الوجه الثاني من وجوه إضمارها: أنها تضمر حينما تقع بعد عاطف:
إذا وقعت (أن) بعد حرف عطف، حرف العطف هذا مسبوق باسم ليس مؤولاً بالفعل.
يعني:
-ليس فعلاً.
- ولا صفة مشبهة.
- ولا اسم فاعل.
- ولا اسم مفعول.
وإنما هو ينبغي أن يكون مصدراً أو اسماً غير مصدر، إذا وقعت بعد عاطف مسبوق باسم خالص من التقدير بالفعل.
هذه العواطف الأربعة التي إذا وقعت (أن) بعد واحد منها فإنها تضمر جوازاً وينصب الفعل المضارع الواقع بعدها ويكون منصوباً، إما بـ(أن) مضمرة جوازاً كما ينبغي أن تقول، أو أن تقول: منصوب بهذا الحرف الذي سبقه.
الحروف العاطفة هي أربعة: هي التي تقع بعدها (أن) فتضمر جوازاً وينصب الفعل المضارع: (أو) و(الواو) و(ثم) و(الفاء).
نمثل لكل واحد منها:
-(أو) كما في قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً}
(أو يُرسلَ): هنا محل الشاهد، الفعل المضارع (يُرسل)، مرفوع أو منصوب؟
منصوب، ما الذي نصبه؟
عندنا (أو) الآن حرف، و(أو) ما عرف أنه من حروف النصب، نقول: أنه منصوب بـ(أن) مضمرة جوازاً بعد (أو).
هل حصل فيه الشرط المشترط أو لا؟
حصل فيه.
فـ(أو) هذه وقعت بعد اسم ليس في تأويل الفعل وهو كلمة (وحياً)، {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً} فعطف الفعل
(أو يرسل) على كلمة (وحياً) وهي اسم ليس في تأويل الفعل، فتحقق الشرط حينئذٍ، فتقول:
(يرسل)فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة جوازاً بعد (أو)؛ لأن (أو) هذه العاطفة سبقت باسم ليس في تقدير الفعل فعطفت عليه.
-مثال: الواو، قول الشاعرة، هذه شاعرة مشهورة: (ميسون بنت بحدل) يقال إنها زوجة لـ(معاوية بن أبي سفيان) وأنه أخذها من أهلها من البادية وجاء بها إلى المدينة، ولم يطب لها العيش في المدينة، فقالت قصيدة تتحسر فيها على حياة البادية، فلما سمعها أرسلها إلى أهلها، الشاهد معنا هو البيت الذي تقول فيه:
ولـبـس عـبــاءة وتـقرّ عـيني أحب إلي من لبس الشفوفِ
تقول: أنْ ألبس عباءة خشنة وأنا عند أهلي وتقر عيني؛ أحب إلي من لبس المدن هذه الملابس الشفافة الناعمة الحريرية.
الشاهد في قوله: (ولبس عباءة وتقر)، (وتقر): الفعل المضارع (تقر) هنا الآن منصوب أو مرفوع؟.
منصوب.
ما الذي نصبه؟
منصوب بـ(أن) مضمرة جوازاً بعد واو العطف، وجاز ذلك لأن الواو هنا عطفت الفعل على اسم متقدم خالص ليس في تأويل الفعل وهو المصدر: (لبس)، (ولبس عباءة وتقر عيني).
الحرف الثالث: هو (ثُمَّ)، كما في قول الشاعر:
إنـي وقـتلي سليكاً ثم أعقـله كالثور يضرب لما عافت البقر
(إني وقتلي سليكاً ثم أعقله) (ثم) هنا دخلت على فعل مضارع وهو (أعقله)، فتحول من الرفع إلى النصب فصار: (ثم أعقله)، فتقول في إعرابه: (أعقله): أعقل: فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة جوازاً بعد (ثم)؛ لأنه صار معطوفاً بـ(ثم) على اسم متقدم ليس في تأويل الفعل، وهو المصدر.
قوله: (قتلي)، (إني وقتلي سليكاً ثم أعقله)، ما معنى البيت؟
معنى البيت: يقول: هذا الرجل قتل شخصاً اسمه سليك، ثم ترتب عليه أن دفع الدية أو: تحمل العقل له وهو ديته فقال: (إني وقتلي سليكاً)، الآن سأقتله، لثأر أو ما إلى ذلك، ثم أنا الذي أتحمل ديته، (كالثور يضرب لما عافت البقر)، إذا عافت البقر فإنه يضرب الثور، مع أن التي عافت هي البقر، فهو يبدو أنه -لأنه هو السيد- هو الذي تحمل العقل.
