662- والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا = تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نَحْوَ: "مَعْدِيكَرِبَا"
(والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبًا = تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نحوَ: مَعْدِي كَرِبَا) قدْ تقدَّمَ أنَّ مَا لا ينصرفُ عَلَى ضَرْبينِ: أحدِهِمَا: مَا لا ينصرفُ فِي تعريفٍ ولا تنكيرٍ، والثاِني: مَا لا ينصرفُ في التعريفِ وينصرفُ في التنكيرِ، وقَدْ فَرَغَ مِنَ الكلامِ عَلَى الضَّرْبِ الأوَّلِ. وهَذَا شُرُوعٌ فِي الثانِي، وهو سَبْعَةُ أقْسَامٍ كمَا مَرَّ.
الأوَّلُ: المُرَكَّبُ تَرْكِيْبَ المَزْجِ، نحوَ: بَعْلَبَكَّ، وحَضَرَمَوْتَ، ومَعْدِي كَرِبَ، لاجتماعِ فرعيةِ المعنَى بالعَلَمِيَّةِ وفرعيةِ اللفظِ بالتركيبِ، والمرادُ بتركيبِ المَزْجِ: أنْ يُجْعَلَ الاسمانِ اسْمًا واحِدًا لا بإضافةٍ ولا بإسنادٍ، بلْ يُنَزَّلُ عَجُزُه مِنَ الصدرِ منزلةَ تَاءِ التأنيثِ؛ ولذلكَ الْتُزِمَ فيهِ فتحُ آخِرِ الصدرِ، إلا إذَا كانَ مُعتلًا فإنَّهُ يُسَكَّنُ، نحوَ: مَعْدِي كَرِبَ، لأنَّ ثِقَلَ التركيبِ أشَدُّ مِنْ ثِقَلِ التأنيثِ، فجَعَلُوا لمزيدِ الثِّقَلِ مزيدَ تخفيفٍ بأنْ سَكَّنُوا يَاءَ مَعْدِيْ كَرِبَ ونحوِهِ، وإنْ كانَ مِثْلُهَا قبلَ تاءِ التأنيثِ يُفْتَحُ نحوَ: رَامِيَةٍ وعَادِيَةٍ، وقدْ يُضَافُ أوَّلُ جُزْأَيِ المُرَكَّبِ إلى ثانِيْهِمَا فَيُسْتَصْحَبُ سكونُ ياءِ مَعْدِيْ كَرِبَ ونحوِهِ تشبيهًا بياءِ دَرْدَبِيسَ، فيُقَالُ: رَأَيْتُ مَعْدِي كَرِبٍ، ولأنَّ مِنَ العربِ مَنْ يُسَكِّنُ مثلَ هذِهِ الياءِ فِي النَّصْبِ مَعَ الإفْرَادِ تشبيهًا بالألفِ، فالْتُزِمَ فِي التركيبِ ؛ لزيادةِ الثِّقَلِ مَا كانَ جَائزًا فِي الإفرادِ، ويُعَامَلُ الجزءُ الثانِي مُعَامَلَتَهُ لو كانَ مُنْفَرِدًا فإنْ كانَ فيهِ مَعَ التعريفِ سببٌ مُؤَثِّرٌ امْتَنَعَ صَرْفُهُ كَهُرْمُزَ مَنْ رَامَ هُرْمُزَ، لأنَّ فيهِ مَعَ التعريفِ عُجْمَةً مؤثرةً، فيُجَرُّ بالفتحةِ، ويُعْرَبُ الأوَّلُ بما تَقْتَضِيْهِ العواملُ، نحوَ: "جَاءَ رَامُ هُرْمُزَ"، و"رأيتُ رَامَ هُرْمُزَ"، و"مررتُ بِرَامَ هُرْمُزَ"، ويُقَالُ فِي حَضْرَمَوْتَ، "هذِهِ حَضْرُمَوْتٍ"، و"رَأَيْتُ حَضْرَمَوْتٍ"، و"مررتُ بحَضْرِمَوْتٍ"، لأنَّ مَوْتًا ليسَ فيهِ مَعَ التعريفِ سببٌ ثَانٍ، وكذلكَ "كَرِبَ" فِي اللغةِ المشهورةِ, وبعضُ العربِ لا يَصْرِفُهُ حينئذٍ فيقولُ فِي الإضافةِ، "هَذَا مَعْدِي كَرِبَ"، فيجْعَلُهُ مُؤنثًا، وقد يُبْنَيَانِ مَعًا عَلَى الفتحِ، مَا لمْ يَعْتَلِّ الأوَّلُ فَيُسَكَّنْ ؛ تشْبِيهًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وأَنْكَرَ بعضُهُمْ هذِهِ اللغةَ، وقدْ نَقَلَهَا الأَثْبَاتُ، وقدُ سَبَقَ الكلامُ عَلَى ذَلكَ فِي بابِ العَلَمِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: أُخْرِجَ بقولِهِ: "مَعْدِي كَرِبَا" مَا خُتِمَ بـ "وَيْهَ" لأنَّهُ مبْنِيٌّ علَى الأَشْهَرِ، ويجوزُ أنْ يكونَ لمجردِ التمثيلِ، وكلامُهُ عَلَى عمومِهِ لِيَدْخُلَ علَى لُغَةِ مَنْ يعرِبُهُ، ولا يُرَدَّ عَلَى لغةِ مَنْ بَنَاهُ؛ لأنَّ بابَ الصرفِ إنَّمَا وُضِعَ للمُعْرَبَاتِ، وقدْ تقدَّمَ ذكرُهُ فِي بابِ العَلَمِ.
الثانِي: احْتُرِزَ بقولِهِ: "تَرْكِيْبَ مَزْجٍ" عَنْ تِرْكِيْبَي الإضافةِ والإسنادِ وقدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمَا في بابِ العَلَمِ.
وأمَّا تركيبُ العَدَدِ، نَحْوَ: خَمْسَةَ عَشَرَ فَمُتَحَتِّمُ البِنَاءِ عندَ البصريينَ، وأجَازَ فيهِ الكُوْفِيِّونَ إضافةَ صَدْرِهِ إلى عَجُزِهِ، وسيأتِي في بابِهِ، فإنَّهُ سُمِّيَ بِهِ ففيه ثلاثةُ أوجُهٍ: أنْ يُقَرَّ عَلَى حَالِهِ, وأنْ يُعْرَبَ إعرابَ مَا لا يَنْصَرِفُ, وأنْ يُضَافَ صدْرُهُ إلى عَجُزِهِ.
وأمَّا تركيبُ الأحوالِ والظروفِ، نحوَ: "شَغَرَ بَغَرَ"، و"بَيْتَ بَيْتَ"، و"صَبَاحَ مَسَاءَ"، إذَا سُمِّيَ بِهِ أُضِيْفَ صَدْرُهُ إلى عَجُزِهِ وَزَالَ التركيبُ، هذَا رأيُ سِيْبَوَيْهَ، وقِيْلَ: يجوزُ فيهِ التركيبُ والبناءُ.
