الخشية من الله العلي الكبير،وبالتالي سيستلزم من إعراضه عن العلم بأمر الله واتباع شهواته ،فقده للخشية من ربه،قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

-تصوره لحقيقة ما يحب ويقينه به توجبه التحرك نحوه ، وكذلك تصوره لما يخاف منه توجبه الهرب منه ، فوجهة تحركه دليل على حركة قلبه ،وإن كان عنده تصديق زلم يتحرك ،فهو منشغل بأمر آخر، فقد ورد في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

-الجهل بحقيقة الوعيد على بعض الذنوب ، وبيان درجة قبحها ،قد تجعله يتهاون في ارتكابها ،وهذا لا يلزم منه نفي الخشية تماما عنه ،لأنه قد يكون أصلها موجود لكن عدم تمام العلم، استلزم منه قلة الخشية.

-من خاصية العاقل ،بعده عن ما يترجح ضرره ، ويقع مع من يتصف بنقصان العقل،ظإذ لو تيقن السارق بإقامة عليه الحد قبل فعله لما فعله ،ولكنه يتبع الترجيح للأمور .

-لا مقارنة بين لذة الذنب ومعاناة آلآم الذنوب وطولها ،وكما قيل:"إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".

-استعجاله للذات ،ورجاءه بأسباب العفو ،فيغفل عن نتائج الذنوب وموروثاتها من الكدر والضيق وقسوة القلب وظلمته، ويفوته حلاوة الطاعة وآثارها على قلبه .

والحمدلله رب العالمين
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وجهدك في الملخص واضح لا حرمك الله الأجر، وقد أحسنت جدا في معظم الكلام على مسائل اللغة والتي كانت تقلقك.
ولكن صعوبة بعض المسائل اللغوية في الرسالة كانت سببا في التركيز الشديد عليها من قبل بعض الطلاب حتى أنها أثّرت على كثير من المسائل المهمّة في الرسالة، وكان من المناسب الاختصار فيما يتعلق باللغة عدا ما يفيد في إثبات المسائل الأساسية في الرسالة كأن نكتفي بذكر قول الجمهور ونؤخر مناقشة الخلافات نهاية الملخص حتى لا تؤثر على المسائل الأخرى في الرسالة كما أشرت.
والاختصار الحاصل عندك هو في المسألة الأخيرة: بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية، وهي من أهم مسائل الرسالة وفيها الكثير من الفوائد التي يحسن الإلمام بها والإشارة إليها في الملخص لأنها مما يخدم الرسالة ويوضح مقصدها، ويمكنك مطالعة هذه المسائل في الملخص التالي مع التنبيه إلى أنه بحاجة إلى بعض التهذيب لأني وضعته على عجل لكنه يفيدك في طريقة عرض المسائل إن شاء الله:

تلخيص رسالة في تفسير قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}
لابن رجب الحنبلي رحمه الله.


عناصر الرسالة:

دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية.
● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية
● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.

● فوائد
• إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم
أصل العلم النافع العلم باللّه.
قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو ما كان عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
• صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟

• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
.
• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.


تلخيص المسائل الواردة في تفسير ابن رجب رحمه الله لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.



● دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلت الآية على إثبات الخشية للعلماء من صيغة "إنما" التي تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتّفاق؛ لأنّ خصوصية "إن" إفادة التأكيد، وأمّا
"ما"فالجمهور على أنّها كافةٌ.

● دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلت الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
من صيغة "إنّما" أيضا لأنّ "ما" الكافة إذا دخلت على "إنّ " أفادت الحصر وهو قول الجمهور.

- واختلفوا في دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
فقال كثيرٌ من الحنابلة، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين: إنّ دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء وهو قول أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
وذهبت طائفةٌ منهم كالقاضي في قوله الآخر وابن عقيلٍ والحلواني إلى أنّ دلالتها على النفي بطريق المفهوم وهو قول كثيرٍ من الحنفية، والمتكلمين.
- واختلفوا أيضًا هل دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟

فقالت طائفة: إنّما تدلّ على الحصر ظاهرًا، أو يحتمل التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء وهو يشبه قول من يقول إنّ دلالتها بطريق المفهوم فإنّ أكثر دلالات المفهوم بطريق الظاهر لا النّص.
وظاهر كلام كثيرٍ من الحنابلة وغيرهم، أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص لأنّهم جعلوا "إنّما" كالمستثنى والمستثنى منه سواء وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.

● دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
دلت الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية، من جهة الحصر أيضا فإنّ الحصر المعروف المطرد هو حصر الأول في الثاني، وهو هاهنا حصر الخشية في العلماء، وأما حصر الثاني في الأول فقد ذكره الشيخ أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - وأنه قد يكون مرادًا أيضًا فيصير الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين، فيكون قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} يقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، ويقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه.

● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية
ما ورد عن السلف في تفسير الآية يوافق ما سبق من إثبات الخشية للعلماء ونفيها عن غيرهم ونفي العلم عن غير أهل الخشية.
- فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
- وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- وعن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
- وعن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ، ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك، وما علم من لم يخشك وما حكمة من لم يؤمن بك؟
- وعن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".
- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
- وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟ فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".
ويشهد لهذا قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون). وكذلك قوله تعالى: (إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}.
وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}.
وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ (119)}.
- قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".
- وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".

● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية.
وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن العلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمة والجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيته، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية.
ولهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي، وعزتي، وجلالي، وسلطاني ".
ويشهد له قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"
وفي "المسند" وكتاب الترمذيّ وابن ماجة من حديث أبي ذرٍّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إنّ السماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ للّه - عز وجلّ - واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزّ وجلّ ".

وقال الترمذيّ: حسنٌ غريبٌ.

الوجه الثاني: أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّه واطّلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كلّ هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور.
وإنّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشرّ، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

والشهوة وحدها، لا تستقلّ بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإنّ صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودةً في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكنّ غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على التصور التام،
ولهذا كان ذكر اللّه وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".

الوجه الثالث: أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا، وإن كان قد يصور الخبر عنه.
وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصوّر المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوبٌ أو مكروهٌ له، ولم يكذّب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغولٌ بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

الوجه الرابع: أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح.
فيكون جهله بذلك هو الذي جرّأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه.

الوجه الخامس: أنّ الله جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها، فلا يفعل ما يجزم بأنه يضرّها ضررًا راجحًا، لذلك لا يقدم عاقل على فعل ما يضرّه مع علمه بما فيه من الضرر إلا لظنّه أنّ منفعته راجحة إمّا بأن يجزم بأن ضرره مرجوح، أو يظنّ أن خيره راجح.
فالزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فأصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظنّ أنها تنفعهم نفعًا راجحًا، وذلك كلّه جهل إما بسيط وإمّا مركب.
ومثال هذا ما جاء في قصة آدم أنه: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.

قال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}.
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ (36) وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)}.
فالفاعل للذنب لو جزم بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله، لكنه يزين له ما فيه من اللذة التي يظنّ أنها مصلحة، ولا يجزم بوقوع عقوبته، بل يرجو العفو بحسناتٍ أو توبةٍ أو بعفو الله ونحو ذلك، وهذا كله من اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولو كان له علم كامل لعرف به رجحان ضرر السيئة، فأوجب له ذلك الخشية المانعة له من مواقعتها.

الوجه السادس: وهو أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد البتة فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك.
ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".
- ما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها.
-
المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإنّ من وقع في ذنبٍ تجرّأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده ".
- إذا قدّر للمذنب أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية.
- وإن قدّر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على النّدم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة؛ من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة".
- يكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة الّتي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.

- إن قدّر أنه عفي عنه من غير توبةٍ فإن كان ذلك بسبب أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقلٌ أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.

- إن عفي عنه بغير سببٍ من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لابّد أن يلحقه عقوبات كثيرة منها:
1: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن اللّه تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21).