الرابع: هو حرف الفاء، مثل قول الشاعر:
لـولا تــوقــع مـعـتـــر فأرضيه ما كنت أوثر أتراباً على ترب
توقع: معروف، والمعتر: {القانع والمعتر}،ما معنى المعتر هنا وفي هذه الآية؟
{القانع والمعتر}: المحتاج المعوز.
معتر فأرضيه: يقول: لولا أنني أتوقع أن أقوم بخدمات معينة، أن يأتي هذا فأعطيه وأن آتي هذا فأعطيه؛ وأن آتي هذا فأعطيه لما كنت أوثر هذا الشيء على هذا الشيء، لكنني أتوقع أن أنتدب لمثل هذه الفضائل ومثل هذه المكارم.
الشاهد في قوله: (فأرضيه)، حيث أن الفعل المضارع نصب بعد الفاء العاطفة؛ لأنها عطفت هذا الفعل على اسم متقدم وهو المصدر: (توقع).
فالحاصل إذاً: أن (أنْ) تنصب مضمرة جوازاً في صورتين:
الصورة الأولى: إذا وقعت بعد لام الجر، سواء كانت:
- لام تعليل.
- أو عاقبة.
- أو زائدة.
والصورة الثانية: إذا وقعت بعد عاطف مسبوق باسم ليس في تأويل الفعل، وهذا العاطف أحد عواطف أربعة: إما الواو أو الفاء، أو (ثم) أو (أو).
ننتقل إلى المواضع التي يكون النصب فيها بـ(أن) مضمرة وجوباً.
(أنْ) متى تضمر وجوباً؟
تضمر وجوباً بعد الأحرف الخمسة التي ذكرها، وهي:
(لام الجحود)، و(حتى)، و(الفاء)، و(الواو)، و(أو).
نلحظ إذاً: أن الفاء والواو و(أو)مرت معنا في مواضع الجواز، وستمر معنا أيضاً في مواضع الوجوب.
تضمر (أن) وجوباً بعد لام الجحود.
ما المراد بلام الجحود؟
لام الجحود هي لام النفي.
ما علامة لام الجحود؟
ليس السكون، وإنما لام الجحود هي التي تسبق بكونٍ ماضٍ منفي.
لام الجحود هي التي يكون قبلها: (ما كان) أو (لم يكن)، كما في قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم}(يعذبهم) هنا فعل مضارع، منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد لام الجحود، وعرفنا أنها لام الجحود لأنها سبقت بالفعل، بكان المسبوقة بالنفي وهي: ما كان.
ما الفرق بين:المضمرة جوازاً والمضمرة وجوباً؟
-المضمرة جوازاً يمكن إظهارها.
- أما المضمرة وجوباً فلا يصح أن تظهر.
الحروف التي تضمر بعدها وجوباً هو:لام الجحود، وهي لام النفي، وهي اللام الواقعة بعد كون ماضي منفي، أي: (ما كان): {ما كان الله ليعذبهم} أو (لم يكن)، كما في قوله تعالى: {لم يكن الله ليغفر لهم} (يغفر) هنا فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد لام الجحود.
لو جاءنا سؤال: ما دمنا في لام الجحود وقال: ما حكم الفعل المضارع إذا وقع بعد اللام بعد لام الجر بصفة عامة؟
لام الجر طبعاً تشمل:
- لام التعليل.
- ولام العاقبة.
- واللام الزائدة.
- ولام الجحود.
ما حكم الفعل إذا وقع بعد هذه اللام؟
الواقع أن له ثلاث صور، أنا أشرت الآن منها إلى صورتين وبقي صورة ثالثة:
الصورة الأولى: التي أشرنا إليها هي: الجواز، أنه ينصب بـ(أن) مضمرة جوازاً وذلك إذا كانت هذه اللام لام التعليل أو لام العاقبة أو اللام الزائدة.
الصورة الثانية: أن الفعل ينصب بـ(أن) مضمرة وجوباً إذا كانت هذه اللام لام الجحود.
الصورة الثالثة: هذا بالنسبة لحكم (أنْ): وجوب إظهار (أنْ) وذلك إذا اقترن الفعل بـ(لا) النافية أو الزائدة.
إذاً: أحوال (أن) مع اللام:
-إن سبقت بلام الجحود فهي مضمرة وجوباً.
- إن سبقت بلام التعليل أو لام العاقبة أو اللام الزائدة فهي مضمرة جوازاً.