663- (كَذَاكَ حَاوِي زَائِدَيْ فَعْلَانَا = كَغَطَفَانَ وَكَأَصْبَهَانَا)
يعنِي أنَّ زَائِدَي فَعْلَانَ يُمْنَعَانِ مَعَ العَلَمِيَّةِ فِي وزنِ فَعْلَانَ، وفِي غيرِهِ نحوَ: حَمْدَانَ وعُثْمَانَ وعِمْرَانَ وغَطَفَانَ وأَصْبَهَانَ, وقَدْ نَبَّهَ عَلَى التَّعْمِيْمِ بالتمثيلِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: علامةُ زيادةِ الألفِ والنونِ سقُوطُهُمَا في بعضِ التصاريفِ كسقُوطِهِمَا فِي رَدِّ "نِسْيَانَ وكُفْرَانَ" إلَى نَسِي وكَفَرَ، فإنْ كانَا فيْمَا لا يُتَصَرَّفُ فعلامةُ الزيادةِ أنْ يكونَ قبلهُمَا أكثرُ مِنْ حرفينِ أُصُولًا، فَإِنْ كانَ فيمَا لا يُتَصَرَّفُ، فعلامةُ الزيادةِ أنْ يكونَ قَبْلَهُمَا أكثرُ مِنْ حرفينِ أُصُولًا؛ فإنْ كانَ قبَلُهَمَا حرفانِ ثَانِيْهُمَا مضَعَّفٌ فلكَ اعتبارَانِ: إِنْ قَدَّرْتَ أصَالَةَ التضعيفِ ؛ فَالأَلِفُ والنونُ زَائِدَتَانِ، وإنْ قَدَّرْتَ زيادةَ التضعيفِ؛ فالنونُ أصليةٌ، مثالُ ذلكَ حَسَّانُ: إنْ جُعِلَ مِنَ الحِسِّ فَوَزْنُهُ فَعْلَانُ، وحُكْمُهُ أَنْ لا يَنْصَرِفَ وهو الأكثرُ فِيْهِ، ومِنْ شِعْرِهِ [مِنَ السَّرِيْعِ]:
985- مَا هَاجَ حَسَّانَ رسومُ المُدَامْ = وَمَظْعَنُ الحَيِّ ومَبْنَى الخِيَامْ
وإنْ جُعِلَ مِنَ الحُسْنِ فوزنُهُ فَعَّالُ، وحُكْمُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ، وشَيْطَانُ إنْ جُعِلَ منْ شَاطَ يَشِيْطُ إذا احْتَرَقَ امْتَنَعَ صَرْفُهُ، وإنْ جُعِلَ مِنْ شَطَنَ انْصَرَفَ، ولوْ سَمَّيْتَ بُرَّمانَ، فَذَهَبَ سِيْبَوَيْهُ والخليلُ إلَى المنعِ، لكثرةِ زِيَادةِ النونِ فِي نحوِ ذَلكَ، وذهبَ الأخْفَشُ إلى صرفِهِ، لأنَّ فُعَّالًا فِي النَّبَاتِ أكثرُ، ويؤَيِّدُهُ قَولُ بعضِهِم: أرضُ مَرْمَنَةَ.
الثانِي: إذَا أُبْدِلَ مِنَ النونِ الزائدةِ لامٌ مُنِعَ الصرفُ، إعطاءً للبدلِ حُكْمَ المُبْدَلِ، مِثَالُ ذَلكَ: أُصَيْلَالٌ فإنَّ أصلَهُ أُصَيْلانُ، فَلَو سُمِّيَ بِهِ مُنِعَ، ولوْ أُبْدِلَ مِنْ حرفٍ أصْلِيٍّ نُونٌ صُرِفَ، بعكسِ أُصَيْلَالٍ، ومثالُ ذلكَ حِنَّانُ فِي حِنَّاءَ، أُبْدِلَتْ هَمْزَتُهُ نُونًا.
الثالثُ: ذَهَبَ الفَرَّاءُ إلى مَنْعِ الصرفِ للعَلَمِيةِ وزيادةِ ألفٍ قبلَ نونٍ أصليةٍ تشبيهًا لها بالزائدةِ، نحوَ: سِنَانَ وبَيَانَ، والصحيحُ صَرْفُ ذَلكَ.
664- (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلقًا = وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كونُهُ ارْتَقَى)
665- (فَوْقَ الثَّلاثِ أو كَجُورَ أو سَقَرْ = أوْ زَيْدٍ اسمَ امْرَأَةٍ لا اسْمَ ذَكَرْ)
666- (وَجْهَانِ فِي العَادِمِ تَذْكِيرًا سَبَقْ = وَعُجْمَةً كَهِنْدَ، والمنعُ أَحَقْ)
مِمَّا يَمْنَعُ الصرفَ اجتماعُ العَلَمِيَّةِ والتأنيثِ بالتاءِ لفظًا أو تقديرًا، أمَّا لفظًا فنحوَ: فاطِمَةَ، وإنَّمَا لم يَصْرِفُوهُ لوجودِ العَلَمِيَّةِ في معنَاهُ، ولزومِ علامةِ التأنِيْثِ فِي لفظِهِ، فإنَّ العَلَمَ المُؤَنَّثَ لا تُفَارِقُهُ العلامةُ، فالتاءُ فيهِ بمنزلةِ الألفِ فِي حُبْلَى وصَحْرَاءَ، فأَثَّرَتْ فِي مَنْعِ الصرفِ، بخلافِهَا فِي الصفةِ، وأمَّا تقديرًا ففِي المؤنثِ المُسَمَّى فِي الحالِ، كسُعَادَ وزينبَ أو فِي الأصلِ كَعَنَاقَ اسمَ رَجُلٍ أقامُوا فِي ذلكَ كُلِّهِ تقديرَ التاءِ مَقَامَ ظهورِهَا.
إذا عرفتَ ذلكَ فالمؤنثُ بالتاءِ لفظًا ممنوعٌ مِنَ الصرفِ مطلقًا، أيْ: سواءٌ كانَ مؤنثًا فِي المعنَى أمْ لا، زائِدًا علَى ثلاثةِ أحرفٍ أم لا، ساكنَ الوسطِ أمْ لا، إلى غيرِ ذلكَ مِمَّا سيأتِي، نحوَ: عائِشَةَ وطَلْحَةَ وهِبَةَ، وأمَّا المؤنثُ المعنويُ فشرط ُتَحَتُّمِ مَنْعِهِ مِنَ الصَّرفِ أنْ يكونَ زائِدًا عَلَى ثلاثةِ أحرفٍ، نحوَ: زينبَ وسُعَادَ، لأنَّ الرابعَ يُنَزَّلُ منزلةَ تاءِ التأنيثِ، أو مُحَرَّكَ الوسطِ كَسَقَرَ ولَظَى، لأنَّ الحركةَ قَامَتْ مَقَامَ الرابعِ، خِلافًا لابْنِ الأَنْبَارِيِّ، فإنَّهُ جَعَلَهُ ذَا وَجْهَيْنِ.