وقال: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)}.
2: ما يلحقه من الخجل والحياء من اللّه عز وجلّ عند عرضه عليه وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداءً.
كما جاء في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني اللّه عزّ وجلّ العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمرّ بالحسنة، فيبيضّ لها وجهه ويسرّ بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك.
قال: فيخرّ للّه ساجدًا، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمرّ بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعمله غيره، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أتعرف يا عبدي؟
قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك؟
قال: فلا يزال حسنةٌ تقبل فيسجد، وسيئةٌ تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص اللّه قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين اللّه عز وجل ".
ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد اللّه بن سلامٍ وغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد اللّه بن عمر الثابت في "الصحيح "- حديث النجوى - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة دعا اللّه بعبده فيضع عليه كنفه فيقول: ألم تعمل يوم كذا وكذا ذنب كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا ربّ، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وغفرت ذلك لك اليوم " وهذا كلّه في حقّ من يريد اللّه أن يعفو عنه ويغفر له فما الظنّ بغيره؟

الوجه السابع: وهو أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ.
وهذا من أعظم الجهل، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك، وتفوته الحياة الطيبة، فينعكس قصده بارتكاب المعصية، فإنّ اللّه ضمن لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}،
وقال: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}
وقال في أهل الطاعة: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.

● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
فقد الخشية يسلتزم فقد العلم وذلك لأن العلم له موجب ومقتضى وهو اتباعه والاهتداء به وضدّه الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه، صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل.وقد تقدّم أن الذنوب إنّما تقع عن جهالةٍ، وظهرت دلالة القرآن على ذلك وتفسير السلف له بذلك، فيلزم حينئذٍ أن ينتفي العلم ويثبت الجهل عند انتفاء فائدة العلم ومقتضاه وهو اتباعه. ومن هذا الباب قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ " وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله في معرفة الحقّ والانقياد له بأنه أصم أبكم أعمى قال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}.

بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.
العلم النافع علمان:
1: علم باللّه بجلاله وعظمته، وهو الذي فسر الآية به جماعةٌ من السلف.
2: علم بأوامر الله ونواهيه وأحكامه وشرائعه وأسرار دينه وشرعه وخلقه وقدره.
ولا تنافي بين هذا العلم والعلم باللّه؛ فإنّهما قد يجتمعان وقد ينفرد أحدهما عن الآخر، وأكمل الأحوال اجتماعهما جميعًا وهي حالة الأنبياء - عليهم السلام - وخواصّ الصديقين ومتى اجتمعا كانت الخشية حاصلةٌ من تلك الوجوه كلها، وإن انفرد أحدهما حصل من الخشية بحسب ما حصّل من ذلك العلم، والعلماء الكمّل أولو العلم في الحقيقة الذين جمعوا الأمرين.

وقد روى الثوريّ عن أبي حيّان التميمي سعيد بن حيّان عن رجلٍ قال: كان يقال: العلماء ثلاثةٌ: "فعالمٌ باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالمٌ بأمر اللّه ليس عالمًا باللّه، وعالمٌ باللّه عالمٌ بأمر اللّه ".
فالعالم باللّه وبأوامر اللّه: الذي يخشى اللّه ويعلم الحدود والفرائض.
والعالم باللّه ليس بعالم بأمر اللّه: الذي يخشى اللّه ولا يعلم الحدود والفرائض.
والعالم بأمر اللّه ليس بعالم باللّه: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى اللّه عزّ وجلًّ.

● فوائد
إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم.
قوله تعالى: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء} يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء ولا يراد به جنس العلماء، وتقريره من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول، كما تقدّم بيانه، فحصر الخشية في العلماء يفيد أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه وتفيد أنّ من لا يخشى فليس بعالم، وحصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.
والجهة الثانية: أن المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
قال الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه -: (وفي هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ فهو عامٌّ فإنّ العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف).
ومراده بالمقتضي – العلة المقتضية - وهي التي يتوقف تأثيرها على وجود شروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ، ومراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب وهو الذي يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، كالإسلام بالنسبة إلى الحجّ.

والمانع بخلاف الشرط، وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود وهذا الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتم على قول من يجوّز تخصيص العلة وأما من لا يسمّي علةً إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجودها وجوده على كلّ حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة، والمقصود هنا أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.


أصل العلم النافع العلم باللّه.
وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله من قدره، وخلقه، والتفكير في عجائب آياته المسموعة المتلوة، وآياته المشاهدة المرئية من عجائب مصنوعاته، وحكم مبتدعاته ونحو ذلك مما يوجب خشيته وإجلاله، ويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره.
ولهذا قال طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".

