(32) إذَا دخلتْ (الْ) على لفظٍ مفردٍ أَوْ لفظِ جمْعٍ: أفادتْ الاسْتغراقَ والعمومَ لجميعِ المعنى.
فدخولُهَا على المفردِ مثلُ قولِهِ تعالى {والعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إلاَّ الَّذينَ آمنُوا} الخ.
أَيْ كلُّ إِنسانٍ خاسرٌ، لا يختصُّ بإنسانٍ دونَ غيرِهِ، إلاَّ منِ اسْتثنى، وهمُ الَّذينَ آمنُوا بقلوبهمْ وعملُوا الصَّالحاتِ بجوارحهمْ، وتواصَوْا بالحقِّ الَّذي هوَ: العلمُ النَّافعُ، والعملُ الصَّالحُ، وتواصَوْا بالصَّبرِ على ذلكَ، فهؤلاءِ همُ الرَّابحونَ، ومنْ فاتَهُ شيءٌ منْ هذهِ الخصالِ؛ كانَ لهُ منَ الخَسَارِ بحسبِ ما فاتَهُ.
وكذلكَ قولُهُ تعالى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً}، {إنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود} إلخ، {إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} أَيْ كلُّ واحدٍ منَ النَّاسِ هذِهِ صفتُهُ، إلاَّ منْ أَخرجَهُ عنْ هذِهِ الصِّفاتِ المذمومةِ إلى صفاتِ الخيرِ الَّتي هيَ أضدادُهَا.
وَمِنْ أَمثلةِ دخولِ (الْ) على المفردِ دخولُهَا على أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ، فكلَّمَا دَخَلَتْ على اسمٍ منْ أَسماءِ اللهِ، أَوْ صفةٍ منْ صفاتِهِ أفادتْ جميعَ ذلكَ المعنى، واستغرقتْ وبلغتْ نهايتَهُ كالحي القيوم أي الذي له الحياة الكاملة المستلزمة لصفاتِ الذَّاتِ، والقيُّوميَّةِ الكاملةِ: الَّذي قامَ بنفسِهِ، وقامَ بجميعِ الخلقِ تدبيراً.
(العليمُ) الَّذي لهُ العلمُ الكاملُ الشَّاملُ لكلِّ معلومٍ.
(الرَّحمنُ الرَّحيمُ) الَّذي لهُ الرَّحمةُ. العامَّةُ الواسعةُ لكلِّ مخلوقٍ.
(الغنيُّ): الَّذي لهُ الغِنى التَّامُّ المطلقُ منْ جميعِ الوجوهِ.
(العليُّ الأعلى) الَّذي لهُ العلوُّ المطلقُ منْ جميعِ الوجوهِ.
العظيمُ، الكبيرُ، الجليلُ، الجميلُ، الحميدُ، المجيدُ، الَّذي لهُ جميعُ معاني العظمةِ والكبرياءِ، والجلالِ والجمالِ، والحمدِ والمجدِ.
وقِسْ على هذَا بقيَّةَ الأَسماءِ والصِّفاتِ.
ولوْ لمْ يكنْ في هذِهِ القاعدةِ إلاَّ هذَا الموضعُ الشَّريفُ لكفى بهَا شرفاً وعظمةً.
ومثالُ دخولِ (الْ) على الجمْعِ فمثلاً قولُهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ واللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ}، {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}، يدخلُ في هذَا الخطابِ جميعُ النَّاسِ.
وقولُهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا}، يدخلُ فيهِ عمومُ المؤمنينَ وقولُهُ: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} يدخلُ فيهِ كلُّ مشركٍ.
وقولِهِ: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ}، إلى آخرِهَا يعمُّ هذِهِ الأَصنافَ المذكورةَ.
وقولُهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ)) يعمُّ كُلَّ عملٍ بدنيٍّ وماليٍّ، عباديٍّ أَوْ ماديٍّ، واللهُ أَعلمُ.