ومَا ذَكَرَهُ فِي البَسِيْطِ مِنْ أَنَّ سَقَرَ مَمْنُوعُ الصرفِ باتفاقٍ ليسَ كذلكَ، أو يَكُوْنَ أعَجْمَيًا كجُورَ ومَاهَ اسْمَي بلدينِ، لأنَّ العُجْمَةَ لَمَّا انْضَمَّتْ إلَى التأنيثِ والعَلَمِيَّةِ تَحَتَّمَ المنعُ، وإنْ كانتِ العُجْمَةُ لا تَمْنَعُ صرفَ الثلاثِيِّ لأنَّ العُجَّمَةَ لمَّا انْضَمْتَ إلى التأنيثِ والعَلَمِيَّةِ تَحَتَّمَ المنعُ، وإنْ كانتْ العُجْمَةُ لا تمنعُ صرفَ الثلاثيِّ لأنها هُنَا لم ثُؤَثِّرْ منعَ الصرفِ وإنما أَثَّرَتْ تَحَتُّمَ المنعِ، وحَكَى بعضُهُم فيه خِلافًا فقيلَ: إنَّهُ كَهِنْدَ فِي جَوازِ الوجهينِ، أو منقولًا مِنْ مُذَكَّرٍ نحوَ: "زَيْدَ"، إذا سُمِّيَ بِهِ امرأةٌ، لأنَّهُ حَصُلَ بنقلِهِ إِلَى التأنيثِ ثِقَلٌ عَادَلَ خِفَّةَ اللفظِ، هَذَا مذهبُ سِيْبَوَيْهَ والجمهورِ، وذَهَبَ عيسى بْنُ عُمَرَ والجَرْمِيُّ والمُبَرِّدُ إلى أنَّهُ ذُو وجهينِ، واخْتَلَفَ النقلُ عنْ يُوْنُسَ.
وأشَارَ بِقَولِهِ: "وجهانِ في العادمِ تذكيرًا إلى آخِرِ البيتِ" إلى أنَّ الثلاثيَّ الساكنَ الوسطِ إذا لم يكنْ أعْجَمِيًا ولا منقولًا مِنْ مُذَكَّرٍ كَهِنْدَ ودَعْدَ يجوزُ فيهِ الصرفُ ومَنْعُهُ، والمنعُ أحَقُّ، فمَنْ صَرَفَهُ ؛ نَظَرَ إلى خِفَّةِ السكونِ وأنَّهَا قَاوَمتْ أَحَدَ السببينِ، ومَنْ مَنَعَ نَظَرَ إلى وجودِ السببينِ ولمْ يعتبرْ الخفةَ، وقد جَمَعَ بينهما الشاعرُ في قولِهِ [مِنَ المُنْسَرِحِ]:
986- لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا = دَعْدٌ، ولمْ تُسْقَ دَعْدُ فِي العُلَبِ
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أنَّ المنعَ أحقُّ هو مذهبُ الجمهورِ، وقَالَ أبو عَلِيٍّ: الصرفُ أفصحُ، قالَ ابْنُ هِشَامٍ: وهو غَلَطٌ جَلِيٌّ وذهَبَ الزَّجَّاجُ، قِيْلَ والأخْفَشُ، إلى أنَّهُ مُتَحَتِّمُ المَنْعِ.
قالَ الزَّجَّاجُ: لأنَّ السكونَ لا يُغَيِّرُ حُكْمًا أوْجَبَهُ اجتماعُ علَّتَيْنِ يَمْنَعَانِ الصرفَ، وذَهَبَ الفَرَّاءُ إلى أنَّ مَا كانَ اسْمَ بَلْدَةٍ لا يجوزُ صرْفُهُ، نحوَ: "قَيْدَ" لأنَّهُم لا يُرَدِّدُونَ اسْمَ البلدةِ عَلى غيرِهَا فلمْ يَكْثُرْ في الكلامِ بِخِلَافِ هِنْدَ.
الثَانِي: لا فرقَ بينَ مَا سُكُوْنُهُ أصْليٌّ كَهِنْدَ، أو عَارِضٌ بعْدَ التسميةِ كفَخْذَ، أو الإعلالِ كدَارَ.
الثالثُ: قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وإذَا سَمَّيْتَ امرأةً بِيَدٍ ونحوِهِ ممَّا هو عَلَى حَرفينِ جَازَ فِيهِ مَا جَازَ فِي هندَ، ذَكَرَ ذلكَ سِيْبَوَيْهُ هَذَا لفظُهُ، وظاهِرُهُ جَوَازُ الوجهينِ، وأنَّ الأجودَ المنعُ، وبِهِ صَرَّحَ فِي (التَّسْهِيْلِ)؛ فقولُ صاحبِ البسيطِ في "يَدٍ" "صُرِفَتْ بِلَا خِلافٍ" ليسَ بصحيحٍ.
الرابعُ: إذَا صُغِّرَ نحوَ: هِنْدَ ويَدٍ تَحَتَّمَ منعُهُ، لظهورِ التاءِ، نحوَ: هُنَيْدَةَ وُيَدَيَّةَ، فإنْ صُغِّرَ بغيرِ تَاءٍ نحوَ: حُرَيْبٍ ـ وهي ألفاظٌ مسموعةٌ- انصرَفَ.
الخامسُ: إذَا سُمِّيَ مذكرٌ بمؤنثٍ مجردٍ مِنَ التاءِ فإنْ كانَ ثُلاثيًا صُرِفَ مُطلقًا خِلافًا للفرَّاءِ وثَعْلَبَ، إذْ ذهَبا إلى أنَّهُ لا يَنْصَرِفُ سواءٌ تحرَّكَ وسَطُهُ، نَحْوَ: فَخِذَ أم سَكَنَ نَحوَ: حَرْبَ، ولابنِ خَرَوفٍ في المُتَحَرِّكِ الوسطِ، وإنْ كانَ زَائِدًا عَلَى الثلاثةِ لفظًا نحوَ: سُعَادَ، أو تقديرًا كاللفظِ نحوَ: جَيَلَ مُخَفَّفِ جَيْأَلَ اسْمٌ للضَّبْعِ بالنقلِ، مُنِعَ مِنَ الصرفِ.
السادسُ: إذا سُمِّيَ رجلٌ بِبَنْتٍ أو أُخْتٍ صُرِفَ عندَ سِيْبَوَيْهَ وأكثرِ النحويينِ، لأنَّ تاءَهُ قَدْ بُنِيَتِ الكلمةُ عليها وسُكِّنَ مَا قبلَهَا فأَشْبَهَتْ تاءَ "جِبْتٍ" و"سُحْتٍ" قالَ ابنُ السَّرَّاجِ: ومِنْ أصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ تاءَ بِنْتٍ وأُخْتٍ للتأنيثِ وإنْ كانَ الاسمُ مبنيًا عليها فَيَمْنَعُونَهُمَا الصرفَ فِي المعرفةِ, ونَقَلَهُ بعضُهُم عَنِ الفَرَّاءِ، قلتُ: وقياسُ قولِ سِيْبَوَيْهَ أنَّهُ إذَا سُمِّيَ بهِمَا مؤنثٌ أَنْ يكونَ عَلَى الوجهينِ فِي "هِنْدَ".
