وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف اللعان، ودليل مشروعيته، وحكمته:
1 - تعريف اللعان:
اللعان لغة: مصدر لاعن، مأخوذ من اللعن وهو الطرد والإبعاد.
وشرعاً: شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن من جهة الزوج وبالغضب من جهة الزوجة، قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، ومقام حد الزنى في حق الزوجة. وسمّي اللعان بذلك؛ لقول الرجل في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ولأن أحدهما كاذب لا محالة، فيكون ملعوناً.
2 - دليل مشروعية اللعان:
يستدل على تشريع اللعان بقوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين .. } الآيات [النور: 6 - 10].
وبحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين. فقال النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (قد قضى الله فيك وفي امرأتك) قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد.
وفي رواية: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -.
3 - الحكمة من مشروعية اللعان:
والحكمة من مشروعية اللعان للزوج: ألاّ يلحقه العار بزناها، ويفسد فراشه، ولئلا يلحقه ولد غيره، وهو لا يمكنه إقامة البينة عليها في الغالب، وهي لا تقر بجريمتها، وقوله غير مقبول عليها، فلم يبق سوى حلفهما بأغلظ الأيمان، فكان في تشريع اللعان؛ حلاً لمشكلته، وإزالة للحرج، ودرءاً لحد القذف عنه، ولما لم يكن له شاهد إلا نفسه مكّنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثله، تدرأ بها الحد عنها، وإلا وجب عليها الحد. وإن نكل الزوج عن الأيمان وجب عليه حد القذف، وإن نكلت هي بعد حلفه صارت أيمانه مع نكولها بيّنةً قوية، لا معارض لها، ويقام عليها الحد حينئذ.
المسألة الثانية: شروطه وكيفيته:
1 - شروط صحة اللعان:
1 - أن يكون بين زوجين مكلفين (بالغين عاقلين)؛ لقوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم}[النور: 6].
2 - أن يقذف الرجل امرأته بالزنى، كقوله: يا زانية، أو: رأيتك تزنين، أو: زنيت.
3 - أن تكذّب المرأة الرجل في قذفه هذا، ويستمر تكذيبها له إلى انقضاء اللعان.
4 - أن يتم اللعان بحكم حاكم.
2 - كيفية اللعان وصفته:
صفة اللعان: أن يقول الزوج عند الحاكم أمام جمع من الناس: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنى، يقول ذلك أربع مرات، ويشير إليها إن كانت حاضرة، ويسمّيها إن كانت غائبة بما تتميز به. ثم يزيد في الشهادة الخامسة -بعد أن يعظه الحاكم ويحذره من الكذب-: وعليّ لعنة الله، إن كنت من الكاذبين.
ثم تقول المرأة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنى، ثم تزيد في الشهادة الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
لقوله تعالى: {والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين والخامسة أنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين} [النور: 6 - 9].
المسألة الثالثة: الأحكام المترتبة على اللعان:
إذا تم اللعان فإنه يترتب عليه ما يأتي:
1 - سقوط حد القذف عن الزوج.
2 - ثبوت الفرقة بين الزوجين، وتحريمها عليه تحريماً مؤبداً، ولو لم يفرق الحاكم بينهما.
3 - ينتفي عنه نسب ولدها ويلحق بالزوجة، ويتطلب نفي الولد ذكره صراحة في اللعان، كقوله: "أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى، وما هذا بولدي". لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - لاعن بين رجل وامرأته ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة.
4 - وجوب حد الزنى على المرأة، إلا أن تلاعن هي أيضاً؛ فإن نكولها عن الأيمان مع أيمانه بينةٌ قوية، توجب إقامة الحد عليها). [الفقه الميسر: 322-324]