9/1261 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ). سَبَبُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا لاقُوا الْعَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ): بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَنُونٍ سَاكِنَةٍ فَهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ، مَا أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةٍ؛ مِن النَّهْرِ.
(وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظَّفَرُ فَمُدَى): بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِفَتْحِهَا وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، فَأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ؛ جَمْعُ: مُدْيَةٍ؛ مُثَلَّثَةِ الْمِيمِ، وَهِيَ: الشَّفْرَةُ؛ أَي: السِّكِّينُ، (الْحَبَشَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فِيهِ دَلالَةٌ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ مَا يَقْطَعُ وَيُجْرِي الدَّمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَكُونُ الذَّكَاةُ بِالنَّحْرِ لِلإِبِلِ، وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْحَدِيدِ فِي لَبَّةِ الْبَدَنَةِ حَتَّى يَفْرِيَ أَوْدَاجَهَا. وَاللَّبَّةُ: بِفَتْحِ اللاَّمِ وَتَشْدِيدِ الباءِ؛ مَوْضِعُ الْقِلادَةِ من الصَّدْرِ. وَالذَّبْحُ لِمَا عَدَاهَا، وَهُوَ: قَطْعُ الأَوْدَاجِ؛ أَي: الْوَدَجَيْنِ، وَهُمَا عِرْقَانِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ. فَقَوْلُهُم: الأَوْدَاجُ، تَغْلِيبٌ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، فَسُمِّيَت الأَرْبَعَةُ أَوْدَاجاً.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ؛ فَقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الأَرْبَعَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَكْفِي قَطْعُ ثَلاثَةٍ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَكْفِي قَطْعُ الأَوْدَاجِ وَالْمَرِيءِ.
وَعَن الثَّوْرِيِّ: يُجْزِئُ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ.
وَعَنْ مَالِكٍ: يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ))، وَإِنْهَارُهُ إجْرَاؤُهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِقَطْعِ الأَوْدَاجِ؛ لأَنَّهَا مَجْرَى الدَّمِ، وَأَمَّا الْمَرِيءُ فَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَلَيْسَ بِهِ مِن الدَّمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ إنْهَارُهُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّبْحُ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ، فَيَدْخُلُ السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ وَالْحَجَرُ وَالْخَشَبَةُ وَالزُّجَاجُ وَالْقَصَبُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ، وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ الْمُحَدَّدَةِ.
وَالنَّهْيُ عَن السِّنِّ وَالظُّفُرِ مُطْلَقاً، مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، مُنْفَصِلٍ أَوْ مُتَّصِلٍ، وَلَوْ كَانَ مُحَدَّداً. وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: ((أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ)).
فَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا عَظْماً، وَكَأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَن الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ، وَقَدْ عَلَّلَ النَّوَوِيُّ وَجْهَ النَّهْيِ عَن الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ، فَيَكُونُ كَالاسْتِجْمَارِ بِالْعَظْمِ.
وَعَلَّلَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيَ عَن الذَّبْحِ بِالظُّفُرِ بِكَوْنِهِ مُدَى الْحَبَشَةِ؛ أَيْ: وَهُمْ كُفَّارٌ، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَن التَّشَبُّهِ بِهِمْ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَبَشَةَ تَذْبَحُ بِالسِّكِّينِ أَيْضاً، فَيَلْزَمُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِلتَّشَبُّهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ هُوَ الأَصْلُ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْحَبَشَةِ، وَعَلَّلَ ابْنُ الصَّلاحِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ لِمَا فِيهِ مِن تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَلا يَحْصُلُ بِهِ إلاَّ الْخَنْقُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى صِفَةِ الذَّبْحِ.
وَفِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ رِوَايَةٌ عَن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الظُّفُرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى النَّوْعِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الطِّيبِ، وَهُوَ مِنْ بِلادِ الْحَبَشَةِ، وَهُوَ لا يَفْرِي، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ.
وَإِلَى تَحْرِيمِ الذَّبْحِ بِمَا ذُكِرَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ الْمُنْفَصِلَيْنِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: ((أَفْرِ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ)). وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ، خَصَّصَهُ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.