- إذا اقترن الفعل بـ(لا) النافية أو الزائدة وجب إظهار (أن) حينئذٍ.
إذاً: أحوال (أن) من حيث الإضمار والإظهار مع لام الجر ثلاث حالات.
- (لا) النافية: كما في قوله تعالى: {لئلا يكون} هنا (لا يكون) الفعل مسبوق بـ(لا) النافية، ولذلك أظهرت (أنْ)، أصلها: (لأن لا)، لكنها أظهرت ثم أدغمت، فهي ليست محذوفة لا جوازاً ولا وجوباً.
- و(لا) الزائدة: كما في الآية في آخر سورة الحديد: {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء} المعنى ما هو؟
المعنى: ليعلم أهل الكتاب، فـ(لا) هنا هذه زائدة، المعنى المراد، وبإجماع المفسرين-فيما أعلم-: ليعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء، فـ(لا) هنا زائدة.
فإذاً: (أنْ) حكمها مع لام الجر:
-يجب إظهارها إذا سبق الفعل بـ(لا) النافية أو الزائدة.
- يجب إضمارها إذا وقعت بعد لام الجحود.
- يجوز الوجهان: الإظهار والإضمار إذا سبقت بلام الجر وهي لام التعليل أو العاقبة والصيرورة أو الزائدة.
الحرف الثاني من الحروف التي ينصب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعدها: هي: (حتى):
(حتى) ينصب الفعل بـ(أن) مضمرة وجوباً بعدها بشرط كون الفعل مستقبلا بالنسبة إلى ما قبلها، أو أن تقول أيضاً، تيسيراً: بشرط أن تكون بمعنى (كي)، أو أن تكون بمعنى (إلى).
يعني سواء كانت (حتى) بمعنى (كي) أو كانت بمعنى (إلى) فإن الفعل المضارع ينصب بـ(أن) مضمرة وجوباً في قوله تعالى: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}
ما معنى (حتى) هنا؟
هل معناها (كي) أو (إلى)؟
معناها: إلى أن يرجع إلينا موسى، لن نبرح عليه عاكفين إلى أن يرجع إلينا موسى.
{حتى يرجع إلينا موسى}، (يرجع) فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد (حتى)، ولا مانع على رأي من ذكرنا من العلماء أن تقول: إن (يرجع) فعل مضارع منصوب بـ(حتى) من باب التجوّز والاختصار.
فإذا قلت لشخص:(أطع الله حتى تدخل الجنة)، فما معناها هنا؟
(إلى) أو (كي)؟
معناها: (كي) أطع الله كي تدخل الجنة، فإذاً (حتى) يُنصب الفعل المضارع بـ(أن) مضمرة وجوباً بعدها سواء كانت بمعنى (كي) كما في قولك: (أطع الله حتى تدخل الجنة)، أو كانت بمعنى (إلى) كما في قوله تعالى: {حتى يرجع إلينا موسى}.
ما معناها في قوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}؟
هذه الآية تحتمل الأمرين، أي: يصح أن يكون المعنى:
-قاتلوها كي تفيء إلى أمر الله.
- أو أن يكون المعنى: قاتلوها إلى أن تفيء إلى أمر الله.
الحرف الثالث:
(أو):إذا وقعت بعد (أو) التي بمعنى (إلى) أو التي بمعنى (إلاّ)، إذا قلت لشخص: (لألزمنك أو تعطيني حقي)، هنا بمعنى (إلى) أو (إلا)؟
هنا بمعنى (إلى)، أي: سألزمك إلى أن تسدد لي ما عندك، إلى أن تعطيني حقي.
فإذا كانت بمعنى (إلى) فإن الفعل المضارع ينصب بعدها بـ(أن) مضمرة وجوباً فـ(تعطيني) هنا: فعل مضارع منصوب بعد (أو) بـ(أن) مضمرة وجوباً، ولو قلت تجوزاً منصوب بـ(أو)، لكان جائزاً على ذلك الرأي.
ومنه قول الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فــمــا انـقـادت الـآمــال إلا لـصابر
(أو أدرك): (أدرك) فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد (أو).
(أو) ما معناها في هذا البيت؟
(إلى): مثل: (لألزمنك أو تعطيني حقي)، لأستسهلن الصعب إلى أن أدرك المنى، يقول: سأركب الصعاب وأتجشم الأخطار مستهينا بها ومستسهلاً لها حتى أدرك المنى، إلى أن أصل إلى ما أتمناه ولن أتراجع عن ذلك.
ولو قلت: (لأقتلن الكافر أو يسلم)، هنا بمعنى (إلى) أو (إلاّ)؟
بمعنى (إلاّ) لأنها ما تصلح إلى أن يسلم!، إذا قتلته ما يمكن يسلم، انتهى الأمر، فهي المراد.
وما معناها في قول الشاعر:
وكـنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
يقول: إنني آخذ الأمور بالجد، فأنا إذا غمزت قناة قوم أمعن في ذلك حتى أصل إلى
إحدى نتيجتين:
-إما أن أكسر الكعب.
- أو يستقيم الكعب.
يعني: ما في خيار،فهنا بمعنى (إلى) أو إلاّ؟
(إلى)ما تصلح هنا، كسرت كعوبها إلى أن تستقيم! إذا كسرها لا يمكن تستقيم، انتهى الأمر.
وإنما المراد: كسرت كعوبها إلاّ أن تستقيم، فإنه حينئذٍ يمتنع الكسر أو يتوقف.
هذه ثلاثة أحرف الآن مما تضمر (أن) بعده وجوباً:
- لام الجحود، (حتى)، (أو).
- الحرفان الأخيران -الفاء والواو- الحكم فيهما متقارب،فينصب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية أو واو المعية متى؟
إذا كانت (أن) هذه مضمرة وجوباً، أو إذا كانت الفاء هذه الظاهرة فاء السببية أو واو المعية مسبوقة بنفي محض أو طلب.
إذا سُبقت الفاء بنفي محض يعني خالص أو يعني غير مبطل بأي شيء آخر، أو سبقت بطلب، كلمة طلب إذا أطلقت ماذا تشمل؟
الطلب يشمل ماذا؟
- الأمر.
- والنهي.
-والدعاء.
-والتمني.
-والترجي.
- والتحضيض.
- والاستفهام.
-والعرض.
هذه أمور كلها تدخل تحت ما يسمى بالطلب، تجدون هذا موجوداً في مباحث البلاغة وفي غيرها.
هذه الثمانية وقبلها التاسع وهو النفي، إذا دخلت فاء السببية أو واو المعية على فعل المضارع وكانت مسبوقة بواحد من هذه التسعة:
إما نفي أو طلب -وتدخل تحته هذه الثمانية- فإن الفعل المضارع حينئذٍ يكون منصوباً بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية أو بعد واو المعية.
نأخذ أمثلة عليها:
-النفي، كما في قوله تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا} هنا (يموتوا) فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة وقد أضمرت (أن)؛ لأنها وقعت بعد فاء السببية المسبوقة بنفي وهو قوله: {لا يقضى عليهم}.
ومثال الطلب بأنواعه الثمانية:
أولها: الأمر، كما في قول الشاعر:
يا ناق سيري عنقاً فسيحاً إلى سـلــيـمـان فنسـتريـحا
يخاطب ناقته ويقول: سيري سيراً حثيثاً حتى نصل إلى سليمان فنحط رحالنا عنده؛ لأننا سنجد ما نؤمل هناك.
(يا ناق سيري): (سيري)هنا: فعل أمر وقعت بعده فاء السببية داخلة على فعل مضارع فنصبت هذا الفعل المضارع بـ(أن) مضمرة وجوباً وهو قوله:
(إلى سليمان فنستريحا)، (فنستريحا) هنا: (نستريح): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية؛ لأنها سبقت بأمر حقيقي وهو قوله: (سيري).
-ومثال النهي، قوله تعالى: {ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي}(يحل): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية، وقد سبقت بالنهي الحقيقي في قوله: {ولا تطغوا فيه}.
-والتحضيض، كما في قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق}.
(فأصدق) هنا: فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالتحضيض في قوله:
(لولا): (لولا أخرتني)، يعني: هلاّ أخرتني إلى أجل قريب.
-والتمني، كما في قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز}.
(فأفوز)هنا: الفعل المضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالتمني في قوله تعالى
: {يا ليتني}.
- والترجي، كما في قوله تعالى: {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع}(فأطلع) هنا: فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالترجي: (لعلي).
- ومثال الدعاء، قول الشاعر:
رب وفقـنـي فـلا أعدل عن سنن الساعين في خير سنن
(رب وفقني فلا أعدل)، هنا (أعدل): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة بعد فاء السببية؛ لأنها سبقت بالدعاء في قوله: (رب وفقني).