وقال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو الذي عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
ويؤيد ذلك ما كان يقوله بعض الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
وما جاء
في الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفرٍ الخطميّ عن جدّه عمير بن حبيبٍ وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقص قيل: وما زيادته ونقصانه؟

قال: إذا ذكرنا اللّه ووحّدناه وسبّحناه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه ".
وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جدّدوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول اللّه؟
قال: "قولوا: لا إله إلا اللّه ".
فالمؤمن يحتاج دائمًا كلّ وقتٍ إلى تحديد إيمانه وتقوية يقينه، وطلب الزيادة في معارفه، والحذر من أسباب الشكّ والريب والشبهة، ومن هنا يعلم معنى قول النبيًّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فإنه لو كان مستحضرًا في تلك الحال لاطّلاع اللّه عليه ومقته له جمع ما توعّده اللّه به من العقاب المجمل والمفصل استحضارًا تامًّا لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه.

صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
فإنّ أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ولذلك قد يقهره هواه ويغلبه في أحدهما دون الآخر فيقلع عما لم يغلبه هواه دون ما غلبه فيه هواه، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودةً لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودةٌ، ولكنها غير تامةٍ، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعّض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشدّ من المانع من الآخر.

• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
اختلف الناس في ذلك على قولين، والقول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدّرانيّ وغيره.

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟
اختلف الناس في ذلك على قولين:فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنّه لا يجزم بذلك.
و
أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها.


• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟
ورد في "مراسيل الحسن " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد اللّه أن يستر على عبده يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه ثمّ غفرها له ".
ولهذا كان أشهر القولين أنّ هذا الحكم عامٌّ في حقّ التائب وغيره، وقد ذكره أبو سليمان الدمشقيّ عن أكثر العلماء، واحتجّوا بعموم هذه الأحاديث مع قوله تعالى: {ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا}.

وقد نقل ذلك صريحًا عن غير واحدٍ من السلف كالحسن البصريّ وبلال بن سعد - حكيم أهل الشام - كما روى ابن أبي الدنيا، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن: "أنه سئل عن الرجل يذنب ثم يتوب هل يمحى من صحيفته؟ قال: لا، دون أن يوقفه عليه ثم يسأله عنه "
ثم في رواية ابن المنادي وغيره: "ثم بكى الحسن، وقال: لو لم تبك الأحياء من ذلك المقام لكان يحقّ لنا أن نبكي فنطيل البكاء".

وذكر ابن أبي الدنيا عن بعض السلف أنه قال: "ما يمرّ عليّ أشد من الحياء من اللّه عزّ وجلّ ".
وفي الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيمٍ وغيره عن علقمة بن مرثدٍ: "أنّ الأسود بن يزيد لما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحقّ بذلك مني؟واللّه لو أتيت بالمغفرة من اللّه عزّ وجلّ، لهمّني الحياء منه مما قد صنعته، إنّ الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيًا منه ".
ومن هذا قول الفضيل بن عياضٍ بالموقف: "واسوءتاه منك وإن عفوت ".

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

إن اللّه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلاً به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عمّا فيه فسادهم، وهذا هو الذي عليه المحققون من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم، كالقاضي أبي يعلى وغيره.
وإن كان بينهم في جواز وقوع خلاف ذلك عقلاً نزاعٌ مبنيّ على أن العقل هل له مدخل في التحسين والتقبيح أم لا؟
وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب على أنّ ذلك لا يجوز عقلاً أيضًا وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذٌ مردودٌ.