السابعُ: كانَ الأَوْلَى أنْ يقولَ "بتاءٍ" بدَلَ قولِهِ "بِهَاءٍ" فإنَّ مذهبَ سِيْبَوَيْهَ والبصريينِ أنَّ علامةَ التأنيثِ التاءُ، والهاءُ بَدَلٌ عندهُم عنْهَا فِي الوقفِ، وقدْ عَبَّرَ بالتاءِ فِي بابِ التأنيثِ فقالَ: "علامةُ التأنيثِ تاءٌ أو ألفٌ" وكأنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذلكَ للاحْتِرَازِ مِنْ تَاءِ "بِنْتٍ" و"أُخْتٍ" وكَذَا فَعَلَ فِي (التَّسْهِيْلِ).
الثامنُ: مرادُهُ بـ"العَارِ" فِي قولِهِ: "وشرطُ مَنْعِ العَارِ" العَارِي مِنَ التاءِ لفظًا, وإلا فمَا مِنْ مُؤنثٍ بغيرِ الألفِ إلا وفيهِ التاءُ، إمَّا ملفوظةً أو مقدرةً.
667- (والعَجَمِىُّ الوَضْعِ والتعريفِ مَعْ = زَيْدٍ عَلَى الثلاثِ صرْفُهُ امْتَنَعْ)
أيْ: ممَّا لا يَنْصَرِفُ مَا فيهِ فرعيةُ المعنَى بالعَلَمِيَّةِ، وفرعيةُ اللفظِ بكونِهِ مِنَ الأوضاعِ العَجَمِيَّةِ، لكنْ بشرطينِ: أيْ: يكونُ عَجَمِيَّ التعريفِ أيْ: يكونُ عَلَمًا فِي لُغَتِهِم، وأنْ يكونَ زائدًا علَى ثلاثةِ أحرفٍ، وذلكَ نحوُ: إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ، فإنْ كانَ الاسمُ عَجَمِيَّ الوضعِ غيرَ عَجَمِيِّ التعريفِ انصرفَ كَلِجَامٍ إذَا سُمِّيَ بِهِ رجلٌ، لأنَّهُ قدْ تُصْرَفُ فيهِ بنقلِهِ عَمَّا وضَعَتْهُ العَجَمُ لَهُ، فأُلْحِقَ بالأمثلةِ العربيةِ، وذهبَ قومٌ منهُم الشُّلُوْبِيْنُ وابنُ عُصْفُورٍ إلى مَنْعِ صَرْفِ مَا نَقَلَتْهُ العربُ مِنْ ذَلكَ إلى العَلَمِيَّةِ ابتداءً كبُنْدَارَ، وهؤلاءِ لا يشترطونَ أنْ يكونَ الاسمُ عَلَمًا في لغةِ العَجَمِ، وكَذَا يَنْصَرِفُ العَلَمُ فِي العَجَمِيَّةِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثلاثةِ بأنْ يكونَ علَى ثلاثةِ أحرفٍ، لضَعْفِ فرعيةِ اللفظِ فيهِ لمَجِيْئِهِ عَلَى أصلِ مَا تُبْنَى عليهِ الآحَادُ العربيةُ، ولا فرقَ فِي ذلكَ بينَ الساكنِ الوسطِ نحوَ: نُوْحٍ ولُوْطٍ، والمُتَحرِّكِ نحوَ: شَتَرَ ولَمَكَ.
قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): قَولًا وَاحِدًا فِي لُغَةِ جَمِيعِ العربِ، ولا التفاتَ إلى مَنْ جَعَلَهُ ذَا وجهينِ مَعَ السكونِ، ومُتَحَتِّمَ المنعِ معَ الحركةِ لأنَّ العُجْمَةَ سَبَبٌ ضعيفٌ، فلم تُؤَثِّرْ بدونِ زيادةٍ عَلَى الثلاثةِ قَالَ: ومِمَّنْ صَرَّحَ بإلغاءِ عُجْمَةِ الثلاثيِّ مُطلقًا السِّيْرَافِيُّ وابنُ بَرْهَانَ وابنُ خَرُوفٍ، ولا أَعْلَمُ لهم مِنَ المتقدمينَ مُخَالفًا، ولو كَانَ مَنْعُ صرفِ العَجَمِيِّ الثلاثيِّ جَائِزًا لوُجِدَ فِي بعضِ الشَّوَاذِّ كمَا وُجِدَ غيرُهُ مِنَ الوُجُوهِ الغريبةِ اهـ.
قلتُ: الذِي جَعَلَ سَاكنَ الوسطِ عَلَى الوجهينِ هو عِيْسَى بْنُ عُمَرَ، وتَبِعَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ والجُرْجَانِيُّ.
ويُتَحَصَّلُ فِي الثُلَاثِيِّ ثلاثةُ أقوالٍ: أحدُهَا: أَنَّ العُجْمَةَ لا أَثَرَ لَهَا مُطْلقًا وهو الصحيحُ.
الثانِي: أنَّ مَا تَحَرَّكَ وَسَطُهُ لا ينصرِفُ، وفيمَا سَكَنَ وسطُهُ وجهانِ.
الثالثُ: أنَّ مَا تَحَرَّكَ وسطُهُ لا ينصرفُ، وما سَكَنَ وسطُهُ ينصرفُ، وبِهِ جَزَمَ ابنُ الحَاجِبِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: قولُهُ زَيْدٍ هو مصدرُ زَادَ يَزِيْدُ زَيْدًا وزِيَادَةً وزَيْدَانًا.
الثانِي: المرادُ بالعَجَمِيِّ مَا نُقِلَ مِنْ لِسَانِ غيرِ العربِ، ولا يختصُّ بلغةِ الفُرْسِ.
الثالثُ: إذا كانَ الأعْجَمِيُّ رُبَاعيًا، وأحدُ حروفِهِ يَاءَ التصغيرِ انصرفَ ولا يُعْتَدُّ بالياءِ.
الرابعُ: تُعْرَفُ عُجْمَةُ الاسمِ بوجوهٍ:أحَدُهَا: نَقْلُ الأئِمَّةِ.
ثانيها: خروجُهُ عَنْ أوزانِ الأسماءِ العربيةِ نحوَ: إبراهيمَ.
ثالثُهَا: عُرُوُّهُ مِنْ حروفِ الذَّلَاقَةِ، وهو خُمَاسِيٌّ أو رُبَاعِيٌّ، فإنْ كانَ فِي الرُّبَاعِيِّ السينُ فقدْ يكونُ عربيًا نحوَ: عَسْجَدَ، وهو قليلٌ. وحروفُ الذَّلَاقَةِ سِتَّةٌ يَجْمَعُهَا قولُكَ: "مُرْ بِنَفْلٍ".
رابعُهَا: أنْ يجتمعَ فيهِ منَ الحروفِ مَا لا يجتمعُ فِي كلامِ العربِ كالجيمِ والقافِ بغيرِ فاصلٍ نحوَ: قَجْ وجَقْ، والصادِ والجيمِ، نحوَ: صَوْلَجَانَ, والكافِ والجيمِ نحوَ: اسْكَرَجَةَ، وتَبَعِيّةِ الراءِ للنونِ أوَّلَ كلمةٍ، نحوَ: نَرْجِسَ والزَّايِ بَعْدَ الدالِ نحوَ: مُهَنْدِزَ.
668- (كذاكَ ذُو وَزْنٍ يَخُصُّ الفِعْلَا = أو غَالِبٍ: كأَحْمَدٍ، وَيَعْلَى)
أيْ: مَمَّا يَمْنَعُ الصرفَ مَعَ العَلَمَيَّةِ وزنُ الفعلِ بشرطِ أنْ يكونَ مُخْتَصًا بِهِ أو غَالبًا فيهِ.
والمرادُ بالمختصِّ: ما لا يُوْجَدُ في غيرِ فِعْلٍ إلا فِي نَادِرٍ أو عَلَمٍ أعْجَمِيٍّ كصيغةِ الماضِي المُفْتَتَحِ بتاءِ المُطَاوَعَةِ كتَعَلَّمَ، أو بهمزةِ وصلٍ كانْطَلَقَ، ومَا سِوَى أَفْعَلُ ونَفْعَلُ وتَفْعَلُ ويَفْعَلُ مِنْ أوزانِ المضارعِ، ومَا سَلِمَتْ صيغتُهُ مِنْ مَصُوْغٍ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ وبِنَاءِ فِعَّلَ ومَا صِيْغَ للأمرِ منْ غيرِ فَاعَلَ والثلاثيِّ، نحوَ: انْطَلَقَ ودَحْرَجَ فإذَا سُمِّيَ بِهِمَا مُجَرَّدَيْنِ عَنِ الضميرِ؛ قيلَ هَذَا انْطَلِقُ ودَحْرِجُ ورأيتَ انْطَلِقَ ودَحْرِجَ، ومررتُ بانْطَلِقَ ودَحْرِجَ، وهَكَذا كُلُّ وَزنٍ مِنَ الأوزانِ المبنيةِ عَلَى أنَّها تَخْتَصُّ بالفعلِ، والاحترازُ بالنادرِ مِنْ نَحوِ ُدِئَل لِدُويْبَةَ، ويَنْجَلِبٍ لِخَرْزَةٍ وتُبَشِّرٍ لطَائِرٍ، وبالعَلَمِ مِنْ نَحْوِ خَضَّمَ بالمُعْجَمَتَيْنِ لِرَجْلٍ، وشَمَّرَ لفرسٍ، وبالأعجميِّ مِنْ بَقَّمٍ واسْتَبْرَقَ، فَلا يَمْنَعُ وِجْدَانُ هذِهِ الأسماءِ اختصاصَ أوزانِهَا بالفعلِ،ـ لأنَّ النادرَ، والعَجَمِيَّ لا حُكْمَ لَهُمَا، ولأنَّ العَلَمَ منقولٌ مِنْ فَعَلَ، فالاختصاصُ باقٍ.
والمرادُ بالغالبِ: مَا كانَ الفعلُ بِهِ أوْلَى، إمَّا لكثرَتِهِ فيهِ كإِثْمِدٍ وإِصْبَعٍ وأبُلُمٍ فإنَّ أوزانَهَا تَقِلُّ فِي الاسْمِ وتكثرُ فِي الأمرِ منَ الثلاثيِّ، وإمَّا لأنَّ أوَّلَهُ زيادةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الفعلِ دُوْنَ الاسمِ كأَفْكَلٍ وأَكْلَبٍ، فإنَّ نظائِرَهُمَا تَكْثُرُ فِي الأسماءِ والأفعالِ لكنَّ الهمزةَ مِنْ أَفْعَلَ وأَفْعُلَ تدلُّ علَى معنًى فِي الفعلِ، نحوَ: أَذْهَبُ وأَكْتُبُ، وَلا تدلُّ عَلَى معنًى في الاسْمِ، فكأنَّ المُفْتَتَحَ بأحدِهِمَا مِنَ الأفعالِ أصلًا للمُفْتَتَحِ بأحدِهِمَا مِنَ الأسماءِ.
وقدْ يَجْتَمِعُ الأمرانِ نحوَ: بَرْمِغُ وتَنْصُبُ، فإنَّهُمَا كإِثْمِدٍ فِي كونِهِ علَى وزنٍ يكثرُ فِي الأفعالِ ويقلُّ فِي الأسماءِ، وكأَفْكَلٍ في كونِهِ مُفْتَتَحًا بِمَا يدلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الفعلِ دُوْنَ الاسمِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: قدِ اتَّضَحَ بِمَا ذُكِرَ أنَّ التعبيرَ عَنِ هذَا النوعِ بأنْ يُقَالَ: "أو مَا أصلُهُ الفِعْلُ" كَمَا فَعَلَ فِي (الكَافِيَةِ) "أو مَا هُوَ بِهِ أَوْلَى" كَمَا فِي شرحِهَا و(التَّسْهِيْلِ) أجودُ مِنَ التعبيرِ عنهُ بالغالبِ؟
الثانِي: قَدْ فُهِمَ مِنْ قولِهِ: "يَخْصُّ الفعلَ أو غالبٍ" أنَّ الوزنَ المُشْتَرَكَ غيرَ الغالبِ لا يَمْنَعُ الصرفَ نحوَ: ضربَ ودَحْرَجَ خِلافًا لعيسى بْنِ عُمَرَ فيما نَقَلَ مِنْ فَعَلَ فإنَّهُ لا يَصْرِفُهُ تَمسكًا بقولِهِ [مِنَ الوافِرِ]:
987- أَنَا ابْنُ جَلاَ وطَلَّاعُ الثَّنَايَا = مَتَى أَضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُوْنِي
ولا حُجَّةَ فيهِ، لأنَّهُ محمولٌ عَلَى إرادةِ "أنَا ابنُ رَجُلٍ جَلَا الأمورَ وجَرَّبَهَا" فـ"جَلاَ" جُملةٌ مِنْ فَعَل وفَاعَلَ، فهو مَحْكِيٌّ لا ممنوعٌ مِنَ الصرفِ كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
نُبِّئْتُ أخْوَالِي بَنِي يَزِيْدُ = ظُلْمًا عَلَيْنَا لهُمْ فَدِيْدُ
والذِي يدلُّ عَلَى ذَلكَ إجماعُ العربِ عَلَى صَرْفِ كَعْسَبٍ اسْمَ رَجُلٍ معَ أنَّهُ منقولٌ مِنْ "كَعْسَبَ" إذا أسرَعَ، وقد ذَهَبَ بعضُهُم إلَى أنَّ الفِعْلَ قَدْ يُحْكَى مُسَمًّى بِهِ وإنْ كانَ غيرَ مُسْنَدٍ إلى ضميرٍ متمسكًا بهذَا البيتِ.
ونُقِلَ عنِ الفَرَّاءِ مَا يَقْرُبُ مِنْ مَذْهَبِ عيسى قالَ: الأمثلةُ التي تكونُ للأسْمَاءِ والأفْعَالِ إنْ غَلَبَتْ للأفعالِ فَلا تُجْرِهِ فِي المعرفةِ نحوَ: رَجُلٍ اسْمُهُ "ضَرَبَ" فإنَّ هَذَا اللفظَ وإنْ كانَ اسْمًا للعَسَلِ الأبيضِ هو أشْهَرُ فِي الفِعْلِ، وإنْ غَلَبَ فِي الاسمِ فأَجْرِهِ فِي المَعرفةِ والنكرةِ نحوَ: رَجُلٍ مسُمًّى بِحَجَرٍ لأنَّهُ يَكُونُ فعلًا تقولُ: "حَجَرَ عليهِ القاضِي" ولكنَّهُ أشْهَرُ فِي الاسْمِ.
الثالثُ: يُشْتَرَطُ فِي الوزنِ المانعِ للصرفِ شرطانِ:
أحدُهُمَا: أنْ يكونَ لازمًا.
الثانِي: أنْ لا يخرجَ بالتغييرِ إلى مِثَالٍ هو للاسْمِ.
فخرجَ بالأوَّلِ نحوُ: امْرِئٍ فإنَّهُ لو سُمِّيَ بِهِ انْصَرَفَ وإنْ كانَ فِي النَّصْبِ شبيهًا بالأمرِ مِنْ عَلِمَ، وفِي الجرِّ شبيهًا بالأمرِ مِنْ ضَرَبَ، وفِي الرَّفْعِ شبيهًا بالأمرِ مِنْ خَرَجَ، لأنَّهُ خَالَفَ الأفعالَ بكونِ عَيْنِهِ لا تلزمُ حركةً واحدةً فلمْ تُعْتَبَرْ فيهِ الموازنةُ، وخَرَجَ بالثانِي نحوُ: "رُدَّ" و"قيلَ" فإنَّ أصلَهُمَا رُدَدَ وقُوِلَ، ولكنَّ الإدغامَ والإعلالَ أخْرَجَاهُمَا إلَى مشابهةِ بُرْدٍ وفِيْلٍ، فلمْ يُعتبرْ فيهما الوزنُ الأصليُّ ولوسَمَّيْتَ رَجُلًا بِأَلْبُبٍ بالضمِّ جَمْعُ لُبٍّ، لم تَصْرِفْهُ؛ لأنَّهُ لم يَخْرُجْ بِفَكِّ الإدغامِ إلى وزنٍ ليسَ للفعلِ، وحَكَى أبو عُثْمَانَ عَنِ أَبِي الحسنِ صرفَهُ لأنَّهُ بَايَنَ الفعلَ بالفَكِّ، وشَمِلَ قولُنَا: "إلى مِثَالٍ هُوَ للاسْمِ" قسمينِ: أحدِهِمَا: مَا خَرَجَ إلى مِثَالٍ غيرِ نادرٍ، ولا إشكالَ في صرفِهِ نَحْوَ: "رُدَّ"، و"قِيْلَ" والآخَرُ مَا خرجَ إلى مِثَالِ نَادِرٍ، نحو: "انْطَلْقَ" إذا سكَّنْتَ لامَهُ، فإنَّهُ خَرَجَ إلى مِثَالِ إنْقَحْل، وهو نَادِرٌ، وهَذَا فيه خِلاَفٌ، وجَوَّزَ فيه ابنُ خَرُوفٍ الصرفَ والمنعَ، وقدْ فُهِمَ مِنْ ذلكَ أنَّ مَا دَخَلَهُ الإعلالُ ولم يُخْرِجْهُ إلى وزنِ الاسمِ نحوَ: "يَزِيْدَ" امتْنَعَ صرفُهُ.
الرابعُ: اخْتُلِفَ فِي سكونِ التخفيفِ العَارِضِ بعدَ التسميةِ نحوَ: ضُرْبَ بسكونِ العينِ مُخَففًا مِنْ ضُرِبَ المجهولِ، فذهبَ سِيْبَوَيْهُ إلى أنَّهُ كالسكونِ اللازمِ فينصرفُ، وهو اختيارُ المصنفِ، وذهَبَ المَازِنِيُّ والمُبَرِّدُ ومَنْ وافَقَهُمَا إلَى أنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الصَّرفِ، فلو خُفِّفَ قبلَ التسميةِ انصرفَ قَولًا واحِدًا.
669- (ومَا يَصِيْرُ عَلَمًا مِنْ ذِيْ أَلِفْ = زِيْدَتْ لِإِلْحَاقٍ فليسَ يَنْصَرِفْ)
أيْ: ألفُ الإلحاقِ المقصورةِ تَمْنَعُ الصرفَ مَعَ العَلَمِيَّةِ، لشَبَهِهَا بألفِ التأنيثِ مِنْ وَجهينِ، الأوَّلِ: أنَّهَا زائدةٌ، ليستْ مُبْدَلةً مِنْ شيءٍ، بِخِلاَفِ الممدودَةِ فإنَّهَا مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءٍ، والثانِي: أنَّها تقَعُ فِي مِثَالٍ صالحٍ لألفِ التأنيثِ نحوَ: أَرْطًى فإنَّهُ عَلَى مِثَالِ سَكْرَى، وعِزْهَى فهو علَى مِثَالِ ذِكْرَى بِخِلافِ الممدودةِ نحوَ: عِلْبَاءَ، وشَبَهُ الشيءِ بالشيءِ كثيرًا مَا يُلْحِقُهُ بِهِ؛ كَحَامِيمَ اسْمَ رَجُلٍ، فإنَّهُ عِنْدَ سِيْبَوَيْهَ ممنوعُ الصرفِ لشَبَهِهِ بِهَابِيَلَ فِي الوزنِ والامتناعِ مِنَ الألفِ واللامِ، وكحَمْدُونَ عندَ أبِي عَلِيٍّ، حيثُ يَمنعُ صرفَهُ للتعريفِ والعُجْمَةِ.
يَرَى أنَّ حَمْدُونَ وشَبَهَهُ مِنَ الأعلامِ المزيدِ فِي آخِرِهَا واوٌ بعدَ ضمةٍ ونونٍ لغيرِ جمعيةٍ، لا يوجدُ فِي استعمالٍ عربيٍ مَجْبُولٍ على العربيةِ، بَلْ فِي استعمالٍ عجَمَيٍّ حقيقةً أو حُكمًا، فأُلْحِقَ بِمَا مَنَعَ صرفَهُ للتعريفِ والعُجْمَةِ المَحْضَةِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: كانَ ينبغِي أنْ يُقَيِّدَ الألفَ بالمقصورةِ صريحًا وبالمثالِ أو بِهِمَا كَمَا فعَلَ فِي (الكَافِيَةِ) فَقَالَ:
وألفُ الإلحاقِ مَقْصُورًا مَنَعْ = كَعَلْقًى انْ ذَا عَلَمِيَّةٍ وَقَعْ
الثانِي: حُكْمُ ألفِ التكثيرِ كَحُكْمِ ألفِ الإلحاقِ فِي أنَّهَا تُمْنَعُ مَعَ العَلَمِيَّةِ نحوَ: قَبَعْثرَى ذَكَرَهُ بعضُهُم.
670- (والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إنْ عُدِلاَ = كَفُعَلِ التوكيدِ أو كَثُعَلاَ)
671- (والعَدْلُ والتعريفُ مانِعَا سَحَرْ = إذَا بِهِ التعيينُ قَصْدًا يُعْتَبَرْ)
أيْ: يَمْنَعُ مِنَ الصرفِ اجتماعُ التعريفِ بالعدلِ في ثلاثةِ أشياءٍ:
أحَدِهَا: فُعَلُ فِي التوكيدِ، وهو جُمَعُ وكُتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ، فإنَّهَا معارفُ بنِيَّةِ الإضافةِ إلى ضميرِ المُؤَكِّدِ، فشابهَتْ بذلكَ العَلَمَ لكونِهِ معرفةً مِنْ غيرِ قرينةٍ لفظيةٍ، هذَا مَا مَشَى عليهِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، وهو ظاهرُ مذهبِ سِيْبَوَيْهَ، واختارَهُ ابنُ عُصْفُورٍ. وقيلَ: بالعَلَمِيَّةِ، وهو ظاهرُ كلامِهِ هُنَا، ورَدَّهُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ), وأبطَلَهُ، وقَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): بِشَبَهِ العَلَميةِ أو الوصفيةِ.
قالَ أبو حَيَّانَ: وتَجْويزُهُ أنَّ العَدْلَ يُمْنَعُ معَ شَبَهِ الصفةِ فِي بابِ جُمَعَ لا أعرفُ لهُ فيهِ سَلفًا.
ومَعْدُولةٌ عَنْ فَعْلاَوَاتَ فإنَّ مفرداتِها جَمْعَاءُ وكَتْعَاءُ وبَصْعَاءُ وبَتْعَاءُ، وإنَّمَا قِيَاسُ فَعْلاَءَ إذَا كانَ اسْمًا أنْ يُجْمَعَ عَلَى فَعْلَاوَات كصَحْرَاءَ وصَحْرَوَاتٍ، لأنَّ مذكَّرَهُ جُمِعَ بالواوِ والنونِ فَحَقُّ مؤنثِهِ أنْ يُجْمَعَ بالألفِ والتاءِ، وهذا اختيارُ الناظمِ.
وقيلَ مَعْدُولةٌ عَنْ فُعْلَ لأنَّ قياسَ أَفْعَلَ فَعْلَاءَ، أنْ يُجْمَعَ مُذَكَّرُهُ ومؤنثُهُ عَلَى فُعْلَ نحوَ: حُمْرَ فِي أَحْمَرَ وحَمْرَاءَ، وهو قولُ الأخْفَشِ والسَّيْرَافِيِّ، واختارهُ ابْنُ عُصْفُورٍ.
وقيلَ: إنَّهُ معدولٌ عَنْ فَعَالِيَّ كَصْحَرَاءَ وصَحَارِيَّ، والصحيحُ الأولُ، لأنَّ فَعْلَاءَ لا يُجْمَعُ عَلَى فُعْلٍ إلا إذَا كانَ مُؤَنثًا لأفْعَلَ صفةً كحَمْرَاءَ وصَفْرَاءَ، ولا عَلَى فَعَالِيَّ إلا إذَا كانَ اسْمًا مَحْضًا لا مُذَكَّرَ لهُ كصحراءَ، وجَمْعَاءَ ليسَ كذلكَ.
الثانِي: عَلَمُ المُذَكَّرِ المعدولِ إلى فُعَلٍ، نحوَ: عُمَرَ وزُفَرَ وزُحَلَ ومُضَرَ، وثُعَلَ وهُبَلَ وجُشَمَ وقُثَمَ وجُمَحَ وقُزَحَ ودُلَفَ، فَعُمَرُ: معدولٌ عنْ عَامِرٍ، وزُفَرُ: معدولٌ عَنْ زَافِرٍ وكَذَا باقِيْهَا.
قيلَ: وبعضُهَا عنْ أَفْعَلَ وهو ثُعَلُ،وطريقُ العِلْمِ بِعَدْلِ هذَا النوعِ سمَاعُهُ غيرَ مصروفٍ عاَرِيًا مِنْ سَائِرِ الموانعِ، وإنَّمَا جُعِلَ هَذَا النوعُ مَعْدُولًا لأمرينِ:
أحدُهُمَا: أنَّهُ لوْ لمْ يُقَدَّرْ عدْلُهُ لَزِمَ ترتيبُ المنعِ علَى عِلَّةٍ واحدةٍ؛ إذْ ليسَ فيهِ مِنَ الموانعِ غيرُ العَلَمِيَّةِ.
والآخَرُ: أنَّ الأعْلَامَ يَغْلُبُ عليهَا النقلُ، فجُعَلُ "عُمَرُ" مَعْدولًا عَنْ "عَامِرٍ" العَلَمِ المنقولِ مِنَ الصفةِ، ولم يُجْعَلْ مُرْتَجلًا وكذَا باقِيْهَا، وذَكَرَ بَعْضُهُم لعَدْلِهِ فائدتينِ، إحْدَاهُمَا لفظيةٌ وهي التخفيفُ، والأُخْرَى معنويةٌ وهو تَحْمِيْضُ العَلَمِيَّةِ، إذْ لو قِيْلَ عَامِرٌ لَتُوُهِّمَ أنَّهُ صِفَةٌ.
فإنْ ورَدَ فُعَلُ مصروفًا وهو عَلَمٌ؛ عَلِمْنَا أنَّهُ ليْسَ بِمَعْدولٍ، وذلكَ نحوَ: أُدَدٌ، وهو عندَ سِيْبَوَيْهَ مِنَ الوُدِّ فهمزتُهُ عِنْ وَاوٍ، وعندَ غيرِهِ مِنَ الأدِّ وهو العظيمُ فهمزتُهُ أصليةٌ. فإنْ وُجِدَ فِي فُعَلَ مَانِعٌ مِنَ العَلَمِيَّةِ لم يُجْعَلْ مَعدولًا، نحوَ: "طُوًى"، فإنْ مَنَعَهُ للتأنيثِ والعَلَمِيَّةِ ونحوَ: "تُتَلَ" اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، فالمانِعُ لهُ العُجْمَةُ والعَلَمِيَّةُ عندَ مَنْ يَرَى مَنْعَ الثلاثيِّ للعُجْمَةِ، إذْ لا وَجْهَ لتَكَلُّفِ تقديرِ العَدْلِ، مَعَ إمكانِ غيرِهِ.
ويَلْتَحِقُ بهذَا النوعِ ما جُعِلَ عَلمًا مِنَ المَعْدُولِ إلى فُعَلَ فِي النداءِ كغُدَرَ وفُسَقَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ "عُمَرَ".
قالَ المصنفُ: هو أحقُّ مِنْ عُمَرَ بِمَنْعِ الصرفِ، لأنَّ عَدْلَهُ محققٌّ، وعَدْلُ عُمَرَ مُقَدَّرٌ اهـ وهو مذهبُ سِيْبَوَيْهَ، وذَهَبَ الأَخْفَشُ وتَبِعَهُ ابنُ السِّيدِ إلى صرفِهِ.
الثالثُ: سَحَرُ إذَا أُرِيْدَ بِهِ سَحَرُ يَومٍ بِعَيْنِهِ، فالأصلُ: أَنْ يُعَرَّفَ بـ"ألْ" أو بالإضافةِ فإنْ تَجَرَّدَ منْهُمَا مَعَ قَصْدِ التعيينِ، فهو حينئذٍ ظرفٌ لا يَتَصَرَّفُ ولا يَنْصَرِفُ نحوَ: "جِئْتُ يَومَ الجُمْعَةِ سَحَرَ" والمانعُ لهُ مِنَ الصرفِ العَدْلُ والتعريفُ؛ أمَّا العَدْلُ فَعَنِ اللفظِ بـ"ألْ" فإنَّهُ كانَ الأصلُ أنْ يُعَرَّفَ بِهَا، وأمَّا التعريفُ فقيلَ: بالعَلَمِيَّةِ ؛ لأنَّهُ جُعِلَ عَلَمًا لِهَذا الوقتِ وهذَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ) وقيْلَ: بِشَبَهِ العَلَمِيَّةِ، لأنَّهُ تَعَرَّفَ بِغَيْرِ أداةٍ ظاهرةٍ كالعَلَمِ وهو اختيارُ ابْنِ عُصْفُورٍ، وقوْلُهُ هُنَا و"التعريفُ"َ يُوْمِئُ إليهِ، إذُ لَمْ يُقَلْ والعَلَمِيَّةُ، وذَهَبَ صَدْرُ الأفاضلِ وهو أبُ الفتح ِنَاصِرِ بْنِ أَبِي المَكَارِمِ المَطْرِزِيِّ إلى أنَّهُ مَبْنِيٌّ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى حرفِ التعريفِ.
قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وَمَا ذَهَبَ إليهِ مردودٌ بثلاثةِ أوْجُهٍ:
أحدُهَا: إنَّ مَا ادَّعَاهُ مُمْكِنٌ، ومَا ادَّعَيْنَاهُ مُمْكِنٌ، لكنَّ ما ادَّعَيْنَاهُ أَوْلَى، لأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنِ الأصلِ بوجهٍ دُونَ وجهٍ، لأنَّ الممنوعَ الصرفِ باقٍ على الإعرابِ، بِخِلافِ مَا ادَّعَاهُ، فإنَّهُ خروجٌ عَنِ الأصلِ بُكِلِّ وجهٍ.
الثانِي: أنَّهُ لو كانَ مَبْيِنًّا، لكانَ غيرُ الفتحِ أَوْلَى بِهِ، لأنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، فيجبُ اجْتِنَابُ الفتحةِ؛ لئلا يُتَوَهَّمُ الإعرابُ، كما اجْتُنِبَتْ فِي "قَبْلُ" و"بَعْدُ" والمُنَادَى المَبْنِيِّ.
الثالثُ: أنَّهُ لو كانَ مَبْنِيًا لكانَ جائِزَ الإعرابِ جوازَ إعرابِ "حينَ" فِي قولِهِ:
عَلَى حِيْنِ عَاتَبْتُ المَشِيْبِ عَلَى الصِّبَا = فقلتُ ألَمَّا أَصْحُ والشَّيْبُ وَازِعُ
لتِسَاوِيْهِمَا فِي ضَعْفِ سببِ البناءِ بكونِهِ عَارِضًا، وكانَ يكونُ علامةُ إعرابِهِ تنوينَهُ فِي بعضِ المواضعِ، وفِي عدمِ ذَلكَ دليلٌ عَلَى عَدَمِ البناءِ، وأنَّ فَتْحَتَهُ إعرابيةٌ، وأَنَّ عَدَمَ التنوينِ إنَّمَا كانَ مِنْ أَجْلِ مَنْعِ الصرفِ.
فلو نُكِّرَ سَحَرُ وَجَبَ التصرفُ والانصرافُ، كقولِهِ تَعَالَى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} اهـ.
وذَهَبَ السُّهَيْلِيُّ إلى أنَّهُ مُعْرَبٌ، وإنَّمَا حُذِفَ تنوينُهُ لِنِيَّةِ الإضافةِ، وذَهَبَ الشُّلوُبينُ الصغيرُ إلى أنَّهُ مُعْرَبٌ، وإنَّمَا حُذِفَ تنوينُهُ لِنِيَّةِ "ألْ" وعَلَى هذينِ القولينِ فَهْو مِنْ قَبِيْلِ المُنْصَرِفِ، والصحيحُ مَا ذَهَبَ إليهِ الجمهورُ.
تنبيهٌ: نَظِيْرُ سَحَرَ فِي امتناعِهِ مِنَ الصرفِ أَمْسِ عِنْدَ بَنِي تَمِيْمٍ، فإنَّ منهُم مَنْ يُعْرِبُهُ فِي الرَّفْعِ غيرَ مُنْصَرِفٍ، ويَبْنِيْهِ عَلَى الكَسْرِ فِي النَّصْبِ والجَرِّ، ومنهُم مَنْ يُعْرِبُهُ إِعْرَابَ مَا لا ينصرفُ فِي الأحوالِ الثلاثِ، خِلافًا لِمَنْ أنْكَرَ ذلكَ، وغيرُ بَنِي تميمٍ يَبْنُونَهُ عَلَى الكَسْرِ، وحَكَى ابنُ أبِي الربيعِ أنَّ بَنِي تَمِيْمٍ يُعْرِبُونَهُ إعْرَابَ مَا لا ينصرفُ، إذا رُفِعَ أو جُرَّ بـ"مُذْ" أو "مُنْذُ" فقطْ وزَعَمَ الزَّجَّاجِيُّ مِنَ العربِ مَنْ يَبْنِيْهِ عَلَى الفتحِ، واستشهدَ بقولِ الرَّاجِزِ:
988- إِنِّي رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا = عَجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسًا
يَأْكُلْنَ مَا فِي رَحْلِهِنَّ هَمْسَا = لا تَرَكَ اللهُ لهنَّ ضِرْسَا
قالَ فِي (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ): ومُدَّعَاهُ غيرُ صحيحٍ، لامتناعِ الفتحِ فِي موضعِ الرفعِ، ولأنَّ سِيْبَويْهِ استشهدَ بالرَّجَزِ عَلَى أنَّ الفتحَ فِي "أَمْسَا" فتحُ إعرابٍ، وأبو القَاسِمِ لَمْ يأخذِ البيتَ مِنْ غَيرِ كتابِ سِيْبَويْهِ فقدْ غَلِطَ فيمَا ذَهَبَ إليهِ، واسْتَحَقَّ أنْ لا يُعَوَّلَ عليْهِ، ا هـ، ويَدَلُّ للإعرابِ قولُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
989- اعْتَصِمْ بالرَّجَاءِ إِنْ عَنَّ بَأْسُ = وتَنَاسَ الذِي تَضَمَّنَ أمْسُ
وأَجَازَ الخليلُ فِي "لقِيْتُهُ أَمْسِ" أنْ يَكونَ التقديرُ بالأمسِ، فحَذَفَ الباءَ و"ألْ"، فتكونُ الكسرةُ كسرةَ إعرابٍ، قاَلَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ): ولا خِلَافَ فِي إعرابِ أمسِ إذَا أُضِيْفَ أو لُفِظَ معَهُ بالألفِ واللام،ِ أو نُكِّرَ، أو صُغِّرَ أو كُسِرَ