-والاستفهام، كما في قول الشاعر:
هـل تـعـرفـون لـباناتـي فـأرجو أن تقضى فيرتد بعض الروح للجسد
يقول: هل أنتم فعلاً تعرفون حاجاتي التي جئت من أجلها، فأؤمل أن تقضى فيرجع بعض روحي إلى بعض جسدي؛ لأنها كاد يخرج بعضها من خوفي على أن لا يحقق ما أريد.
ففي قوله: (هل تعرفون لباناتي فأرجو أن)، (أرجو): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة بعد الفاء؛ ولأنه سبق بالاستفهام بهل.
-والعرض، كما في قول الشاعر:
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما قـد حـدثوك فما راء كمن سمع
(يا ابن الكرام ألا تدنو)، هذا العرض: (ألا)، (ألا تدنو فتبصر)، تبصر: فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالعرض.
الفرق بين العرض والتحضيض:
-أن العرض: طلب برفق، (ألا): عرض خفيف.
-أما التحضيض: ففيه حث للمخاطب.
هذه شواهد وأمثلة على وقوع النصب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية ويماثلها أيضاً شواهد بعد واو المعية وإن كانت أنواع الطلب لم تسمع كلها بعد واو المعية، وإنما سمع منها شيء.
فنأتي إلى الواو سريعاً لنأخذ عليها أمثلة:
-وقوعها بعد النفي، كما في قوله تعالى: {ولما يعلم الله الذي جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.
{ويعلم الصابرين}: يعلم: فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بنفي في قوله: {لما يعلم}، كما سيأتي معنا الآن في الجوازم أن (لما) حرف نفي وجزم.
- والتمني، كما في قوله تعالى: {يا ليتنا نرد ولا نكذب}.
(نكذب): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بالتمني بـ(ياليت).
-والاستفهام، كما في قول الشاعر:
ألم أك جاركم ويكونَ بيني وبـيـنـكم المودة والإخاء
(ألم أك جاركم): هنا استفهام تقريري، و(يكون): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد واو المعية.
-والنهي، كما في البيت المشهور الذي ينسب لأبي الأسود الدؤلي:
لا تـنه عن خلق وتـأتـيَ مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
(وتأتي) (تأتي): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بالنهي بـ(لا) الناهية: (لا تنه).
وتقول -هذا المثال المشهور-: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، هذا المثال تجوز فيه ثلاثة أوجه.
ما توجيه الأوجه الثلاثة هذه؟
الشاهد الذي معنا أن تقول: (لا تأكل السمك وتشربَ اللبن)، (تشربَ): فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بنهي،
(لا تأكل السمك)، فلو قلت: (لا تأكل السمك وتشربِ اللبن) بالجزم على أنها معطوفة على نية تكرار (لا) الناهية،
كأنك قلت له:(لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن) يعني نهيته عنهما جميعاً، لم تنهه عن الجمع بينهما وسمحت له بأن يأخذهما على حدة، لا.
أنت تنهاه الآن من أن يقرب أي واحد منهما: لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن، يعني: لا تقرب أي واحد منهما نهائيّاً، هذا هو توجيه الجزم.
ما توجيه الرفع فيقولك:(لا تأكل السمك وتشربُ اللبن)، ما توجيه الرفع؟
فيه نهي أو إباحة أو ماذا فيه؟حينما تقول: (لا تأكل السمك) هذا واضح أنه نهي، (وتشربُ اللبن) بالرفع، هل سمح له أو منع، سمح له الآن، كأنك قلت: لا تأكل السمك، ولكن لَكَ شرب اللبن، لا تأكل السمك واشرب اللبن، (لا تأكل السمك وتشربُ اللبن)، أي: وأنت تشربُ اللبن، لك شرب اللبن لكنك لا تأكل السمك.
فإذاً: (وتشرب اللبن)، إن قلت:(وتشربَ) فهو الشاهد الذي معنا، على أنها منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد واو المعية، ويكون النهي حينئذٍ عن الجمع بينهما، أي: لا تجمع بين السمك واللبن فإنه مضر، ولذلك بعض الناس ربما صدّق هذا الأمر وأصبح إذا جلس على مائدة فيها سمك ولبن يترك واحداً منهما، مع أن هذا يبدو أنه ما هو بصحيح.
- ففي حالة النصب:الواو تكون للمعية والمراد لا تجمع بينهما.
- الجزم:نهي عن كل واحد منهما.
- الرفع:نهي عن الأول وإباحة للثاني.
هذه خلاصة النواصب وما يتعلق بها.