والصواب: أنّ ما أمر اللّه به عباده فهو عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم، فإنّ نفس الإيمان باللّه ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره؛ هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها، فلا صلاح للنفوس، ولا قرة للعيون ولا طمأنينة، ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدنيا على الحقيقة، إلا بذلك، فحاجتها إلى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إلى الطعام والشراب والنّفس، بكثيرٍ، فإنّ حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى فقد ذلك هلك وفسد، ولم يصلحه بعد ذلك شيء البتة، وكذلك ما حرّمه اللّه على عباده وهو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم، ولهذا حرّم عليهم ما يصدّهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر، وبين أنه يصدّ عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه فإنّ فيه مضرةً لعباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم، كما ذكر ذلك السلف، وإذا تبيّن هذا وعلم أنّ صلاح العباد ومنافعهم ولذاتهم في امتثال ما أمرهم الله به، واجتناب ما نهاهم اللّه عنه تبيّن أن من طلب حصول اللذة والراحة من فعل المحظور أو ترك المأمور، فهو في غاية الجهل والحمق، وتبيّن أنّ كلّ من عصى اللّه هو جاهل، كما قاله السلف ودلّ عليه القرآن كما تقدم، ولهذا قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (216)}.
وقال: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا (66) وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا (67) ولهديناهم صراطًا مستقيمًا (68)}.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
اختلف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه هاهنا.
1: قالت طائفة: الذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، هم الشياطين الذين يعلّمون الناس السحر، والذين قيل فيهم: {لو كانوا يعلمون} هم الناس الذين يتعلمون.
قال ابن جرير: وهذا القول خطأٌ مخالفٌ لإجماع أهل التأويل على أنّ قوله: (ولقد علموا) عائدٌ على اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان.
2: ذكر ابن جرير أنّ الذين علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود، والذين قيل فيهم: لو كانوا يعلمون، هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهال بأمر اللّه ووعده ووعيده.
وهذا أيضًا ضعيفٌ فإنّ الضمير فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكين يقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.

3: قالت طائفة: إنما نفى عنهم العلم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته، وهو العمل بموجبه ومقضتاه، فلمّا انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهّالاً لا يعلمون، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، وهذا حكاه ابن جريرٍ وغيره، وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرا، وتقديره لو كانوا يعملون بما يعلمون.
4: قيل: إنهم علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له، أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب، وهذا حكاه الماورديّ وغيره.
وهو ضعيف أيضًا، فإنّ الضمير إن عاد إلى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة، وإن عاد إلى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} والكفر لا يخفى على أحدٍ أن صاحبه يستحقّ العقوبة، وإن عاد إليهما، وهو الظاهر، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ فقد علموا أنه يستحقّ العقوبة، لأنّ الخلاق: النصيب من الخير، فإذا علم أنه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشرّ، لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له خير أو شرّ لا يمكن انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.

5: قالت طائفة: علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له في الآخرة، لكنهم ظنّوا أنهم ينتفعون به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوّضوا به عن بوار الآخرة وشروا به أنفسهم، وجهلوا أنه في الدنيا يضرّهم أيضًا ولا ينفعهم، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنّهم إنما باعوا أنفسهم وحظّهم من الآخرة بما يضرّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم.
وهذا القول حكاه الماورديّ وغيره، وهو الصحيح، فإنّ اللّه تعالى قال: {ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم} أي هو في نفس الأمر يضرّهم ولا ينفعهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرة.

ولكنّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يقدموا عليه إلا لظنّهم أنه ينفعهم في الدنيا.
ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} أي قد تيقّنوا أنّ صاحب السحر لا حظّ له في الآخرة، وإنما يختاره لما يرجو من نفعه في الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللّه تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثواب الآخرة في الدنيا أمرٌ مذمومٌ مضر لا ينفع لو كانوا يعلمون ذلك ثم قال: {ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خير لّو كانوا يعلمون} يعني: أنهم لو اختاروا الإيمان والتقوى بدل السّحر لكان اللّه يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصل لهم في الدنيا من ثواب الإيمان والتقوى من الخير الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرّة ما هو أعظم مما يحصّلونه بالسّحر من خير الدنيا مع ما يدّخر لهم من الثواب في الآخرة.
والمقصود هنا:
أن كل من آثر معصية اللّه على طاعته ظانًّا أنه ينتفع بإيثار المعصية في الدنيا، فهو من جنس من آثر السحر - الذي ظنّ أنه ينفعه في الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتّقى وآمن لكان خيرًا له وأرجى لحصول مقاصده ومطالبه ودفع مضارّه ومكروهاته.
ويشهد كذلك أيضًا ما في "مسند البزار" عن حذيفة قال: "قام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلمّوا إليّ، فأقبلوا إليه فجلسوا"، فقال: "هذا رسول ربّ العالمين جبريل - عليه السلام. - نفث في روعي: أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء الرّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ".


• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
القول الأول: أنّها كافةٌ، وأن "ما" هي الزائدة التي تدخل على إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأن، فتكفها عن العمل، وهذا قول جمهور النحاة.
القول الثاني: أنّ "ما" مع هذه الحروف اسمٌ مبهمٌ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أنّ الجملة بعده مفسرةٌ له ومخبرٌ بها عنه، وهو قول
بعض الكوفيين، وابن درستويه.
القول الثالث: أن "ما" هنا نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه وهو قول بعض الأصوليين وأهل البيان.
وهذا باطلٌ باتفاق أهل المعرفة باللسان فإنّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
و"ما" زائدةٌ كافة لا نافيةٌ وهي الداخلة على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ، وليست في دخولها على هذه الحروف نافيةً بالاتفاق فكذلك الداخلة على إنّ وأنّ.
-
نسب القول بأنها نافيةٌ إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ".

وهذا لا يدل على أنّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفى وإنما مراده أنّهم أجروا "إنما" مجرى النفي و"إلاّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفي ولم يصرّح بأنّ النفي مستفادٌ من "ما" وحدها.
القول الرابع: أنه لا يمتنع أن يكون "ما" في هذه الآية بمعنى الذي والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.

وأطلقت "ما" على جماعة العقلاء كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}.

• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.
اختلف النحاة في ذلك على أقوال:
القول الأول: إذا دخلت "ما" الكافة على "إنّ " أفادت الحصر هذا هو الصحيح، وهو قول الجمهور.

القول الثاني: من خالف في إفادتها الحصر.
حجتهم في ذلك:
1- قالوا إنّ "إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة فيستفاد التوكيد من "إنّ " والزائد لا معنى له، وقد تفيد تقوية التوكيد كما في الباء الزائدة ونحوها، لكنها لا تحدث معنى زائدا.
2- وقالوا إن ورودها لغير الحصر كثيرٌ جدًّا كقوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة". وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون " وغير ذلك من النصوص ويقال: "إنّما العالم زيد" ومثل هذا لو أريد به الحصر لكان هذا.
وقد يقال: إن أغلب مواردها لا تكون فيها للحصر فإنّ قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا فإنّه سبحانه وتعالى له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غير توحّده بالإلهية، وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
فإنّه لم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده.
مناقشة أقوالهم:
- الصواب أن "إنما" تدلّ على الحصر في هذه الأمثلة، ودلالتها عليه معلومٌ بالاضطرار من لغة العرب، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي وغير ذلك، ولهذا يتوارد "إنّما" وحروف الشرط والاستفهام والنّفي الاستثناء كما في قوله تعالى: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون} فإنه
كقوله: {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}،
وقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ وقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}فإنه كقوله: {وما من إلهٍ إلاّ اللّه}وقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره}، ونحو ذلك، ولهذا كانت كلّها واردةً في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه.

- وأما قولهم إنّ "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا، يجاب عنه من وجوه:

أحدها: أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا.
وقد ذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر:
فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب
قال: وكذلك تحدث في "الكاف " معنى التعليل، في نحو قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) ، ولكن قد نوزع في ذلك وادّعى أنّ "الباء" و"الكاف " للسببية، وأنّ "الكاف " بمجردها تفيد التعليل.
والثاني: أن يقال: لا ريب أنّ "إنّ " تفيد توكيد الكلام، و"ما" الزائدة تقوّي هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام فتفيد ثبوت ذلك المعنى المذكور في اللفظ خاصةً ثبوتًا لا يشاركه فيه غيره واختصاصه به، وهذا من نوع التوكيد والثبوت ليس معنىً آخر مغايرًا له وهو الحصر المدّعى ثبوته بدخول "ما" يخرج عن إفادة قوّة معنى التوكيد وليس ذلك بمنكرٍ إذ المستنكر ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
الوجه الثالث: أنّ "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، وهكذا يقال في الاستثناء فإنه وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم لكن صار حقيقة عرفيةً في مناقضة المستثنى فيه، وهذا شبية بنقل اللفظ عن المعنى الخاص إلى العام إذا صار حقيقة عرفيةً فيه لقولهم "لا أشرب له شربة ماءٍ" ونحو ذلك، ولنقل الأمثال السائرة ونحوها، وهذا الجواب ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهو قولٌ حكاه غيره في المسألة.

القول الثالث:
من جعل "ما" موصولةً.
فتفيد الحصر من جهةٍ أخرى وهو أنّها إذا كانت موصولةً فتقدير الكلام "إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضي العموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى ئحصر المبتدأ في الخبر، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر.


التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 23/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 20/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 90/100
وفقك الله

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir